البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات abdelhafid akouh

 81  82  83  84  85 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
من هو المثقف ؟؟    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

قال أحدهم في تعريفه :
 
إنه الذي يأتي إلى الناس ويستعير منهم الأسئلة، ثم يجيب عن أسئلتهم وحيداً»... فالمثقف هو الذي يقترب من الناس ويبتعد عنهم، تُؤنسه أسئلتهم ويأنس إلى إجاباته المفردة. لكنه، في الحالين، لا يعطيهم أجنحة ولا يصدر من فراغ.  قال بعض العارفين: «لو كانت الغالبية أرواحاً من ذهب، لبحث المثقف عن منفى من تراب»...

المثقف «ثوري» بالضرورة ضد سلطة الإجماع

*

سلطة العنف في مواجهة المثقف

 
وعيد مبارك سعيد  
          
 

19 - نوفمبر - 2010
أضاحي وقرابين
مقطع مضحك ..    كن أول من يقيّم

تحية طيبة أساتذي .
 

22 - نوفمبر - 2010
أضاحي وقرابين
كم نحن صغار أمام العمالقة ..    كن أول من يقيّم

 
 

30 - نوفمبر - 2010
ليوناردو دافينشى ..حكايات وأساطير
الشعر، الحياة..    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

الشعر، الحياة

ترجمة: عبد الرحمان طنكول / الطاهر بنجلون (*)
«لا قلبَ لطائرٍ كيْ يتغنّى في دغَلٍ من الأسئلة »، هكذا ينعتُ روني شار الشاعرَ المثقل بالانشغالات اليومية، المُنحدرَ من بلدٍ حيث الأسئلةُ مشاكل، حيث الشعر ليس موسيقى تصاحِبَ غروب الشمس، حيث الكاتب شاهدٌ يقظٌ ومسؤول.
كنّا نتمنّى أن نكتبَ تزجية ً للوقت، من أجل التغنّي بجماليات العالم، للاحتفاء بالزمن السعيد. لكنّ السعادة ليست في حاجة إلى الأدب. إنّ الحياة المُكتملة والمُنسجمة والمتوازنة ليست في حاجة إلى الشعر. إنّ مثلَ هذه الحياة هي مجرّد خيال. الحياة صِراع يقتضي كلّ يوم اِنقاذ روحنا وأحيانا جسدنا. الشاعرُ يعاندُ قصْـدَ تغيير العالم بكلماته وتغيير الناس بإرادته وأمنيته في الخير. غير أنّ الشعر لا يغيّر الإنسان والعالم فقط، بل يندِّد بهفوات الذات، يعمِّقها ويبرزها. صحيحٌ أنّ هناك أملا مهما وإلا لن يكتب أحد ٌ: الشاعر هو الذي يتكلم في حِضن الزمن. إنه في الزمن، مُختبئ كالقـنّاص في غابة غامضة. إنّه، كما يؤكّد ذلك ويليام فولكنر في روايته «أنا أحتضر» هو الذي يتحقّق من « وجع ويأس العظام التي تنفتح، الحبة الصلبة التي تُشدّ على الأحشاء المنتهكة للأحداث». إنّ الشعر هنا، في هذا الاقتضاء المطلق، لا يترك مكانا لأي شيء إلا لوجَع العالم الذي ينتشر كل يوم أكثر بين الناس الأكثر حاجة و الأكثر إهمالا. الرجال والنساء الذين ينامون كي يحتمون من الريح، من الغبار ومن احتقار أناس آخرين.
ينبعثُ الشعر من هذا الرماد الذي تنبت عليه، من غير توقع، الوردةُ التي تكذّب مخاوفـنا وانقباضاتنا.
لا يشكّل الشعر حِصارا ضِدَّ الفقر، لكنّه ذرّة الصمت التي تثبت الكرامة في جوهرها. إنّه يعكسُ في أعيننا جمال السماء، براءةَ نظرة الطفل الذي لا يطلب أيَّ شيء من العالم الذي يتجاهله. الشاعر يندّد، يصرخ، يهزّ الضمائر من غير أن يتمكّن من الانتصار.
أتذكّر حديثا مع الفقيد محمود درويش حول لاجدوى الشعر. فبفضلِ حياةٍ كلُّها شعر، كان بالإمكان أنْ نعتقدَ أن فلسطين ستحرر. لقد رحلَ مُتعبًا، منكسرا بسبب انعكاسات هذا التوهم. لكن في المقاومة وبالمقاومة يُشيّد الإنسانُ كرامته كإنسان، أي كشاعر.
في «المسكونون» يضع ألبير كامو على لسان ليبوتين ما يلي:
« ينبغي أنْ نذهبَ إلى ماهو أكثر استعجالا، هو أولا أن يأكل الجميع. أما الكتب، الصالونات، المسارح فإلى ما بعد. إنّ فردتي حذاء أفضل من شكسبير». إنها طريقة فظة لطرح مشكل حقيقي. ماذا تساوي قصيدة، وماذا يساوي كتاب أمام رجل يموت جوعا؟ أمام شعب سُلبت أرضه؟ نسيته الهيئاتُ الدولية؟ ألقيَ به في المخيمات في انتظار عودة إلى البيت تبدو أكثر فأكثر وهمية؟ من البديهي أنّ الشعرَ لا يمنحُ الأكل ولا العدالة لشعب مُمزّق من قبل مستعمر طاغ . لكنْ عِند الاستعجال، يتوقّف الشعرُ ويتركُ المكانَ للفعلِ كيْ لا يأكل الإنسان فحسب، وإنما أيضا كيْ تُصانَ كرامتُه. إنَّ صيانة الكرامة هي نوعٌ من القصيدة.
الصراع من أجل الكرامة هو بامتياز فعلٌ شعري. إنه ليس أمرا تجريديا أو تخييليا. إنه واقعٌ لا يمكنُ دحضُه.
أنْ نجعلَ الحياة ترقص! أنْ نجعلها تغنّي في أنفسنا، في آمالنا والمطالبة بأن تكون عادلة، جميلة وكريمة. في هذا الموقف تَكمنُ القصيدة. إنّ الحياة هي الخلود الذي يلتحق بنا ويرغمنا على الدفاع عنها وإلى تجنيبها أوساخ الرداءة. لهذا فالشعر نادر. لا يقبلُ أيَّ ضعف ولا مُساومة. إنه مستقيمٌ وعنيد ولا يقبلُ التواطؤَ ولا اللـّغو. الشعرُ قاسٍ مثله مثل الرياضيات. الشعر من نفس الطبيعة: لا يساوم مع الحقيقة. صحيح، كما يلاحظ هرمان ملفيل « إن للحقيقة المعبّر عنها من غير تواطؤ حدوداً ممزقة». الأمر هو نفسه بالنسبة للشعر الذي يَسخر كثيرا من حدوده التي مزقها الشقاء الذي يعلو على النجوم التي تُغرينا.
الزمن هو الحراق الأكثر اندماجا بالنسبة للشعر. إنّ قوة القصيدة تكمُن في مقاومتها للزمن والتاريخ، لاشيءَ يتحرّك ولا شيءَ يضعف أو يشحُب.
فرجينيا وولف (1882-1941) التي لم تكنْ شاعرةً كتبت في «بيت جاكوب» : « أحب الجمل التي لا تتحرك حتى ولو مرت فوقها عدة جيوش. أحب أن تكون الكلمات من فولاذ. لهذا الشعر وحده سيبقى حينما ستنسى الإنسانية كل شيء».هذا ما نلاحظه اليوم: نستشهد بالشعراء وليس بالروائيين أو المؤرخين، نجعلُ منهم شهودا ونقول من بعدهم: « كما قال المتنبي، أحمد شوقي، شكسبير .. إلخ». و في هذا المساء، وكما محمود، أنا أيضا أحـِنّ إلى خبز أمي. واسمحوا لي أن أذكّركم بهذه القصيدة التي كتبها الراحل محمود إلى أمه سنة 1996 :

إلـى أمّــي
محمود درويش
أحنُّ إلى خبزِ أمّي
وقهوةِ أمّي
ولمسةِ أمّي
وتكبرُ فيَّ الطفولةُ
يوماً على صدرِ يومِ
وأعشقُ عمري لأنّي
إذا متُّ
أخجلُ من دمعِ أمّي

خذيني، إذا عدتُ يوماً
وشاحاً لهُدبكْ
وغطّي عظامي بعشبِ
تعمّد من طُهرِ كعبكْ
وشدّي وثاقي..
بخصلةِ شَعر..
بخيطٍ يلوّحُ في ذيلِ ثوبكْ
عساني أصيرُ إلهاً
إلهاً أصير..
إذا ما لمستُ قرارةَ قلبكْ!

