البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات أحمد إبراهيم أحمد أبو آسر

تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
قدسية اللغة العربية1    كن أول من يقيّم

بعض أمتنا شديد السخاء حين يتكلم عن لغتنا العربية فلا يبخل بوصفها بـ:

"الشريفة ?لغة القرآن ? فصحانا ? الفصيحة ? المقدسة ? خير اللغات والألسنة ? فريدة من نوعها ? لغة الكتاب العزيز ?شرط لاستمرار وجودنا المعتبر ? شرط لصواب الدينونة كلها ?جزء من عقيدتنا ? قدسية اللغة العربية ? ثوب قدسيتها وشرفها ? إرادة الله ومشيئته واختياره"

وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على انحياز عاطفي هائل لفكرة.. مجرد فكرة، إذ تؤكد كل هذه الأوصاف انفعالية الانحياز المسبق لإثبات هوية معينة للغة العربية دون دليل عقلي مجرد مبني على شواهد علمية، واستناداً على آراء مشابهة تنطلق من موقع انفعال يتجاوز الموضوع Subject ليناقشه مناقشة دون موضوعية Subjective فيفتقد الرأي الموضوعية المجردة Objectivity.

ولا أخفي شخصياً حبي للغة العربية واعتزازي بها كونها الوسيلة الأساسية لتواصلي مع الناس، وتوصيل أفكاري؛ إلا أن حبي لهذه اللغة - التي هي لساني، وأداة تحرير وجداني - لا يدفعني أبداً لتجاوز الحدود الموضوعية في النظر إليها كقضية نسبية، وأضعها - برؤية علمية مجردة - في موضعها الطبيعي كقضية علوم إنسانية لا تنتمي من قريب أو بعيد للثابت أو المطلق، وهي التي لم تكن يوماً حتى في موضع شبه الثابت؛ كأن الثوابت غير الحقيقية تنقصنا حتى نجعل من اللغة هي الأخرى ثابتاً جديداَ نرزح تحته ضمن الأعباء الكثيرة التي ننوء بها، ومعظمها إن لم يكن كلها لا مقدس ولا إلهي؛ بل تاريخي اكتسى ثوب القداسة المزيف للأسف.

وإذا حاولنا أن نرد القضية لعناصرها الأولية، ونوليها بعضاً من الاهتمام العلمي العقلاني في هدوء وموضوعية وحياد من خلال طرح أسئلة أساسية:

1- ما هي اللغة ـ أي لغة ـ والعربية ليست استثناءً?

2-        ما هي وظيفة اللغة?

3-        ما هو نتاج اللغة، وكيف يتم التعامل معه?

سنجد أن اللغة رموز وإشارات صوتية، وقد ابتكرها الإنسان لتقوم بوظيفة تعريف الأشياء والأفعال، وجاء في تفسير القرطبي: "وعَلََّمَ آدم الأسماء كلها - عَلََّمَ  معناها عَرََّفَ" وتبدأ منطوقة verbal - Speech وتتحول الرموز والإشارات الصوتية مع التطور والنمو إلى رموز وأشكال مرئية حتى يستطيع الإنسان الإمساك بالنص المنطوق Speech من الهروب في الزمن وتسجيله بصرياً Visual لينُتج الكتابة.

ويتطور استخدام المجتمع للغة في شكليها المنطوق والمرئي مع ازدياد التطور والنمو الثقافي للمجتمعات، لتُنشئ المجتمعات نُظم لتقعيد إنتاج الرموز والإشارات والأشكال، لتكوين دلالات أكثر تركيباً وتعقيداً وقدرة على التعبير، ونتيجة لهذا النشاط العقلي على اللغة تصبح اللغة أكثر نضجاً، وتتحول الرموز والإشارات والأشكال إلى شبكة معقدة من العلاقات تُنتج ما يسمى بالخطاب (وهو نتاج اللغة) الذي يخضع للسلطة الثقافية في المجتمع المنتج له، ويرى البنيويون أن الأصوات والحروف تنتظم في نسق متتابع داخل الجملة محكومة بنظام خاص يؤدي إلى تولد المعنى، ومن ثم إدراكه، وهذا النظام هو النحو الذي ينشأ فطرياً ثم يُقنن.

ويتغير الخطاب وآليات إنتاجه بالتالي بتغير المؤثرات الثقافية (خاصة الاقتصادية، والسياسية) في المجتمع، ويبحث علم الدلالات (السيميوطيقا Semiotics) في القواعد والأعراف التي تنتج الدلالات في مستوى الخطاب؛ بينما يُعنى علم (الهرمينيوطيقا Hermeneutics) بتأويل الخطاب Discourse عبر تحليل قواعد وإجراءات كافة الصيغ اللغوية المولدة لمعاني النصوص؛ أي أن علم (الهرمينيوطيقا) معني بتحليل، وتأويل أشكال الكتابة في الآداب، والعلوم أياً ما كانت تطبيقية، أو إنسانية.

