البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات abdelhafid akouh

 83  84  85  86  87 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
ثورة البوعزيزي..    كن أول من يقيّم

 
تشكيل متواضع من إنجازي ..

25 - يناير - 2011
على هامش سيرة عباس الأول ....
عود الثقاب يشتعل مرة واحدة ..    كن أول من يقيّم


عندما نشير إلى القمر، ليس الغبي وحده من ينظر إلى الأصبع، بل اليائس أيضا. وكم أشفق على من يحرقون أنفسهم هذه الأيام، متوهمين أن النيران ستنتقل من أجسادهم إلى الشوارع، رغم أن عود الثقاب يشتعل مرة واحدة، ولو كانت الثورة تخرج من رماد أي جسد تشب فيه النار، لأسقط «مجاهدو خلق» نظام الملالي (في إيران وليس في بني ملال) من سنوات، وصارت مريم رجوي مكان محمود أحمدي نجاد، لأن منظمتها هي الأكثر لجوءا إلى حرق الذات، على سبيل الاحتجاج، في إطار تقاليد مجوسية عريقة، وقانا الله وإياكم من لهيبها. من المؤسف، فعلا، أن تتنافس البلدان العربية على من يحطم الرقم القياسي في عدد من يحرقون أنفسهم، بمجرد ما نجحت الثورة التي أشعلها محمد البوعزيزي في جسده، من موريتانيا إلى اليمن، مرورا بالجزائر والسودان ومصر والأردن والسعودية والمغرب... ويبدو أن الجزائر ومصر تتنازعان على المقدمة. وعندما تتأمل الأسباب التي دفعت عددا من هؤلاء إلى حرق أجسادهم، لا تملك إلا أن تضرب أخماسا في أسداس. في الجزائر، ذهب أحد الشباب إلى البلدية بحثا عن شغل، وتشاجر مع أحد الموظفين الذي قال له على سبيل «قليان السم»: إذا كنت رجلا اصنع مثل البوعزيزي... فما كان منه إلى أن أشعل النار في جسده، كي يثبت للموظف أنه «رجل»، على سبيل العناد. وإذا كان المصريون والجزائريون يتسابقون على الريادة، فإن بلادنا تملك قصب السبق في المجال، لأننا بدأنا قبلهم جميعا. قناني «المازوط» أصبحت من العتاد الذي يتسلح به العاطلون أمام البرلمان. منذ عشر سنوات أو أكثر، وهم يهددون بحرق أنفسهم، أحيانا يمرون من القول إلى النار، دون أن يؤدي ذلك إلى ثورة، بل إن المشهد صار عاديا، يثير الشفقة لدى البعض، والحسرة لدى آخرين، واللامبالاة بين الأغلبية، مع الأسف. بعيدا عن العاطلين، أعتقد أن أول شخص هدد بإحراق نفسه في المغرب على سبيل الاحتجاج هو الصديق المسرحي أحمد جواد. في بداية التسعينيات، خليط من اليأس و»الجنون الفني»، دفع جواد إلى أن يهدد بإشعال النار في جسده أمام مسرح محمد الخامس، احتجاجا على «أوضاع المسرح المغربي» أو على عدم دعم الفنان المغربي كي يمارس المسرح، أو شيئا من هذا القبيل، المهم أن صديقا من معهد المسرح، نزل عنده وهو يحمل سطلا من الماء، ثم خاطبه بنبرة مهددة: «تشعل راسك نطفيك!»... وصارت الحكاية نكتة يضحك منها جواد والأصدقاء. لم يحرق جواد نفسه في آخر المطاف، لحسن الحظ، بل كتبت عنه الجرائد، وصار موظفا في «المسرح الوطني»، حيث أبدى حيوية وحماسا منقطع النظير، ونظم عشرات اللقاءات الأدبية في «نادي الأسرة»، صنعت مجد المغرب الأدبي في تلك الفترة، «نادي الأسرة» الذي تحول الآن إلى مقهى يلتقي فيه العشاق ممن يفتشون عن بناء أسرة، ليشربوا «نص نص» والعصير مع «ميل فوي». لم يحرق جواد نفسه، لكن ذلك الزمن الجميل احترق، وصار حفنة محزنة من الرماد.
جمال بدومة - ج.المسء المغربية
 
   هدية                     http://www.youtube.com/watch?v=c2_xYJ_veMA

29 - يناير - 2011
على هامش سيرة عباس الأول ....
يسقط ، لا يسقط ، يــــسـ ....    كن أول من يقيّم

 
ImageShack, share photos, pictures, free image hosting, free video hosting, image hosting, video hosting, photo image hosting site, video hosting site
 
مهداة للأخ الأستاذ النويهي
" الحرية أولا وأخيرا ..."

1 - فبراير - 2011
على هامش سيرة عباس الأول ....
مصر..    كن أول من يقيّم

 
 

4 - فبراير - 2011
على هامش سيرة عباس الأول ....
مصرُ البهيّةُ، أمّـنا، جاءت إلى الساحة ..    كن أول من يقيّم

سعدي يوسف
(إلى أحمد فؤاد نجم)


مصرُ البهيّةُ، أمّـنا، جاءت إلى الساحةْ.
مصرُ البهيّةُ، أشرعتْ للريحِ، طَرحتَها ودارتْ رايةً، بالفُلّ والبارودِ، فوّاحةْ.
مصرُ البهيّةُ، أُمُّـنا، جاءتْ إلى الساحةْ.

* * 
وتكونُ أنتَ
كما عهدتُكَ، يا رفيقَ العُمرِ
محترقَ الخُطى، في ساحة التحريرِ
ما أبهى النضالَ
وأقبحَ الراحةْ!
مصرُ البهيّةُ، أمُّـنا، جاءتْ إلى الساحةْ.

* *
إني أراكَ هناكَ
بالكوفيّةِ الرقطاءِ
والعَـلَـمِ الفلسطيني..
بالحُلْمِ الذي غلغلتَهُ، جيلاً فجيلاً، في منابتِ مصرَ
يا أحمد فؤاد النجم..
ها هي ذي القيامةُ آذَنَتْ:
مصرُ البهيّةُ، أُمُّـنـا، جاءتْ إلى الساحةْ!

لندن، يوم 30 يناير
2011
الملححق الثقافي لـ ج.الاتحاد الاشتراكي المغربية

6 - فبراير - 2011
على هامش سيرة عباس الأول ....
لكَ الساطورُ ولنا فسحةُ الفايسبوك ..    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

علال الحجام
 
1- ما أبهاك

غفورٌ قلبُكِ الوهّاجُ يا أمّي
ولكنْ، كيف يغفرُ للّصوص ذنوبهم
ويجيزُ بالحسنى معاصيَهم؟
صحيحٌ كلُّنا في البدْء كنا نطفةً من صلبكِ القدسيّ
لكنّ الخواءَ الباطنيَ عقوقْ
يقطّع في الدّجى حبلَ المودّةِ لا يوقّرُهُ،
يبيع ويشتري غدَهُ،
يتاجرُ في بهائه بالمزادِ مقامرونَ على الصّوامعِ
في زوايا السّوقْ...
وهم يتجشّأون على كراسيهم
وقد شرِبوا دمَ الأجدادِ والآباءِ والأبناءِ
في زوّادة العتمَة،
وهم قد أحرقوا الماضي
وما تركوا سوى أنقاضِ أنقاضِ،
لأن زمانهم قِرْشٌ بلا ماضٍ
تحاصرُ في الظلام بريقَهُ التخمَة.

وهم فقأوا عيونَ الغيثِ بالإبرِ
وهم نهبوا تمورَ النّخلة الفرعاءِ كالجرذانِ
بين غروبنا المكدودِ والسّحرِ،
وهم جدفوا الحقولَ وأحرقوا ليلاً بيادرَها
وعاثوا بالمنى الرقراقِ في باكورة الثّمَرِ...

