البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات ضياء العلي

 81  82  83  84  85 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
الفتنة الخالدة    كن أول من يقيّم

كل التحية لك مجدداً أستاذ إدريس :
أحاول تتبع وجهة نظرك ولا رأي لي محدد ونهائي حول ماتقوله . أحاول السير معك في وجهة نظرك هذه وأنا أشكرك جزيل الشكر لنشرك فقرات مهمة من بحثك في زاوية وسائل الإعلام الإلكترونية . لم أتمكن من قراءة النصوص قراءة وافية للحكم عليها خصوصاً وأنها تعج بالمصطلحات المتخصصة الغير مألوفة على سمعي : أحاول ، على الخصوص ، فهم مسألة " التراص والترصيص " التي تكلمت عنها ، مما يحيلني إلى قراءت أخرى لا أزال بصددها .
محاولة تحديد مفاهيم الفن والإبداع والاختلاف بين اللغة والثقافة الأبجدية ، واللغة السمعية البصرية ، هو مشروع فلسفي كبير يتعلق بتاريخ الفنون وكيفية قراءتنا له . وأما الجانب المتخصص منه والمتعلق بمجال عملك ، أي كيفية الانتقال من السيناريو إلى التصوير فهو الجزء الذي لا يستطيع الكلام فيه إلا من امتلك الخبرة الوافية التي تؤهله لذلك .
حبذا هناك بعض الجوانب المتعلقة باستقلالية الفن ، وتحديداً ، علاقته بالفترة التاريخية التي ينتسب إليها ، يمكن لنا الحديث فيها . لقد أثرت في حديثك فترة الإزدهار التي تمتعت بها السينما المصرية في مرحلة زمنية تتطابق من جهة ، كما أعرف ، مع التطور العام للسينما العالمية ، وتترافق ، من جهة أخرى ، مع التغيرات العميقة والهامة التي شهدها المجتمع المصري في هذه الفترة بالذات والتي غيرت بنيته التحتية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ، وكان للسينما بالذات دوراً هاماً وملموساً في هذا المجال .
فهل من الممكن للفن أن ينفصل عن عصره ؟
من المؤكد بأن كل فن هو ابن بيئته وعصره ، لكنه لا يرقى لمستوى الفن لمجرد أنه يعبر عن لحظة تاريخية ، أو وضع اجتماعي أو إنساني خاص ، وإلا لما فرقنا بينه وبين التاريخ ، أو بين الفيلم الوثائقي والفيلم الروائي . بل هو يصبح فناً عندما يتمكن من خلال اللحظة التاريخية التي يعيشها ، والموقف الجزئي الخاص والحميم أحياناً ، من العبور إلى المزاج العام ، واللحظة الخالدة التي تحتوي على بذور الإنسانية الأولى ، الموجودة في باطن كل إنسان ، التي لا تزال موغلة في طفوليتها وبدائيتها ، والتي تعدنا دائماً بالتفتح ، وتغذي لدينا الشعور بالجمال . ذلك الشريك الساحر الفاتن ، الكفيل وحده بزرع الأمل في قلوبنا ، والقادر وحده على تجديد الوعد لنا  بحياة أفضل .
 

18 - أكتوبر - 2008
عصر النهضة الأوروبية : النظرة الجديدة إلى العالم
رحمه الله    كن أول من يقيّم

