البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات زهير ظاظا

 95  96  97  98  99 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
رد مطاعنهم في ملك سليمان    كن أول من يقيّم

قال في الحيوان (ص 320):
ثمَّ طعَن في مُلك سُليمانَ ومَلِكةِ سبإ، ناسٌ من الدُّهريَّة، وقالُوا: زعمتم أنَّ سُليمان سأل ربَّه فقال: "رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهبْ لِي مُلْكاً لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ منْ بَعْدِي" وأنَّ اللّه تعالى أعطاه ذلك، فملَّكه على الجنِّ فضلاً عن الإنْس، وعلَّمه منطِق الطَّير، وسخَّر له الرِّيح، فكانت الجِنُّ له خَوَلاً، والرِّياحُ له مسخرة ثمَّ زعمتم وهو إمّا بالشَّام وإمَّا بسَوَادِ العِراق أنَّه لا يعرف باليمن مَلِكَةً هذه صفتُها، وملوكُنا اليومَ دونَ سليمانَ في القدْرة، لا يخفى عليهم صاحب الخَزَرِ، ولا صاحبُ الروم، ولا صاحبُ الترك، ولا صاحبُ النُّوبة، وكيف يجهل سليمانُ موضِعَ هذه المِلكة، مع قرْبِ دارِها واتِّصَالِ بلادها وليس دونَها بحارٌ ولا أوعارٌ؛ والطريق نهجٌ للخُفِّ والحافر والقدَم، فكيف والجنُّ والإنسُ طوعُ يمينه، ولو كان، حين خبَّره الهدهدُ بمكانها، أضرَب عنها صفحاً، لكان لقائلٍ أن يقول: ما أتاه الهدهدُ إلاّ بأمرٍ يعرفه، فهذا وما أشبهَهُ دليلٌ على فساد أخباركم.
قُلنا: إنّ الدُّنيا إذا خلاّها اللّه وتدبيرَ أهلها، ومجاريَ أمورِها وعاداتها كان لعمري كما تقولون، ونحن نزعمُ أنَّ يَعْقوبَ بنَ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ كَانَ أنبَهَ أهْلِ زمانِه؛ لأنّه نبيٌّ ابنُ نبيٍّ، وكان يوسُف وزير مَلِكِ مصر من النَّباهة بِالموضع الذي لا يُدفَع، وله البُرُدُ، وإليهِ يرجع جوابُ الأَخبار، ثمَّ لم يعرِفْ يَعقوبُ مكانَ يوسُفَ، ولا يوسفُ مكانَ يَعقوبَ عَليهما السلام - دهراً من الدُّهور، مع النَّباهةِ، والقُدْرةِ، واتِّصال الدار وكذلك القولُ في موسى بنِ عمرانَ ومَنْ كَانَ معه في التِّيه، فقد كانوا أمَّةً من الأمم يتَكَسَّعُونَ أربعين عاماً، في مقدارِ فراسخَ يسيرةٍ ولا يهتدون إلى المخرج، وما كانت بلادُ التِّيه إلاّ من ملاعبهم ومُنْتَزَهاتهم، ولا يعدم مثلُ ذلك العسكرِ الأَدلاّءَ والجَمَّالين، والمُكارِينَ، والفُيُوجَ، والرُّسلَ، والتّجار، ولكنَّ اللّه صَرَفَ أوهامَهم، ورفع ذلك الفَصْلَ مِن صدورهم.وكذلك القول في الشَّياطين الذين يسترِقون السّمْعَ في كلِّ ليلة، فَنَقُولُ: إنَّهم لو كان كلما أراد مُريدٌ منهم أن يصعَدَ ذَكَرَ أنَّه قد رُجم صاحبُه، وأنَّه كذلك منذ كان لم يصل معه أحدٌ إلى استراقِ السَّمْع، كان مُحالاً أن يرومَ ذلك أحَدٌ منهم مع الذِّكر والعِيان.
ومثل ذلك أَنّا قد علمْنا أنّ إبْليسَ لا يزالُ عاصِياً إلى يومِ البَعث، ولو كان إبْليسُ في حال المعْصِيَة ذَاكِراً لإخبارِ اللّه تَعالى أنَّه لا يزالُ عاصياً وهو يَعلم أنّ خَبرَه صِدقٌ، كان محالاً أنْ تدعُوَه نفسُه إلى الإيمانِ، ويطمَعَ في ذلك، مع تصديقِهِ بأنّه لا يختار الإيمانَ أَبداً.
ومن المحال أن يجمَع بين وجودِ الاستطاعة وعدم الدَّواعي وجواز الفعل. ولو أنّ رجلاً عَلِم يقيناً أنّه لاَ يخرُج من بيتِه يومَه ذلك، كان محالاً أن تدعُوَه نفسه إلى الخروج، مع علمه بأنّه لا يفعل، ولكِن إ بْليس لما كانَ مصروفَ القَلبِ عن ذِكْر ذلك الخبر، دخل في حَدِّ المستطيعين، ومثل ذلك أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لَمّا بشره اللّه بالظّفرِ وتمام الأمر بشرّ أصحابَه بالنَّصر، ونزولِ الملائكة، ولو كانوا لذلك ذاكرين في كلّ حالٍ، لم يكن عليهم مِنَ المحاربة مؤونة، وإذا لم يتكلفوا المؤونة لم يؤجَروا، ولكِنّ اللّه تَعالى بنظره إليهم رَفَع ذلك في كثيرٍ من الحالات عن أوهامهم؛ ليحتملوا مشقَّة القِتال، وهم لا يعلمون: أيغلِبُون أم يُغْلَبون؛ أو يَقْتُلُونَ أم يُقتلون،ومثل ذلك ما رفع من أوهام العَرب، وصرف نفوسهم عن المعارَضَةِ للقرآن، بَعْدَ أنْ تحدَّاهم الرَّسولُ بنظْمه، ولذلك لم نَجِدْ أحَداً طمِع فيه، ولو طمِعَ فيه لتَكلفه، ولوتكلف بَعضهُمْ ذلك فجاء بأمر فيه أدنى شُبهة لعظمت القصَّة على الأعْراب وأشباه الأعراب، والنِّساءِ وأشباه النساء، ولأَلقَى ذلك للمسلمين عملاً، ولطَلبوا المحاكمةَ والتراضي ببعض العرب، ولكثُر القيلُ والقال، فقد رأيتَ أصحابَ مُسيْلمَة، وأصحاب ابن النواحة إنما تَعَلّقُوا بما ألَّف لهُمْ مُسَيلمة من ذلك الكلام، الذي يَعلمُ كلُّ مَن سَمِعه أنَّه إنَّما عَدا على القرآن فسلَبه، وأخَذَ بَعضَه، وتَعاطى أن يُقَارِنَه، فكان للّه ذلك التَّدبيرُ، الذي لا يبلغه العِبَادُ ولو اجتَمَعوا له، فإنْ كان الدُّهريُّ يريدُ من أصحَابِ العِبَادَاتِ والرُّسُلِ، ما يريد من الدُّهريِّ الصِّرفِ، الذي لا يُقِرُّ إلا بما أوجَدَه العِيان، وما يَجري مَجرَى العِيان فَقَدْ ظَلَمَ.وقَد علم الدُّهريُّ أنّنا نعتقِد أنّ لنا رَبّاً يخترع الأجسامَ اختراعاً وأنّهُ حَيٌّ لا بحياة، وعالمٌ لا بعلم، وأنّه شيءٌ لا ينقسم، وليس بذِي طُول ولا عرْض ولا عُمق، وأنّ الأنبياء تحيي الموتى، وهذا كلُّه عنْدَ الدهريِّ مستنكَر، وإنَما كان يكون له عَلَيْنَا سبيل لو لم يكن الذي ذكرنا جائِزاً في القِياس، واحتجْنا إلَى تثبيت الرُّبوبيَّةِ وتصديقِ الرِّسالة، فإذا كان ذلك جائِزاً، وكانَ كونُه غيرَ مستنكَرٍ، ولا محالٍ، ولا ظُلم، ولا عيبٍ، فلم يبقَ له إلاّ أنْ يسألَنَا عن الأصْلِ الذي دعا إلى التَّوحِيدِ، وإلَى تثبيت الرسل،وفي كتابِنا المنزّل الذي يدلُّنا على أنّه صِدْقٌ، نَظْمُه البدِيع الذي لايقدِر على مثله العباد، مَعَ ما سِوَى ذلك من الدّلائِلِ التي جَاء بها مَنْ جَاء به، وفيه مسطورٌ أنّ سليمانَ بنَ داودَ غبَرَ حِيناً وهو ميّت معتمِداً على عصاه، في الموضع الذي لا يُحْجَب عنه إنْسِيٌّ ولا جِنِّيٌّ، والشَّياطينُ مهُمْ المَكْدُودُ بالعَمَل الشديد، وَمِنْهُمْ المحبوسُ والمستعبد، وكانوا كما قال اللّه تعالى: "يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كالجَوَابِي وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ" وقال "وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ، وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ في الأَصْفَادِ"، وَأَنَّهُ غَبَرَ كذلك حيناً وهو تُجاهَ أعيُنِهم، فلا هُمْ عرَفُوا سجيَّةَ وُجوهِ الموتَى، ولا هو إذْ كان ميِّتاً سقَط سُقوطَ الموتى، وثبتَ قائِماً معتمداً على عصاه، وعصاه ثابتةٌ قائمةٌ في يده، وهو قابضٌ عليها، وليستْ هذه الصِّفَةُ صفَة موتانا، وقال: "فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ المَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ المُهِينِ" ونحنُ دونَ الشَّياطينِ والجِنِّ في صِدْق الحسِّ، ونُفوذِ البصر، ولوْ كُنَّا مِن بعضِ الموتى بهذا المكان، لما خَفَي علينا أَمرُه وكان أدنى ذلك أنْ نظنَّ ونرتاب، ومتى ارتابَ قومٌ وظَنُّوا وماجُوا وتكلموا وشاوروا، لَقِنُوا وثُبِّتُوا، ولا سيَّما إذا كانوا في العذاب ورأوْا تَبَاشِيرَ الفرَج، ولولا الصَّرْفة، التي يُلقيها اللّه تعالى على قَلْبِ مَنْ أَحَبَّ، ولولا أنّ اللّه يقدِرُ على أنْ يشغَلَ الأوهامَ كيف شاء، ويذكِّر بما يشاء، ويُنَسِّي ما يشاء، لما اجتمع أهلُ داره وقصْره، وسُورِه ورَبَضِه، وخاصَّتُه، ومن يخدُمه من الجنِّ والإنْس والشَّياطين، على الإطباق بأنَّه حَيٌّ، كذلك كان عندهم، فحدث ما حَدَثَ من موته، فلمَّا لم يشعُروا به كانوا على ما لم يزالوا عليه، فعِلمْنا أنَّ الجنَّ والشّياطينَ كانت تُوهِم الأغبياء والعَوَامَّ والحُشْوَة والسِّفلة، أنَّ عندهما شيئاً من عِلْمِ الغيب والشياطين لا تعلم ذلك فأراد اللّه أَنْ يكشِف من أمْرهم للجُهَّال ما كان كَشَفَه للعلماء، فبهذا وأشباهه من الأمور نحنُ إلى الإقرار به مضطرون بالحجَج الاضطراريَّة فليس لخصومنا حِيلةٌ إلاَّ أن يواقِفُونَا، وينظروا في العلَّة التي اضطرتنا إلى هذا القول؛ فإن كانت صحيحةً فالصَّحيحُ لا يُوجِب إلا الصحيح، وإنْ كانت سقيمةً علِمْنا أنَّما أُتِينَا من تأويلنا، وأما قوله: "لأُعَذِّبَنَّهُ" فَإنَّ التعذيبَ يكون بالحبس، كما قال اللّه عزّ وجلّ: "لوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا في الْعَذَابِ المُهِينِ"، وإنَّما كانُوا مُخَيَّسِينَ،وقد يقول العاشق لمعشوقتِه: يا معذِّبتي وقد عذّبتني ومن العذَابِ ما يكُونُ طويلاً، ومِنْه ما يكونُ قصيرَ الوقْت، ولو خَسَفَ اللّه تَعالى بقومٍ في أقلَّ من عُشْر ساعة لجاز لقائل أن يقول: كان ذلك يومَ أحلَّ اللّه عذابَه ونِقمَتَه ببلاد كذا وكذا.