غنيٌّ حقلُكِ المعطاءُ يا أمي
وما أعطيتني إلا فتاتاً من نعيم بهاكْ:
بقيّةَ كسْرةٍ صمّاءْ
وقطرةَ ماءْ
ولكنّ اللصوصَ سطوا على بيتِ الخراجِ
وخرّبوا أركانَه، لم يتركوا بعد الدّمارِ
وخلفَ جعجعةِ السّعيرِ سوى القليلِ من الشعيرِ
يخالطُ الأحساك والأشواكْ.

بهيٌّ صوتُك الوضّاحُ يا أمي
ونسمُ بهائك الفوّاحِ أمواجُ،
هذا وعْدُكِ الموؤودُ
في سنداتهم جبلٌ من الكذبِ،
وهذا وجدُكِ المولودُ
بين جوانحي ينسابُ هطّالاً
يناجي ريشيَ الدامي،
وما أهديتِني إلا أفولَ النّورِ
في عينيّ يهتاجُ...
ولكنْ قلبُك الوَقّادُ يعرف صدق أشواقي
ويعرف كم أحبّكَ،
كم أحبُّ ثراكِ في سرّي وفي علَني
ويعرف أنّني صبٌّ، وفي محرابك المكويِّ
قلبي يرتوي بهواكِ
بين خمائل الأفراح هاربةً وبين هواجرِ المحنِ...

2 التّمثال

لحقدِكَ أن ينازلَ صوتَنا
بجمالِه وبغالِه وحميرِه والخيْلِ
تترُكُ روثَها في برزخ التّحريرِ
شاهدةً على غثٍّ من العجَبِ
ونحن لنا حقولُ العشقِ واسعة لزرع فواكهِ الغضبِ.

لكَ السّيفُ الحسيرُ
يهدّدُ الأشجارَ
حين تحرّك الأنسامُ أشجانا
وحين تثورُ زوبعةٌ مشاغبةٌ،
لك السّاطورْ
ونحن لنا المحالُ مجنحاً في شاشةِ الحاسوبِ،
يرسمُ طيفُهُ زمناً
يعرّي عورةَ السّفهاءِ
حينَ يورّثون عروشَهم
كَرَماً لما ملكَتْ أياديهم،
ويفضَحُ سَوْرةَ التمثالِ لا تخبو ابتسامتُهُ
تثبّتُه براغي الصُّلبِ في الكرسِيِّ
يَغرَقُ في دمٍ
ما زال جمرُهُ يشتهي غدَنا...

لنا إن ضاقتِ السّاحاتُ - في سجْنٍ
تعالى في فم الخرتيتِ -
كلّ حواضرِ الدّنيا،
وكلّ سمائها الزّرقاءِ
تحضن حلمَنا وحمامَنا في فسحةِ الفايسبوكِ
يحفُر فجّه كالسّيل هدّاراً
يغازلُ نورَه أعْلى من السّغبِ
يوزّعُه خوارُ المكْرِ حين يجورْ،
وأعلى من عصيِّ القهْر والرّهَبِ...

   إفران، فبراير   2011
 
*الملحق الثقافي لجريدة الاتحاد الاشتراكي - المغربية -

25 - فبراير - 2011
عيد مصر
الإيديولوجيات العربية وطوباوية البدائل ..    كن أول من يقيّم

