أخي محمد .. لو أن كل إنسان أعار انتباهه إلى سخرية الناس لما فعل أحد حسنة قط .. تكلم الفصحى ولا تكترث ، وليسخر من يسخر ، المهم أن تفعل الصواب ، وإذا أضعف المجتمع همتك فأوصيك بما يلي : حين يرزقك الله بالذرية الصالحة إن شاء الله ، احرص على أن يكون حديثك أنت شخصيا ، في البيت على الأقل ، وعلى مسمع من أطفالك ، من يوم ولادتهم بالفصحى ، وحين يصل عمر أحدهم إلى سن النطق السليم ، فستجده قد تعلم لغتين : الفصحى منك ،  والعامية من البيت والشارع والمدرسة مع الأسف ، وستكون قد قمت بتجربة عملية لا مثيل لها ، تشبه تعلم العرب اللغة من أعراب البادية في عصور الاحتجاج .. وفقك الله ..

أظن السائل يريد أجمل ما مدح به الرسول الكريم من شعر ، بيتا كان أو قصيدة ، فقد مدحه الكثيرون حتى من غير المسلمين ، وقد جمع الأستاذ عبد الرحمن الباشا رحمه الله ما مدح به النبي في كل عصر من العصور الأدبية في أجزاء عدة . والجمال أمر ذوقي خلافي ..

أما أنا فأرى أن أجمل ما مدح به الرسول صلى الله عليه وسلم هو شعر البوصيري وخاصة البردة ، حيث عارضها شوقي في نهج البردة ، وكتب البارودي كشف الغمة في مدح سيد الأمة ، وكان المعارضون للبردة يزعمون تواضعا عدم المعارضة ، ولكن البردة ظلت فوق الجميع ، وهنا تحضرني عبارة بالمعنى وليست بالنص للأمير شكيب أرسلان ، أمير البيان في كتاب له بعنوان ( شوقي أو صداقة أربعين سنة ) حيث يقول : " لو استشارني شوقي في معارضة البردة لنهيته عن ذلك ، لأنه على الرغم من جمال نهج البردة ، إلا أن الله لم يضع الحلاوة والملاحة على بردة غير بردة صاحب البردة .. رفعت الأقلام وجفت الصحف ." وأكرر بأنني أنقل من ذاكرتي معني كلام الأمير ..

ومن الجدير بالذكر أن أبا الحسن الندوي عليه رحمة الله ، حين تناول جائزة شخصية العام 1998 من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم جزاه الله خيرا ، تبرع بالجائزة كلها مباشرة لطلبة المدارس الشرعية في الهند ، وقد أعلن هذا في كلمته بعد استلام الجائزة ، ولم يتلبث ولم يتأخر ولم يتردد ، بل أعلن من المنصة نفسها تبرعه بها لفقراء طلبة المدارس الشرعية .. رحمه الله .. رحمه الله .. رحمه الله ..

تحية أخي منصور ، وأشكرك على هذه المشاركات الغنية ، أنت والأستاذ الكريم زهير ، جزاكم الله خيرا ..

لفت انتباهي بيت الطفيل الغنوي :

وهذا البيت بهذه الرواية مكسور ، واسأل الأستاذ زهير إن شئت .. وقد دخلت جامعة دمشق يوم دخلتها ، فإذا المرحوم الأستاذ  أحمد راتب النفاخ رحمه الله ينفخ ويهدر ويقول : إنه قرأ هذا البيت بروايات مختلفة رواها لنا وكلها مكسور ، وإنه هو وحده رحمه الله أول من اهتدى إلى تصحيح البيت وزنا ومعنى ، ومع أنني لم أطلع على ديوان الطفيل ولا على قصيدته ، إلا أنني ما زلت أذكر تصويب النفاخ للبيت وهو :

بضم الصاد وليس بفتحها ، وربما تجده في كتاب مختارات من الأدب الجاهلي للنفاخ ، ولست أملكه ، وقد طبع بعد تخرجنا .. ولعلك ترى معي أن الوزن صار سليما وأن المعنى أيضا صار أسلم من ذي قبل ..ونحن لم ندرس قصيدة طفيل ، وكنا ندرس قصيدة زهير بن أبي سلمى التي مطلعها :

وأظن هذا البيت قد مر معنا على أنه من قصيدة زهير لا من قصيدة الطفيل .. ولا أدري إن كان هذا البيت لزهير أم للطفيل ، مع أن الطفيل وأوس بن حجر وبشامة بن الغدير كانوا من أساتذة زهير ، ولا شك بأنه تأثر بهم .. داوود ..

عفوا أخي منصور .. لا يفوتني هنا أن أشير إلى أن البيتين الآخرين مكسوران  ..

ولعل ذلك من الطباعة ، فأنا أعرف كوارثها .. داوود..

في الحديث الشريف : من كتم علما ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار ..

ولكن أبشع من ذلك أن يتكلم المرء بما لا يدري .. فكيف تختارين بحثا لا تعرفين عنه ولا عن مراجعه شيئا?. ثم تطلبين المساعدة !. المفروض أن يكون لديك تصور عام للموضوع ، وأن تحددي نطاق البحث ، وأبوابه وفصوله المتوقعة ، ثم تبحثي عما ينقصك من المراجع والمصادر المناسبة ، التي قد تغير من واقع البحث قليلا أو كثيرا .. وأخيرا يمكن الاستعانة بأولي الخبرة والاختصاص .. حتى يستطيع المرء أن يقدم العون المناسب ، لا أن يخوض في المجهول .. وشكراً ..