 

21 - فبراير - 2006
الجاحظ والقرآن
رد مطاعنهم على الآية: إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم    كن أول من يقيّم

قال في الحيوان (ص 325):
وقد تكلم المخالِفُون في قولِهِ تعالى: "وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأتِيهِمْ كَذلكَ نَبلُوهُمْ بِمَا كانُوا يَفْسُقُونَ" وقد طعَنَ ناسٌ في تأويل هذه الآيَةِ، بغِيرِ علمٍ ولا بيانٍ، فقالوا: وكيف يكون ذلك وليس بين أن تجيء في كلِّ هلال فرقٌ، ولا بينها إذا جاءت في رأس الهلال فرقٌ، ولا بينَها إذا جاءتْ في رأس السَّنَةِ فرق.
هجرة السمك وهذا بحرُ البَصرةِ والأُبلّة، يأتيهم ثلاثةَ أشهرٍ معلومة معروفة من السنة السَّمكُ الأسْبور، فيعرفون وقتَ مجيئهِ وينتَظِرُونه، ويَعرِفون وقتَ انقِطاعِه ومجيءِ غيره، فلاَ يمكث بهم الحالُ إلاَّ قليلاً حتَّى يُقْبِلَ السَّمكُ من ذلك البحر، في ذلِكَ الأوان، فَلاَ يَزَالونَ في صَيْدٍ ثَلاَثَةَ أشهرٍ معلومةٍ من السَّنَةِ، وذلِكَ في كلِّ سنةٍ مرَّتين لكل جنس، ومعلومٌ عندهم أنه يكون في أحد الزمانين أسمَنَ، وهو الجُواف، ثمَّ يأتيهم الأسْبور، على حساب مجيء الأسبور والجُوَافِ، فأمّا الأَسْبور فهو يقطع إليهم من بلادِ الزِّنج، وذلِكَ مَعْرُوفٌ عند البحْريِّينَ، وأنَّ الأَسْبور في الوقت الذي يقطَع إلى دِجلةِ البصرة لا يوجَد في الزِّنج، وفي الوقت الذي يُوجَدُ في الزنج لا يوجد في دِجلة، وربَّما اصطادُوا منها شيئاً في الطريق في وقت قطعِهَا المَعْرُوفِ، وفي وقت رجوعها، ومَع ذلِكَ أصنافٌ من السمك كالإرْبيان، والرَّقّ، والكَوْسَج، والبرد، والبَرَستُوج، وكلُّ ذلك معْرُوف الزَّمانِ، متوقعُ المخرَج،وفي السَّمكِ أوابدُ وقواطع، وفيها سيّارةٌ لا تقيم، وذلك الشبَهُ يُصابُ، ولذلك صارُوا يتكلمُونَ بخَمْسةِ السنة، يهذُّونها، سوى ما تَعَلَّقُوا به من غيرها، ثمَّ القواطع من الطير قد تأتينا إلى العِراق منهم في ذلك الإبَّان جماعاتُ كثيرةٌ، تَقْطَعُ إلينا ثمَّ تَعُودُ في وقتها.
رد على المعترض
قُلْنا لهؤلاء القَوْم: لَقَدْ أَصبتم في بَعض ما وصفتم، وأخْطأْتم في بَعضٍ، قال اللّه تعالى: "إذْ تَأتِيهمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأتِيهمْ" ويومُ السبتِ يدورُ مَعَ الأسابيعِ، والأَسابيعُ تدور مع شهورِ الْقَمَرِ، وهذا لا يكونُ مَعَ استواءٍ من الزمان، وقد يكون السبتُ في الشتاء والصَّيف والخريف، وفيما بين ذلك، ولَيْسَ هذا من باب أزمان قواطع السَّمكِ وهَيْجِ الحَيَوان وطلب السِّفاد، وأزمان الفلاحَةِ، وأوقاتِ الجزْر والمَدِّ؛ وفي سبيل الأَنواء، والشجر كيْفَ يَنْفُضُ الوَرَق والثمار؛ والحيّاتِ كَيف تَسلُخُ، والأيائِلُ كَيف تُلقي قُرونَها، والطيرِ كيف تَنطق ومتى تسكت، ولو قال لَنَا قائل: إني نَبِيٌّ وقُلْنَا لَهُ: وما آيتك? وعلامتك? فقال: إذا كان في آخر تَشرين َالآخِرِ أقبل إليكم الأسْبُور من جهة البحر، ضَحكُوا منه وسخِروا بِه،ولو قال: إذَا كانَ يَوْمُ الجمعَة أو يومُ الأحَد أقبل إلَيكم الأسْبُور، حَتَّى لا يزالُ يصنع ذلك في كلِّ جمعة علِمْنا اضطراراً إذَا عايَنَّا الذي ذَكَرَ على نَسَقه أنّه صادق، وأنَّه لم يعلمْ ذلك إلاّ من قِبَلِ خالِق ذلك، تعالى اللّه عن ذلك، وقد أقرَرْنا بعجيبِ ما نرى من مطالع النُّجوم، ومن تناهي المدِّ والجزْر على قدر امتلاءِ القمر، ونُقصانه وزيادته، ومحاقه واستراره، وكلُّ شيءٍ يأتي على هذا النَّسقِ من المجارِي، فإنَّمَا الآيةُ فيه لِلَّهِ وحدَه على وحدانيَّته، فإذا قال قائلٌ لأهل شريعةٍ ولأهل مُرسًى، من أصحابِ بحرٍ أو نهرٍ أو وادٍ، أو عينٍ، أو جدولٍ: تأتيكم الحِيتانُ في كلِّ سبت، أو قال: في كلِّ رمضان، ورمضانُ متحوِّلُ الأزمانِ في الشِّتاءِ والصيف والرَّبيعِ والخريفِ، والسَّبتُ يتحوَّل في جميع الأزمان، فإذا كان ذلك كانتْ تلك الأعجوبةُ فيه دالةً على توحيد اللّه تعالى، وعلى صِدقِ صاحب الخبَر، وأنَّه رسولُ ذلك المسخِّر لذلك الصِّنف، وكان ذلك المجيءُ خارجاً من النَّسق القائم، والعادةِ المعروفة، وهذا الفرقُ بذلك بَيِّنٌ، والحمدُ للّه.

