وترجع أهمية البوزجاني إلى إسهامه في تقدم علم حساب المثلثات، حيث يعترف "كارادي فو" بأن الخدمات التي قدمها أبو الوفاء لعلم المثلثات لا يمكن أن يجادل فيها، فبفضله أصبح هذا العلم أكثر بساطة ووضوحاً. فقد استعمل القاطع وقاطع التمام، وأوجد طريقة جديدة لحساب الجيب. كما أنه أول من أثبت القانون العام للجيوب في المثلثات الكروية.
وقد برع (أبو الوفاء البوزجاني)، خاصة بعمله في (حساب المثلثات الكروية) فهو أول من استخدم المماسات والقواطع ونظائرها، في قياس المثلثات والزوايا.
ولقد صرح (غوستاف لوبون) :
(أن آلات الرصد التي استعملها أبو الوفاء كانت على جانب عظيم من الدقة والإتقان).
ثم تابع أبحاثه من بعده كل من البيروني في مؤلفه :
(القانون المسعودي) والطوسي في رسائله الرياضية والفلكية.
ويعتبر أبو الوفاء البوزجاني من أبرز علماء الرياضيات والفلك، وقد نال شهرة عظيمة لإقامته مرصدًا في بغداد، ولشروحه وتعليقه على مؤلفات إقليدس وديوفانتوس وبطليموس.
ومن الجدير بالذكر مزاوجة العلماء الرياضيين العرب بين النظريات الأكاديمية الخالصة، وتطبيقاتها العملية المستخدمة في علوم الفلك والحياة اليومية، وقد كان أبو الوفاء أبرز هؤلاء العلماء الذين حققوا هذا، خاصة وأنه أحد أعضاء المرصد لذي أنشأه (شرف الدولة) في سرابة عام 377هـ/987م.
ولذلك يقول (قدري طوقان) في كتابه ؛
(تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك) :
(إن البوزجاني من ألمع علماء العرب، الذين كان لبحوثهم ومؤلفاتهم الأثر الكبير في تقدم العلوم، ولا سيما الفلك والمثلثات وأصول الرسم. وفوق ذلك كله كان أبو الوفاء من الذين مهدوا السبيل لإيجاد الهندسة التحليلية).
وليس غريبًا أن يبدع أبو الوفاء في جميع فروع الرياضيات، حيث أدخل علم الهندسة على علم الجبر، وابتكر حلولاً جديدة للقطاع المكافئ، مما أدى إلى اكتشاف الهندسة التحليلية وعلم التفاضل والتكامل.
وقد عكف أبو الوفاء على التأليف في العلوم الرياضية والفلكية. ومن أشهر كتبه ورسائله ـ على ما يذكره عمر كحالة، في كتابه ؛ (العلوم البحتة في العصور الوسطى) :
(أن أبا الوفاء قد اشتهر بما يلي:
* كتابه (الكامل) وهو ثلاث مقالات: (المقالة الأولى في الأمور التي ينبغي أن تعلم قبل حركات الكواكب، والمقالة الثانية في حركة الكواكب، والمقالة الثالثة في الأمور التي تعرض لحركات الكواكب)، ويشبه كتاب المجسطي لبطليموس ..
ونلاحظ أن أبا الوفاء قد كتب شروحًا كثيرة لكتاب ديوفانتوس، والمجسطي لبطليموس في علم الفلك، وهندسة إقليدس جامعًا بين المنهجين اليوناني والهندي. مما دعا (جورج سارتون) مؤرخ العلم في كتابه (تاريخ العلم) أن يوضح أنه علق على جميع مؤلفات إقليدس في علم الهندسة، وأنه برهن بطريقة علمية بحتة كيفية تحديد رؤوس شكل كثير الأسطح المنتظمة داخل كرة مستعملاً فرجارًا ثابت الفتحة.
وقد قضى أبو الوفاء جُلَّ وقته في دراسة مؤلفات الرياضي الكبير البتاني في علم حساب المثلثات، فعلَّق عليها وفسر الغامض منها. ولذلك يقول المستشرق (سيديو) في كتابه (تاريخ العرب العام): (إن أبا الوفاء البوزجاني ذلك العالم الذي يتردد اسمه كثيرًا خلال المناقشات الأكاديمية في أوروبا ـ قد صحح أخطاء الفلكيين الذين سبقوه).
وقد اهتم أبو الوفاء بالكسور الاعتيادية، وكان الناس قد ألفوا الكسور الأساسية (التي بسطها الوحدة) أي على شكل1/ن، حيث (ن) عدد صحيح موجب.
ويقول الدكتور علي عبدالله الدَّفّاع في كتابه ؛
(العلوم البحتة في الحضارة العربية والإسلامية):
إنه كانت لعلم الفلك سيطرة على علم حساب المثلثات، إلا أبا الوفاء حذا حذو أستاذه البتاني في العمل الجاد على فصل علم حساب المثلثات عن علم الفلك، وقام بإنجازات عظيمة في هذا المجال.
وقد وصفه (كارل بوبر) بأنه :
(من المسؤولين الأوائل في فصل علم حساب المثلثات عن علم الفلك، حتى تمكن من إدخال علم الجبر عليه بالطريقة النظرية، وهذا واضح من متطابقاته المثلثية).
ولقد واصل أبو الوفاء بِجِدٍّ وإخلاص فصل علم حساب المثلثات عن علم الفلك بطريقة نظامية لم تؤثر أبدًا على تقدم علم الفلك، بل شجعت على استخدام الطريقة الاستنتاجية في حل المسائل الفلكية.