ضعيني، إذا ما رجعتُ
وقوداً بتنّورِ ناركْ
وحبلِ الغسيلِ على سطحِ دارِكْ
لأني فقدتُ الوقوفَ
بدونِ صلاةِ نهارِكْ
هرِمتُ، فرُدّي نجومَ الطفولة
حتّى أُشارِكْ
صغارَ العصافيرِ
دربَ الرجوع..
لعشِّ انتظاركْ..
----
(*): نص كلمة الطاهر بن جلون بمناسبة حصوله على جائزة الأركانة الممنوحة من طرف بيت الشعر بالمغرب . ويقام حفل تسليم الجائزة يوم 13 دجنبر القادم بمسرح محمد الخامس بلرباط
ترجمة: عبد الرحمان طنكول / الطاهر بنجلون (*)
«لا قلبَ لطائرٍ كيْ يتغنّى في دغَلٍ من الأسئلة »، هكذا ينعتُ روني شار الشاعرَ المثقل بالانشغالات اليومية، المُنحدرَ من بلدٍ حيث الأسئلةُ مشاكل، حيث الشعر ليس موسيقى تصاحِبَ غروب الشمس، حيث الكاتب شاهدٌ يقظٌ ومسؤول.
كنّا نتمنّى أن نكتبَ تزجية ً للوقت، من أجل التغنّي بجماليات العالم، للاحتفاء بالزمن السعيد. لكنّ السعادة ليست في حاجة إلى الأدب. إنّ الحياة المُكتملة والمُنسجمة والمتوازنة ليست في حاجة إلى الشعر. إنّ مثلَ هذه الحياة هي مجرّد خيال. الحياة صِراع يقتضي كلّ يوم اِنقاذ روحنا وأحيانا جسدنا. الشاعرُ يعاندُ قصْـدَ تغيير العالم بكلماته وتغيير الناس بإرادته وأمنيته في الخير. غير أنّ الشعر لا يغيّر الإنسان والعالم فقط، بل يندِّد بهفوات الذات، يعمِّقها ويبرزها. صحيحٌ أنّ هناك أملا مهما وإلا لن يكتب أحد ٌ: الشاعر هو الذي يتكلم في حِضن الزمن. إنه في الزمن، مُختبئ كالقـنّاص في غابة غامضة. إنّه، كما يؤكّد ذلك ويليام فولكنر في روايته «أنا أحتضر» هو الذي يتحقّق من « وجع ويأس العظام التي تنفتح، الحبة الصلبة التي تُشدّ على الأحشاء المنتهكة للأحداث». إنّ الشعر هنا، في هذا الاقتضاء المطلق، لا يترك مكانا لأي شيء إلا لوجَع العالم الذي ينتشر كل يوم أكثر بين الناس الأكثر حاجة و الأكثر إهمالا. الرجال والنساء الذين ينامون كي يحتمون من الريح، من الغبار ومن احتقار أناس آخرين.
ينبعثُ الشعر من هذا الرماد الذي تنبت عليه، من غير توقع، الوردةُ التي تكذّب مخاوفـنا وانقباضاتنا.
لا يشكّل الشعر حِصارا ضِدَّ الفقر، لكنّه ذرّة الصمت التي تثبت الكرامة في جوهرها. إنّه يعكسُ في أعيننا جمال السماء، براءةَ نظرة الطفل الذي لا يطلب أيَّ شيء من العالم الذي يتجاهله. الشاعر يندّد، يصرخ، يهزّ الضمائر من غير أن يتمكّن من الانتصار.
أتذكّر حديثا مع الفقيد محمود درويش حول لاجدوى الشعر. فبفضلِ حياةٍ كلُّها شعر، كان بالإمكان أنْ نعتقدَ أن فلسطين ستحرر. لقد رحلَ مُتعبًا، منكسرا بسبب انعكاسات هذا التوهم. لكن في المقاومة وبالمقاومة يُشيّد الإنسانُ كرامته كإنسان، أي كشاعر.
في «المسكونون» يضع ألبير كامو على لسان ليبوتين ما يلي:
« ينبغي أنْ نذهبَ إلى ماهو أكثر استعجالا، هو أولا أن يأكل الجميع. أما الكتب، الصالونات، المسارح فإلى ما بعد. إنّ فردتي حذاء أفضل من شكسبير». إنها طريقة فظة لطرح مشكل حقيقي. ماذا تساوي قصيدة، وماذا يساوي كتاب أمام رجل يموت جوعا؟ أمام شعب سُلبت أرضه؟ نسيته الهيئاتُ الدولية؟ ألقيَ به في المخيمات في انتظار عودة إلى البيت تبدو أكثر فأكثر وهمية؟ من البديهي أنّ الشعرَ لا يمنحُ الأكل ولا العدالة لشعب مُمزّق من قبل مستعمر طاغ . لكنْ عِند الاستعجال، يتوقّف الشعرُ ويتركُ المكانَ للفعلِ كيْ لا يأكل الإنسان فحسب، وإنما أيضا كيْ تُصانَ كرامتُه. إنَّ صيانة الكرامة هي نوعٌ من القصيدة.
الصراع من أجل الكرامة هو بامتياز فعلٌ شعري. إنه ليس أمرا تجريديا أو تخييليا. إنه واقعٌ لا يمكنُ دحضُه.
أنْ نجعلَ الحياة ترقص! أنْ نجعلها تغنّي في أنفسنا، في آمالنا والمطالبة بأن تكون عادلة، جميلة وكريمة. في هذا الموقف تَكمنُ القصيدة. إنّ الحياة هي الخلود الذي يلتحق بنا ويرغمنا على الدفاع عنها وإلى تجنيبها أوساخ الرداءة. لهذا فالشعر نادر. لا يقبلُ أيَّ ضعف ولا مُساومة. إنه مستقيمٌ وعنيد ولا يقبلُ التواطؤَ ولا اللـّغو. الشعرُ قاسٍ مثله مثل الرياضيات. الشعر من نفس الطبيعة: لا يساوم مع الحقيقة. صحيح، كما يلاحظ هرمان ملفيل « إن للحقيقة المعبّر عنها من غير تواطؤ حدوداً ممزقة». الأمر هو نفسه بالنسبة للشعر الذي يَسخر كثيرا من حدوده التي مزقها الشقاء الذي يعلو على النجوم التي تُغرينا.
الزمن هو الحراق الأكثر اندماجا بالنسبة للشعر. إنّ قوة القصيدة تكمُن في مقاومتها للزمن والتاريخ، لاشيءَ يتحرّك ولا شيءَ يضعف أو يشحُب.
فرجينيا وولف (1882-1941) التي لم تكنْ شاعرةً كتبت في «بيت جاكوب» : « أحب الجمل التي لا تتحرك حتى ولو مرت فوقها عدة جيوش. أحب أن تكون الكلمات من فولاذ. لهذا الشعر وحده سيبقى حينما ستنسى الإنسانية كل شيء».هذا ما نلاحظه اليوم: نستشهد بالشعراء وليس بالروائيين أو المؤرخين، نجعلُ منهم شهودا ونقول من بعدهم: « كما قال المتنبي، أحمد شوقي، شكسبير .. إلخ». و في هذا المساء، وكما محمود، أنا أيضا أحـِنّ إلى خبز أمي. واسمحوا لي أن أذكّركم بهذه القصيدة التي كتبها الراحل محمود إلى أمه سنة 1996 :