21 - فبراير - 2006
الجاحظ والقرآن
رد مطاعنهم على الآية: فمنهم من يمشي على بطنه    كن أول من يقيّم

قال في الحيوان (ص 359):
إنَّ ناساً زعموا أنّ جميع الحيوان على أربعة أقسام، شيء يطير، وشيءٍ يمشي، وشيء يعوم، وشيءٍ ينساح. وقد قال اللّه عزَّ وجلَّ: "وَاللّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ، يَخْلُقُ اللّهُ مَا يَشَاءُ". وقد وَضَعَ الكلامَ على قسمة أجناس الحيوان، وعلى تصنيف ضروبِ الخلْق، ثمَّ قَصَّرَ عن الشيء الذي وضعَ عليه كلامَهُ، فلم يذكر ما يطير وما يعومُ، ثمَّ جعل ما ينساحُ، مثلُ الحيَّاتِ والدِّيدان، ممَّا يمشي؛ والمشي لا يكون إلاّ برجل، كما أنَّ العضّ لا يكون إلا بفمٍ، والرَّمْح لا يكون إلاَّ بحافر؛ وذكر ما يمشي على أربعٍ، وها هنا دوابُّ كثيرةٌ تمشي على ثمانِ قوائِمَ، وعلى ستٍّ، وعلى أكثرَ من ثمانٍ، ومَن تفقَّدَ قوائِمَ السَّرطانِ وبناتِ وَرْدَانَ، وأصنافَ العناكب عرَفَ ذلك.

قلنا: قد أخطأتم في جميع هذا التَّأويل وَحَدِّه، فما الدَّليلُ على أنَّهُ وضع كلامَهُ في استقصاءِ أصناف القوائِم? وبأيِّ حُجةٍ جزَمْتم على ذلك? وقد قال اللّه عزَّ وجلّ: "وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ" وتَرَكَ ذِكْرَ الشَّيَاطِينِ وَالنَّارُ لهُمْ آكَلُ، وعذابُهم بها أشدُّ، فَتَرَكَ ذِكرَهم من غير نسيان، وعلى أنَّ ذلك معلومٌ عند المخاطب، وقد قال اللّه عزَّ وجلّ: "خَلَقكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً" أخرج من هذا العموم عيسى ابنَ مريم، وقد قَصَدَ في مخرَج هذا الكلام إلى جَميعِ ولِد آدمَ، وقال: "هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً" أدَخَلَ فيها آدمَ وحوَّاءَ، ثمَّ قال على صلة الكلام: "إنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيه" أخرج منها آدمَ وحوَّاءَ وعيسى ابنَ مريمَ.

وحَسنُ ذلك إذ كان الكلامُ لم يُوضَع على جميع ما تعرفه النُّفوسُ من جهةِ استقصاءِ اللَّفظ، فقوله: "فَمِنْهُمْ مَنْ يَمشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمشِي عَلَى أَرْبَعٍ" كان على هذا المثال الذي ذكرنا، وعلى أنّ كُلَّ شيءٍ يمشي على أربع فهو مما يمشي على رجلين، والذي يمشي على ثمانٍ هو مما يمشي على أربعٍ، وعلى رجلين وإذا قلت: لي على فلان عشرة آلاف درهم، فقد خبَّرت أنّ لك عليه ما بين درهمٍ إلى عشرة آلاف.

وأمَّا قولكم: إنَّ المشي لا يكون إلاَّ بالأرجل، فينبغي أيضاً أنْ تقولوا "فَإذَا هِيَ حَيّةٌ تَسْعَى" إنّ ذلك خَطأ؛ لأنَّ السَّعي لا يكون إلاّ بالأرجل.
وفي هذا الذي جهِلتموه ضروبٌ من الجواب: أمّا وجهٌ منه: فهو قولُ القائل وقول الشَّاعر: ما هُوَ إلاَّ كَأَنهُ حيّة وكأنّ مِشيته مِشْيةُ حيّة يَصِفُونَ ذلك، ويذكرون عِنْدَهُ مِشيةَ الأيم والحُبَابِ، وذكورِ الحيَّات، وَمَنْ جَعَلَ للحَيّاتِ مَشياً من الشعراء، أكثرُ من أن نقف عليهم، ولو كانوا لا يسمُّون انسيابَها وانسياحَها مشياً وَسَعْياً، لكان ذلك مما يجوزُ على التشبيه والبدل، وَأَنْ قَامَ الشيءُ مقامَ الشيءِ أو مقام صاحبه؛ فمن عادة العرب أن تشبِّه به في حالاتٍ كثيرة، وقال اللّه تعالى: "هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ" والعذاب لا يكون نزُلاً، ولكِنّهُ أجراه مُجْرَى كلامهم، كقول حاتمٍ حينَ أمرُوهُ بِفَصْدِ بعيرٍ، وَطَعَنه في سَنامه، وقال: هذا فَصْدُهُ.

