البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات صبري أبوحسين أبوعبدالرحمن

 75  76  77  78  79 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
رأي القرطبي    كن أول من يقيّم

رأي القرطبي
من تفسير القرطبي:
إصابته الوزن أحيانًا لا يوجب أنه يعلم الشعر، وكذلك ما يأتي أحيانا من نثر كلامه ما يدخل في ورن، كقول يوم حنين وغيره: (هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت)
 وقوله:
(أنا النبي لا كذب
 أنا ابن عبد المطلب)
 فقد يأتي مثل ذلك في آيات القرآن، وفي كل كلام؛ وليس ذلك شعرا ولا في معناه؛ كقوله تعالى: "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون" [آل عمران: 92]، وقوله: "نصر من الله وفتح قريب" [الصف: 13]، وقوله: "وجفان كالجواب وقدور راسيات" [سبأ: 13] إلى غير ذلك من الآيات.
وقد ذكر ابن العربي منها آيات وتكلم عليها وأخرجها عن الوزن. على أن أبا الحسن الأخفش قال في قول: (أنا النبي لا كذب) ليس بشعر.
وقال الخليل في كتاب العين: إن ما جاء من السجع على جزأين لا يكون شعرا. وروي عنه أنه من منهوك الرجز. وقد قيل: لا يكون من منهوك الرجز إلا بالوقف على الباء من قوله: (لا كذب)، ومن قوله: (عبد المطلب). ولم يعلم كيف قاله النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن العربي: والأظهر من حال أنه قال: (لا كذب) الباء مرفوعة، ويخفض الباء من عبد المطلب على الإضافة.
 وقال النحاس قال بعضهم: إنما الرواية بالإعراب، وإذا كانت بالإعراب لم يكن شعرا؛ لأنه إذا فتح الباء من البيت الأول أو ضمها أو نونها، وكسر الباء من البيت الثاني خرج عن وزن الشعر.
وقال بعضهم: ليس هذا الوزن من الشعر. وهذا مكابرة العيان؛ لأن أشعار العرب على هذا قد رواها الخليل وغيره. وأما قوله: (هل أنت إلا إصبع دميت) فقيل إنه من بحر السريع، وذلك لا يكون إلا إذا كسرت التاء من دميت، فإن سكن لا يكون شعرا بحال؛ لأن هاتين الكلمتين على هذه الصفة تكون فعول، ولا مدخل لفعول في بحر السريع. ولعل النبي صلى الله عليه وسلم قالها ساكنة التاء أو متحركة التاء من غير إشباع. والمعول عليه في الانفصال على تسليم أن هذا شعر، ويسقط الاعتراض، ولا يلزم منه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم عالما بالشعر ولا شاعر - أن التمثل بالبيت النزر وإصابة القافيتين من الرجز وغيره، لا يوجب أن يكون قائلها عالما بالشعر، ولا يسمى شاعرا باتفاق العلماء، كما أن من خاط خيطا لا يكون خياطا.
قال أبو إسحاق الزجاج: معنى: "وما علمناه الشعر" وما علمناه أن يشعر أي ما جعلناه شاعرا، وهذا لا يمنع أن ينشد شيئا من الشعر. قال النحاس: وهذا من أحسن ما قيل في هذا. وقد قيل: إنما خبر الله عز وجل أنه ما علمه الله الشعر ولم يخبر أنه لا ينشد شعرا، وهذا ظاهر الكلام.
 وقيل فيه قول بين؛ زعم صاحبه أنه إجماع من أهل اللغة، وذلك أنهم قالوا: كل من قال قولا موزونا لا يقصد به إلى شعر فليس بشعر وإنما وافق الشعر. وهذا قول بين. قالوا: وإنما الذي نفاه الله عن نبيه عليه السلام فهو العلم بالشعر وأصنافه، وأعاريضه وقوافيه والاتصاف بقوله، ولم يكن موصوفا بذلك بالاتفاق. ألا ترى أن قريشا تراوضت فيما يقولون للعرب فيه إذا قدموا عليهم الموسم، فقال بعضهم: نقول إنه شاعر. فقال أهل الفطنة منهم: والله لتكذبنكم العرب، فإنهم يعرفون أصناف الشعر، فوالله ما يشبه شيئا منها، وما قوله بشعر. وقال أنيس أخو أبي ذر: لقد وضعت قوله على أقراء الشعر فلم يلتئم أنه شعر. أخرجه مسلم، وكان أنيس من أشعر العرب. وكذلك عتبة بن أبي ربيعة لما كلمه: والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر؛ على ما يأتي بيانه من خبره في سورة [فصلت] إن شاء الله تعالى. وكذلك قال غيرهما من فصحاء العرب العرباء، واللسن البلغاء. ثم إن ما يجري على اللسان من موزون الكلام لا يعد شعرا، وإنما يعد منه ما يجري على وزن الشعر مع القصد إليه؛ فقد يقول القائل: حدثنا شيخ لنا وينادي يا صاحب الكسائي، ولا يعد هذا شعرا. وقد كان رجل ينادي في مرضه وهو من عرض العامة العقلاء: اذهبوا بي إلى الطبيب وقولوا قد اكتوى.
 

