البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات ياسين الشيخ سليمان أبو أحمد

 1  2  3  4 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
أغاني تلج إلى القلوب من أوسع الأبواب    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

أستاذ محمد هشام ، زادك الله شرفا على شرف .
أعجبني ذوقك وصائب نظرتك فيما تفضلت به حول الأغاني العالية القيمة الفنية ، كما ان نقدك للغناء والمغنين يدل على ثقافتك الواسعة في هذا المضمار .
تساؤلك عن الجمهور وهل يعاني من مشاكل في السمع في محله تماما ، إلا ان "جورج وسوف " بصوته الأجش ، ربما يكون أكثر استساغة بكثير من بعض الأصوات الناعمة التي تغني مما هب ودب ولم يقر له قرار إلا على السيء من الأذواق العصرية . 
 فيما يخص " يا مشهرني " يمكن القول : إن فنيي صناعة أطقم أسنان مشاهير المغنين لم يفلحوا ، على ما يبدو ، في إتقان عملهم . ويمكن القول ، أيضا ، إن عمر المغني أو المغنية من الأفضل ان يتناسب مع المعاني المغنّاة . كما أن عبد الوهاب وأم كلثوم كانا قد عاشا نوعا من"مراهقة " كبار الأعمار لمّا عملا معا . تذكرت الآن نقدا يتعلق بعدم التناسب بين حال المغني والمعاني التي يغنيها كنت قد سمعته مرة ، ويخص أغنية "سماح" لمحمد قنديل ، والتي يقول فيها : " كتر الملامة عليَّ والله ما خلـِّتْ في َّ " ، وكان ، رحمه الله ، مفرط السمنة وقتها . أما الجرأة على النقد فلن يجرؤ مكاوي ولا غيره عليها إذا تعلقت بـ " ست الكل " كما يعلم الجميع ، ولا يعود ذلك لأسباب فنية دائما كما تعلم ، فالشهرة الواسعة للفنان ، وعلاقاته بكبار القوم ، تحول دون أن يكون محلا للنقد ، فيما عليه من مآخذ ، بحرية .
يبقى القول : إن ( شعبولا ) ، واحترام الناس لمعاني كراهيته للصهاينة ، هو ما كان على الأغلب سبب تقبل الناس له ، بالإضافة إلى بساطة ألحان اغانيه الأقرب إلى الأغاني الشعبية التي تدخل قلوب الناس ، متناسين ما اعتادوا عليه من صفة الجمال في الأصوات الرخيمة ، إذ كلما كانت المعاني في متناول غالبية الناس كلما نالت شهرة واستحسانا . ومن الأغاني القريبة نوعا ما من طريقة شعبان عبد الرحيم نجد اغنية نالت استحسانا ؛ أغنية شعبية بثوب فلسفي مبسط ، وهي " كتاب حياتي ياعين ما شفت زيه كتاب ، الفرح فيه سطرين والباقي كله عذاب " .
 وما دمنا مع الأغاني والذكريات ، فالأغنية التالية كلما أسمعها أتذكر معاني الأشعار العربية القديمة التي تتحدث عن الأحبة الذين نأت بهم الديار ، وربما أتى الشعراء فيها على ذكر الإبل ، أو مخاطبة حادي العيس . والأغنية للفنان السوري الراحل رفيق شكري ، وهي بعنوان : " بالفلا جمّال ساري " ، وقد أجاد المؤلف في معانيها ، وأجاد المغني الملحن في غنائها وتلحينها ، حينما انتقى لها السلم الموسيقي المعروف بـ " البياتي " ، وأدّاه بعاطفة رقيقة شجية ، يتخللها موال شامي : 
بالفلا جمال ساري
كلمات : عمر حلبي
لحن وغناء : رفيق شكري
 
بالفلا جمال ساري قُلتِ رايح فين
يا ناري عالمحبوب
يا ناري قايدة في الجنبين
 
يا رسولِ القلب قلّو للحبيب كلمة
من لهيب الشوق خِلّو ساقِلُو نِسمة   ( ساقَ لهُ)
حمَّلِتْ آهات قلبي والنسيم نعمة
يِسألِ الرحمن ربُّه  يشوف كحيل العين
 
دمعي عالخدِّين سايل والدمع فضَّاح
كلِّ ما في القلب قايل سرّه في الأرواح
قلّو يا جمَّال قلو مْنِ القلب ما راح
باقي عالأيَّام خِلُّو يفتديه بالعين
 
في سكون الليل أشكي من قلب مجروح
وِلْمين أقول، وْإيش أحكي من عذاب الروح
لا صبر أيوب جاني ولا قدرت أنا بوح
وبالفلا جمَّال هاني في حبيبه الزين
 
إيش تِقول يا جمَّال حين تكون حِدايْ
قلُّو نار الحب لاهبة وِمْشَعلِلة بِحشاي
يا ريتني نغمة يا جمَّال تدقها عالناي
يفرح المحبوب فيها ودمعتي بالعين
ومن الأغاني القريبة من العواطف السّوية ، والتي يتقبلها عامة الناس وكأنها أغنية شعبية متوارثة ، أغنية ممزوجة بموال مصري ، وهي بعنوان " عطار بقالي سنة " ، وأظنها لا تخفى على الكثيرين ، وغالب أشطرها يمكن ان ينطبق وزنه على إيقاع بحر البسيط الجميل ، ونتذكرها كلما مررنا بدكان للعطارة :                         
عطار بقى لى سنة قاعد ف دكانى
ماعرفش أهل الهوى ليه نسيوا عنوانى
فاتت صبية على خدودها قمر خوّاف
نطقت دموع السهر برموشها قالت لى عواف
قلت الله يعفيك أهلاً مرحب بيكى
كل الدكان ليكى عايزة يا حلوة بكام
قالت ألف وقية صبر يكون هدية
للنار اللى بيّا بس السعر كام
أنا قلت لها تمنه مش غالى
وعشانك يرخص الغالى
زعلت ومشيت وقالت
السوق جراله إيه
ظلم الحبايب غلي
والصبر يرخص ليه
رجعت تانى قعدت ف ضلِّ دكانى
وعرفت أهل الهوى ليه
نسيوا عنوانى

 وهناك أغنية لدي معها ذكريات خاصة تعيدني إلى أيام طفولتي ، لما كنت في السنة الثالثة الابتدائية ،  ولم اكن أفهم معناها بشكل صحيح سوى أن ظلما مّا حصل للمغني ، وسبب له الجراح ، مما أمرضه والجأه إلى الطبيب . وكانت دموعي تنهمر عند سماعها . الأغنية طبعا " ظلموه " لعبد الحليم حافظ ، وهي من لحن عبد الوهاب .                                           
 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
الأستاذ ياسين الشيخ سليمان : يسعدنا ويشرفنا أن نضيف اسمك إلى لائحة سراة الوراق كما يسعدنا قراءة تعليقاتك الجميلة التي تنم عن خبرة وثقافة عميقة نتمنى الاستفادة منها في مجالسنا ، فأهلاً وسهلاً بك وبكتابتك الماهرة والأصيلة والطريفة ولك منا كل التحية والتقدير ( ضياء ) . 
 

17 - فبراير - 2008
أغانٍ لها ذكرى في حياتي
الفاضلة ، الأستاذة ضياء :    كن أول من يقيّم

الأستاذ ياسين الشيخ سليمان : يسعدنا ويشرفنا أن نضيف اسمك إلى لائحة سراة الوراق كما يسعدنا قراءة تعليقاتك الجميلة التي تنم عن خبرة وثقافة عميقة نتمنى الاستفادة منها في مجالسنا ، فأهلاً وسهلاً بك وبكتابتك الماهرة والأصيلة والطريفة ولك منا كل التحية والتقدير ( ضياء ) . 
 
الأستاذة الفيلسوفة ، والأديبة والمربية الفاضلة ، والأخت الكريمة ، ضياء العلي ،
من ينتمي إلى الوراق وسراته ، وحضرتك وحضرات الإخوة الكرام من بين من أينعت بهم أفنانه ، يكتسب علما غزيرا ، وثقافة واسعة ، وفوق ذلك شرفا رفيعا أرجو ان أشتمَّ بعض عبقه الطيب الشذا ، وإن كنت دونه قيمة ومعنى . وإنها لسعادة عظيمة ، تلك التي غمرتني عندما وقع ناظري على كلماتك الجميلة التي ترحب بي ، وتحييني وتقدرني . أحمدك وأثني على حضرتك ، والشكر لك من القادر عليه سبحانه . وارجوه ، تعالى ، أن يديم ظلك الوارف ، لتظل اسرتك الكريمة ، وكذلك أسرة الوراق ، تنعم بفيئه الخلقي والعلمي في آن معا .
 
