البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات abdelhafid akouh

 89  90  91  92 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
حسينيات الشيعة المغاربة في بلجيكا..    كن أول من يقيّم

المساء تخترق حسينيات الشيعة المغاربة في بلجيكا

تنقل حقائق مثيرة عن مواطنين ارتدوا عن المذهب السني
سليمان الريسوني
من قلب مساجد الشيعة المغاربة في بلجيكا، تكشف «المساء» في هذا التحقيق، حقائقَ مثيرة عن مهاجرين مغاربة اعتنقوا التشيّع ودرسوا في الحوزات
الدينية في إيران، وتحاور آخرين لا يرون أي تعارض بين الإسلام المغربي والتشيّع، كما تنقل آراء خطباء مغاربة سنيين يقولون إن التشيع أخطر على المغرب من الصهيونية..
الجمعة، 14 محرم 1433. أربعة أيام مضت على ذكرى عاشوراء، التي يُخلـّدها الشيعة بالبكاء والنحيب ولطم الخدود وجلد الذات.. حزنا على الحسين، ابن علي، الذي قـُتِل في كربلاء في العراق يوم العاشر من محرم سنة 61 للهجرة. خطيب الجمعة في مسجد الغفران في منطقة أندرلخت في العاصمة البلجيكية بروكسيل يقول: «إن خطر الشيعة والتشيع على الأمة الإسلامية وعلى أبناء الجالية المغربية أشدّ من خطر اليهود الصهاينة»!.. لا حديث في مقاهي شارع «ستالينغراد»، الذي يعج بمحلات المغاربة من مقاهٍ ومطاعم ومكتبات، إلا عن خطبة الجمعة هاته.
مسجد ليس كبقية المساجد
«المساء» اختارت أن تحضر صلاة الجمعة في قلب مسجد الرحمان، الشيعي في شارع «جورج مورو»، غير بعيد عن مقر القنصلية العامة للمملكة المغربية في بروكسيل. سأل مبعوث «المساء» شيخا ستينيا بلباس مغربي عن المسجد الشيعي للمغاربة، فأشار بأصبعه إلى نهاية الشارع، وهو يقول: «هادوك راهوم مْخارْبة ماشي مْغاربة».. في مدخل المسجد، لافتة كتب عليها «السلام عليك يا أبا عبد الله الحسين». في قاعة الصلاة، مصلون يؤدون تحية المسجد، بعضهم يسجدون فوق حجر صغير وآخرون يضعون جباههم مباشرة فوق البساط الأخضر. «من غير الجائز في الدين أن يضع مسلم جبهته، أثناء السجود، فوق ما يُؤكل وما يُلبَس، والزرابي مصنوعة مما يُلبس»، يشرح مهاجر شيعيّ من تطوان، ويعلق فؤاد أحيدار، وهو برلماني بلجيكي من أصول مغربية، عن الحزب الاشتراكي الفلاماني، مازحا: «أن تسجد على حجر خاص بك خير من السجود فوق «موكيط» تفوح منه رائحة الأرجل»..
أسفل المنبر، جلس القرفصاء شيخ ثمانينيّ بجلباب أبيض، بدأ يُحدّث المُصلـّين في انتظار قدوم الخطيب، قال بدارجة مغربية: «إن اثنتين من نساء الرسول، صلى الله عليه وعلى آله، قد تزوجتا بعد وفاته، رغم أن القرآن يقول: «وما كانَ لكم أن تُؤذوا رسولَ اللهِ ولا أن تَنكِحوا أَزواجَه مِن بعدِه أبداً إنّ ذلكم كان عندَ اللهِ عظيما»، أما الزوجة الثالثة فلن أتحدث عنها، وأنتم تعرفون ما الذي فعلتْه». كان يقصد زوجة الرسول عائشة بنت أبي بكر.
صعد الخطيب إلى المنبر فعاد الشيخ بين صفوف المُصلـّين. المنبر عبارة عن شرفة نصف دائرية تَحُفـّـُها لافتة سوداء كُتِب عليها بالأحمر: «يا حسين». على يسار المنبر، نقش بجبص مُذهّب: «إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس آل البيت ويُطهّركم تطهيرا». لم تخْـلُ خطبة الجمعة التي ألقاها الخطيب محمد بلخيضر، وهو فقيه مغربي من مدينة طنجة، من حثِّ المصلين على «فضح كل المنافقين الذين عاشوا قريبين من الرسول، صلى الله عليه وعلى آله، ثم ما فتئوا أن انقلبوا على آل بيته وقتلوهم». كان الشيخ محمد بلخيضر ينفعل في بعض المقاطع فينطق بدارجة شمالية قحة: «راهوم كيْعطيو لـْولادنا القرقوبي وكيعلموهومْ بزّاف د الكذب والمغالطات». مَن هؤلاء الذين يخدرون أبناء المغاربة والمهاجرين بـ «القرقوبي»؟ لا يجيب الشيخ محمد ولكنه يستطرد قائلا إن مثل «هؤلاء الذين يُزوّرون التاريخ الإسلامي هم الذين تسببوا للعديد من المسلمين في ترديد مقولة ماركس: «الدين أفيون الشعوب». يصمت الشيخ محمد لبرهة، ويعود ليشعل المسجد حماسا وهو يردد: «صلـّوا على رسول الله وآله»، فيُردّد المُصَلـّون بصوت واحد وبنبرة شرقية: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد». ينتقل الشيخ محمد إلى مرحلة إقناع مستمعيه بأن «فضح المنافقين وقتلة آل البيت واجب شرعي على كل مسلم، ويؤكده القرآن من خلال الحديث عن زوجة نوح، التي عصت زوجها، وزوجة لوط وأبناء النبي يعقوب، الذين حاولوا قتل أخيهم يوسف». مَن هؤلاء القتلة  والمنافقين في تاريخ الإسلام الذين يستوجب فضحهم، تسأل «المساء» الشيخ محمد بن خيدر، بعد انتهاء الصلاة فيجيب: «هم الفئة الباغية التي تَحدّث عنها الرسول في حديثه إلى عمار بن ياسر حين قال: ستقتلك الفئة الباغية يا عمار». ومن هو زعيم هذه الفئة الباغية؟ يجيب خطيب مسجد الرحمان، بدم بارد: «هو معاوية بن أبي سفيان»!..
حكى الشيخ محمد بلخيضر خطيب مسجد الرحمان الشيعي، الذي صعد المنبر بجلبابه المغربي، لـ«المساء» قصة تشيعه، بقوله: «لقد جئت من المغرب إلى بلجيكا سنة 1983 سُـنّيا، ووجدت التشيع في تكويني وثقافتي المغربية، فأمي كانت تذهب بي إلى مولاي عبد السلام بن مشيش لحفظ القرآن، وعندما درستُ سيرة هذا الولي وجدتُه من آل البيت، كما كانت أمي تأخذني إلى ضريح الإمام إدريس، لـ«الزيارة». عندما جئت إلى بلجيكا، سنة 1983، كان والدي قد سبقني إلى هنا. كان والدي عضوا في رابطة علماء المغرب، بقيادة المرحوم الشيخ المكّي الناصري، كما كان صوفيا من أتباع الشيخ بنعجيبة. ولم يمض وقت طويل حتى أخذتُ أنوب عن والدي في الخطابة، فكنت متأثرا بعلماء بلدتي في طنجة من آل الصديق، وهم الحافظ سيدي أحمد والحافظ سيدي عبد الله والحافظ سيدي الحسن.. بدأت أتحدث عن آل البيت وفضائلهم فوجدت من يرميني بالتشيّع، وهذا كان دافعي إلى دراسة الشيعة وفكرهم، بخلفية أنه إذا كان هؤلاء الناس على حق فنحن أَولى بإظهار هذا الحق، وإذا كانوا على باطل فالمنبر يدعونا إلى إماطة اللثام عن الباطل، لكي لا نترك أبناء جاليتنا ينساقون وراءه. جعلني هذا البحث الذي قمت به أعطف على الشيعة، وسرى بين الناس أنني شيعي». يرفع الشيخ محمد بلخيضر من نبرة صوته ويستطرد في الحديث: «المغاربة يدرسون الفكر الإسلامي، فلماذا لا يدرسون فكر الشيعة، وهم أقرب إلى فكر الشيعة منهم إلى فكر ابن تيمية وأمثاله؟.. المغاربة، إذا جاءت مسألة الزيارة ومسألة الذكر الجماعي وحب آل البيت.. كل هذا يتفق مع المدارس الشيعية وهو موجود في المغرب. أنا أعتبر أن كل مسلم مغربي مُرحَّب به في مسجدي، سواء كان صوفيا أو مالكيا أو وهابيا، وأقول لشباب الجالية المغربية: أنا أعلـّمكم كيف تصلون إلى الحق ولا ألقـّنكم ما أعتقد به، لذلك لن تستطيع أن تأتيني بشخص يقول إنني شيَّعته أو جعلته سُنـّيا، لأنني أعمل بالمنطق الصيني: لا تُعطِني سمكة ولكنْ علـّمني كيف أصطادها». يود أن يقول شيئا ثم يعذل عنه، قبل أن يضيف: «نحن في بلد يحكمه الفكر الليبرالي، وإذا كنتم ترون في المغرب أن هناك تزايدا في أعاد المتشيعين هنا في بروكسيل ومنها يدخل التشيع إلى المغرب، كما يقال، فإننا لا نرى الأمر كذلك، لأننا وجدنا هنا الباب مفتوحا لخيارات عدة، وليس محددا في مذهب بعينه، كما هو الشأن في المغرب، لذلك اخترنا أن نكون سُنـّيين لكنْ متشيعين للنصوص الواردة في آل البيت». 