إلـى أمّــي
محمود درويش
أحنُّ إلى خبزِ أمّي
وقهوةِ أمّي
ولمسةِ أمّي
وتكبرُ فيَّ الطفولةُ
يوماً على صدرِ يومِ
وأعشقُ عمري لأنّي
إذا متُّ
أخجلُ من دمعِ أمّي

خذيني، إذا عدتُ يوماً
وشاحاً لهُدبكْ
وغطّي عظامي بعشبِ
تعمّد من طُهرِ كعبكْ
وشدّي وثاقي..
بخصلةِ شَعر..
بخيطٍ يلوّحُ في ذيلِ ثوبكْ
عساني أصيرُ إلهاً
إلهاً أصير..
إذا ما لمستُ قرارةَ قلبكْ!

ضعيني، إذا ما رجعتُ
وقوداً بتنّورِ ناركْ
وحبلِ الغسيلِ على سطحِ دارِكْ
لأني فقدتُ الوقوفَ
بدونِ صلاةِ نهارِكْ
هرِمتُ، فرُدّي نجومَ الطفولة
حتّى أُشارِكْ
صغارَ العصافيرِ
دربَ الرجوع..
لعشِّ انتظاركْ..
----
(*): نص كلمة الطاهر بن جلون بمناسبة حصوله على جائزة الأركانة الممنوحة من طرف بيت الشعر بالمغرب . ويقام حفل تسليم الجائزة يوم 13 دجنبر القادم بمسرح محمد الخامس بلرباط
 
*عن الاتحاد الاشتراكي  /الملحق الثقافي .

1 - ديسمبر - 2010
اقتراح
كتابة على الرصيف ..    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

رأي الوراق :

 
 سقوط على رصيف مهجور، هذا في غربة الوطن، وذاك في وطن غريب. 
 

5 - ديسمبر - 2010
ليوناردو دافينشى ..حكايات وأساطير
التحيات للــه...    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

                                         وتحية عاشوراء.
 
                         http://www.youtube.com/watch?v=H9AhSHBQ3dA&feature=related
                                                     نحن أيضا "عباد أضرحة "

16 - ديسمبر - 2010
ليوناردو دافينشى ..حكايات وأساطير
اغتراب ..    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

 
 
 
 
 
و

20 - ديسمبر - 2010
ليوناردو دافينشى ..حكايات وأساطير
شذرات قلقة..    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

 حول العلاقة بين الفن والمتخيل
بوجمعة أشفري





*مساحات لونية " من إنجازي "


«أضع جسدي والفرشاة في البرزخ: هذه النقطة الكامنة
الكائنة في مكان ما بين السماء والأرض.
القماشة تغطي مساحة فناء المحترف. الجسد ينتصب حينا
وينحني أحيانا أخرى في كل الجهات.
الحركات تتدفق هادئة صاخبة مالئة بياض القماشة.
اللطخات اللونية تتمفصل في ما بينها بفعل الفراغات التي يتركها نتقل الجسد في الفناء.
تظهر أشكال، تأخذ شكل هيآت آدمية سرعان ما تختفي.
ملامح وجوه يصعب التعرف عليها...
الفراغ، ويسقط الجسد في الهوة التي انسدل عليها حجاب اللون».

في البدء كانت المسافة
ليست هناك مسافة بين الفن والمتخيل.. بل إن كل مسافة تحاول أن تنتصب بينهما يكون مصيرها الزوال.. الفن هو الوجه الآخر للمتخيل، والمتخيل هو الكتلة السحرية الكامنة في الفن..
عندما يقترب الفنان من إنهاء عمله الفني ينتابه شعور بالقلق يكون مصدره العلاقة التي نسجها بينه وبين عمله الفني الذي يكاد بالكاد يأخذ شكله النهائي.
الشعور بالقلق ينتاب الفنان لأنه يخاف أن يكتمل عمله.
العمل الفني المكتمل إما أنه يكون فاشلا، وإما أنه يؤدي بصاحبه إلى السقوط في التكرار أو السقوط في محاكاة الواقع المادي أو الذهني، موضوع عمله.
إنه الإحساس بالفراغ، تماما كذاك الفراغ الذي تحس به المرأة عندما يخرج الجنين من رحمها، أو ذاك الفراغ الذي يخرج ويدخل فيه ومنه الضوء...

الصورة قناع
كنت في كثير من الأحيان، وأنا أتأمل بعض أعمال الفنانين، أتساءل: ترى أين تكمن تلك الكتلة السحرية، التي نسميها المتخيل: في العمل الفني؟ في منطقة الظل؟ في تلك البقعة اللونية التي نسميها الضوء؟ في الحد الذي يفصل ويصل بينهما؟ في العلاقة القائمة بين الفنان وعمله؟ في هشاشة الدماغ؟
ولكن ماذا نقصد بالمتخيل هنا؟
سبق أن قلت إنه كتلة سحرية كامنة في الفن. بالطبع إنه كذلك. فالمتخيل في الفن هو تلك السيرورة والصيرورة غير الممكن القبض عليهما في حياة الإنسان وفي الأعمال الفنية اللامكتملة واللامنتهية.
كثيرا ما كانت تراود بعض الفنانين فكرة أن أعمالهم الفنية ناقصة، وكانوا يحاولون في أعمالهم اللاحقة سد هذا الفراغ الذي يشعرهم بالنقصان، لكن الفشل كان يقف أمامهم كالقدر المحتوم.
أذكر هنا ذاك الفنان الذي كان يستيقظ من نومه في هزيع الليل (أعتقد أنه الفنان الفرنسي بيير بونار)، ليهب مسرعا إلى محترفه متأملا لوحته التي اعتقد أنه أنهاها، باحثا عن المكان الفارغ فيها ليسده. كان هذا الإحساس يأتيه من القلق والاكتئاب اللذين لازماه طيلة مسيرته الفنية، رغم أن هذه الحال لم تكن معروفة عنه. تصرف هذا الفنان بهذا الشكل يشير إلى شيء ما، دفين في مكان ما، يصعب البحث عنه خارج أعماله الفنية. فعندما نتأمل معظم أعماله، خاصة الأعمال المدرجة في خانة «المستحمات»، نجد أنه كان يمسح ملامح «مستحماته» بحيث لا يمكن التعرف من خلالها على ملامح موديلاته. فهل هذا هو الفراغ الذي كان يؤرق بونار ويجعله قلقا للحد الذي يبقى فيه مستيقظا حتى أولى ساعات الصباح؟
الوجه هو النافذة التي يمكن أن نطل منها على الروح.. والروح لا يمكنها أن تتجلى إلا من وراء حجاب.. والحجاب هو إسدال اللون على الوجه.. إنه قناع.. الوجه في نهاية المطاف قناع.. والقناع يحيل على الموت.. والموت حاضر في أعمال هذا الفنان.. فأحواض «مستحماته» تشبه القبور.. والقبر هو أول صورة تم إنتاجها في تاريخ البشرية.