 

19 - فبراير - 2008
أغانٍ لها ذكرى في حياتي
في التذكار عبرة ، والحديث ذو شجون .    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم

السلام عليكم ورحمة الله ،
بدأ الأستاذ محمد هشام ، مشكورا ، موضوعه عن الأغاني والذكريات الجميلة . وبما ان الحديث ذو شجون كما نعلم ، فقد اخذتنا الذكريات إلى الأغاني وإلى الفنون الأخرى ، وكلها لنا معها بعض الذكريات :
الفنانون عموما ، وأخص منهم أهل الموسيقى والغناء ، ومعهم أهل التمثيل أيضا ، يشكلون لنا تذكارا يصعب علينا نسيانه ، وموعظة ما بعدها موعظة ، ذلك لأننا نعايشهم بوساطة صورهم وافلامهم السينمائية أو التلفازية ، ونستمع إلى مختلف اعمالهم عبر الإذاعات المتعددة  . والموعظة أو العبرة التي اعنيها تنبع من مطالعتنا أحوال أولئك الفنانين ، ومسيرة حياتهم منذ ان كانوا شبابا في مقتبل اعمارهم ، وحتى بلغ بعضهم من الكبر ما بلغ ، أو انتهى إلى مصيره المحتوم في عمر مبكر ، لنرى في صورهم انتقالنا من الصبا إلى الكهولة ثم إلى العجز ، بل ربما نعود لا نعلم بعد علم شيئا . هذه واحدة ، أما الأخرى ، فإننا نلمس العبرة في ما يفرط به الإنسان في مدة حياته المحسوبة بمقدار لا يزيد ولا ينقص ، وإذا به يندم على ما فرط به من صالحه  لآخرته .
قبل مدة يسيرة كنت أشاهد فيلما سينمائيا قديما ، مما تعرضه الفضائيات ، وهو بعنوان (سي عمر ) ، واظن ان معظمنا شاهد هذا الفلم الذي يمثل فيه نجيب الريحاني ، ومحمد كمال المصري (شرفنطح ) ، وعبد الفتاح القصري ، وماري منيب ، وزوزو شكيب وأختها ، وغيرهم كثيرون ممن أصبحت عظامهم مكاحل كما يقال . وعندما أشاهد عبد الفتاح القصري مثلا أتذكر كم نال من الشهرة ، ولو في أدواره التي تعتبر ثانوية ، أو كم اشتهر هو واسماعيل ياسين في مجموعة افلامهما المعروفة ، ولكن العبرة هي عندما أتذكر وفاته في أوائل الستينات من القرن الماضي ، حين لم يتبع جنازته سوى بضعة رجال بعد ان نال من الشهرة ما نال ، وبعد أن كان ملء السمع والبصر . وقبله نجيب الريحاني كان أكثر شهرة في المسرح والسينما ، ويقال عن وفاته أنها كانت بعيد انتهاء تصوير فلم (غزل البنات ) ، وكأنه تأثر قلبه من مأساته في قصة الفيلم المذكور ، والتي كانت أغنية عاشق الروح لعبد الوهاب في الفيلم تحكيها . أما محمد كمال المصري ، فالموعظة مما جرى له موعظة مؤثرة ، وعبرة معتبرة . وقد ذكروا من أخباره أنه كان يسكن في منزل لا يعرفه احد من معارفه من الفنانين ، وكان يخبيء نقوده في زنار يشده دائما على وسطه خشية السرقة او الضياع . ومن اراد التعاقد معه على فيلم أو مسرحية يجده جالسا أمام مسرح الريحاني . وقد حاول احدهم مرة ان يتعقبه ليعرف عنوان منزله فلم يفلح ، لأن( شرفنطح ) يأخذه خلفه ماشيا في متاهة تجعلته ييأس من المتابعة . أما الموعظة الكبرى فكانت في موت ذلك الرجل ؛ مات في منزله المجهول ، ولم يعرف جيرانه بموته إلا بعد أن انتشرت رائحة جثته بعد اسبوع !
ومن التذكار المؤثر أيضا هو حال ممثل ثانوي ، مثـّل ، هو واخوه ، في معظم الأفلام المصرية . هذا الممثل ، واسمه حسين اسماعيل ، والذي كلما اشاهده في فلم من الأفلام ، اتذكر انه مات منتحرا ، ولم أدر وقتها سبب انتحاره ، إلا انني اتذكر دائما أن السعادة ليست في شهرة أو مال . والممثل الشهير جدا أنور وجدي الذي أودى به مرض عضال وهو ما زال في عز الشهرة ، بعد أن غدر ، كما قيل ، بزوجه ليلى مراد ، المصرية اليهودية التي أسلمت ، حين تعرف على امراة فرنسية. والممثل الشهير عبد السلام النابلسي الذي انتهت حياته مفلسا في بيروت بعد أن اختلس بنك (إنترا) أمواله التي هي  شقاء عمره ، كما يقولون . وكنت ايام تلك الحادثة صبيا ، ومع ذلك فإنني حمدت الله كثيرا على انني لست كبيرا ولا ذو مال أكدسه في مصرف من المصارف التي لم أكن أدري وقتها هل هي كلها مصارف ( نصّابة ) ، أو كيف يحدث لها الانهيار؟! . هذه نماذج قليلة العدد من قصص الممثلين التي تجل عن الحصر عبر تاريخ التمثيل ، ولا يفوتني أن اختمها بذكر بعض من مشاهيرهم الذين رموا بالشهرة الزائفة وراء ظهورهم ، واستقبلوا الحياة بثوب جديد ، لا توشيه زخارف الدنيا وبهارجها إلا بمقدار ، وهم قد اتجهوا نحو آخرتهم بشيء من التدين بل ، وبعضهم ، من التصوف ، يروح بهم إلى طمانينة طالما افتقدوها اول الأمر . ومن هؤلاء على سبيل المثال : حسن يوسف وزوجه ، وابنة المرحوم الشيخ الحصري ، ومحمود الجندي ، ووجدي عبد البديع العربي الممثل بن الممثل ، والذي مثل في السينما منذ كان طفلا ، وغيرهم كثيرون لا تحضرني اسماؤهم الآن . وانظر اليوم إلى هذا الجيل الحاضر ، وأتساءل إن كان بعضهم يتعظ من سابقيه ، بل من معاصريه ممن انتهوا وهم في شرخ الشباب ؟!.
أما الموسيقيون والمغنون من الجنسين فحدث ولا حرج . سمعناهم من خلال المذياع ، وشاهدناهم في السينما وفي التلفاز ، ورأينا بعضهم رأي العين ، في وقت كنا نظنهم ذوي منازل اجتماعية هامة فاقت منازل غيرهم من الناس بما فيهم زعماء الدول . أذكر مرة ، ( انا فلسطيني من منطقة نابلس وجنين ) أن محرم فؤاد حضر أيام عز شبابه إلى إحدى دور السينما في مدينة نابلس ، وكان وقتها يسوّق لفلم له ، ولما وقف على مسرح دار السينما لم نصدق اعيننا ونحن نشاهده شخصيا يخاطبنا . وكان الناس أيامها مغرمين إلى ابعد حد بالرئيس عبد الناصر ، فبدأوا يصيحون بمحرم فؤاد : سلم على أبو خالد ، سلم على ابو خالد ، وما كان من محرم فؤاد إلا ان ابدى ذكاء وسرعة بديهة حين صاح هو ايضا : أبوخالد بيسلـّم على ابو عبد الله ـ وابو عبد الله هو الملك حسين الذي كان وقتها ملكا على الضفتين ، الشرقية والغربية لنهر الأردن  ـ وكان محرم فؤاد يعلم ، بشكل مؤكد ، ما كان بين جمال عبد الناصر وبين معظم الزعماء العرب من عداء حينذاك . ومحمد عبد الوهاب الذي عاش عيش الملوك ، واشتهر اكثر منهم ، ومعه ام كلثوم ، والسنباطي ، وزكريا احمد ، والقصبجي ، وليلى مراد ، والأطرش واخته أسمهان ، وممحد فوزي واخته هدى سلطان ، وعبد الحليم ، ومحمد الموجي ، وغيرهم وغيرهم مما لا مجال لذكرهم ، كلهم ماتوا ولم يعد جيل الموضة الجديدة يعرف عنهم إلا أقل القليل ، ولم يبق من هؤلاء ، لمن عرفوهم ، إلا بعضا مما قدموه من فن موسيقي فيه بعض الجدية والأصالة . وكلما اتذكر عبد الحليم حافظ أتذكر معه مباشرة أخا له كان مغنيا وهو اسماعيل شبانة ، ولكنه لم يشتهر خارج مصر رغم أن خامة صوته تشبه خامة صوت اخيه . أما وفاة عبد الحليم حافظ فقد احزنت الكثيرين من محبيه ، وكلما أتذكر وفاته أتذكر شباب مدينة الخليل في فلسطين ، والذين قيل عنهم إنهم اقاموا بيتا للعزاء بعبد الحليم ، على اعتبار ان آل شبانة في مصر أصلهم يعود إلى الخليل ، أو أن أصل آل شبانة في الخليل يعودون إلى مصر ، ولا ادري ما هو الصحيح في ذلك .
والكلام عن افلام السينما يذكرني بالكثير من الأفلام الأميريكية ، خاصة تلك التي كانت عن قصص رعاة البقر والهنود الحمر . لقد كانت تلك الأفلام تسلب عقولنا الصغيرة ونحن نتعاطف مع راعي البقر ضد الهنود الحمر ، الذين كنا نفهم ، جهلا وتاثير دعاية ، أنهم هم المعتدون دائما على رعاة البقر ، وكنا نـُسرّ أيما سرور ، ونصفق التصفيق الحار ، حين يتمكن الأمريكي الأبيض من قتل الهندي الأحمر المتوحش الذي يسلخ جلود الرؤوس ببلطته الحادة ، وما كنا ندري أن الهندي المسكين ، هو وعشرات الملايين امثاله ، قد قضى عليهم ذلك الأبيض المحبوب قضاء شبه تام ، زورا وبهتانا ، وظلما وعدوانا ، وطمعا في دنيا ، باطلها لا بد سائر إلى زوال . ويذكرني ذلك ، أيضا ، بحالنا ، نحن الفلسطينيين ، لما قالوا عن بلادنا إنها وطن بلا شعب ، ثم حدث ما حدث . وكنا نعجب بتلك الأفلام الأجنبية عندما نقيس مستواها الفني من ناحية الصوت والصورة ، مقارنة بلكمات فريد شوقي وهو يلكم مجمود المليجي ، وكان صوت اللكمة إما يتقدم او يتاخر عن صورتها ، عدا أنه لم يكن صوت لكمة ، بل هو إلى صوت الضرب على طبل اقرب . ولو كنا نعلم ما للأفلام الأمريكية من دعاية سامة ، ومن أثر فكري قتال ، لقلنا إن أسخف فيلم عربي أفضل منها ...
والمال يغر ، والشهرة تغر ، والطمع في الحصول على مال الغير ومصدر رزقه بغير وجه حق ، والسيطرة على مقدراته ، أكثر غرورا . والسعيد من يعتبر. والأشد عبرة وموعظة عندي من حال المغنين والممثلين هو كلما أشاهد فيلما وثائقيا عن زعماء الدول ، قديمهم وحديثهم ، وعن قصص توليهم الزعامة وما فيها من تسلط وجبروت ، ومؤامرات وخداع ، وعن خوضهم الحروب تلو الحروب  وتخلّ عن القريب قبل البعيد ، وعن الصديق عند الضيق ، وملاقاة المصير من الذل بعد العز ، ومن نفاد الحيلة بعد المقدرة ، تاخذني الدهشة ، وتضرمني الحيرة الحارة ، ويستبد بي الاستغراب أيما استبداد ، من حال الإنسان مع أخيه الإنسان . وأقرأ لعلماء التاريخ والسياسة والاجتماع ، وهم يستقرؤون أسباب حوادث الدنيا ؛ فمن قائل إن هذه طبائع الناس واحوالهم ، ومن قائل إن السياسة شيء والأخلاق شيء آخر ، ولا يلتقيان . ومن قائل إذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب .... أقوال كثيرة لم اذكر إلا القليل منها ، وكلها لا تروي ظمأ ظاميء ، ولو بعض ريّ ، ولا تسد رمق جائع ، ولو بعض سدّ ، ولا تجعل أيا منا يبيت خاليا ناعم البال . وأتجه إلى الفلسفة والفلاسفة ، وإلى اهل المنطق والكلام ، قديمهم وحديثهم ، مؤمنهم ومنكرهم ، فلا اجد إلا القليل القليل من الطمانينة التي إن وجدتها أشعّت في مشكاة ضيقة ، أجد أضعافها من الظلمة وقد امتلأت منها النوافذ الواسعة ، وانسدت من جراء سوادها الحالك الأبواب المشرعة ، ثم اروح في حيرة ما بعدها حيرة . وأتجه إلى كتاب الله ، وهو عندي وعند الملايين غيري ، خير ملجأ ، وأقدرُ على غرس الطمانينة في القلوب من كل الكتب ، فأفزع إليه فأستريح راحة المستسلم لأمر الله دون ان ان اتساءل لماذا وكيف . راحة لا اجد لها تفسيرا ، ولو كنتُ من أبلغ الناس منطقا ، واذكاهم عقلا ووعيا . إنها إحساس وشعور فياض بنور الهدى وحقيقة الحق الذي لن يحرمه الله احدا سعى إليه بقلب منيب سليم ، خال من كل شهوة محرمة .
وإلى لقاء آخر بعون الله .
 