وقال الآخر:

فقلتُ يا عمرُو اطْعِمَنِّي تَمْرَا فـكـان تمْري كَهْرَةً iiوَزَبْرَا

وذمَّ بعضهم الفأرَ، وذكرَ سوءَ أثرِها في بيته، فقال:
يا عَجّلَ الرَّحْمنُ بالعقابِ لِعامرات البيتِ iiبالخرابِ

يقول: هذا هو عمارتُها، كما يقول الرّجُل، ما نَرَى مِنْ خيرك وَرفْدِك إلاّ ما يبلُغُنا منْ حَطبك علينا، وفتِّكَ في أعضادِنا.
وقال النَّابغة في شبيهٍ بهذا، وليس به:
ولا عيبَ فيهم غيرَ أنَّ سيوفهم بِـهِنّ  فلولٌ من قِراعِ الكتائب
ووجهٌ آخر: أنَّ الأعرابَ تزعُمُ - وكذلك قال ناسٌ من الحوَّائين والرَّقائين - إنّ للحيَّة حزوزاً في بطنه، فإذا مَشَى قامت حُزُوزُه، وإذا تَرَكَ المشْيَ تراجَعتْ إلى مكانها، وعادتْ تلك المواضعُ مُلْساً، ولم تُوجَدْ بِعَيْنٍ ولا لَمْس، ولا يبْلغها إلاَّ كلُّ حَوَّاءٍ دقيقِ الحِسِّ.
وليس ذلك بأعجَبَ من شِقْشِقَةِ الجمل العربيِّ؛ فإنّه يظهرُها كالدَّلْو، فإذا هو أعادها إلى لَهَاتِهِ تراجَعَ ذلك الجلدُ إلى موضعه، فلا يقدِرُ أحدٌ عليه بلمْسٍ ولا عَين، وكذلك عروق الكُلَى إلى المثانة التي يَجْرِي فيها الحَصَى المتولِّد في الكُلية إذَا قَذَفَتْهُ تلك العروقُ إلى المثانة، فإذا بال الإنسانُ انضمّت العروقُ واتَّصلت بأماكنها، والتحمتْ حتى كان موضعُها كسائِر ما جاوز تلك الأماكن.
ووجهٌ آخر: وهو أنَّ هذا الكلام عربيٌّ فصيح؛ إذ كانَ الذي جاءَ به عربيّاً فصيحاً، ولو لم يكنْ قرآناً من عند اللّه تبارك وتعالى، ثمَّ كان كلامَ الذي جاء به، وكان ممّن يجهل اللَّحنَ ولا يعرفُ مواضعَ الأسماء في لُغته، لكان هذا - خاصَّةً - ممَّا لا يجهلُه.
فلو أنَّنا لم نجعل لمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فضيلة في نُبُوَّةٍ، ولا مزيَّةً في البيان والفصاحة، لكُنَّا لا نجد بُدّاً من أن نعلم أنَّهُ كواحدٍ من الفصحاءِ، فهل يجوزُ عندكم أن يخطئَ أحدٌ منهم في مثلِ هذا في حديثٍ، أو وصفٍ أو خُطبةٍ، أو رسالة، فيزعُمَ أن كذا وكذا يمشي أو يسعى أو يطير، وذلك الذي قال ليس من لُغته ولا من لغة أهله? فمعلومٌ عندَ هذا الجواب، وعند ما قبله، أنَّ تأويلَكُمْ هذا خطأ.
وقال اللّه عزَّ وجلَّ: "إنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُون" وأصحابُ الجنّة لا يوصفون بالشُّغُل، وإنَما ذلك جوابٌ لقول القائل: خبِّرني عن أهل الجنَّة، بأيِّ شيءٍ يتشاغلون? أم لهم فراغٌ أبداً? فيقول المجيب: لا، ما شُغُلهم إلاَّ في افتضاضِ الأبكار، وأكْلِ فواكه الجنَّة، وزيارةِ الإخوانِ على نجائب الياقوت .
وهذا على مثالِ جَوابِ عامر بنِ عبد قيس، حين قيل له وقد أقبل مِنْ جهة الحلبة، وهو بالشام: مَنْ سَبَقَ? قال: رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قيل: فَمَنْ صَلَّى? قال: أبو بكر قال: إنَّمَا أسألك عن الخيل قال: وأنا أجيبك عن الخير.
وهو كقول المفسِّر حين سُئل عن قوله: "لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وعَشِيّاً" فقال: ليس فيها بُكرةٌ وعشيٌّ، وقد صدَقَ القرآنُ، وصَدَق المفسِّر، ولم يتَناكرا، ولم يتنافيا؛ لأنَّ القرآن ذهبَ إلى المقادير، والمفسِّرَ ذهبَ إلى الموجودِ، مِن دوَران ذلك مع غروب الشَّمس وطلوعِها.
وعلى ذلك المعنى رُوِي عن عمر أنَّهُ قال: مُتْعتان كانتا على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، أنا أنْهَى عنهما وأضربُ عليهما.
قد كان المسلمون يتكلمون في الصَّلاة ويطَبِّقُون إذا ركعوا، فنَهَى عن ذلك إمامٌ من الأئمَّةِ، وَضَرَبَ عليه، بعد أن أظهَرَ النَّسخ، وعرَّفهم أن ذلك من المنسوخ، فكأَنَّ قائلاً قال: أتنهانا عن شيءٍ، وقد كان على عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فيقول: نعم، وقد قدَّم الاحتجاجَ في النَّاسخ والمنسوخ.
ومن العجَب أنَّ ناساً جعلُوا هذا القولَ على المِنبرِ من عيوبه، فإن لم يكن المعنى فيه على ما وصفنا، فما في الأرضِ أجهلُ من عُمَرَ حين يُظهِرُ الكُفْرَ في الإسلام على مِنبر الجماعة، وهو إنَّما علاه بالإسلام، ثمَّ في شيءٍ ليس له حُجَّةٌ فيه ولا عِلة، وأعجَبُ منه تلك الأمّة، وتلك الجماعة التي لم تُنْكِرْ تلك الكلمةَ في حياته، ولا بَعْدَ موته؛ ثمّ تَرَكَ ذلك جميعُ التَّابعين وأتباعِ التَّابعين، حتَّى أفضَى الأمرُ إلى أهْلِ دهرنَا هذا.
وتلك الجماعة هم الذين قتلوا عُثمان على أن سيَّرَ رجلاً، وهذا لا يقوله إلاّ جاهلٌ أو معاند، وعلى تأويل قوله: "هذَا نُزُلُهمْ يَوْمَ الدِّين" قال: "جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ المهَادُ" وقال تعالى: "حَتَّى إذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هذَا، قَالُوا بَلَى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ العَذَابِ عَلَى الْكَافِرِين" فجعل للنَّار خزائن، وجعل لها خزنة، كما جعل في الجنَّةِ خزائن وجعل لها خَزَنة. ولو أنَّ جهنَّمَ فُتحَتْ أبوابُهَا، ونُحّي عنها الخَزَنَة، ثمّ قيل لكلِّ لصٍّ في الأرض، ولكلِّ خائن في الأرض: دونَكَ؛ فقد أُبِيحَتْ لكلَمَا دنا منها، وقد جُعِل لها خزائنٌ وخَزَنة، وإنَّمَا هذا على مثالِ ما ذكرنَا، وهذا كثيرٌ في كَلاَمِ العَرَب.
والآيُ التي ذكرنا في صِدْقِ هذا الجواب، كلها حُجَجٌ على الخوارج في إنكارهم المنْزِلة بين المنزلتين.