متحف المتخيل
ألا يمكن، هنا، أن نعتبر اللاشعور متحف المتخيل؟ التحليل النفسي يشير إلى أن اللاشعور ما هو إلا تجميع لصور التقطتها العين (عين الجسد وعين الفكر): صور ماضية وصور حاضرة وصور مرتقبة. صور لم تعد تحيل على أي شيء في الواقع المرئي.. صور شظايا لا يمكن العثور على مفاصلها ولا على ما يربط بعضها ببعض، ذلك لأنها كانت في الأصل غير مكتملة.
المكتمل غير قابل للتحقيق، إنه مفتوح دائما على العدم. فالفنان على طول مسيرته الفنية يطلب دائما معانقة العدم، وطلبه الملح هذا هو ما يجعله في كل مرة يسقط رهينة الفشل، ومن ثمة يكون عمله الفني المنجز ناقصا، يتضمن ثغرة ما في مكان ما.
في الفن تنتصب الفخاخ أمام كل وافد إليه. والفنانون يعرفون هذا، سواء وعوا ذلك أم لم يعوه. فهو، أي الفن، لا يصدر من مقام الحقيقة، بل يصدر من مقام الوهم. هذا هو مصدره منذ قديم الزمان... منذ الخروج الأول من الكهف (كهف أفلاطون) بحثا عن الضوء، إلى الدخول الأول إلى «صيدلية أفلاطون» بحثا عن «الفارماكون» (السم والدواء) لدسه في زوايا وبين ثنايا الفلسفة التي تلهج بالحقيقة (نيتشه هو من قام بهذا الفعل).

الحد يخلخل الحقيقة
ليس الخروج من الظل إلى الضوء هو الذي يمنحنا حقيقة الفن.. وليس الانكماش بعيدا عن الضوء في اتجاه الظل هو الذي يقربنا من حقيقة الفن.. بل إنه الوقوف في الحد بين الضوء والظل، بين الامتلاء والفراغ، بين الخط واللون، بين القذف ومكان الاستقبال، بين الانفعال ومحل الانفعال، بين التكرار والاختلاف، بين الصلابة والهشاشة، بين الكثافة والسيولة...
الوقوف في الحد، وفي المابين، يخلخل الحقيقة التي ترسبت في التاريخ (تاريخ الفن) منذ خروج الصورة من طبيعتها الأولى (القناع) إلى عودتها إلى أقنعة الوسائط والميديولوجيا المعاصرة. الحد هو المسافة القائمة بين ما نعتقده متناقضات. الحد جسر يربط بين الأضداد، ويجعلها لا تختلف عن بعضها البعض من حيث القيمة. في الحد يصبح العمل فارغا من المعنى، ذلك لأن المعنى قيد يحد من انتشار الغواية: الانفعال الأول بين الجسد والروح.

متخيل ماغريت
على ماذا يحيل العمل الفني؟ على ما يشبه الشكل الذي يأخذه الموضوع المصور؟ على ما يتم تمثله بآلة الفكر؟ على ما نحس به ونبتكر له شكلا؟ بمعنى آخر، هل يحيل على الخارج أم على الداخل؟
هذا السؤال هو أحد المنافذ التي من خلالها يمكننا أن ننفتح على العلاقة القائمة بين الفن والمتخيل. لنتأمل أعمال الفنان البلجيكي رونيه ماغريت: «خيانة الصور» (يمثل غليونا كتب تحته هذا ليس غليونا)، «القمر»، «السينما الزرقاء»، «الشجرة العالمة»، «اللذة أو الفتاة آكلة العصفور»، «الاستنساخ المحظور»، «الواضح الجلي»... فهذا الفنان، الذي يدرج ضمن أهم الفنانين السورياليين، ظل طيلة مسيرته الفنية يسبر أغوار البديهيات الماثلة للعيان.. الغامض في الواقع يصبح واضحا وجليا في العمل الفني.. والواضح الجلي في الواقع يصير غامضا في العمل الفني.. يد الفنان تحول الواقع المادي إلى صورة مائعة لا تستقر للعين بسهولة، ولا تمنح نفسها دون أن تأخذ شكلا آخر غير ذاك الذي كانت عليه.
لم يكن التصوير الصباغي، بالنسبة لرونيه ماغريت، تمثلا لشيء واقعي، بل إنه فعل فكر الفنان تجاه هذا الشيء.
إعادة الارتباط بين الأرض والسماء، بين الخير والشر، بين الجمال والقبح. إعادة النظر في الفكرة القائلة بأن الثنائيات متنافرة لا يمكن الجمع بينها. هذا هو ما يجعل المتخيل ينتعش بدون كوابح وبدون قيود في الممارسة الفنية.

هل الفراغ هو المتخيل؟
إذا كان الفنان بونار يستيقظ في أنصاف الليالي ليملأ الفراغات الكامنة في أعماله الفنية، فإن الفنان رونيه ماغريت كان في جل أعماله الفنية يضع نفسه ويضعنا معه أمام الفراغ (فراغ المعنى الذي تحبل به جل أعماله الفنية).
التصوير الصباغي عند رونيه ماغريت يسائل طبيعته الشخصية، بالقدر الذي يسائل الحركة التي يمارسها الفنان على الصورة. أليس هو القائل: «أسهر، إلى أقصى حد ممكن، على ألا أنجز إلا أعمالا تثير الغامض المنجز بالدقة والفتنة الضروريتين لحياة الأفكار».
لقد كان ماغريت يتفوق دائما في تمثل الصور الذهنية. ففي عمله «الاستنساخ المحظور» (1937) يلخص رونيه ماغريت نظرته للتصوير الصباغي: نرى شخصا واقفا ينظر إلى مرآة، لكن المرآة لا تعكس وجهه، بل تعكس ظهره الذي يشاهده الواقف الداخلي في العمل الفني والواقف الخارجي الذي يشاهد العمل. يريد ماغريت من خلال هذا التمثل المعكوس أن يقول لنا: إن التصوير الصباغي ليس مرآة تعكس الواقع المرئي. وبهذا فهو يقوض البديهيات التي ترسخت وما زالت تترسخ في أذهان الكثير من الفنانين والمهتمين بالفن.
باريس: 18 نونبر 2010
12/17/2010

22 - ديسمبر - 2010
ليوناردو دافينشى ..حكايات وأساطير
المغول يعيثون فسادا في بغداد ..    كن أول من يقيّم

