حول الاستدلال ..في ظل انظمة الكون الرمزية? كن أول من يقيّم
تحية اجلال وتقدير لمن شاركني في هذا السجال العلمي والفلسفي الذي يبدو غريبا الى حد ما عن معشر المشاركين في مجالس الوراق الموقرة.
تحية للاستاذة الجليلة ضياء وللاستاذ الفاضل عبد الحفيظ على ملاحظاتكم النيرة التي اعقبت اقتراحي بخصوص طرح موضوع الاستدلال باسلوبيه.
صحيح انني دججت مقترحي بمجوعة من المصطلحات والمفاهيم ، كان علي تبسيط القول اولا في مبادئ الابيستيمولوجيا المعاصرة او ايضا نظريات المنطق وفلسفته او حتى كذلك نظريات مثل الرياضيات المورفولوجية والفلسفة الطبيعية والنموذج الابستيمولوجي والمعرفية...
وصحيح ايضا ان اكون امينا فيما انقلة الى العربية من مصطلحات فلسفية تستدعي تارة التوقد والنباهة في وضعها لما لها من حمولة فكرية وعلمية وتارة اخرى ذكر اللغة الاجنبية التي ننهل منها لاسيما وان الترجمة من اللغة الفرنسية هي ليست من اللغة الانجليزية..
ومع ان الاستاذة الجليلة والاستاذ الفاضل تفضلا بتعقيبهما ، وهذا ان دل على شيئ فانما يدل على حسن اطلاعهما وتتبعهما للفكر والفلسفة والعلوم التي مااحوجنا اليها الان لتفسير ظواهر الكون وحل الغازها وخباياها ، فكلما كان الموضوع محددا ورصينا الا واستدعت الضرورة الى استخدام لغة ربما اشبه بلغة السهل الممتنع.. وكلما تعقدت الافكار كلما تشابكت اللغة الواصفة في معانيها وتناسلت دلالاتها شيئا فشيئا . وهذا مااجبرني على استعمال لغة سليمة لاكنها متشاكلة كتشكل الوان الطيف..
كان علي ان اقدم هذا الموضوع في اطار ما يسمى الآن بتكامل المعارف . الفلسفة فكر شمولي وهي ام العلوم طبعا ولكن استقلالية العلوم عن بعضها البعض اعاد طرح هذه المرجعية الفلسفية من وجهة نظر ابيستيمولوجيا محضة . فترى في يومنا هذا عند تطور العلوم (سواء منها الدقيقة او العقلية او الانسانية ) دعوة للتوحد لكن بصيغة اخرى وهي اضفاء المشروعية الفلسفية والابيستمولوجية على جميع هذه العلوم حتى تكون رصينة . فتجد ان كل معرفة علمية مرجعية فلسفية تؤطرها وتشرعنها (ان شئنا).
كان علي ان طرح الموضوع من جانب واحد وهو مفهوم الاستدلال في المنطق حصرا. وايضا كان علي ان اطرح الموضوع من جانب الابسيمولوجيا كذلك. او حتى الاستدلال في الرياضيات حصرا .
ولكن..
كنت وساكون مضطرا دائما وابدا ، ان اضع امام اعينكم هذا النص ولربما كان افصحا لو فسرت وشرحت المصطلحات المذكورة .لقد كنت موجزا وهذا الاقتضاب جعلني محصورا اكثر بين دهاليز المفاهيم والمصطلحات .