21 - فبراير - 2006
الجاحظ والقرآن
رد مطاعنهم على الآية: طلعها كأنه رؤوس الشياطين    كن أول من يقيّم

قال في الحيوان (ص 543):
وقد قال الناس في قوله تعالى: "إنّها شَجَرةٌ تَخْرُجُ في أصْلِ الجحيمِ، طلْعُها كأَنَّهُ رُؤُوس الشَّياطِين"، فزعم ناس أنّ رؤوس الشياطين ثمر شجرةٍ تكون ببلاد اليمن، لها منظر كرِيه.
والمتكلّمون لا يعرفون هذا التَّفسير، وقالوا: ما عنى إلاّ رؤُوس الشياطين المعروفين بهذا الاسم، من فَسَقة الجن ومَرَدتهم، فقال أهل الطَّعن والخلاف: كيف يجوز أن يضرب المثل بشيء لم نرَه فنتوهَّمه، ولا وُصِفت لنا صورته في كتابٍ ناطق، أو خبر صادق، ومخرج الكلام يدلُّ على التخويف بتلك الصُّورة، والتفزيع منها، وعلى أنّه لو كان شيءٌ أبلغَ في الزَّجر من ذلك لذكَرَه، فكيف يكون الشَّأن كذلك، والناس لا يفزعون إلاّ من شيء هائل شنيعٍ، قد عاينوه، أو صوّره لهم واصفٌ صدوقُ اللسان، بليغٌ في الوصف، ونحن لم نعاينها، ولا صوَّرها لنا صادق، وعلى أنَّ أكثر الناس من هذه الأمم التي لم تعايشْ أهل الكتابين وحَمَلَة القرآن من المسلمين، ولم تسمع الاختلاف لا يتوهَّمون ذلك، ولا يقفون عليه، ولا يفزعون منه، فكيف يكون ذلك وعيداً عاماً?.
قلنا: وإن كنّا نحن لم نر شيطاناً قطّ ولا صوّر رؤوسها لنا صادقٌ بيده، ففي إجماعهم على ضرْب المثل بقُبح الشيطان، حتَّى صاروا يضعُون ذلك في مكانين: أحدهما أن يقولوا: لهو أقبح من الشيطان، والوجه الآخر أن يسمَّى الجميلُ شيطاناً، على جهة التطيُّر له، كما تُسمَّى الفرسُ الكريمةُ شَوهاء، والمرأة الجميلة صَمّاء، وقرناء، وخَنْساء، وجرباء وأشباه ذلك، على جهة التطيُّر له، ففي إجماع المسلمين والعرب وكلِّ من لقيناهُ على ضرْب المثل بقُبْح الشيطان، دليلُ على أنه في الحقيقة أقبحُ من كل قبيح.
والكتابُ إنَّما نزل على هؤلاء الذين قد ثبّت في طبائعهم بغاية التثبيت.
وكما يقولون: لهو أقبحُ من السحر، فكذلك يقولون، كما قال عمر بن عبد العزيز لبعض من أحسنَ الكلام في طلب حاجته - هذا واللّه السِّحر الحلال.
وكذلك أيضاً ربّما قالوا: ما فلانٌ إلا شيطان على معنى الشَّهامة والنَّفاذ وأشباه ذلك.
صفة الغول والشيطان والعامّة تزعم أنَّ الغول تتصوَّر في أحسن صورة إلا أنه لا بدَّ أن تكون رِجْلُها رجلَ حمارٍ.
وخبَّروا عن الخليل بن أحمد، أنّ أعرابيّاً أنشده:

وحـافـر  الـعَير في ساقٍ iiخَدَلَّجةٍ وجفنِ عينٍ خلاف الإنسِ في الطولِ

وذكروا أنّ العامَّة تزعم أنّ شقَّ عين الشيطان بالطول، وما أظنُّهم أخذوا هذين المعنين إلاّ عن الأعراب.
ردّ على أهل الطعن في الكتاب وأما إخبارهم عن هذه الأمم، وعن جهلها بهذا الإجماع والاتِّفاق والإطباق، فما القول في ذلك إلاّ كالقول في الزَّبانِية وخزنةِ جهنَّم، وصُورِ الملائكة الذين يتصوّرون في أقبح الصُّور إذا حضروا لقبْض أرواحِ الكفار، وكذلك في صور مُنكر ونكير، تكون للمؤمن على مثال، وللكافر على مثال.
ونحن نعلم أنّ الكفار يزعمون أنهم لا يتوهّمون الكلامَ والمحاجَّةَ من إنسان ألقي في جاحِم أتُّون فكيف بأن يُلَقى في نار جهنّم? فالحجّة على جميع هؤلاء، في جميع هذه الأبواب، من جهةٍ واحدة، وهذا الجوابُ قريبٌ، والحمد للّه.
وشقُّ فم العنكبوت بالطول، وله ثماني أرجل.
وتزعم الأعرابُ أن اللّه عزّ ذكره حين أهلك الأُمة التي كانت تسمَّى وبارِ، كما أهلك طسْماً، وجَدِيساً، وأميماً، وجاسماً، وعملاقاً، وثموداً وعاداً - أنَّ الجنّ سكنت في منازلها وحمتها من كلِّ مَنْ أرادها، وأنّها أخصبُ بلاد اللّه، وأكثرها شجراً، وأطيبُها ثمراً، وأكثرها حبّاً وعنباً، وأكثرها نخلاً وموزاً، فإن دنا اليومَ إنسانٌ من تلك البلاد، متعمِّداً، أو غالطاً، حَثوا في وجهه التراب، فإن أبى الرُّجوعَ خبلوه، وربّما قَتلوه.
والموضع نفسه باطل، فإذا قيل لهم: دُلُّونا على جهته، ووقِّفونا على حدِّه وخلاكُم ذمٌّ - زعموا أنّ من أراد أُلقي على قلبه الصَّرْفة، حتَّى كأنهم أصحابُ موسى في التِّيه، وقال الشاعر:
وداعٍ  دعا واللَّيلُ مرخٍ iiسُدوله رجاءَ القِرى يا مُسْلِمَ بن حمارِ
دعـا جُـعَلاً لا يهتدِي iiلمقيله مـن  اللؤم حتّى يهْتدي لوَبَارِ
فهذا الشاعرُ الأعرابيُّ جعل أرض وبارِ مثلاً في الضلال، والأعراب يتحدّثون عنها كما يتحدّثون عمّا يجدونه بالدَّوِّ والصَّمّان، والدهناء، ورمل يبرين، وما أكثر ما يذكرون أرض وبارِ في الشِّعر، على معنى هذا الشاعر.

21 - فبراير - 2006
الجاحظ والقرآن
أدب الزنادقة ومصطلحاتها    كن أول من يقيّم

قال في الحيوان (ص 269) أثناء حديثه عن إنكار الرجل العامي ما لم يطرق سمعه من المعاني والألفاظ التي تمس الديانة:
(فإذا سمع أهل الكتاب يقولون: إنَّ عيسى ابن مريم أخَذَ في يده اليمنى غُرْفَةً، وفي اليسرى كِسرَةَ خبز، ثم قال: هذا أبي، للماءِ، وهذه أمِّي، لكسرة الخبز، استشنعه، فإذا سمعَ قولَ أميَّة:

والأرضُ نَوَّخَهَا الإله طَرُوقَةً لـلـماءِ حتَّى كل زَنْد iiمُسفَدُ

لم يستشنعه)

قال:
والأصل في ذلك أنّ الزّنَادِقَةَ أصحابُ ألفاظٍ في كتبهمْ، وأصحابُ تهويل؛ لأنَّهم حينَ عدِمُوا المعانيَ ولم يكن عندهم فيها طائل، مالُوا إلى تكلُّف ما هو أخْصَرُ وأيسرُ وأوجَزُ كثيراً.
ولكلِّ قَوْمٍ ألفاظٌ حظِيتْ عِنْدَهم، وكذلك كلُّ بليغٍ في الأرض وصاحِب كلامٍ منثور، وكلُّ شاعِرٍ في الأرض وصاحِبِ كلامٍ موزون؛ فلا بد من أن يكون قد لهجَ وألف ألفاظاً بأعيانها؛ ليديرَها في كلامه، وإن كان واسعَ العلمِ غزيرَ المعاني، كثيرَ اللَّفظ..
فصار حظُّ الزَّنَادِقَةِ من الألفاظ التي سبقتْ إلى قلوبهم، واتَّصلت بطبائعهم، وجَرتْ على ألسنتهم التناكحَ، والنتائِج، والمِزاج والنُّور والظلمة، والدفَّاع والمنَّاع، والساتر والغَامر، والمنحلّ، والبُطلان، والوِجْدان، والأَثير والصِّدِّيق وعمود السبح، وأشكالاً من هذا الكلام، فَصَارَ وإن كان غريباً مرفوضاً مهجوراً عنْد أهلِ ملَّتنا ودعوَتِنا، وكذلك هو عِنْدَ عوامِّنا وجمهُورنا، ولا يستعملهُ إلاّ الخَواصُّ وإلاَّ المتكلِّمون.

