البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات د يحيى مصري

 80  81  82  83  84 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
أنا من السرب    كن أول من يقيّم

إبراهيم طوقان

23 - مايو - 2008
مسابقة الوراق (4)
حكاية مدارس المسلمين 1    كن أول من يقيّم

تأسيسُ الْمَدَاَرِس ووظائفها:
كانت دار الْصَّحَابِي الجليل الأرقم بن أبي الأرقم في مكة المكرمة من المُؤَسَّسَات التَّعْلِيْمِية المهمة والأولى في الْتَّارِيْخ الإسلامي وكان سيدنا ونبينا وحبيبنا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم مُؤَسِّسها ومُعَلّمها. تعلَّم الْصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم أَجْمَعِيْن في مدرسة الأرقم بن أبي الأرقم أركان العقيدة، وتلاوة القرآن، ومعنى الرِّسالة الإسلاميِّة الخالدة وكان المنهج الدِّراسي يتكوّن من آيات من الذِّكر الحكيم فكانت تلك الآيات الكريمات البحر الزَّاخر الذي لا ينزف ولا تُكَدِّره الدِّلاء.
أَوّل مَسْجِدٍ أُسِّس على التَّقوى في الإسلام بالمدينة المنوَّرة هو مسجد قُبَاء وذلك في السَّنة الأولى من الهجرة (622 م) ثمَّ أُسِّس المسجد النَّبوي الشَّريف الذي تُشدُّ إليه الرِّحال. في هذا المسجد تلَقَّى الْصَّحَابَة بصورة علنية الدُّروس الأولى التي غيَّرت مجرى الْتَّارِيْخ فكان المسجد أول وأهم صروح التَّربية الفردية والمجتمعية. كانت هذه المدرسة أكرم مدرسة عرفتها البشرية؛ لأنها عَلّمت الإنسان من هو الخالق الرَّازق وكيف يُعبد..وعلّمته ما لم يعلم من أمر الغيب، وعلمته فضل الْعِلْم والقَلَم..
كانت هذه المدرسة أكرم مدرسة عرفتها البشرية؛ لأنَّها علّمت الإنسان أنَّ النَّاس كلهم سواسية..
كانت هذه المدرسة أكرم مدرسة عرفتها البشرية؛ لأنَّها علَّمت الإنسان العدل والميزان والإحسان..
كانت هذه المدرسة أكرم مدرسة عرفتها البشرية لأنَّها علّمت الإنسان أنَّ الهداية لا تكون بغير القرآن...
كانت هذه المدرسة أكرم مدرسة عرفتها البشرية ؛لأنَّها علَّمت الإنسان أنَّ الإسلام رحمة للعالمين..
مَهَّد المسجد النَّبوي الشَّريف الطَّريق لانطلاقة ثقافيَّة إنسانيَّة راقيَّة، وقيم روحيَّة واعية، ساهمت في تقدُّم العلوم وقيادة الأمم وتصحيح مسار التَّاريخ لمدَّة عدَّة قرون. في البداية توالت حلقات الْعِلْمِ في البيوت ثمَّ نشأت الْمَدَاَرِس وتعلَّم النَّاسُ معنى أخذ الْعِلْمِ من أهل الاختصاص امتثالاً لقوله سُبْحَانَهُ "فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ" {43} (سُوْرَةُ النَّحل). بعد فتوح الأمصار زادت الرِّحلة العلميَّة إلى المدينة المنوَّرة فأقبل الطُّلاب من مصر والشَّام والعراق وتصدَّى الصَّحابة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم أَجْمَعِيْن للمَهمَّة الكبرى فقاموا بالتَّدريس والفتوى والتحدِّيث حتى نشروا الميراث النَّبوي وزرعوا حبَّ العلم في قلوب النَّاس. كانت حلقات أم المؤمنين عائشة، وابن عباس، وأبي هريرة، وابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم أَجْمَعِيْن ذات نفع عظيم إلى يومنا هذا فما زلنا نقطف ثمارها، ونرتع في ظلالها كلَّما قرأنا حديثاً نبوياً.