  رحم الله محموداً ، هذه النفس البريئة وألهم والديه الصبر والسلوان  . نعم هذا رثاء يشع إنسانية من أب مفجوع يحاول التعالي على جراحه ، يجعلنا ندرك هشاشة مصيرنا ووجودنا في هذه الدنيا الفانية ، ولا يدعنا نفقد الأمل في عدالة السماء. عاودتني لدى قراءتي لهذه الكلمات المؤثرة ذكرى من الطفولة البعيدة عن وفاة أحد أقاربي الصغار ، وكان قد عانى من مرض لا أمل في شفائه مدة طويلة : كانت جدتي ( وهو ابن إبنتها ) ، كلما رأته ، تدعو له بالخلاص ، وكنت أخاف كثيراً من كلماتها وأضيق بدعائها ، لأنني في سني الصغيرة آنذاك ، ولأن الصغار لا يفهمون معنى الموت ، لم أكن أستطيع أن أصدق بأنه سوف يموت . وأكثر ما رسخ في مخيلتي من هذه الذكرى المؤلمة ، هو بكاء عمتي المرير وصورتها وهي تضعه في حضنها ، تهدهده وتغني له  بينما هو متلاش بين ذراعيها تحت تأثير الألم والدواء المخدر. وقد ظلت تعاود نواحها هذا ، بمناسبة أو بدون مناسبة ، وكأنه لا يزال في حضنها ، حتى انطفأت كالشمعة رويداً رويداً . وأكثر ما كان يثير شجونها أحياناً ، كان سماع أغنية " متى أشوفك يا غايب عن عيني " التي كانت قد راجت في تلك الفترة ، ولم يكن من الممكن تحاشيها ، فكانت تتخذ منها ذريعة للبكاء من جديد ، وتفريغ ما كانت تشعر به في قلبها من العذاب .
ثـمان سنين هن صباك iiأدنى
لأعـيـن  والديك من iiالسواد
بـدمـع  تـارة وبـغير دمع
يـقـلـك زورقا بحر iiالسهاد
ولـيـس يميزان صداك iiفيها
وطـعم الحب من طعم iiالرقاد

18 - أكتوبر - 2008
أب يرثي ولده ---- مؤثر جداً
أكثر من طريق تقود إلى الله    كن أول من يقيّم

" كنت تسوق الإبل لاحقاً بالظعون وأنت تردد : ياشا ، ياشا ...
من إيلوس إلى كيزيلاي سأمشي أتاتورك بولفاري الغامض مثل صحراء بلا أفق ، مرة على اليمين ، ومرة على اليسار . أمشي مشغوفاً من شدة التعلق بالعالم الذي أمشي فيه ، ومن شدة حب الذوبان في فضائه . أنسى من كُنتُ ، ولا يهمني من سأكون . المهم أن قدميَّ لا زالتا تستطيعان المسير . أبحث عن أسرار لا أعرف عنها شيئاً . أسرار لا بدَّ وُجدتْ ، ههنا ، ذات يوم . وأكاد أريد ألاَّ أعرف . وما جدوي المعرفة في فضاء يتموج الحس
فيه مثلما يفعل البحر عندما يهيج ؟
إرادة الجهل المرغوبة هذه ، والمخطط لها بعناية ، ربما كانت هي وراء ذلك الشغف السامي الذي يدَّعيه المتصوفة الكبار ، والراغبون بالاتحاد بالمجهول . إنتبهوا ، بالمجهول ، وليس بما يعلمونه . فهي كل ما يتبقى للكائن عندما يضيع منه كل شيء ، أو بعد أن يصر على تضييعه . ومع ذلك ، فأنا لا أبحث عن المطلق ، وإنما عن النسبي .
ولكن كيف يمكن التمييز بينهما ؟
يمشي بسرعة ، متوجساً ، ومتأهباً لكي يقف في أي لحظة : الأعمى . وأنا أسير متباطئاً ، وكأني خرجت من غار مظلم ، للتو . هو ينظر إلى الداخل ، وأنا أمتليء بالخارج مثل إسفنجة تمتليء بالماء .
مشكلة العين الناظرة هي الاستدارة ، هي الدورة التي تخطف البصر لكي ترسله إلى الأعماق . وهي عندما تفعل ذلك تجعل قلب الكائن يتفتح مثل زهرة بتأثير الندى . ليستقبل أحاسيس الوجود الجميلة ، وعلى رأسها الحب . وعندما ترافق الموسيقى كل هذا ، نبدأ ، عندها فقط ، بإدراك معنى الشغف الذي سيجعلنا ندور . ندور الأرض بحثاً عنه . عن الحب ، أو عن مصدره الذي اختفى . " ( 16 ـ17 )


من يتّحد به حبّك لحظة،
ففوق رأسه، يقال، عُلِّق الخطر
منصور (الحلاج) أفشى
سر هذا الحب،
فعُلّق بحبل الغيرة عنقه
.
قلب الانسان شمعة مهيأة
للنفاد.
المزق بسبب الانفصال عن الحبيب مهيأ للخياطة
.
يا أنت من يجهل الصبر
والحرقة
الحب حتماً آت، لا يمكن تعلّمه
.


