البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات abdelhafid akouh

 77  78  79  80  81 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
" فسحة رمضانية "    كن أول من يقيّم

فسحة

 معارك ضارية حول القرآن .. سيد القمني: القضاء على وهم الوجود الكتابي للنص في اللوح المحفوظ
إعداد: سعيد منتسب
ما من شك أن موضوع جمع القرآن، ضمانا لحمايته كنص مقدس، عمل «ابتكره» الخليفة عثمان بن عفان. غير أن هذا العمل أثيرت حوله الشبهات وطرح إشكالات كبرى لم يقع تجاوزها تماما، إلا عبر اختيارات إيديولوجية مملاة،. ذلك أن مجموعة من الروايات تذهب إلى أن «المشروع العثماني» قام على مصادرة سلطة القراء (الحفاظ) كمؤتمنين على الذاكرة الشفوية، ومنهم أزواج الرسول، ومجموعة من الصحابة. ولعل هذا ما فتح الباب أمام القائلين بأن عثمان- الذي أمر بحرق المصاحف-كان وراء انفساخ العلاقة بين تلقي الحدث القرآني وبين الأثر المكتوب والمرتب في «المصحف». بل سمح لمجموعة من الباحثين «القرآنيين»- القدامى والمعاصرين- بتقديم بيانات حول وقوع التحريف في القرآن والتغيير في آياته وترتيبه وسقوط أشياء منه»..

إعداد: سعيد منتسب

في كتابه «الأسطورة والتراث»، تعرض سيد القمني لحادثة الغرانيق، أي لذلك «التدخل الشيطاني في الوحي» الذي تنفيه المراجع الإسلامية، ويثبته القرآن في آيات من سورتين: (الإسراء: «لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً»، «وإن كادوا ليفتنوك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره، وإذن لاتخذوك خليلا، ولولا أن ثبتناك لقد كدتَ تركن إليهم شيئاً قليلاً»، ثم (الحج: «وما أرسلنا قبلك من رسول ولا نبي، إلاَّ إذا تمنى، فألقى الشيطان في أمنيته، فينسخ الله ما يلقي الشيطان، ثم يحكم الله آياته».
ولم يتناول القمني حادثة الغرانيق إلا في السياق العام الذي سيج رؤيته لـ«تراث الإله الشرير» المعادل الموضوعي لـ«الإله الأزلي الأبدي الكامل لا يصدر عنه إلاَّ الخير فقط»، ذلك أن الشيطان، من خلال بعض الطرائف التي علق فيها المسلمون صدماتهم ومآسيهم واغترابهم، تحول من مجرد رمز ديني إلى مارد كبير يتدخل في حياتنا فيفسد الأخلاق، ويسبب القحط، وتأخر الأمة الحضاري بإغوائه أبنائها عن الطريق القويم. وكل هذه الأدوار التي يقوم بها الشيطان تلمح «لتمكنه من العقل الشرقي»، كما يقول القمني.
وتعليقا على حادثة الغرانيق، يرى القمني أن شفعاء قريش لدى الله كانوا رموزاً قبلية أيضًا، وهو ما يدعي أن تلتف القبيلة حوله بصفته ربها وشفيعها (...) وقد فهمت قريش دعوة الرسول لإسقاط الشفعاء أنها دعوة لإذابة الأطر القبلية، التي تحمي المصالح التجارية، أو لنقل الأرستقراطية التجارية في قريش. ولهذا سجدتْ قريش مع الرسول محمد بعدما غيَّر رأيه بمسألة الشفعاء. وقد جاء الوحيُ سريعاً لينسخ تلك الآيات، ولينفي أمنية الشيطان إلى الأبد بإزالتها من نص القرآن الكريم. وهكذا ظهر مبحث «الناسخ والمنسوخ» في علوم القرآن. كما سعى البعض إلى الانشغال بالبحث في المفارقات التي يطرحها تاريخ النص القرآني، وخاصة تلك التي ارتبطت بجمع القرآن والسجالات التي أعقبت حرق المصاحف والاعتداء على بعض كتاب الوحي (عبد الله بن مسعود) الذين مانعوا واحتجوا على «جامع النص» وجادلوا في فحواه، أي في ما رُفع منه وما دس عليه.
ونظرا لما لمبحث «الناسخ والمنسوخ» من خطورة بادية، خاصة أنه يطرح التبديل والتغيير مع «علم الله المطلق» الذي لا يقبل التبديل «لا مبدل لكلماته» (الكهف)، لم يتردد سيد القمني في كتابه «الإسلاميات» في التساؤل بشأنه «كيف يمكن التوفيق بين هذه الظاهرة بما يترتب علىها من تعديل للنص بالنسخ والإلغاء، وبين الإيمان الذي شاع واستقر بوجود أزلي للنص في اللوح المحفوظ؟». ويقول في موضع آخر من الكتاب نفسه: «هناك إشكالية ثانية هي إشكالية جمع القرآن. وعن مشكلة الجمع، فإن ما يورده علماء القرآن من أمثلة توضح أن بعض أجزاء النص قد نسيت من الذاكرة الإنسانية، ولم يناقش العلماء ما تؤدي إليه ظاهرة نسخ التلاوة أو حذف النصوص، سواء بقي حكمها أو نسخ أيضا، من قضاء كامل على تصورهم الذي سبقت الإشارة إليه لأزلية الوجود الكتابي للنص في اللوح المحفوظ». مضيفا: «والذي لا شك فيه أيضا أن فهم قضية النسخ عند القدماء لا يؤدي فقط إلى معارضة تصورهم الأسطوري للوجود الأزلي للنص، بل يؤدي أيضا إلى القضاء على مفهوم النص ذاته».
وقد تعرض القمني للتقسيم الذي وضعه د.حامد أبو زيد لظاهرة النسخ.
- ما نسخت تلاوته وبقي حكمه: كآية «الرجم» التي رفعت من القرآن وبقي حكمها معمولاً به في الشرع الإسلامي. وقد أراد عمر في خلافته أن يضيفها للقرآن. وهناك آية في القرآن: «واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم، فاستشهدوا عليهن أربعة منكم، فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت، حتى يتوفاهن الموت، أو يجعل الله لهن سبيلاً» (النساء)، ذهب العلماء اتفاقاً إلى أن هذه الآية منسوخة -رغم بقاء تدوينها في القرآن- بآية الرجم الغير موجودة في النص القرآني. وقد أثبتت أحكام الرجم بأحاديث نبوية أيضًا.
يشير ابن حجر إلى أن آية الرجم رُفعت من القرآن- أي أنها لم تنسخ- مع وجود قرآئن عديدة تدلل لرفض الرسول محمد لتدوين هذه الآية عندما نزلت بعدما سأله عمر بن الخطاب لذلك، ثم أصر زيد بن ثابت الذي جمع القرآن على عدم تضمينها للمصحف.
-ما نسخ حكمه، وبقيت تلاوته: يسوق القمني العديد من الأمثلة هنا عن هذا النوع من النسخ، لكنه يشير إلى أيضًا قضية مهمة، وهي ظهور ما اصطلح تسميته بالمنسأ في قضايا الناسخ والمنسوخ. فالمنسوخ يحرم الرجوع إليه بعد نسخه في الحياة اليومية، لكن العلماء استحدثوا «المنسأ» كي يستطيعون الرجوع للأحكام المكية حينما تحقق المصلحة للمسلمين عوضاً عن الآيات الناسخة. من أمثلة ذلك آيات التسامح مع الأديان الأخرى، وخصوصاً أهل الكتاب. ولكن هذه الآيات -آيات التسامح وحرية الأديان- نسخت تالياً بالآيات التي تقرر أن الإسلام هو دين الله، وأن للآخرين السيف، مثال: «قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله» (التوبة) «اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم» (التوبة). لهذا «المنسأ» هو الأمر بالقتال إلى أن يقوى المسلمون، وفي حال الضعف يكون الحكم وجوب الصبر على الأذى. بمعنى أن كل أمر ورد يجب امتثاله في وقت ما لعلة تقتضي ذلك الحكم» هكذا نقل القمني عن السيوطي في الصفحة 362. لهذا تظهر النفعية في نظرية المنسأ حنى يأني أمر الله كما نقرأ في هذه الآية: «فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره».
- ما نسخ تلاوته وحكمه: هناك روايات عديدة تشير إلى اختفاء أجزاء من القرآن دون أسباب واضحة. لعل أبرزها ما جاء -من طرق متعددة- عن غياب سورة الأحزاب ذات الآيات المئتين، والتي بقت بضع وسبعين آية. ويعلل د.طه حسين كما أورد القمني ذلك إلى مصحف عثمان، وجبر الدولة الإسلامية لنشره وتعليمه في البلاد الإسلامية وإحراق ما سواه من صحف قرآنية.

