البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات وحيد الفقيهي

 7  8  9 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
مع درويش    كن أول من يقيّم

     شكرا ـ ياأستاذة ضياء ـ على اقتراحك بنشر صورة بصحبة محمود درويش، وتحياتي وشكري أيضا لشاعرنا زهير الذي ارتبط موقع الوراق ـ في وعيي ـ باسمه وأشعاره الجميلة...فكلما طرقت باب الوراق إلا وتخيلت زهيرا في الاستقبال...فلك مني أطيب المنى
لقد بعثت بالصورة نحو صفحة الصور راجيا أن أكون توفقت في عملية الإرسال التي تأبى أن تتحقق إلا بشروط كنت على غفلة منها....
 
أود بهذه المناسبة أن أدرج هاهنا قصيدة بعنوان (قصيدة لم يكتبها محمود درويش) كتبها الشاعر الفلسطيني سعيد حيفاوي
 
" القطارُ الأخير توقْفَ عند الرصيف الأخير "
 هنالك ليلٌ أشَدّ سوادا
" هنالك ورد أقلُّ ُ"
" أنا يوسف يا أبي "
أمامي طقوس ٌ كثار ٌ وليلٌ طويلٌ طويلْ
" أنا يوسف يا أبي "
ويسعدني ان بحرا من الناسِ حولي
من الطيبين ، من البسطاء ، من الصادقين
ولكنني يا أبي في امتعاضٍ حزين
فكل الذبابِ يحاول ان يتقدم
وكل الذئابِ تحاول أخذ مكان
بجانب نعشي ، وتتلو صلاة الغياب
يريدون ان يأخذوا صورة حول نعشي
ولو بازاحة أمي واخوتي الطيبين
وحولي من الزعماء اناسٌ
يريدون ان يأخذوا صورة حول نعشي
ولو قَدروا اقتلعوا بعض رمشي
ليبقى لهم
وبه يعلنون ارتباطي بهم
عندما يقرب الانتخاب
ولو قدروا مزقوا لحم روحي
انا يوسف يا أبي
انا طيب ، غير اني
قليل السذاجة ، يا أبتي
مثلما كنتُ دوما قليل العتاب
انا يوسف يا أبي
كل الناس بلادي وكل بلاد
رفاقي وأهلي
ولكنني لا أزال وسوف أظل الى أبد الآبدين
عدو الذباب !
 
 
 

9 - سبتمبر - 2008
أحاديث الوطن والزمن المتحول
فاصل جميل    كن أول من يقيّم

      تحية خاصة وخالصة لك عزيزي عبدالحفيظ...مع ألف شكر على هديتك الموسيقية الرائعة...وسلامي للعزيز أشباب الذي التقيته صدفة وبعجالة فأثرنا اسمك وتميزك في حديثنا الخاطف.
      أتمنى أن تكون مداخلاتي حول تشكل وتطور نمط التفكير الفسلفي موضع فائدة ومناسبة لفتح حوار لاحق حول موضوع العلاقة بين الفلسفة والدين، الموضوع الذي فتحته الأستاذة ضياء...ومازال يتطلب مزيدا من القول غير الفصل...
      بدوري أتمنى لك مزيدا من العطاء والتألق...وفقنا الله جميعا...

9 - سبتمبر - 2008
بين الدين والفلسفة
ديكارت وديموقراطية العقل...    كن أول من يقيّم