23 - مايو - 2008
تراثنا 1
حكاية مدارس المسلمين 2    كن أول من يقيّم

عَرف الجيل الفريد، جيل الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم أَجْمَعِيْن، أهمية الأمانة في نقل العِلْمِ، وضرورة العَمَل بالعِلْمِ، وأهميَّة الإخلاص، وفضل التَّعليم، والمسؤوليَّة الاجتماعية في نقله مع مراعاة الفروق الفردية، والتَّحرر من الهوى والتَّقليد الأعمى، والعمل على توفير التَّشجيع الدَّائم والمُناخ الْعِلْمي للمتعلِّمين والمعلِّمين، وإنصاف الرَّأي المخالف، وقيمة الأخلاق في مسيرة التَّربية والتَّعليم. هذه المفاهيم قادت إلى انقلاب شامل في شبه الجزيرة العربيَّة وفي أقل من مِئة سنة اكتسحت هذه المبادئ الأقاليم النَّائية فانتشر الإسلام بشكل كبير، في زمن قصير، حيّر وما زال يُحيِّر المؤرِّخين. من المدينة المنوَّرة جاءت البُشرى، وانطلقت التَّربية الانطلاقة الكبرى، لتنير المُدن الأخرى، وعلى رأسها أمُّ القرى.
عندما نستعرض حياة عُظَمَاء الْعُلَمَاء قديماً نُدرك أنَّ كِبار الْعُلَمَاء في الْمَدَاَرِس الإسلامية الكبرى يقومون عادةً بجملة وظائف أهمها التَّدريس، والتَّصنيف، والفتوى، والتَّذكير والوعظ لعامَّة النَّاس، ومتابعة الطُّلاب النُّجباء والمريدين الصُّلحاء. كان المعلم يُشرف على عملية تسميع وترتيل القرآن الكريم لمن أراد أن يتثبَّت من حفظه، ويقوم بقضاء مصالح النَّاس قدْر المستطاع، ويحرِص على التَّواجد في مناسبات التَّهاني والتَّعازي. ومن أخلاقهم النَّبيلة أنَّ الواحد منهم كان لا يستصغر أحداً، ويُكثر الذِّكر ويُقِلّ من اللَّغو، ولا يَستنكِف أن يعزوَ الفائدة إلى قائلها مهما صغُر سن القائل، فيقول العالِم بكل تواضع: هذه فائدة تعلَّمتها من مقولة فلان الفلاني، وإذا لم يرض العالم عن كلامه لعلَّةٍ فيه فإنَّه ينتقده برِفقٍ ويردّه ويبين زيفه وسبب ضعفه، ولو كان القول قول أبيه فالعالِم عليه أن لا يجامل أحداً. وكان المعلم يجاهد نفسه كي تتخلَّق بهذه الصِّفات الصَّالحة ومن خلال وسائل التَّربية الحميدة يعمل على إعداد الأصفياء من العلماء لقيادة المجتمعات المسلمة في المُستقبل. لم تكن مجالس العلم تخلو من بعض ألوان المرح والتَّرويح وربما أطلق الأستاذ على تلميذه لقباً من باب المزاح ثمَّ يُعرف الطَّالب بعدها بذلك كما حدث لمُحَمَدُ بِنُ المُسْتَنِير (ت 206 هـ = 821 م)  الُملقِّبَ بِـ "بقُطْرُب" وهو الاسم الذي يتكرر في كتب النَّحو واللُّغة والعربية بكثرة، ولُقِّبَ بِذَلِكَ لأنَّهُ كَانَ يُبكِّرُ إِلَى سِيبَويْهِ طَلَباً لِلْعِلْمِ، فكُلَّما فَتَحَ بابَهُ وَجَدَه، فَقَالَ: "مَا أنْتَ إلاَّ قُطْرُبُ لَيْلٍ". وَالْقُطْرُبُ حَشَرَةٌ صَغِيرَةٌ لا تَسْتَريحُ نَهارهَا سَعْياً  ثُمَّ تَنَامُ طُوْلَ لَيْلِهاَ.
اهتم مؤرخو الإسلام بتدوين حياة الْعُلَمَاء ومراحل تطوُّر أو تغُّير مُؤَسَّسَات التَّعْلِيْم ووسائله. يبيِّن لنا المقريزي في كتابه المواعظ والاعتبار المراد بكلمة مدارس من حيث اللُّغةُ ثم يسرد بداية ظهور المدارس في تاريخنا. "لغةً دَرَسَ الكتابَ يدرسه درساً ودراسة ودارسه من ذلك كأنَّه عاوده حتى انقاد لحفظه. درَستُ ودرسَت أي هذه أخبار قد عفت وانمحت. والمدارس الموضع الذي يُدرس فيها. ولما أراد الخليفة المعتضد بالله بناء قصره في  ببغداد استزاد في الذرع بعد أن فرغ من تقدير ما أراد فسُئل عن ذلك فذكر أنَّه يريده ليبني فيه دوراً ومساكن ومقاصير يرتِّب في كل موضع رؤساء كلّ صناعة ومذهب من مذاهب العلوم الْنَّظَرِية والعَمَلِية ويجري عليهم الأرزاق السَّنية ليقصد كل من اختار عِلْماً أو صناعة رئيس ما يختاره فيأخذ عنه. والْمَدَاَرِس مما حدث في الإسلام ولم تكن تُعرف في زمن الْصَّحَابَة ولا التَّابِعين وإنما حدث عملها بعد الأربع مئة من سني الهجرة وأوّل من حُفظ عنه أنَّه بنى مدرسة في الإسلام أهل نيسابور فبُنيت بها المدرسة البيهقيَّة وبنى بها أيضاً الأمير نصر بن سبكتكين مدرسة وبنى بها أخوه السُّلطان محمود بن سبكتكين مدرسة وبنى بها أيضاً المدرسة السَّعيدية وبنى بها أيضاً مدرسة رابعة وأشهر ما بُني في القديم المدرسة النِّظَامِية ببغداد لأنَّها أوّل مدرسة قرّر بها للفقهاء معاليم وهي منسوبة إلى الوزير نظام الملك وزير ملك شاه بن ألب أرسلان في مدينة بغداد وشرع في بنائها (457 هـ = 1064 م) وفرغت في (459 هـ = 1066 م) ودرَّس فيها الشَّيخ أبو إسحاق الشِّيرازيّ الفيروز أبادي صاحب كتاب التَّنبيه في الفقه على مذهب الإمام الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فاقتدى النَّاس به من حينئذ في بلاد العراق وخراسان وما وراء النَّهر وفي بلاد الجزيرة وديار بكر" (ص 1719باختصار وتصرّف).