18 - أغسطس - 2010
ساعة الفجر الحزينة
زائد / ناقص ..    كن أول من يقيّم

(+ - ) ... زائد / ناقص 
يمكن حذف الموضوع الأستاذ زهير .....
وكنت قد قرأته ضمن ما أواضب على قراءته خلال هذا الشهر المبارك من خلال هذه الفسحة الرمضانية
في جريدة الاتحاد الاشتراكي المغربية
 
 فسحة                                                             
 
 
 معارك ضارية حول القرآن : هل أنزل القرآن حقا بلسان عربي واحد؟
سعيد منتسب
ما من شك أن موضوع جمع القرآن، ضمانا لحمايته كنص مقدس، عمل «ابتكره» الخليفة عثمان بن عفان. غير أن هذا العمل أثيرت حوله الشبهات وطرح إشكالات كبرى لم يقع تجاوزها تماما، تتمة
8/21/2010
  جيل كيبل : يوميات حرب الشرق
ترجمة: محمود عبد الغني
يخصص جيل كيبل كتابه «يوميات حرب الشرق» لرحلته التي قام بها إلى مصر وسوريا ولبنان وقطر ثم الإمارت العربية المتحدة، قصد التقاط شهادات واعترافات من الطلاب والأئمة والمناضلين الإسلاميين من تتمة
8/21/2010
 أيام الشام ولياليها.. : ليل دمشق، رغبات وعطر وقناديل
محمد بهجاجي
في هذه الحلقات ، تركيب لمشاهدات ومرويات توفرت لدي إثر زيارات قمت بها، في مناسبات ثقافية مختلفة، لسوريا التي توصف عادة بأقدم بلاد مأهولة في التاريخ. فقد عبرتها، منذ تكوينها تتمة
8/21/2010
 مسيحيون أسلموا في بلاط السلاطين المغاربة
حكاية «القايد دريس» المسيحي والفرنسي عبد الرحمان دوسولطي سنة 1840!!
لحسن العسبي
ما الذي نعرفه عن المسيحيين الذين أسلموا في بلاطات السلاطين المغاربة منذ العهد الموحدي والسعدي؟!.. هل نعلم أن القائد الذي قاد بحنكة معركة وادي المخازن، مع السلطان عبد الملك السعدي، والذي تتمة
8/21/2010
 نحو خطاطة منهجية أولية لقراءة في أعمال ومسار عالم اجتماع
محمد جسوس قضايا، إشكالات، ومحاور اهتمام
مصطفى محسن
كاتب هذه السطور، وهو يستمع على كرسي التلمذة لهذا الرجل في دروسه الجامعية، لم يكن يشعر أبدا أنه يتكلم «سياسيا» أو يرمز أو يلمز أو يغمز بأي شكل ولأي غرض أو تتمة
8/21/2010
 شعرية التفاصيل في حياة سياسي مغربي
م. اسماعيل العلوي يفتح قلبه ل«الاتحاد الاشتراكي» : موت الزعيم علي يعتة وتحمل مسؤولية الحزب
المختار الزياني
عندما جاء مولاي اسماعيل العلوي، الأمين العام السابق لحزب التقدم والاشتراكية وعضو مجلس الرئاسة بنفس الحزب، إلى الحياة سنة 1940، لتضمه أسرة تقليدية كثيرة العدد، تعيش تحت سقف «الدار الكبيرة» بمدينة تتمة
8/21/2010
 ليونيل جوسبان يتحدث عن نفسه : سنوات الشباب والتكوين (1937-1971)
محمد خيرات
هذا الكتاب ولد عن فيلم يرصد نصف قرن من مسار سياسي وشخصي لصاحبه، الكتاب هو نقل كامل لعشرات الساعات من الحوارات التي تم تكثيفها حتى تستجيب لإكراهات وقت البت التلفزي، لكنه تتمة
8/21/2010

22 - أغسطس - 2010
ساعة الفجر الحزينة
رجل خمسيني ( وقد بدا لي متشائلا )    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

مع أزكى التحيات للأستاذ عامر.
 