تنبيه: كان بودي تركيزالمقالات السابقة في خلاصات دقيقة تعكس أهم خصائص التفكير الفلسفي كما انعكست على صفحات الفلسفة اليونانية. لكني ارتأيت أن أؤجل ذلك إلى حين الانتهاء من الجانب الفلسفي وقبل الانتقال إلى الجانب الديني... 
----------------------
ينطوي الفاصل الزمني بين الفلسفة اليونانية والفلسفة الحديثة على سيادة خطاب ديني وثوقي كرسته الكنيسة. وتميزت الفلسفة الحديثة ـ في مختلف لحظاتها ـ بسعيها نحو "التحرر"  من القيود الدينية، بدرجات متفاوتة، من خلال إعلائها من قيمة العقل الإنساني؛ واعتباره قوة إنسانية متحررة من كل سلطة ميتافيزيقية أو وصاية دينية؛ لذلك انصب الاهتمام تارة على دراسة مصدر المعرفة الإنسانية، وتارة على طرق تلك المعرفة . وهما إشكالان نعتبرهما محور اهتمام رواد الفلسفة الحديثة الذين مازال تأثيرهم قويا حتى اليوم.
رغم الرأي الذي يعتبر ديكارت Descartes أب الفلسفة الحديثة، فإن تصوره للعقل يندرج في نفس المنظومة الفكرية الغربية التي تشكلت أصولها مع الفلسفة اليونانية. فهذا التصور يقوم على ثنائية الجسم والنفس: إذا كان الجسم يتميز بخصائص الانقسام والامتداد والحركة والآلية، فإن النفس جوهر روحي بسيط خاصيته التفكير؛ وهذا معناه أن في إمكان العقل ـ أساس التفكير ـ الاستغناء عن الجسم الذي هو بمثابة آلة، فنحن «نعرف جليا أننا لا نحتاج لكي نكون موجودين إلى أي شيء آخر يمكن أن يعزى إلى الجسم، وإنما وجودنا بفكرنا وحده»(ديكارت). إن العقل قوة نفسية محضة تميز الإنسان عن الحيوان؛ بل هو «أعدل الأشياء توزعا بين الناس، لأن كل فرد يعتقد أنه أوتي منه الكفاية». ويدل ذلك على «أن قوة الإصابة في الحكم، وتمييز الحق من الباطل، وهي القوة التي يطلق عليها في الحقيقة اسم العقل، أو النطق، واحدة بالفطرة عند جميع الناس». وينطوي هذا التصريح على تصور "ديموقراطي" للعقل؛ باعتباره خاصية إنسانية عامة، لا وجود لها عند الحيوانات التي يعتبرها ديكارت مجرد كائنات آلية لا تفكر، لأنها لا تتكلم ولا تتصرف بوعي يمكنها من التكيف مع كل الظروف، هذا في حين «ليس في الناس، ولا أستثني البلهاء منهم، من هم من الغباوة  والبلادة بحيث يعجزون عن ترتيب الألفاظ المختلفة بعضها مع بعض، وعن تأليف كلام منها يعبرون به عن أفكارهم»؛ كما أن الإنسان قادر بعقله الفطري على التكيف المرن، لأن «العقل آلة كلية يمكن استخدامها في جميع الظروف». إن العقل عند ديكارت ميزة إنسانية تتحدد كقدرة على الحكم السليم والتمييز القويم، وتتجسد في القدرة على الكلام المفهوم والتكيف المرن، وهما مؤشران يبدوان لدى جميع الناس بمن في ذلك الصم والبكم بحكم قدرتهم على فهم وتصور معاني الإشارات، الشيء الذي لا يستطيعه الحيوان الذي يستجيب للإشارة دون "فهم" معناها.         
وعلى المستوى الإبيستمولوجي، إذا كان العقل كقوة سيكولوجية هو القدرة على الحكم الصائب والتمييز السليم، فإن بلوغ ذلك يقتضي فعلين عقليين أساسين: الحدس والاستدلال؛ وهما الفعلان اللذان أسسهما ديكارت نظريا من خلال ممارسته الفلسفية؛ فبالحدس توصل إلى حقيقة الكوجيطو، وبالاستدلال استنبط حقائق أخرى مؤسسة على الحقيقة الأولى. وبحكم أن هذين الفعلين يتعلقان بتصور المعاني العقلية المحضة، فذلك ما يجعلهما أرقى الأفعال العقلية. ودونهما يوجد الإحساس والتخيل اللذان يعتبرهما ديكارت مصدرين للخطأ والوهم.
 هاهنا يبدو أن ديكارت لا يعترف إلا بنمط واحد من العقل، هو العقل التصوري النظري في شكليه، الحدسي والاستدلالي، وهما الشكلان اللذان ميز بينهما علم النفس فيما بعد . وأما العقل الحدسي فهو الذي يقوم على إدراك واضح ومتميز، ويتأسس على عمليات سيكولوجية هي نفسها قواعد المنهج: كتجنب السرعة والتهور، والتعود على الصبر والتحرر من الحس والخيال والأحكام المسبقة، والتركيز والانتباه والولع بالبسائط. وأما العقل الاستدلالي فهو الذي يقوم على استنباط  قضايا من قضايا أخرى تم حدسها. فالاستدلال إذن تابع للحدس ومعتمد عليه؛ وكلما تم تحويل الاستدلال إلى حدس كانت النتيجة أكثر يقينا.
ويبدو، هنا، الطموح الديكارتي قويا في تحويل التفكير الاستدلالي إلى تفكير حدسي، وهذا ممكن من خلال قواعد التحليل والتركيب والمراجعة كعمليات عقلية تتم من خلال ترويض العقل على تعلم النظام في حل المسائل الرياضية البسيطة؛ ومن شأن هذه الرياضة العقلية تمكين العقل من تجنب الخطأ في الحكم والخلط بين الحق والباطل. وعلى هذا الأساس يمكن اعتبار تلك العمليات الناظمة للتفكير الحدسي والاستدلالي "حركات رياضية عقلية" تضبط وتقنن النشاط العقلي أكثر مما تحرره وتفتحه أمام الممكن المعرفي، والتي كانت تعكس نوع التربية الدينية التي خضع لها ديكارت. ( يمكن أن نقابل هذا الموقف مع تصور أرسطو للجدل باعتباره "رياضة عقلية" تمكن العالم والجاهل من كشف الادعاءات وفحص الأخطاء والتناقضات, وإن كانت الأسباب تختلف, ذلك أن تلك التمارين العقلية القائمة على الضبط والنظام تعكس نوع التربية الدينية اليسوعية التي خضع لها الفيلسوف, وهو تلميذ في مدرسة لافليش, والتي كانت تقوم على تدعيم الإرادة والمسؤولية الإنسانية وتنزيه الله وتجنيب العقل مناقشة أسرار الدين, بحيث لم يستطع ديكارت بمنهجه الشكي ومشروعه الفلسفي التخلص من تأثيرها ما دام أنه استثنى من شكه عقائد الكنيسة والكتاب المقدس.)
ذلك يعني أن تفكير ديكارت،  أب الفلسفة الحديثة لم يتحرر كليا من وصاية الدين، ولم يدخل بعد "عصر التنوير"، وهذا ما يدفع إلى القول بأن ديكارت «يمثل نهاية مرحلة أكثر منه تمثيلا لبداية مرحلة، وأنه فيلسوف الإيمان أكثر من فيلسوف العقل»(حسن حنفي). لكن ذلك مجرد وجه تاريخي لفلسفة ديكارت، فهناك أيضا وجه سيكولوجي يفسر ميله ـ المضمر ـ إلى الإيمان أكثر من ميله إلى العقل، وإيثاره ـ الصريح ـ قاعدة سلامة اليقين على استثناء مغامرة الشك الحقيقي؛ ذلك أن ديكارت كان ذكيا حين استبق حكم التاريخ في رفضه لكل استثناء أو خروج عن تلك القاعدة، وهو الاستثناء الذي كان ضحيته اسبينوزا. 