المصطفى مرادا
كل اللحظات الكبرى في تاريخ البشرية خلقتها ثورات، لكن لم تتمخض عن كل الثورات لحظات كبرى. كل الثورات بدأت بشرارة أوقدها أناس بعضهم لا يعرفون حتى جدوى ما سيقومون به،
لكنْ لم تكنْ كل الثورات عفوية، إذ منها ما كان حصيلة تأطير وتخطيط.. ثورات أفراد ضد جماعات وثورات جماعات ضد مجتمعات وثورات مجتمعات ضد أقليات، مستضعَفين ضد الطغاة... كان هذا في غابر الأزمان وما يزال يتكرر اليوم في أزمنة وأمكنة غير متشابهة وتكاد تكون متناقضة، منها ما كان فاتحة تاريخ جديد، حيث ما بعدها قطيعة مع ما قبلها، ومنها ما كان وظل خارج منطق التاريخ، مر كوقع الزر على الرمل، لم يترك صدى، منها أيضا ما كان دمويا وعنيفا وقاسيا، ومنها أيضا ما كان سلسا وسلميا وهادئا، فمن «ثورة العبيد» على الإمبراطورية الرومانية، بزعامة سبارتاكيس في القرن الأول قبل الميلاد، و«ثورة الزنوج» على خلفاء بني العباس، مرورا بـ«ثورات الأحرار» في عصر الأنوار، وصولا إلى «الثورات الرقمية» المعاصرة، التي «يكتبها» الشباب العربي اليوم، تتعدد أساليب الثورة والمنطق واحد: الرغبة في إرساء واقع جديد، الرغبة في التحرر والانعتاق. صحيح أن الثورات قد تعد ولا تفي، وصحيح أن الطريق للثورة ليس هو منتهاها، وصحيح أن الثورة يحدث كثيرا أن «تأكل أبناءها» وتلفظهم، بعد أن تمتص منهم رحيق شعاراتهم، كل هذا صحيح، لكنّ ما يقع اليوم في العالم العربي مثير للدهشة والاستغراب، ليس فقط لأننا كنا «نتوهم» أن زمن الثورات ولى، ولكنْ لأن الشعوب العربية، والمصنفة عالميا في آخر الأمم المستعملة للتكنولوجيات الحديثة، هي نفسُها التي تعطي دروسا جديدة، تكون فيها الثورة بدون إيديولوجيا والثوار بدون مؤسسات حزبية ولا تكون فيها البدائل، بالضرورة، كبيرة وطنانة، بل مجرد رغبة في العيش بكرامة.
بعد صدمة الاستعمار، والتي أيقظتنا، بلغة كانط، من سباتنا الدوغمائي وأظهرت لنا أن صورتنا عن «الروم» القدامى ليست هي واقع حالهم اليوم، فالبارحة هزمناهم بموجب مَنٍّ رباني كريم، أولا، ولأننا أعددنا أسباب الغلبة، وها هم، بعد قرون، يهزموننا ويستعمروننا ويستهدفون ليس فقط خيراتنا، بل وثقافتنا، التي تشكل أخر «قلاع» ذواتنا، ويجعلوننا من ضمن تركتهم التي يجب أن ينال كل منهم نصيبه منها، ليظهر لنا «الروم» السابقون أقوياء ومنظمين ومتحضرين، وعندما زار الشيخ محمد عبده فرنسا ورأى بأم عينيه قيما لطالما كنا نعتقد أنها تميزنا وحدنا دون غيرنا، (رآها) متجسدة وكثيرة على أرض الواقع ، ثبت لديه بالدليل أنهم أقوياء، فكانت هذه الصدمة بداية اندلاع ما سيسميه الأستاذ العروي «الإيديولوجية العربية المعاصرة»، والتي تنقسم -حسب أطرها الثقافية المنخرطة في سؤال النهضة- إلى ثلاث إيديولوجيات مختلفة في قراءاتها للواقع العربي آنذاك، ومختلفة أساسا في الحلول التي تقترحها لحل مسألة «لماذا تقدم الغرب وتأخر المسلمون؟ّ»...
يعتبر السلفي أن المشكلة في ابتعاد الأمة عن دينها، ويرى أن الحل يكمن في العودة إلى نهج السلف الصالح، ويعتبر التقني أن المشكلة في ضعف التصنيع، والحل هو إقامة دولة المهندسين. أما الليبرالي فيأخذ التجربة الغربية كمثال ونموذج مكتمل للحل الذي يصلح للعرب، إنه القطيعة مع الماضي وعلمنة الدولة، وهنا لا بد للقارئ الفاضل للإلمام بتفاصيل وسلبيات الإيديولوجيا العربية من قراءة الأستاذ العروي، لفهم السؤال الذي طرحه كتابه «الإيديولوجية العربية المعاصرة»، وهو سؤال ناتج، حسب العروي، عن أمرين: الأول هو اطلاعه على ما كُتب في مصر، خاصة، بين 0391 و0591 عن المسألة الاجتماعية، إذ كان ينوي تحرير رسالة دكتوراه في هذا الموضوع، والثاني هو ما لاحظه في مصر من تقهقر ثقافي سنة 1691، عندما كان مستشاراً ثقافياً في سفارة المغرب في القاهرة.
وهذا الانحطاط كان يعترف به كبار المثقفين المصريين، من طه حسين إلى محمد مندور إلى نعمان عاشور، فقد كان العروي متشبّعا، وهو طالب في معهد العلوم السياسية في باريس، بالتحليلات الاقتصادية والاجتماعية حول مشكلة التخلّف، وعندما عاين المسألة في بلد كنا نعتبره متقدماً نسبياً، اتضح له أن المسألة ثقافية وإيديولوجية في الأساس، خاصة أن السلطة في مصر كانت آنذاك بين أيدي عناصر وطنية تقدمية.
لاحظ الأستاذ العروي، عن كثب، أنه لا يكفي أن تكون السلطة بين أيدي جماعة تريد الصلاح والإصلاح تحارب الاستغلال وتستهدف التقدم والرقي، إذا كانت ذات ثقافة ضعيفة، غير مستوعبة للأفكار المؤسسة للمجتمع العصري، ومن هنا جاءت الدعوة إلى الانفتاح على العالم العصري، المتمثل في العالم الغربي، حيث كان البعض آنذاك يظنون أن العالم الشرقي الشيوعي يمثل، بدوره، الحداثة، وربما بكيفية أقوى، ليتضح الآن للجميع أن ذلك لم يكن صحيحاً، هذه حقيقة سجلها في كتابه الذي كتبه في بداية ستينيات القرن الماضي، وقال صراحة إن العالم الشيوعي يستطيع أن يستدرك، لا أن يسبق، مواطن الحداثة، أي الغرب.
هكذا انتقد الأستاذ العروي الإيديولوجيا العربية في مختلف تجلياتها، لكن السؤال المطروح، والذي ما زلنا ننتظر الإجابة عنه من طرف الأستاذ العروي، اليوم، بشكل متلهف، هو: أين ينبغي تصنيف الثائرين عبر «فايسبوك» و»تويتر» وغيرهما من المواقع الاجتماعية، ضمن خريطة الإيديولوجيا العربية المعاصرة؟!...
الإيديولوجيا الماركسية عربيا.. والأفق المسدود
بالإضافة إلى هذه الإيديولوجيات الثلاث، ظهرت إيديولوجيا رابعة لا تقل قوة، كما أشرنا إلى ذلك سابقا عندما كنا بصدد الحديث عن الأستاذ العروي، وهي إيديولوجيا استطاعت، هي أيضا، أن تنال من إعجاب قطاعات واسعة من الجمهور العربي، وخاصة الشباب منها، ونقصد الإيديولوجيا الماركسية، والتي جاءت نتيجة انقسام عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى معسكرَين: شيوعي، بقيادة الاتحاد السوفياتي، وغربي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. ما يهمنا في تبنّي المثقف العربي الإيديولوجيا الماركسية هو أنه اعتبرها إيديولوجيا تحررية، تحررية للشعوب من الحكام «الرجعيين» وتحررية من الاستعمار وتبعاته، الاقتصادية والاجتماعية، وهنا ظهرت عشرات التنظيرات الإيديولوجية التي يعتقد أصحابها أنهم وجدوا الآلية العلمية والمنهجية الصلبة لفهم كل التاريخ العربي الإسلامي وأيضا لفهم واقعه، بل ولرسم مستقبله، هكذا بكل شمولية، فظهر حسين مروة وطيب تزيني ومحمود إسماعيل، والذين اشتهروا بقراءتهم التراثَ العربي الإسلامي قراءة مادية تاريخية، مع ما رافق ذلك من تأويلات وتخريجات تبيَّن في ما بعد أنها أقرب إلى التلفيق المتسرع منها إلى التنظيرات والقراءات العلمية الرصينة، وظهرت أيضا مجموعة من الكتابات ذات الطابع التنظيري التعبوي الجماهيري، والتي تبشر بالثورة الشعبية العربية، والتي ستقضي على الرجعية الداخلية للأنظمة وعلى التبعية الخارجية للاقتصاد وأنماط الإنتاج، وهنا ظهر مفكرون مشهورون، كمهدي عامل وياسين الحافظ ومحمود أمين العالم وآخرون، وإن كانوا لم يحظوا بنفس الشهرة، كسهيل طويلة وصبحي الصالح وعبد القادر علولة.