23 - مايو - 2008
تراثنا 1
حكاية مدارس المسلمين 3    كن أول من يقيّم

اشترى الوزير أبو نصر سابور بن أزدشير داراً بالكرخ سنة 383 هـ = 993 م "وجدَّد عمارتها ونقل إليها كتباً كثيرة ووقفها على الفقهاء وسماها دار الْعِلْم ولعل هذه أول مدرسة وقفت على الفقهاء وكانت قبل النِّظامية بمدة طويلة" (ابن كثير في البداية، بتصرُّف).
ذكر جورج مقدسي في دراسة مُوسعة عن نشوء مؤسسات التَّعْلِيْم في الْتَّارِيْخِ الإسلامي وفي بلاد الغرب أنَّ أم المقتدر، السَّيدة (ت 329 هـ = 933 م)، وبدر ابن حسنويه (ت 405 هـ = 1014م) ونظام الملك (ت 485 هـ = 1092م) باني الْمَدَاَرِس النِّظَامِيَّة من أشهر المتبرعين لبناء الْمَدَاَرِس الوقفيَّة مع توفير سكن وطعام وملبس للطُّلاب وأنَّ إسهاماتهم كبيرة في دعم المسيرة التَّعْلِيْمِيَّة المُؤَسَّسِيَّة من خلال تسخير نفوذهم السِّياسي وثروتهم الماليَّة لتلك الأهداف السَّامية.
بدر بن حسنويه ونظام الملك من أهم الشَّخصيات الْسِّيَاسِيَّة الإداريّة القيادية التي ساهمت بعمق في توسيع نطاق بناء الْمَدَاَرِس في تاريخ الإسلام. كانت جهودهما المنظمة الواسعة المتميزة لأكثر من 30 سنة في بناء الْمَدَاَرِس وراء ظهور الكلِّيات التَّعْلِيْمِية التَخَصُّصِية العليا ووراء انتشار التَّعْلِيْم ورخاء حياة الطُّلاَب والمُعَلِّمين في المشرق الإسلامي (Maqdisi, 1981, p. 22, 24, 29, 30, 32, 38, 40, 147, 282, 311, 317).
كان بدر بن حسنويه بن الحسين أبو النجم الكردي من خيار الملوك بناحية الدينور وهمدان، وله سياسة وصدقة كثيرة، كُني بأبي النَّجم، ولَقَبه ناصر الدولة، وقِيل مجد الدولة، كان يصرف كل يوم جمعة عشرين ألف درهم على الفقراء والأرامل، وعمَّر في أيامه من المساجد والخانات ما ينيف على ثلاثة آلاف مسجد وخان للغرباء، هذا كله خارجاً عما يصرف من ديوانه من الجرايات والنَّفقات والصَّدقات، والبر والصِّلات، على أصناف النَّاس من الفقهاء والقضاة والمؤذنين والأشراف، والفقراء، والمساكين والأيتام والأرامل (انظر ابن كثير وابن العماد في أحداث سنة 405 هـ والمنتظم لابن الجوزي ص 3384). كان بدر بن حسنويه من مفاتيح الحكمة، ومصابيح الرحمة سخَّر عقله وماله وخِبرته لتمويل بناء الْمَدَاَرِس وإدارتها وتطويرها، وسيرته في دعم مسيرة التَّعليم جديرة بالذِّكر والفخر وتستوجب الاقتداء بها.
يُحدثنا ابن العماد في شَذراته أنَّ المؤرخين يصفون نظام الملك، الوزير الحكيم، بأنَّه كعبة المجد، ومنبع الجود، فهو الذي بنى الكثير من المساجد والرّبط، ورغَّب في الْعِلْمِ، وأكرم الْعُلَمَاء، وكان هو نفسه عالماً، وهو أول من أنشأ الْمَدَاَرِس في الأمصار بهذه السّعة، فاقتدى النَّاس به ولا عجب بعد هذا بأن يُوصف نظام الملك بأنَّه من حسنات الدَّهر وأنَّه اللُّؤلؤة النَّفِيْسَة التي صاغها الله سُبْحَانَهُ من شرف (ج5، ص 362، 363، 364). يُؤكد المؤرخون على أنَّ الْمَدَاَرِس النِّظَامِيَّة من أرقى وأشهر الْمَدَاَرِس لأنَّ نظام الملك أمدَّها بما تحتاج من كتب وعيّن لها المدرسين والطُّلاَب والخدم ولم يخل بلد من شيء منها حتى جزيرة ابن عمرو التي هي زاوية من الأرض لا يُؤتى لها، بنى فيها مدرسة كبيرة حسنة ومَن وُجد في بلدة تميز وتبحر في الْعِلْمِ شجَّعهُ وبنى له مدرسةً ووقف عليها وقفاً وجعل فيها دار كُتبٍ (عبدالدائم، 1997، ص 156).
استناداً إلى النُّصوص التَّارِيخِيَّة السَّابقة وغيرها المتصلة بشأن مسيرة التَّعْلِيْم في الأقطار الإسلامية وتتبُّع نشوء المُؤَسَّسَات التَّعْلِيْمِيَّة يمكننا استخلاص نتيجة عامة وهي أنَّ الوزير نظام الملك هو أول من عمّم وطبَّق فكرة مُؤسَّسَات التَّعْلِيْم في أرجاء العالم الإسلامي في القرن الخامس الهجري بشكل مُنظم وواسع ورسمي ومتطور من خلال جهود مُؤَسَّسِيَّة استمرت لمدة تُقارب الثّلاثين سنة وأشرف بنفسه على ذلك كله ونالت استحسان النَّاس، ودعم الأمراء، ومساندة المحسنين، وإقبال طُلاب الْعِلْمِ والمُعَلِّمِين.