12 - سبتمبر - 2008
بين الدين والفلسفة
ديكارت..الرياضيات والسيادة على الطبيعة    كن أول من يقيّم

يصرح ديكارت أن الاختلافات والفوارق المكتسبة بين الناس، ترجع إلى كيفيات وطرق التفكير المطبقة، ولا تنشأ «عن كون بعضنا أعقل من بعض». ولذلك يمكن تقليصها وتجاوزها إذا تم اتباع المنهج السليم؛ والمنهج السليم هو المستمد من الرياضيات التي تعتبر أول العلوم وتقدم أكمل المناهج: «كنت معجبا بالرياضيات خاصة لما في حججها من يقين وبداهة، ولكني لم أكن مدركا بعد فائدتها الحقيقية». وسوف يدرك ديكارت القيمة الحقيقية للرياضيات عندما سيكتشف إمكانية تطبيقها في دراسة الظواهر الطبيعية، وسيعتبرها، فيما بعد، حاملة للعلم الشامل الذي يمكن استخدامه في كل الظواهر بما فيها الظواهر الميتافيزيقية.
وبوضعه الرياضيات في أعلى مراتب العلوم يجعل ديكارت "العقل الرياضي" "سيد العقول"، لأنه وحده القادر على اكتشاف الحقيقة؛ أما العقول الأخرى، الفطرية غير الرياضية، التي يتساوى فيها الجميع فتقتصر فقط على التمييز بين ما هو موجود من معارف. ولذلك سيكون التفاوت بين الناس ناشئا عن مدى القرب أو البعد من المنهج الرياضي ذي القدرة وحده على الإمساك بالحقيقة، يقول ديكارت «إن العقول لا تتساوى جميعا في استعدادها لاكتشاف الأشياء من تلقاء ذاتها وبمحض قدراتها...» والسبب في هذا التفاوت هو ارتباط العقل بالذاكرة والمخيلة كخاصيتين تهيمنان على سلوك العامة، وكعائقين أمام الإبداع والاكتشاف.
بعد أن خاب أمله في كل المعارف السابقة وجد ديكارت ضالته في علم وحيد هو الرياضيات. لماذا هذا الإعجاب بالرياضيات الذي يصل حد التقديس؟ شكلت الرياضيات بالنسبة لديكارت العلم الوحيد الذي استجاب لرغبته في وضع علم قابل للتطبيق على ظواهر الطبيعة، لأن الطبيعة نفسها تنطوي على مبادئ المنطق والرياضيات وقوانين الحركة، والتي على الحدس الإنساني الذكي والصافي أن يخضع لها، وعلى ضوئها يمكنه فهم ميكانيكية الطبيعة وتفسيرها  تفسيرا بسيطا وشاملا. وبهذا المعنى فالرياضيات تحمل اللغة الكونية، لغة الوضوح والدقة واليقين، والتي نقرأ بها كل الظواهر. وبهذا المنهج الرياضي الشامل »يمكننا الوصول إلى معارف عظيمة النفع في الحياة ... وأن نجعل أنفسنا بذلك سادة الطبيعة ومالكيها». وبالتالي فمن شأن عقلنا الرياضي أن يؤدي إلى معارف ليست فقط يقينية، بل ذات فعالية ومردودية، وهذا ما يجعل منه عقلا معياريا.
بتمجيده للعقل الرياضي وقصره على الخاصة، سيتأنف ديكارت طريق من سبقه من الفلاسفة في اعتبارهم الرياضيات النموذج العقلي الوحيد الذي يجسد أرقى ما يمكن أن يصله تفكير الإنسان: فالفيثاغوريين اعتبروا نظام الأشياء محاكيا لنظام الأعداد، وأفلاطون جعل من التفكير الرياضي طريقا نحو الحقيقة وشرطا لولوج الأكاديمية، وأرسطو اعتبر الرياضيات الأصل الذي يستفاد منه البرهان، وهاهو ديكارت يعتبرها الإمكانية المنهجية الوحيدة للإمساك بالمعرفة الشاملة. لذلك ففيلسوفنا تجاوز "النزعة الرياضوية اليونانية" بسعيه إلى إبراز قدرة المنهج الرياضي على التعبير عن وحدة العقل الإنساني، أي بتحقيق مطابقة بين وحدة المنهج و"وحدة الفطرة" التي لم يستطع الإمساك بها؛ إذ بالرغم من كونية العقل الفطري لدى الإنسان والمؤسسة على القدرة على الحكم السليم، فإن الدور السلبي للمكتسب التربوي والاجتماعي يحول دون تحقيق "عصمة الذهن من الخطأ"، ولا يضمن هذا الشرط سوى المنهج الرياضي. هاهنا يصبح العقل الرياضي مقننا وموجها للعقل الفطري.