 
 

25 - أغسطس - 2010
الخمسينيون
قسمة الهباء ..    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

************** إهداء لكل الخمسينيين*************
 
هذا أنا
ما أشبه الأطياف بي
حين يرسم الليل
من أرقي
دوالي رغبات حيرى
تخلط فصول العمر
تحملني
في
كل
المرايا
تقاسمني برزخ الهباء
كي أنسج تآويلي
مثل شيطان التيه
أعاود تشكيل رسمي
في غفلة وجهي
وأستفز ريح الوقت
كلما سحبت مني
رخصة الحلم
أتوحد بالأطياف
خلف ظلام الأيام
لا
حد
لي
مثل الفراغ.
 
عبد الحفيظ المريح  ** عن العلم الثقافي
 
                                         **

26 - أغسطس - 2010
الخمسينيون
فسحة أخرى..    كن أول من يقيّم

 الأكاديمي والناقد إبراهيم السولامي : محاضرة يومية لمحمد مندور، ودرس اختياري لطه حسين
محمد بهجاجي
من التعليم الوطني الحر بالقنيطرة (مسقط الرأس 1938)، إلى جامعات القاهرة والرباط والجزائر وباريس، أرسى الدكتور إبراهيم السولامي مسارات متنوعة للتكوين الأكاديمي، وللبحث والكتابة. في سنة 1964، التحق أستاذا بكلية آداب فاس، ضمن جيل الأساتذة الشباب: أحمد اليبوري، حسن المنيعي، محمد برادة ومحمد السرغيني، لتتخرج على يديه أفواج الطلاب الذين يشهدون بسعة علمه، وروحه الكريمة المفتوحة على الشباب. إلى جانب ذلك، أثرى الخزانة الوطنية بمؤلفات دشنها بديوان «حب» سنة 1967، وواصلها بكتابيه الأساسيين: الشعر الوطني في عهد الحماية (1974) والاغتراب في الشعر العربي الحديث (2009)، إضافة إلى مؤلفاته: تأملات في الأدب المعاصر، رأي غير مألوف، خطوات في الرمال، وكتابه الصادر هذه السنة بعنوان «في صحبة الأحباب».
في هذا الحوار استعادة لمعالم من هذه المسارات التي هي جزء من ذاكراتنا الثقافية المشتركة.


أجواء المرح هاته لم تمنعكم من اجتياز الباكلوريا بنجاح، والالتحاق بالدرس الجامعي.
كيف وجدتم الجامعة المصرية آنذاك؟ وماذا عن الطلاب المغاربة داخل الفضاء الجديد؟

قبل أن أجيبك عن هذا السؤال، أشير إلى تفصيل مهم بخصوص أستاذ الترجمة، فقد فوجئنا، ذات يوم، بعد الالتحاق بالجامعة أنا ومحمد برادة، بإعلان في الكلية يحدد يوم مناقشة أطروحته لدكتوراه، وكان عنوانها «الجريمة والعقاب» في القانون وعلم النفس، فاكتشفنا أن صاحب الأطروحة هو أستاذنا كمال الدسوقي، الولهان والمحب لعبد الحليم حافظ، والذي درس اللغة الفرنسية وتخرج من شعبة الفلسفة، وواصل دراسته العليا في الحقوق ، وانضم إلى مدرسة علم النفس التكاملي التي كان يرأسها يوسف مراد. وكان من أساتذتها مصطفى سويف، صاحب الكتاب الشهير «الأسس النفسية للإبداع الأدبي».
أما بخصوص الجامعة، فأول ما عرفناه من نظامها، هو أنها ثلاث جامعات يدخلها الناجحون حسب درجة نجاحهم في البكالوريا، وهي بالترتيب: جامعة القاهرة، ثم جامعة عين شمس، فجامعة الإسكندرية. والطريف أن اللذين التحقا بجامعة الإسكندرية، هما اللذان نالا مناصب سامية عند رجوعهما إلى المغرب، وهما: عبد الحميد عواد الوزير السابق المكلف بالتوقعات الاقتصادية، وعبد الكريم السمار السفير في السعودية الذي توفي مؤخرا.
أشير هنا إلى أن القاهرة كانت تزخر بالمغاربة. بعضهم سبقونا، وآخرون جاؤوا بعدنا. بعضهم كانوا كبار في السن نسبيا مثل عبد القادر الصحراوي السفير ووزير الأنباء، ومحمد التازي السفير، ومحمد الدغمي الذي كان فنانا مشهورا في ذلك الوقت.
كان بيننا أيضا من قضى مدة قصيرة ثم عاد إلى المغرب بعد الاستقلال، ومنهم : عبد الرحيم السقاط، محمد المزكلدي، محمد بوزوبع، إسماعيل أحمد، الطاهر جمي، خالد مشبال، عبد الكريم الفيلالي وعبد اللطيف السملالي. ومنهم من عاش معنا مدة الدراسة، أكانوا قبلنا مثل أحمد عبد السلام البقالي ومحمد بنعيسى ، وقد غادرا إلى أمريكا. ومنهم من تابع الدراسة حتى النهاية، وهم كثيرون منهم: علي أومليل ، عباس الجراري، عبد الواحد بنمسعود، عبد الرحمان بنعمرو، محمد رونق ، حسن المفتي، والمهدي الدليرو.
التحقت ، محمد برادة وأنا، بشعبة اللغة العربية، فكان من زملائنا من أصبحوا كتابا لامعين، منهم عبد المنعم تليمة، وطه وادي وسيزا قاسم. أما أومليل فالتحق بشعبة الفلسفة، ومن أبرز زملائه محمود رجب وعزة قرني.
أساتذتنا كانوا لا معين، منهم شوقي ضيف، يوسف خليف، حسين نصار، عبد العزيز الأهواني وعبد الحميد يونس، لكن أحبهم إلينا كانت الأستاذة سهير القلماوي، أستاذة النقد لأن أسلوبها مركز دقيق، ومنهجها متكامل مشوق. أما طه حسين فكان يلقي علينا درسا اختياريا، يوم الأربعاء، نحضره مع أساتذتنا ومئات الطلبة من جميع الشعب.