23 - مايو - 2008
تراثنا 1
حكاية مدارس المسلمين 4    كن أول من يقيّم

ظهرت الْمَدَاَرِس لعدة أسباب منها أنَّ طبيعة الحياة المدنيَّة المختلفة عن حياة البداوة البسيطة جعلت الحاجة ماسَّة إلى تجهيز الْمَدَاَرِس وصرف الرَّواتب للمعلمين لتنظيم الحياة ومواجهة تغيراتها ومتطلباتها لمساندة الأسرة، والمسجد، والجامع في عَمَلِيَّة التَّطبيع الاجتماعي. لَقد أجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ على أَنَّ العمل الجماعي المنظم في التَّعاون على البر والتَّقوى من سمات هذا الدِّين وَهُوَ مِمَّا عُلِمَ بِالْعَقْلِ الصَّرِيحِ والنَّقل الْصَحيْح. قال الله عزَّ وَجَلَّ "وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {2}"(سُوْرَةُ المائدة). ويدخل تحت معاني هذه الآية الكريمة الجامعة وجوب التَّعاون من أجل تعليم النَّاسِ الْعِلْمَ وإرشادهم، وكل وسيلة تساهم في تحقيق هذا المقصد هي وسيلة مرغوبة محمودة.
ضعفت اللُّغَة الْعَرَبِيَّةِ بعد عصر التَّابعين ومع دخول العجم في الإسلام ، وظهرت الانحرافات، وقلّ تعلُّق النَّاس بالصَّحيح من أحكام الدِّين فزادت الحاجة إلى معاهد فيها طائفة من أولِي المعارف والنُّهَى كي يقودوا المجتمع.
تأييد أحد المذاهب الفقهيَّة الأربعة المشهورة أو غيرها من أسباب بناء المدارس بل من أهمها. كانت المدارس الفقهيَّة تتسابق في نشر وخدمة أفكارها وتراثها بين العلماء والعوام. كان أتباع كل مذهب يبنون المدارس الكافية لنشر فكرهم والدِّفاع عن أصول منهجهم في الاجتهاد، وشرح قوانينهم الكُليَّة وفوائدهم الجزئيَّة في قضايا الفقه والعقيدة.
ولعل أهم أسباب ظهور المدارس وعناية الحكام والولاة بها أنها كانت ومازالت تلعب دوراً واضحاً في تثبيت أركان النِّظام السِّياسي الحاكم وضمان السَّيطرة الواعية على تنشئة طبقة الصَّفوة المتعلِّمة في المجتمع.
كانت مُهمة المدارس والمعاهد الإسلامية المتنوعة واضحة ومهمة وهذه المهام مُرتبطة بعدَّة أهداف ساهمت في ظهور وانتشار الْمَدَاَرِس الإسلامية في أقاليمها الكثيرة. وهكذا ظهرت الْمَدَاَرِس ودُور العلم والمعاهد لتُلبي احتياجات النَّهضة الحضاريَّة، ولتحقق أهداف الفرد ومطالب المجتمع، ولتواجه التَّحديات المعيشيَّة. لذلك قامت المَدارس لأداء طائفة من الوظائف ومن أهمها:
تدريس العلوم الدِّينيَّة والدُّنيويَّة. غرس العقيدة الإسلاميَّة كان بدون أدنى شك من أسنى مقاصد بناء الْمَدَاَرِس في ديار الإسلام كما أنَّ تعليم المهارات والصَّنائع اللازمة لتغطية حاجة المجتمع من الوظائف الدِّينية والإداريَّة والمهنيَّة كانت من أسمى وظائف الْمَدَاَرِس.
خدمة المجتمع من خلال الإجابة عن أسئلة النَّاس، ومشاركتهم حياتهم اليوميَّة، وتوفير المكتبات العامَّة العامرة التي تيسِّر الإفادة المجانيَّة منها للمتعلِّمين والمُعلِّمين، وحثّ العامَّة والخاصة على العمل بفضائل الأعمال. المدرسة ومساجدها وصالاتها الملحقة بها هي في حقيقتها منتدى اجتماعي وصالون ثقافي يجمع بين الْعُلَمَاء والأمراء وبين عامَّة النَّاس خاصة في المناسبات العامَّة. الإيوان في الْمَدَاَرِس أشبه ما يكون بقاعة المحاضرات في تعبيرنا العصري وكان الإيوان مكاناً فسيحاً يجمع النَّاس في المناسبات الدِّينيَّة والاجْتِمَاعِية.