13 - سبتمبر - 2008
بين الدين والفلسفة
ديكارت...وانتصار المثالية    كن أول من يقيّم

إذا كانت إشكالية ديكارت، إشكالية المذهب العقلي، هي الغلو في الإرادة والإفراط في التفاؤل، أي إذا كان«العقليون قد افترضوا ضمنا أن المعرفة الكاملة يمكن بلوغها في نهاية المطاف، فإن نظرة لوك الجديدة كانت أقل تفاؤلا في هذا الصدد» (راسل). ولكن رغم هذا التواضع من طرف النزعة التجريبية التي رفضت "فطرة العقل" ورفعت شعار "الصفحة البيضاء"، فإن تأثيرها لم يكن بعمق وقوة التأثير الذي مارسته الفلسفات المثالية في الغرب. إن الفلسفة الحقيقية ـ كما يقول شوبنهاور ـ يجب أن تكون مثالية. والواقع أن لوك، كمؤسس للنزعة التجريبية، لم يكن «منهجيا في معالجته لموضوعاته. وكثيرا ما يترك الموضوع حين تنشأ صعوبات. وقد أدى به تكوينه الذهني العملي إلى معالجة المشكلات الفلسفية بطريقة تجزيئية دون أن يواجه مشكلة الوصول إلى موقف متسق مع ذاته. لقد كان بالفعل، كما قال، عاملا تابعا»(لوك). وكانت نتيجة هذه التجزيئية وغياب النسقية أن «التجريبية التقليدية حين انحدرت إلى القرن التاسع عشر، استنفذت الكثير من إمكانياتها النظرية، حتى كادت تُخفى الأصالة والإبداع من آثار أهلها »(توفيق الطويل).  
بين ديكارت وجون لوك مسافة كنفس المسافة التي افترضها كل واحد منهما بين الفطري والمكتسب. وفي نقطة بين هاتين النزعتين سيطرح كانط مشروعا نقديا، ليس من أجل التوفيق بينهما بل من أجل تجاوزهما...
 