19 - أكتوبر - 2008
الطريق إلى قونية
حكاية أمي     كن أول من يقيّم

" فليبحث كل منا عن حقيقته وكيفية إيصالها إلى العالم "
" عندما كنت صغيراً ، كانت أمي تحكي لي قبل أن أنام ، تصوَّروا ! عن الفتى الذي جاء إلى أمه ، ذات يوم ، حزيناً . وقبل أن تحاول معرفة حزنه ، اشتكى لها : أماه ! صرت أخجل من حياتي ، قال . ولماذا يا بني ؟ سألت الأم المسكينة وحيدها . لأنني على عكس أقراني ، لا أعرف حكاية لأحكيها لهم ، وأكثرهم لا يتوقف عن قص الحكايات المثيرة التي عاشها ، قال .

أتريد أن تكون مثلهم ، لك حكاياتك التي ترويها وتجعل الآخرين يستمعون إليك وأنت تحكي ؟ سألته . بلى ، قال . إخرج من البيت ، سافر ، أمرته .
ولما رأت دهشته من جوابها ، أضافت بحزم : ما دمت مقيماً فلن تكون لك حكاية .
على الفور ، دفعته خارجاً في ظلام الليل البهيم الذي يحيط بالمنازل . أرعبته الظلمة . أراد أن يعود لحضن أمه . لكنها أغلقت الباب في وجهه ، وتجاهلت رجاءه ، وهو على حافة البكاء .
كانت تعرف أنها إما أن تجعل منه كائناً يعرف كيف يحكي ، وله تاريخه الخاص ، أو أنها ستفقده إلى الأبد . ستفقده بسبب البلاهة والإحباط الملازمين للإقامة والركود .
ولو كانت أمه ستقرأ الحكايا سماعاً ، مثل أمي ، لأعادت على مسمع ابنها ، ولو بكلمات أخرى ، قول أبو تمام :
وطول مقام المرء في الحي مخلق = لديباجتيه فاغترب تتجدد
اضطر الفتى أن يبدأ السفر ليلاً .
وفي طريقه الطويل الذي سيمشيه ستعترضه المشاكل وحلولها ، والمصاعب وضرورة تخطيها ، و ، و ... سيروي ، فيما بعد ، لإناس لا يعرفونه ، ما مرَّ به من أهوال ومشقات ، وكيف تغلب عليها وتخطاها .
سيروي ، ويروي ، وهو يلمس شعره الذي ابيضَّ من كثرة ما لاقى على طريقه من أهوال . يحكي لهم ، وهم يستمعون إليه بذهول . ومن آن لآخر يتذكر أمه ، وهو يكاد أن يبكي ، قائلاً بأسف : ولم أجد الوقت حتى أروي لأمي بعض ما عانيت . وكانت أمه قد ماتت منذ أمد طويل ، وهي تبتسم متخيلة نفسها تستمع إلى حكاياته التي ظلَّت تتصورها تدور عن حبه لها . " ( ص 83 ـ 84 )