بالإضافة إلى الدراسة النظامية، كانت الجامعة بدون شك محفلا ثقافيا، بالنظر إلى قيمة الأساتذة وتنوع عطاءاتهم، وحيوية الساحة الثقافية المصرية؟

بالفعل، فلقد كان الجو الثقافي غنيا بالندوات، وكانت الجامعة حافلة بالمناقشات الحاملة لكل التيارات، وأذكر أنني عرفت، في مقهى الجامعة الصاخب، وحيد النقاش، وأخته فريدة.
كان وحيد يدرس بشعبة اللغة الفرنسية، وأخته بشعبة اللغة الانجليزية. وفي المقهى عرفت كذلك محسن بدر ونجاة شاهين وأحمد حجازي وغيرهم.
وأشير هنا إلى أن ندوات كثيرة كانت تقام في اليوم الواحد، مما يصيبنا بالحيرة. محمد مندور مثلا كان يلقي، يوميا، محاضرة في المذاهب الأدبية بمتحف الفن الحديث. بينما تقام ندوة لإلقاء الشعر في مكان آخر. ولا أزال أذكر أنني استمعت، في هذه الندوة الشعرية، إلى الشاعرات: ملك عبد العزيز، زوجة محمد مندور ولورا الأسيوطي ووفاء وجدي.
ضمن الأجواء الثقافية والفنية كذلك، وإلى جانب الندوات، والمكتبات الزاخرة وفي طليعتها مكتبة جامعة القاهرة ومكتبة درا الكتب ، كانت تنظم حفلات متتالية، أشهرها حفلة أول خميس من كل شهر لأم كلثوم، حيث يتحلق الناس حول المذياع ليسهروا مع الصوت الشجي، إلى ساعة متأخرة من الليل.
أما الصحف فهي فضاء لأقلام أكبر الكتاب: طه حسين، عباس محمود العقاد، سلامة موسى، محمد زكي عبد القادر، أحمد الصاوي، بيرم التونسي، أنيس منصور، إحسان عبد القدوس، ومحمد مندور، لويس عوض ، ومحمد حسنين هيكل، وأحمد رشدي صالح وغيرهم.
8/26/2010

27 - أغسطس - 2010
ساعة الفجر الحزينة
فسحة أخرى .. نص رحلي.. مهدى لللأخت لمياء .    كن أول من يقيّم