أما الشيخ محمد التجكاني، رئيس رابطة الأئمة في بلجيكا، وخطيب مسجد الخليل بحي مونلبيك في بروكسيل، والذي يعتبر من أقدم الخطباء المغاربة السنة في بلجيكا، فقال، في لقائه بـ«المساء»، إنه كان شاهدا على البدايات الأولى لتحول أفراد من الجالية المغربية في بلجيكا نحو التشيّـع وإنه لا يعتبر أن الأسباب الأولى لتشيّع المغاربة في بلجيكا هي محبة آل البيت، بل كانت دوافع سياسية. «بعد انتصار الثورة الإيرانية سنة 1979، التي رفعت شعار الثورة الإسلامية وليس الثورة الشيعية، تعاطف معها المغاربة على اعتبار أنها ثورة بديلة جاءت ضد قوى الاستكبار الغربية، بقيادة أمريكا التي أطلقت عليها إيران لقب «الشيطان الأكبر»، وضد الاتحاد السوفياتي، وأنها جاءت لإعلاء كلمة الإسلام وتحرير فلسطين. وقد كان ذلك تشيّعاً عاطفيا».. المرحلة الثانية من تشيع المغاربة في بلجيكا بدأت باستقطاب بعض مثقفي وفقهاء السنة بالمال».
عن هذا الأمر حكى لـ«المساء» خطيب بارز في بروكسيل، التمس عدم ذكر اسمه، كيف أن جهات شيعية عرضت عليه، في أواسط الثمانينيات، مبالغ مالية جد مغرية مقابل إعلان تشيّعه: «كانت لي مع شيعة بروكسيل سجالات طويلة، خاصة في بداية ظهور هذا التيار، إلى أن بدؤوا يرسلون إلي وفودا لأجْل «استقطابي» إلى التشيع. كنتُ، حينها، أتقاضى ما مقداره 7000 فرنك بلجيكي، مقابل خطابتي في أحد مساجد بروكسيل، فعرضوا عليّ مبلغ 100 ألف فرنك بلجيكي كراتب شهري، أي ما يعادل الآن 3000 أورو، وكان هذا المبلغ حينها كفيلا بشراء منزل في بلجيكا.. لكنني رفضت وكان رفضي مبدئيا، لأنني أعرف الدوافع التي تقوم عليها المذاهب الشيعية، وأخطرها أنها تستبيح دماء السّـُنّة، بل تعتبر قتل السنّي أحبَّ إلى الله من قتل الصهيوني.. وهذا مدون في كتاب «الكافي»، الذي هو بمثابة صحيحي البخاري ومسلم عندنا، نحن السنة.. وعندهم، أيضا، أن دماء أهل السنة أحطّ من دماء حيوان».. والخطير، يضيف هذا الفقيه، هو أن «الشيعة يستدرجون الناس بداية بمحبة آل البيت، ثم يتدرجون إلى القول إن آل البيت ظُـلِموا، ثم يخلصون إلى أن معاوية سلب المُلك من عليّ، ويَصِلون إلى أن يقولوا عن الصحابة إنهم مُرتدّون، باستثناء عدد قليل منهم. ثم ينتهون إلى أن القرآن مُزوَّر وإلى أن المصحف الفاطمي هو الذي لم يطله التزوير، وهذا المصحف، حسبهم،  لن يظهر إلا بظهور الإمام المهدي، الذي يعتقدون أنه وُلِـد واختفى في السرداب، وينتظرون ظهوره كل يوم جمعة»..
الشيخ عبد الله الدهدوه، وهو وجه شيعيّ بارز في بروكسيل، يتفق، على ربط ظهور التشيع في بلجيكا بانتصار الثورة الإيرانية، مع الشيخ التجكاني، السني، أكثر مما يتفق مع زميله في التشيّع، محمد بن خيدر، الذي يركز على أن انتشار التّـشيُّع وسط الجالية المغربية في بلجيكا مرده إلى محبة آل البيت. يقول الدهدوه: «نحن كبرنا هنا في بلجيكا، ولم تكن لنا ثقافة مالكية أو صوفية، كما هو عليه الأمر في المغرب.. صحيح أننا كنا سنة «بالوراثة»، إلا أنه مع انتصار الثورة الإيرانية في بداية الثمانينيات، لم يكن أكثر المغاربة الذين تشيّعوا يعرفون أي شيء عن ولاية الفقيه. لكنهم انحازوا إلى إيران، لأن الثورة أنشأت الجمهورية الإسلامية وليس الجمهورية الشيعية». ثم يضيف: «كان المغاربة الذين تشيعوا بداية من الثمانينيات بُسطاء في تفكيرهم، لم يكونوا يفقهون في المذهب المالكي، وكان تشيعهم ردَّ فعل على التهميش والإقصاء والظلم، كما هو الأمر بالنسبة إلى الشباب الذين يعتنقون المذاهب السلفية الآن في المغرب. القيٍّمون عن الشأن الديني في المغرب يقولون إن الشعب مع المذهب المالكي؟ إنهم يكذبون، فالعديد من المغاربة يتـّبعون هذا المذهب من دون معرفة ولا اختيار».
الشيخ محمد بلخيضر، خطيب مسجد الرحمان الشيعي، يقول إن انتصار الثورة الإيرانية لم يكن ليؤثر في الإسلام المغربي، لأن المغرب سابق على إيران في ما يتعلق بمحبة آل البيت، ويستشهد بلخيضر على ذلك بما قاله المرجع الشيعي الإيراني الشيخ النعماني: «عندما استدعى الملك الحسن الثاني الأستاذَ النعماني، وهو تلميذ للإمام الخميني، لإلقاء درس حسني كان عنوانه «إنما يريد الله ليُذهِب عنكم الرجس آل البيت ويُطهّركم تطهيرا»، قال الأستاذ العماني حينها للملك الحسن الثاني: «هذه بضاعتكم رُدّت إليكم»، يقصد الحسن الثاني والعلويين المتحدرين من آل البيت. ثم يضيف الشيخ بلخيضر: «بالمناسبة، أقول للذين يريدون الاصطياد في الماء العكر: نحن لدينا أمير لا يخشى من الشيعة، فقد استدعى تلميذا للخميني وأجلسه أمامه وأمام القوى السياسية للبلاد وقادة الجيش واستمع إلى تشيُّعه»..
التشيع الثاني
يحكي الشيخ عبد الله الدهدوه، الذي التقته «المساء» داخل «مسجد الرضا»، الشيعيى، الكائن في شارع الدكتور ديميسمان في قلب بروكسيل: «تشيّعتُ وعمري 23 سنة، وبعد أربع سنوات، ذهبت للدراسة في قم في إيران، وهناك اطـّلعتُ على الفكر الشيعي بعمق».
 «تصدير الشباب للدراسة في إيران» يعتبره الشيخ السني محمد التجكاني أخطرَ أشكال الاستقطاب، حين يقول: «السبب الأخطر هو استدعاء بعض الشباب للدراسة في مدارس الشيعة في إيران وسوريا ولبنان وتأمين النفقات والمِنح لهم في دراستهم، إضافة إلى السكن وزواج المتعة.. هذا الاستقطاب يؤرق المخلصين لهذه الأمة، خصوصا عندما يرَوْن أن هناك ميزانية خاصة للترويج للفكر الشيعي بين أبناء الجالية في أوربا، أمام شبه غياب لدعم المحور السنّي».
بين رؤية الفقيه السني ونظيره الشيعي، استقت «المساء» وجهة نظر سياسية. البرلماني فؤاد أحيدار عن الحزب الاشتراكي الفلاماني، الذي قارب مسألة انتشار التشيع في بلجيكا من منظور حقوق الإنسان، يقول: «في بلجيكا لا مانع في أن يمارس الناس مجموعة من الطقوس والممارسات التي تدخل في إطار معتقداتهم، ما دامت لا تؤدي إلى أعمال إرهابية. السؤال المطروح هو: هل المغرب بلد ديمقراطي يحترم طابع التعدد الثقافي والعقدي أم إننا سنقول إن الدين الأصح قطعا هو الإسلام والمذهب الأصح قطعا هو السنة.. هذا شيء خاطئ، بالفعل هناك تغليب للمذهب السني في المغرب، لكنْ هناك فئة من الناس لا يجدون أنفسهم في المذهب السني ويميلون إلى المذهب الشيعي، أنا شخصيا لا أرى أي سوء في هذا الأمر، فما هي إلا ممارسات دينية عقدية. في بلجيكا لا يمكن أن ننكر أن هناك العديد من المساجد، سواء السنية أو الشيعية. هنا يحظى الجميع بحرية اختيار العقيدة وممارستها علنا، فإضافة إلى الشيعة، يعيش الأحمديون، الذين يتمتعون بكافة حقوقهم رغم أنهم أقلية، وهؤلاء لم يكونوا يستطيعون الجهر بمذهبهم في المغرب. في بلجيكا، لا ضير في أن تمارس معتقداتك، بكل حرية، شريطة عدم المساس بحريات الآخرين أو التطرف أو الإرهاب». 
أنواع التشيع في بلجيكا
 