19 - أكتوبر - 2008
الطريق إلى قونية
موشح زجل    كن أول من يقيّم

سيكون لنا عودة دائمة يا أستاذ أحمد إلى ملفك الجميل هذا الذي نتابعه بشغف ، وهي استراحة لنا لا بد منها لحفظ التوازن . لقد أعجبني الموال العراقي جداً ( لحزنه ولوعته ) الذي اختاره الأستاذ عمر ، وهو ما ذكرني بما سأنقله لكم اليوم مما يدعى في عرف " الزَّجَّالة " باسم : الموشح ، مع أنه مختلف عنه بنبرته ووزنه ( ولا أدري لماذا ذكرني به ) . وأحب أن أشير أيضاً إلى اختيار الأستاذة خولة الجميل " الأسمر اللون " التي غناها الكثيرون وكان أجملهم ربما محمد خيري وصباح فخري ، وغنتها شادية أيضاً في السبعينات بإداء جديد ومبتكر .
الموشح : ضرب من الشعر يتألف من مطلع ( أو لازمة ) وأدوار ، ولا يلتزم بقافية واحدة إنما يشترط فيه أن تكون قافية الشطر الأخير من الدور مناسبة لقافية المطلع . وأما من حيث الوزن فيتألف الشطر الأول من سبعة مقاطع صوتية ، والشطر الثاني من أربعة :

لـَو ما بـْخـَافْ يـْلاقـِيـكي  = النـَّحـْل بــْنـُوَّارْ
كـِنـْتِ بــْرُوحِ بــْخـَبــِّيـكي = بـْتـِمِّ الأزْهــارْ

جـِيـتـِي بــْسـَاعــِة ما جـِيـتـِي = أْمـَرتـِيـني أمـْرْ
وَلـَّعـْتـِيـنـي وْنـْسـِيـتـِي = بـِجـْرُوحـِي الـْجـَمـْرْ
بـِتـْصـُبـِّي كـِل ما حـْكـِيـتـِي = بـْدِيـْنـَيـِّي الـخـَمـْرْ
وكـِلْ ما عَ الأرضِ مـْشـِيـتـِي = مـْنِ الأرضِ بـْغـَارْ

مـَتـْحـَفْ قـَلـْبـِي ع حـْسـَابـِك = بـَابـُو مـَفـْتـُوحْ
وكـِلْ ما تـْكـَسـَّرْ بـِغـْيـَابـِك = بـِيـزِيـْد جـْرُوحْ
تـْمـَرْجـَلـْتـِي وْصـَحِّ حـْسـَابـِكْ = بـِعـْذابِ الرُّوحْ
وعـَلـَّقـْتـِي لـْكـُلِّ تـْيـَابـِكْ = مـِنْ عـَيـْنـِي زْرارْ

رُوحـِي رِفـِّي حـْوَالـَيـْهـَا = وطـَعـْمـِيـهـَا قـُوتْ
حـَتـَّى تـِشـْبـَعْ عـَيـْنـَيـْهـَا = والجـُوعْ تـْفـوتْ
الـدنـْيـي تـْفـَرَّجـْنـَا عـْلـَيـْهـَا = وبـُكـْرَا مـِنـْمـوتْ
مـُشْ مـُمـْكـِنْ نـِرْجـَعْ لـَيـْهـَا = تـَانـِي مـِشـْوارْ

                                        خليل روكـُزْ

21 - أكتوبر - 2008
الشعر الشعبي.. جماليات مغمورة
قلبي بعيد    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

تكمن عظمة جلال الدين الرومي في قدرته على الإرتقاء بالشعر الديني الإسلامي إلى موقع شمولي لا يختص بإنسان أو فئة معينة من البشر وذلك بجعله من الحب مسكن الروح التائهة وملاذها الوحيد الذي يحميها من التناقضات ويصالح بينها وبين زمنها الأرضي . ومن هذا المنطلق الإنساني العمومي ، يعبر بنا الأستاذ خليل النعيمي " الطريق إلى قونية" بحثاً عن الحب المتأصل والأصيل الذي يبحث عنه ويأمل باللجوء إليه في زمن يعود بنا القهقرى ، ويتأرجح بين الماضي والحاضر ، مفتشاً عن هوية ملتبسة ، وغير واضحة المعالم ، يتلمسها في زوايا الأمكنة وتشابه الوجوه والعلامات ، ولكن ، وعلى الأخص ، في ملامح أبوة وأمومة نأت عنه ولم يعد من السهل عليه الإمساك بها . وهو في كل ما يقوله ، يعبر عن ثقافة عصرنا الذي نعيشه ، بكل ما يحتويه من غربة وتناقضات ، تعبر عنها هذه الخيبة والمعاناة ، التي نشعرها في كل سطر ، وفي كل كلمة يكتبها .