 

24 - فبراير - 2008
أغانٍ لها ذكرى في حياتي
السلام عليكم ورحمة الله ،    كن أول من يقيّم

أخي الكريم ،
أرجو ان تعذرني في تساؤلي التالي :
هل يجن الواحد بحب الله جنونا حتى تلقب نفسك بهذا اللقب يا هداني الله وإياك؟ إن حب الله تعالى يفوق كل تعقل يخطر في بال أعقل العقلاء ، وكل عاطفة تجيش في صدر مؤمن ، أليس كذلك با أخي ؟ وأرجو ان لا تظن ان تساؤلي يتعلق بحريتك الشخصية ، فأنت وشأنك ، إلا ان من يحب الله حبا شديدا فإنه لا يوصف بالجنون أبدا . والجنون في الحب بين الناس ممكن الحدوث ، على المبالغة او على الحقيقة ، ولذا فإننا عندما نقرأ :
جننتُ بحب العامرية والهوى جنونا ولكن الجنون فنون ، فإننا لا نقرأ أمرا عجيبا جدا .
فيما يخص ما طلبته ، فقد جمعته لك مما قدرت عليه ، وذلك من القرص المدمج المسمى بـ "المحدث " ، بعد أن كتبت في خانة البحث جملة " كتاب الله وسنتي " ، فكانت النتائج التالية :
‏الجامع الصغير.
لجلال الدين السيوطي
 باب: حرف التاء.
وُجدت الكلمات في الحديث رقم:
3282 - تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض
التخريج (مفصلا): الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة
تصحيح السيوطي: [سكت عنه، وحيث هو في المستدرك فلعله صحيح عنده. أنظر شرح المناوي] ‏
 
باب: حرف الخاء.
وجدت الكلمات في الحديث رقم:
3923 - خلفت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي. ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض
["الحوض": الكوثر]ـ
التخريج (مفصلا): أبو بكر الشافعي في الغيلانيات عن أبي هريرة
تصحيح السيوطي: حسن‏
مفردات ألفاظ القرآن.
للأصفهاني
*** وجدت في: كتاب الواو. ..
..وقال لعلي رضي الله عنه: (أنت أخي ووارثي. قال: وما أرثك؟ قال: ما ورثت الأنبياء قبلي، كتاب الله وسنتي) (قال السيوطي في اللآلئ المصنوعة 1/324: إنه موضوع، وكذا ابن الجوزي في الموضوعات 1/346)
أخي المتعلق بحب الله تعالى ،
لو كان طلبك يتعلق بالأحاديث التي تتضمن كلمة " عترتي " بدلا من " سنتي " ، أو لا هذه ولا تلك ، إنما كتاب الله وحسب ، لنسختها لك أيضا ، رغم أنك لم توضح مقصدك من طلبك .

27 - فبراير - 2008
كتاب الله وسنتي
حول الإعجاز العلمي في القرءان الكريم    كن أول من يقيّم