أول من استقبل «المساء» في «مسجد الرضا»، الشيعي، كان حسين. رجل في الستينات من العمر، ببنية جسدية ضخمة، يعلق فوق صدره سلسلة واسعة الحلقات يتدلى منها سيف طوله حوالي 15 سنتمترا، يرمز إلى سيف علي بن أبي طالب. تتوزع أصابعَ حسين ستة خواتم، قال: «كلها تحمل آيات قرآنية، إلا واحدة إذا دخلت بها على أي جبار يلين قلبه».. يتحدر حسين من مدينة تطوان، التي غادرها سنة 1972 نحو جبل طارق، ثم إلى برشلونة، قبل أن يصل، في 1978، إلى بروكسيل، التي بقي فيها إلى اليوم. استضاف حسين، الذي يشتغل في مطبخ مسجد الرضا، مبعوث «المساء» ومرافقيه الاثنين على طريقة المغاربة: حضَّر القهوة والحلويات وجلس يحكي قصة تشيعه: «في سنة 1994، تعرفتُ على مغربي شيعيّ أعطاني كتابا اسمه «طريق الهدى»، قرأته فاهتديتُ إلى مذهب آل البيت، وبعدها، درستُ كتبا أخرى، فترسخ المذهب في عقلي وقلبي»..
يؤكد حسين أنه «لا يكفي أن يكون الإنسان دارسا لكي يهتدي إلى المذهب الشيعي، بل يجب أن يميل قلب المؤمن إلى محبة آل البيت وحقيقة ما جرى لهم». ضرب حسين مثالا على هذا بأحد أقربائه في مدينة تطوان: «صهري حاصل على الإجازة في الشريعة من كلية تطوان، وكثيرا ما ناقشتُ معه المذهب الشيعي ومددْتُه بعدة كتب في الموضوع، لكنني وجدت أنه كان يضعها بين الرفوف من دون أن يقرأها، وعندما كنت أواجهه بحقائق عن صحة التشيّع، لم يكن يسعه إلا أن يؤيـّدني في قولي، لكنه لا يفعل أي شيء، لذلك لم أعد أعطيه أي كتاب». عندما تسأل «المساء» حسين عن ذكرى عاشوراء وكيف أحيوها هنا في «مسجد الرضا»، يعود إلى «بداية الفتنة»، التي حدثت بعد وفاة الرسول. وهنا يبدو واضحا على حسين أنه يتحدث بتحفظ أمام شخص عرف أنه صحافي، يقول حسين: «لقد تركوا الرسول، صلى الله عليه وعلى آله، بدون غسل ولا كفن (يقصد الخليفتين أبا بكر وعمرا) وذهبا لمنازعة عليّ، عليه السلام، في الخلافة، التي هي من حقه.. ثم قتل بعضهم فاطمة، عليها السلام، وهي حامل». يُطرق طويلا ويضيف: «والنتيجة ماذا؟ يقال إن عمر قتل أبا بكر بوضع السم له.. وعمر قتله غلامه، الماجوسي. أما عائشة فقد ثبت في السنة أن الرسول قام يخطب ثم أشار إلى بيتها وقال: «ها هنا الفتنة ثلاثاً من حيث يطلع قرن الشيطان».. دخل الشيخ عبد الله الدهدوه إلى المطبخ، فاستأذن حسين وغادر..
لم يرد الشيخ الدهدوه الخوض في الموقف من الصحابة، فهو يقول إن الشيعة من أصول مغربية لا تكون لهم حمولة نفسية تجاه الصحابة حتى يتناولوهم بالسب والقذف والتجريح، وهذا راجع إلى أسباب تاريخية، «لكن هذا لا يمنعنا من أن نقول، بإثبات طبعا، إن فلانا من الصحابة قد أخطأ في المسألة الفلانية، وهذا لا نقوله حصرا على أبي بكر وعمر وعثمان، بل إن العديد من صحابة الرسول قد أخطؤوا، ونحن لا نُخفي ذلك عندما يتطلب الأمر قوله. طبعا، نحن نقوله مع الدراسة الموضوعية العميقة».
تترك «المساء» الشيخ الدهدوه، الذي درس في إيران ويتعمَّم بعماماتها كواحد من آيات الله الشرقيين، وتعود لتسأل الشيخ محمد بلخيضر، الذي درس في المغرب ويتحدر من أسرة صوفية ويرتدي الجلباب المغربي. يقول بلخيضر: «أنا معروف في بلجيكا بأنني الفقيه الأول الذي أدخل ثقافة الحوار والنقاش، وحتى هؤلاء الذين تتحدث عنهم، أي الغلاة الذين يسُبّون الصحابة ونساء الرسول، لا يقوون على فعل ذلك أمامي، لأنهم بدؤوا معي قبل أن ينسحبوا ويصبحوا غلاة في الدين، لأنهم يعرفون أنني قوي الحجة». تسأله «المساء» حول ما إذا كان انسحاب هؤلاء الغلاة من حوله نتيجة لأنه لم يستطع إقناعهم، فيجيب: «لا. المسألة مسألة حظ، ويستشهد بالآية القرآنية: «وما يلقاها إلا الذين آمنوا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم»، وهؤلاء لم يكونوا محظوظين وأصبحوا شواذا فكريا، والإنسان عندما يشذ لا يمكنك أن ترده، لأنه تصبح فيه علة ويرى أن فهمه هو المعنى الحقيقي للتديّن، أما نحن فلا نقول بتفوقنا، بل نعتمد التفسير، الذي يخدم وحدة الأمة الإسلامية ووحدة المغاربة».
فما هو «التشيع» أو التفسير الذي يخدم الأمة الإسلامية ووحدة المغاربة، والذي اختاره محمد بلخيضر وأصدقاؤه في مسجد الرحمان؟ يجيب: «لا يمكن أن نأخذ التشيع كما هو مطروح في إيران أو لبنان أو العراق. نحن ننتقي من الفكر الشيعي ما يُلائم خصوصيتنا، كما ينتقي السياسيون من الفكر الليبرالي ما يخدم توجهاتهم. نحن لدينا الليبرالية في تراث الأمة، فالشيخ الكتاني المغربي، صاحب كتاب «الرسالة المستطرفة»، كان يتوضأ على مذهب مالك ويصلي على مذهب الشافعي».
يُقسّم الشيخ محمد بلخيضر التشيع الموجود في بلجيكا إلى نوعين، فـ«الناس الذين تشيّعوا لآل البيت صنفان: صنف تعصّبَ للطائفة والمذهب والرجال، وصنف تعصَّبَ للأحاديث والنصوص القرآنية التي نزلت في آل البيت، لذلك لا عيب في أن يكون المغربي شيعيا وسُنيا في نفس الوقت، أي مناصرا للنصوص التي اهتمّت بآل البيت. الإمام إدريس كان يقول للأمازيغ المغاربة: «اذهبوا أينما شئتم فإنكم لن تجدوا الحق إلا عندي»..
الفقيه السني، الشيخ محمد التجكاني، له تقسيم آخر لشيعة بلجيكا، فهو يُقسّمهم إلى ثلاثة أصناف: «صنف موظف، وهؤلاء قد يصِلون إلى درجة قذف الصحابة وسبّهم، وبالخصوص معاوية، رضي الله عنه، لكنهم لا يصِلون إلى القول بتحريف القرآن. أما الصنف الثاني فهم أولئك الذين تربَّوا في إيران على فكر «الروافض»، وهم شباب من الجيل الثاني والثالث من أبناء المهاجرين، وهؤلاء قد يصلون إلى سب أبي بكر وعمر وعائشة. والأمر الخطير هو أن الكثير من كل هؤلاء «الروافض» الغلاة يتّهمون السيدة عائشة بما اتهمها به المنافقون، ويقولون بإنه عندما سيأتي الإمام المهدي سيُخرجها من قبرها ويقيم عليها الحد»!..
الصنف الثالث من المغاربة الشيعة في بلجيكا هم المقلـّدون، وهؤلاء، يقول الشيخ التجكاني، «هم الأغلبية ويُنظـّمون لهم رحلات إلى إيران وغيرها ويُمتـّعونهم بالنساء، في إطار زواج المتعة، فتلتقي شهوتهم مع هذا التيار. لكنْ، إذا قلت لواحد من هذا النوع من الشيعة المغاربة تعال، زوجني ابنتك أو أخت فلن يرضى، فهو قد يستسيغ رغبة في قضاء شهوته، في إطار زواج المتعة، لكنه لن يرضى ذلك لأخته أو ابنته.. هؤلاء مثل قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي وقت، وهذا هو الأخطر في صنف المقلـّدين، فقد يكون الإنسان ملحدا، لكنْ لديه عقل وغير خاضع للتوجيه الخارجي، فيكون أهون لأنه يتصرف بعقله».
أرقام متضاربة
أمام عدم قيام الدولة البلجيكية بإعلان أي أرقام حول عدد المنتسبين إلى الأديان والمذاهب المتواجدة فوق أراضيها، يصبح الأمر صعبا على الباحثين في هذا المجال للوصول إلى إحصائيات دقيقة حول عدد الشيعة من أصل مغربي في بلجيكا، ومع ذلك يتحدث العديدون عن أن عدد الشيعة في بلجيكا هو 30 ألفا، يوجد أغلبهم في مدينة بروكسيل، ويشكل المتحدرون من أصول مغربية أغلبَهم. يسخر الشيخ عبد الله الدهدوه من هذا الرقم ويعتبره  مُبالـَغا فيه وغيرَ ذي أهمية علمية. مقابل اللبس الحاصل حول أعداد الشيعة المغاربة في بلجيكا، هناك آراء متناقضة في ما يتعلق بتمويل المساجد والحسينيات والمراكز الثقافية والتربوية والأنشطة الإشعاعية الشيعية التي يقوم بها الشيعة هنا. عندما حضرت «المساء» صلاة الجمعة في «مسجد الرحمان»، لاحظتْ أن إمامه، محمد بن خيدر، وبمجرد ما انتهى من الصلاة، دعا المصلين إلى المساهمة من أجل إصلاح المسجد، وسيصرّح بن خيدر، لاحقا، لـ»المساء» قائلا: «نحن لا نتلقى أي دعم من أي جهة أو دولة، بل نُنفق على المسجد من مالنا الخاص ومن مال المحسنين». الشيء نفسه أكده عبد الله الدهدوه، المسؤول عن «مسجد الرضا»، الشيعي، حين نفى أن يكون المسجد والمركز التابع له يتلقيان أموالا من إيران أو من جهة أخرى. لكن الشيخ محمد التجكاني، الفقيه السني، قال إن المساجد والمؤسسات الثقافية والتربوية الشيعية في كل أوربا تتلقى دعما من جهات تدعم التشيع، وهو دعم مادي ومعنوي لا يتوفر للمساجد والمؤسسات الدينية السنية. ويضيف الشيخ التجكاني قائلا: «مقابل الدعم الإيراني للمذاهب الشيعية، كان هنا في بلجيكا دعم للتيار الوهابي السعودي، لكنه لم يكن ممنهجا بل كان يدعم خطابا لا يمكن أن يستوعب الأمة، لأن الخطاب الذي يمكنه أن يقوم بهذا الدور هو الخطاب المعتدل، لكنه لا يملك نفس الدعم والسند». ما لذي يمنع المغرب، إذن، من رعاية الخطاب الاعتدالي لضمان «الأمن الروحي» لأبناء جاليته، الذين يتطلعون إلى دراسة علوم الدين؟ يجيب الشيخ التجكاني: «ذات مرة، في سنة 2004 أو 2005، حضرتُ أحد اجتماعات المجلس العلمي الأعلى والتمستُ، خلال هذه المناسبة، باسم خطباء أوربا، ضرورة فتح الجامعات المغربية للشباب المقيمين بأوربا، لتقوية محبة الوطن والوسطية والاعتدال».
 