كيف استحضرت أجدادي القدامى وأنا على أرض الجزيرة العربية

كنت أتأمل في الوجوه والسحنات علِّي أعثر على شبيه لي
أحمد المديني
يستعرض أحمد المديني في هذه السلسلة مجموعة من مشاهداته في الديار المقدسة عندما قام برحلة لحج بيت الله الحرام، وهناك عاين مجموعة من الظواهر التي أثارت
انتباهه وجعلته مصرا على ترسيخها في عمل أدبي ينتمي إلى الجنس الرحلي الذي رآه قادرا على قبول تنوع مادته واختلاف أشكالها وأنواعها .
طريق المهاجرين
 إذا قِستَ المسافة من مكة إلى المدينة، في الزمن الذي تمت فيه الهجرة النبوية، وبظروف وأحوال ذلك العهد البعيد الآن، أي أربعة عشر قرنا وثلاثين عاما، تاريخ كتابة هذا السِّفر، فلن تتردد في القول بأن رواد تلك الهجرة العظيمة، الذين خرجوا بأنفسهم وعقيدتهم، كي يغذوها وينشروها بعد ذلكم في الآفاق إنما هم أرواح، فضلا عن كونهم أبدان كانت تمشي في الأرض. وإلا، أي قوة وأي جَلَد على التحمل أوتيه أناس أخرجوا من ديارهم، ليتحملوا مشاق السفر، متنقلين بين الوعر، ومتجشمين من الصعاب ما لا نستطيع اليوم تخيله، ولو تخيلناه لن نتحمله بما هو متاح لنا من ترف. حين وصلت إلى جدة التي سننتقل منها إلى الجنوب، إلى مكة المكرمة لم أفكر في شمالها، حيث المقام النبوي الشريف قط. بدت الجغرافيا الإلهية عندي محصورة، بالأحرى محددة في الأماكن التي ُتقضى فيها المناسك وحدها ويتجسد الحج
وفيها بقي تركيزي منذ البداية إلى اللحظة التي تركنا فيها المسجد الحرام يسبح في كل الأضواء. أمَا وقد عدتُ إلى نقطة الانطلاق في جدة فإن هذه الجغرافيا استعادت حقوقها المؤجلة لتشمل بلاد الله كلها في الجزيرة العربية، في قلبها بعد الذي عشنا المدينة المنورة، المهبط الآخر للوحي، وعماد نشر الدعوة الإسلامية، ومركز خلافتها. بعد يوم استراحة في العاصمة الاقتصادية لآل سعود كنا نطوي الطريق إليها، هذه المرة يقود ركبنا سائق أندونيسي نحيل القامة مثل الألف، لا يتمتع بتاتا بمهارة الدارفوري، ويحترم السرعة حرفيا، طلبت منه السيدة المصون أن يسرع فهي متلهفة للوصول إلى المقام، خاصة بعد أن وعدت مراسليها بأنها «حتدعي» لهم من هناك، وعلى وجه السرعة، فرد بحسم: «مو معقول، ما يقبل أنا، خمسمائة ريال!»، وكان المقصود أنه غير مستعد لدفع هذا المبلغ، ذعيرة، لو ضبطته شرطة الطريق مخالفا. بينما تمنيت أن يبطئ لأملأ عيني أوسع ما يكون من الطريق، من المساحات الفسيحة، حتى وهي شبه جرداء، رحت أعمّرها بخيالي، بمخزون ذاكرتي عن تاريخ العرب.
أنا عربي، أمس واليوم، وسأبقى عربيا، حتى في هذا الزمن الذي صار الانتماء فيه إلى العرب جريرة وسُبّة. في جميع البلدان التي عشت فيها وأعيش، فقد جئت إليها بجَدٍّ أو فرْع، أما هنا فإحساسي أني في أرض أجدادي، لذا ما انفكت مساحة الطريق تتفتق أنسابا ووجوها، حروبا وفرسانا، وقائع ومواقع ومضارب، شعراء وخطباء وكهنة، وقوافل غادية رائحة، والهوادج تحمل ربات الحجال، فيما شعراء يتيمة الدهر وشعرلامية العرب وقوف يتنافسون من سيبجل أكثر تاريخ القبيلة، ويجندل أكثر رؤوس الأعداء، ويذرف الدمع أغزر على الطلل المحيل، وأنا بينهم مثل سيدهم طراً امرئ القيس بن حجر:
 «يجول بآفاق البلاد مُغَرِّبا/ وتسحقه ريح الصَّبا كل مَسْحَق».
 كل نظرة رغبة في الاستعادة، ومن أجل استزادة لما علمت وما لم أعلم. ضبطتني أطيل النظر إلى وجوه العابرين، أتفحص قسمات الجميع ما أمكن، قاماتهم، أنصت للأقوال العابرة، والأحاديث، وللكلمات الشاردة، أيضا. ليس شأني التعرف عن من هم السعوديون، سكان شبه الجزيرة العربية، مواطنو هذه المملكة، هؤلاء الأقوام الذين لدينا عنهم معرفة صحيحة أو خاطئة، ونصدر عليهم وعلى أرضهم وحكامهم أحكاما متفاوتة، وأكثر ما ينظر الغرب إليهم من ناحية ثروتهم النفطية، ومقدار ما سيبرم معهم من صفقات رابحة، فيما لا يضيع فرصة للتعريض بهم/ بنا. شأني الأبعد حدسته في محاولتي الرجوع، ولو تخيّلا ووهما، إلى من كان آبائي وأجدادي، وهل هؤلاء يشبهونهم، والحق أن من رأيت وعاشرت والتقيت تعجبك خلقتهم وخلقهم، ولم يكن ينقصني إلا لحية خفيفة أو شارب بعد ارتداء الزَّيّ لأذوب في أسرابهم، أتحلى بالسماحة، والبشاشة، وعلى لساني دائما فأل حسن: أبشِر! أبشِر!
 أردت أن أستفيق من حلمي، أن أترجل لأمشي فوق بنية صلدة، علني أنسى مؤقتا أرض الأنبياء، هذا المكان المعلق بين الأعلى والأسفل، الممتد خارج الأزمنة. أن أعيش، بلغة اليوم، هنا والآن. إنما الزمن دائما يتداخل في عيني وذاكرتي، وأي كلام أو قول أفوه به أو أكتبه هو قولان، لا يحتمل لا الصدق ولا الكذب، حقيقة ومجاز في آن، يستمد من الواقع نسغه، حسه وجسّه، ومن ورائه يصعد علياءه، فإن جئت وأدركته، لو أدركته، سألت ويحه، كيف يجرؤ أن يقلب الأرض سماءً، يركب السماء كأنها الأرض، على هواه؟! كفر الإنسان ما أظلمه! إنما لا شك جدي الشعري سيعود يسعفني، لا شفيع لي سواه قبل الوصول إلى مقام الحبيب الندِيّ، أسمعه ينشد، لا ُفضَّ فوه، بشجوه المعهود بالشجن:
« هل عاد قلبك من ماوية الطربُ/ بعد الهُدُوّ فدمعُ العين ينسكب
 أم هيّجتك ديار الحي إذ ضعنوا / عنها كأن بعمايا رسمها كتبُ
بل طائفٌ هاج الشوق من فابتدرتْ/ له المدامع لا عانٍ ولا صَقِبُ...
حيّ الديار التي أبلى معالمها / عواصف الصيف بالخرجاء والحقبُ
جر الزمان عليها ذيل حلته / وفي الزمان وفي تصريفه عجبُ»
 قد لا يعجب كلامي كتاب وقراء هذه البلاد، ومن المحتمل أن يصنفوني في دائرة مستشرقين وزوار عجلين، يسيحون باحثين عن غرائب وعجائب، إذ أستطرف وأتخير ما يعجب، وربما رأوني أرسل الكلام على عواهنه. لكن عذري معي، لأني فطِنٌ من البداية إلى مآخذ ليست في وارد حسابي، ما دمت لست سائحا ولا ذا رؤية استشراقية، أولا، ولأني، بالنَّسَب والنَّصَب، جزء من المشهد، طلل قديم فيه، وكائن يقظ، رغم عتو الزمان لم ينقرض. وثالثا، وهذا هو الأهم، ورغم أن أهل مكة أدرى بشعابها، فإني علمت، بل عاينت، كيف أن قسما كبيرا منهم، أغلبهم من مترفيها، يغادرونها بسبب ما تعيشه من الاختناق أيام الحج، ولانقلاب طبيعة حياتهم سافلها عاليها، وبعد أن توسعوا في الرزق، أصبحوا في غنى عن خدمة السِّقاية والرِّفادة، وهكذا يصبح الحجيج هم أهل مكة، ويحق لهم أن يخبروا شعابها وحيثما نقلتهم أقدامهم، حتى وتأشيرة جوازهم محددة زمنيا ب»موسم الحج»، ومنها الطريق التي أخوض الآن، والمدينة، وأي مكان آخر في بلاد الله هذه يهفو إليه الفؤاد، فليعلموا أنها له، لكل من تطلع لرب الكعبة، وعشق نبيه الكريم، لهم بها حق مذ انطلقت منها دعوة الدين الحنيف، لا تثريب عليهم ففي وجههم نظر، ثم أليسوا، من قبل ومن بعد، ضيوف الرحمن؟!
 