ويغتالون الخليفة العباسي

الأيوبيون أوقفوا مؤقتا انهيار الخلافة خلال الحرب الصليبية
كتاب «صدام الأصوليات» للمفكر البريطاني المعاصر ذي الأصل الباكستاني طارق علي، هو عبارة عن رحلة تاريخية تحليلية مادية تنقلنا إلى أعماق العلاقة بين الشرق والغرب، وتتوقف
عند أسباب نشأة الإمبراطوريات الحديثة واستراتيجياتها الإيديولوجية والاقتصادية. ينظر صاحبه في وجود الديانات السماوية ودورها في تعبئة الناس، وفي ظهور الطوائف والأصوليات والجهاد والحملات الصليبية، ينظر في الوهابية والأندلس والاستشراق والإمبراطوريات الغربية قبل أن يتطرق  للإمبراطورية الأمريكية والثورة الشيوعية و«الحرب الباردة» والحداثة والكيان الصهيوني ونكبة الفلسطينيين و«العدوان الثلاثي» والثورة الإيرانية وحروب الخليج وأحداث 11 شتنبر 2001.
مزقت الحروب الصليبية عالماً كان ينهار شيئاً فشيئاً. وجاءت انتصارات صلاح الدين الأيوبي لإيقاف هذا الانهيار بشكل مؤقت، لكن البنيات الداخلية للخلافة كانت قد دُمّرت إلى الأبد وغزوات جديدة كانت في الطريق. فرض الجيش المغولي بقيادة هُولاكو خانْ  الحصار على بغداد في 1258م. دعا الزعيم المَغولي الخليفة للاستسلام متعهداً بعدم إلحاق أي ضرر بالمدينة، غير أنّ الخليفة تمادى في حُمقه وسخافته حتى النهاية ورفض، فنفذت الجيوش المغولية تهديدها حيث نهبت المدينة واغتالت الخليفة العباسي (المستعصم بالله). كما أن المكتبات أُحرقت فاندثرت معها ثقافة بأكملها. وقد جرت العادة أن يُعبّر المغول عن حقدهم إزاء الحضارات التي تفوقهم تقدماً بتدمير كنوزها المعرفية. أما بغداد فلن تسترجع قط مجدها بصفتها عاصمة الحضارة الإسلامية.
في أماكن أخرى من المنطقة، تنوّعت السلطة مع استرجاع  بعض الحكام الإقليميين لمناصبهم، إلا أن مركز الإسلام كان ينتقل في اتجاه البُوسْفور. وفي أواسط القرن الميلادي الخامس عشر، كان الإسلام قد انتشر عبر ثلاث قارات. تحرّكت القوة العسكرية والتجارة على شكل كُلابة، دون أن يخضع الأمر لتخطيط مُسبق مُحكم. ولكن النتائج تحققت بالرغم من ذلك. قبل ذلك، أي خلال القرنين الثامن والتاسع للميلاد، كانت جيوش المسلمين قد بدأت الدخول إلى الهند عبر أفغانستان وهندوستان، بينما بدأ أهالي الساحل الجنوبي من شبه القارة يتحركون على وتيرة القدوم والغدو التي فرضها التجار العرب. كما أن جموعاً كبيرة منهم اعتنقت الإسلام. ولا شك في أن الاستياء من الديانات المحلية وبساطة الإسلام كان لهما دوران مماثلان في ذلك. لقد شكلَ توفيق النبي محمّد بين كونيةٍ توحيديةٍ ومساواة المؤمنين أمام الله وصْفة جذابة بالنسبة للذين أثقلت كاهلهم أنظمة التمييز السلالي والتراتبية العقدية.
في القرون التي تلتْ، حصل نفس الشيء عند ملتقى الطرق التجارية الكبرى الثلاثة في منطقة شِنْجْيانْغْ، شمال غرب الصين، فيما بلغت أساطيل المسلمين التجارية الأرخبيلَ الأندونيسي وجنوب الصين وكذا السواحل الغربية والشرقية من القارة الأفريقية. ومع حلول القرن الميلادي الرابع عشر، كان مركز قوة الإسلام ينتقل في اتجاه البُوسفور. نجت روما وسقطتِ القسطنطينية. قبلئذ، كانت جيوش الخليفة بدمشق وبغداد قد فرضت الحصار في أربع مناسبات على عاصمة المسيحية الشرقية، لكن المدينة نجت بنفسها في المرات الأربع. وابتداءً من العام 1300م، اتسعتْ حدود إمارة الأناضول شيئاً فشيئاً وهي تقضم الأراضي البيزنطية بشكل مستمر. وفي 1453م، تحققت أحلام قديمة وحصلت مدينة بيزنطة العتيقة، التي عُرفت لاحقاً بالقسطنطينية، على اسم جديدٍ هو إسطنبول، وعلى حاكم جديدٍ هو محمّد الثاني (الفاتح)، الذي قام سلفه، عُثمان، بتأسيس السلالة الحاكمة التي حملتْ إسمه لأكثر من مائة عام.
عشية الانهيار الكامل للحضارة الإسلامية في شبه الجزيرة الإيبيرية، دشنتِ السلالة العثمانية حكمها بفتح جبهة جديدة في جنوب شرق أوروبا. وخلال القرن الموالي، استولى العثمانيون على المجر وابتلعوا البلقان وحاولوا القضم من أوكرانيا وبولونيا وهددوا باحتلال ڨيينا. كان الكاثوليكيون الإسبان يخشون ومسلمُو الأندلس يتمنّون أن يقوم العثمانيون المنتصرون بإرسال سفنهم الحربية إلى الموانئ الأندلسية لنجدة إخوانهم في الدّين. لكن الجهاد القارّي لم يكن ضمن مشاريع العثمانيين أكثر مما كان ضمن مشاريع صلاح الدين الأيوبي، ولو أن هذا الأخير قام ذات مرة في عِزّ الحروب الصليبية بزيارة ساحل الأبيض المتوسط وأقرّ لأحد المستشارين بأن السبيل الوحيد للتغلب على الوباء الإفرنجي يمر بالتأكيد عبر غزْو أراضيهم وإدخال الحضارة إلى أوطانهم. في الأخير، سيكتفي صلاح الدين بالقدس بينما سيقنع محمد الثاني بالقسطنطينية.
طِوال القرنيْن الخامس عشر والسادس عشر للميلاد، عاشت أغلبية مسلمة تحت حكم إمبراطوريات العثمانيين والصفويين (بلاد فارس) والمُوغال (الهند). كان جُل المسلمين  يعترفون بالسلطان العثماني خليفة عليهم وخادماً للحرميْن الشريفين، مكة والمدينة. لقد صارت إسطنبول هي المركز الجديد لهذا العالم، وصار أغلب العرب من رعايا السلطان. وبينما بقيت العربية لغة العبادة، أصبحت التركية هي لسان البلاط، تستعمله العائلة الحاكمة والنخبة الإدارية والعسكرية في كل أرجاء الإمبراطورية، ولو أنّ المعجم الديني والعلمي والأدبي والقانوني تمّ نقله في مجمله عن الفارسية والعربية. أمّا الإسهام التركي الأصيل فنجده في الشِعر وإدارة الدولة والفن المعماري.
كانت الدولة العثمانية، التي استمرت لخمسة قرون من الزمن، مشروعاً متميزاً على عدة مستويات. فقد كانت دولة متعددة الأديان تعترف بحقوق المسيحيين واليهود وتحميها. وقد مُنح كثير من اليهود الذين طُردوا من إسبانيا والبرتغال حق اللجوء في البلاد العثمانية، وبهاته الطريقة، التي لا تخلو من سخرية، رجع عددٌ كبير منهم إلى العالم العربي، حيث إنهم لم يستقروا في إسطنبول فقط، بل منهم من قدّموا خدمات للإمبراطورية ببغداد والقاهرة ودمشق.
لم يتمتع اللاجئون اليهود وحدهم بهذا الامتياز، لأن البروتستانتيين الألمان والفرنسيين والتشيك الهاربين من فِرق الثأر الكاثوليكية خلال معارك «عصر الإصلاح» استفادوا بدورهم من حماية السلاطين العثمانيين. وفي حال البروتستانتيين تحديداً، كان من وراء توفير الحماية لهم دافع سياسي كذلك. فقد كانت الدولة العثمانية تتابع عن كثب التطورات الحاصلة في باقي أوروبا، وتدافع عن مصالحها بحزم عبر سلسلة من التحالفات الدبلوماسية والتجارية والثقافية مع بعض الدول الأوروبية العظمى. في المقابل، لم يكنِ الباب العالي يَعتبر البابا مراقِباً محايداً، فكان ينظر إلى الثورات ضد الكاثوليكية بعين الرضى. أصبح السلطان العثماني بدوره شخصية بارزة في الفولكلور الأوروبي، حيث كثيراً ما كان يشبَّه بالشيطان أو بالرجل الفظّ. إلا أن المعنيَّ بالأمر كان على وعي دائم بمكانته في الجغرافيا والتاريخ.
 