ساقول هنا انسجاما مع ما ذكرته اعلاه انه تحكمتني منظومة الكون المطبوعة بالاشكال الرمزية والظواهر المورفولوجية ( انا لست فينومينولوجيا) التي بدات تطرح نفسها بالحاح شديد في الساحة العلمية والتقنية. وما طرحي لمفهوم الاستدلال (وليس مصطلحا) الا استجلاء لما لحق بالنظريات العلمية حديثا.بمعنى ان هذا المفهوم ( الارسطي-اليوناني) شكل العمود الفقري للعلوم التي اشتغلت به وتاريخ العلوم شاهد على ذلك طبعا. الاستدلال هذا وظف يف المنطق الصوري الارسطي وهو نموذج منطقي نستنتج به ما يسمى المقدمات الكبرى في النتيجة فحين ننطلق مثلا من فرضية (مقدمة) أ --- ب وب---ج اذن أ---ج هذه صورة منطقية تطبقعلى القضايا التي يبث فيها بالصدق والكذب . وحينما وضع ارسطو اورغانونه فانما اراد ان يضع نظاما متكاملا لهذه الصورة المنطقية في مقولة القياس فسحبها على خطابات اخرى فتجد ضمن هذا الاوركانون فن الشعر والخطابة .. تطور هذا المفهوم عبر تاريخ الفلسفة مع مجموعة من الفلسفة امثال ديكارت وكانط واصحاب الفلسفة الوضعية وعلماء رياضيون متأخرون عليهم. فاصبح بالتعبير الابيستيمولوجي المعاصر نموذجا (براديغم) يتم به نمذجة نظريات العلوم وما عليك الا ان تنتقل بينها فتجد ان هيكلها واحد . فان اردت ان تبني نظرية علمية ما فما عليك الا ان تنمذج وتصوغ (تبسيطا) على منوال نظرية ما ، نظرية اخرى فتقوم بنقل البراديغم لكنك تحتفظ به في جهة ما من نظريتك الجديدة واذاك لا نقول بمفهوم القطيعة الابستيمولوجية كما عند باشلار بل هناك امتداد وتحديد جهوي للبراديغم وهذه العملية لابد لها من اساليب منطقية صرفة تساعدك على هذا الجعل الجديد . فالنمذجة فيما بين العلوم هي التي تجعل تناسلها سريعا ومتكاملا ومتناسقا ، ونظرا لدور النظريات العلمية في تدقيق الوصف في مواضيعها المدروسة وعلى سرعتها وبداهتها اضحى من الحتمي ان تشمل باقي الظواهر الكونية التي يصعب فك لغزها ،فتجد ان العلوم تتفرع يوما بعد يوم وهذا يتطلب اساليب صورية منطقية ورياضية لمعالجة ما علق بكنه هذه الظاهرة او تلك . وكان على النظريات الرياضية في ان تستنجد بفلسفة طبيعية ارادت ان توسع من دائرة ظواهرها فبعد ان كانت تهتم بكنه وماهية الشيء اصبحت تعنى بأشكال ومورفولوجية وانساق الاشياء في الوجود . من هنا انبثقت رياضيات جديدة سميت برياضيات اشكال الحدس او بالاحرى نظرية رياضيات الكوارث(theorie des catastrophes) وهي رياضيات جديدة من اهدافها فهم ماهية الاشكال الرمزية للكون ، وما انتجه المعلوميات وعلوم الكميوتر خير دليل على تطبيق هذه النظرية من حيث البحث في لانهائية الاشكال الرمزية والتي تثبتها ايضا انظمة العلوم شتى ( مثلا علم النبات فعلى الرغم من تشابه ماهية الخلية فان الشكل المورفولوجي لا يمكن ان يكون مماثلا ) افلاتعتقدون في نمذجة المفاهيم التي ما هي الا تصورات تترجم الحالات التي يغدو عليها وبها الفضاء الكوني ، هي اذن شبكة نستطيع بها فهم خبايا مما قد يكون جزءا صغيرا ضمن منظومة عظمى نحن حتما في حاجة الى جهاز مفاهيمي جديد هو عبارة عن منظار واسلوب الاستجلاء ما قد يكون مبهما . وبواسطة مفهوم كهذا (الاستدلال) نختبر هذه الاشكال الرمزية ، فان اثبت صدقها كنا امام حقيقة علمية دقيقة وان لم تثبت صدقها فاننا امام زيف علمي ونستدعي حينها اساليب اكثر نجاعة ومرونة من تلك التي تقف عند حد ما وما يثبته الاستدلال الصوري هو البرهنة على القضايا صوريا وليس رمزيا لان ذلك يصطدم بقرائن اخرى حجاجية / حدسية . فالذكاء البشري ليس دائما يهتدي للاستدلال البرهاني بل كذلك للبرهان الحدسي وهو رمزي طبيعي من صميم الاشكال المورفولوجية ومنها اللغة الطبيعية .
للاخ عبد الحفيظ اقول ان موضوع هندسة اللغة هو موضوع من هذا الصميم (باعتباره شكلا رمزيا ونظاما مورفولوجيا )واذ نريد هنا التجذر الابستيمولوجي والفلسفي لموضوع ذي اهمية كبرى ضمن اشكال الكون الرمزية (وتشديدي على الرمزي كثيرا) بامياز.
اعتذر ان كنت اكثر غموضا مما قبل ، واتمنى ان اكون بسطت القول في هذا الكثير ، وسأبقى رهن اشارتكم انى شاتم ولكم مني اجمل تحية علمية والسلام. |