16 - سبتمبر - 2008
بين الدين والفلسفة
كانط...الفيلسوف هو المشرع للعقل الإنساني    كن أول من يقيّم

إذا كان ديكارت حلقة في مسار ترسيخ وحدة وشمولية العقل الرياضي المجرد، مستئنفا الإعجاب اليوناني بالرياضيات، جاء كانط بعد منهج ديكارت وجاذبية جاليلي وفيزياء نيوتن، أي بعد النجاح الباهر الذي حققه العقل الرياضي، مع انبهار قوي بمنطق أرسطو الذي اعتبره كاملا يستحيل تعديله أو تحسينه، ومع الوفاء للتمييز الأفلاطونيبين الظاهرة والشيء في ذاته، وإن خالفه في جعل الظاهرة الإمكانية الوحيدة المتاحة للمعرفة من طرف العقل الإنساني.
ومن أجل تجاوز الفيلسوفين قال كانط بأن المعرفة ليست مجرد تجريد للعيان، وليست إدراكا للمتعالي عن العيان، بل هي وضع العيان (الأشياء) في الأذهان (مقولات الفهم)، ومن هنا كانت مثاليته صورية.
 وتجلى الطابع المثالي الصوري القائم على قبلية المقولات المنطقية في نمط حياة كانط قبل طريقة تفكيره: لقد تميزت الحياة اليومية لكانط بانتظام آلي دقيق ومحدد أشبه بانتظام ساعة مضبوطة، وكان يخضع سلوكه اليومي لإرادته كما كان حريصا ألا يعلن أية فكرة قبل أوان نضجها واكتمالها.
كانت هذه الصرامة العقلية خاصية تميز طبعه وكذا فلسفته بدون شك. كما تجلت تلك الصورية في حرص كانط على إضفاء الطابع النسقي الصارم على أفكاره، وهو الطابع الذي ميز تصوره للعقل باعتباره بناء معماريا يخضع لوحدة متماسكة: فهناك أولا الوحدة التأليفية القبلية والضرورية الشاملة للفهم، والتي من خلالها أسس علمية المعرفة النظرية القائمة على التجربة على علمية الرياضيات والفيزياء. وهناك ثانيا الوحدة النسقية المخططة الإجمالية التي ينتظم فيها الفهم بمقولاته والعقل الخالص بمبادئه العامة، العالم والنفس والله، كأفكار ترانسندنتالية أو أشياء في ذاتها (Noumènes ) والتي تشكل السقف الذي ينتهي عنده العقل الإنساني.
 وبحكم أن الوحدة الأولى، وحدة الفهم، تتعلق بما هو كائن فستبصبح المعرفة ممكنة وسيكون الفهم هو المشرع لقوانين الطبيعة مستخدما أدوات الرياضيات والمنطق والفيزياء. وبحكم أن الوحدة الثانية تتعلق بما ينبغي أن يكون فسيكون العقل الخالص مشرعا للقانون الأخلاقي مستخدما مفهوم الحرية. وفي الحالتين يبقى «الفيلسوف هو وحده المشرع للعقل البشري؛ في حين أن الرياضي والفيزيائي والمنطقي ليسوا سوى صناع لدى سيد هو المثال الأعلى الذي يجمعهم جميعا ويستخدمهم كأدوات لصالح غايات العقل البشري الأساسية»(موسى وهبة). وبذلك يمكن اعتبار الرياضيات والمنطق القديمين، والفيزياء الحديثة النشأة مع جاليلي وتوريشيلي Toricelli ثم نيوتن، علوما دخلت  تاريخيا  في الطريق "السليم" المؤدي إلى معرفة يقينية وضرورية.
لكن إذا كان المنطق المستمد من أرسطو يقدم معارف عقلية محضة ويقتصر على جعل الفهم يهتم فقط بذاته وبصورته بصرف النظر عن كل مضمون، فإن الرياضيات والفيزياء، بالعكس من ذلك، تنطوي على معارف عقلية وموضوعية في نفس الوقت: فالرياضيات  تؤسس أحكامها الكلية والضرورية على المكان والزمان كصورتين قبليتين تعملان على تنظيم انطباعات الحساسية، أما الفيزياء فتعتبر كلية ضرورية ـ حسب كانط ـ لأن أحكام التجربة لن تكون لها قيمة موضوعية إلا إذا قامت من جهة على الحدس الحسي وعلى المقولات الخالصة في الفهم. ولذلك تعتبر الرياضيات والفيزياء العلمين الوحيدين اللذين يقدمان أدوات كل معرفة يقينية ممكنة والتي يعتمدها الفيلسوف في تشريعه للعقل. وبإدراجه الفيزياء ضمن منظومة تلك العلوم يكون كانط قد وضع السقف الذي يغطي بناء العقل الإنساني النظري، ووجهه نحو نمط واحد محدد من الفعالية الذهنية الإنسانية، هي فعالية العقل المنطقي الرياضي.
يكتسي التصور الكانطي أهمية خاصة في تاريخ الفلسفة لثلاثة اعتبارات أساسية: أولها يتعلق بما قبل كانط؛ فقد مر على البشرية ثلاثون قرنا دون أن يخطر على بال أحد الفلاسفة أن يجعل قدرة العقل على المعرفة موضوعا للتحليل والنقد، قبل استخدامه كأداة للوصول إلى الحقيقة؛  وهو العمل الذي أنجزه كانط بعمله ودعوته إلى فحص "العقل البشري" ، قبل توظيفه كوسيلة للمعرفة والبرهنة على حقائق لاهوتية ميتافيزيقية(زكريا ابراهيم).
والاعتبار الثاني يتعلق باللحظة التاريخية لكانط؛ فإذا كان ديكارت يعتبر أب الفلسفة الحديثة، فإن كانط يشطر هذه الفلسفة شطرين: أخذ عمن سبقوه وسار  في تيارهم، ولكنه اتجه منحى جديدا سيسيطر لمدة طويلة.
 أما الاعتبار الثالث فيتعلق بما بعد كانط، ونرى هنا أن تأثير كانط امتد طوال القرن العشرين، و لم ينحصر فقط في الفلسفة بل امتد إلى حقول علمية عديدة منها علم النفس، وبشكل أخص إلى أهم نظرية سيكولوجية حول النمو المعرفي؛ أي نظرية بياجيه. لقد تأثر بياجيه بكانط وقرأه بعمق، واهتم مثله بتحديد مصادر القدرة العقلية الإنسانية على المعرفة، في إطار نظريته الإبيستمولوجية، كما اعتبر مثله أن التعلمات والتمثلات الإنسانية تتطلب معرفة سابقة ببعض المفاهيم الأساسية المتعلقة بالزمان والمكان، وأن مفاهيم المدة أو الفترة الزمنية سابقة على التعلم، وبالرغم من تأكيد بياجيه على ضرورة وأهمية هذه المفاهيم توصل إلى أن الطفل يقوم ببنائها تدريجيا من خلال عملية الموازنة. فالمسافة المعرفية التي تفصل بين كانط وبياجيه ضئيلة إلى حد كبير، على الأقل من حيث الجهاز المفاهيمي الذي يوظفانه في المجال المعرفي الخاص بكل منهما.