23 - مايو - 2008
تراثنا 1
حكاية مدارس المسلمين 5    كن أول من يقيّم

كانت المدارس أيضاً سبباً في تشجيع عمليَّة البحث والتَّأليف والنَّشر، وإن كان بعض المعلمين من كثرة التَّعْلِيْم لا يتفرغ للتصدي للتَّأليف نظراً لكثرة مهامه التَّعليميَّة إذ أنَّ الواحد من المُعَلِّمين الكبار قد يُدَرِّس في غير مدرسة (ابن العماد، ج7، 106).
رعاية الطلاب والْعُلَمَاء من مختلف الأصقاع والأقطار، ماديّاً وعِلْميّاً. ومن أوجه الرِّعاية الفكريّة أن تقوم المدرسة بغرس المنهج السَّليم في التَّفكير فيتعلم الطَّالب البحث عن الدَّليل فَيُرحِّب بالمعرفة الموثَّقة ويرفض الفكر الغيبي الخرافي الذي يتجاوز حدود الدِّين.
تشجيع المشاركة في تَرْجَمَة الكتب من شتى العلوم ثم مناقشتها والإفادة منها عملياً.
التَّنوير الحضاري. الْمَدَاَرِس كانت علامات للاستنارة العِلْمِية والعقدية لأنها كانت تُعطي دول العالَم في تلك الفترة الوجه الحضاري للإسلام الذي يدعو ويعمل لتأصيل القيم الإنسانيَّة السَّامية نظرياً وعملياً. حلقات النِّقاش والوعظ والمناظرة كانت سلسلة من الجهود المُكثَّفة نحو هذا الهدف الشَّامل.
تلبية حاجة الأجيال القادمة والاهتمام بتعليم الأطفال وترغيبهم بالْعِلْمِ والحث على العمل، ولقد قام الْعُلَمَاء بتقديم صورة قيادية صالحة يتأسى بها الصَّغير كأنموذج واقعي فِي هِدَايَتِهِم وَدِرَايَتِهِم. هذه الصُّورة التي حرَصوا على تقديمها للنَّاشئة هي ترجمة لتطبيق مفهوم "اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ {6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ". كانت المدارس لا تسأم من سماع خاتمة كثير من الحلقات الدِّراسية التي قد تنتهي بكلمات ودعوات تُعمِّق مفهوم "اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ {6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ" في نفوس المتعلِّمين مثل قول العلماء "نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ".
التَّحذير من التَّيارات العقديَّة المنحرفة والرَّد على الأفكار المناوئة، والمذاهب الهدَّامة مثل الحركات الباطنيَّة، وشبهات الفلاسفة اليونان في شأن الدِّين والبعث والنُّشور، وكذلك كان يهدف التَّعْلِيْم إلى تفنيد شبهات الملحدين وتحصين أبناء المسلمين من كل أمر منحرف عن الصِّراط المستقيم وهذا المقصد من أكبر الأهداف والدَّوافع الإصلاحية للتَّربية الإسلاميَّة ومؤسساتها المتنوعة قديماً وحديثاً.
***المحافظة على نفائس التُّراث ونقلها للأجيال القادمة.
وهكذا كانت الْمَدَاَرِس الإسلامية وجميع المرافق التَّابعة لها تؤدي وظائف حيويَّة ما زالت المُؤَسَّسَات المعاصرة تجاهد من أجل القيام بها والوفاء بحقوقها وواجباتها.
إذا أردنا تلخيص وظائف وأهداف المَدارس التي ذكرناها سابقاً نجدها تدور حول ثلاث غايات كُلِّيَّة عُليا وهي:
1- ضمان توفير التَّعليم الوقائي بغرض تبصير النَّاس وتقديم الأسوة السُّلوكية.
2- التَّعليم العلاجي بغرض تصويب الأخطاء ومواجهة الظَّواهر الَّسَّلبية.
3- التَّعليم التَّنموي بغرض تشجيع الفكر الابتكاري ومضاعفة الفرص الإنتاجية.
جزى الله خيراً كاتِبَها وقارِئها.

23 - مايو - 2008
تراثنا 1
محاولة    كن أول من يقيّم

هو : توماس إدوارد لورنس ( لورنس العرب).

25 - مايو - 2008
مسابقة الوراق (5)
اسم الكتاب    كن أول من يقيّم

إنه الدجال الذي طلى أكاذيبه على طوال الشوارب : ( لورنس العرب) في كتابه : ( الأعمدة السبعة)
Thomas Edward Lawrence.

