اسكت، لا تتحدث، لا تناقش، لا تفكر، لا تكتب، لا ... وإلاَّ ... ولله الأمر من قبل ومن بعد . كن أول من يقيّم
السلام عليكم ورحمة الله
أهل الحديث هم أهل النبي وإن ** لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا
كان الإمام الشافعي رحمه الله تعالى يقول : عليكم بأصحاب الحديث فإنهم أكثر الناس صوابا .
وعَنْ عَلِيٍّ رضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّه قَالَ: ( لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفلُ الخُفّ أَوْلَى بِالمَسْحِ مِنْ أَعْلاَهُ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِر خُفَّيْهِ ) قال الحافظ ابن حجر : أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
فلسنا ممن يتقول على الله بالرأي، ولا ممن يرد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بمحض التشهي أو محض العقول .
ونحن نُشهد الله على حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونقبل كل ما جاء به، كيف لا وهو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى .
وما دمت أختي الكريمة ( عبير ) دعوتنا إلى الرد، فإننا لن نرد عليك، وإنما سنهمس في أُذنك همساً، ونتدارس معك تدارساً، وندعوك إلى إفادتنا بما منَّ الله عليك، والباب مفتوح غير موصد، شريطة التأدب بآداب العلماء الصالحين، والفقهاء المخلصين، وشعارنا : ما روي عن الإمام الشافعي : " (رأينا صواب محتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ محتمل الصواب)" .
ومن أخلص النية لله أفاد، ومن تأدب أجاد، ومن يطلبِ الحقَّ يُدركْه .
1 ? ابن خلدون قد يكون مصيبا وقد يكون مخطئاً، وهذا الأمر يسري على كل العلماء، وكل مجتهد له حض من الاجتهاد، فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر .
2 ? المقصد الأول من طرح هذا الأمر هو تقرير رأي لعالم من علماء الإسلام، بغض النظر عن صحته أو صوابه، والثاني : تجلية بعض الجوانب المتعلقة بهذا الموضوع .
3 ? قولك أختي الكريمة : روى البخاري في صحيحه عن سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الشِّفَاءُ فِي ثَلاثَةٍ شَرْبَةِ عَسَلٍ وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ وَكَيَّةِ نَارٍ وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الْكَيِّ ) .
فهل نأخذ بهذا الحديث الصحيح فى أصح الكتب بعد الكتاب والسنة ام لا..........????
فهذا الحديث نأخذ به، لأنه صحيح، وهو في أصح كتاب بعد كتاب الله، وهو صحيح البخاري، ولكن يا أختي الكريمة، أوضح لك بعض النقاط المهمة وهي كما يأتي :
أ ? الحديث النبوي ليس هو في درجة واحدة، وأعني ما صح سنده، وليس من قائل بأن الحديث كله على درجة واحدة، يقول الحافظ العراقي في فتح المغيث : "حيث يقول أهل الحديث: هذا حديث صحيح، فمرادهم فيما ظهر لنا، عملا بظاهر الإسناد، لا أنه مقطوع بصحته في نفس الأمر؛ لجواز الخطأ والنسيان على الثقة، هذا هو الصحيح الذي عليه أكثر أهل العلم خلافا لمن قال: إن خبر الواحد يوجب العلم الظاهر"
ب - قد ذكر الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه القيم " المنار المُنيف " ضوابط للأحاديث الواردة في الطب وغيره، ومنها :
. اشتماله على أمثال هذه المجازفات التي لا يقول مثلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي كثيرة .
. ومنها تكذيب الحس له كحديث الباذنجان لما أكل له .
. ومنها سماجة الحديث وكونه مما يسخر منه، ومثل له بأحاديث منها : - لو يعلم الناس ما في الحلبة اشتروها بوزنها ذهبا - بئست البقلة الجرجير من أكل منها ليلا بات ونفسه تنازعه ويضرب عرق الجذام في أنفه كلوها نهارا وكفوا عنها ليلا - الجوز دواء والجبن داء فإذا صار في الجوف صار شفاء فلعن الله واضعه على رسول الله صلى الله عليه وسلم - عليكم بمداومة أكل العنب مع الخبز - عليكم بالملح فإنه شفاء من سبعين داء .