ولنضع القارئ غير المتخصص في الأفق المفاهيمي للإيديولوجيا الماركسية، نقول إن هذه الإيديولوجيا تنطلق مما يعتبره ماركس وأتباعه من الإيمان المطلق بمنهج يعتبرونه علميا هو المادية الجدلية، والتي انطلق فيها الفيلسوف والاقتصادي الألماني كارل ماركس في دراسته التحليلية النقدية للنظام الرأسمالي الأوربي خلال القرن الـ91، من كتابه «الرأسمال»، الذي عنوانه الأساس «نقد الاقتصاد السياسي»، ومن هذه الدراسة، بدأ تكون الفكر الماركسي، وتبعه لينين في فترة لاحقة، في مواصلة التحليل والنقد للنظام الاقتصادي السياسي، فتكوَّن بذلك الفكر الماركسي -اللينيني، الذي تبنته أغلب الأحزاب الشيوعية في العالم. ولتظهر، بعد ذلك، تنظيرات أخرى داخل الفكر الماركسي، جاء بأهمها تروتسكي وماو تسي تونغ، والتي كانت تأثيراتها كبيرة على مثقفي العالم العربي، من الناحية الإيديولوجية...
فالحزب الشيوعي الصيني، بقيادة ماو تسي تونغ، انطلق من دراسة وتحليل ونقد الواقع الاقتصادي السياسي الصيني، فتكون فكر الماركسية الماوية الصينية، أما الأحزاب الشيوعية العربية فقد تعثرت في مسيرتها النضالية والتحررية، وسبب ذلك أنها تبنّت مفاهيم وأفكار الماركسية اللينينية كقوالب جاهزة وألبستها للواقع بطريقة تعسفية منفرة، ولأنها ليست من إنتاج هذا الواقع، أصيبت هذه الأحزاب بالعرج والتعثر خلال أعمالها النضالية في حركات التحرر العربية. لذلك، ومن أجل إنتاج ما سيسميه المهدي عامل، وهو أحد كبار المنظرين العرب للإيديولوجيا الماركسية، إنتاج فكر ماركسي عربي، ضرورة الانطلاق من دراسة تحليلية نقدية للواقع العربي الذي هو نظام الإنتاج الكولونيالي، القائم على بنية التخلف العربي، ونقد هذا التخلف كما يجده الأدب الاقتصادي السياسي المعاصر، فعند المعالجة العلمية الواقعَ، لا يوضع الفكر مع الواقع في مواجه مباشرة، لأن الفكر لا يصل إلى الواقع إلا بإنتاجه مفاهيمَه النظرية، عن طريق نقده المفاهيمَ المتكونة عن الواقع، فمن خلال عملية النقد هذه، ينكشف الواقع في بنيته للفكر النظري. إذن، فالمعرفة العلمية ليست عملية مشاهدة، بل عملية إنتاج تتحقق في حركة نقد للفكر المتكون، تجد ضرورتها النظرية في التطور العلمي المحدد للواقع التاريخي. هذه الحركة هي، في الحقيقة، حركة تحويل للأدوات النظرية لهذا الفكر، وفي هذا التحول النظري، شرط إمكان المعرفة العلمية.
ما يهم في هذه الإيديولوجيا، ونقصد الماركسية، هو أن المثقف والسياسي العربيين لم ينتقلا من مستوى الانفعال إلى مستوى الفعل، إذ لم تتعدَّ اجتهاداتهم شرح وتلخيص ومحاولة تبيئة الفكر الماركسي، ذي الأصول الأوربية، مع واقع عربي لا يظهر فيه أي مقوم من المقومات التاريخية التي أنتجت الفكر الماركسي في منبته الألماني في القرن الـ91. ورغم المجهودات الكبيرة التي بُذِلت على مستوى التنظيرات، لم تستطع الإيديولوجيا الماركسية، على مستوى العالم العربي، أن تقود ثورة، إلا إذا استثنينا لجوء بعض القادة العرب، الذين آتوا إلى السلطة على ظهور الدبابات، إلى انتقاء بعض مفاهيم الفكر الاشتراكي ومزجها بمفاهيم قومية، كجمال عبد الناصر والقذافي وبومدين وصدام حسين وحافظ الأسد، لكن ما تبيّن هو أن الإيديولوجيا الاشتراكية، حتى في صيغتها الإصلاحية التوفيقية، لا تقل انتهاكا لحقوق الإنسان من الأنظمة الشمولية الماركسية، فإذا ما صدقنا ما ذكره مايليز كوبلاند في كتابه «لعبة الأمم» -الذي وصفه هيكل بالآفاق- حيث يروي وقائع تعامل البطل القومي عبد الناصر مع الأمريكيين للإطاحة بالملك فاروق، فإن ما سمي المشروع القومي العربي أو الإيديولوجيا القومية، بما رافقها من قمع وسحق للقوى السياسية الأخرى وإلغاء دور المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني ورفع الشعار السياسي المعروف «كل شي من أجل المعركة»، على أنقاض سلطة توليتارية متوجسة بعد هزيمة 5 حزيران -يونيو 7691، والتي كشفت حقيقة هذا المشروع القومي في المواجهة الخارجية مع المتحدي والمحفز، وهو تل أبيب..
الإيديولوجية  الماركسية عالميا وإعادة «إنتاج»  الاستبداد
بدأت الإرهاصات الأولى لبداية النهاية في الفكر الماركسي مباشرة بعد الموت المفاجئ لجوزيف ستالين، حيث تحدث المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي عن الفظائع والأعمال الوحشية التي ارتكبها النظام الشيوعي الستاليني، فقد أقر المؤتمرون بخطورة ما تم ارتكابه، والتي جعلت كل الشعب السوفياتي «يعبُد» شخصا واحدا، بتعبير المؤتمرين، كما ندد بجرائم ستالين وغروره وبمساوئ بوليسه السري وبأخطائه يوم شن الألمان هجومهم على الاتحاد السوفياتى وديكتاتوريته، بعد الحرب العالمية الثانية، في الداخل والخارج. وقد أحدث التقرير ضجة في العالم الشيوعي. ومع أن النص الكامل للتقرير ظل سراً، فإن ملخصه كان في متناول قادة الحزب الشيوعي وبعض قادة بلدان المعسكر الاشتراكي، حتى أصبح السر معلوماً وانتشرت روح التنديد بستالين.