25 - مايو - 2008
مسابقة الوراق (5)
الكتاتيب 2    كن أول من يقيّم

إنَّ دور الكتاتيب في تنمية الفكر وتهذيب الآداب أمر لا جدال فيه إذ لعبت مئات الألوف من الكتاتيب إلى عهد قريب دوراً مُباركاً في تنوير المجتمعات المسلمة. كثيرة هي الكلمات التي ارتبطت بمسيرة الكتاتيب ومن الكلمات اليوميَّة في حياة السَّلف قولهم اختلف الصَّبي إلى المكتب أي ذهب إلى المدرسة وهي جملة كثيرة الاستخدام في حياة الأوائل الذين عاشوا مع التَّعْلِيْمِ عيشة زاهية ويقولون قَلَبَ المعلم الصِّبيان أي صرفهم وأطلقهم إلى بيوتهم (الزَّبيدي: تاج العروس: ص ،1210، الزمخشري: تاج البلاغة: ص 1161، ابن سيده: المخصص: ص 1497).
من الألفاظ الدَّارجة في أدبيات الكتاتيب كلمة الحذاقة ويراد بها التَّمكن والفطنة في تعلم مهارة من المهارات وقولهم حذق الصَّبي القرآن أي تعلَّمه وعرفه ويوم الحذاقة هو اليوم الذي يختم الصَّبي فيه القرآن الكريم. ووليمة الحِذاقة هي الإطعام عند ختم القرآن وتُسمى أيضاً التَّحلية فيقول الأولاد في الكتَّاب "حلانا فلان بن فلان" وكذا إذا تعلَّم الصَّبي الآداب وإذا نبتت أسنان الصَّغير (ابن طولون، ص 23).
ومن نسمات الماضي وقسماته التَّعليميَّة أنَّ الصَّبي في المكتب يستخدم الإجانة. الإجانة وعاء يستخدمه الصِّبيان في المكتب لتنظيف ألواحهم. كان المعلم يحرِص على أن يأمر طلاَّبه بصبِّ ماء الإجانة بالمواضع البعيدة عن مواضع الناس بعد فراغهم من التَّنظيف. وداخل الفصل يقوم الطِّفل بمسح لوحته بخرقة تُسمَّى "الطَّلاسة" وأقلام الصِّبيان كانت من الطّباشير والجص (زيَّات، 1992 م، ص 53). الأقلام في الكتاتيب قد تكون مصنوعة أيضاً من "البوص" وهو قصب نبات مجوف يُقطع بزاوية مائلة ليكون رأس القلم ويُستعمل المداد الأسود الذي قد يصنعه الصَّبي بنفسه ليكتب به على لوح الخشب الأصفر.
لم يكن الصَّبي يستطيع أن يتحمَّل أعمال الحياة ومتطلباتها لولا تلقِّيه العلم في الكتاتيب التي كانت إلى جانب دورها في حفظ الصَّبي في مكان آمن وتُعِدُّه للنُّهوض بإمكاناته الفِكْرِيَّة والخُلقيَّة والرُّوحيَّة. كتاتيب الصِّبيان كانت أكثر انتشاراً ولم يكن يُسمح بالاختلاط بين الجنسين غالباً فالقابسي كان يؤكد دائماً على ضرورة عزل الذُّكور عن الإناث وأن ذلك من آداب التَّعْلِيْم في الإسلام.
من أهم قسمات التَّعْلِيْم في الكتاتيب أنَّ التَّعْلِيْمَ فيها يقوم على التَّلقين والتَّقليد والتَّدريب فالصَّبي من خلال لوحته الخشبيَّة المصبوغة بالسَّواد (زيَّات، 1992 م، ص 52) يُحاول أن يُنمِّي مهارته في الكتابة بتقليد ما يكتبه المُعَلِّم لينال من العلوم حظاً، كتابةً وحفظاً. الطَّالِبُ الذي يُنهي تحصيله من الكتاتيب يتأهَّل لمرحلة جديدة فإمَّا أن ينصرف إلى العمل وإمَّا أن يلتحق بحلقات الْعِلْمِ وهي مرحلة متوسطة يمكنه بعدها أن يتخصَّص كعالم في عِلْمٍ معين. الطَّالب النَّجيب قد يحصل على إجازة في التَّدريس أو الفتوى في سنِّ العشرين. كثير من الصِّبيان يُعِدُّ نفسه كي يعمل في الوراقة أو نسخ الكتب أو التِّجارة، أو التَّعليم أو إتِّقان الصِّناعات اليدويَّة ومعظم هذه الوظائف لا يمكن ممارستها من غير معرفة القراءة والكتابة.
الدِّين أهم عنصر في منهج الكتاتيب لأنَّ المسلم المُكلَّف يجب أن يعرف أموره دينه فيُعَدُّ منذ صباه لهذه المَهمَّة. يقول الماوردي (ت 450هـ = 1058 م) في كتابه أدب الدُّنيا والدِّين "‏وَإِذَا لَمْ يَكُنْ إلَى مَعْرِفَةِ جَمِيعِ الْعُلُومِ سَبِيلٌ وَجَبَ صَرْفُ الاهْتِمَامِ إلَى مَعْرِفَةِ أَهَمِّهَا وَالْعِنَايَةِ بِأَوْلاهَا، وَأَفْضَلِهَا.‏ وَأَوْلَى الْعُلُومِ، وَأَفْضَلُهَا عِلْمُ الدِّينِ، لأَنَّ النَّاسَ بِمَعْرِفَتِهِ يَرْشُدُونَ، وَبِجَهْلِهِ يَضِلُّونَ.‏ إذْ لا يَصِحُّ أدَاءُ عِبَادَةٍ جَهِلَ فَاعِلُهَا صِفَاتِ أَدَائِهَا، وَلَمْ يَعْلَمْ شُرُوطَ إجْزَائِهَا.‏ وَلِذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ‏{‏فَضْلُ الْعِلْمِ خَيْرٌ مِنْ فَضْلِ الْعِبَادَةِ}‏. وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ، لأنَّ الْعِلْمَ يَبْعَثُ عَلَى فَضْلِ الْعِبَادَةِ وَالْعِبَادَةُ مَعَ خُلُوِّ فَاعِلِهَا مِنْ الْعِلْمِ بِهَا قَدْ لا تَكُونُ عِبَادَةً، فَلَزِمَ عِلْمُ الدِّينِ كُلَّ مُكَلَّفٍ". على النَّاشئة في الكتاتيب أن يتعلَّموا شيئاً من القرآن الكريم ويحفظوا شطراً منه على الأقل وهذه مرحلة اجبارية أمَّا المرحلة الاختيارية فهي مرحلة تعلُّم الفقه والأدب العربي والتَّاريخ... (بدر، 2000 م، ص 123).