قال:
وأنا أقولُ في هذا قَوْلاً، وأرجو أن يكون مرضياً، ولم أقلْ أرجو لأني أعلمُ فيه خللاً، ولكنّي أخذتُ بآدابِ وجوهِ أهلِ دعوتي وملَّتي، ولغتي، وجزيرتي، وجيرتي؛ وهم العرب، وذلك أنّه قيل لصُحَارٍ العبديّ: الرجل يقول لصاحِبه، عنْدَ تذكيره أياديَه وإحْسانه: أما نحنُ فإنّا نرجو أن نكونَ قدْ بلغْنا من أداءِ ما يجبُ علينا مبلغاً مُرضِياً، وهُوَ يعلم أنّه قَدْ وفّاه حَقّه الواجبَ، وتفضّل عليه بما لا يجب، قال صُحار: كانوا يستحبُّون أن يَدَعُوا للقول متنفَّساً، وأن يتركوا فيه فضلاً، وأن يتجافَوا عن حَقٍّ إن أرادوه لم يُمنَعوا منه.
فلذلك قلت أرجو، فافهَمْ فَهّمَكَ اللّه تعالى.
فإنَّ رأيي في هذا الضّربِ من هذا اللفظ، أنْ أكونَ ما دمتُ في المعاني التي هي عبارتها، والعادَة فيها، أن ألفِظ بالشّيء العتيد الموجود، وأدَعَ التكلّفَ لِما عسى ألاَّ يسلس ولا يسهلَ إلاَّ بعد الرِّياضة الطويلة.
وأرى أنْ ألفِظ بألفاظِ المتكلمين ما دُمتُ خائضاً في صناعة الكلام مع خواصِّ أهل الكلام؛ فإن ذلك أفهمُ لهمْ عني، وأخفُّ لمؤنتهمْ عليّ.
ولكل صناعةٍ ألفاظ قد حَصلت لأهلها بَعدَ امتحان سواها، فلم تَلزَق بصِناعتهم إلاَّ بَعدَ أن كانَتْ مُشاكَلاً بينها وبين تلك الصناعة.
وقبيحٌ بالمتكلم أنْ يفتقر إلى ألفاظِ المتكلِّمين في خُطبةٍ، أو رسالة، أو في مخاطبةِ العوام والتجار، أو في مخاطبةِ أهله وعبْدِهِ وأمته، أو في حديثه إذا تحدثَ، أو خبره إذا أخبر.
وكذلك فإنّه من الخطأ أن يجلِبَ ألفاظ الأعرابِ، وألفاظ العوامّ وهو في صناعة الكلام داخل، ولكلِّ مقامٍ مقال، ولكلِّ صناعة شكل.

21 - فبراير - 2006
الجاحظ والقرآن
ليس على الدين في الإقرار بالعلم مضرة    كن أول من يقيّم

قال في الحيوان أثناء كلامه عن تولد الذبان من الباقلاء: (وقد أنكر ناسٌ من العوامِّ وأشْباهِ العوامِّ أن يكونَ شيءٌ من الخلق كانَ من غير ذكرٍ وأنثى، وهذا جهلٌ بشأن العالَم، وبأقسام الحيوان، وهم يظنُّون أنَّ على الدِّين من الإقرار بهذا القول مضرَّةً، وليس الأمر كما قالوا، وكلُّ قولٍ يكذِّبُه العِيان فهو أفحش خطأ، وأسخَفُ مذهباً، وأدلُّ على معاندةٍ شديدة أو غفْلة مفْرطة.
وإنْ ذهب الذَّاهبُ إلى أن يقيس ذلك على مجازِ ظاهر الرَّأي، دونَ القطْعِ على غيب حقائق العِلل، فأجْرَاه في كلِّ شيء - قال قَوْلاً يدفعه العِيانُ أيضاً، مع إنكار الدِّين له.
وقد علمنا أنَّ الإنسانَ يأكُلُ الطّعامَ ويشرَبُ الشَّرابَ، وليس فيهما حيَّةٌ ولا دودةٌ، فيُخْلق منها في جوفِه ألوان من الحَيَّات، وأشكالٌ من الدِّيدان من غير ذَكرٍ ولا أنثى، ولكن لابدَّ لذلك الوِلادِ واللِّقاحِ من أنْ يكون عن تناكح طِباع، وملاقاة أشياءَ تشبه بطباعها الأرحامَ وأشياءَ تشبه في طبائعها ملقِّحات الأرحام).

 

21 - فبراير - 2006
الجاحظ والقرآن
سبب نزول الآية: (يسألونك ماذا أحل لهم)    كن أول من يقيّم

قال في الحيوان: (ولما قال النبيُّ عليه الصلاة والسلام لزيدِ الخيل مِن الخير ما قَال، وسمَّاه زيدَ الخير، ما سأله زيدٌ شيئاً، ولا ذكر له حاجة، إلاّ أنَّه قال: يا رسول اللَّه، فينا رجُلان يقال لأحدهما ذَرِيح، والآخر يكنى أبا دُجانة، ولهما أكلب خمسة تَصِيد الظباء، فما ترى في صيدهم? فأنزلَ اللَّه عزَّ وجلّ:"يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لُهمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الجَوَارِحِ مُكَلّبِينَ تُعَلّمُونَهُنّ مَّما عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ"، فأوَّلُ شيءٍ يعظِّم في عينِك شأنَ الكلب، أنَّ هذا الوَافدَ الكريمَ الذي قِيل له ما قيل، وسُمِّي بما لم يسمَّ به أحد لم يسأَلْ إلاّ عن شأن الكلب، وثانية وهي أعظمها: أنَّ اللَّه تعالى أنزل فيه عند ذلك آياً مُحْكماً فقال: "أُحِلّ لَكمُ الطَّيِّبَاتُ" فسمَّى صيدَها طيّباً، ثم قال: "وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ" مخبراً عنْ قَبولها للتعليم والتأديب، ثم قال: "مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّه" ولولا أنَّ ذلك البابَ من التعليمِ والعلمِ مَرْضيٌّ عند اللَّه عزَّ وجلّ، لَمَا أضافه إلى نفسه، ثم قال: "فَكلُوا ممَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكمْ وَاذْكُروا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ" فأوَّلُ شيءٍ يعظُم به في عينك إمساكُه عليك، وهكذا يقول أَصحابُ الصَّيد، إنَّ كلِّ صائدٍ فإنَّما يُمسِك على نفسه إلاّ الكلبَ فإنّهُ يُمسك على صاحبه، ولو كان الجوابُ لزيد الخيل سُنَّةً من سُننَ النبي صلى اللَّه عليه وسلم لَكانَ في ذلك الرِّفعةُ، فكيفَ والكتابُ فوقَ السُّنّة، وقد روى هشام أنّ ابنَ عبَّاس سمَّى كِلابَ ذَريحٍ هذه وكلابَ أبي دُجانة فقال: المختلِس، وغلاَّب، والقَنيص، وسَلهب، وسِرْحان، والمتعاطِس..