30 - أغسطس - 2010
ساعة الفجر الحزينة
من يوميات مسافر إلى القاهرة ..    كن أول من يقيّم

فسحة

 يوميات مسافر إلى القاهرة .. قاهرة اليوم الأخير
شعيب حليفي
في الليلة الأخيرة لي بالقاهرة ، عدتُ متأخرا إلى غرفتي بفندق البيراميزا ، وعاد إليَّ شيطان النثر، وهو غير سلطان الشعر الرشيق. فصاحبي جاءني محملا بخاطر متخيل تعج به عدد من الحقائق ،ملأني بالكتب والوثائق... وذكَّرني بالنص النائم الذي يستفيق بداخلي كلما هاجرتُ وطني. فقلت له بأن نصوصا نائمة كثيرة تزدحم في نفسي التي لا ألومها على شيء في كل هذا، سواء هنا أو هناك .
أخرجتُ أوراقي القديمة، وقرأتُ ما كنتُ كتبته في رحلتيَّ السابقتين إلى القاهرة والشام، ثم رميتُ القلم وتمددتُ في الفراش متفكرا في ما جرى لاحقا.وسرعان ما نسيتُ الأمر ونمت تاركا شيطان النثر واقفا دون أن يلوي على شيء من خيالي..
في الغد ، يوم عودتي إلى المغرب، وبعد زيارتي المبكرة لشارع المعز لدين الله ، عدتُ إلى غرفتي واستحممتُ ثم نزلتُ لتناول فطور الصباح مع أصدقائي دون أن أخبرهم برحلتي «العجيبة « إلى القاهرة القديمة ، وقد انتابني شعور مزدوج ، خبأته بداخلي ..
لم يعد أمام الفجر من خيار، أو من حقيقة أخرى، غير الاختباء في نفسي ، فكل ما رأيته ما زال جاثما على خيالي وقد طوح بي بعيدا في التاريخ ، حيث صوتي لم يعد صوتي، بل شريانا من دمي، أكلم به نفسي فيخدش صمتي لتطلع منه أبخرة حارة، لو قشرتها لوجدت دمي الضائع مند قرون.هكذا رأيتُ الأشياء وعشتها في هذا الفجر .
قررتُ رفقة أصدقائي استثمار السويعات المتبقية لنا في جولة أخيرة على الأقدام بوسط البلد ، فعبرنا كوبري الجزيرة صامتين ،لم نكن نتكلم كثيرا في ما بيننا ..فكل واحد منا يتأمل لحسابه الخاص ويختزن الصور الأخيرة لنا في هذه الرحلة الممتعة .
أحسستُ أن أنفاسي وهي تُخالطُ رائحة ماء النيل النفاذة في ذلك الصباح الباكر مثل نهر ممتد تطلع منه أبخرة ندية ضاجة بروائح روحانية..تستولد بدواخلي أحاسيس بائدة ومتوغلة في مناطق قصية من وجداني.أحاسيس تتراءى لي بأني كنت في هذه الأرض قبل مئات القرون ولما تزال آثارها المتجددة.. بنفس الدهشة التي كانت تتلبس سيدنا يوسف وكل الأنبياء الذين مروا من هناك .
مشينا لساعة تحت نفس الشموس التي تشرق على الأحلام الممددة غربا إلى حيث تتبلل بما فاض من ذهولي..بدأنا نحس بشراسة الشمس فوق رؤوسنا فدخلنا إحدى المقاهي الشعبية جالسين لفترة نتحدث ونضحك ونحن نحتسي الشاي.

< < < <

تواصلت جولتنا إلى غاية الواحدة ظهرا ثم ركبنا التاكسي عائدين إلى الفندق بعدما أخذ منا التعب مأخذا. وهناك تناولنا وجبة الغذاء وأسرعنا لجمع حوائجنا في انتظار التوجه إلى المطار مع الأخذ بعين الاعتبار زحمة الطريق والمطار.
كل واحد منا - ونحن في طريق العودة - يشعر بأننا قضينا سنوات طويلة بالقاهرة وليس أسبوعا واحدا ...ولو قيض لكل واحد منا أن يكتب رحلته هذه لشكلت نصوصا تعكس الرؤية الثقافية ، بخصوصياتها، هذا فضلا عما يوحي به السفر من رغبة في الكتابة والتخييل الموازي .



ج. الاتحاد الاشتراكي المغربية
8/28/2010

30 - أغسطس - 2010
ساعة الفجر الحزينة
يـحلـق عـنـد الـغـروب ..    كن أول من يقيّم

 
 
 
 
مشاركة أعدتها للنشر أكوح ندى
نقلا عن جريدة الاتحاد الاشتراكي المغربية

5 - سبتمبر - 2010
ساعة الفجر الحزينة
يحلّق عند الغروب: موجز القول في محمد عابد الجابري    كن أول من يقيّم

** ورحم الله نصرا حامد أبوزيد ، ومحمدا عابد الجابري **
.. " وعواشر مبروكة الأستاذ النويهي والأخت الكريمة أ. بسمــة "..
*****************************************************************