25 - مايو - 2008
الكتاتيب 1
الكتاتيب3    كن أول من يقيّم

قد يظن البعض أنَّ فكرة إلزاميَّة التَّعْلِيْم للأطفال من القوانين العصريَّة التي وُلدت في العصور المدنيَّة الحديثة ولكن يمكن رصد ظهور بدايات هذه الفكرة المهمة من عصرٍ مُبكِّر في تاريخنا الإسلامي. يُعَدُّ الإمام القابسي (ت 403 هـ = 1012م)، أول من نادى بإلزام التَّعْلِيْم بمعنى إرغام الصِّبيان على الذِّهاب إلى الكتاتيب. وهو اجتهاد خالف فيه القابسي من سبقه من الفقهاء (الأهواني، 1983، ص 102، الصَّالح، ص 304) الذين كانوا يحثون على إرسال الأبناء للكتاتيب ولكنهم لم يقولوا بأنَّ حكم ذلك الوجوب. القابسي أعلن أنَّ تعليم الولد في المكتب من الواجبات الشَّرعية وأنَّه يتحتَّم على الأب أن يرسل ولده للمكتب وأن يدفع أُجرة المُعَلِّم فإن لم يستطع هو أو أهله فعلى المحسنين مساعدته إن أرادوا ذلك وإلا فإنَّ بيت المال يستطيع أن يتكفل بتغطية نفقات تعليم الصَّبي الفقير. الغرض من إلزامية التَّعْلِيْم عند القابسي هو تعليم الصَّبي الأمور المهمة المتعلِّقة بالدِّين. الفارابي (259 – 339 هـ = 872 – 959 م) "يرى أنَّ من واجب الدَّولة أن تخصص للتَّعليم ميزانية مالية لتربية الصِّبيان وذلك بأن تأخذ جزءاً من الزكوات والخراج، وغيرهما من موارد الدَّولة " (الطَّالبي، 1994، ج1، ص 203). يرى طه حسين (ت 1393 هـ = 1973 م) أنَّ التَّعليم الأولي والإلزامي ركن أساسي من أركان الحياة الاجتماعيَّة مهما يكن نظام الحكم الذي تخضع إليه الدَّولة (جلال، 1994، ج1، ص 316).
ذكر ابن ‏الحاج‏ ‏(ت 737 هـ = 1336 م) جملة من الآداب التي يجب أن يتحلَّى بها المُعَلِّم في الْكُتَّابِ وفيما يلي مختصراً لبعض النُّصوص التي أوردها: "يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ لا يَتْرُكَ أَحَدًا مِنْ الصِّبْيَانِ يَأْتِي إلَى الْكُتَّابِ بِغِذَائِهِ وَلا بِفِضَّةٍ مَعَهُ وَلا فُلُوسٍ لِيَشْتَرِيَ شَيْئًا فِي الْمَكْتَبِ، لأنَّ مِنْ هَذَا الْبَابِ تَتْلَفُ أَحْوَالُهُمْ وَيَنْكَسِرُ خَاطِرُ الصَّغِيرِ الْفَقِيرِ مِنْهُمْ وَالضَّعِيفِ لِمَا يَرَى مِنْ جِدَةِ غَيْرِهِ، وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لا يَدَعَ أَحَدًا مِنْ الْبَيَّاعِينَ يَقِفُ عَلَى الْمَكْتَبِ لِيَبِيعَ لِلصِّبْيَانِ إذْ فِيهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ. ‏‏وَيَنْبَغِي لَهُ إذَا احْتَاجَ الصَّبِيُّ إلَى غِذَائِهِ أَنْ يَتْرُكَهُ يَمْضِي إلَى بَيْتِهِ لِغِذَائِهِ ثُمَّ يَعُودُ، لأنَّهُ سِتْرٌ عَلَى الْفَقِيرِ وَفِيهِ أَيْضًا تَعْلِيمُ الأدَبِ لِلصِّبْيَانِ فِي حَالِ صِغَرِهِمْ، لأنَّ الأكْلَ يَنْبَغِي أَنْ لا يَكُونَ إلا بَيْنَ الإخْوَانِ وَالْمَعَارِفِ دُونَ الأجَانِبِ فَإِذَا نَشَأَ الصَّبِيُّ عَلَى ذَلِكَ كَانَ مُتَأَدِّبًا بِآدَابِ الشَّرِيعَةِ فَيَذْهَبُ عَنْهُ مَا يَتَعَاطَاهُ بَعْضُ عَامَّةِ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ الأكْلِ عَلَى الطَّرِيقِ وَفِي الأسْوَاقِ وَبِحَضْرَةِ مَنْ يَعْرِفُهُ وَمَنْ لا يَعْرِفُهُ.
وَيَنْبَغِي لِلْمُؤَدِّبِ أَنْ لا يُكْثِرَ الْكَلامَ مَعَ مَنْ مَرَّ عَلَيْهِ مِنْ إخْوَانِهِ إذْ مَا هُوَ فِيهِ آكِدٌ عَلَيْهِ مِنْ الْحَدِيثِ مَعَهُ، لأنَّهُ مُشْتَغِلٌ بِأَكْبَرِ الطَّاعَاتِ لِلَّهِ تَعَالَى اللَّهُمَّ إلا أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ فَرْضٌ أَوْ أَمْرٌ هُوَ أَهَمُّ فِي الْوَقْتِ مِمَّا هُوَ فِيهِ فَنَعَمْ.‏ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُؤَدِّبِينَ تَجِدُهُمْ بِضِدِّ هَذَا الْحَالِ يَتَحَدَّثُونَ كَثِيرًا مَعَ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَالصِّبْيَانُ يُبْطِلُونَ مَا هُمْ فِيهِ وَيَلْهُونَ عَنْهُ وَيَلْعَبُونَ فَلْيَحْذَرْ مِنْ هَذَا أَنْ يَقَعَ مِنْهُ ‏. ‏