19 - سبتمبر - 2008
بين الدين والفلسفة
العقل الفلسفي...الرؤية والحدود (خلاصات)    كن أول من يقيّم

بداية أتوجه بشكري مجددا للأستاذة الفاضلة ضياء على اقتراحها لهذا الموضوع وعلى تشجيعها للمشاركة فيه وعلى نفسها الطويل والنبيل.
سنحاول في هذه المداخلة تكثيف خلاصات المداخلات السابقة في أفق إبراز رؤيتها العامة للنموذج النظري الذي يجب أن يؤطر التفكير العقلي الإنساني. وسوف نعتمد تركيبا مقارنا لإبراز المختلف والمشترك بين الفلاسفة. أما الوجه الآخر للمقارنة، أي الدين، فسوف يتطلب منا بعضا من الوقت نستجمع فيه بعض الأفكار لتقديمها على شكل تصور نطمح أن يكون متماسكا بدرجة معينة...
---------------------
 تبين من خلال المداخلات السابقة انه إذا كانت الفسلفة اليونانية قد انشغلت بتحرير الخطاب من الأسطوري والغيبي، فإن انشغال الفلسفة الحديثة انصب على الدفاع عن قيمة العقل الإنساني وتحريره ـ نظريا وعمليا ـ من وصاية الدين والكنيسة.
لقد جعل أفلاطون الرياضيات الشرط الوحيد الذي يفصل بين المحسوس المتغير والظني اليومي من جهة ، والمعقول الثابت واليقيني المفارق من جهة أخرى، كما جعل أرسطو من المبادئ الأولية للمنطق الآلة التي تعصم الذهن من الخطأ، واعتبر ديكارت الرياضيات حاملة المنهج الشامل المؤسس للعلم العجيب الذي يمكن من السيطرة على الطبيعة، أما كانط فقد أضاف إلى المنطق والرياضيات علم الفيزياء ليجعل منها جميعا الأدوات التي تمكن الفيلسوف من تحديد ما يمكن وما لا يمكن معرفته.
هكذا تأسس التصور الفلسفي للعقل الإنساني من طرف المؤسسين الكبار للفلسفة في بدايتها وحداثتها. والملاحظ هنا، أنه باستثناء معين لأرسطو، فكل الفلاسفة الآخرين ينتمون إلى خانة ما يسمى بالمثالية؛ فإلى هذا الاتجاه ينتمي المنظرون الكبار للعقل الإنساني الذين تصوروا هذا العقل "أسطورة" كبرى قادرة على تفسير كل شيء بالمنطق والحساب، بالاستدلال والرياضيات، في إقصاء تام لكل ما يتعلق بالذاتية والوجدان والصدفة والوجود والفردي والفرح والاحتفال والحب والألم والفكاهة، والشعر والفن...، وكل إقصاء معناه أن تلك العقلانية تصورت العقل مطلقا مغلقا ومكتفيا بذاته، يحمل قبليا مبادئ بسيطة تجعله ينفر من التعقد والتناقض والتعارض المطلق في تصوره للأشياء(إدغار موران).
 وانطلاقا من هذا النقد للعقلانية الكلاسيكية والحديثة يمكن القول بأن تاريخ الفلسفة لم يقدم إلا تصورا مغلقا لعقل واحد يقوم على استخدام التصورات المنطقية والمفاهيم الرياضية والمقولات المجردة والرموز اللغوية، أي باختصار هو العقل القائم على اللوغوس، على الكلام والحساب.
إن "تفكير" الفلاسفة المؤسسين للعقلانية القديمة والحديثة لم يمكِّنهم ـ في نهاية تحليلهم الفلسفي ـ من الوفاء لانتظارات قدرات العقل الإنساني، ولم يسعفهم ذلك التحليل في إبراز "الطاقات" التي يزخر بها ذلك العقل.