 
عاشوراء بطعم البكاء
«لقد أحييْنا عاشوراء بالحزن والبكاء ودراسة فلسفة عاشوراء، كما نظّمنا محافل لتلقّي العزاء لمدة 10 أيام، بداية من فاتح محرم»، يؤكد الشيخ عبد الله الدهدوه. نفس الشيء يقوله الشيخ محمد بن خيدر، الذي يضيف أن «البكاء على الحسين سُـنّة مؤكدة، وإذا لم تحزن فأنت، إذن، ترفض الحديث». ويستدل خيدر على ذلك بالقول «لقد حزن الرسول، صلى الله عليه وعلى آله، كثيرا على سبطه عندما دخلت عليه مرضعة الحسين، عليه السلام، واسمها أم الفضل، فوجدته يبكي، فقالت: مم بكاؤك يا رسول الله؟ فقال: جبريل أتاني فأخبرني أن أمتي ستقتل ولدي.. لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة».
وحول المعتقد الشيعي الذي سمعت «المساء» العديد من شيعة بروكسيل المغاربة يرددونه، والذي يقول إن السماء أمطرت دما يوم مقتل الحسين، أجاب الشيخ بن خيدر قائلا: «نحن في المغرب نعتقد أن محمدا الخامس كان يُرى في القمر، فلماذا عندما يتعلق الأمر بالحسين يعتبر الأمر ممنوعا؟.. هذا منطق السلفية والنواصب (النواصب: الذين ناصبوا آل بيت الرسول العداء). ثم إنني لا أدخل هذا في الدين، لأن مسألة الكرامات تبقى شخصية». يصمت الشيخ لبرهة ويكتلم «المريد» عبد اللطيف من مدينة فاس، وهو رجل خمسيني حرص على أن يبقى صامتا طيلة مدة لقاء «المساء» بشيخه، وحتى عندما كان يُسأل، كان يجيب: «نحن لا نتقدم أمام شيخنا سيدي محمد».. في مسألة عاشوراء، تكلم عبد اللطيف وقال: «لقد كانت العادة عندنا في فاس هي توزيع الماء على المارّين، دلالة على موت الحسين عطشاً، وكنا نوقف الاحتفال في الأعراس حتى تنقضي عاشوراء». وتابع عبد اللطيف: «لقد غادرت المغرب في السبعينيات، ولا أعرف التحولات التي حدثت فيه، لكنني بدأت أسمع أن عاشوراء أصبحت مناسبة للفرح وشراء الحلويات واللعب.. ولستُ أدري سبب هذا التحول داخل مجتمع يُقدّس آل البيت؟» الجواب عند الشيخ عبد الله الدهدوه، الذي يقول: «هناك أيادٍ خفيّة اشتغلت، تحت جنح الظلام، على تحويل عاشوراء في المغرب إلى يوم فرح.. ولا أستبعد أن تكون هناك يد للحركة الوهابية، التي انتشرت بقوة في المغرب. لقد تحولت عادات المغاربة كليا مع نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، فبعدما كان المغاربة يُحرّمون الاحتفالات في عاشوراء ويَحْرِمون أنفسَهم من اللباس الفاخر، أصبحنا أمام احتفالات تعُمّ كل أرجاء البلاد».. وبانفعال زائد، يتعجب الشيخ محمد بن خيدر: «هل من المنطق أن يتخذ المرء يوم وفاة الرسول عيدا؟ الحديث يقول: «الحسين مني وأنا من الحسين»، ونحن نقول أيها المؤمنون التزموا بسنة نبيكم في حزنه على سبطه».