 
د. إسماعيل العثماني
 

24 - ديسمبر - 2010
هولاكو وبنوه
«قالت نملة»    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

قراءة في مجموعة «قالت نملة» بين التورية و اللعب اللفظي، و تفخيخ العناوين
محمد أكويندي
بوعي حاد وذكي جدا، ضمن أحمد بوزفور، مجموعته الخامسة والأخيرة «قالت نملة» إلى ديوان السندباد عن قصد وعمد، لا لكون ديوان السندباد أعمال كاملة بالمفهوم التقليدي، أو مختارات قصصية كما يفعل بعض كتاب القصة . إنها إستراتيجية بمفهوم المتوالية القصصية من منظور« روبر لوشير» من هنا جاءت فكرة ديوان السندباد الذي يضم بين دفتيه خمس مجموعات قصصية، هي حصيلة 60 قصة، تراوحت كتابتها مابين(-1970 إلى2010-) هذه الحصيلة التي تنم عن الكتابة النوعية، الكتابة التي لا تؤمن بتحطيم الأرقام القياسية، لدخول كتاب « غينيس» . لأن صعوبة هذا الجنس الأدبي، الموصوف بثعلب السرد المراوغ، يحتاج إلى ثقافة مو سوعية، ورؤية عميقة للأشياء، وإلى رصد التحولات السياسية، والثقافية، والاجتماعية، لأن الكاتب الحقيقي محكوم عليه بالوعي وبالاستبصار الذاتي، لأنه يستحيل إنتاج فن حقيقي دونهما. إذا كان احمد بوزفور ُمقل في إبداعه القصصي، فشأنه في ذلك شأن، القاص العراقي المتميز محمد خضير، وهو كذلك لم يتجاوز خمس مجموعات قصصية : ( المملكة السوداء 1972)،( في درجة 45 مئوية1978 )،( رؤيا خريف 1990 )،( تحنيط 1998)،(حدائق الوجوه 2008 ) بالإضافة لهذا فإن لكل واحد منهما كتاب شبه نظري» الزرافة المشتعلة» لأحمد بوزفور، « والحكاية الجديدة « لمحمد خضير. وقد تم اختيارهما، كأفضل كاتبين للقصة العربية، بعد زكريا تامر، وبهاء طاهر.... في الملتقى الأول للقصة العربية بالقاهرة الذي فاز بجائزته الأولى زكريا تامر لسنة (2009/2010)
أعود إلى ديوان السندباد كمتوالية قصصية، أو كتاب مفتوح، إن ما يعطيه شرعية المتوالية القصصية التي تحدث عنها « روبر لوشير»( إن كل قصة قصيرة، في سياق المتوالية يؤهلنا بطريقة ما للكشف التالي، وهو يلقي الضوء على العوالم المتضامنة لتصبح ككل بهذه الطريقة، كتابا مفتوحا يدعو القارئ لبناء شبكة من التداعيات تربط القصص مع بعضها البعض، وتمنحها أثرا موضوعاتيا، متراكما.) ولنقف على هذه « التيمات» لتمنح لهذا الكتاب المفتوح/ السندباد ذاك التماسك والمتوالية القصصية. وبقراءتنا لكتاب« ضحك كالبكاء » للناقد إدريس الناقوري، الذي أبرز فيه عدة « تيمات» التي اشتغل عليها بوزفور في قصصه السابقة، هي نفسها مع التوسع والإضافة في التقنية، وتطوير أساليب السرد، «كتيما ت « القرين/ ومحاكاة الأصوات/ واستعمال العامية لإضفاء روح الملامح المحلية الاجتماعية/ وتفصيح الكلام غير المصقول/ و اللعب اللفظي/ الحلم/ والحب/ والموت/ والكوميديا السلوكية / الرغبة في النكوص إلى مرحلة الطفولة (الفردوس المفقود). وبناء على ما تقدم نجد القصة، عند أحمد بوزفور لها القدرة الهائلة على «تنصيص» العالم. أي جعله نصا سرديا، دالا، و لهذا تتجه إلى اليومي بما يمتلئ به من تفاصيل، وجزئيات لتبني منها كينونة نصية، ولاسيما في تجلياتها الراهنة(1). كما في القصص التالية: «وإن. الفيلة تصعد الجلجلة. الباب المفتوح. بحال خوك. ممؤتى.

بنية العنوان:
في هذه المجموعة القصصية أول ما يصدم القارئ/ المتلقي عنوانها: « قالت نملة».
إن هذه العنونة التنكيرية التي تؤدي وظيفة الإشارة إلى معلومات لاحقة، أي أحداث لغوية لم يوضحها المتكلم بعد. ويتوقع القارئ/المتلقي/السامع، أن يخبر بعد قليل عن هذه ا ل_ نملة _. إن العنونة في الخطابات القصيرة هو الذي يتكفل بإثارة انتباه المتلقي والإيقاع به ويتفوق بذلك على النص الذي يسميه في شعريته وهذه حال العنوان في خطاب القصة القصيرة التي قدمت عناوين مثيرة,أن العنوان قد أضحى لعبة مثيرة في الكتابة الأدبية، فالنص لم يعد في عنونته للنص مقتنعا بوفاء العنوان للنص والالتزام به فحسب, وإنما عليه أن يقلق القارئ ويدفعه نحو اقتناء الكتاب وقراءته، وهذا لا يتحقق إلا بتفخيخ خطاب العنوان بالإثارة تركيبا ودلالة ومجازا.

قالت نملة_ ماذا قالت هذه النملة؟
هذا الاقتصاد الدلالي الذي يجتاح العنوان، بتضمين الخبر بالحذف أو بإنابة المفاعيل، أو نائب المفعول المطلق..هذا التضمين من شأنه تحقيق الوظيفة الاستراتجية للعنوان باستقطاب اهتمام المتلقي وإثارته، كما يعد الحذف خاصية من مكونات النص _النصوص_ يدشن به الصدمة لدى القارئ، تلقيا، و الغموض نصا. إن الحذف يقود إلى لعبة الإيهام من طرف الكاتب.
قالت نملة : في هذه العنونة التنكيرية التي تدفعنا إلى التساؤل التالي: أية نملة هاته التي قالت؟
وبدورنا نستدعي ذاكرتنا المقروئية لتسعفنا عن هذه الإجابة:( إنها حكاية زاهد صالح كان يبصر نملة في بقعة محدودة من سجادة صلاته كلما بسطها لأداء فرض من فروض صلواته الخمس اليومية. كان الصالح الزاهد يعجب من هذه المصادفة، ويبحث عن تفسير لوجود نملة. وهل كانت نملة واحدة لا تغادر موقعها في السجادة كلما هم بنشرها للصلاة.
وحتى هذا التساؤل، لا أن يعني في حكاية الزاهد نقطة تحول، كما ليس أنها نهاية موفقة لرؤيا ستبدأ إشارتها في الانهمار.. لكنك لو فتحت كتاب الحكايات هذا في اليوم التالي كي تواصل قراءة أخرى مبتدئا من النهاية التي بها الحكاية السابقة، و وجدت ـ يا للمصادفة ـ « نملة « كنملة الزاهد تذرع أرجلها الدقيقة صفحة الكتاب المفتوح، عابرة معك الحكاية السابقة إلى الحكاية اللاحقة، فإنك حينذاك تدخل حدود رؤيا، مفروشة بسجادات من الواقعية الوهمية إلى الرؤيا المرئية(2). وبهذا تكون « نملة» الزاهد بوزفور تعبر معنا الحكاية تلو الأخرى وهي تذرع بأرجلها الدقيقة فوق كتاب السندباد (ككتاب مفتوح بمفهوم المتوالية القصصية. من قصة إلى أخرى. التساؤل الذي يتبادر إلى ذهننا مرة أخرى لماذا لم يضع الكاتب عنوانا بديلا ؟ مثلا : قالت شهرزاد؟ أو قال الراوي؟ بدل قالت نملة؟ لأن في العنوان الأول والثاني يتبين أنهما يحتاجان إلى سامع..أما في عنوان « قالت نملة » فهو يحتاج إلى قارئ يتعقب النملة وهي تذرع بـأرجلها الدقيقة ( للحم الحلم) المجزأ على طول هذه المجموعة (وهنا لا نعني اللحم/ الصوت/ لكساء العظم/ الحلم.. كما سنلاحظ ).