‏وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلِّمَهُمْ آدَابَ الدِّينِ كَمَا يُعَلِّمُهُمْ الْقُرْآنَ فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا سَمِعَ الأذَانَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا كُلَّ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ قِرَاءةٍ وَكِتَابَةٍ وَغَيْرِهِمَا إذْ ذَاكَ فَيُعَلِّمُهُمْ السُّنَّةَ فِي حِكَايَةِ الْمُؤَذِّنِ وَالدُّعَاءِ بَعْدَ الأذَانِ لأنْفُسِهِمْ وَلِلْمُسْلِمِينَ، لأنَّ دُعَاءهُمْ مَرْجُوُّ الإجَابَةِ ولاسيَّما فِي هَذَا الْوَقْتِ الشَّرِيفِ ثُمَّ يُعَلِّمُهُمْ الْوُضُوء وَالصَّلاة وَتَوَابِعُهَا وَيَأْخُذُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ قَلِيلاً وَلَوْ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً فِي كُلِّ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَلْيَحْذَرْ أَنْ يَتْرُكَهُمْ يَشْتَغِلُونَ بَعْدَ الأذَانِ بِغَيْرِ أَسْبَابِ الصَّلاةِ بَلْ يَتْرُكُونَ كُلَّ مَا هُمْ فِيهِ وَيَشْتَغِلُونَ بِذَلِكَ حَتَّى يُصَلُّوا فِي جَمَاعَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ فِي قَضَاءِ حَاجَتِهِمْ يَمْضُونَ إلَى مَوْضِعِ وَقْفٍ أَوْ مَوْضِعِ مِلْكٍ أُبِيحَ لَهُمْ أَوْ إلَى بُيُوتِهِمْ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَيُصَلُّونَ جَمِيعًا فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ مُؤَدِّبُهُمْ، فَإِنْ خَافَ عَلَيْهِمْ مِنْ اللَّعِبِ أَوْ الْعَبَثِ فَيُصَلُّونَ فِي الْمَكْتَبِ جَمِيعًا وَيُقَدِّمُونَ أَكْبَرَهُمْ فِيهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ جَمَاعَةً.
‏وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَقْتُ كَتْبِهِمْ الألْوَاحَ مَعْلُومًا وَوَقْتُ تَصْوِيبِهَا مَعْلُومًا وَوَقْتُ عَرْضِهَا مَعْلُومًا وَكَذَلِكَ قِرَاءةُ الأحْزَابِ حَتَّى يَنْضَبِطَ الْحَالُ وَلا يَخْتَلَّ النِّظَامُ وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْهُمْ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ قَابَلَهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ فَرُبَّ صَبِيٍّ يَكْفِيه عُبُوسَةُ وَجْهِهِ عَلَيْهِ وَآخَرَ لا يَرْتَدِعُ إلاَّ بِالْكَلامِ الْغَلِيظِ وَالتَّهْدِيدِ وَآخَرَ لا يَنْزَجِرُ إلا بِالضَّرْبِ وَالإِهَانَةِ كُلٌّ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ.‏ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَعَهُمْ بِالرِّفْقِ مَهْمَا أَمْكَنَهُ إذْ إنَّهُ لا يَجِبُ ضَرْبُهُمْ فِي هَذَا السِّنِّ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ فَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ فِي سِنِّ مَنْ يُضْرَبُ عَلَى تَرْكِ الصَّلاةِ وَاضْطُرَّ إلَى ضَرْبِهِ ضَرَبَهُ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلا يَزِيدُ عَلَى ثَلاثَةِ أَسْوَاطٍ شَيْئًا بِذَلِكَ مَضَتْ عَادَةُ السَّلَفِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ فَلَهُ فِيمَا بَيْنَ الثَّلاثَةِ إلَى الْعَشَرَةِ سَعَةٌ.‏. وَلا يَكُونُ الأدَبُ بِأَكْثَرَ مِنْ الْعَشَرَةِ وَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا يَطْرَأُ عَلَى الصَّبِيِّ إنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ.‏ وَلْيَحْذَرْ الْحَذَرَ الْكُلِّيَّ مِنْ فِعْلِ بَعْضِ الْمُؤَدِّبِينَ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَتَعَاطَوْنَ آلَةً اتَّخَذُوهَا لِضَرْبِ الصِّبْيَانِ مِثْلَ عَصَا اللَّوْزِ الْيَابِسِ وَالْجَرِيدِ الْمُشَرَّحِ وَالأَسْوَاطِ النُّوبِيَّةِ وَالْفَلَقَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا أَحْدَثُوهُ وَهُوَ كَثِيرٌ وَلا يَلِيقُ هَذَا بِمَنْ يُنْسَبُ إلَى حَمْلِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ".

25 - مايو - 2008
الكتاتيب 1
 80  81  82  83  84