فعلى مدى الخمس والعشرين سنة التي حكم فيها ستالين، كشفت تجارب الناس -مرارا وتكرارا- عن قسوة النظام الشيوعي الذي لا يعرف حدا لجرائم القتل والمذابح والتعذيب. لقد أصبح «المشروع الشيوعي» الخاص بستالين تجربة حقيقية لاستبداد الظلم بالناس، فقد عانت الملايين من المجاعة والبؤس وأجبر القرويون على العمل الإلزامي وتعرض الناس لقمع شديد... وفي غضون ذلك، حرم القانون كل أشكال الممارسات الدينية وشرع ستالين في مصادرة حقول القرويين، الذي شكلوا 08% من إجمالي السكان الروس. وكجزء من سياسة التأميم، جمع الضباط كل محاصيل القرويين وجوّعوا ملايين النساء والأطفال، والمسنين. وفي كازاخستان وحدها، مات 02% من السكان جوعا، وفي القوقاز، وصلت أعداد الموتى إلى أكثر من مليون شخص واعتقل آلاف الأشخاص الذين حاولوا أن يقاوموا هذه السياسات في معسكرات العمل الإلزامي في سيبيريا،. ونتيجة العمل الإلزامي الشاق في تلك المعسكرات، لم ينج غالبية المعتقلين من الموت. كما أعدم آلاف الأشخاص على يد الشرطة السرية التابعة لستالين. وأصبح التهجير جزءا من سياسة ستالين، فقد رُحِّل ملايين الأشخاص من أوطانهم واتجهوا إلى أماكن نائية في روسيا.  وكان ستالين مسؤولا عن مقتل عشرين مليون شخص على الأقل في كل أنحاء روسيا. وطبقا لما يرويه المؤرخون، فقد كان ستالين يتلذذ بممارسة مثل هذه الأعمال الوحشية وكان يستمتع كثيرا في مكتبه في الكرملين، وهو يراجع التقارير الواردة من معسكرات العمل الإلزامي عن أعداد الموتى.
ولم يكن الإرهاب في عهد ستالين موجها لمعارضي النظام أو المفكرين فحسب، ففي ظل هجمات المقاتلين الشيوعيين، كان الجميع مهددين وكانت الجماهير تُعتقَل دون تمييز في «الغولاغ» (Gulag) وهي شبكة من معسكرات العمل الإلزامي، تم فيها إعدام الكثيرين. ومن خلال الإرهاب، تحققت لستالين السيطرة المطلقة على الجماهير. ولم تُخلّف 52 سنة من الحكم الديكتاتوري سوى جماهير معدمة...
إن الصمت الذي كان سائداً حيال الحقائق الجارية، فضلاً على الدعاية السياسية التي لا تهدأ، يساعدان على تفسير غياب المعارضة بين جماهير المدن لأعمال ستالين الوحشية في الأرياف. لقد كانت هناك ثمة شكوك لدى زعماء الحزب ولكن ستالين ما برح يحكم قبضته على الأمور.
تمت سلسلة كبيرة من عمليات التطهير والمحــــــــاكمة بين عامي 4391 -8391 وراح العالم ينظر، مذهولاً، إلى البلاشفة السابقين وهم يعترفون أمام المحاكم بجرائم غير معقولة، ثم يطلق عليهم النار أو يختفون في السجون ومعسكرات الأشغال الشاقة التابعة للشرطة السرية،. ولم تكن محاكمات الأشخاص المعروفين إلا غيضاً من فيض، فقد اختفى مئات الألوف من الموظفين المدنيين ومسؤولي الحزب وأزيح نصف ضباط الجيش وأُعدِم تسعة أعشار قادته، وفي عام 9391، كان أكثر من نصف المندوبين الذين حضروا مؤتمر الحزب لعام 4391 قد اعتُقِلوا.. لتنطلق مجموعة من المراجعات الفكرية التي خضعت لها الإيديولوجيا الماركسية، وكذا مجموعة من الانتقادات الحادة لوهم التحرر الذي وعدت به شعاراتها، ومنها أطروحة الفيلسوف النمساوي كارل بوبّر في كتابه «االمجتمع المفتوح وأعداؤه»، حيث يبيِّن أن ثمة قاسماً مشتركاً أساسياً بين الإيديولوجيات التوتاليتارية، من نحو الشيوعية والنازية: إنها تطرح نفسها كمحتكرة لمِلكية الحقيقة المطلقة. فلما كانت الحقيقة المطلقة أبعد من متناول البشرية، فإن هذه الإيديولوجيات تلجأ بالضرورة إلى الاستبداد لكي تفرض رؤيتها الخاصة للمجتمع المثالي. لقد عرَّف بوبّر، أمام هذه الإيديولوجيات التوتاليتارية، برؤية أخرى للمجتمع، رؤية ليست الحقيقة وفقاً لها حكراً على أحد، إذ تختلف الآراء والمصالح باختلاف الأفراد، الأمر الذي يُحتِّم ضرورة وجود مؤسسات تمكِّن هؤلاء الأفراد من أن يتعايشوا بسلام. إن من شأن هذه المؤسسات أن تصون حقوق المواطنين وتضمن حرية الاختيار وإبداء الرأي.
نهاية الايديولوجية الماركسية وبداية الأحادية القطبية
في 52 دجنبر ،1991، حينما كان العالم الغربي منشغلا بالاحتفالات بـ«أعياد الميلاد»، ظهر الرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف، فجأة، على شاشات التلفزيون وقد لاحت على قسمات وجهه أمارات الحزن وتلا، بصوت تشوبه البحة، على أمم الاتحاد السوفياتي كلمة كانت بمثابة قرار حكم بالموت على الاتحاد السوفياتي، القرار الذي نجمت عنه تداعيات ألحقت الكوارث، ليس بروسيا والجمهوريات الملحقة بها فقط، بل بالعالم ككل. أعلن غورباتشوف أنه يرحل بطواعية عن منصبه كرئيس لثاني أعظم دولة في العالم حينها، كان اسمها الاتحاد السوفياتي، ليعطي الضوء الأخضر لشطبها من على خارطة العالم وعلنا النهاية الفعلية للإيديولوجيا الماركسية. وقد سبق ذلك الحدث اجتماع زعماء روسيا وبيلا روسيا وأوكرانيا، ليعلنوا حل الاتحاد السوفياتي، وفي الليلة ذاتها، ودون مراسيم أو ضجة، وتحت جنح الظلام، تم، بسرعة، إنزال علم الاتحاد السوفياتي من على قصر الكرملين: رمز السلطة في روسيا، ليرتفع مكانه علم الدولة الجديدة التي ستسمى روسيا الاتحادية. في تلك الليلة البعيدة، لم يدافع أحد عن الإمبراطورية «عرّابة» الإيديولوجيا الماركسية، وخرجت الجماهير المقموعة مؤيدة انهيار الدولة العظمى. ما نريد بلوغه مع القارئ من خلال هذا الجرد للكيفية التي انتهت بها الإيديولوجيا الماركسية، عربيا وعالميا، هو أن الإيديولوجيات تموت، فيما الثورات ينسُخ بعضها بعضا...
لقد كان لسقوط الاتحاد السوفيتي وانهيار النظام الاشتراكي -كنظام اقتصادي واجتماعي تتخذه كثير من الدول كمذهب اقتصادي لها- الدور الأكبر في ظهور النظام الرأسمالي كمذهب اقتصادي واجتماعي وحيد يتربع على عرش العالم. إن أبرز الأساسيات التي يقوم عليها هذا النظام هي تحقيق الحد الأقصى من الربح في ظل المنافسة التامة، بغضّ النظر عن الوسائل المستخدَمة لتحقيق ذلك، كان لها الدور الأكبر في تقسيم دول العالم إلى قسمين دول غنية -دول الشمال- تمتلك كل المقومات الاقتصادية وتهيمن على اقتصاد العالم من خلال الأدوات المالية العالمية التي هي رهينة بيدها، كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وكذلك من خلال الشركات الكبرى متعددة الجنسيات، والتي أغلب مقراتها ومراكزها في هذه الدول، ولكنها تستنزف خيرات الدول النامية من خلال فروعها المنتشرة هناك، والقسم الآخر هو دول فقيرة معدمة لا تملك شيئا، رغم امتلاكها الثروات الهائلة والموارد الأولية الضخمة والتي تفتقد القرار السيادي المستقل للتحكم فيها والاستفادة من عوائدها.
فبغض النظر عن مساوئ هذا العالم الجديد، فإنن المستفاد هو أن تلك الليلة أعادت إلى الذهن البشري حقائق بسيطة وساطعة يجري تناسيها من حقبة إلى أخرى، مفادها أن العدالة الاجتماعية لا يمكن أن تقام إلا في مملكة الحرية واحترام الإنسان وكرامته. ومن العبث وقف حركة الوعي الاجتماعي وبلوغ المشارف الجديدة للحياة والفكر والبحث عن الأفضل، بوسائل العنف والقمع. ومن المستحيل رسم صورة جاهزة للعالم وبناء حياة المجتمع وفقا لها ورفض كل ما يخرج عن إطارها. وكما سيردد أحد العظماء نقلا عن غوته: «الحياة خضراء، أما النظرية فرمادية»...
 