19 - سبتمبر - 2008
بين الدين والفلسفة
العقل في المنظومة الدينية - 1    كن أول من يقيّم

مساء الخير...وكل عيد وأنتم بألف خير...
يبدو أن ملف الفلسفة والدين سيجعلنا نتحرك على في فضاء غير محدود...وقد اغتنى كثيرا باقتباسات الأخت ضياء والأخ عبدالحفيظ...فالشكر موصول لكما ..في انتظار المزيد. سأطل عليكم بهذه المقالة كاستئناف للمقالات السابقة...
 
لقد تمكنت المنظومة الفلسفية ـ تاريخيا ـ من أن تؤسس لنفسها إطارها المرجعي الخاص والذي يحدد نمط تفكيرها ورؤيتها للوجود وتصورها للعقل والمعرفة. وهي العناصر التي تناولناها في المقالات السابقة. وبقي علينا ـ في الجزء الثاني من مقالاتنا ـ أن نتحدث عن ما يميز المنظومة الدينية حتى يتسنى لنا ـ موضوعيا ـ وضع نوع من المقارنة بين الفلسفة والدين، من حيث الرؤية والمنهج والغاية...
وسوف نستعيد هنا بعض ما كتبناه في هذا المجلس ـ خاصة في الموضوع الذي اقترحه الأخ النويهي ـ والذي نرى أنه يستجيب لما نهدف إليه هاهنا.
تتحدد المنظومة الدينية بمجموع النصوص والمعارف والعلوم التي تنتمي إلى الثقافة العربية الإسلامية بوجه خاص، باعتبارها ثقافة تقوم أساسا على مركزية النص الديني (حول اعتبار الحضارة العربية الإسلامية حضارة نص، انظر: نصر حامد أبو زيد، مفهوم النص: دراسة في علوم القرآن، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء ـ بيروت، 1990، ص.9- 10. وكذلك: حسن حنفي، التراث و التجديد، المركز العربي للبحث  و النشر، القاهرة، 1980، ص.177 – 178)، وباعتبارها تشكل كذلك الإطار الحضاري الذي شكل بنية العقل العربي الإسلامي المنتج لتلك الثقافة.
إذ رغم التأثيرات الخارجية التي خضع لها مفكرو الإسلام، والمتمثلة في الفلسفة اليونانية والموروث الفارسي والهيلينستي، ورغم الاختلاف المذهبي الموجود بين هؤلاء، بين السنة والشيعة، المعتزلة والأشاعرة، الفلاسفة والمتصوفة ...إلخ، يمكن القول بأن قراءة مفكري الإسلام للنص الديني صدرت عن عقل واحد، هو العقل العربي الإسلامي الذي يخترق كل تلك "العقول" بحكم وجود عناصر وخصائص مشتركة بينها: فهي عقول لا تمارس فعاليتها إلا في إطار المعرفة التي يفرضها الوحي القرآني باعتباره نصا متعاليا، كما أنها عقول تعتبر المجتهدين من السلف سلطة عليا مهابة ومرجعا للاتباع، ثم إنها عقول تفكر بآليات ذهنية تنتمي إلى الفضاء العقلي القروسطي( محمد أركون، الفكر الإسلامي: نقد واجتهاد، ترجمة هاشم صالح، دار الساقي، لندن، 1990،  ص.236-237..) وانطلاقا من وحدة العقل هذه وتبعيتها لسلطة النص والسلف نفترض أن بين العقل القارئ والنص المقروء ثوابت إبيستمولوجية واضحة.
من أهم هذه الثوابت التصور الديني للعقل كمصدر للمعرفة (وهي مناسبة جزئية للمقارنة بين ما كتبناه سابقا وما نكتبه اللحظة)
إن الحقل التداولي العربي يحدد معاني العقل في القيد والربط والحبس والإمساك والتمييز. وهي معاني يمكن حصرها في ثلاثة أفعال عقلية: الكف والضبط والربط (طه عبدالرحمن ، العمل الديني وتجديد العقل، شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، 1989، ص. 33- 34.) والتي نعتبرها الأنشطة العقلية الأساسية الدالة على الممارسة الذهنية في مرجعيتنا الدينية.