21 - سبتمبر - 2008
الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الموزونة عروضيًّا
رأي الخليل بن أحمد الفراهيدي من العين واللسان:    كن أول من يقيّم

رأي الخليل بن أحمد الفراهيدي من العين:
جاء في معجم العين:
قال الخليل: الرَّجَزُ المشطور والمنهوك ليسا من الشِّعر، وقيل له: ما هُما? قال: أنصاف مَسجَّعةٌ، فلما ردَّ عليه قال: لأحتجَّنَّ عليهم بحجَّةٍ فإن لم يقرّوا بها عسفوا فأحتجُّ عليهم بأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يجري على لسانه الشِّعرُ.
وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
سَتُبدي لكَ الأيامُ ما كنت جاهلاً
 
ويأتيك بالأخبارِ من لم تُـزَوِّدِ
فكان يقول عليه السلام:
ستبدي لكَ الأيامُ ما كنت جاهلاً
 
ويأتيك من لم تُزَوِد بالأخبـارِ
فقد علمنا أنّ النِّصف الذي جرى على لسانه لا يكون شعراَ إلا بتمامِ النصف الثاني على لفظهِ وعروضه، فالرَّجَزُ المشطورُ مثل ذلك النِّصف.
وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حفر الخندق:
هل أنتَ إلاّ إصبعً دَميتِ
 
وفي سبيل الله ما لَقِيتِ
فهذا على المشطورِ.
وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم:
أنا النَّبـيُّ لا كَـذِب
 
أنا ابنُ عبدِ المُطَّلِب
فهذا من المنهوك، ولو كان شعراً ما جرى على لسانه، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول: "وما علَّمناه وما ينبغي له" قال فعَجبنا من قوله حين سمعنا حجَّته.
 

21 - سبتمبر - 2008
الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الموزونة عروضيًّا
رأي الخليل من معجم لسان العرب    كن أول من يقيّم

رأي الخليل من معجم لسان العرب:
وفي معجم لسان العرب:
قال ابن سيده: والرجز شعر ابتداء أجزائه سببان ثم وتد، وهو وزن يسهل في السمع ويقع في النفس، ولذلك جاز أن يقع فيه المشطور وهو الذي ذهب شطره، والمنهوك وهو الذي قد ذهب منه أربعة أجزائه، وبقي جزآن نحو:
يا ليتني فيها جدع
 
أخب فيها وأضع
وقد اختلف فيه فزعم قوم أنه ليس بشعر وأن مجازه مجاز السجع، وهو عند الخليل شعر صحيح، ولو جاء منه شيء على جزء واحد لاحتمل الرجز ذلك لحسن بنائه. وفي التهذيب: وزعم الخليل أن الرجز ليس بشعر وإنما هو أنصاف أبيات وأثلاث، ودليل الخليل في ذلك ما روي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، في قوله:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا
 