عزمي بشارة*
في مقدمة كتابه «أسس فلسفة القانون»، كتب جورج فلهلم فريدريك هيغل يقول: «حين تباشر الفلسفة الرسم باللون الرمادي، فما ذلك إلا إشارة إلى أن تكوينًا معينًا للحياة بات مسنًّا عاجزًا، ولا يعيد الرمادي لهذا التكوين شبابَه بل وعيَه: فبومُ المنيرفا (أي طائر الحكمة) يبدأ تحليقه مع ضوء الغروب الخافت». ليس هذا التصوير الهيغلي السوداوي لانطلاق طائر الحكمة ساعة الغسق، وصفًا متشائمًا للفلسفة، بل هو وصف واثق، قانع، مكتف بالفلسفة كتجلٍّ لتاريخ الحقيقة وتاريخيتها، وكتلخيص لروح العصر وأسئلته الفكرية. الفلسفة حكمة «ما بعد»، وليست نبوءة «ما قبل». تبقى الإفادة منها «ما بعد» في ما تجده فيها الأجيال اللاحقة كي تبني عليه. فهي تتحقّقُ في إدراك الوعي لتاريخه.
وإذا سمح لنا الغروب بتوسيع نطاق استعارته لقلنا إن فلسفةَ مرحلةٍ تنطلق مع أفول تلك المرحلة. هكذا ازدهرت حين بدأ الانحطاط في التاريخ العربي الفعلي، وتوحّدت الفلسفة حيث تفرّق التاريخ، ووصلت قمّتها في ابن رشد. لقد ازدهرت الثقافة الأندلسية في مرحلة ملوك الطوائف، وكتب ابن رشد في نهايتها مع بزوغ أمل وحدوي، أمل المرابطين والموحّدين الذي انتهى إلى تشتت أدهى بانتقال شعلة الحضارة والمدنية إلى أوروبا أخرى. وبعد ابن رشد بثمانية قرون، وفي بداية انحطاط عصر الدولة القطرية العربية في نهاية مرحلة ما بعد الاستعمار المباشر لاحتْ معالم انتعاش فكر عربي نقدي. وتقاطعَ وتوحّدَ عند الجابري، ابنِ هذه الحقبة العربية الكبير وكاتبها، وحافظ مسائلها وأسئلتها وإشكالاتها. فمنذ عقود وهو يرسم بالرمادي. وعقله يحلِّق عند الغروب بصمت خافق حائزًا بجدارة لقب الفيلسوف
.
أبدع كل من الجابري وسلفه الكبير ومثاله ابن رشد على تخوم زمان دول الطوائف، على تخوم الخيبات التي سعيا ليحوِّلاها إلى مقدّمات لآمال جديدة. فهل ينجح مجتمع الجابري حيث أخفق مجتمع ابن رشد؟
يلخّص الجابري حاجتنا لابن رشد بجمل تصلح في وصف حاجتنا للجابري نفسه. إنها الحاجة «إلى روحه العلمية النقدية الاجتهادية، واتّساع أفقه المعرفي، وانفتاحه على الحقيقة أينما تبدّت له، وربطه بين العلم والفضيلة على مستوى الفكر ومستوى السلوك سواء بسواء». هل حاول أن يكون في حياته وفي إنتاجه العلمي تعبيرًا عن وعي غياب ابن رشد؟ من يعرف الجابري يعرف أنه لا يحاول أن يكون شيئًا، فهو يتصرّف على سجيّته كما هو.
وفعلُ ربطِ المعرفة بالفضيلة كما يطرحه الجابري في وصف ابن رشد هو أهم ما يميّز تفاؤلية الأنوار والتنوير. يجوز التفاؤل بالرمادي في التنوير فقط. لأن التنوير يستند إلى ربط الفضيلة بالمعرفة، وربط الخير الاجتماعي والفردي بتبديد ما تعتبره فلسفة التنوير ظلماتِ الجهل. هل تؤدي المعرفة إلى الفضيلة؟ لا ندري، ما نعرفه قطعاً هو أن الجهل أسهل انقيادًا للرذيلة. يلحّ الجابري علينا بابن رشد لأنه برأيه «المدخل الضروري لكل تجديد في الثقافة العربية الإسلامية في داخلها»، ولأنه «أنموذج المثقف العربي المطلوب اليوم وغدًا، الذي يجمع بين استيعاب التراث وتمثل الفكر المعاصر والتشبّع بالروح النقدية، وبالفضيلة العلمية والخلقية». فأصبح الجابري مدخلاً ومدرسة في تجديد الثقافة العربية المعاصرة. ليس لأن كل ما يقوله صحيح، ولا لأن الحكمة اكتملت عنده ـــــ فهنالك ما يناقش ويجب أن يناقش عند الجابري (وتلح المهمة من جديد وخصوصاً بعد عمله الكبير الأخير في التعريف بالقرآن) ـــــ بل لأنه قام بمهمة لا يمكن، ولا يحق أصلاً، لأي كان، أن يضطلع بها. فمن خلال قراءته المتأنية والعالمة والنقدية للتراث بأجندة نقد الحاضر العربي، فتح الطريق لمثقفي اليوم والمستقبل للاستمرار، من نقطة انطلاق جديد، فقد علّمهم الجابري العربي السير في التراث كأنه امتداد للتاريخ والبلاد، للزمن والوطن، كأنه أرض حميمة. ولمن لا يملك الموهبة التي يملكها، وضع دليلاً وخريطة تجنِّبه التيه في مساحاته الشاسعة ومسالكه الوعرة، فبوّبه، ومَفْهَمه في مفاهيم، واصطلحه في مصطلحات، واستنبط منه أدوات معرِفية... وطرح قضايا العقل فيه، وولج إلى اللاشعور المعرفي كاشفًا أصنامه المعيقة للعقل. ووضع نقطة جديدة يمكن أن نبدأ من عندها.
هل تبشّر نهايةُ مرحلةٍ بنهضة مرحلة أخرى أم بمنازعة طويلة مع الموت؟ هذا ما لا يقرّره الفلاسفة. يطرح الجابري الشروط المعرفية، لا الاقتصادية ولا الاجتماعية لنهضة قائمة على الوصل والفصل (والوصل شرط الفصل)، ولبزوغ عقلانية عائدة إلى التراث العقلاني لوصل ما انقطع فيكون ممكنًا بالوصل نفي ما كان نفيًا جدليًا في إطار التاريخ العربي. يشغله التحرر من ثنائيات الشورى والديموقراطية، والدين والدولة، والأصالة والمعاصرة، والحداثة والتراث. إنه يطرح لنا الإمكانية بعد دراسة معمّقة ومستفيضة لتاريخنا الفكري. ولكنه لا يحسم السؤال حول المستقبل، بل يشير لنا إلى الطريق. وهذه مهمته.
وهو لا يستشرف الطريق في إشراقة ولمعة (لا عرفانًا ولا بيانًا بلغته)، بل يمشي خطواته المعرفية في بحث كرّس له حياته.
لقد اكتفى منظّرو النهضة المبشّرون بها في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بطرح السؤال المفجوع، عن السبب في تقدّم أوروبا وتخلّف المسلمين، وازدهار الغرب وتردّي أحوال العرب. أما الجابري فتحرّر من فجيعة السؤال. تحرّر من الصدمة. وطرح السؤال من جديد على شكل أسئلة مصوغة عقلانياً، وبالتالي قابلة للفحص. لم يطرح سؤالاً مفجوعًا مصدومًا خائبًا، بل صاغ الأسئلة مشروعًا فكريًا. وانكبّ على معالجته. وهذا ما لم يفعله مفكّرو النهضة وإصلاحيوها. وبهذا فإن فكر الجابري ليس بداية ممكنة لنهضة جديدة، بل صياغة الأسئلة الحقيقية لأي نهضة عربية ممكنة. صاغها معرفيًا وإبستمولوجيًا وفلسفيًا. لم يطرح الجابري العودة إلى أصول الدين جوابًا، ولا محاكاة أوروبا. ولا الارتداد المتواتر عن هذه لتلك. والصيرورتان جاريتان لا تحتاجان إلى فيلسوف، بل طرح العودة لوصل ما انقطع من المشروع الفكري العربي منذ عصر التدوين، بتشخيص غير العقلاني في الأدوات المعرفية وتمييز العقلاني عنه، وبالبناء لعقلانية وحداثة عربية بلغة العرب وأدواتهم مستخدمًا في بحثه نفسه آخر أدوات الفلسفة والعلوم الاجتماعية من إنتاج الحداثة الأوروبية. هنا مفكر أصيل.
من داخل التراث العربي نقد الجابري الأصنام، كما فعل فرانسيس بيكون في المنطق الجديد حين انتقد أصنام العقل البشري التي تمنع التعاطي العقلاني مع الدنيا. ولكن الجابري تعامل مع أصنام عينية تطورتْ تاريخيًا، هي جملة المفاهيم والإجراءات التي تكسب المعرفة بنيتها اللاشعورية الثقافية في خصوصية معيقات العقل العربي. وكان عمل الجابري الفلسفي هنا عملاً نقدياً بما في كلمة نقد من معنى. إنه نقد العقل العربي أي «نقد البنية الذهنية الثاوية في الثقافة العربية كما تشكّلت في عصر التدوين».
يقول الجابري في الجزء الثالث من نقد العقل العربي، في كتابه عن العقل السياسي العربي: «كل كتابة في السياسة هي كتابة متحيّزة، ونحن متحيّزون للديموقراطية. والتحيّز للديموقراطية في الدراسات التراثية يمكن أن يتخذ أحد سبيلين: إما إبراز الوجوه المشرقة والتنويه بها والعمل على تلميعها بمختلف الوسائل... وإما تعرية الاستبداد بالكشف عن مرتكزاته الإيديولوجية (الاجتماعية واللاهوتية والفلسفية). وقد اخترنا هذا السبيل الأخير لأنه أكثر جدوى».
ربط المعرفة بالفضيلة، كما يطرحه الجابري في وصف ابن رشد، هو أهم ما يميّز تفاؤلية الأنوار والتنوير