بنية الاستهلال، أو البداية، أو الفقرة المبدئية
إذا كان العنوان يشكل خطابا ثريا للقراءة الراهنة لتستدل على خصوصية العنوا ن, في القصة القصيرة
وقوا نينها وبنياتها, فإن الاستهلال, أو البدايات, أو الفقرة المبدئية, هي بمثابة الافتتاح بالاختيار لأنه أول ما يطرق السامع من الكلام. ويجب أن يراعى فيه سهولة اللفظ , وصحة السبك , ووضوح المعنى , وتجنب الحشو , ويجب أن يكون الافتتاح مرتبطا مع الخطبة ببراعة الاستهلال (هذا ما تشير إليه الدراسات النقدية العربية القديمة.) ونجد القصة القصيرة أكثر العناصر البنائية بحاجة إلى فهم, فهو المدخل المتأرجح, وهو المدخل المبتدأ, بهذا الوعي بمفهوم الابتداء, والاستهلال, أو الفقرة المبدئية التي نجدها عند احمد بوزفور هي بمثابة القاعدة الخراسانية في كتاباته القصصية التي يرفع عليها باقي أعمدة النص ككل ،لأن بوزفور لاشيء عنده يأتي عفو الخاطر ,ابتداء من العنوان إلى الفقرة المبدئية , التي نعتناها بالقاعدة الخراسانية التي يرفع عليها أعمدة النص ككل حتى يكون محكم البنيان.
فجل قصصه تجده يوليها العناية الفائقة, لأن القصة القصيرة أكثر عرضة للتشوه.
إن أول ما يراعى في الاستهلال الجملة, التي تصبح جملتين، والخبر فيها يكون جملة اسمية, لأن في القصة الجملة الاستهلالية لا تولد إلى وهي مليئة بمادة النص أولا, ومحدودة في ارتباطاتها بمبنى - القصة - الحبكة- ومؤدية إلى النهاية، أو، ما تسميه يودورا ويلتي ( بسهم الخلق) إلا أن هذا المسار الذي انضج الجملة الاستهلالية في القصة، هو مسار الوعي لفن القصة, ونعني بذلك الانتباه المركز إلى البنية الفنية للقصة. بهذا يتملك الكاتب بزمام صميم الموضوع ، حتى تخرج القصة بأفكارها بنيانا عضويا لا حجر فيه بغير معنى (3) لأن القصة عند بوزفور أو أي كاتب مجيد يخضع قصته إلى تصميم هندسي سابق, ونعني التصميم الفكري, أو بعبارة أخرى فانه كلما تعددت أفكار الاستهلال توسع ثوب القصة واغتنى بالممكنات، والقصة الحديثة لا تكتفي بفكرة واحدة في استهلالها. إنها تعتمد فكرتين كما هو الشأن في قصص بوزفور وبالأخص في قصصه الأخيرة. كلما كانت الجملة الاستهلالية هي بمثابة البناء المتعدي, الخلاق الذي يوفر للحس والذاكرة واللغة مديات فعل تكويني واسع.