ويأتيك من لم تزود بالأخبـار
قال الخليل: لو كان نصف البيت شعرا ما جرى على لسان النبي، صلى الله عليه وسلم:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا
وجاء بالنصف الثاني على غير تأليف الشعر، لأن نصف البيت لا يقال له شعر، ولا بيت، ولو جاز أن يقال لنصف البيت شعر لقيل لجزء منه شعر، وقد جرى على لسان النبي، صلى الله عليه وسلم: "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب" قال بعضهم: إنما هو لا كذب بفتح الباء على الوصل، قال الخليل: فلو كان شعرا لم يجر على لسان النبي، صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: وما علمناه الشعر وما ينبغي له، أي وما يتسهل له.
 قال الأخفش: قول الخليل إن هذه الأشياء شعر، قال: وأنا أقول إنها ليست بشعر، وذكر أنه هو ألزم الخليل ما ذكرنا وأن الخليل اعتقده.
قال الأزهري: قول الخليل الذي كان بنى عليه أن الرجز شعر ومعنى قول الله عز وجل: وما علمناه الشعر وما ينبغي له، أي لم نعلمه الشعر فيقوله ويتدرب فيه حتى ينشئ منه كتبا، وليس في إنشاده، صلى الله عليه وسلم، البيت والبيتين لغيره ما يبطل هذا المعنى فيه إنا لم نجعله شاعرا، قال الخليل: الرجز المشطور والمنهوك ليسا من الشعر، قال: والمنهوك كقوله: أنا النبي لا كذب. والمشطور: الأنصاف المسجعة. وفي حديث الوليد بن المغيرة حين قالت قريش للنبي، صلى الله عليه وسلم: إنه شاعر، فقال: لقد عرفت الشعر ورجزه وهزجه وقريضه فما هو به. والرجز: بحر من بحور الشعر معروف ونوع من أنواعه يكون كل مصراع منه مفردا، وتسمى قصائده أراجيز، واحدتها أرجوزة، وهي كهيئة السجع إلا أنه في وزن الشعر، ويسمى قائله راجزا كما يسمى قائل بحور الشعر شاعرا. قال الحربي: ولم يبلغني أنه جرى على لسان النبي، صلى الله عليه وسلم، من ضروب الرجز إلا ضربان: المنهوك والمشطور، ولم يعدهما الخليل شعرا، فالمنهوك كقوله في رواية البراء إنه رأى النبي، صلى الله عليه وسلم، على بغلة بيضاء يقول:
أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب. والمشطور كقوله في رواية جندب: إنه، صلى الله عليه وسلم، دميت إصبعه فقال:"
هل أنت إلا إصبع دميت? وفي سبيل الله ما لقيت"
 ويروى أن العجاج أنشد أبا هريرة:
ساقا بخنداة وكعبا أدرما
فقال: كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يعجبه نحو هذا من الشعر.
قال الحربي: فأما القصيدة فلم يبلغني أنه أنشد بيتا تاما على وزنه إنما كان ينشد الصدر أو العجز، فإن أنشده تاما لم يقمه على وزنه، إنما أنشد صدر بيت لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
وسكت عن عجزه وهو:
وكل نعيم لا محالة زائل
وأنشد عجز بيت طرفة:
ويأتيك من لم تزود بالأخبار
وصدره:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا
.....

21 - سبتمبر - 2008
الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الموزونة عروضيًّا
رأي المعري من خلال رسالته الصاهل والشاحج:    كن أول من يقيّم