قبل أن يضطلع بهذه المهمة، فعل الجابري ما يفعله الناس؛ فنشط في النضال السياسي، ولم يترفع عن الحزبية، بل كان قياديًا حزبيًا، وكتب مشاريع سياسية حزبية استراتيجية لامعة، وأصدر العديد من الكتب الفكرية. يذكّرني هذا بصغار المترفعين عن الحزبية والسياسة من المثقفين الذين يبتعدون عن السياسة (إلا العمل في جهاز الدولة، فهو في عرفهم ليس سياسة) كإثبات على الفكر والعلم، وللتغطية على انعدام الفرادة والأهلية. وعمل الجابري ودرّس من أجل قوت يومه ولكي يساهم في بناء جيل من المثقفين، وأنشأ عائلة كريمة، وكتب في السياسة واهتم بقضايا العرب يوميًا، وتابع الأخبار والتطوّرات والأحداث، وكان له فيها رأي.
ومنذ أن طرح الأسئلة الكبرى ووضع قدمه على الطريق بعد كتاب الفكر العربي المعاصر، كرّس نفسه لها كلياً. لم ينشغل الجابري بأمور خارج ما يمليه الواجب السياسي والاجتماعي، ليس لأنه زاهد متنسك، ولا لأنه مترفع عن أمور الدنيا، بل ببساطة لأنه لا يملك الوقت. لقد دافع عن وقته بصرامة وبسالة نحسده عليها. فالجابري أعقل من أن يكون مغرورًا، والغرور نوع من الغباء الذي يؤدي إلى ارتكاب حماقات فعلاً، أو يأتي للتغطية عليها. ولم يرغب في سلوكه أن تروى عنه طرائف. ولا كان لديه الوقت لاستعراض صورة المفكّر المشغول أو التائه أو الفوضوي أو ما ينتشر من صور عن المفكّرين من غرائبية أو فظاظة غير مبرّرة. لم يكن لديه وقت لهذه التفاهات، ولا للتطرّف الاستعراضي من أي نوع، فقد كان الجابري مثل كل الكبار إنسانًا عاديًا متواضعًا في حياته ومعاملاته. لم يصمّم أسطورة عن ذاته في حياته خلافًا لما يفعل بعض نجوم الشعر والفكر والأدب. لم يكن بحاجة إلى صورة المفكّر لأنه مفكّر فعلاً، ولا كان بحاجة إلى أن يثبت للقارئ شيئًا عن ذاته، بل كتب لكي يُقرَأ، وقد كان في غنى عن الادعاء لأنه حقيقي حقًا.
(نص كلمة الدكتور عزمي بشارة
في حفل تأبين أربعينيّة المفكر محمد عابد الجابري يوم 8 حزيران في الرباط، قاعة محمد الخامس)
* مفكّر عربي
 

عزمي بشارة*

6 - سبتمبر - 2010
ساعة الفجر الحزينة
صورة ( هدية )    كن أول من يقيّم

 المصدر ش. العنكبوتية .

6 - سبتمبر - 2010
ساعة الفجر الحزينة
 77  78  79  80  81