السلام عليكم ورحمة الله ،
لنا ان نتساءل عن معنى الآية الكريمة المذكورة دليلا على الإعجاز العلمي عند من أنزلت عليهم أول مرة ، وماذا فهموا من معناها ، هم  ، ومن تلاهم من اجيال ، حتى صار الناس يعرفون التناسب العكسي بين مقدار الضغط الجوي والارتفاع عن سطح الأرض ، واثره على ضيق الصدر من جهة التنفس . أما إحساسهم ، أي القدماء ، بالمشقة وضيق الصدر خلال صعودهم إلى قمة جبل ، أو ارتقائهم سلما طويلا مرتكزا على بناية عالية ، فهي معرفة اكيدة ، ولكن المفسرين القدماء لم يربطوا ، على حد معرفتي ، بين الآية وبين المشقة وضيق النفس الحاصل من معاناة الصعود إلى الأعلى ، بل إنهم فسروا " كانما يصّعد في السماء " بمحاولة الصعود إلى السماء دون القدرة على الصعود بالطبع ، وهذا ما روي عن ابن عباس ( رضي الله عنه) . وربما يقول قائل : إن القرءان الكريم يخبر الناس في كل عصر بما توصلوا إليه من معارف ، وهذا من الإعجاز الذي فيه . ولكن هذا القول يتطلب أن يوجد في القرءان كل ما توصل إليه الإنسان ، بإذن الله ، من معارف علمية ، وهذا غير معقول . والذين آمنوا من ملايين الناس السابقين لم يكونوا ، في معظمهم ، من علماء الطبيعيات ، بل إنهم كانوا من ذوي النوايا الحسنة ، الصادقين في إيمانهم ومحبتهم للحق ، وكرههم للباطل بكل اشكاله والوانه . ومعظمنا يعلم أن من يصعد في السماء قدُما حتى ينخفض الضغط كثيرا ، فإن ضغط دمه من داخل جسمه لا يجد ما يعادله ، فينفر دمه من جسمه إلى خارجه ؛ من انفه او من اذنيه أو عينيه أو اي مكان آخر . ولا ادري إن كانت هناك آية قرءانية كريمة تصف هذه الحال! ولقد سعى الإنسان بجهده ، وبإذن من الله تعالى ، في الصعود في السماء مراحل بالغة الطول ، واستخدم الطائرة والصاروخ ، والمراكب الفضائية ، وقام بمعادلة الضغط ، وحمل معه الهواء يتنفسه ، فلا ضيق صدر ، ولا حرج ، ولا مشقة ، فما فائدة الإعجاز المتوهم في الآية عند بعضنا إذن ؟
لقد خاطب الله سبحانه عباده وعبيده جميعا بما يرونه ويلمسونه حولهم من كون دقيق منتظم ، وفي نطاق خبرتهم اليومية ، ولفت انظارهم ، واجتلب اسماعهم ، وحض عقولهم على التفكر في بدبع ما أبدع ، ليصل بالتالي إلى أنفسهم ودواخلهم ، ينقيها مما يعلق بها من شهوات فاسدة ، ومن عجب وخيلاء واغترار بقوة ، حتى يضع خطاهم على السبيل القويم الذي في سلوكهم إياه خيرهم في دنياهم وآخرتهم . هذا هو الإعجاز الحقيقي ؛ أن تنظر في السماء وما فيها من كواكب ، واقمار ، ونجوم ، وان تتفكر في المطر تسوقه الرياح اللواقح للغيوم ، فتتلقاه الأرض الجديبة فتنبت من كل زوج بهيج .
وما اجمل قول الشاعر! :
ديمة سمحة القياد سكوب  * مستغيث بها الثرى المكروب
لو سعت بقعة لإعظام نُعمى * لسعى نحوها المكان الجديب .
أو أن تنظر في نفسك كيف الله سواها ، فالهمها فجورها وتقواها ، لتعلم علم اليقين أن من يزكي نفسه يكون من الفالحين ، وان الذي يدسّيها فيترعها بالمعاصي والذنوب ، يكون من الفاشلين الخائبين . هذا هو الإعجاز المعجز .
ومن الآيات الكريمات آية يظنها بعض الناس انها تتحدث عن انفتاق الكواكب عن الشمس ، وينسون أن هذه نظرية علمية ، أي انها لم تصل درجة ما يسمى بالحقيقة العلمية . والآية من سورة الأنبياء ،  وهي :
" أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون.. " . هذه الآية ، من قدماء المفسرين من ذكرأنها تعني انفصال السماوات السبع عن الأرضين السبع ، ولم يذكروا على ذلك دليلا ، وهم بهذا مثل من يقول في عصرنا هذا الحاضر بالنظرية العلمية عن انفصال الكواكب عن الشمس ، وكلا الفريقين تفسيرهما غير دقيق . ولو تفكرنا في الآية قليلا لرأينا أن " أو لم ير " تعني الرؤية ُ فيها العلمَ المؤكد الذي لا حدس ولا تخمين فيه ، أو المعرفة بالمشاهدة ، أو بالنقل الموثوق ثقة مطلقة . قصة اصحاب الفيل مثلا ، والواردة في القرءان ، تبدا بـ ( ألم تر ) ، ومع ان حادثة الفيل لم يشهدها النبي عليه الصلاة والسلام إذ حدثت يوم مولده الشريف ، إلا ان أخبارها متواترة موثوقة ، من جهة حدوثها على الإجمال ، وتفصيلِ ما يلزم الناس منها قد ذكره الله تعالى . الله تعالى يخاطب الناس بما لهم قدرة على معرفته والتفاعل معه ، أو سبق لهم ان علموا عنه شيئا ، فيورده الله عبرة لهم وموعظة ، هذا ، وإن ادق تفسير واكثره إقناعا هو ما روي عن ابن عباس من فتق السماء بالمطر ، وفتق الأرض بالإنبات ، وهذا إعجاز ما بعده إعجاز .
إنني اتفق مع القائلين : إن الإعجاز العلمي في القرءان الكريم لا يتفق وهذا الفهم الذي نقرؤه في بعض الكتب ، وفي الشبكة العنكبوتية ، والذي يطلع علينا كل يوم بإعجاز جديد ، يُظن انه من الكتاب الكريم ، وما هو منه .
وفي القرءان ما ينبئنا عن شيء سوف يحدث ، ونحن نؤمن إيمانا قاطعا بما ورد في كتاب الله . فإذا كان الإخبار بيّن الدلالة قطعيّها ، فالجدال فيه من باب المراء الذي لا يرضاه أي مؤمن . ومثال ذلك ما ورد من غلبة الروم على الفرس في بضع سنين ، وهذا ما حدث في وقته بلا ريب . ومن امثلته ايضا ما ورد عن بني إسرائيل في سورة " الإسراء " من الإفساد في الأرض مرتين . وعلى هذا فإننا ، مثلا ، نؤمن بيوم البعث ، وبالثواب وبالعقاب ، دون ان تقول لنا النظريات العلمية عن الأرض إنها إلى زوال ، ودون ان تقول لنا العديد من النظريات عن العديد من التنبؤات العلمية ، بل إن العلم الطبيعي لا يثبت اليوم الآخر ولا ينكره ، لأن هذا ما زال ليس من شأنه ، على الأقل في عصرنا ، ولا ندري رأيه في مستقبل الأيام .
ومن الإعجاز الذي درج بعض الناس على ذكره ما يسمى بالإعجاز العددي ، وهم يبالغون فيه أحيانا مبالغة عظيمة ، ويخلطون بينه وبين حساب الجمل أو ماسمّي بعدّ أبي جاد ،  الذي اخترعه القدماء ، واشتغلوا فيه حتى ظن بعضهم أنه حساب له اصل من الدين ، وقد ألف بعض المعاصرين كتبا فيها من التنبؤات المبنية على هذا الحساب ما فيها ، وما كان أغنانا عن إعجازات كهذه . ومن الإعجازالذي لا ريب فيه هو ان الله ينصر المؤمنين على الكافرين الذين يعتدون على المؤمنين ، وإن كان المؤمنون قلة ، لكنهم يأخذون بالأسباب . ومن العجيب أننا نجد على الشبكة أن سرعة الضوء مذكورة في القرءان الكريم ، وكأن قول آينشتين الذي قال بثبات سرعة الضوء قول لا يعتريه الباطل ابدا ، وكان سرعة الضوء قد عرفت بدقة نهائية ، مع العلم ان هناك من العلماء من يقول بوجود ما هو اسرع من الضوء . ويفوُت اولئك أنهم لا يجوز لهم ، عقلا أو شرعا ، قياس سرعة لأمر الله ، أو لملائكته ، أو لكل ما هو من الغيب المطلق ، فالمفاهيم البشرية للزمان والمكان والحركة لا تصلح لذلك ، حتى ولو كانت تعتمد على نسبية  آينشتين ، أو غيره من علماء العلوم الطبيعية وفلسفتها .

27 - فبراير - 2008
الاعجاز العلمي في القرآن
الاتهام بالخيانة يلزمه الدليل القاطع    كن أول من يقيّم