إن هدف ووظيفة اللغة في شكليها المنطوق والمكتوب هو إنتاج الخطاب Discourse طبقاً للشروط الثقافية والبيئية للمجتمع، ولأن هذه الشروط متحولة وليست ثابتة، تتغير آليات إنتاج الخطاب على المستوى الدلالي (السيميوطيقي) فتدخل اللغة إشارات وأشكال جديدة للمساهمة في تطوير إنتاج الخطاب على أكثر من مستوى من المستويات المتخصصة في العلوم والآداب.

31 - أكتوبر - 2005
في رحاب اللغة
قدسية اللغة العربية 2    كن أول من يقيّم

وتتأثر اللغة بمؤثرات عدة باعتبارها وجوداً فاعلاً متفاعلاً، منها مؤثر أنثروبولوجي ممتد في التاريخ الثقافي المعبر عن وجدان بيئة بعينها وثقافتها الشفهية، مستحضراً تراثٌ غائبٌ في الماضي، حاضرُ في الوجدان بنفس الوقت.

كذلك يؤثر الزمن على اللغة المنطوقة طبقاً للمتغيرات التاريخية، تختلف البنية اللغوية في المجتمعات من عصر لآخر، وقد أثبت التحليل العلمي التاريخي (الفيلولوجي) للخطاب خطأ نسبة العديد من النصوص لمراحل تاريخية معينة، ورد نسبتها لمراحل زمنية أخرى طبقاً لخصائص الخطاب السائد في كل مرحلة تاريخية.

كما يمكن بوضوح ملاحظة تأثير البيئة على نوع اللغة المنطوقة والخطاب حيث تختلف البنية الصوتية في البيئة الصحراوية، والجبلية، والزراعية، والساحلية عن بعضها البعض، وأبرز مثال على فاعلية الزمن والبيئة على اللغة هو نشأة اللغات الأوروبية الحديثة كتطور لهجات من لغات أم.

تشكل هذه المؤثرات عناصر ضاغطة للتغيير؛ لذلك يُنتج المستوى العامي من المجتمع Public خطاباً دارجاً موازياً للخطاب الأصلي يُعبر عن استجابة لهذه المؤثرات، كما يعبر عن رغبة قطاع من منتجي ومستخدمي اللغة في التحرر من القيود المعقدة للإجراءات المنظمة لخطاب اللغة الأم حيث يرون في هذه القواعد إطاراً عقلياً صارماً يعبر عن صفوة فكرية تمارس قدراً من التعالي؛ نتيجة قدرات خاصة مكنتها من استيعاب حالة تاريخية من حالات اللغة دفعتها للشعور بالتمايز وممارسته، وهذا الخطاب الدارج مؤَسَسْ على احتياجات العامي الآنية، وفي إطار شبكة جديدة من العلاقات والقواعد تتفق مع رؤيته للغة واستخداماتها في مرحلة تاريخية معينة، فتتولد اللغات المحلية (ليست مجرد لهجات) كتعبير عن حالة حيوية من حالات اللغة.

كل هذه العناصر تفسر لنا نشأة اللغات القُطرية العامية (ليست مجرد لهجات) وتمكننا من تفهم آلياتها.

أنا تُطربني العامية العراقية، وتُشجيني الشامية.. أنظُر إلى ما تعرفه الفصحى كجمع مذكر، وكيف يتحول لدى الشوام إلى جمع مؤنث، وابحث في التراث الشعبي، والأساطير القديمة عن السبب.

أذكر أنني في بداية إقامتي في المملكة العربية السعودية كيف استفزني الشعر الشعبي، وبقليل من التركيز ومحاولة فهم أسباب هذا الاستفزاز اكتشفت أنه ناتج عن جهلي بآليات هذا الخطاب، ومنحت نفسي فرصة التعرف عليه مستفيداً من خبرة في المسرح خاصة بتعلم اللهجات وطُرق نطقها، وببعض الجهد، ومرور الوقت تآلفت مع هذا الخطاب، وأصبحت قادراً على التعايش معه رغم عدم استساغتي له استساغة كاملة نتيجة عدم إجادتي لنطقه كوني أنتمي لثقافة إقليمية مغايرة.. يقول ميشيل فوكو:

" افترض أن إنتاج خطاب مجتمع ما هو إنتاج مراقب أو منتقَى، يُنظمه المجتمع ويعيد توزيعه في سلسلة إجراءات تستهدف الحد من سلطات الخطاب ومخاطره، والتحكم في احتمالات حدوثها، وإخفاء مادية الخطاب الثقيلة الرهيبة."

