القرآن الكريم حمّال أوجه ، وليس وجوه. كن أول من يقيّم
*نزلت سورة المسد في الأيام الأولى للإسلام ، وكان الرجل يستطيع تكذيبها بالدخول في الإسلام بعد ذلك ، ولكن أبا لهب بقي إلى أن مات عدواً للدين والداخلين فيه ، فصدقت فيه : " سيصلى ناراً ذات لهب * وامرأته حمّالة الحطب*" . إنّ زوجة أبي لهب هي أخت أبي سفيان ؛ سيدِ مكة ، وصاحب لوائها في الحروب... إذن ، المرأة من بيت سيادة ، فيبعد أن تشغل نفسها بحمل الحطب ! والمقصود أنها تنقل ما يثير الوقيعة ، ويحرك الخصومة . وكذلك يفعل النمامون ومثيرو الفتن.... *سورة قريش : " لإيلاف قريش * إيلافهم رحلة الشتاء والصيف " ( قريش/ 1 و2). إن جزيرة العرب تقع بين أوربة وآسية ، وقد اشتغل أهلها بالتجارة بين هاتين القارتين ، وكانوا همزة وصل بين الرومان في الشام، والهنود في الجنوب . وانتظمت رحلاتهم تنقل السلع بين هؤلاء وأولئك. وقد امتن الله تبارك وتعالى – في مكة وحولها – بهذا الوضع الذي انتفعوا منه كثيراً : " فليعبُدوا ربّ هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف " ( قريش/ 3 و4) . وهذه الكلمات تشير إلى استتباب الأمن وانتفاء الخوف ، وهما أساس الحرية السياسية. ووفرة الأقوات وسهولة التبادل ، وهما أساس الحرية الاقتصادية . ونستطيع القول : إن العربي في أرجاء الجزيرة كان أقوى شخصية وأوسع استقلالاً من غيره . وهذا ما رشّح العرب لحمل رسالة الإسلام والتطواف بها في المشارق والمغارب . ومن العلماء مَن يرى هذه السورة امتداداً لسورة الفيل ، ويجعلهما سورة واحدة . *سورة الماعون : أهل الدين يتعرفون إلى حاجات الآخَرين ، ويسارعون في قضائها . فالدين مع الضعيف حتى يقوى ، ومع الفقير حتى يستغنيَ ، ومع اليتيم حتى يكبر ، ومع الهائم حتى يستقر . وقد فرّط بعض المنتمين إلى الدين في هذه الواجبات ، فتولدت فلسفات تكفر بالله واليوم الآخِر ، وكانت الشيوعية آخرها ، استطاعت أن تحكم نصف العالم أو تؤثر في النصف الباقي . ولو أن أهل الدين ، ولاسيما المسلمون ارتبطوا بدينهم ، وساروا به سيرة حسنة ، ما ظهر هذا الإلحاد. إنّ الإيمان أخو العطاء والعدالة ، والشِّرك أخو الأثرة والقسوة . وتدبر قوله تعالى : " أرأيتَ الذي يكذّب بالدِّين* فذلك الذي يدُعُّ اليتيم * ولا يحُضّ على طعام المسكين " ( الماعون/ 1-3 ) . إنّ هذه السورة الوجيزة ترفض العبادة الصورية ، وترى أنّ إعانة محتاج شرط في الإيمان ، كإقامة الصلاة وأدائها بخشوع ، وتهدد بالويل مانع الماعون عن محتاج إليه .... *عِلم اليقين : كعِلْمنا بالكعبة . وعين اليقين : كرؤيتنا الكعبة . وحق اليقين : كطوافنا حول الكعبة ،وقد يكون الدخول فيها..... *سورة التين : بعض العلماء قال : القسَم بالثمر حقيقةً : " والتين والزيتون* وطور سينين* وهذا البلد الأمين" (التين/1-3) . ويرى المحققون أنّ القَسَم هو بمواطن الشرائع الأولى . وهذا أوفق في الجمع بينها . ويؤيده ما روي عن ابن عباس ، رضي الله عنهما، أنّ( التين )هو مسجد نوح الذي بناه على الجُوديّ بعد انتهاء الطّوْفان ، وأنّ(الزيتون) هو المسجد الأقصى ...، و( طُور سينين )[ بالسريانية]: جبل تجلى الله تعالى على موسى ، عليه السلام، وتشريفه بالرسالة ، و(البلد الأمين) : مكة المكرمة ؛ موطن الإسلام ومشرق أنواره.... أوليس القرآن الكريم حمّالَ أوجه ، وليس حمّال وجوه ، كما تقوّل ابن أبي الحديد على أمير المؤمنين عليّ ، عليه السلام، ورضي الله عنه ؟ بلى ! إنّ علم الصرف الذي يبحث في بنية الكلمة قد بيّن لنا الفرق بين الأوجه والوجوه .... |