21 - فبراير - 2006
الجاحظ والقرآن
أغنية لمحمد عبد الوهاب من المنسرح    كن أول من يقيّم

نبهني الأستاذ الكريم محمد الجهالين في رسالة تكرم علي بها مشكورا إلى أن المرحوم الموسيقار محمد عبد الوهاب قد غنى قطعة من قصيدة صفي الدين الحلي (قالت كحلت الجفون بالوسن) ويمكن الاستماع إلى هذه الأغنية على هذا الرابط:

http://www.awzan.com/sounds/Qalat.mp3
  

وقد افتتحها عبد الوهاب بالخطأ، فشدد الحاء من قوله (كحلت) في البيت الأول وكذلك ختمها بالخطأ فجعل يسعدني (في البيت الأخير) يساعدني

25 - فبراير - 2006
سؤال موجه إلى الشاعرة مروة حول البحر المنسرح
أمية بن خلف    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم

لا تزال صورة الله تعالى منطبعة في مخيلتي حتى هذه اللحظات، مع  مرور زهاء أربعين عاما على رؤيتي لما كنت أظن أنه الله  (جل وعلا) وقد رأيته  عندما رأيته في المنام على نفس الصورة بعد عشرين عاما من رؤيته الأولى في كتاب الديانة المقرر على الصف الثالث الابتدائي، في دمشق عام (1966م)  في درس بعنوان (أحد أحد) وهي الكلمة التي كان يرددها بلال الحبشي (ر) في جوابه أمية بن خلف عندما كان يدعوه هذا للعودة إلى دين قريش، وكانت صورة أمية بن خلف وهو يقوم بجلد بلال  مرتديا العباءة الفضفاضة وعلى رأسه العقال المضفور حول الكوفية البيضاء وبيده المرفوعة عاليا سوط تتدلى منه ثلاث ذوائب،  لها على ظهر بلال آثار واضحة، كانت صورة أمية هذه هي صورة الله في مخيلتي، فقد أخطأت أيها الأخوة فحسبت أن هذا هو الله، وأن المجلود بين يديه أحد عباده، ولم يخطر في بالي وأنا طفل في الثامنة من العمر أن هذه الصورة صورة لأمية بن خلف وهو يقوم بتأديب بلال، لأنه لم يكن اسم بلال ولا اسم أمية قد طرقا سمعي، بل لم نكن قد وصلنا إلى هذا الدرس، بل صادف أني فتحت على هذه الصفحة عندما استلمت الكتب في أول العام الدراسي، فاستوقفتني هذه الصورة، في كتاب ديانة وفيها ذكر لله وللنبي والجنة وللجحيم، وهذا ما استطعت تفكيكه من كلمات الدرس المحيطة بالصورة، فلما وصلنا مع الأستاذ بالكتاب إلى ذلك الدرس لم أجد بدا من أن أهرب من المدرسة لأنني لم أكن أجرؤ على النظر في تلك الصورة، مع أنني أذكر أني كنت أمسك الكتاب وأنظر من شقوقه إلى هذه الصورة وقلبي يرجف في صدري، ولكني سرعان ما أطبق الكتاب وأتناسى الأمر.

25 - فبراير - 2006
لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ?
هدية المغيث في أمراء الحديث    كن أول من يقيّم

هذا اللقب هو أعلى رتبة يبلغها رجل الحديث، وللشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي الجكني (ت 1363هـ) أرجوزة سمى فيها من عثر له على أصل في تلقيبه بأمير المؤمنين في الحديث، وسماها ( هدية المغيث في أمراء المؤمنين في الحديث).
وقد نشرتها دار البشائر الإسلامية في لبنان عام (1989م) بتحقيق رمزي سعد الين دمشقية. وتجد مختارات من هذه الأرجوزة في نهاية هذه البطاقة، وسوف أعرض للتعقيب عليها في سياق تراجم أمراء الحديث.
وآخر من استحق هذا اللقب بجدارة: الحافظ ابن حجر العسقلاني، وأحسب أن الذي أطلق عليه هذا اللقب هو ابن تغري بردي في (النجوم الزاهرة) وكانت وفاته ليلة السبت (28/ 12/ 852هـ) قال الجكني:

ونـجـل عَلّان المحقق iiذَكَر من أمراء المؤمنين ابن حجر
أي إن ابن علان البكري الصديقي هو أول من أطلق على ابن حجر لقب أمير المؤمنين في الحديث، وهذا وهمٌ من الجكني لأن ابن علان ولد عام (996هـ) وابن تغري بردي توفي عام (874هـ)
 ولا أعلم بعده أحدا نال هذه المنزلة المرموقة. فإن كان فهو غير مشهور، ولا متفق عليه، كالشيخ علي أفندي السويدي، وقد نعته بذلك الآلوسي في (غرائب الاغتراب) وغيره من كتبه. انظر ترجمته في (حلية البشر: الوراق ص 486) ووفاته يوم (27/ رجب/ 1237هـ)
وأول من أطلق عليه هذا اللقب من المتقدمين:
 
1- أبو الزناد القرشي: عبد الله بن ذكوان المتوفى سنة (131هـ) عن (66) سنة وهو من كبار شيوخ الإمام مالك بن أنس، من طبقة ربيعة الرأي، وقد أطلق عليه هذا اللقب الإمام سفيان الثوري كما في تذكرة الحفاظ وتهذيب التهذيب وتاريخ دمشق وتاريخ الذهبي.
2- ثم هشام بن عبدالله الدستوائي البصري الحافظ، كما في (تاريخ الذهبي وتهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر، ومرآة الجنان لليافعي) قال: قال أبو داود الطيالسي كان أمير المؤمنين في الحديث،وقال غيره بكى هشام حتى فسدت عينه) مولده عام (76هـ) ووفاته سنة (153هـ) ودستواء التي ينسب إليها: بلدة في الأهواز، كان يبيع الثياب المجلوبة منها.

3- ثم محمد بن إسحاق صاحب المغازي، في رأي شعبة بن الحجاج (كما في المحلى لابن حزم وتاريخ الإسلام للذهبي وغير ذلك من المراجع) ومولده عام (85هـ) ووفاته ببغداد سنة (151هـ) انظر ترجمة مفصلة له في التعقيب على كتابه في السيرة على الوراق.

4- ثم شعبة بن الحجاج، كما نص على ذلك الذهبي في التاريخ وذلك في رأي سفيان الثوري. ومولد شعبة عام (83هـ) ووفاته بالبصرة سنة (160هـ)

5- ثم سفيان الثوري في رأي شعبة وابن معين ووكيع وجماعة (وهو أشهر من نال هذا اللقب من أئمة المحدثين) وكانت وفاته في البصرة سنة (161هـ) وهو المراد بقول أبي العلاء: (والخوف ألزم سفيان أن يغرق كتبه)

6- ثم حماد بن سلمة البصري الربعي بالولاء ووفاته سنة (167هـ) قال أحمد بن حنبل: (إذا رأيت الرجل ينال من حماد بن سلمة فاتهمه على الإسلام. (انظر ترجمته في تاريخ الإسلام للذهبي)

7- ثم علي بن المديني (ت 178هـ) كما نص على ذلك الذهبي في (سير أعلام النبلاء) لم يذكره الجكني

8- ثم الإمام مالك بن أنس، في رأي يحيى بن سعيد القطان ويحيى ابن معين، وكانت ولادة الإمام مالك عام (93هـ) ووفاته سنة (179هـ)

9- ثم عبد الله بن المبارك الحنظلي بالولاء: وذلك في رأي يحيى بن معين (كما في سير أعلام النبلاء ص 918) ومولده عام (118هـ ووفاته في هيت سنة (181هـ)

10 - ثم يحيى بن سعيد القطان المولود عام (120هـ) ووفاته في صفر عام (198هـ) (نعته بذلك الذهبي في سير أعلام النبلاء) لم يذكره الجكني

11- ثم الحافظ الدراوردي واسمه عبد العزيز بن محمد بن عبيد الجهني بالولاء المدني الدراوردي قال معن بن عيسى كما نقل الذهبي في التذكرة: (يصلح الدراوردي أن يكون أمير المؤمنين في الحديث) ووفاته في المدينة المنورة سنة (187هـ) ومعن بن عيسى المذكور: من أئمة الحديث، من كبار أصحاب مالك، توفي بالمدينة المنورة سنة (198هـ)

12- ثم الواقدي صاحب الفتوح، في رأي الحافظ الدراوردي، ومولد الواقدي عام (130هـ) ووفاته سنة (207هـ) وذكر ذلك الحافظ ابن حجر في (تهذيب التهذيب) والسخاوي في (التحفة اللطيفة) وياقوت في (معجم الأدباء) وابن الجوزي في (المنتظم) قال: وقال: الدراوردي: ذاك أمير المؤمنين في الحديث ... وقال أحمد بن حنبل: هو كذاب، جعلت كتبه ظهائر للكتب منذ حين... وقال بندار: ما رأيت أكذب شفتين من الواقدي.