واللغة في أي من أشكالها المتخصصة بما فيها الأدب ليست إلا نظام دلالات (سيموطيقي) يختلف فقط عن النظام اللغوي العامي من حيث المستوى وليس من حيث النوع، فالشكل الأدبي المتخصص، والشكل العامي يعتمدان كلاهما على لغة نوعية واحدة إلا أن الأول يعتمد نظاماً أكثر تعقيداً لشبكة أعراف وقوانين وتقاليد يستلزم معرفة باللغة في مستواها الأعلى، لا يتمكن من الوصول إليه إلا الذين حصلوا على مستوى من التعليم، والدربة تمكنهم من اكتساب القدرة الأدبية على تحليل الخطاب ولو في مستوى الحد الأدنى من فك شفرته، أو أولئك الذين لديهم مواهب فطرية إضافة للتعليم والدربة تمكنهم من تأسيس خطاب أدبي، بينما يرى الشخص العامي هذا الخطاب شبكة ملغزة من الأحاجي والألاعيب، فيلجأ لتأسيس خطابه العامي، ويُنشئ له أدوات تفسير هرمنيوطيقية تعتمد نظاماً أكثر بساطة تتكون من أعراف وقوانين وتقاليد تكتفي بمعرفة اللغة في مستواها السهل المباشر.

هذا الفهم لبنية اللغة مكن عالم الرياضيات المتخصص وهاوي اللغات نعوم تشومسكي من إعادة إحياء العبرية الميتة في صيغتها الحديثة مستعيناً بفهم عميق لسيميوطيقا اللغة العبرية واللغات القريبة منها؛ والعربية في مقدمتها؛ وإقامة علاقات هرمنيوطيقية منطقية مستعيناً بقدراته الرياضية لبناء شبكة علاقات إنتاج الخطاب العبراني الحديث.

أما عن قدسية اللغة العربية أو عدم قدسيتها فهناك سؤال بسيط للغاية: من أين اكتسبت القداسة?

31 - أكتوبر - 2005
في رحاب اللغة
قدسية اللغة العربية3    كن أول من يقيّم

الرد الجاهز: لأنها لغة القرآن كلام الله. هذا كلام عظيم ? ولكن ? أليست كتب الله الأخرى كالزبور، والتوراة، والإنجيل في صيغها الأصلية هي الأخرى كتب لله، فهل تكتسب لغات هذه الكتب هي الأخرى القداسة?

الحقيقة أن الذين يُضفون القداسة على اللغة العربية إنما يمارسون لعبة أثيرة في الثقافة العربية تنقل سلطة المقدس للزمني، والمطلق للمتغير لإضافة حصانة لقضايا، وأشخاص لحمايتهم من الآخر المختلف سواء كان رأياً أو شخصاً أو موقفاً سياسياً أو عقائدياً، وغالباً ما كان هذا الإجراء باطلاً يراد به باطل، ويتخفى في مسوح نبيلة مرتبطة بالعقيدة للتعمية على العامة وكسب ولاءهم دون تعب بالسطو على وعيهم البسيط، وتحويلهم لقوة ضغط هائلة على الآخر المختلف ? سواءً كان رأياً أو شخصاً ? إذ يصبح ليس مخالفاً لصاحب القضية الأولى التي زُيف تقديسها بل يتحول إلى عدو وخصم للعامة إذ هو عدو لما تم إيهامهم بقداسته، وهل أغلى من العقيدة عند العامة?

ويدعم هذا التوجه والأسلوب أن الثقافة العربية يكمن في أغوارها ازدواج متناقض Paradox يميل لتوطين ثنائيات تقليدية موجهة تمنح الفوقية لطرف، والدونية للآخر، وتتحول لقضايا على طريقة الخير في مواجهة الشر، الأصيل والمعاصر، السلفية والتجديد، الرجل والمرأة، العاطفة والجسد، المقدس والزمني، المسلم والذمي، المطلق والنسبي، الإسلام والجاهلية، الإيمان والكفر، أنا والآخر.. الخ وكل ذلك لا يٌنتج سوى صيغ عداء.

ورغم أن بعض هذه الثنائيات منطقي إلا أنها كلها تعبر عن تفكير حدي لا يرى سوى الأبيض والأسود، ولا يعتبر ما بينهما من تدرج وتنوع في الدرجة واللون، وهذا ما يطلق عليه جاك دريدا "التمركز المنطقي" أي عدم القدرة على مغادرة فكرة مسبقة إلى مجال فكري جديد أرحب مساحة، وأشمل في إمكانيات القراءة والتفسير.