 
ثورات عربية بدون إيديولوجيات
من «ثورة الأرز» في لبنان، إلى «ثورة الفل» في مصر، مروراً بـ«الثورة الخضراء» في إيران و«ثورة الياسمين» في تونس، فالعالم يحبس أنفاسه، منتظراً ما ستسفر عنه هذه الثورات الشعبية، التي تطالب بالديمقراطية والحرية.
لقد حفزت تونس، تلك الدولة الصغيرة نسبياً والمستقرة المطلة على الساحل الجنوبي للبحر المتوسط، الموجة الحالية من الاحتجاجات المناهضة للحكومات في منطقة الشرق الأوسط. الرئيس المخلوع، زين العابدين بن عابدين، ظل يحكم تونس طيلة 32 عاماً، وكان ينظر إليها بوصفها دولة بوليسية «راسخة»...
وبعد أن أشعل بائع فاكهة يدعى محمد البوعزيزي (62 عاماً) النار في نفسه، احتجاجاً على قيام الشرطة بمصادرة عربة الفاكهة التي كان يبيع بواسطتها في الشارع لتوفير لقمة عيشه، أيقظ هذا التصرف الرمزي غضباً مكبوتاً لدى سكان البلاد في ما بات يعرف لاحقاً بين التونسيين بـ«ثورة الياسمين».
وقام زين العابدين بن علي بزيارة البوعزيزي في المستشفى وعاش خريج الكلية لمدة ثلاثة أسابيع، قبل أن يقضي متأثراً بالحروق التي أصيب بها في الرابع من يناير، غير أن هذه الزيارة لم تتمكن من تهدئة الغضب في البلاد بعد عقود من الفساد وتدني مستويات المعيشة والقمع، وبعد أسابيع من الاحتجاجات، التي أسفرت عن مقتل ما يزيد على 001 شخص. وفقاً للأمم المتحدة، فرّ زين العابدين بن علي من البلاد في الـ 41 من يناير.
لقد استطاعت الثورة التونسية العظيمة أن تتعدى كل الحدود والحواجز وأن تصل إلى عمق القلوب وتخلف لها صدى في كل  أصقاع الدنيا وقد تحققت بَصمتُها الأولى بعد التخلص من الديكتاتور بن علي. تفجرت شرارتها في مصر العظيمة وتم إسقاط «الفرعون» مبارك وتخلص جزء من الشعب العربي، بقيادة  تونس ومصر، من نظامين مستبدين في المنطقة العربية جلبت للأمة العار والدمار وتبنّت العمالة  للإدارة الأمريكية وخدمت البيت الأبيض  ثلاثة عقود متوالية على حساب الأمة العربية. إن التطورات العاصفة في تونس ومصر وليبيا هي ناقوس خطر للنظام السياسي العربي القائم في أكثر من دولة من دول المنطقة، النظام الذي يجعل من الاستئثار بالحكم ورفض مشاركة مكونات المجتمع أسلوبا مستديما له، وبرهنت من جديد على أن الكثير من الأنظمة هي في حاجة إلى مراجعة النفس، لبناء دولة عصرية تقوم على المؤسسات وتراعي مصالح كافة شرائح ومكونات المجتمع وتكف عن الاستئثار بالسلطة، من دون أسس قانونية وشرعية. ولم تكن الأحداث في تونس منقطعة عن الأحداث والتطورات في الشرق الأوسط، عموما، فمثَّلت هذه الميولَ تيارات تحت سطح مياه الحياة السياسية والاجتماعية، فهناك قلاقل وأعمال عنف وصمت مشحون بالاستياء والاحتجاج وقابل للتفجُّر، أيضا.
لقد أكدت التجربة التونسية أن الدولة البوليسية، ومهما كانت الأهداف التي تبرر بها وجودها ومنهجها القمعي، ليست الوسيلة الناجعة لإدارة الأمور وبناء المجتمع المدني وخلق الأجواء للتطوير المستديم وإشاعة الديمقراطية... إن وسائل المنع وملاحقة الرأي الآخر وتجاهل ميول وأمزجة المجتمع والتيارات والنزعات التي تنمو داخله وتطلعاته نحو حياة كريمة أفضل، والنظر إليه كخصم متربص بالدولة، «أسلوب» لم يعد مقبولا في عصر العولمة والانفتاح الدولي والتعددية. وهذا ما برهنت عليه نهاية حكم الرئيس التونسي ومن قبله النظام الدكتاتوري في العراق. لقد سقط «صنم» جديد، فهل ثمة صنم تال؟...
لقد تعامل النظام التونسي بقسوة وبشدة مع كافة التيارات التي لم تنضو تحت خيمته! وعادة ما تخلق هذه الأنظمة بطانات وجماعات موالية تستأثر بخيرات الدولة ومواردها وتبسط سيطرتها على مرافق الحياة، فتنشأ حالة الاغتراب بين الدولة والمجتمع  وتدخل الدولة في الباب الضيق وتجعل تجنب التفجر فقط بإحداث تغييرات جوهرية في النظام السياسي. إن هزيمة النظام التونسي جاءت بسبب تجاهله إصلاح المؤسسات الفاسدة وإنعاش النظام السياسي الراكد...
 