13- ثم الفضل بن دكين التيمي الملائي الكوفي الأحول أبو نعيم، قال الفراء: (سمعتهم يقولون بالكوفة قال أمير المؤمنين وإنما يعنون الفضل بن دكين. ومولده عام (130 هـ) ووفاته سنة (219هـ)
14- ثم يحيى بن معين وذلك في رأي المحدث نعيم بن حماد. (كما في تهذيب الكمال) ومولده عام (158هـ ووفاته سنة (233هـ) بالمدينة المنورة. ويبدو أن الجكني لم يطلع على ما ورد في (تهذيب الكمال) فقال:

وأحمد بن حنبل على iiصفهْ تعطيه  ذا مع ورع ومعرفهْ
وابن  معين مثله فيما iiسلف ولم أجد هذا لهم عن السلف

15- ثم إسحاق ابن راهويه الحنظلي، شيخ الإمام البخاري، مولده عام (161) ووفاته سنة (238)

16- ثم الحافظ الذهلي محمد بن يحيى أبو عبد الله النيسابوري المولود عام (172هـ) ووفاته سنة (258هـ). (كما في تاريخ الذهبي وتذكرة الحفاظ وتهذيب التهذيب) وهو من طبقة الإمام أحمد. قال ابن أبي داود وأبو بكر بن زياد: كان أمير المؤمنين في الحديث.


17- ثم الإمام البخاري: وترجمته نار على علم، مولده عام (194هـ) ووفاته سنة (256هـ) أما الإمام مسلم فلم ينل هذه الرتبة وإنما قاربها. قال الجكني:

وكـاد مـسـلـمٌ بهذا iiاللقب يدعى كما لبعضهم وما اجْتبي
  18- ثم الإمام الدارقطني  ومولده عام (306هـ ووفاته سنة 385هـ) وقد نال هذه الرتبة كما ذهب إلى ذلك أبو الطيب الطبري (كما في تاريخ دمشق) ونسبته إلى محلة (دار القطن) في بغداد

19- ثم انقطع هذا اللقب، ولم يحرزه أحد فيما أعلم بعد الدارقطني غير الحافظ عبد الغني الجمّاعيلي الدمشقي المولود عام (541هـ) وأطلق عليه هذا اللقب الحافظ الضياء وتابعه الذهبي في تاريخه.
20- ثم الحافظ ابن حجر العسقلاني كما ذكرنا في بداية هذه البطاقة.

وهذه مقتطفات من أرجوزة الجكني:
المقدمة:

قـال مـحـمـد حـبـيب iiالله مـن  بـعـد الابـتدا ببسم iiالله
الـمـدنـي  الـجـكـني iiنسبا الأشـعـري  الـمـالكي iiمذهبا
الـحـمـد لـلـه الذي قد يسرا فـن  الـحـديث بالرواة iiالأُمَرا
أي أمـراء عـلـمَـيِ iiالحديث فـي سـالـف الزمان iiوالحديث
إذ  هـم أخـصُّ مِن سواهم iiفيه مِـن كـل مَـن قـد كان iiيقتفيه
مِـن  حـافـظ في علمه iiمعتمد ومـتـقـن بـين الورى iiمجتهد
ثـم صـلاتـه مـع iiالـسـلام عـلـى الـنـبـي سـيد الأنام
وآلـه  وصـحـبـه الـكـرامِ ومـن تـلاهـمُ مـنَ iiالأعـلامِ
وبـع فـالـقـصـدُ بهذا iiالنظمِ جـمـعُ  الـرواة أمـراءِ iiالعلمِ
أي أمـراء المؤمنين في iiالحديث لِمَن لضبطهم يرى السيرَ الحثيث
سـمـيـتـه  هـديـةَ iiالمغيثِ فـي الأُمَـرا أئـمـة الـحديثِ
نـظـمـتـه  لـكل ذي iiعنايهْ وهـمـةٍ  فـي صـنعة iiالدرايهْ
أسـأل  ربـي الله خالق iiالورى عـونـا على نظم الرواة iiالأُمَرا
فـقـلـت  بـادئـا بـبسم iiالله جـلَّ مُـثَـنّـيـاً بـحـمد iiالله

ثم تناول شرف الإسناد ومنزلة الرحلة في طلب الحديث ومشاهير الرحالة، واختصاص المحدثين بلقب الحافظ وأمير المؤمنين في الحديث، وذلك كله في (23) بيتا ثم قال تحت عنوان (ذكر أمراء المؤمنين في الحديث):
فـمـالـكٌ  إمـامـنا iiالمقدَّمُ وشـيـخـه  أبو الزناد iiالعلمُ
ثـم إمـام الـعارفين الثوري مـن زانه الزهد كزين iiالنَور
فـشـعـبـة  المحقق iiالإمامُ مـن ازدهـت بـعلمه iiالأيام
كـذاك إسحق الإمام iiالحنظلي ثـم  هـشام الدستوائي iiالعلي
وابـن  دُكين الفضل iiالالْمعي كذا  ابن يحيى الحافظ iiالذهلي
ثـم  الـبخاري الشهير iiالفخم والـدارقـطنيُّ  الإمام iiالشهم
ثـم ابـن إسحاق إمام iiالسيرهْ مـن  كـان ذا بصيرة iiمنيرهْ
قد قال ذاك الذهبي في التذكرهْ وغـيرُه  إذ حاز تلك المفخرهْ
والـواقدي الشهم ذو iiالبصيرهْ مـنهم وكان ماهرا في السيرهْ
وهـكـذا  حـماد نجل iiسلمهْ فابن  المبارك وكم من iiعظمه
والـدارورديُّ  لـذاك iiيصلح قد  قاله معن بن عيسى المفلحُ
وكـاد مـسـلـمٌ بهذا iiاللقب يدعى كما لبعضهم وما iiاجْتبي
ونـجـل  عَلّان المحقق iiذَكَر من أمراء المؤمنين ابن iiحجر
قـلت  ولا يبعدُ في iiالسيوطي ذاك  لـمـا حاز من الشروط
وأحـمد  بن حنبل على iiصفهْ تـعطيه  ذا مع ورع iiومعرفهْ
وابـن  معين مثله فيما iiسلف ولـم أجد هذا لهم عن iiالسلف
هـذا الـذي حررته من iiأُمَرا ء المؤمنين في الحديث iiالكُبَرا
أسـأل  ربـي أن أُرَى iiأميرا فـيـه ولـو أتـيـته iiأخيرا
وأن أنـال بـالحديث الرحمهْ في جنة الفردوس فهي iiالنعمهْ
أكـمـلـتـه في بلدة iiالخليل مـقـتـبسا من نوره iiالجليل
عـلـيه  مني صلوات iiباهرهْ وآلـه الـغر النجوم iiالزاهرهْ
وإنـنـي  ضـيف لإبراهيما ولـم  يـزل لـضيفه iiكريما
ثم ختم الأرجوزة بذكر بيان ألقاب جرى عليها اصطلاح المحدثين كطالب الحديث والراوي والمسند والمحدث والحافظ والحجة والحاكم، وتقع هذه الخاتمة في (29) بيتا.

26 - فبراير - 2006
من هم أمراء المؤمنين في رواية الأحاديث
 95  96  97  98  99