رأي المعري من خلال رسالته الصاهل والشاحج:
وإنما ذكرت ذلك خشية أن تذهب إلى أن الرجز ليس بشعر، كما قال ذلك بعض الناس محتجاً لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
أَنا النبيُّ لا كذِبْ
أَنا ابن عبدِ المطَّلِبْ
ولما جاء في الرواية الأخرى، أنه قال:
هل أَنتِ إِلا إِصبَعٌ دَمِيتِ
وفي سبيلِ اللهِ ما لقيتِ
في أشباه لهذا. ويحتجون بقولهم للذي ينشيء الرجز: راجز، وللذي ينشيء غيره من القصيد: شاعر.
وإذا ركبنا القضية الثنوية الكلية، فجعلنا المحمول جنساً والحامل نوعاً، فالقضية كذب لا محالة.
وإذا عكسنا ذلك فجعلنا المحمول نوعاً والحامل جنساً، كانت القضية صدقاً. فنقول: كل رجز شعر، فيكون قولاً صادقاً. وإن قيل: كل شعر رجز. فذلك باطل من المقول.
وما أدفع أن الرجز أضعف من القصيد، ولكنهما جنس واحد.
وأما النبي صلى الله عليه وسلم، فقد اختلفت الأمة في شأنه وفي قوله تعالى: "وما علمناه الشعر وما ينبغي له".
فقالت طائفة: لا يكون النبي عليه السلام، إلا عالماً بجميع أصناف العلم الذي يعرفه الآدميون. وإنما تعبد صلى الله عليه وسلم بتركه ذلك الفن- كما تعبد بترك الزنا وشرب المسكر- وكان ذلك خالصاً له في نفسه دون غيره من المسلمين. وإلى هذه المقالة ذهبت أصناف الشيعة، واحتجوا بأن فقد المعرفة بهذا الجنس، معدود في بني آدم من النقص. ولا يبعث الله جل اسمه، إلا أفضل من يكون في عصر المبعث. وقد كان أبوه، صلى الله عليه وسلم، وجده وأعمامه ينطقون بالمنظوم: نقلت الرواة أن "عبد الله بن عبد المطلب" قال للكاهنة لما رأت النور بين عينيه فدعته إلى نفسها:
أَما الحرامُ فالمماتُ دونَـه
 
والحِلُّ، لا حِلَّ فأَستبينَـه
فكيف بالأَمرِ الذي تَبْغِينَه
 
 
وأنشدت الرواة ل "الزبير بن عبد المطلب" عم النبي عليه السلام:
إِذا كنتَ في حاجةٍ مُرْسِلاً
 
فأَرسِلْ حكيما ولا تُصِهِ
وإِنْ بابُ أَمرٍ عليكَ التَوَى
 
فشاوِرْ لبِيباً ولا تَعْصِـهِ
فأما "أبو طالب" فكان أشعر قريش. وقد روى عن "العباس" شعر كثير، وكذلك عن "علي".
قالوا: فإن كان الشعر منقصة، فلم استعملها السادة في الإسلام والجاهلية? وإن كان فضيلة فلم يحرمها الرسول صلى الله عليه وسلم?  
وقالت طائفة أخرى: قد يجوز أن يكون الأمر على ما ذكر هؤلاء، ويجوز أن يكون على غيره. لأنه صلى الله عليه وسلم قال: "استعينوا على كل صناعة بأهلها." وفي الجائز أن يكون سلب منه العلم بهذا النوع بما بعث، فكان ذلك له مثل الآية. وإنما معنى قوله تعالى: "وما علمناه الشعر" أنه جواب لقول من قال من الكفار: "الذي جاء به محمد شعر" لا أنه بهذه الآية نفى عنه المعرفة بهذا الضرب. وكان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا ذكر بيتاً صاباه، أي لم يجيء به على جهته، حتى عرف ذلك منه. مثل قوله بين "الأقرع وعيينة"، "ويأتيك من لم تزود بالأخبار".

22 - سبتمبر - 2008
الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الموزونة عروضيًّا
رأي المظفر العلوي في كتابه نضرة الإغريض في نصرة القريض:    كن أول من يقيّم

رأي المظفر العلوي في كتابه نضرة الإغريض في نصرة القريض:
 