أيها الأساتذة المشاركون المحترمون ،
السلام عليكم ورحمة الله . لدي المشاركة التالية ، والتي ارجو ان تكون مرضيا عنها من حضراتكم رغم تواضع علم صاحبها :
اتهام ابن خلدون بالخيانة أمر لم يتنزل علينا من السماء ، فهو يحتمل الأخذ والرد ، إذا انتهجنا منهجا علميا صرفا في بحثنا حول صحة ذلك الاتهام من عدمها ، وتجنبنا دواعي العاطفة التي ربما تهولها المفاجاة التي تنتقص من علامة اعتدنا على الاعتزاز بفكره أيما اعتزاز . ووفقا لهذا المنهج الذي ذكرناه ، يمكننا القول : إن النصوص المذكورة ، والتي قيل عنها انها بقلم ابن خلدون نفسه ، والتي اتخذ منها الدكتور سرمك دليلا على إدانة ابن خلدون ، لن تصمد بحال أمام نقد مغاير يمكنه تبرئة الرجل ثم الحكم عليه بالجبن مثلا ، أو إيثار السلامة كما تفضل الأستاذ احمد وذكر من قبل . وربما نقد آخر يبريء الرجل ويحمد له سياسة اتخذها مع تيمورلنك آملا من ورائها إنقاذ ما يمكن إنقاذه من بطش ذلك الطاغية الشهير، دون الحاجة إلى تهمة بالخيانة من الأصل . ولقد صدق الأستاذ سعيد وهو يتساءل عن خيانة يبوح بها صاحبها أمام الملأ ، وهو يعلم تمام العلم انها خيانة وأية خيانة !
إن التفكير بعقد هدنة بين التتر واهل دمشق لا تعد خيانة أبدا . ولو كان الدكتور سرمك سفيرا لقوم ضعفاء ، إلى سفاك للدماء شديد الباس ، فما عساه يفعل في مثل تلك الحال ؟ إن صلاح الدين الأيوبي ، رحمه الله ، وأظن أن الدكتور من بني قومه ، عقد صلح الرملة مع الصليبيين ، ويقال عنه إنه لقي من التهم بالخيانة والتقاعس ما لقي ، وهو المجاهد العظيم الذي دون صفحات من المجد والعز في زمن قلت فيه الأمجاد حتى كادت ان تنمحي ، فهل يتفق الدكتور مع من اتهموا صلاح الدين الذي كانت قد انهكت جيوشه حروب طال امدها ؟ ولا ارغب بضرب مثل حدث منذ مدة قليلة إلا مضطرا . السيد جلال الطالباني ، وهو من زعماء قوم الدكتور وفقا لظني ، زار الجمهورية التركية وصاح بملء فيه :  " أيها المقاومون الأكراد ، يا حزب العمال الكردستاني ، اخرجوا من شمال العراق ، ولا تلقوا بنا إلى التهلكة.." ، أو كما قال . وهل يمكن للدكتور سرمك أن يتهم الطالباني بالخيانة إلا إذا كان الطالباني مسجلا لدى السي .آي . إي ، أو لدى المخابرات التركية ، ولا يعصي ما يؤمر به ، ويقبض راتبا لقاء خدماته ؟ ثم تفاصيل بلاد المغرب تلك التي فصلها ابن خلدون ، ما دخلها بدمشق واسوارها ونقاط ضعفها ؟ وهل يقسم الدكتور سرمك أن طلب التمرلنك معرفة تضاريس بلاد المغرب كان من اجل غزوها ، ولا يمكن ان يكون لدينا أو لديه تاويل إلا هذا التاويل ، ونحن وهو نعلم تماما ما ذكره ابن خلدون وغيره من تضاريس اقطار الأرض كلها ، بمدنها ، وقراها ، وجبالها ، وبحارها ، وانهارها ، واحوال سكانها ؟
ولو انتقلنا من ابن خلدون إلى غيره كالغزالي مثلا ، لوجدنا من لام الغزالي ، وربما اتهمه بالخيانة ايضا ، على عكوفه في قبة صخرة بيت المقدس ، وهي تحت الاحتلال الصليبي ، وهو يؤلف كتابه " الإحياء " دون ان يعرض بالاحتلال ، أو يحرض المسلمين على القتال  . هذا ، وأين زمان من زمان ، وظروف واحوال من ظروف واحوال أخر؟ وما يدرينا ان الغزالي كان يسعى لإحياء الدين على حقيقته في النفوس كما يراه هو ، آملا من وراء ذلك تنشئة اجيال تتمكن من الخلاص؟ أما الجابري ، وشريط , ومنيف ، فقد اتهمهم الدكتور بالتستر على ابن خلدون رغم اعترافه بمكانتهم العلمية المعتبرة في البحث والاستقصاء في فكر ابن خلدون وسيرته . إن اتهام الدكاترة والأساتذة المذكورين بالتستر على خيانة ابن خلدون المزعومة فيه انتقاص من الدكتور سرمك لنفسه بنفسه من ناحية سلامة البحث والفكر العلميين ، حيث من الواجب العلمي عليه أن يحتمل أن هؤلاء الأساتذة ليسوا من الغباء لهذه الدرجة حتى تمر عليهم خيانة ابن خلدون دون ان ينتبهوا لها طوال هذه السنين من الدرس والبحث . أما مجرد اتهامهم بالتستر بلا دليل قاطع ، فليس من العلم في شيء . ولو شئنا ان نتهم ، أو لو كان ذلك من طبيعتنا ، لاستسهلنا القول بان الدكتور سرمك ظن أنه كشف عن امر خفي على الجهابذة ، أو إنهم علموه لكنهم تستروا عليه خشية ان تقوم عليهم قوائم الاتهام بالعمل على تدمير الفكر العربي وخيانته ، فتشجع هو وقام بما قام به ، ويكون بهذا قد حاز قصب السبق ، كما يقال ، في اكتشاف لم يُسبق .
إن الامم في حال انحدارها المعرفي ، واندحارها الثقافي ، وبالتالي تراجعها المادي والمعنوي ، بغض النظر عن ذكر الأسباب في ذلك ، ربما يندفع بعض افرادها من مفكرين ومثقفين إلى الإنحاء باللائمة على فكر لمفكر ما من مفكريها ، أو لتخطئة منهج انتهجه زعماؤها والمتنفذون فيها ، وهذا امر يمكن تعقله ، أما الاتهام بالخيانة دون برهان ساطع ، أو سلطان بين ، فلا يُقابل إلا بالاستهجان . ولا يظنن ظان أننا من الذين ينفون تهمة الخيانة عن بعض خلق الله من بني الإنسان رغم انها مستبعدة أخلاقيا وعقليا عن مفكر كبير مثل ابن خلدون ، وإن سبق ميكيافيللي في تبرير الوسيلة بالغاية كما قال بعض الأساتذة ، ولكننا لن نسلم بها دون دليل عصي على التاويل . وهذا ما نرى العقل السليم يطلبه ، ناهيكم عن الشرع الحنيف .
ولنفرض ، جدلا ، أن ابن خلدون كان خائنا بمعنى من المعاني ، فما هو انعكاس ثبوت هذه الصفة الشنيعة على نظرتنا لفكره الذي ملأ أسماع العالم العربي ، بل العالم كله ؟ وكيف لنا أن نتصرف حيال فكر وسلوك متغايرين لعالم نشأت على فلسفته في علم الاجتماع أجيال واجيال..؟ وما الفائدة التي تعود علينا بكشفنا هذه الخيانة ؟ أرجو من حضراتكم أن تتكرموا فتجيبونا ، وأن تدلونا على ماذا نفعل ، حتى نخرج من نطاق الأقوال إلى العزم على فعل الأفعال .
دمتم جميعا بخير .