إن أحد أهم وظائف اللغات العامية (لغات، وليست لهجات) إطلاق مفهوم ديمقراطي حيوي لحرية التعبير؛ هذا المفهوم الذي نتحدث عنه دوماً، ويغيب عنا دائماً حين يتعلق بحرية الآخر في التعبير، فنحن نردده كثيراً، ولا نسمح به إلا في حد دون القليل لأن كل منا يعيد صياغته بما يُلائم ظروفه الخاصة، ومفهومه الخاص جداً عن الحرية ?خاصة حرية التعبير ? بغض النظر عن المفاهيم الأساسية لذا المصطلح "حرية التعبير".

ولا أظن أحمد شوقي أمير شعراء الفصحى في عصره كان عاجزاً عن الكتابة بها حين صاغ غزلياته العامية الرائعة التي غناها محمد عبد الوهاب؛ بل كان مدركاً بفطرة وبصيرة وذكاء لحقيقة تحولات اللغة، لأداء أدوار غير مرتبطة بسياقات اللغة الأعلى، وحين قال المبصر العظيم طه حسين قولته الشهيرة عن خوفه على اللغة العربية من بيرم التونسي لم يكن نذيراً بل معجباً بقدرة هذا الشاعر الشعبي على اختراق حجب السياقات اللغوية العليا، واكتشاف خطاب لغة بديلة أكثر قبولاً وتفاعلاً مع المتلقي العامي الأكثر وجوداً، وطه حسين هو من هو، وكتابه الضجة عن الشعر الجاهلي يكاد يكون أول كتابة علمية فيلولوجية عن اللغة بعلومها الجديدة غير المسبوقة، وهو ما أثار عليه من اتهموه ظلماً وجهلاً، فالناس أعداء ما جهلوا.

إن اللغة العامية في إطار حرية التعبير ? وطبقاً لتفسير علمي (السيميوطيقا، والهرمينيوطيقا) للغة - مجرد أداة تُساعد الإنسان البسيط على اكتشاف وجوده وقدراته الذاتية، وإنجاح علاقته باللغة كأداة تواصل، وتأكيد حقه في صنع شبكة علاقات الخطاب التي تمنحه إمكانيات متجددة للتعبير عن نفسه عبر آليات ونسق يتناسب أكثر مع إمكانياته وقدراته، وهذا هو التفسير الوحيد الذي يشرح دخول مفردات وتعبيرات جديدة كما يحدث الآن في العامية المصرية: فسي دماغك.. المُزه.. الأُبيج.. شنكوتي.. الخ، ولنستمع لابن عروس يردد في زمن المماليك:

من حبنا حبيناه.. وصار متاعنا متاعه

ù

ومن كرهنا كرهناه.. يحرم علينا اجتماعه

فقد عبر بكلماته الشعرية التي سرت مسرى الحكمة عن تغير ثقافي يستعيد الإحساس بالهوية الوطنية، فأنا اهتز مع حكمته، وأعشق مفردات بيرم التي حُفرت في وجداني، وأهيم مع أشعار صلاح جاهين المتفلسفة الحائرة، وتستفز عقلي منحوتات الأبنودي الكلامية، وتهزني روح المتعبد المتأمل فؤاد حداد الذي غادر ثقافته الشامية ليكتب في العامية المصرية (وهو من هو معرفة بالفصحى) وأعيد التأمل مع أغنيات الأخوة حجاب، والرحابنة بما تطرحه من تساؤلات إنسانية وكونية شعرية، وتُدهشني صور السامري النجدي وغيرهم كثير.. كثير.

أيها السادة الأفاضل أرجوكم.. بلا قدسية بلا بطيخ.

ahmadalex@hotmail.com  

31 - أكتوبر - 2005
في رحاب اللغة
لا عزاء للعقول    كن أول من يقيّم

أيها السادة الأكارم

أطيب تحية

لم يكن بالثقافة العربية فلسفة، ولن يكون هناك مساحة للمتفلسفين لسبب بسيط وهو قاعدة فقهية تقول:

      (من تمنطق تزندق) 

لقد وقفت هذه القاعدة تاريخياً وستقف مستقبلاً حجر عثرة في سبيل العقل العربي مادام هناك متفيقهون لا يستطيعون التمييز بين ما هو ثقافي وما هو عقائدي، وبين ما هو ديني وسياسي أو تاريخي، وقد تعرضت أناشخصياً لموقف أودى بلقمة عيشي وكان من الممكن أن يودي بحياتي لأني كنت غبياً بدرجة جعلتني أتصور أن الإفهام لبعض العقول عن مسائل هي من البديهيات شيء ممكن فنلت ما نلت، ولا عزاء لأصحاب العقول

تحياتي

أحمد

14 - مارس - 2006
لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ?