البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات د يحيى مصري

 90  91  92  93  94 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
دفع إيهام    كن أول من يقيّم

قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تقنطوا من رحمة الله...} .هذه الآية الكريمة تدل على أمرين.
الأول: أنّ المسرفين ليس لهم أن يقنطوا من رحمة الله، مع أنه جاءت آية أخرى تدل على خلاف ذلك، وهي قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ}.
والجواب أن الإسراف يكون بالكفر ويكون بارتكاب المعاصي دون الكفر فآية {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} في الإسراف الذي هو كفر، وآية {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ...} في الإسراف بالمعاصي دون الكفر، ويجاب أيضاً بأن آية {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} فيما إذا لم يتوبوا، وأن قوله {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} فيما إذا تابوا.
والأمر الآخَر: أنها دلت على غفران جميع الذنوب، مع أنه دلت آيات أخَر على أن من الذنوب ما لا يُغفَر وهو الشِّرك بالله تعالى.
والجواب-أن الآية {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} مخصصة لهذه، وقال بعض العلماء هذه مقيّدة بالتوبة؛ بدليل قوله تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ}، فإنه عطف على قوله {لا تقنطوا}، وعليه فلا إشكال، وهو اختيار ابن كثير.
( الشيخ الشنقيطي ، رحمة الله عليه، وعلى أمواتنا وأمواتكم المسلمين).
 

17 - نوفمبر - 2008
استراحات
هذا البيت    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

قال حسان بن ثابت ، رضي الله عنه ، وهو أحد شعراء رسول الله ، صلى الله عليه وسلم :
 أمَنْ يهجو رسولَ اللهِ منكم ** ويمدحه وينصُرُه سَواءُ ؟
الشاهد في قوله : ويمدحه.
وجه الاستشهاد به أنّ ( الواو) عاطفةٌ لاسم موصول محذوف على اسم الموصول المذكور. ولا يجوز عطف جملة ( يمدح مع الفاعل المستتر) على جملة ( يهجو مع الفاعل المستتر) ؛ لأن المعنى يفسد فساداً
شنيعاً ؛ إذ يصير المادِح هو الهاجي ؛ وهذا لا يصِحّ .
والبيت الشاهد من بحر الوافر . ويُغَنّى على نغَم ( جِينا الدار نسأل علحبايب) أو ( سكابا يا دموع العين سكابا).
 ( أمَنْ) : الهمزة : حرف استفهام ، ( مَنْ) : اسم موصول مبتدأ.....( منكم) : متعلقان بحال من فاعل( يهجو) المستتر . والفاعل المستتر في ( يمدحه) يعود إلى الاسم الموصول المحذوف .( سواءُ): خبر( مَنْ)
وما عُطف عليه .

17 - نوفمبر - 2008
استراحات
كلام الله الحق    كن أول من يقيّم

لم يتكفل الله بحفظ كتابه فحسب ، بل بجمعه وقراءته : " إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون" ، " إنّا علينا جمعه وقرآنه"
قال الله تعالى: " ثٌمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاْءِ وَهِيَ دُخَاْنٌ"(فصلت/11) .                         
   أُلقِيَت هذه الآيات في المؤتمر العلمي للإعجاز القرآني الذي عقد في القاهرة ، ولما سمع البروفيسور الياباني ( يوشيدي كوزاي) تلك الآية، نهض مندهشاً، وقال: لم يصل العلم و العلماء إلى هذه الحقيقة المذهلة إلا منذ عهد قريب بعد أن التَقَطت كاميرات الأقمار الاصطناعية القوية صوراً و أفلاماً حية، تُظهر نجماً يتكون من كتلة كبيرة من الدخان الكثيف القاتم ، ثم أردف قائلاً: إن معلوماتنا السابقة قبل هذه الأفلام و الصور الحية كانت مبنية على نظريات خاطئة مُفادها أن السماء كانت ضباباً ، و قال: بهذا نكون قد أضفنا إلى معجزات القرآن معجزة جديدة مذهلة أكدت أن الذي أخبر عنها هو الله الذي خلق الكون قبل مليارات السنين.                              

 
قال الله تعالى: " أَوَلَمْ يَرَ الَّذِيْنَ كَفَرُواْ أَنَّ السَّمَوَاْتِ وَ الأَرْضَ كَاْنَتَاْ  رَتْقَاً فَفَتَقْنَاْهُمَا" ( الأنبياء /3).                      
لقد بلغ ذهول العلماء في مؤتمر الشباب الإسلامي الذي عقد في الرياض 1979م ذروته عندما سمعوا الآية الكريمة، وقالوا: حقاً لقد كان الكون في بدايته عبارة عن سحابة سديمية دخانية غازية هائلة متلاصقة، ثم تحولت بالتدريج إلى ملايين الملايين من النجوم التي تملأ السماء . عندها صرح البروفيسور الأمريكي (بالمر) قائلاً: إن ما قيل لا يمكن بحال من الأحوال أن ينسب إلى شخص مات قبل 1400 عام؛ لأنه لم يكن لديه تليسكوبات و لا سفن فضائية تساعد على اكتشاف هذه الحقائق، فلا بد أن الذي أخبر محمداً هو الله ،  و قد أعلن البروفيسور(بالمر)  إسلامه في نهاية المؤتمر.                                                                       
                                                                   
   قال الله تعالى:" وَ جَعَلْنَاْ مِنَ المَاْءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاْ يُؤْمِنُوْنَ"                                 
               الأنبياء /30).    

لقدأثبت العلم الحديث أن أي كائن حي يتكون من نسبة عالية من الماء، وإذا فقد 25 بالمِئة من مَائِه، فإنه سيقضي نحبه لا محالة؛ لأن جميع التفاعلات الكيماوية داخل خلايا أي كائن حي لا تتم إلا في وسط مائي. فمِن أين لمحمد ،صلى الله عليه و سلم، بهذه المعلومات الطبية؟.

قال الله تعالى:" وَ السَّمَاْءَ بَنَيْنَاْهَاْ بِأَيْدٍ وَ إِنَّا لَمُوْسِعُوْنَ "(الذاريات/47).

لقد أثبت العلم الحديث أن السماء تزداد سَعة باستمرار، فمَن أخبر محمداً ،صلى الله عليه وسلم، بهذه الحقيقة في تلك العصور المتخلفة؟ هل كان يملك تليسكوبات و أقماراً اصطناعية؟ أم أنه وحي من عند الله خالق هذا الكون العظيم؟ أليس هذا دليلاً قاطعاً على أن هذا القرآن حقٌّ من الله، سبحانه وتعالى ؟.
 
قال الله تعالى:" وَ الشَّمْسُ تَجْرِيْ لِمُسْتَقَرٍّ لَهَاْ ذَلِكَ تَقْدِيْرٌ الْعَزِيْزِ الْعَلِيْمِ " ( ياسين/ 38 ).

لقد أثبت العلم الحديث أن الشمس تسير بسرعة 43200 ميل في الساعة. وإذ إنّ المِسافة بيننا و بين الشمس  92مليون ميل، فإننا نراها ثابتة لا تتحرك، وقد دهش بروفيسور أمريكي لدى سماعه تلك الآيةَ القرآنية ،وقال: إني لأجد صعوبة بالغة في تصور ذلك العلم القرآني الذي توصل إلى مثل هذه الحقائق العلمية التي لم نتمكن منها إلا منذ عهد قريب.
 

18 - نوفمبر - 2008
استراحات
الله نور السموات والأرض .    كن أول من يقيّم

                 دع الغيب الذي فيك يتكلم
 
 
 
أ.د عبد الحليم عويس
 
 
 
 
 
أيها الإنسان (الكون)! ألستَ قسيم الكون؟ وهل يُعقل الكون إلا بك؟ وهل ينطِق إلا بك؟ وهل يذلَّل الكون -بإذن مكون الأكوان- إلا لك.
إياك أن تزعم أنك جرم صغير، ففيك انطوى العالم الأكبر. لقد صنعك الله بيده. ونفخ فيك من روحه. فأنت من الروح جئت، وبالروح تعيش، وبها تصنع كل أمجادك. فالروح قبل العقل وقبل الجسد، كما أن العقل قبل المادة. وعندما تذهب منك الروح صاعدة إلى بارئها ينتهي كل شيء فيك.
في البدء كانت الروح. ثم تمضي الحضارة إلى مرحلة العقل وتدخل عالم الأشياء. أما في مرحلة الروح فالغايات قبل الوسائل، والعام قبل الخاص، والمعاني فوق المباني، والأخلاق والمثل والأشواق العليا فوق القوانين، وفوق المعادلات الدنيوية الوضعية. حتى لو كانت هذه المعادلات في إطار العدل، فالحبّ والرحمة والإيثار فوق العدل، دون إلغاء العدل.
دع الروح تعمل فيك متعانقةً مع الوحي. لأنك -بهما- تصل إلى "إنسانيتك"، وبهما تنطلق إنسانيتك من إسارها فتتفجّر حكمة ونوراً.
لسوف يضاء المصباح في داخلك، سيلتقي فيك الغيب والشهادة، ستنطلق حواسك إلى مناراتها لتضيء جوانب كونك الداخلي، وإشعاعاتك الخارجية. هنا قد تتحقق فيك بعض الومضات النورانية الربانية. وقد يلتقي فيك النوران: نور الغيب ونور الشهادة.
سوف يدخل المصباح إلى مِشكاتك. فلا تستطيع الشهادة الواردة إليك أن تطفئ نور الغيب، ولا يستطيع الغيب الكامن فيك أن يشلّ فاعلية الشهادة، بل إنك سترى الأشياء على حقيقتها، لأنك سترى بنور البصر والبصيرة، وبالروح والعقل والمحسوس معاً. فكل الطاقات ستتفتـّح، كما تتفتح الزهور في الربيع. وسوف يفوح منك عطر الإنسانية الربانية.
سيفقه قلبك، ولسوف تعجب أن هناك ناساً ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا﴾(الأَعراف:179)، وستبصر عينك الأشياء وما وراء الأشياء، وسيذهلك أن هناك ناساً ﴿لَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا﴾(الأعراف:179). وستلتقط آذانك كل أنغام التوحيد المبثوثة في "سيمفونية الكون" فتعرف معنى حفيف الأشجار، وخرير الأنهار والبحار، وقطرات الأمطار، بل ربما تفهم منطق الطير، ليس بالشعور السليمانيّ الساطع، بل باللاشعور الوجداني الخافت. وسوف تدرك أن موسيقا الكون لا تتناشز، بل تتناغم، حتى مع العواصف والرياح. فلكلّ دورُه، ولكلّ إيقاعه ودلالته. وما يظنه بعضهم من تناقض ونشاز إنما يعود إلى أنهم لم يفقهوا جيداً أصول الإصغاء: ﴿وَلَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا﴾(الأعراف:179).
عندما تترك الغيب الذي فيك يتكلم، سوف تتكشف لك ألغاز كثيرة.. سوف يدلك الغيب على حقيقة ما عجَزت "الشهادة" عن تفسيره، سوف تزول عقبات الصعود، وسوف يمضي الوعي فيك إلى غايته دون قيود. كيف رأى عُمير بن الحمام رضي الله عنه أكل تمرات تساوي عمراً طويلاً، فألقاها ليقطع العلاقة بالمحسوس في ساعة المفاصلة بين الشهادة والخلود. لقد أدرك الحقيقة وأراد سرعة العبور؛ لأن "الغيب" فيه هو الذي كان يتكلم ويعمل.
فدع الغيب الذي فيك يحمل فطرتك النقية ويتكلم ويعمل... دعه يمرّ، واترك موازينك المحسوسة رويداً، وتمهل، وحاول أن تصعد وتحلّق. ترك أبو بكر رضي الله عنه لأولاده الحصى، وهاجر مع النور إلى الأرض المنوّرة "ثاني اثنين" ليغنم؛ لأن الغيب فيه كان هو الذي يتكلم. فاترك الغيب يحمل فطرتك ويعمل. قال حاتم الأصم: "لا تغترّ بموضع صالح، فلا مكان أعلى من الجنة، وقد لقي آدم عليه السلام فيها ما لقي، ولا تغترّ بكثرة العبادة فإن إبليس بعد طول تعبّده لقي ما لقي. ولا تغترّ بكثرة العلم، فإن" بَلعام" كان يحسن اسم الله الأعظم فانظر ماذا لقي، ولا تغترّ برؤية الصالحين فلا شخص أكبر منـزلة عند الله من المصطفى عليه الصلاة والسلام، ولم ينتفع بلقائه أقاربه وأعداؤه"؛ لأن المهم -قبل كل ذلك- أن يتكلم الغيب الذي فيك، وأن تفقه وتعلم وتقصد أن تعمل. روي عن ابن أبي ميسرة أنه كان إذا آوى إلى فراشه يقول: "يا ليت أمي لم تلدني"، فقالت له أمه: يا ميسرة إن الله تعالى قد أحسن إليك، هداك إلى الإسلام. قال: "أجل، ولكن الله قد بيَّن لنا أنا واردو النار، ولم يبين لنا أنا صادرون عنها". انظر كيف تكلم الغيب في أبي ميسرة فعرف الفروق بين الورود والصدور.وقال ميمون بن مهران: لما نزلت هذه الآية ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ﴾(الحجر:43)، صاح سلمان الفارسي
،
رضي الله عنه، ووضع يده على رأسه، وخرج هارباً ثلاثة أيام لا يقدِرون عليه. فأي غيب مكنون تحرك في سلمان فأبصر المستقبل من خلال ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا﴾(مريم:71).قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه: "ابْكوا فإن لم تبكوا فتباكَوا، فوالذي نفسي بيده لو يعلم العلمَ أحدُكم لصرخ حتى ينقطع صوتـُه، وصلى حتى ينكسر صُلبه"، وكأنه أشار إلى معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "لو تعلمون ما أعلم لضحِكتم قليلاً ولبكَيتم كثيراً"،ولكن لماذا لا نعلم العلم؟ لأن الشهادة الموجودة فينا وحدَها هي التي تتكلم، أمّا "الغيب" الذي فينا فقد أخرسناه، حتى لا يتكلم.
عندما أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم أشهدهم على أنفسهم. لكن كيف شهد جميع بني آدم على أنفسهم؟ وأيّ بني آدم كانوا، أأبناء الحاضر المخاطب أم أبناء المستقبل؟ وأين كانوا عندما أدَّوا هذه الشهادة الخالدة؟ وبأي لغة تكلموا؟ كان "الغيبُ الواعي" الذي فيهم هو الذي يشهد ويتكلّم: "ألستُ بربكم؟" أجاب الغيب الجماعي الكامن فيهم: "بلـى".
وهكذا شهدوا على أنفسهم بلغة الغيب الواحدة التي تتكلم من دون إرادتهم.. لغة القوة التي لا تحبِسها إرادة، ولا يحُدّها زمان، ولا يحكمها وعي.. لغة الماضي والحاضر والمستقبل: ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾(فصلت:21). خلقكم أول مرة فاعترفتم بربوبيّته وقلتم: "بلى، شهدنا على أنفسنا". وخلقكم ثانيَ مرة، أعادكم بعد بعثكم الثاني ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾، فتكلمَتْ عنكم جلودُكم، أنطقها الله الذي أنطقكم أولَ مرة.
في البداية تكلم الغيب الكامن فينا معترفاً بالربوبية. وفي النهاية تكلم الغيب الكامن فينا معترفاً بقدرة القادر، وإبداع الخالق. وبين البداية والنهاية تكلمتْ فينا قوى كثيرة، لكنها قوى الشهادة.
أما قوة الغيب الكامن فينا: قوة الفطرة والوعي والكهرباء المبثوثة في كياننا.. في قلوبنا وأرواحنا وأسماعنا وأبصارنا.. قوة النواة اللاشعورية والخليّة الحية الدائمة.. قوة المضغة التي لو صلحت صلح الجسد كله، والروح التي كانت في البدء، وتبقى معنا، تغدو وتروح بحسب فاعليتنا وحضورنا، فإما غبنا فتوفاها الله حين غيابنا في نومنا أو موتنا؛ وإما حضرنا فأرسلها الله إلى أجَلنا المسمى.. أما قوة الغيب هذه فهي التي يجب أن نستثيرها لتتكلم فينا، بل لتعمل فينا، بل لتقودنا.
استفتِ قلبك، إنه قوتك الحقيقة، وهو المصلح والقائد... استشره دائماً، واخضع له ولا تخضع لقوى الشهود حين تختلّ في يدها الموازين.
أمّا موازين الداخل، موازين الغيب الكامن فيك، فهي لا تختل أبدا، شريطة أن تحفظها بسور البداية: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾(الأعراف:172)، وبسور النهاية: ﴿قَالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾(فصلت:21).
__________________
* أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية - مصر.
 

18 - نوفمبر - 2008
استراحات
الحذف ....    كن أول من يقيّم

                                  حذف الصفة
قال تعالى : " ... وكان وراءَهم ملِكٌ يأخذ كلَّ سفينةٍ غَصْباً " .                  (الكهف18/ من79) .
أي : يأخذ كل سفينة صالحةٍ غَصباً .
( غصباً) : مفعول مطلق ، أو مصدر في محل نصبِ حال .
فائدة : ( وراء) : من الأضداد ، فهي هاهنا بمعنى ( أمام) .
**و من حذف الصفة قول الصحابي : العَبّاس بن مِرداس السُّلَمي (بضم السين) :
وقد كنتُ في الحرب ذا تُدرَأٍ ** فلم أُعطَ شيئاً ولم أُمنَعِ
( أ) الحرب: يشير إلى غزوة حُنَين ،لمّا وزّع النبي ، صلى الله عليه وسلم ،الغنائم على المؤلَّفة قلوبُهم ،كانت حصة الشاعر- في نظره- أقلَّ...!! .
(ب) تُدرأ : قوّة على التصدي للعدوّ.
في البيت شاهدان اثنان : الأول هو ذِكر الموصوف ، وهو (شيئاً)،وحَذْف الصفة المقدرة : ( طائلاً).
والآخَر : في قوله : ( ولم أُمنَعِ) ، ففيه حذف الصفة والموصوف معاً ؛ لأن التقدير : فلم أُعطَ شيئاً طائلاً ، ولم أُمنَع الشيءَ الحقيرَ.
تنبيه : قال العباس : ما أراك عَدَلْتَ يارسولَ اللهِ ! تُعطي فلاناً أكثر من فلان ... فقال له النبي ، صلى الله عليه وسلم ، : " ويحَك ! إنْ لم يكن العدل عندي ، فعِندَ مَن يكون " . قال عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، : " ... دعني أضرِبْ عنقه " ، قال : دعْهُ ؛ فإنّ هؤلاء يُغالون في الدين حتى يمرقوا منه كما يمرق السهم من رميته " .
 
** لاتنسَ أنه يُعبّر عن الحذف بالإضمار والتقدير في المصطلح النحْوي، فمن اعترض على لفظة ( الحذف)في القرآن الكريم، قلنا له : فيه إضمار، أو : فيه تقدير.

18 - نوفمبر - 2008
استراحات
" ولقد كرّمنا بني آدم ..." .    كن أول من يقيّم

             محبة الله للإنسان أسبق من محبة الإنسان له

نتساءل: أيهما أسبق من الآخر: حب الله للإنسان، أم حب الإنسان لله؟
والجواب أن مما لا ريب فيه أن محبة الله للإنسان أسبق من محبة الإنسان لله. والدليل الأول على ذلك قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ (المائدة:54). فقد قرر البيان الإلهي محبته لهم قبل محبتهم له؛ أي فهم يحبونه بحبه سبحانه وتعالى لهم.
والدليل الآخر يتمثل في التكريم الذي أضفاه الله على الإنسان، إذ نسب روحه السارية في كيانه إلى ذاته العلية، وفي أمره الملائكة بالسجود له متمثلاً في شخص أبيه آدم، وفي إعلانه البياني عن هذا التكريم بقوله: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾(الإسراء:70)، والتكريم لا يكون إلا أثراً من آثار الحب. إذن، فقد كان حب الله للإنسان سابقاً على حبه له. ثم إن مآل هذا التكريم إلى ما يقرره الإنسان ويصنعه بحق نفسه. فمن الناس من ازدادت مكانتهم عند الله علواً وتكريماً، ومنهم من تدنّت بشكل جزئي، ومنهم من تحولت بهم إلى النقيض، فردهم الله -كما قال- أسفل السافلين. والمهم أن الإنسان -أياً كان- مكرّم في أصل نشأته عند الله، وذلك دليل على حبه السابق له.
ومما لا ريب فيه أن كل مسلم صادقٍ في إسلامه لابد أن يكون له نصيبٌ من محبة الله له. وأقل ذلك ما يدل عليه إسلامه وإيمانه بالله جل جلاله. إذ لو لم يكن له عند الله من المنـزلة ما يستدعي انجذابه إلى الإسلام وتوجُّهَ قلبه إلى الإيمان، لما تمتع مظهره بتعاليمه، ولما سرت عقائده إلى قلبه. وصدق الله القائل: ﴿وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ
وَالْعِصْيَانَ﴾(الحجرات:7). ثم إن المسلم تزداد منـزلته عند الله علوًّاً، كلما ازداد صدقاً مع الله في إسلامه والتزاماً بأحكامه وأوامره.
وإذا علم أحدنا أن ما يشعر به من حب وتعظيم لله تعالى ليس إلا ثمرة محبة الله له ورحمته به وفضله عليه، فإن علمه هذا سيحول دون دخول شيء من التباهي أو العجب في نفسه، بل يشعر بمزيد من مِنة الله وفضله عليه. والشأن في هذا الشعور أن يزيده حباً لله وتعظيماً له وتعلقاً به. لقد أحبك الله فجذبك إليه وعرّفك إلى ذاته وحبب إليك الانقياد لأوامره، أفلا تنبعث في نفسك نشوة قدسية من هذا الشعور؟ ومن ثَمَّ أفلا تُلهِبُ هذه النشوة فؤادك بمزيد من الحب له؟ هذه النشوة هي التي دفعت امرأة صالحة كانت تخدم في دار رجل ثريّ أن تناجيَ ربها ليلاً في سجودها قائلة: "اللهم إني أسألك بحبك لي أن ترحمني وتكرمني". فسمع الرجل دعاءها وانتقدها قائلاً: "ما أدراكِ أنه يحبك؟ أفلا قلت: أسألك بحبي لك؟" فقالت: "يا سيدي لولا حبه لي ما أيقظني في هذه الساعة، لولا حبه لي ما أوقفني بين يديه، لولا حبه لي ما أنطقني بهذه النجوى".
فإذا عاد أحدنا إلى نفسه، وشعر بأن شعاعاً من محبة الله يسري إلى قلبه، ونظر فوجد أن الله قد أقامه من شؤون الحياة ووظائفها فيما يرضيه، وصرفه عما لا يرضيه، فلترقص الفرحة بين جوانحه، إذ كان -وهو التافه الحقير- مكاناً لعناية الله به والتفاته إليه، وإقامته له مقام الوداد والقرب منه. أما إن عاد إلى نفسه فرآها محجوبة عن شمس الهداية، غارقة في ظلمات الأوهام، وعاد إلى سلوكه فرأى نفسه سجيناً في أودية المعاصي والآثام، شارداً عن ساحة الطاعات والعبادات، فليعلم إذن، أن هذا هو عنوان منـزلته عند الله، وليعلم أنه إن طال به الوضع على هذه الحال، فإنما هو نذير شقاء دائم لا مردّ له ولا رجوع عنه. فإذا كانت ذاته عزيزة عليه، ولم تكن قد هانت عليه إلى درجة اللامبالاة، فليتدارك شأنه اليوم ولينتهز الفرصة التي لا تزال سانحة أمامه. سبيلُ هذا التدارك أن يدخل على الله من باب الفاقة والذل، وأن يشكو إليه حاله، وأن يعتذر إليه بضعفه وعجزه، وليناجه قائلاً: "إذا طردتَني يا رب عن منازل تكريمك وعن مدارج توفيقك، فحاشاك أن تطردني من أبواب رحمتك المفتّحة أمام جميع عبادك. وها أناذا يا سيدي قد وفدت إليك من بابك هذا، وارتميت بنفسي في أعتاب كرمك، وكلّي ضعف وعجز وذل وهوان، فاجعل من ضعفي المتهالك وذلي المنكسر شفيعاً لي بين يديك".
ألا ولنعلم أننا إن تداركنا أمرنا فدخلنا على الله من هذا الباب، فلسوف يستجيب دعاءنا ويقبل رجاءنا ويذيقنا بَرْدَ ألطافه الخفية ومغفرته الواسعة. وصدق من قال: "الصلح بلمحة".
أسأل الله تعالى أن يقينا من جنون الاستكبار عليه، وأن لا ينسينا مملوكيّتنا وعبوديتنا له، وأن يجعلنا دائماً على ذكر من حالنا ساعة الرحيل عن هذه الحياة الدنيا.
__________________
* كلية الشريعة، جامعة دمشق - سورية.

20 - نوفمبر - 2008
استراحات
الإعراب ملح العربية.    كن أول من يقيّم

يكثر حذف الفعل في جواب الاستفهام :
قال تعالى : " ولئن سألتَهم مَنْ خلق السمواتِ والأرضَ وسخّر الشمسَ والقمرَ لَيقولُنّ اللهُ فأنّى يؤفَكون " (العنكبوت29/61)
أي : خلقهن الله.
*( لَيقولُنّ ) : اللام جواب القسم( لام القسم في : لئنْ) . يقولُنّ : فعل مضارع مرفوع  وعلامة رفعه ثبوت النون المحذوفة ؛ لتوالي الأمثال ، وواو الجماعة المحذوفة لالتقاء الساكنين ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل . والنون المشددة نون التوكيد الثقيلة حرفٌ لا محل لها من الإعراب .
جملة ( خلق مع الفاعل المستتر) : في محل رفع خبر ( مَنْ) الاستفهامية .
جملة ( مَن خلق ...) : في محل نصبٍ مفعولاً ثانياً للفعل: سأل.
أنّى : اسم استفهام مبني على السكون المقدر ، في محل نصبِ حال .
*شاحد آخَر : " وقيل للذين اتّقَوا ماذا أنزل ربُّكم قالوا خيراً ".  (النحل16/ من30).
أي : أنزل خيراً .

20 - نوفمبر - 2008
استراحات
لسان الضاد    كن أول من يقيّم

**مَنْ لم ينشأْ على أن يُحِبَّ لغةَ قومِهِ ، استخفَّ بتُراثِ أُمَّتِهِ ، واستهانَ بخصائصِ قوميَّتِهِ
 
 
الله أكـبــــرُ رَدّدهــا فـإنّ لـَهــا *** وقـع الصّـواعــق في سمـع الشياطينِ

روضـوا على منهج القرآنِ أنفسَكم *** يـمـددْ لـكـم ربـُّكم عِـزّا وسُلطـانـا

ما أجـمـلَ الضـادَ تـبـيـانًا وأعـذبهَـا *** جرسًا وأفـسـحـَها للعـلـمِ مـيـدانـا

ثوبوا إلى الضاد واجنوا من أزاهرِها *** واستـروحــوا صـوراً منها وألــوانـا

20 - نوفمبر - 2008
استراحات
رسم المصحف الشريف .    كن أول من يقيّم

 
 
 
 
 
 
 
المراد برسم المصحف الكيفية التي كُتبت بها حروفه وكلماته، وَفق المصاحف العثمانية. فمن المعلوم أن الصحف التي كُتبت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والمصاحف العثمانية التي وُزعت على البلدان الإسلامية فيما بعد، كانت خالية من الشكل والنقط . 
ولا ريب في أن رسم المصاحف العثمانية كان يقوم على إملاءٍ خاصٍ به، يختلف عن الرسم الإملائي المعروف لدينا اليوم . 
وظل الناس يقرؤون القرآن في تلك المصاحف على تلك الحال، إلى أن تطرق الفساد والخلل إلى اللسان العربي؛ نتيجة الاختلاط بالأعاجم، ما دفع أولي الأمر إلى ضرورة كتابة المصحف بالشكل والنقط وغيرها، حفاظاً على القرآن من أن يُقرأ على غير الوجه الصحيح .
وكان أبو الأسود الدؤلي - وهو تابعي - رحمه الله تعالى، أول من وضع ضوابط اللسان العربي، وقام بتشكيل القرآن الكريم بأمر من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، عليه السلام ، ورضي الله عنه. وكان السبب المباشر لهذه  الخطوة ما سمعه من قارئٍ يقرأ خطأً، قوله تعالى:
 { ...أن الله بريء من المشركين ورسولُه } (التوبة:3) فقرأ الآية بجر اللام من كلمة (رسوله)، فغيَّر بذلك المعنى تغييراً كلياً، فأفزع هذا الخطأ
 أبا الأسود ،ما دفعه إلى وضع علامات لشكل الحروف والكلمات، فجعل علامة الفتحة نقطة فوق الحرف، وعلامة الكسرة نقطة أسفله، وعلامة الضمة نقطة بين أجزاء الحرف، وجعل علامة السكون نقطتين. وقد أعانه على هذه المَهَمة بعض العلماء، من بينهم الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي كان أول من صنف كتاباً في رسم نقط الحروف وعلاماتها، وكان كذلك أول من وضع الهمزة والتشديد وغيرها من العلامات الضابطة، ثم دُوِّن علم النحو ليكون خادماً وضابطاً لقراءة القرآن على الوجه السليم .
بعد ذلك تدرَّج الناس، فكتبوا أسماء السور في رأس كل سورة، ووضعوا رموزاً فاصلة عند رؤوس الآي، وقسموا القرآن إلى أجزاء - ثلاثين جزءاً- وأحزابٍ - ستين حزباً - وأرباعٍ...، ووضعوا لكل ذلك علاماتٍ خاصةً تدل على ما أشارت إليه، حتى إذا كانت نهاية القرن الهجري الثالث، بلغ الرسم القرآني ذَُِروته من الجَودة والحُسن والضبط .
وقد منع أكثر أهل العلم كتابة المصحف بما استحدث الناس من قواعدِ الإملاء المعروفة، وذلك حفاظاً على رسم المصحف كما وصل إلينا. وقد صرح كثير من الأئمة بتحريم كتابة المصحف بغير الرسم العثماني، ونُقل عن الإمام أحمد أنه قال: تحرم مخالفة خط مصحف عثمان في ياء أو واو أو ألف وغير ذلك. ونقل مثل هذا عن كثير من أهل العلم ، ولاسيما الأزهر الشريف...
فإن سألتَ : إذا كان الأمر على ما ذكرت، فكيف جاز للأوائل أن يضعوا النقط وأسماء السور؟ 
و الجواب: إن العلماء أجازوا ذلك لضرورة استدعت هذا الأمر، وذلك بعد أن ظهر اللحن في قراءة القرآن، فخشي أولو الأمر أن يلتبس الأمر على الناس، فوضعوا النقط على الحروف؛ تمييزاً لبعضها من بعض، وحدث إجماع على قَبول هذا.
بقي أن تعلم أنّ القول بمنع جواز كتابة القرآن بغير الرسم العثماني متعلق بكتابة القرآن في المصاحف التي يتداولها الناس اليوم، أما كتابة آيات منه، أو كلمات معينة بالخط الإملائي المعتاد على ألواح التعليم، أو أوراق الكتابة الخاصة بالتعليم، فلا حرج في ذلك تسهيلاً على المتعلمين، وتيسيراً عليهم، ولاسيما إذا كانوا من المبتدئين في العلم.
جزى الله خيراً مَن صنع .
 
 

20 - نوفمبر - 2008
استراحات
" فاتقوا الله ويعلّمكم الله" . صدق الله .    كن أول من يقيّم

مثال عن الرسم القرآني ......
**بسط تاء رحمة = رحمت
عبد المجيد العرابلي
رحمت : بسطت تاء (رحمة) في سبعة مواضعَ فقط، وقبضت في أكثرَ من سبعة مواضعَ، واستعمال مادة "رحِم" هو في التواصل والاستمرار، ويكون بسبب العطاء الرباني، فالله سبحانه وتعالى هو الرحمن، ورحمته في الدنيا للجميع، بعطائه للناس من أنواع الرزق، وأسبابه كالمطر ، فتتواصل حياة الناس، وبإعطائه الذرية تتواصل الأجيال، وهو الرحيم للمؤمنين في الدنيا والآخرة، وعطاؤه في الآخرة يكون خاصًا بهم فقط.