13 - مارس - 2008
خيانة ابن خلدون !!!
ابن خلدون لم يكن خائنا    كن أول من يقيّم

أستاذي الكريم عبد الحفيظ ،  وباقي الأساتذة والدكاترة الإخوة الأكارم ، ممن شاركوا في العرض والتعقيب على تهمة الخيانة الموجهة إلى ابن خلدون :
أبدا بأسفي على تأخري بالتعقيب على مشاركة أخي الأستاذ عبد الحفيظ القيمة كوني مكثت على سفر عدة ايام . هذه المشاركة سعدت بها كثيرا ؛ لأنها تركزت على معنى تأويل النصوص عموما . وما دام التاويل يعني محاولتنا الكشف عن حقيقة الشيء ، وأن نستخدم في ذلك وسائل عدة من اهمها المنطق ، وان ناخذ في الحسبان أن الحقائق ربما تكون مطموسة لاعتبارات متعددة ، فإننا إن لم نفعل ذلك ، وتغاضينا عن تلك الاعتبارات ، نكن ، في أغلب الأحوال ، عرضة للوقوع في الأحكام الخاطئة .
 هذه الحقائق التي يمكن ان تكون قد طمست لاعتبارات متعددة ، منها الاعتبارات التاريخية والعقائدية ، ومنها ، فيما اظن ، مدلولات ألفاظ اللغة ومعانيها ودورها في تاويل النصوص ، ومنها ، أيضا ، فهم مدلولات السياسة المتقلبة بين عصر وعصرمشابه او مخالف ، وبين حال وحال مغايرة لها ولو في زمان واحد ومكان واحد ، كل هذه الحقائق المطموسة ، والتي إن بقيت مطموسة ، فإن ذلك يمكن ان يكون سببا في إصدارنا الأحكام المتناقضة على القضية الواحدة . ولكننا إذا لم نسقط تلك الحقائق من حساباتنا ، فسوف نصدر احكاما أقرب إلى الصحة إن لم تكن كاملة الصحة ، واكثر بعدا عن الهوى الشخصي ، والعاطفة المتقلبة . ومن عادة بعض الناس الحكم بالخيانة على كل من لا يتفق سيره مع سيرهم الفكري في فهمهم ، وما يظنونه أمورا عقائدية لا تتغير ولا تتبدل ، ويظنون ايضا ان السياسة تتعارض مع الدين في كل الأحوال ، خاصة إذا كانت تتعلق بالوطنية أو القومية ، حتى وإن اختلفت الأحوال باختلاف الأزمنة والعصور . ومثال ذلك من يفتخر ويعتز بالانتماء إلى عرق من الأعراق ، ودينه الإسلام مثلا ، فإنه يجد من يتهمه بخيانة الدين مقابل اعتزازه بقوميته . أما ابن خلدون ، فلا أدري سببا لاتهامه بهذه التهمة الشنيعة ، وهو لم يكن لا ملكا ولا قائد جيش ، ولا صاحب منعة أو عزوة ، ولا له سيطرة أو أمر نافذ حتى على عصبة قليلة العدد من الثوار، إنما كان الناس والملوك يعظمونه لعلمه وجودة فهمه .  وإذا كانت هناك من خيانة ، فإن الأولى بالاتهام بها من كانت بيده مقاليد الناس ، ويستطيع حمايتهم من عدوهم ولا يفعل ، ومع ذلك فإنه يمكن ان يوصف بالتقاعس ، إلا إذا كان التقاعس خيانة بالمعنى المتعارف عليه . وهنا يخطر لي أن نتفق على تعريف موحد للخيانة حتى نتمكن من اتخاذ هذا المعنى مقياسا نقيس به افعال المتهمين بها واقوالهم . ولو اتفقنا ، فرضا جدلا ،على أن تسليم الملك الكامل الأيوبي لبيت المقدس للصليبيين ، واستعانته بالأجنبي ضد اخيه المعظم عيسى ، خيانة ، فإن ذلك لم يقم بمثله ابن خلدون ولا برهان الدين ابن مفلح . ولو صدّقنا التهم التي ألقاها من القاها على صلاح الدين نفسه لعددنا لصلاح الدين مجموعة من الخيانات ما فعل ابن خلدون واحدة منها . وإن صح ما قيل عن عمرو بن العاص من انه خدع ابا موسى الأشعري ، وخان العهد الذي بينهما حول خلع علي ومعاوية ، فإن ابن خلدون لم يفعل ذلك . وإن صح ما قيل عن خيانات أبناء الملوك والسلاطين من المسلمين آباءهم ، أو إخوتهم ، عربا وغير عرب ، وقتلهم إياهم طمعا في الملك والسيطرة ، فإن ابن خلدون لم يفعل ذلك . ماذا نريد من ابن خلدون إذن حتى لا يكون خائنا؟ وفي عصرنا هذا الحاضر ، وجدنا من الملوك والأمراء من خلعوا آباءهم أو إخوتهم . ووجدنا من الرؤساء من قضى على صحبه في النضال والكفاح ، وخان العهود التي عقدها معهم ، ولفق لهم التهم من كل ناحية ، وربما سلب منهم حيواتهم على اعواد المشانق ، فأين ابن خلدون من كل هذا؟ لقد خبر ابن خلدون احوال الناس في عصره وقبل عصره ، وتفهم اسباب بطش الباطشين ، واختبر خداع المخادعين ، وعرف ان لكل حال ما يناسبها من تصرف في القول او الفعل ، فكيف لنا ان نعيب عليه تقبيل يد تيمور، وهي عادة كانت سارية عند غالب اهل الأرض من القادة والملوك ، فما بالنا بقائد مغولي لا يلذ له ولجنده إلا لعق دماء الناس من كل جنس ولون؟
وابن خلدون ، كما نعلم جميعنا ، رجل عمل في السياسة بجانب كونه مؤرخا وعالم اجتماع وفقيها . والذي يعلم أحوال الأمم وقادتها ، ومصالحها ومطامعها أكثر من غيره بكثير لا بد وأن يتصرف فيما يغاير ما اعتاده الناس من تصرفات . وهو لما قبّل يد تيمور ، وأشاد به وبعظيم ملكه وحكمته ، لن يكون بالضرورة معتقدا بصحة ما قال أو فعل اعتقادا مطلقا ، إنما كانت الضرورة القاهرة هي التي اوقعته في مداهنة تيمور ، واملت عليه أن يفعل ما فعل .  ولن نقارن فعل ابن خلدون مع تيمور بفعل ربعي بن عامر مع قائد الفرس ، وبين الحالين بون شاسع من كل ناحية . وفي زماننا هذا نجد من يقبل يد ملكة بريطانيا مثلا ، بل يد ممثلة سينمائية ، أو يد راقصة عارية في ملهى من الملاهي ، نجده وقد تهلل فرحا ، واختال عجبا بما تمكن من التقبيل ، دون ان يخطر ببالنا نعته بالخيانة إنما نقول : هذا هو " البروتوكول " الذي ارتضاه لنفسه ، وكفى . 
إن اسفنا على ما حل بدمشق واهلها من بطش تيمور وجنده ، وحسرتنا على ما جرى لأطفالها من جرائم ، وحنقنا على ابن خلدون لم لم يستنكر ما حل بدمشق ربما يجعلنا  نعيب على ابن خلدون تقصيره دون امتلاك دليل قاطع على هذا النعت بالتقصير، معتمدين على انه لم يذكرذلك في كتاباته ، مثلما يعيب بعضنا على " أوغلو " رئيس منظمة المؤتمر الإسلامي الذي ندد بما حصل لليهود في القدس منذ مدة قريبة ، ولم يذكر ما حصل في غزة من جرائم الصهاينة التي تشيب لهولها الولدان قبل أن ياتيهم دورهم في القتل ، ولكن الكثيرين منا لم يطلقوا لفظ الخائن على ذلك الرجل . هو ، من وجهة نظره التي يخالفه فيها العديد من المهتمين بهذا الشأن ، يرى في الصهاينة والنظام الحاكم في الولايات المتحدة قوة وجبروتا ليس بمقدورالعرب والمسلمين مواجهتهما إلا بالمداهنة ، وباستغلال الظروف المواتية حتى يقضي الله امرا كان مفعولا ، في الوقت الذي نرى ان " اوغلو" لا يقف حجر عثرة أمام من يسعى إلى النهوض بالمسلمين نحو العزة والمنعة  . وبرهان الدين ابن مفلح ، لما أجبر الدمشقيين على الاستكانة لتيمورمع عدم وثوقه التام بصدق تيمور، كان كالغريق الذي يتعلق بقشة ، ويأمل أن في سلوكه هذا مع التتر ربما يبعد اهل دمشق عن كارثة وشيكة لا قبل لهم بدفعها حتى لا تقع . ولكن لو قتل تيمور كلا من ابن مفلح وابن خلدون أترون ان دمشق كانت تسلم من جرائم التتار؟ ها هي غزة خاصة ، وها هي فلسطين عامة ، والعراق ، وغيرهما من البلدان التي تعيش المآسي الفظيعة في العالم كله ، وفي أهلها من هم مثل ابن خلدون وابن مفلح الكثير ، وما لهم من اثر فعلي يُذكر ، وهم في غالب الأحوال إن اتهموا يُتهموا بالتقصير، او فساد الرأي دون الخيانة .
إن الخيانة أمر بشع ، ولا يجوز ،عندي وعند الكثيرين غيري ، اتهام أحد بها إلا إذا كان مثل أبي رغال . والعجز والجبن ،   وممالأة أصحاب القوة والنفوذ كلها امور اراها مذمومة اشد الذم ، ولكن استبدالها وتحويلها إلى خيانة دون برهان واضح جليّ يجعل معظم الناس يصنفون من الخائنين . ولو لم يكن محمد بن عبدالله ــ عليه صلوات الله وصلوات المؤمنين وسلامهم ــ نبيا رسولا ، لاتهمه بعض اصحابه بما هو غير واقعي لمّا أقدم على عقد صلح الحديبية . 
يبقى علي ان اذكر ما تفضل به احد الإخوة من تساؤل حول الحظوة التي كان يلقاها العلماء في بلاط تيمور. والإجابة على هذا التساؤل يمكن ان تلقي ضوءا على موضوعنا . ويمكن ان يكون تيمور محبا للعلم والعلماء ، كما يمكن ان يكون قد استغل مكانة العلماء عند الناس فاستمالهم وخدعهم وخدع من وراءهم من اهل البلاد التي كان يعتدي عليها ، ويمكن ان يكون غير ذلك ، هذا وإنني أرى في قول الدكتور احمد من نفي لتهمة الخيانة عن ابن خلدون ، والاكتفاء بالعيب عليه ، أمرا اقل وطاة على النفوس ، وأقوم قولا ، وأقرب إلى الحقيقة ، من إلصاق التهمة بالخيانة دون دليل .  والله تعالى اعلم .
تحياتي ومودتي وتقديري .
 

17 - مارس - 2008
خيانة ابن خلدون !!!
خاص بالأستاذ الكريم زهير ظاظا    كن أول من يقيّم