 
 نائبة رئيس «هيأة مسلمي بلجيكا» لـ« المساء »: كنت مسيحية ووجدت في التشيع نموذجا حياتيا
إيزابيل سمية: الإسلام في المغرب ذو أصل شيعي
- كيف اعتنقت الإسلام؟ ولماذا وقع اختيارك على المذهب الشيعي؟
< أنا أتحدر من أسرة مسيحية، ولا يخفى على أحد أن الأديان، عامة، تعرضت لمجموعة من التحريفات والتحولات، فمن خلال بحث روحي رافقني منذ طفولتي، وجدتُ في الإسلام، بشكل عام، وفي التشيع، بشكل خاص، نموذجا حياتيا، أخلاقيا، يحرر المرأة والإيمان، وهو نموذج للتوازن بين التقليد النبوي والحداثة، وقد مكّنني اطّلاعي ودراستي لمجموعة من المراجع المختلفة من أن أسلط الضوء على استمرارية الرسالة السماوية على يد آل بيت رسول الإسلام، النبيل.
-كيف تقيمين حضور المسلمين الشيعة في بلجيكا؟ وهل لديك إحصائيات تتعلق بعدد الشيعة المغاربة المقيمين في بلجيكا؟
< بلجيكا لا تسمح بتعداد رسمي للجماعات والأقليات، خصوصا بعد أهوال الماضي وكذلك تجنـّبا للتمييز، لذلك يتعذر عليّ إعطاء رقم مضبوط. ولكنْ، حسب الكتاب الأخير للبروفيسور فيليس داسيتو، الذي نُـشِر قبل أسابيع قليلة في بروكسيل، والذي يحمل عنوان «القزحية والهلال.. بروكسيل والإسلام في مواجهة الإدراج المشترك»، يذكر الكتاب أن وجود الشيعة في بروكسيل محدود نسبيا في العدد، لكنه متنوع جدا: لبنانيون وعراقيون، باكستانيون وإيرانيون، مغاربة وأتراك، أفغان، وبلجيكيون اعتنقوا الإسلام..
-يشهد المغرب تزايدا لنشاط الفكر الشيعي، ومرد هذا، حسب بعض الباحثين، إلى الحضور القوي للشيعة المغاربة في بلجيكا.. إلى أي حد تتفقين مع هذا الطرح؟
< هناك معلومة غير معروفة كثيرا في المغرب، نظرا إلى تغافل التاريخ عن ظهور الإسلام في المغرب، الذي كان الفضل فيه لهجرة إدريس الأول إلى المغرب، وبالتالي فالإسلام في المغرب ذو أصول شيعي، الشيء الذي يُمكـّننا من فهم وجود مجموعة من الممارسات التقليدية الشيعية في المغرب، وهي أمور اطـّلعتُ عليها  بنفسي منذ أكثر من 20 سنة خلال أسفاري إلى المغرب. على سبيل المثال، رغم أن البعض يحتفلون الآن بـ«بابا عاشورا»، هناك الكثير من الناس يوزعون على الأطفال الصغار قُـللا صغيرة من الطين، مملوءة بالماء، إحياء لذكرى مأساة عاشوراء. تسمية الملك الحالي للمغرب «أمير المؤمنين» هي التسمية التي أطلقت على الإمام علي، خليفة الرسول وصهره، وهي كذلك تعبير عن اعتراف رسمي بهذه الحقيقة. أنا أشعر بالتوتر حُيال هذه المسألة، لكنّ الأمر ما هو، ببساطة، إلا رجوع إلى الإسلام الأصلي، ولأصالة التاريخ المغربي الذي يستحق أن يعاد فيه النظر ويعاد اعتماده لتجنب أي تشويش.
-ما هو الدور الذي تقومين به من داخل «المجلس التنفيذي للمسلمين في بلجيكا» من أجل تقديم الدعم المالي والسوسيو -ثقافي للمذهب الشيعي في بلجيكا؟
< شخصيا، لقد شاركتُ دائما من أجل الدفع بالاعتراف للمسلمين عامة في بلجيكا بحقوقهم في الهوية، مع احترام تعدديتهم واحترام كل مكونات المجتمع الإسلامي في بلجيكا، بدون أي تمييز.
 
+تحقيق ج.المساء المغربية

24 - ديسمبر - 2011
نحتاج للشيخ محمد عبده الامام رجل الاصلاح مره اخرى
2011..صور ناطقة لثورات بلا أبطال     كن أول من يقيّم

* سنة سعيدة لغير المسلمين.... أماتهنئة المسلمين  = بوكو beaucoup حرام
 
**********************************************************************************
 شرعت وسائل الإعلام في القيام بحصاد عام 2011 مرفوقا  بمسابقات لاختيار شخصية العام في ميادين السياسة، الثقافة، الفن، الموسيقى الخ...
وعلى الرغم من اعتباطية الاختيارات أحيانا، فإن الطقس أفرز بعض الأسماء والأحداث التي طبعت بميسمها العام الذي نودعه. لكن يبقى الربيع العربي في هذا الجرد الحدث المستدام والمميز لعام 2011. فقد أمكن للعالم، في ظرف عشرة أشهر، وعلى المباشر، معايشة وقائعه وأحداثه، البهيج منها والحزين. ولا تزال صور هذه الوقائع طرية في الأذهان. أولى وأقوى هذه الصور هي صورة محمد البوعزيزي الذي قدم جسده وروحه وقودا للثورة.
شرعت منذ مدة وسائل الإعلام بمختلف أصنافها في القيام بحصاد عام 2011 مرفوقا  بمسابقات لاختيار شخصية العام في ميادين السياسة، الثقافة، الفن، الموسيقى الخ... وعلى الرغم من اعتباطية الاختيارات أحيانا فإن الطقس أفرز بعض الأسماء والأحداث التي طبعت بميسمها العام الذي نودعه. لكن يبقى الربيع العربي في هذا الجرد الحدث المستدام والمميز لعام 2011. فقد أمكن للعالم، في ظرف عشرة أشهر، وعلى المباشر، معايشة وقائعه وأحداثه، البهيج منها والحزين. ولا تزال صور هذه الوقائع طرية في الأذهان. أولى وأقوى هذه الصور هي صورة محمد البوعزيزي الذي قدم جسده وروحه وقودا للثورة. فقد عجل إضرامه للنار في نفسه في السابع عشر من ديسمبر 2010، بتحرير تونس من قبضة الطاغية بن علي، الذي أطلق ساقيه للريح في الرابع عشر من يناير. جاءتنا الصورة الناطقة الثانية من ميدان التحرير، الذي حوله المتظاهرون إلى معقل وحصن في وجه الطاغية حسني مبارك،  وذلك إلى غاية رحيله بعد أن حكم البلاد لمدة ثلاثين عاما..
في العشرين من أكتوبر، وبعد 42 سنة من الحكم، ألقى الثوار الليبيون القبض على العقيد معمر القذافي قبل تصفيته بطريقة بشعة وعرضه شبه عار على أنظار الليبيين الذين حجوا للطواف على جثته. وسيبقى رشه بأضواء الكاميرات وهو شبه عار من أقصى وأعنف صور الانتقام.  سيحفظ التاريخ أيضا صور الدبابات السعودية التي هبت لنجدة ملك البحرين الذي أجهض في المهد انتفاضة المواطنين ضد عشيرته الحاكمة.
إنها صور ناطقة لثورات بلا أبطال لكن بأسماء قربها منا الفايسبوكـ، التويتير، اليوتوب، والمدونات. شبان وشابات كان دورهم حاسما في مجرى الأحداث. وكذلك فاعلون اجتماعيون أمثال كرمان متوكل الحائزة على جائزة نوبل للسلام، علي فرزات، عالية ماجدة المهدي، وائل غنيم، سليم عمامو، حمزة الخطيب، وغيرهم من الفاعلين الذين رفضوا الزعامة للحديث باسم بالشعب. عرفهم البعض بـ«المستنكرين» فيما سماهم البعض الآخر «جيل الفايسبوك»، أو «المجهولون».
من اليمن وسوريا شاهدنا صور التقتيل الجماعي على يد قناصة محسوبين على النظام يتلذذون باستهداف رؤوس وصدور المتظاهرين، بمن فيهم الأطفال.  دخل البلدان في ثورة مستدامة وإن صرح علي عبد الله صالح بأنه سيترك الحكم ليستقر في أمريكا فإن رحيل الطاغية بشار الأسد يبقى مسألة وقت.
الحدث المميز المتأتي عن هذه الثورات، وكانت إحدى مفاجآت الاختيار الديمقراطي، هي وصول الإسلاميين إلى السلطة في  تونس والمغرب وفوزهم أيضا في الانتخابات التشريعية في مصر. ومن السابق لأوانه معرفة نمطية الحكامة على أيديهم وكيفية تعاملهم مع قضايا الاقتصاد وحقوق الإنسان. غير أن صور راشد الغنوشي وعبد الإله بنكيران أدرجت في ألبوم الثورة العربية. صورة أخرى لها ثقل رمزي ألا وهي رفع العلم الفلسطيني في باحة اليونسكو بعد اعتراف المنظمة بفلسطين كدولة عضو.
إن كان الربيع العربي هو حدث هذا العام  بامتياز، فإن ثمة أحداث أخرى دمغت بقوة مجرياته: في الثاني من ماي، صفى كوموندو أمريكي  على الطريقة الهوليودية زعيم القاعدة، أسامة بن لادن في مقر إقامته السري بالباكستان قبل أن يغطس جثته في بحر مجهول.
 صورة أخرى ارتسمت بالأبيض والأسود على ذاكرة السنة هي تلك التي بدا فيها دومينيك ستروس-كان، المدير السابق لصندوق النقد الدولي، مكبل اليدين بعد أن أدانته محكمة الجنايات بنيويورك بتهمة التحرش الجنسي ضد نافيساتو ديالو. ومنذ الرابع عشر من ماي إلى الآن لا زالت تدعيات وفصول هذه القضية لم تعرف نهايتها بعد.
ثقافيا، يبقى كتاب ستيفان هيسيل «عبروا عن استنكاركم» الذي ترجم إلى أزيد من ثلاثين لغة، بلا منازع كتاب السنة. بالمغرب، كان منح جائزة المامونية لمحمد لفتح عن روايته «المعركة الأخيرة للقائد نعمت» التفاتة ثقافية مميزة. لا ننسى أيضا جائزة الغونكور، «فن الحرب الفرنسي»، التي كانت من نصيب ألكسيس جيني. موسيقيا، نسجل الاختراق الفني الذي أنجزه الموسيقي الفلسطيني الأمريكي، هاني الخطيب، المقيم بكاليفورنيا، بطرحه لألبوم جاز Will The Guns Come Out ، ناجح وبكل المقاييس الفنية.
سينمائيا، يبقى فيلم المخرجة المغربية ليلى كيلاني «على الحافة» وفيلم «درايفر»، للمخرج نيكولا ويندين ريفن من بين الأفلام القوية لهذه السنة. 2011 هي أيضا سنة فوكوشيما، اختفاء ستيف جوبز، وفاة الفنان صالح الشرقي، الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، كوميديا بكاء الكوريين على الطاغية كيم جونغ إيل.
لكن ضمن هذه الحصيلة الجزئية لسنة وافرة بالأحداث، يميل اختياري شخصيا إلى انتخاب المنصف بن محمد البدوي المرزوقي رئيسا لتونس. يذكرني تواضعه، ثقافته وتجربته بعلم اختفى الأسبوع الماضي، هو الرئيس فاكلاف هافيل.  دامت أفراحكم وكل عام وأنتم بألف خير. 
 