تتداخل بعض البحور من خلال اختلاف يسير..

فالبحر الكامل ( متَفاعلن متَفاعلن متَفاعلن ) إذا سكن ثاني الفاصلة الصغرى ( متْفاعلن ) صارت على مثال ( مسْتفعلن ) ولذلك ينقلب البحرمن الكامل إلى الرجز ( مستفعلن مستفعلن مستفعلن )

ولا أريد التطرق للزحافات والعلل ( الجوازات )

والبحر الوافر ( مفاعلَتن مفاعلَتن مفاعلَتن ) حين يسكن ثاني فاصلته أيضا ( مفاعلْتن ) تنقلب إلى مثل ( مفاعيلن ) وينقلب البحر إلى الهزج ( مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن )

فلو وجدنا قصيدة مطولة على الرجز ووجدنا فيها تفعيلة ( متَفاعلن ) واحدة في بيت واحد كانت كلها من الكامل ، وكانت التفعيلات هي ( مفاعلْتن ) وليست ( مستفعلن )

ولو وجدنا قصيدة مطولة على الهزج ووجدنا تفعيلة ( مفاعلَتن ) واحدة في بيت واحد منها عدت القصيدة كلها من الوافر والتفعيلة ( مفاعلْتن ) وليست ( مفاعيلن )

مع الإشارة إلى أن الهزج لا يأتي إلا مجزوءاً ، وبالتالي سيكون البحر مجزوء الوافر أيضا ..

أما العلاقات بين الدوائر العروضية فلها شأن آخر ..

في يوم الجمعة الواقع في 24 - 06 - 2005 م .. انتقل إلى بارئه المرحوم الدكتور عاصم بيطار ، وكان أستاذا للغة العربية ، في مجال النحو خاصة ، وذلك في كلية الآداب وكلية التربية بجامعة دمشق ، وفي بعض جامعات المملكة العربية السعودية ، حيث أصدر في المملكة مع اثنين من زملائه كتاب ( أضواء على شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك ) في ثلاثة أجزاء .. وللمرحوم عاصم بيطار مؤلفات ومحاضرات وبحوث قيمة كثيرة .. والجدير بالذكر أن المرحوم عاصم هو ابن المرحوم الشيخ بهجة البيطار ، أحد مشاهير علماء دمشق .. رحمهما الله ..

أخي زهير .. تحية وسلاما وبعد .. واعذرني لأنني لم أطلع على هذا التنويه في تاريخه..

صحيح أن هذه القصيدة وهذا الإهداء قد سقط من ديوان شوقي ، وأنا أظنه أسقط ولم يسقط .. والأسباب لا تخفى .. فقد كثرت سكاكين السلطان بعد أن وقع .. وهو الذي رفض السماح لليهود بالهجرة المنظمة إلى فلسطين ، بعد أن تكشفت له نواياهم ، كما ورد في مذكرات السلطان عبد الحميد ، بتحقيق الأستاذ محمد خير حرب .

وأنا أعرف إهداء آخر أسقط من الشوقيات أيضا ، وكنت عثرت به يوما ما ثم فقدته ، وهو إهداء شوقي قصيدته ( نهج البردة ) إلى الخديوي عباس حلمي الثاني ، وهذا الإهداء هو نص نثري من بضعة أسطر فقط ، وأظنني قرأته في شرح نهج البردة للشيخ عبد العزيز البشري أو الشيخ سليم البشري ، والتوهم ليس مني بل أظنه من الدكتور زكي مبارك في ( المدائح النبوية ) يشك في نسبة الشرح إلى الأب أو ابنه .. حتى إن زكي مبارك أسقط الإهداء ؛ لأنه يتعارض مع بعض آرائه الخاطئة المقررة سلفا.. وقد صار كتاب الشيخ البشري اليوم بعيدا عني .. فهل تستطيع الحصول على هذا الإهداء من هذا الكتاب أو سواه ،  ثم التكرم به على أخيكم الفقير إلى الله تعالى?..وأظنني طلبت هذا سابقا في مشاركة أخرى .. ولكم مني كل الشكر .. أخوكم المعيدي ..

لم يكن البارودي نهضة في النهضة وتجديدا في التجديد ، بل كان نهضة قبل عصر النهضة وتجديدا قبل زمان التجديد .. فكل من جاء بعد البارودي جددوا ونهضوا على مثال سابق ، وكان هذا المثال هو البارودي وحده .. أما البارودي فقد نهض من بين الأموات ،  على غير سابق مثال ، فكان نهضة وحده ، مع أنه لم يدرس شيئا من علوم العربية ، بل تلقاها شفاها بطبعه السليم ، كما قال الأستاذ مهران .. فنحن لا نقيس البارودي على زماننا ، وإنما نقيسه على عصره ، أفليس مجددا من نقل الشعر من محنطات أواخر عصور الدول المتتابعة إلى مستويات روائع المتنبي والمعري وأبي تمام ?. مع التحية والشكر ..