لم أجد كلاماً أبلغ مما قاله فيلسوف وشاعر عرفاني آخر هو حافظ الشيرازي أنهي به هذه الرحلة إلى " موطن الأسرار " :

قلبي بعيد وها إني أرى جسدي
ينأى كريشة عصفور على الأبد
والثالث الروحُ في أعماق غربته
يرنو ليبصر وجه الواحد الأحدِ
إني قتيل هوىً مالي بسطوته
إلا بقيةُ ما يعطي من المدد

21 - أكتوبر - 2008
الطريق إلى قونية
وجهة نظر هيغل في مفهوم الجمال    كن أول من يقيّم

علم الجمال الهيغلي والفن الكلاسيكي

إبراهيم الحيدري

وصلت ألمانيا في بداية القرن التاسع عشر الى قمة ازدهارها في الفلسفة والأدب والفن إذ شهدت ظهور هيغل وغوته وبتهوفن الذين مثلوا عصر ألمانيا الذهبي. وكان جورج وليم فريدرش هيغل (1770 - 1831) أول هؤلاء العظام، الذي مثل في فلسفته قمة الفكر والفلسفة المثالية في ألمانيا. وكان اندلاع الثورة الفرنسية حدثاً أدى الى تغيير وجه أوروبا والعالم وليس وجه فرنسا فقط. وكان لها تأثير كبير في حياة هيغل الشاب وأفكاره وأخذ قلبه ينبض مع أحداث الثورة إذ أخذت رياح الحرية تهب على أوروبا وتغير مجرى التاريخ، وكان يتطلع الى ان تنعكس أفكارها التحررية التي رفعتها الثورة من أجل الحرية والإخاء والمساواة على ألمانيا. وشارك مع غيره في ربيع 1791 بغرس أول شجرة للحرية في ساحة مدينة ينا احتفالاً بهذه الثورة. وقد صرح هيغل بأن مبادئ الثورة الفرنسية التي دعت الى حقوق الإنسان تتفق ونظامه الفلسفي، لأنها مبادئ انطلقت من الفكر وإن هدف هذا الفكر الحر هو تخليص الإنسانية من الخطيئة الأساسية وهي خضوع الفكر للقوى اللا شعورية العمياء.
ان انبهار هيغل بمبادئ الثورة الفرنسية كان إحدى نتائج التناقض بين الحق والحرية الذي قدح فكره. فالحرية عنده هي الهدف الأخير لتاريخ العالم ولا يمكن ان تتحقق إلا بواسطة المعرفة وبأقصى درجات الحرية وبالمقدار اللازم من الالتزام. فالحرية عند هيغل ليست نشوة مخدرة، بل فعل أخلاقي، وعلى الإنسان المعاصر ان يقيم مجتمعاً تكون فيه حرية الفرد شرطاً ملازماً لحرية تطور الجماعة.
غير أن هيغل ارتد عن الثورة الفرنسية حين انتصر نابليون على الجيش البروسي عام 1806 ودخلت الجيوش الفرنسية مدينة ينا في جو من الرعب والعنف والفوضى التي ارتكبها الثوار.
ومذاك حدثت في حياة هيغل العلمية نقلة نوعية دفعته الى الاستقرار فارتفعت قدرته على الإنتاج والإبداع فأنجز كتابه «فينومينولوجيا الروح» ثم كتاب «المنطق»، الذي أثار بسبب غموضه جدلاً فلسفياً حاداً في أروقة الجامعات الألمانية، وهو ما رشحه للفوز بكرسي الأستاذية في الفلسفة في جامعة هايدلبرغ. وفي تلك الفترة أصدر موسوعته في العلوم الفلسفية. وكانت محاضراته في فلسفة الحق وعلم الجمال قد رفعت من شأنه وسمعته العلمية ورشحته للحصول على كرسي الأستاذية في الفلسفة في جامعة برلين التي كانت حينذاك منبراً للفكر الألماني المثالي. ومذاك دخل هيغل عالم الفلسفة الذي لم ينازعه فيه منازع، مثلما دخل غوته عالم الأدب وبتهوفن عالم الموسيقى.