3 - يناير - 2012
تأملات في " رأس السنة "
رائعة الراحل "رويشة" "إناس إناس"     كن أول من يقيّم

 
ما حيلـتي مع زمان لم أجد ما أمنحـه للحبيــب،
لا ينقص من النخوة و الأبهة إلا قصر اليد و قلة المال،
حتى الدنيا عزفت عني والموت أبى أن يدنو مني،
أنا يا ربي من أوجدتني بين الحر و القر،                                 Miniature
يا إخوتي مثلي من يحق له البكاء،
قتلتني الوحدة و بعُد الطريق إلى الحبيب                                  
                                    (وفرح عيد لا يزيغ لكل الأمازيغ) 
 
                                             http://www.youtube.com/watch?v=AN3OMv_JBgw&feature=related
                                                               

18 - يناير - 2012
تأملات في " رأس السنة "
غـَزْل الكلمات ..    كن أول من يقيّم

صورة anonymous

غـَزْل الكلمات


سلوى ياسين - seloua.yassine@gmail.com

سدد إلي صديق اتهامه اللطيف بأن ما أكتبه لا يمكن أن يفلت من «نسوية» التوجه؛ وأجبته، بمكر مبطن، بأن هذا مدح أشكره عليه، فأن تكون كتاباتنا «نسوية» يعني أنها جميلة. وكنت أعرف أنه يقصد أن كل ما تكتبه النساء هو بالضرورة رغبة في مواجهة تسلط الذكورة ومفاهيمها على الحياة في مجتمعاتنا، فالأحكام التي يتلقاها الإبداع النسائي عموما تأتي مغلفة بسيطرة الرأي الذكوري، فالرجل ينتظر أن تكون كتابة المرأة خصبة مثل دورها في الإنجاب، جميلة وناعمة مثل الصورة النمطية السائدة، وأن تظل الكتابة بالنسبة إليها مثل كل الأعمال التي تقوم بها داخل المنزل، كما لو كانت تنسج خيوطا أو تغزل صوفا، أو مثل قطة أليفة، تداعب المفردات ككرة خيط. الإبداع النسائي، في نظر المنتقدين، يجب أن يظل اشتغالا جماليا وفنيا، لا أداة للتعبير عن الرأي الفكري.
 في القرن السابع عشر مثلا، كادت الشاعرة الإنجليزية «مارغريت كافانديش» أن تصل إلى حافة الجنون، بعد أن حوصرت من طرف الشعراء بالهجوم والنقد اللاذع، ووُصفت لغة أشعارها بكونها «لغة النعجة»، لأنها طالبت بحقها في لقب «كاتبة». وأمام الضغط الشرس عليها ومحاولة إبعادها عن حلبة الكتابة والخوض في الأمور الفكرية والعلمية التي كانت تعتبر آنذاك من اختصاص الرجل، اضطرت «كفانديش» إلى أن تعترف بأن الكتابة بالنسبة إليها تمضية للوقت، وعلى الناس أن يقرؤوا نصوصها كتمضية للوقت كذلك. في نفس الفترة الزمنية، كانت هناك شاعرة أخرى تسمى «آن برادستريت» التي وجدت التشجيع والإعجاب من طرف الهيئة الأدبية، وانتصر لها قراؤها، واعتبروا شعرها ملائكيا.
 التناقض بين الموقفين تجاه الشاعرتين هو أن «كفانديش» قررت أن تهدم الجدار الفاصل بين الإبداع النسائي والرجالي وتواجه احتكار الذكور لميدان التفكير العلمي والفلسفي، أما «برادستريت» فكانت تنظم الشعر وتخصص جزءا منه لمداهنة الأدباء والشعراء وإخبارهم بأنهم الأقدر والأجدر بأن يكتبوا عن السياسة والحروب، وأن طموحها هو أن يتركوا لها مساحة صغيرة، تنشد فيها كلماتها الحالمة وأشعارها الرومانسية العذبة. الفرق، كذلك، يوجد في موقفيْ امرأتين: الأولى قررت أن تتحرر من الغزل اليدوي بالخيوط والتطريز الذي أدمنته النساء، وكتبت شعرا قويا كانت تسميه «الغزْل الفكري»، أما الثانية فلم تخيب آمال المجتمع التقليدي فيها، وهو أن تظل امرأة أليفة، تنظم شعرا جميلا عذبا، يكون ملائما لما تعود الرجال أن يروا عليه المرأة.. كونها رمزا للجمال والخصب في الحياة.
الحكم على الكتابات النسائية كان يتم دائما، ولا يزال، من خلال القيم الذكورية. ومع ذلك، يظل الأمل أن تبقى هناك كتابات بهوية نسائية، لرسم عوالم تبقى مستحيلة على الرجل، لا يقدر على نقل تفاصيلها إلا القلم المؤنث.
 ختاما، أقول لصديقي الذي اتهم كتاباتي بـ«النسوية»، وهو أجمل نقد وأنعم ما يمكن أن يكون عليه الاتهام، إن الكتابة بالنسبة إلي هي مثل كل ما تبدعه المرأة المغربية اليوم، في المطبخ وفي الحياكة والتطريز، هي محاولة للتحكم في عالم غير متاح لنا نحن النساء، عالم يظل دائما مصدر قلقنا، هي محاولة لضبط المعاني المنفلتة، وللسيطرة على الأشياء وإخضاعها لسلطتنا اللـُّغوية أو اللـَّغوية.. إننا ببساطة نختبئ وراء المفردات، نتقمص دور البوح ولا نبوح، نجازف بفتح الجروح ونتراجع عند أول حرف. كتابة النساء لا تعدو أن تكون سوى غزل للكلمات، مثلما غزلت جداتنا الصوف ليقتلن الانتظار؛ الكتابة هي فضاء تنحت فيه المرأة وجدانها وتبحث فيه عن مكان لها، مثل قطعة فسيفساء لم تأخذ مكانها بعد؛ الكتابة تعني لي أيضا أن أنسج نصا، وأصنع به قاربا صغيرا، أهرب على متنه، ولو للحظة، من قصور مفردة «امرأة».
 

3 - فبراير - 2012
رسالة الخنساء
إهداء لـ " البلبل الحيــران "    كن أول من يقيّم



الريفية سارة شفاق  " ملكة جمال فينلندا "
 
 

3 - فبراير - 2012
تأملات في " رأس السنة "
معنى الوطن..    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