والرحم في المرأة هو سبب استمرار البشرية بنشأة الذرية فيه، وهو يمد هذه الذرية بالعطاء والنمو حتى يكتمل جسمه، ثم يولد ويخرج للحياة وهو قادر على تناول غذائه عن طريق الفم.

والرحم من النساء؛ كالبنات، والأخوات، والعمات، والخالات، وبنات الأخوات، وبنات الإخوان، هن سبب التواصل بين الأسر والعائلات، وتوسيع دائرة العلاقات بينهم، فتنشأ المجتمعات القادرة على الدفاع عن نفسها، وبسبب حرمة الزواج من الأقارب الأدنين لهن، وزواجهن من رجال أغراب عليهن يجعل الأسر المختلفة تمد بعضها بعضًا بالجينات الوراثية التي تساعد على استمرار البشرية بذراري سليمة لئلا تضوى هذه الأسر بعد أجيال عديدة.

والناس تفهم الرحمة على أنها عطف وشفقة ... والعطف يكون على الضعيف غير القادر، والشفقة تكون للضعيف الذي أثقله الفقر أو المرض أو المصائب ... والله تعالى يرحم الناس ليستمروا إلى الأجل الذي حدده لهم، ويرحمهم على طاعتهم له، أو ليقوموا بالعبادة له... وهذا خلاف الشفقة والعطف....

والمواضع التي بسطت فيها تاء "رحمت" كان لرحمة قد بسطت بعد قبضها؛ فبعد مرور السنين الطويلة، وتعدي الزوجة للسنين التي تستطيع أن تحمل وتلد، وتعطي الذرية فيها؛
- تأتي البشرى لإبراهيم ،عليه السلام ،وزوجه، قال تعالى:
 ( قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ(هود/73).

- وتأتي كذلك استجابة لدعاء زكريا ،عليه السلام؛ قال تعالى:
 (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا(مريم/2). ثم يفصل تعالى بعدها قصة وهب يحيى لزكريا عليهما السلام.
ففتحت هذه الرحمة لهما بعد قبضها زمنًا طويلاً.

- وبعد قبض المطر عن النزول وموت الأرض، يأتي الغيث وتستمر الحياة بهذه الرحمة التي بسطت؛ قال تعالى:
 (فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(الروم/50).

- والله تعالى يطلب من الناس أن يدعوه خوفًا من عقابه الذي فيه قطع لرحمته عنهم، أو طمعًا بما عنده، فرحمته قد بسطت لهم ولم تقفل في وجوههم؛ قال تعالى: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ
رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ
(الأعراف/56).

- وها هي ذي رحمة الله قد بسطت باختيار محمد صلى الله عليه وسلم ومبعثه نبيًا فيهم، وبسطت رحمته بمعرفة أسباب نيل الرحمة؛ بالأحكام التي أنزلت على نبيه، فبها تُجنى الحسنات، وتُمحى السيئات؛ قال تعالى: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الحياة الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ورَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ(الزخرف/32)، وجاءت هذه الآية بعد قوله تعالى: (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (الزخرف/31).
- وها هم أولاء المؤمنون يطلبون لهذا الدين الثبات والاستمرار، والامتداد في الأرض بالإيمان والعمل الصالح، والهجرة، والجهاد؛ قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ
رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
(البقرة/218). فبسطت لذلك فيها تاء رحمة.
أما العابد القانت الساجد آناء الليل ويحذر الآخرة فهو يرجو رحمة ربه في الآخرة؛ ألا وهي الجنة .. التي هي مقفلة دونه في الحياة الدنيا .. وستفتح له يوم القيامة؛ قال تعالى: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو
رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو الْأَلْبَابِ
(الزُّمَر/9).

والوقوف على كل رحمة وردت في القرآن قبضت تاؤها أمر يطول، ويكفي أن يقال فيها إنها كتبت على القاعدة في رسمها، والالتباس يكون في معرفة سِر بسطها أكثر من معرفة سر قبضها.
فبعض الرحمة التي قبضت تاؤها؛ هي رحمة مرجوة لم تفتح للسائل بعد، كما في قوله تعالى: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ
رحمةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ
(آل عِمران/8).
أو هي رحمة موعودٌ بها، كما في قوله تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي
رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًاً مُسْتَقِيمًا
(النساء/175).
أو هي رحمة هم فيها لم يخرجوا منها، بل لن يخرجوا منها؛ كما في قوله تعالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي
رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
(آل عمران/107).....

 نعم ، الله الحافظ تكفل بحفظه وجمعه ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

20 - نوفمبر - 2008
استراحات
 90  91  92  93  94