كانت محاضراته في علم الجمال قد فتحت آفاقاً عديدة للفن، فهو يتكلم بإسهاب عن فلسفة الفن وجمالياته، التي تتعدى جمال الطبيعة وما تزخر به من بدائع في الوجود، الى ما يقوم به الإنسان من روائع وإبداعات في نقل الجمال ومجاوزة محاكاته الى الإبداع والابتكار. فهو ينفي قول ان الجمال الطبيعي أفضل من الجمال الفني. ففي مدخل كتابه الى علم الجمال يقول «ان الجمال الفني، بخلاف ما تزعمه النظرة الدارجة، أسمى من الجمال الطبيعي انه نتاج الروح، فما دام الروح أسمى من الطبيعة، فإن سموه ينتقل بالضرورة الى نتاجاته، وبالتالي الى الفن».
والفن عند هيغل أعلى أشكال الجمال، وجمال الفن عنده هو تآلف الروح، وهو اكثر إشراقاً من جمال الطبيعة. وبحسب هيغل فقد مر الفن بمراحل ثلاث هي المرحلة الرمزية التي تتمثل في العمارة والمرحلة الكلاسيكية والتي تتمثل في النحت والمرحلة الرومانسية والتي تتمثل في فنون الرسم والموسيقى والشعر.
عرف هيغل علم الجمال بصفته النظرية الفلسفية للجميل وللفن منبهاً الى انه لا يتوخى تحديد مفاهيم وقواعد فنية، بل يريد التقاط اللحظات الأساسية التي كونت الجميل والفني على مدى التاريخ.
ان علم الجمال عند هيغل هو القادر، اكثر من أي أعمال أخرى، على تعريفنا على الكيفية التي تمتزج بها الأفكار عند هذا الفيلسوف الاستثنائي.
ومن مفاهيم علم الجمال عند هيغل هو «حالة العالم» التي يقصد بها «أسلوب الوجود الروحي» في علاقته بالمثل الأعلى الجمالي. وبمعنى آخر، فإن هذا الموضوع هو ذو طابع ذاتي - موضوعي في وضعية الإنسان في نظام العلاقات الاجتماعية ونظرته الى العالم، وباختصار حول خصائص الواقع الروحي الذي تولدت في جوه الأعمال الفنية.
وقد اعتبر هيغل أن «الوضع البطولي» هو الأكثر ملائمة للإبداع الفني، بمعنى «المثال الحقيقي» الذي يجب أن يكون نوذجاً لأحكامنا عن طبيعة الإبداع الفني، منطلقاً من ان السمة الأساسية للعصر البطولي هي الوحدة العميقة بين الإنسان والعالم، حيث يظهر الفرح في كل مكان، في الاكتشافات الجديدة والطرافة والمتعة والقرب من الإنسان.
والأمر الجوهري في ذلك هو استقلالية الفرد الذي في ظله تتحدد الشخصية البطولية المستقلة، القوية والمتكاملة، التي تتحمل المسؤولية كاملة عن آثار تصرفاتها. وتظهر الجانب الذاتي أي التكامل الداخلي للشخصية، والجانب الموضوعي للوجود الخارجي. على ان لا يفترق الجانبان في الوجود وان يكونا اتفاقاً وارتباطاً متبادلين.
ومع ان هيغل أعطى تعاطفه مع الفن الكلاسيكي الذي نشأ على أساس الحالة البطولية للعالم، غير انه اعتبره مرحلة مرت ولن تعود، وان القرن التاسع عشر حل محل العصر البطولي الى غير رجعة، وجاء عصر جديد هو عصر الحالة الاعتيادية للعالم، الذي يتميز بعلاقات اجتماعية وأخلاقية منظمة ومثبتة في قانون الدولة وتقسيم العمل الاجتماعي. ان هذا التنظيم الجديد للحياة هو طبيعي ومفيد في كثير من النواحي، ولكن ليس من أجل الفن الذي يدخل في تناقض، بل هو غير قابل للتوفيق مع الواقع الحقيقي. فالفن الحديث وصل الى مأزق لأنه صار أسير تناقضات لا يمكن حلها، ولا مفر له إلا في تأكيد المثل الأعلى الجمالي والحرية التي يعتمد عليها في مفهوم الجمال.
*عن الحياة بتاريخ 21 تشرين الأول 2008