عندما تطلب وجبة في مطعم تركي فعليك أن تـُفهم النادل بالإشارة ما تريده، أو تقول له إنك تريد سمكا وتتوقع أن يأتيك باللحم، فالأتراك لا يهمهم إطلاقا أن يتحدث الآخرون بأكثر من لغة، ما يهمهم أكثر هو أن تكون لغتهم فوق كل اعتبار، وعلى الآخرين أن يبحثوا عن وسائل التفاهم.
تسأل تاجرا تركيا عن سعر البضاعة فيجيبك بالتركية، وحين لا يبدو عليك الفهم يمسك بهاتف نقال ويكتب عليه السعر، وعليك أن تختار.. إما أن تشتري أو تبتعد.
عندما تسأل الأتراك عن لغتهم الثانية تبدو عليهم الحيرة، فكلمة «اللغة الثانية» تبدو بلا معنى إذا كانت هناك لغة وطنية. وعموما، يبدو فهمهم منطقيا، لأنه إذا كانت القوانين العلمانية تمنع تعدد الزوجات، فلماذا تسمح بتعدد اللغات؟
الأتراك محبون لوطنهم بشكل مبهر، واعتزازهم بلغتهم يدخل في هذا الإطار، وإن كان يبدو أحيانا مبالغا فيه، لكنهم يتفتحون أكثر على العربية، واللغة التركية تضم آلاف الكلمات ذات الأصل العربي. وفي مسجد السلطان أحمد، أكبر مساجد إسطنبول، كان الإمام يتلو الأدعية بكلمات هي خليط من العربية والتركية.. كانت عربيته رائعة وتلاوته مدهشة. الأتراك جعلوا تاريخهم ينام معهم جنبا إلى جنب لأنهم يهشون به على العملة الصعبة، ولهم فيه مآرب أخرى. كثير من الأجانب جاؤوا إلى تركيا سياحا ثم انتهوا معجبين بالإسلام وبالثقافة التركية.
الآثار في تركيا مقدسة، والماضي غير موجود لأنهم جعلوا منه رفيقهم اليومي في حاضرهم، لذلك فإن من يزور متاحف هذا البلد يعرف قيمة أن يحافظ شعب على تاريخه بكل هذه القوة والإصرار. وفي متحف «بانوراما»، يمكن للمرء أن يشاهد بشكل مباشر عملية فتح القسطنطينية. إنه متحف مذهل ويعتمد آخر الصرعات التكنولوجية لكي يعيش الزائر عملية فتح القسطنطينية وكأنه في قلبها.
أكثر الناس الذين يدخلون إلى هذا المتحف ويصابون بالخيبة والإحباط هم المغاربة. كل مغربي يسأل نفسه آنذاك: ونحن، كيف خلدنا معاركنا الكبرى وماذا فعلنا من أجل أبطالنا؟ أكيد أننا لسنا محتاجين إلى الانبهار بأحد، ويكفي أن نعيد الاعتبار إلى أنفسنا لكي نصبح أمة حقيقية عوض شعب مغبون في وطن من ورق.
قبل ثمانمائة عام من فتح محمد الفاتح للقسطنطينية، كان القائد المغربي طارق بن زياد قد قام بعمل لا يقل أهمية عندما فتح الأندلس. اسألوا، إذن، الأطفال والشباب المغاربة عن اسم ابن زياد وسيقولون إنهم متأكدون من أنه مطرب شاب شارك في مسابقة «آراب آيْدول».
رجل آخر رميناه إلى مزبلة التاريخ فعليا، إنه يوسف بن تاشفين، الذي يتبول السكارى على قبره. الأتراك جعلوا محمد الفاتح حيا على الدوام، ونحن لم  نكتف بدفن ونسيان أبطالنا ورموزنا الحقيقيين، بل نتبول على قبورهم.
رمينا الكثير من أبطالنا حيث لا يجب أن يتذكرهم أحد. رمينا أبطال الأطلس الأشاوس، ونفينا ابن عبد الكريم الخطابي، ولا نزال نخاف من رفاته. تبدو سخرية الأقدار مرة حين نرى تركيا تـُخرج أبطالها من قبورهم حتى يعيشوا جنبا إلى جنب مع الشعب لكي يحس بقوة الانتماء إلى الوطن، ونحن إما نتبول على أبطالنا أو نبقي قبورهم بعيدة.
في إسطنبول، يقولون إنهم لا يزالون يحتفظون بقطع أثرية وملابس تعود إلى عهد النبوة، ولا تزال المدافع والرماح وبراميل البارود التي استعملها محمد الفاتح موجودة، وفي المغرب سقط نيزك حجري من الفضاء فباعوه قبل أن يبرد في أقل من أربع وعشرين ساعة. اسألوا، إذن، عن آثار المغرب وقطعه الثمينة ووثائقه وكنوزه التاريخية أين ذهبت؟ أكيد أن بلدا يبيع نفسه بالتقسيط لا يستحق أن ينظر إلى المستقبل.
تركيا فتحت تاريخها وثقافتها أمام العالم وتجني من وراء ذلك ملايير الدولارات؛ وفي المغرب، يقول لنا عباقرة السياحة إن السياح لا يأتون لزيارة المواقع التاريخية، بل للتسلية واللهو، لذلك فتحنا لهم فنادق ورياضات خاصة لكي يستمتعوا فيها على هواهم، ومن يضبط منهم متلبسا باغتصاب طفل أو طفلة نكتفي بإعادته إلى بلده أو لملمة الفضيحة.
في تركيا، لم يصل أردوغان إلى رئاسة الحكومة إلا بعد أن حقق المعجزة الاقتصادية في إسطنبول وحولها إلى مدينة مبهرة؛ وفي المغرب، يمكن لأي سياسي بلا معنى أن يصبح مسؤولا كبيرا في أي وقت رغم أنه لا يعرف كيف يسير محلبة.
عندما يصبح السياسيون بلا معنى، يصبح الوطن أيضا بلا معنى.
 
صورة anonymous

معنى الوطن


عبد الله الدامون**   عن ج. المساء المغربية

7 - مارس - 2012
أحاديث الوطن والزمن المتحول
الكاتب يحكي قصة...     كن أول من يقيّم

حدث هذا يوم الأحد الأخير، وقف كاتب في المكتبة العامة في إحدى قرى الجليل أمام الطلاب ليحكي لهم قصة. كان ذلك في أسبوع الكتاب الذي نظـّمته المدرسة بالتعاون مع «المكتبة العامة»،
وهي غرفة كبيرة مستأجرة على جانب الطريق العام مع ملحقاتها مكتب ومرحاض بعد أن حيّا الطلابَ وردوا عليه ردا جماعيا ذكره بمقاعد الدراسة الأولى، عرّفهم على نفسه، ثمّ طلب منهم الهدوء والاستماع إلى قصّته، ثم بدأ يحكي وما إن قال: «كان يا ما كان في قديم الزمان»... حتى قاطعته طائرة حربية بصوتها القوي المخيف، فلم يعد الطلاب يسمعون كلام الكاتب ولا بعضهم البعض ولا الأصوات القادمة من الشارع العام، فصمت الكاتب وانتظر لحظات حتى ابتعدت الطائرة بضجيجها الرهيب، ثم عاد ليحكي لهم من جديد فقال: «كان ياما كان في قديم الزمان»... ومرة أخرى قاطعته الطائرة بضجيجها الرهيب بوووووووووووم.. ولم يعد الأولاد يسمعون الكاتب ولا بعضهم البعض.. فصمت الكاتب مرة أخرى إلى أن ابتعدت الطائرة وساد صمت وسُمع صوت السيارات والضجة القادمة من خارج المكتبة: «هل تريدون سماع القصة...
- فصاح الأولاد: نعم إحكها من الأول!
- حسنا سوف أحكي لكم القصة من جديد.. كان يا ما كان في قديم الزمان، أراد كاتبٌ أن يحكي قصة للأطفال... «حينئذ قاطعه بائع الدجاج الذي مرّ بالقرب من المكتبة بسيارته وصار ينادي بمكبر الصوت... «معانا دجاج خمسة كيلو بمائة شيكل، الدجاج الخمسة كيلو بمائة شيكل يا بلاش»... فاضطر الكاتب إلى أن ينتظر حتى ابتعد بائع الدجاج، ثم قال: حسنا لقد اشترينا دجاجا... سأحكي لكم القصة من جديد...
- هيا لقد شوقتنا.. قال الأولاد...
فقال: - كان يا ما كان في قديم الزمان أراد كاتب أن يحكي للطلاب قصة في المكتبة العامة، وكان هذا بمناسبة أسبوع الكتاب. وعندما بدأ الكاتب يحكي.. «حينئذ مرّت سيارة الإسعاف بزعيق صفارتها القوي وي وي وي وي، فقال الكاتب: «يبدو أن في الحارة مريضا أو مصابا وقد استدعوا له سيارة الإسعاف، ندعو الله أن يشفيَه».. انتظر الكاتب حتى ابتعدت سيارة الإسعاف، وسأل الأولاد: هل تريدون سماع القصة من جديد؟
فقالوا - هيا هيا إحك من جديد...
ثم بدأ الكاتب يحكي قصته من جديد: كان يا ما كان في قديم الزمان، أراد كاتب أن يحكي قصة للأطفال بمناسبة أسبوع الكتاب، وكان ذلك في المكتبة العامة،... وعندما بدأ الكاتب يحكي قصته مرت طائرة حربية بضجيجها الرهيب...
- ذهبت إلى سورية -قال أحد الأولاد - توجد حرب هناك.
- لا، لا توجد حرب هناك.. هذه طائرة تتدرب فوق قريتكم لأنها تشبه قرى سورية ولبنان...
- ولكن في سورية توجد حرب... أصرّ أحد الأولاد...
- ولكنها ليست مع إسرائيل... قال الكاتب «ها قد حرّروا حي بابا عمرو في حمص والرئيس يقوم بزيارة الحي»... هل تريدون أن أحكي لكم القصة من جديد...
- إحك إحك...
وقبل أن يستأنف، قاطعه رنين الهاتف الذي نسيته المعلمة مفتوحا في جيبها، كانت هذه تقاسيم أغنية موطني على العود.. فأقفلته واعتذرت للكاتب والطلاب.. ابتسم الكاتب ثم أعاد من جديد.. كان يا ما كان، في قديم الزمان أراد كاتب أن يحكي قصة للأولاد بمناسبة أسبوع الكتاب... حينئذ مر بجانب المكتبة شاب بسيارته وقد رفع صوت موسيقى صاخبة بأقوى ما يمكن، فغضب الكاتب واستاءت المعلمة حتى ابتعد الشاب مع أغنيته الصاخبة، ثم قال الكاتب للطلاب وهو غاضب: كان يا ما كان في قديم الزمان أراد كاتب أن يحكي قصة للأطفال بمناسبة أسبوع الكتاب... حينئذ سُمع ضجيج قويٌ وإذا بجبالة باطون تمر من جانب المكتبة.. وقال أحد الأولاد...
- هذا الباطون لدار عمي فهد...
مرة أخرى توقف الكاتب حتى ابتعدت جبّالة الباطون وقد بدأ الطلاب يتأففون ويتذمرون وصار الكاتب يمسح عرقه بمنديل ورقي عن جبينه وقال من جديد: كان يا ما كان في قديم الزمان أراد كاتب أن يحكي قصة للأولاد في المكتبة العامة، كان ذلك بمناسبة أسبوع الكتاب الذي تنظمه المدرسة بالتنسيق مع المكتبة العامة، وحينئذ قاطعه صوت رجل ينادي بمكبر الصوت... يا أهالي قريتنا الكرام تفضلوا الليلة عند (علي أبو عبد الله عتمة) إلى زفة العريس وغدا إلى قراءة المولد النبوي الشريف بعد صلاة العصر ودامت الأفراح في دياركم العامرة... يئس الكاتب ونفخ مغتاظا... ماذا قلتم هل تريدون أن أحكي القصة!... إحك... إحك... وحينئذ ساد صمت في المكتبة وصمت الطلاب ولم يعد يُسمع سوى ما يصل من الشارع، فقال له الطلاب: ها قد ساد صمت، نحن نسمعك الآن جيدا.. إحك لنا القصة... فتنفس الصعداء، وانتظر لحظات، وما إن فتح فمه حتى سمع نداء في مكبر للصوت: «باسم جمعية بلدنا الثقافية، ندعوكم في الساعة السادسة مساء إلى حضور الندوة السياسية تحت عنوان «الربيع العربي إلى أين، بمشاركة عدد من الأساتذة والمختصين، نأمل تشريفكم».
- أما زلتم راغبين في سماع القصة...
- نعم نريد سماعها...
- هذه هي القصة، لقد حكيتها لكم...
 