. ومنها مناقصة الحديث لما جاءت به السنة الصريحة مناقضة بينة .
. ومنها أن يكون الحديث باطلا في نفسه فيدل بطلانه على أنه ليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، ومما مثل به : - حديث ست خصال تورث النسيان : أكل سؤر الفأر، وإلقاء القمل في النار وهي حية، والبول في الماء الراكد، وقطع القطار، ومضغ العلك، وأكل التفاح الحامض . - وحديث الحجامة على القفا تورث النسيان .
. ومنها أن يكون كلامه لا يشبه كلام الأنبياء فضلا عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو وحي يوحى كما قال الله تعالى ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) أي وما نطقه إلا وحي يوحى فيكون الحديث مما لا يشبه الوحي بل لا يشبه كلام الصحابة .
. ومنها أن يكون الحديث بوصف الأطباء والطرقية أشبه وأليق . ومثل لذلك بأحاديث منها : - الهريسة تشد الظهر - أكل السمك يوهن الجسد - وحديث الذي شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قلة الولد فأمره أن يأكل البيض والبصل - وحديث أطعموا نساءكم في نفاسهن التمر .
ج ? الحديث أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الطب، باب الشفاء في ثلاثة، ومسلم في صحيحه، في كتاب السلام، باب لكل داء دواء واستحباب التداوي .
فالإمام النووي رحمه الله بوب عليه بفقهه فقال : واستحباب التداوي، وهذا فيه مَلْحظ لطيف، وهو أن هذه الأحاديث نستفيد منها استحباب التداوي من حيث الجملة .
والسؤال هو : هل نأخذ بهذا الحديث على عمومه ?
أو كما قلت أختي : ( فهل نأخذ بهذا الحديث الصحيح في اصح الكتب بعد الكتاب والسنة ام لا..........???? )
فأولا أظنك تقصدين : أصح الكتب بعد كتاب الله، أي صحيح البخاري .
والجواب من كتابٍ لفقيهٍ محدث، شرح أحد أعظم الكتب في تاريخ السنة المشرفة، وهو الحافظ ابن حجر، الذي قيل في كتابه : ( لا هجرة بعد الفتح )، فقد قال بعد أن أورد نصوصا لبعض العلماء في معنى الحديث :
" .. وقد قيل: إن المراد بالشفاء في هذا الحديث: الشفاء من أحد قسمي المرض؛ لأن الأمراض كلها إما مادية أو غيرها، والمادية كما تقدم حارة وباردة، وكل منهما وإن انقسم إلى رطبة ويابسة ومركبة فالأصل الحرارة والبرودة، وما عداهما ينفعل من إحداهما، فنبه بالخبر على أصل المعالجة بضرب من المثال .." فالحديث من العام المخصوص كما ترين، ليس على عمومه .
ونحوُه ما نقله الحافظ عن الإمام الفقيه المحدث أبي سليمان الخطابي في شرح معنى حديث : "الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا الموت" وهو في الصحيحين أيضا :
( قوله : "من كل داء" هو من العام الذي يراد به الخاص؛ لأنه ليس في طبع شيء من النبات ما يجمع الأمور التي تقابل الطبائع في معالجة الأدواء بمقابلها، وإنما المراد أنها شفاء من كل داء يحدث من الرطوبة ) .
ونقل عن أبي بكر بن العربي الإمام الفقيه المالكي قوله : " العسل عند الأطباء أقرب إلى أن يكون دواء من كل داء من الحبة السوداء، ومع ذلك فإن من الأمراض ما لو شرب صاحبه العسل لتأذى به، فإن كان المراد بقوله في العسل ?"? فيه شفاء للناس ?"? الأكثر الأغلب فحمل الحبة السوداء على ذلك أولى "?? كتاب الطب، باب الحبة السوداء .
وما أريد التوصل إليه من خلال هذه الأمثلة وهي كثيرة أننا أبدا لم نخرج عن هدي المحدثين، فلماذا المصادرة للآراء إذاً .
والسلام ، وللحديث بقية فيما يأتي :
|