بنية الحلم:
« أنا اعرف من تجاربي السابقة، في الأحلام أن الصور مجرد هيكل عظمي.»
« الصوت.. هو لحم الحلم.» (من قصة لحم الحلم.ص296 )
إن الحلم، ضرب من التفكير- وان يكون تفكيرا بدائيا, وهو تفكير أثناء النوم. و أدواته البصرية بدلا من الكلمات والخطوط كما في اليقظة، والأفكار فيه لا تكون مجردة, ولكنها تتجسد في أشكال مرئية, والحالم يرى في النوم أفكارا وصورا, فإذا استيقظ عاد يصوغ الصور أفكارا في كلمات ينقلها للآخرين ساردا ما رأى في الحلم..« كأني أهرب من وحش، اجري لاهثا والعرق يعمي عيني.» إن الحالم يسرد لنا ما رأى في حلمه وكأنه يسرد لنا فيلما مصورا ومكثفا تكثيفا دقيقا لهذه المطاردة.. ولكنه لا يخبرنا عن طبيعة هذا الوحش , إلا أنه يصفه بأذرع كالإخطبوط , وأذرعه تتضاعف بظلالها.إن دلالة هذه الأذرع المتعددة بظلالها تكمن رمزيتها في الرقابة المتعددة : رقابة الذات.رقابة السلطة بأذرعها المتعددة. رقابة الدين. رقابة المجتمع. رقابة الرقابة نفسها.رقابة الأسرة...الخ إلا أن بنية الحلم العميقة والمركبة في هذه القصة هي الحلم كنص أدبي هو مادته, وما يزيد في تعقيدها هو حلم داخل الحلم, والحالم يحاول أن يجد تفسيرا لحلمه وان لم يكون سوى لعبة ماكرة لإيهام القارئ في بناء نص حلمي..لأن ورود حلم في أعقاب حلم آخر غالبا ما يكون الأول معادلا لجملة شرط يكون الثاني - جوابها- (فرويد) وجواب الثاني في قصة لحم الحلم كما سلف في تأويلنا للوحش المتمثل في الرقابة في جميع ضروبها...« أحسني فوق سرير. أرقا مسهدا استجلب النوم بالتفكير في الحلم السابق».
ومحاولة فهم الوحش الإخطبوط : من أين جاء , وكيف تصورته وما تأويله ووظيفته في الحلم وعلاقته بالوحوش الآدمية التي اعرف...« هذا الإفصاح داخل النص/الحلم، يبرز لنا « التيمة» /الموضوعة / أو الفكرة الرئيس التي تلخصها هذه الجملة:«
(أنا القروي الساذج رأيت جزارا يبيع لحم الخيل. كيف يأكل الناس هذا اللحم- ومازلت - اعتبر الحصان أخا نبيلا يستحق الحب والاحترام.)
إن المدينة قد تحول الإنسان من طبيعته إلى وحش أو إخطبوط يأكل لحم أخيه المتمثل في الحصان. إن المدينة تخرج الإنسان من إنسانيته لينحرف عن الجوهر. (كما عند روسو وفلسفة الفوضويين. وهيغل.) إن جوهر الإنسان لا يولد معه ولكنه ينتجه كما ينتج السلع والأفكار. نجد الكاتب يعزل الشخصية من حياتها الطبيعية/ البادية, ويضعها في محيط مديني حيث كل شيء منزاح من مكانه, و وضع مديني كهذا يشل رغبة الإنسان في الهروب منه إلى الطبيعة.. تبقى تأويلات هذا الحلم قابلة لعدة قراءات في ثنائيتها المتوالدة من دلالته كرمزية : النقاء/ الثلوت. الشر/ الخير . الخيل الذي يرمز إلى الخير
( الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة« حديث شريف » ) والجزار رمز للشر.
والبادية المتمثلة في / الطبيعة/ الطهر, أو النقاء. والمدينة رمز/ الثلوت . وخروج الإنسان من جوهره. فتعرية بوزفور للإنسان في نهمه وشرهه لا يقف عند هذا فحسب , فحلمه ليلتحم ‹ أو› لحم أجزائه يتطلب قراءة متأنية وفاحصة, بدءا من حروف عنوان هذه القصة المركب من نفس الحروف: ل..ح.. م.-ح..ل..م.) و للحم أطراف هذا الحلم كما يأمرنا الكاتب في العنوان نعيد قرأته بهذه الصيغة بدل مكر اللعب بالعنوان لحم: القرين/( بالصوت/ اللحم ).. والحلم: القرين/( بالصورة/ العظم)...لكن مكر اللغة يعيدنا إلى « لحم» أطراف الحلم المركب من ثلاث مستويات، أ و ،الأحلام الثلاثة, لأن بوزفور دائما ما يلجأ إلى تكسير خطية القصة إما , بعنا وين, أو مقاطع, أو لازمة، أو أرقاما، كما في هذه الأحلام، ففي الحلم الثالث، والأخير من هذه القصة نجد طائر الحكمة الذي اشتراه في الحلم ينطق حرفي : «حاميم» كما جاء في هذا المقطع :« انه طائر الحكمة الإغريقي اسمه تيريزياس, فانخدعت للسائح الكريكي اللطيف واشتريت الطائر،».. »الطائر الأبيض الصغير نطق وقال : «حاميم» إذا قمنا بقراءة فاحصة نجد دلالة السائح الإغريقي الذي اشترى من عنده الحالم/ السارد الطائر/ تيريزياس. فإن رمزية الإغريقي تحيلنا على الشاعر اليوناني سوفوكل, ومسرحيته الشهيرة « أوديب »التي وظف فيها أسطورة تيريزياس ومن هنا نتعرف على العراف والحكيم تيريزياس لنصل إلى « لغز » الحرفين. إن ما يهمنا في هذا المقطع الثالث, أ و الحلم الثالث، هو تفسير هذين الحرفين « حاميم». اللذين نطقهما طائر الحكمة الذي هو تيريز ياس العراف و الحكيم الأعمى نفسه.. المتنكر في هيئة طائر..إن « الحاء « في دلالتها الرمزية : (-حكم.) و«الميم»( المطلق.) وبهذا تكون الدلالة الرمزية التي تفصح لنا عن ( حكم الفرد المطلق). أو الترانية أو التسلط:..( الترانية في أولها تكون صورة المثل الأعلى في الحكم وما يبصر ببواطنها إلا العالمون ، وحين تكون صورة فناء كشبل الأسد الصغير يفرح به الأولاد حتى إذا اشتد عضده وكشف غرائزه افترس أهل البيت. ) تبقى مجموعة» قالت نملة» التي تبتدئ ب. لحم الحلم. بقراءة ماكرة هي « لحم» هذه الأحلام المجزأة داخل هذه القصص و ليس اللحم الذي يكسو الهيكل العظمي/ الصوت.. الحلم/ الصور.إن اللعب اللفظي في هذا العنوان المفخخ, هو حلم» اليقظة» الذي سيتحول في قصة الأغنية الزرقاء إلى كابوس مع هبوط اليمين وصعود اليسار المحلوم به ، ثم اختفاء العازفة الزرقاء/ الديمقراطية، (2002 ) التي جعلت المايسترو وباقي الكومبارس والجمهور يستغربون لهذا الاختفاء غير المتوقع والذي خيب آمالا عريضة , وحولها إلى خيبة أ مل ، في قصة الأغنية الزرقاء حلم يؤرق قراءها بدلالتها العميقة والقوية التي أفصح عنها الكاتب بتقنية عالية جدا، عندما نجد العازفة /( الديمقراطية) تبندل رأسها.» السانية.«( بالتناوب) تميل إلى اليمين الهابط إلى اليسار الصاعد..ثم..فثم.. وتذكرني هذه القصة بقصيدة محمود لبريكان «حارس الفنار»
الساعة السوداء تنبض - نبض إيقاع بعيد-
رقاصها متأرجح قلق يميل إلي اليمين
إلي اليسار
إلى اليمين-
إلي اليسار-
..إن نبرة المثقف الحقيقي الشريف تنبض في قلوب كل الشرفاء البعيدين عن الانتهازية والوصولية العمياء..إن قصديه بوزفور المتعمدة لكتابته بالعامية في بعض قصصه, لا, ليضفي عليها ملامح الروح المحلية الجماعية, كما فعل توفيق الحكيم, ويوسف إدريس، وآخرون، إنها إدانة، واحتجاج على تدهور المشهد الثقافي, بصفة عامة، وعلى نكوص القصة المغربية، بصفة خاصة, وهذا النهج سلكه علماء الأزهر في القرن السابع عشر، والثامن عشر، حين لجئوا إلى الكتابة بالعامية، تعبيرا على التدهور الثقافي ، كما نجد كذلك هذا الاحتجاج الحضري، عند المثقفين المضطهدين, الذين امتلكوا لغة الحياة العامة ،لنسف الاستخدام البيرو قراطي للكلمات العادية, استخدام تكتيك حرب العصابات لدى السرياليين. وقد رفعوا اللغة الاجتماعية في وجه أسيادها. إن القصص الثلاث:«الضاية» « العازفة الزرقاء» لحم الحلم. من أفضل قصص المجموعة لأ نها تعبر عن حلم جيل بأكمله.
( وفي اعتقادي المتواضع لو نشرت هذه المجموعة مستقلة لأحدثت وقعا كبيرا في صفوف المثقفين
لأن ديوان السندباد غيبها عن التداول والانتشار.)
كما نجد بوزفور يتحلى بأخلاق ثقافة الاعتراف بالآخر والاحتفاء بروحه (ونعني بذلك قصة «زفزاف» ) هذه الشيم والأخلاق الحميدة نجدها كذلك عند الكاتب المصري محمد المخزنجي الذي احتفى بدوره بروح الكاتب الكبير يوسف إدريس بقصة عنونها « ب. يوسف إدريس» في مجموعته المتميزة (البستان).ص.55
انهي هذه القراءة بقولة من قصة يونان و الحوت: حين يكلم يونان ( الخالق) مع خالق( الفنان) مع فنان، فماذا يفعل الرب بشعب هو, كما عبر عنه بسخرية إلهية«لا يعرف يمينه من شماله . »؟

احالات:
(1)-سوزان لوهافر، الاعتراف بالقصة القصيرة، ترجمة محمد نجيب لفتة، مراجعة عزيز حمزة،دار الشؤون الثقافية العامة بغداد 1990.ص15
(2) - محمد خضير ، الحكاية الجديدة،نقد أدبي، دار عبد الحميد شومان .1995.ص92
(3) ياسين نصير، الاستهلال وفن البدايات في النص الأدبي ، دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع،2009.ص.184
12/24/2010
ج. الاتحاد الاشتراكي المغربية ( الملحق الثقافي )

29 - ديسمبر - 2010
ليوناردو دافينشى ..حكايات وأساطير
 81  82  83  84  85