 
 
 
سهيل كيوان
++++++++++++++++++
ج.المساء المغربية

6 - أبريل - 2012
تمتمات
أصابعـهــم فــي آذانــهـــم...     ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

طلبت من الأطفال في حصة الكتابة الإبداعية أن يحكوا قصصا من واقعهم، وقفت طفلة وقالت لي إن صديقتها (نسرين) لا تسمعها عندما تتحدث، لم أفهم قصد الطفلة وطلبت توضيحا،
فقالت لي.. أليس من المفروض عندما تتحدث أن يسمعك صديقك؟ قلت بلى! فقالت إن نسرين تضع أصبعيها في أذنيها وترفض أن تسمعها.
قلت للطفلة إن هذا حق نسرين ألا تسمع بأذنيها، ومثلما نحن أحرار بجميع أعضاء جسدنا ولا نسمح لغيرنا بأن يستعملها أو يتدخل في شؤونها بدون موافقتنا، هكذا الأمر بالنسبة إلى أذني نسرين ممنوع أن نفرض على الآخرين سماعنا، ولهذا فإن نسرين حرّة في أن تسمع أو لا تسمع كلامك، فردت الطفلة بمرارة وغضب... ولكنها صديقتي ويجب أن تسمعني، وإلا فلن نبقى أصدقاء! تأثرت كثيرا من غضب الطفلة وقلت: «هذا صحيح، وإذا لم يسمعك صديقك فإنه ليس صديقا، بل وهذه قلة أدب من جانب نسرين أن تغلق أذنيها عندما تتحدثين معها».
ناديت الطفلة نسرين لأسألها مستغربا عن تصرفها، فأسرعت ووضعت أصبعيها في أذنيها ولم ترد أن تسمعني، صرت أرجوها: نسرين يا عزيزتي عيب... ولك عيب أنزلي أصابعك، أنزلي أصابعك من أذنيك واسمعيني، ولكنها أصرت وبقيت واقفة وأصابعها في أذنيها لا تريد أن تسمعني. نسرين ما الذي جرى لك! ألا تريدين أن تسمعي صديقتك التي تحبك! ألا تريدين أن تسمعيني! لم تردّ نسرين وبقيت واقفة وأصبعاها في أذنيها.. قلت لها: إسمعي يا نسرين إذا رفضت سماعنا فنحن أيضا لن نسمعك عندما يأتي دورك في الكلام... فلم ترد.. قلت لها وأنا منزعج... قرد يحملك أقعدي في مكانك..
تضايقتُ من الطفلة التي لا تريد أن تسمع صديقتها (روعة) ولا أن تسمعني، رغم أن الأمر بدا لي مزحة في البداية، ولكنها نجحت في إثارة حفيظتي، يا لهذه الطفلة الوقحة التي لا تريد سماع أحد، إنه تصرف يثير الغضب بالفعل، وإن كان قد بدا مسليا في البداية، وقررت أن أنتقم منها، عندما يصل دورها في الكلام قررت أن أطلب من كل الطلاب أن يسدّوا آذانهم ولا يسمعوها كي ألقنها درسا...
فجأة خطر في بالي هاجس يقول: إذا كانت هذه الطفلة شعرت بكل هذه المرارة، فأي مرارة تختزنها الشعوب التي يرفض حكامها سماعها!
ثم كيف يريد الحاكم للملايين أن تسمعه وأن تطيعه بينما هو واضع أصابعه في أذنيه ولا يريد سماع شيء سوى تلك الأصوات الكاذبة التي تهتف بحياته، والتي تصفه بأوصاف الأنبياء، بل وترفعه درجة عنهم عندما تهتف له ذلك الهتاف الوضيع الذي يضعه مباشرة بعد الله.. الحاكم وبس.. شو يعني.. بسّ! يعني كل ما عدا الحاكم لا يساوي شيئا، يعني لا مفكرون ولا علماء ولا قادة ولا جيش ولا طلبة جامعات ولا أدباء ولا أي شيء، الله والحاكم وبس، ومن الواضح هنا أن كلمة (الله) توضع من باب الحيطة فقط لأن الحاكم لا يهمه أن يؤمن الناس أو لا يؤمنوا بالله... فالمهم أنهم يؤمنون بقدرته هو على قمعهم إذا ما رفعوا رؤوسهم...
عندما صرخ الشعب غضبا، مثل تلك الصرخة التي يصرخها من يكون غارقا تحت الماء في اللحظة الأخيرة، لم يضع الحاكم العربي أصابعه في أذنيه فقط بل أطلق النار والحقد على كل صوت لا يشبه صوت تلك الأشباح التي تهتف ذلك الهتاف الوضيع، رد على الناس بأنه لا يريد منهم سوى صمت القبور أو الهتاف الذي أدمنه، ولهذا يتغير عشرات الرؤساء في مختلف أقطار الأرض بدون جريح واحد، بينما حاكمنا يخيّر شعبه بين الصمت أو الموت، وبعد دماء غزيرة ومقابر جماعية يتنازل ويغيّر بندا تافها في الدستور يضمن له استمرار ركوب الشعب...
ولكن مشكلة الحاكم الذي لا يريد سماع شعبه أنه لم يعد قادرا على إخراس هذا الصوت، لأن الشعب لم يعد يقبل بالعودة إلى صمت النعاج، ولأن تقنيات الاتصال والتواصل تقدمت بصورة لا يمكن معها مصادرة أي صوت!
تغيرت الدنيا كثيرا أيها الحكام، كنا نكتب رسالة حب ونمزّقها مرات حتى الوصول إلى صيغة نهائية، ثم ننتظر الفرصة لنقلها إلى الحبيبة، تمر ساعات وأيام ونحن محتفظون بالرسالة ولا تسنح الفرصة لتوصيلها، وقد تبقى الرسالة متنقلة من قميص إلى سروال إلى جورب ولا يكتب لها الحظ في الوصول إلى الحبيبة.. الآن بكبسة زر توزّع رسائل الحب إلى من تشاء ومتى تشاء في اللحظة التي تشاء، حتى إلى غرفة نوم الحبيبة فلا حرس ولا رقباء ولا خصوصيات، بل حتى وهي جالسة مع أشد الرجال بأسا، فالرسالة النصية قد تصلها بهدوء، تقرؤها وترد عليها ولا من شاف ولا من دري، لم تعد حبيبتك بحاجة إلى التظاهر بأنها خرجت لتأخذ رداء من على حبل الغسيل لتلقي عليها نظرة عابرة، لم تعد بحاجة إلى منظار والوقوف على سطح البيت كي تلاحق تحرّكها عسى ولعل أن توصل إليها رسالتك! رسائل الحب صارت تكتب وتصل عناوينها في البث المباشر مع الصورة والصوت، ومثل رسائل الحب هي رسائل الثوار...
وعلى فكرة، الطفلة (نسرين) التي أغلقت أذنيها انفجرت ضاحكة فيما بعد.. فهي أذكى من أن تواصل رفض سماع الآخرين...

 
 
 سهيل كيوان
ج .المساء المغربية

14 - مايو - 2012
أحاديث الوطن والزمن المتحول
الأستاد زهير..    كن أول من يقيّم

تحية طيبة   ،   والله  اشتقنا  لك ...

 ل    ك   ن
                   شو   ها   الأيام .....                                                                            

1 - ديسمبر - 2012
مشروع الوراق لإحياء ذخائر التراث العربي
«حريم السّلطان»    كن أول من يقيّم

3 - ديسمبر - 2012
أحاديث الوطن والزمن المتحول
 89  90  91  92