أستاذي الكريم زهير ظاظا ،
أعتذر لك ابتداء عما تأخرت به من التعقيب على مشاركتك القيمة التي توجهت بها إليّ ، فقد كنت على سفر لعدة ايام ، مما حال بيني وبين قيامي بواجب المسارعة إلى شكرك ، وذلك بتبيان مدى احترامي وإعجابي بخلقك الحسن ، وبعلمك الواسع بالبحث العلمي الدقيق في النصوص وخاصة النادر منها ، وبطول مراسك وجمال ذائقتك في الأدب الرصين ، وفي اللغة والتاريخ ، وفي نظم الشعر العالي المستوى اللغوي والفني ، وفي غير ما لا اعلمه من مجالات المعرفة .
بخصوص ظني الذي تفضلتَ بذكره ، والذي تضمنته مشاركتي في الدفاع عن ابن خلدون، أو بالأحرى عدم تقبل تهمة الخيانة دون دليل ، فقد كنت قد قصدت به  الدكتور حسين سرمك حسن ، والذي نُشرت مقالته في تخوين ابن خلدون في جريدة الاتحاد الكردية ، وقد اتهم فيها من اتهم من الباحثين ــ ذكرت منهم الدكتور منيف في مشاركتي السابقة خطأ ــ  في فكر ابن خلدون بالتستر على خيانته المزعومة دون دليل ، وهذه المقالة ذكرها الدكتور مروان ، ومنه عرفتها ،  ولم أتوجه بالظن في النسب إلى الدكتور الكريم أحمد إيبش ، والذي كنت بالفعل أظنه كرديا أيضا ، وما عرفته تركيا إلا بعد توجيهك إياي . نعم الأصل أصلك وأصله ، وبارك الله جهودك الخيرة .
أما الخلاف في نسب صلاح الدين يوسف بن أيوب ، عليه سحائب الرحمة والغفران ، فهو كما ذكرت يا استاذي الكريم ، بل إن هناك من يقول إن أصل صلاح الدين يعود إلى العرب ، وأظنك تعلم ورود ذلك في " مفرج الكروب في اخبار بني أيوب " لابن واصل ،  بل وأبعد من ذلك إلى الأصول الفرنسية ، كما علمتُ من البحث في الشبكة العنكبوتية . وإن الذي يعنينا ، كما تعلم حضرتك ، من صلاح الدين ، هو فعله لا نسبه ، فكلنا من أب واحد وأم واحدة ، وما يفضل الناس بعضهم بعضا إلا بعلمهم وتقواهم ، وخدمتهم لأمتهم ودينهم ، ولكن معظمنا اتبع ما شاع من انه كردي الأصل . ويتفق ذلك مع ما نقله ابن العماد الحنبلي صاحب الشذرات عن ابن خلكان قوله : " اتفق أهل التاريخ على أن أباه ـ يعني  أبا صلاح الدين ــ  وأهله من دُوين .." ، وذلك عند استعراضه حوادث السنة التي توفي فيها صلاح الدين .
أخي وأستاذي الكريم ،
 إنني من المعجبين كثيرا بالمسلمين المجتهدين العاملين على إعلاء كلمة الإسلام من غير العرب ، فهم قد برعوا في مختلف العلوم الدينية وغيرها ، وجاهدوا في نصرة الإسلام وأهله عبر العصور . وإن أصل حضرتك الكردي ، وأصل الدكتور إيبش التركي ، ومن أصله من الأساتذة الكرام من الأمازيغ ، وكذلك من أصله من العرب ، فكلها أصول أصحابها على العين والرأس ، وأبدي لها ولأصحابها ، مثلما أكنّ ، كل احترام ومحبة وتقدير ، ذلك لأننا يجمعنا دين واحد في معظمنا ، ولغة واحدة ، وتاريخ مشترك ، وأهداف توحدت عندنا في ديننا الحنيف الذي هو في الأصل دين الإنسانية جمعاء . وفي بلادي فلسطين من الأكراد جماعة معروفة ، ولم يحس الفلسطينيون ، يوما ، أن بينهم وبين آل الكردي أية فروق ، بل إنهم اختلطت دماؤهم ، وتوحدت عاداتهم ، وتمازجت تقاليدهم حتى لم يعد ما يمكن أن يميز بينهم في شيء .
ونعود إلى ذكر الأصول والأنساب بشيء من الإطالة لنجد أكثر الناس لا يعرفون عن أصلهم شيئا أو ربما يعرفون النزر القليل المبهم ، وذلك لتباعد الأزمان وقدمها ، والانتقال بين البلدان لأسباب الفتوحات والحروب ونتائجها ، والبحث عن سبل العيش مع الحياة الكريمة من بلد إلى بلد . ومن بقي حتى الآن يعرف عن أصله شيئا ، فقد عرفه من وثائق دونتها الكتب ، أو من أقوال تناقلتها الأجيال لم تسلم دائما من التحريف بقصد أو بغير قصد . وفي بلادي فلسطين الكثير من العوائل انتسبت في برهة معينة إلى إلى عوائل وحمائل أكثر منها عددا ، وأشد قوة ومنعة ، في زمن ساد حكم الحمائل فيه ، وسادت فيه الفتن والحروب الداخلية ، فلم يجد الضعفاء إلا الانتساب إلى الأقوياء ، فضاعت أصولهم الحقيقية ، ونشأ أحفادهم لا يعرفونها على الإطلاق . حتى من هم في الأصل من أصل واحد انقسموا فيما مضى ودارت بينهم رحى الحرب على اشدها أيام النزاع على السلطة وسيطرة المصالح ثم صاروا اليوم لا يعرفون لهم أصلا مشتركا . وفي نفس الزمن المذكور سادت الطرق الصوفية بين الناس ، وتسمي بعضهم باسمها ، بل وانتحل بعضهم النسب الشريف ، وأشاعوا ذلك بين الناس حتى ظنوا الصدق  فيه على مر الزمن . كل هذا يدل على صعوبة البحث في معرفة الأنساب خاصة في زماننا المعاصر . وانت يا سيدي ، ما زلت ، بحمد الله تعالى ، تعرف أصلك الكردي الكريم ، وتعرف أن أبويك الكريمين من ديار بكر ، أما انا فلا اعرف عن أصل حمولتي (آل زعرور ) أكثر من أنهم قدماء في فلسطين ، ومن المحتمل أن يكونوا على قرابة مع آل زعرور في سوريا ، وفي حمص بالذات . وفي شرق الأردن منهم جماعة كبيرة في منطقة عجلون ، ومنهم في الخليج العربي ، ولا ادري هل كل أولئك الزعارير من أصل واحد أم لا . ومن آل زعرور في فلسطين مسيحيون أيضا ، وربما اشتركوا معنا في الإسم أو اللقب لا غير . وتعلم حضرتك كم هي الصلات وثيقة بين حمائل بلاد الشام كلها من جهة أصولهم وأنسابهم . و البلدة التي انا منها وما زلت اسكن فيها ، واسمها " سيلة الظهر " ،( والظهر جبل في ظاهر البلدة إلى  الشرق يسمى " القبيبات" ، والواقف على قمته إذا نظر جهة الشمال رأى الجبل الشيخ في سوريا بوضوح ) ، تمييزا لها عن " السيلة الحارثية " نسبة إلى الأمراء الحارثيين حكام تلك المنطقة في القرن العاشر الهجري ، والواقعة إلى الغرب من جنين ، سيلة الظهر هذه  إلى الجنوب من مدينة جنين ، وعلى بعد عشرين كيلومترا تقريبا ، وإلى الشمال من نابلس على نفس البعد تقريبا . وقد ذكرت السيلة في العديد من الكتب التاريخية وكتب البلدان باسم" سيلة " ، والنسبة إليها " سيلي " ، وفي بعض المراجع المتأخرة ، كالضوء اللامع في اعيان القرن التاسع للسخاوي ينسبون إليها فيقولون " سيلاوي "  . وبلدتي لا تبعد كثيرا عن بلدة " رامين " جارتنا الواقعة إلى الغرب من بلدتنا على مسافة قليلة ، والتي ينسب إليها بنو مفلح الذين منهم برهان الدين بن مفلح ، والذي ورد ذكره في المصادر التي ذكرها الدكتور أحمد إيبش ، والتي تستعرض ما فعل تيمور بدمشق واهلها . وكذلك لا تبعد بلدتنا عن " جماعيل أو جماعين " الواقعة قرب نابلس و إلى الجنوب منها ، والتي خرج منها بنو قدامة الحنابلة أيام الاحتلال الصليبي ، وسكنوا صالحية دمشق ، ومنهم الموفق صاحب " المغني " . ولا بد وان حضرتك تعلم أن الشيخ عبد الغني النابلسي قد زار " جماعيل " عام  1101 هـ ، وهي بلدة أجداده ، وذكر ذلك في " الحضرة الأنسية " ، وله ابيات شعرية قالها لما قدم إليها وشاهد آثار دور اجداده ، وأحفظ منها :
عرفت الدار دار بني قدامة = ودار الصالحين لها علامة
فقلت لها دُويرة هل تعودي = فقالت لا أعود الى القيامة
وقالت أين قومك قلت حلـّوا = بأرض لا تحل بها ندامة
وهم بالصالحية من دمشق  = جدودي يُعرفون بنو قدامة
وأهل بلدتي كلهم حنابلة ، أيام كان للمذاهب الفقهية صيتها ،  إلا عائلة واحدة هم آل زيد الكيلاني ( الجيلاني ) فهم شافعية ، ولا أدري سبب ذلك وجدهم الشيخ عبد القادر كان حنبليا .
وختاما ، أتقدم لحضرتك بالشكر على تفضلك بإيضاح شك الملك الأمجد الأيوبي في نسبة الأيوبيين إلى الأكراد ، وفي هذا ما يدعو إلى البحث والتنقيب لغرض العلم لا غير . وذكرك للملك الأمجد يذكرني بأبيه الملك الناصر داوود وبشعره الرائق الجميل ، والذي أحفظ منه أبياتا ذكرها صاحب الشذرات:
           
قـلـبي وطرفك قاتل وشهيد ودمي  على خديك منه iiشهود
يـا  ايها الرشا الذي iiلحظاته كـم دونـهن صوارم iiوأسود
ومن العجائب أن قلبك لم يلن لـي  والـحـديد ألانه iiداود
تحياتي ومودتي لحضرتك .