23 - أكتوبر - 2008
الجمال ? ما هو ??
لكن ...    كن أول من يقيّم

صباح الخير عليكم جميعاً :
لن أتدخل إلا في تفسير البيتين كما أفهمهما ، وعادة ما أفهم المعاني كما يفهم الأستاذ هشام الأغاني ، أي بالتقاط الكلمة أو الكلمات " الجوهرية " التي تشكل مفتاح الدخول إلى النص والتي لا يمكن استبدالها ، أو حذفها ، وإلا ضاع المعنى . وأظنها هنا كلمة : بدلا .
البدل هو تغيير الشيء بشيء آخر ، وهذا يفترض وجود هذا الآخر ، البديل . والبديل هنا هو الشخص الآخر المخاطب سواء كان ممدوحاً أو امرأة أخرى . ثم بعد أن يعتذر بأنه لا يمتلك السيطرة على قلبه ، وبأنه لم يختر محبوبه وإلا لكان أختار المخاطـَب بديلاً عنه ، يردف هذا بالحرف لكن الذي ينقلنا من حال إلى حال . ولكن هو بالأصل : لا كن ، الذي هو إثبات بعد النفي . إنه ينفي هنا المعنى الأول ويثبت المعنى الثاني ، وهو يستخدم للاستدراك ، ( ما اخترت غيركم ، ولا رضيت سواكم ، ولكن ... ) وللتوكيد ( لكنه راغب فيمن يعذبه ) . باستخدامه لكن ، نفى المعنى الأول ( الرغبة بالبدل ) واستدرك بتوكيد المعنى الثاني ( راغب فيمن يعذبه ) . ثم أن في قوله : وليس يقبل لا لوماً ولا عذلاً تأكيد وإضافة للمعنى على أن اللوم واقع نتيجة لرضاه بالذل والعذاب .

24 - أكتوبر - 2008
لو كان قلبي معي
هذا أكثر من جميل    كن أول من يقيّم

سلمت يداك أستاذنا الرائع . لم أصادف في حياتي من شعرت بأنه يحب الشعر أكثر منك ، ولا أقصد بهذا الأشخاص الذين جمعتني بهم أحياناً صدف الحياة ، وإنما أيضاً الشعراء الذين قرأت عنهم ولهم . ولم أر أحداً في يقظتك وتنبهك لأدق التفاصيل ، وكأن ذاكرتك بيانو تعرف تماماً موقع كل حجر فيه . تعلمنا اليوم درساً في الشعر وفي التاريخ نشكرك عليه . وتعلمنا درساً أيضاً في هذا الإخلاص النادر لما نحبه فلا نبخل في تكريمه وبذل راحتنا من أجله . شكراً لك أستاذنا درس هذا الصباح .

25 - أكتوبر - 2008
تميم بن مقبل
رومانسية    كن أول من يقيّم

عادة ما أُتَّهَمْ بالرومانسية ، لكنكما غلبتماني . المشكلة هي في تخيل مناسبة النص لأننا لا نعرفها . ولو تخيلنا بأن الشاعر يتوجه بالبيتين إلى ممدوح ما ، أو إلى امرأة أخرى سعى لصدها بطريقة لبقة ، وهو يشرح لها موقفه ، ومقدار تعلقه بالحبيبة التي تعذبه ، ويتلقى بسببها اللوم والعذل ، لبقيا بمنتهى الروعة والجمال . ولو سلمنا جدلاً بافتراضكما ، لبقي عليكما تفسير " لكنه " ، فلماذا يقول : " لكنه راغب فيمن يعذبه " لو لم يكن هناك تناقض بين قلبه ( الذي لم يعد ملكه ) وخيار آخر يمنع عنه العذاب ؟

25 - أكتوبر - 2008
لو كان قلبي معي
 81  82  83  84  85