28 - فبراير - 2011
أحاديث الوطن والزمن المتحول
... زنقـه زنقــه ..    كن أول من يقيّم

      شبر شبر   ، بيت بيت
                                  دار دار..
                                                     زنقة زنقة ..
 
 
                            
 
 
 
 
 
 
 

1 - مارس - 2011
تحية بنغازي
في ثكنة العزيزية ..    كن أول من يقيّم

  الإهداء: إلى الأصدقاء الليبيين، وقد حان فجر الحرية والديمقراطية.
كانت تلك الأيام في طرابلس شديدة الكآبة، قتلنا فيها الفراغ، فما كان ثمة من عمل نقوم به، أو شيء يُسَلِّينَا ويُرَفِّهُ عن أنفسنا ذلك الفراغ الكبير الذي تحول إلى حالة من السأم. كرهنا وجودنا في هذه المدينة، أو بالأحرى، في الفندق الذي نقيم فيه. نخرج إلى الشرفة فننظر إلى الشاطئ المسيج بالأسيجة، وحيث لا يمكننا أن نقترب من الماء أو أن نسير على الرمل. نرى البحر من وراء تلك الأسيجة، ثم نعود إلى جلساتنا الطويلة في الردهة. فيما بيننا، لم يعد ثمة من شيء يقال. خالد، المعروف ب "التقشاب" على عادة المراكشيين يبدو وهو ساهم يدخن بعصبية وينظر مثلنا إلى الفراغ. داعبه محمد وقال له:
_ تقاضاو لك!
رد بحسرة:
_ تقاضاو لي.
قال لهما إدريس:
_ أيام طويلة.
رد عليه سعيد:
_ كأننا في هذا الفندق في معتقل.
بقيت أربعة أيام على عودتنا إلى المغرب. أربعة أيام بدت لنا كشهور أو سنوات، فقد كنا نَعُدُّ الدقائق والثواني. ننظر إلى الساعات التي في أيدينا طوال الوقت. فقدنا شهية الكلام كما فقدنا شهية الطعام وتحولنا إلى كائنات غريبة، يقتلها السأم. نصمت لأوقات طويلة ثم عندما نتكلم نتبادل بعض الحوارات التي نشعر بسخافتها، وكأننا نريد أن نتكلم لنتأكد من أننا لم نصبح خرسانا بعد. سأل عبد الهادي:
_ أين هي زبيدة؟
رد عليه سعيد:
_ في غرفتها. لا تبرحها طوال النهار. لم نعد نراها إلا حين تذهب معنا إلى قاعة الندوات.
ثم سأل:
_ وأين هو مبارك؟
رد عليه أحمد:
_ إنه في شرفة الفندق المطلة على البحر.
ضحك رشيد وسأل:
_ وأين نحن؟
رد عليه سعيد:
_ في جزيرة الواق واق، التي يحكمها حاكم أعمى، لا يري شيئا غير النياشين التي على صدره، والحراس الذين يحرسونه.
قال أحمد وهو يضع يده على فمه:
_ سسسس. الحيطان لها آذان.
لم يكن لنا من شيء نفعله طوال النهار سوى الجلوس في ردهة الفندق وشرب الشاي والقهوة والنظر إلى الفراغ. كان بعض أصدقائنا الليبيين يأتون لمجالستنا. نتبادل القبل و التحايا. ننظر إلى وجوههم المثقلة بالأسى المتراكم عبر السنين. أحداقهم زرقاء ونظراتهم زائغة توحي بعصبية المزاج. يدخنون بشراهة ويظلون كالخرسان يبحلقون مثلنا في فراغ ردهة الفندق. يقدمون لنا السجائر. لا يسألون سؤالا عن شيء ولا يخبرون بشيء. نصبح نحن وإياهم ككائنات غريبة يجمع بينها كل شيء ويُفَرِّقُ بينها كل شيء. نسألهم عن أصدقائنا الليبيين الآخرين فيردون باقتضاب شديد وهم يقولون:
_ بخير.
بمرارة يقول أحدهم:
_ كل شيء بخير في هذا البلد.
ما كان في مثل هذه الحالة أن نطرح قضية للنقاش نصخب حولها بتعدد الآراء والحماس الزائد عن اللزوم أحيانا. أصبحنا مثلهم، مكممي الأفواه.
أحيانا كان يأتي إلى مجلسنا شبان ليبيون يقدمون أنفسهم كصحفيين، يلتقطون لنا بعض الصور، ويسألوننا بعض الأسئلة الحرجة، عن رؤيتنا للنظام الملكي في المغرب وموقفنا منه. يتكفل رشيد بالجواب. يسألون عن علاقة المغرب مع الجزائر وموقفنا من البوليزاريو. يتكفل عبد الهادي بالجواب. يخبرهم رضوان بأننا أدباء ولسنا رجال سياسة، وأننا من خلال كتاباتنا الإبداعية نمارس نقد الذات ونقد المجتمع ونقد الأحزاب ونقد السلطة، داخل ما يحمله المبدع كمثقف، من رؤى وأفكار، هي التي يتم تصويغها عبر الكتابة الأدبية، وداخل وظائفها الجمالية. يعترض أحدهم بأننا نحتمي بغموض الأدب، وما نسميه جمالية للإبداع، حتى لا نصرح بوضوح بأفكارنا. يرد عليه إدريس بأن الأدب لا يستوعب الشعارات، لأنه يقوم على التشخيص والتخييل، ثم يتوجه إلى الأدباء الليبيين ليسألهم:
_ أليس الأمر كذلك؟
تغيم نظراتهم ولا يوافق أو يعترض أحد منهم. نتفهم صمتهم وما يختلج في عيونهم من خشية من عواقب أي كلام يصدر عنهم. يسأل أحد أولائك الشبان عن الأديبة زبيدة لكي يطرحوا عليها بعض الأسئلة. نخبره بأنها في غرفتها. يذهب إلى ردهة الاستقبال في الفندق ويتصل بها بالهاتف. يأتي ليخبرنا بأنها تعاني من صداع في الرأس، ولا تحب الرد على أي سؤال. قبل أن يذهب أولائك الشباب يُخرج أحدهم من حقيبة مدلاة على كتفه نسخا من "الكتاب الأخضر" ويقدمها لنا. يطلب منا أن نقرأه في ذلك اليوم ليعود في الغد ويحاورنا حول رأينا في أفكاره وطروحاته. يسأله رشيد عن الكتب التي أتينا بها معها لنهديها لأصدقائنا الأدباء الليبيين ثم حجزوها منا في المطار. رموا بها داخل سياج كبير علوه ثلاثة أمتار، وهو مخصص للكتب المجزوزة، وقالوا لنا سوف يعيدونها إلينا في الفندق. ارتبك ذلك الشاب ثم قال:
_ سيعيدونها.
سأله عبد الهادي:
_ وكيف سوف يعرفون كتبنا من كتب أخرى محجوزة؟
قال:
_ هذه ليست مشكلة.
سأله خالد بلهجته المراكشية:
_ كيف حال الأخ العقيد معمر القذافي؟
ارتعب الشاب وحاول أن يسيطر على انفعالاته الناتجة عن صدمة السؤال، ثم قال:
_ هو بخير. بخير دائما. هو قائد الثورة. ليس ملكا ولا رئيس دولة. هو قائد الثورة. إلى الأبد.
ضحك رشيد وقال:
_ إلى الأبد؟
تململ أصدقاؤنا الكتاب الليبيون في جلستهم وغامت أعينهم بما يوحي بتراكم طبقات من الحزن عبر سنوات طويلة. أقبلوا على السجائر يطردون بتدخينها قلق اللحظة، ثم غادروا قبل أن يغادر أولائك الشبان إلى حال سبيلهم. بقيت نسخ "الكتاب الأخضر" على المائدة.
كنا تسعة عشر كاتبا وكاتبة واحدة هي زبيدة، جئنا إلى "الجماهيرية الليبية العظمى" لنقدم لليبيين صورة عن المشهد الأدبي في المغرب، بتاريخه وتنويعاته وتحولاته، ولقد توزعت المداخلات على عدة أيام، في كل يوم، عند الخامسة والنصف مساء، تأتي سيارة إلى باب الفندق لتأخذنا إلى قاعة الندوات. في كل يوم يتدخل ثلاثة منا. يصفون المشهد الشعري والقصصي والروائي وتحولات النقد الأدبي في المغرب. في حلول الساعة الخامسة ونصف علينا أن نكون عند باب الفندق فتأتي سيارة لتأخذنا إلى قاعة المحاضرات. نمر وسط شباب الثورة الذين يقيمون صفا على اليمين وآخر على الشمال. يأخذوننا إلى المنصة. نجلس وننظر إلى جمهور من كهول وشيوخ يجلس بوقار شديد في انتظار الإصغاء إلينا. مهابة القاعة وحراسها الواقفون على الجنبات لا تسمح لنا بإلقاء أفكار حرة وطرح أسئلة وتأمل قضايا، فالمحفل الرسمي لا يسمح لنا إلا بإلقاء كلمات باردة، في عشر دقائق، ولا أحد يعلق على ما نقول أو يناقش أو يدخل معنا في حوار. نعرف أننا نحضر أمام جمهور متقي، مدعو بدعوات، ولسنا أمام قاعة ثقافية تفتح أبوابها لكل الحضور ومن كافة التيارات الثقافية، من الطلبة والمثقفين والمهتمين. تموت الأفكار. ما نخرج من تلك القاعة، وكأننا قد أدينا واجبا ثقيلا، حتى يأخذوننا للفندق.
في الفندق، نتفرج على التلفزيون الليبي الذي تظهر على شاشته مقدمات للأخبار وهن متشحات الوجوه بثوب أسود لا يكشف عن سحناتهن. يقدمن نشاطات اللجان الشعبية ومنجزات الثورة ومن بينها "النهر العظيم"، وفقرات من "الكتاب الأخضر"، وصور للعقيد معمر القذافي وهو في خيمته يلقي خطابا يستغرق أربع أو خمس ساعات. نرى ونسمع الكثير من خطب العقيد معمر القذافي حاكم البلاد بعد ثورة الفاتح من سبتمبر 1969، وهو يشتم الامبريالية العالمية، وأمريكا وحلفاءها. يُبَشِّرُ بثورة عربية من المحيط إلى الخليج. يشتم الرؤساء والملوك العرب ويصفهم بالعملاء لأمريكا. يتحدث لساعات طويلة حديثا محموما وهو يُجَذِّف. يهتف رافعا يده المضمومة الأصابع:
_ ثورة.
يهتف من ورائه شباب من مرافقيه:
_ ثورة. ثورة. ثورة.
يقول:
_ ثورة حتى النصر.
يردد الشباب:
_ ثورة حتى النصر.
هذا هو التلفزيون الليبي، ما تفتحه حتى تشاهد تلك المذيعة المتشحة الوجه بالسواد وهي تتحدث عن ثورة الفاتح من سبتمبر، وعن القائد العظيم.
نحن لا ناقة لنا ولا جمل. نساند في بلدنا التعددية الحزبية والمسار الديمقراطي، رغم بعض العثرات. لكننا هنا في طرابلس، عشنا أياما متشابهة. ما يحدث اليوم يحدث غدا. نستيقظ في الصباح ثم نستحم وننزل إلى قاعة الفطور لتناول كوب من ذلك الحليب المالح الذي سألنا عن ملوحته فقيل لنا إنه مزود بنسبة إضافية من الكالسيوم والماغنيسيوم لتقوية أجساد الليبيين، وبيضتين مسلوقتين، نزهد فيهما غالبا، وخبزا وزبدة ومربى، وعصيرا من خوخ مستورد من الصين. بعد الإفطار نذهب إلى ردهة الفندق. نجلس في الفراغ ندخن السجائر ونشرب القهوة، في انتظار موعد الغذاء. نتغذى من سباغيتي وشرائح لحم مسلوقة دون شهية، ثم نصعد إلى غرفنا. نختفي فيها لبعض الوقت لنمارس عزلتنا، ثم ننزل تباعا إلى ردهة الفندق، لندخن السجائر ونشرب القهوة، في انتظار موعد الخامسة ونصف، حيث سوف تأتي السيارة لتقلنا إلى قاعة الندوات.
في وسط النهار، كان بعضنا، ممن لا يحبون القيلولة، ويريدون فسحة لملء الفراغ، يخرجون من الفندق ليمتطوا سيارات أجرة إلى "سوق الجمعة" فيشترون منه بعض الهدايا لأولادهم. يعودون ليحدثونا عن مدينة فراغ، شوارع فسيحة تعبرها السيارات، ولا واجهات للمتاجر ولا مقاه. رجال الشرطة الذين يُسَيِّرُون حركة السير شديدو العصبية، يشتمون السائقين بشتائم مخجلة، أما "الساحة الخضراء" فهي ليست خضراء بأعشاب مخضرة، وإنما هي إسفلت مطلي باللون الأخضر. كل شيء يتركز في الأسواق، التي هي بنايات كبيرة، تعرض حاجيات المواطنين، يقوم عليها ليبيون كسالى، تسألهم عن ثمن هذا الشيء فلا يردون، وتسألهم عن نوعية هذا الشيء فلا يرد عليك أحد منهم. قيل لنا إنهم يتقاضون أجورهم الشهرية، ولا تهمهم خدمة الزبناء.
في صباح البارحة، على العاشرة صباحا، وقعت حالة استنفار في الفندق، فقد جاء العديد من شبان اللجان الشعبية يبحثون عنا واحدا واحدا، ويقومون بتجميعنا في ردهة الفندق. عندما تأكدوا من أننا جميعا نوجد في الردهة، أخذونا إلى سيارة كبيرة سارت بنا إلى ثكنة "العزيزية". ككل ما يحدث عند دخول المواطنين العزل إلى الثكنات العسكرية، جعلونا نمشي واحدا بعد الآخر، في صف طويل حتى قادونا إلى مدخل لأحد الأدراج رأينا به العديد من الهدايا الملفوفة في ورق ملون، بعضها بأحجام كبيرة والآخر بأحجام متوسطة أو صغيرة. ساقونا لكي نصعد الأدراج. وصلنا إلى قاعة صغيرة بها مائدة والعديد من الكراسي. أجلسونا. أخذوا لكل واحد منا العديد من الصور. قالوا لنا:
_ انتظروا. سوف يأتي الرائد الخويلدي الحميدي ليتحدث معكم.
تهامسنا فيما بيننا. نظرنا إلى الكرسي الفخم الفارغ وما أمامه على المائدة من علبة للأوراق وكأس كبيرة بها العديد من أقلام الرصاص. فُتِحَ باب دخل منه الرائد الخويلدي بزيه العسكري. طلبوا منا الوقوف فوقفنا. أمرنا:
_جلوس.
جلسنا. قدم خطبة طويلة يدين فيها الدور التافه للكتاب والمثقفين العرب، جميعهم، وبرمتهم، كلهم، وأنهم عندما يخذلون ثورة الشعب العربي من المحيط إلى الخليج لا يخذلون سوى أنفسهم، وعليهم ألا يكونوا انتهازيين،حينما تنتصر الثورة العربية الشاملة، من المحيط إلى الخليج، ليطمعوا في الكراسي. أخذ حزمة من الأوراق البيضاء فمزقها ورمى بها على وجوهنا، ثم أمسك بالعديد من أقلام الرصاص فكسرها ورمى بها في وجوهنا. بهتنا. قال له خالد:
_ نحن ضيوفكم أيها الرائد.
احتدت لهجته وقال:
_ ضيوف بلد الثورة يجب أن يكونوا ثوارا. كفانا من العملاء، والانتهازيين، والسلبيين الذين لا يفعلون شيئا لصالح الثورة.كفانا ممن يسمون أنفسهم مثقفين وهم يتواطأون مع الرجعية، والأمبريالية العالمية. أنتم جهلاء. لم تقرأوا الكتاب الأخضر. أنتم تافهون. تكتبون كلاما غامضا تضحكون به ذقون شعبكم.
أخذ حزمة أخرى من الأوراق البيضاء فمزقها ورمانا بها، ثم أمسك بحزمة أقلام الرصاص فكسرها ورمانا بها. احتدت لهجته فأخذ يُبَرْبِر، لدرجة أننا لم نعد نستطيع أن نفهم ما يقول. في بَرْبَرَتِهِ، أخذ من حين لآخر يأخذ حزمة أوراق قام يمزقها ويرمينا بها، ثم يمسك بأقلام الرصاص فيكسرها ويرمينا بها. أحسسنا بالإهانة. طلب عبد الهادي الكلمة فلم يعره الرائد الخويلدي الحميدي أي اهتمام، واستمر في بَرْبَرَتِه، إلى أن استنفذ كل قواه في شتم الكتاب والمثقفين العرب. ساعتها أعطانا الكلمة. ما الذي سوف نقول؟ انبرت الأديبة زبيدة ترفع إصبعها وتطلب الكلمة. قال لها:
_ تكلمي. أنا أحب أن أسمع رأي امرأة عربية في الثورة العربية.
قالت بهدوء:
_ الأخ الرائد. أنت أهنتنا ونحن في ضيافتك. أنت لم تحاورنا وإنما شتمتنا، ونحن لا نقبل شتائمك. أحب أن أقول لك بأن المثقفين والكتاب العرب هم ليسوا في موقع الحكام العرب، الذين يغتالون معارضيهم، أو يزجون بهم في المنافي والسجون. والمثقفون والكتاب العرب، يؤمنون بالحرية والديمقراطية ويرفضون كل سلطة فاشية، حتى وإن كانت تحمل شعارات ثورية زائفة.
صرخ في وجوهنا:
_ نحن لسنا مزيفين. نحن حقيقة ثورية على الأرض. نحن ثورة شعبية يتزعمها الأخ معمر. ثورة. ثورة. ثورة.
وقف وهو يهتف:
_ثورة. ثورة. ثورة.
طلب منا الحراس أن نقف. وقفنا. خرج من نفس الباب الذي كان قد دخل منه وهو يردد:
_ ثورة. ثورة. ثورة.
أخذونا من تلك القاعة لننزل الأدراج. وصلنا إلى ذلك المدخل الذي تراكمت عليه علب الهدايا. أصعدونا إلى نفس السيارة التي جاءت بنا، فأخذت طريقها نحو الفندق.
تبعثرنا. كان كل واحد منا يَشُدُّ على رأسه من شدة الإهانات التي تلقناها في ثكنة "العزيزية". انتظرنا أن تنتهي هذه المهزلة لنعود إلى بلدنا. أخذونا إلى المطار. عندما نزلت الطائرة الليبية في مطار الدار البيضاء، تنفسنا الكثير من الهواء، بعد أن قضينا سبعة أيام في ليبيا، اختنق فيها الهواء. أخذ صديقنا المراكشي خالد يُخْرِجُ ابتسامته من عينيه، وعاد إلى "التقشاب" على الرائد وهو يصفه بالديكتاتور العربي الصغير. من بين ما قال إن الثورة في حاجة إلى ثور. أما الديكتاتور العربي الكبير، فقد خصه بكثير من التنكيت والتبكيت.


10/3/2011
محمد عز الدين التازي
 
عن العلم الثقافي .

17 - مارس - 2011
تحية بنغازي
تعزية وإخبار..    كن أول من يقيّم

عظم الله أجركم الأستاذ زهير وألهمكم وذوي الفقيد الصبر والسلوان .
 
*وإنا لله وإنا إليه راجعون *
 
*و أتمنى أن يسعدك هذا الخبر :
 

ترحيب في موريتانيا بالإفراج عن ولد الدين

أعربت أحزاب سياسية موريتانية وهيئات نقابية عن ترحيبها بالإفراج عن الصحفي أحمد فال ولد الدين، الذي تم بواسطة من الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز.

وقال بيان لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم إنه يثمن الجهود التي بذلها ولد عبد العزيز للإفراج عن الصحفي بقناة الجزيرة أحمد فال ولد الدين، معربا عن سعادته للإفراج عن هذا الأخير.

13 - أبريل - 2011
أنعى إليكم أعز أصدقائي (مات نذير)
 83  84  85  86  87