17 - مارس - 2008
خيانة ابن خلدون !!!
شكر وعرفان    كن أول من يقيّم

 

رأيـت  سـفـحـكَ في شرقي iiمصّين

 

 

 

 

 

فـأيـن  بـيـتـك فـي تلك iiالبساتين

وأيـن مـن هـامـة الـعلياء iiموطنها عـلـى  الـقـبيبات مهد الشيخ ياسين
حـيّـي شـبـابـكِ عني في iiبطولتهم يـا  (سـيـلـة الظهر) يا أم iiالميامين
وأوقـفـي الـشـمس إني ساهر iiظمئ لـعـل يـاسـيـن مـن كفيك iiيسقيني
أنـا  هـنـا بـلـهيبي لو نظرتِ iiإلى (غـرس  الـدوالي) فماذا لو iiتضيفيني
أنـا  ابـن جـرحـك تاريخي iiحرائقه كـمـثـل  حـبك يجري في iiشراييني
ولـيـس  يبقى من العمر القريح iiسوى حـبـي  الـكبير وشعري في iiفلسطين
وذاك سـلـوان أيـامـي الـتي iiبقيت الـبعض  من شرفي والبعض من iiديني
أجـل  سـلـيـمان والدنيا وأنت iiترى تـلـهـو  بـناري ولكن ليس iiتطفيني
شـكـراً مـحـبـتك السمحاء iiأحفظها فـضـلا عـلـيَّ وعطرا في iiدواويني
قـرأت شـعـرك لـم أبـلـغ iiحدائقه كـأنـنـي فـيـه أمشي في iiالرياحين
ومـا  نـسبتَ إلى الزعرور عن iiعبث هـنـاك تـكـثـر أعشاش iiالحساسين
عليك من (عين زكري) ما روت وسقت (سـيـلون)  في جنة من حورها iiالعين
أرى فـلـسـطين في عيني وفي iiيدها سـخـط الـشـعـوب وآلام iiالملايين
لابـد  أسـطـورة الـتـوراة iiتسقطها عـلـى  رؤوس الأفـاعي iiوالشياطين
سـتـون عـامـا مـن الإجرام iiلعنتها فـي  الأبـريـاء تـدوّي iiوالـمساكين
يـا رب دنـيـاك إسـرائـيل iiتخدمها كـل  الـدسـاتـيـر فـيها iiوالقوانين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخي الكريم ، واستاذي صاحب المقام الخطير ، زهير ظاظا ،
شرفتني وأهل فلسطين ، والله ، بهذه المنظومة الرائعة . ولن أتمكن من شكرك ، ولو حاولت ، فما لمثلي أن يبلغ مبلغك . بارك الله فيك ، ونفع بك أمة الإسلام والناطقين بالعربية .
 

19 - مارس - 2008
خيانة ابن خلدون !!!
القلب العقل ليس هو المضخة .    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم

تعقيبا على ما تفضل به الدكتور يحيى من مقالة ذات أهمية وفائدة ، أتقدم بما لدي ، راجيا عفو الله إن اخطات او أسأت :
الآية القرءانية الكريمة التي تجعل القلب محلا للعقل ، وهي الآية السادسة والأربعون من سورة الحج ، والتي ذكرها اخونا الدكتور يحيى في مقالته ، جزاه الله خيرا ، ونصها : " أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " ، توضح تماما أن المقصود بالعقل ليس هو آلة الدماغ نفسها ، وما يُعينها من آلات الحواس كالسمع والبصر واللمس . آلة الدماغ والحواس المقصود بها هو العقل النظري المجرد أو الخالص ، وهو الذي اشار إليه الفيلسوف " إيمانوئيل كانط " مثلا ، واعتبره غير قادر على إثبات الغيبيات ، أي غير قادر على البرهنة على وجود الله عز وجل . ولذا رأيناه يعزو الإيمان بالله وبالدين إلى أمر اخلاقي ، وبهذا يكون العقل النظري المجرد يكوّن معلوماته ويخزنها نتيجة لتفاعله مع المادة لا غير. الأخلاق إذن عند " كانط "هي مصدر الدين وليس العقل الخالص . ويجعلنا هذا نعود إلى الوراء قرونا لنجد أبا حامد الغزالي يرتاب في مقدرة العقل النظري  على البرهنة على صدق البديهيات ، إذ إنه لما حاول ذلك فشل فشلا ذريعا ، وأصابه المرض في جسمه ونفسه ، وما شفاه من علته إلا ما أفاده من النصوص الدينية التي تذكر النور او الهدى ، وبهذا تخلص الغزالي من الشك في المسلمات لا عن طريق العقل الخالص ، إنما عن طريق نصوص الدين ، وقد ورد ذلك في " المنقذ من الضلال " . الأخلاق والنور والهدى هي إذن ما يشكل العقل الواعي بالإيمان بما وراء المحسوس . ويتبع لهذا العقل العواطف بأصنافها كلها . ومن هنا نفطن لمعنى الفطرة التي فطر الله سبحانه الناس عليها من الإيمان به تعالى . وعلى هذا ، فإن القلب المذكور في القرءان الكريم بمعنى العقل لا يمكن ، أيضا ، ان يكون العضلة المعروفة ذاتها . ولواستبدلت عضلة القلب في إنسان مؤمن بعضلة قلب إنسان جاحد كافر ، فلن يؤدي ذلك إلى جعل المؤمن كافرا ابدا . ولو تمكن علماء الطب من صنع قلب من البلاستيك ـ  ربما فعلوا ذلك وأنا لا اعلم ـ ، أو من أية مادة اخرى ، فلن يكون صاحب القلب البلاستيكي قد فقد عواطفه ، سواء كانت محمودة او مذمومة . والدليل على ذلك يكمن في عدل الله ورحمته . وكم من مريض بعضلة قلبه وهو مدمن على طاعة الله ، ويتطلب شفاؤه تغيير قلبه كاملا ، ولن يضيع الله طاعته ويجعله في صفوف الجاحدين وهو ما يزال على سرير الشفاء . وبهذا نستغني عن البحوث الغير مؤكدة حول حالة من يتبدل قلبه بعملية جراحية ، وإلى ماذا تؤول أحواله وطباعه .
أما الحديث الشريف الذي أورده الدكتور يحيى ، فحبذا لو انه أورده كاملا . إن فهم الحديث باكمله يلقي ضوءا على معنى القلب ، بعيدا عن صفته الطبية والتشريحية . والحديث بتمامه في واحدة من صوره : "  إن الحلال بين، وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس. فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه؛ ألا وإن لكل ملك حمىً، ألا وإن حمى اللَّه محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب." . وواضح أن الحديث يحث على الحذر مما نشتبه في حرمته ، وأن نتقي الوقوع فيه . وذكر القلب مباشرة بعد هذا التحذير يجعل معناه يدور حول التقوى ، وهي امر غير مادي ، ولا دخل لصفة القلب التشريحية فيها . إن تأثر عضلة القلب بالانفعالات ، مثل سرعة الدقات وازدياد عددها ،  وما ينتج عن ذلك من اختلال في حركة أعضاء الجسم المختلفة ، إلى غير ذلك مما هو في معناه ، لا يعني بالضرورة أن عضلة القلب هي الفاعلة ، إنما هي المنفعلة . اللص تسرع نبضات قلبه عند إحساسه باقتراب رجل الشرطة منه ، والوالد تسرع نبضات قلبه خوفا وحنانا على ولده الذي يتألم من مرض ألم به . الانفعال نفسه حاصل من سببين متغايرين تماما . إن صلاح القلب العضلة يتم بالعلاج إن كان فساده ناتجا من  مرض عضوي حين لا تعود عضلة القلب تعمل ما يجب عليها من عمل سليم ، فأين هذا من المعنى الحقيقي للحديث الشريف المذكور؟ هل يصبح المريض بالقلب وهو إنسان تقي وقد استحال إلى رجل فاجر بعد ان اختل اداء قلبه المادي ؟! أما كلمة " مضغة " الواردة في نص الحديث ، فهي لا شك انها تعني قطعة من اللحم ، ولكنها لا يشترط في معناها القصد المادي نفسه ، إنما يمكن ان تشير إلى موقع العضلة من جسم الإنسان كموقع مركزي على سبيل الأهمية . ويشبه هذا المعنى معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم من ان ما  يكب الناس على وجوهم ، أو على مناخرهم في جهنم هو حصائد السنتهم . اللسان إما يتحرك بذكر الله والحث على الخير، أو يتحرك بالنميمة والفساد والعبث واللغو ، وفي كلا الحالين ننسب فعل الكلام إلى اللسان ، وما نقصده في الواقع هو صاحب اللسان . ولو ألمت باللسان علة منعته من الحركة ، كلسان الأبكم مثلا ، لبقي مدار الثواب والعقاب على ما يفعله هذا الأبكم ، او ينتوي قوله ولا يستطيع .
وأسوق هنا ما جاء في "الجامع لأحكام القرءان" من شرح لمعنى الآية الكريمة : " ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه.."
يقول : " أعلم الله عز وجل في هذه الآية أنه لا أحد بقلبين، ويكون في هذا طعن على المنافقين الذين تقدم ذكرهم؛ أي إنما هو قلب واحد، فإما فيه إيمان وإما فيه كفر؛ لأن درجة النفاق كأنها متوسطة، فنفاها الله تعالى وبين أنه قلب واحد. وعلى هذا النحو يستشهد الإنسان بهذه الآية، متى نسي شيئا أو وهم. يقول على جهة الاعتذار: ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه." . ويبدو واضحا أن المقصود بالقلبين ليس العضلتين الضخاختين ، إنما المقصود أن إيمانا وكفرا لا يجتمعان معا في عقل واحد . 
 وعلى اية حال ، فإن ما يميل إليه الدكتور يحيى ، وما ذكره عن الدكتور زغلول النجار ، وما قاله الإمام الغزالي من قبل ، كل ذلك يشير إلى المعنى الغير مادي للقلب . هذا ، والله تعالى اعلم .

21 - مارس - 2008
القلب
 1  2  3  4