يحيل فعل الكف، أي المنع، على بعد أخلاقي لوظيفة القلب باعتباره وازعا أخلاقيا يعقل ويحبس ويكف صاحبه عن التورط في المهالك، فيكون «العاقل الذي يحبس نفسه ويردها عن هواها ... والعقل : التثبت في الأمور ... وسمي العقل عقلا لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك أي يحبسه» (لسان العرب). وهو معنى يعطي للعقل بعدا معياريا قيميا يخص الممارسة العملية الأخلاقية. مما يسمح بالقول بأن الكف فعل عقلي يشير إلى مهارات الضبط النفسي والتدبير الأخلاقي، وهي مهارات تتعلق بالجانب العاطفي الوجداني في القلب.
 أما فعل الضبط، أي إمساك الشيء حتى لا ينفلت، فيحيل على بعد معرفي لوظيفة القلب باعتباره ملكة حفظ، وقوة تذكر واستظهار( وبهذا المعنى وردت الآية:) يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون( (البقرة:75))، وفي الاصطلاح «الضبط هو إسماع الكلام كما يحق سماعه، ثم فهم معناه الذي أريد به، ثم حفظه ببذل مجهوده والثبات عليه بمذاكرته إلى حين أدائه إلى غيره» (الجرجاني،كتاب التعريفات، دار الكتب العلمية، بيروت، 1988، ص.137.). وواضح أن الضبط  هنا يشير إلى نشاط عقلي يتمثل في مهارات إسماع الخطاب وفهمه وحفظه واستظهاره.
أما فعل الربط، أي إدراك العلاقة بين قضيتين، فيحيل أيضا على بعد معرفي لوظيفة القلب باعتباره قوة إدراك وتأمل وفهم ونظر وتدبر في الكون () أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها... ( (الحج: 46)). وفي التاريخ وماضي الأمم ()وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص. إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد( (ق:  36 ـ37)) وفي النص الديني ()أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها( (محمد: 24)). ومن الواضح أن فعل الربط هنا نشاط ذهني يتمثل في مهارات الاستدلال والقياس.
 ويبدو أن العلاقة بين هذه الأفعال العقلية الثلاث ( الكف والضبط والربط) علاقة تفاعل وتكامل؛ ذلك أن اللغة العربية تضفي على فعلي الضبط والربط معاني وجدانية كالحزم وشد النفس ورباطة الجأش ووثوق القلب (ورد في (لسان العرب) حول مادة / ض ب ط/:(رجل ضابط أي حازم... ورجل أضبط: يعمل بيديه جميعا...والضابط : القوي في عمله...ويقال: فلان لا يضبط عمله إذا عجز عن ولاية ما وليه). وحول مادة / ر ب ط/: ( يربط نفسه عن الدنيا أي يشدها ويمنعها...ورجل رابط الجأش أي شديد القلب...وربط جأشه رباطة: اشتد قلبه ووثق وحزم فلم يفر عند الروع...))
ولذلك فـمفهوم «العقل  في التصور الذي تنقله اللغة العربية المعجمية يرتبط دوما بالذات وحالاتها الوجدانية وأحكامها القيمية. فهو في نفس الوقت عقل وقلب، وفكر ووجدان، وتأمل وعبرة» (محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربي، دار الطليعة، بيروت، 1984  ص. 31.)
والمبدأ الذي يحدد وحدة التفاعل بين الفكر والوجدان، بين العلم والعمل ـ في الحقل التداولي العربي الإسلامي ـ  مبدأ ديني بالدرجة الأولى. فإذا كانت معاني العقل دنيوية في دلالاتها اللغوية فإن القرآن «أضفى على تلك المعاني غائية الدين التي تحول القصد من التجربة والفهم إلى تدبر الخلق والاعتبار به للتعرف على الخالق وتعظيمه، وتحول القصد من حسن الخُلق إلى نفع الخلْق ونيل مرضاة الخالق» (محمد مصطفى عزام، «مصطلح العقل بين الفلسفة والتصوف»، في المصطلح في الفلسفة والعلوم الإنسانية، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية (الرباط) ، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1995، ص. 24.)...وهي غائية تتجلى في مظاهر عديدة ستكون موضع المقال المقبل.

8 - أكتوبر - 2008
بين الدين والفلسفة
 7  8  9