قال:فأما النبي صلى الله عليه وسلم فقد قال اللهُ تعالى فيه: (وما علّمناهُ الشِّعرَ وما ينْبَغي له) ليكونَ ذلك أبلغَ في الحُجّةِ على من زعَم أنه كاهِنٌ، ومرةً ساحِرٌ، ومرة (شاعرٌ نتربّصُ به ريْبَ المنون)، (وقالوا أساطيرُ الأوّلينَ اكتَتبَها)، وقالوا (أضغاثُ أحلامٍ بل افتراهُ بل هو شاعِرٌ). فمنعَهُ الله تعالى من الشعر تكْرِمَةً له لمّا كان الشّعرُ ديْدَنَ أهلِ عصرِه الذي بُعِثَ فيه، وحُظِرَ عليه ذلك دَلالةً على صِدقِه وشهادةً على بُطلانِ قوْلِ المُبْطلينَ في حقِّه، وتنزيهاً له من افترائِهم عليه، وزيادةً في الحجّةِ له. وأنزلَ عليه القرآنَ المجيدَ الذي (لا يأتيه الباطلُ من بين يَدَيْهِ ولا مِن خَلْفِه).
 الذي لو اجتمَعَتِ الإنْسُ والجنُّ على أن يأتُوا بمثلِه، ولو كان بعضُهم لبعضٍ ظهيراً ما أتَوْا. فأقبل صلى الله عليه وسلم يتحدّاهُم فريقاً فريقاً بأن يأتُوا بمثلِه، فلا يَقْدِرونَ عليه. ولو كان شعْراً وطالبَهم بمثلِه لسهُلَ عليهم، وكان موجوداً لديهم. وما كان منْعه صلى الله عليه وسلم من الشعر إلا فضيلةً ومصلحةً وإكراماً وتطهيراً. وليس على الشعرِ بذلك نقيصةٌ ولا عارٌ، ولو كان كلُّ ما منَعَهُ الله تعالى منه حتى لا يرتابَ المُبطلونَ نقيصةً لذلك الفنِّ لكانَتِ الكتابةُ نقيصةً لمّا جعلَهُ اللهُ أمِّياً لا يكتبُ ولا يقرأ؛ ليكونَ أوْكَدَ سبباً، وأعلى شأناً، وأشهرَ مكاناً، ولذلك قال الله عزّ وجلّ تعالى: (وما كنتَ تتْلو من قبْلِه من كتابٍ ولا تخُطُّه بيَمينِكَ إذاً لارتابَ المُبْطلونَ). فإن كان منْعُه من الشِّعرِ مذمةً ونقيصةً للشعرِ والشُعراءِ، فمنْعُهُ من الكتابةِ مذمّةٌ ونقيصةٌ للكتابةِ والكتّابِ، ومعاذَ اللهِ أن يقولَ ذلك عاقلٌ، والله تعالى يقول: (اقرأْ وربُّكَ الأكْرَم الذي علّمَ بالقلَم) وقال تعالى: (كِراماً كاتِبين) يعني الملائكةَ.
وقد جعلَ اللهُ تعالى أهلَ بيتِ رسولِه صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإخوانه كُتّاباً وحُسّاباً، كما جعلَ منهم شُعراء ورُجّازاً. وكان من أزواجِه صلى الله عليه وسلم مَنْ يكتبُ ويقرأ؛ وهنّ حَفْصَةُ بنتُ عُمر، وعائشةُ بنتُ أبي بكر، وأمُّ سَلَمة، رحِمَهُم الله تعالى جميعاً.
ورَوَوْا عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يومَ الأحزابِ ينقلُ الترابَ ويقول:
اللهمَّ لولا أنتَ ما اهْتَدَيْنا
 
ولا تصَدّقْنا ولا صلَّيْنا
ورووْا عنه عليه السلام أنه كان يومَ حُنَيْن على بغلتِه البيضاءَ وهو يقول:
أنا النّبـيُّ لا كَـذِبْ
 
أنا ابنُ عبدِ المطّلِبْ
ورووْا أنه صلى الله عليه وسلم أصابَ إصْبَعَهُ الشريفةَ حجَرٌ فدَمِيَتْ، فقال:
هل أنتِ إلا إصبَعٌ دمِيتِ
 
وفي سبيلِ اللهِ ما لَقيتِ
وأقول: إنّ هذه الأخبارَ إذا صحّتْ فإنه صلى الله عليه وسلم كان يتمثّل بها ولا يُقيمُ وزْنَها تصديقاً وتسليماً لِما أخبرَ الله تعالى به وهو أصدقُ قيلاً. فإنهُ يمكنُ أنهُ قد كان يقول: اللهمّ ما اهتدَيْنا لولا أنتَ ولا صلّيْنا ولا تصدّقْنا، ويقول: أنا النبيّ لا كَذِبا، أنا ابنُ عبدِ المُطّلِب، ويقول: هل أنتِ إلا إصبعٌ دمِيَتْ، وفي سبيل الله ما لقِيَتْ. أو ما يقاربُ هذا، وإنْ كانت هذه الأخبارُ غيرَ متَّفَقٍ عليها، فقد سقط التعليلُ.
وقيل: دخل أبو علي المَنْقَريُّ على المأمونِ وكان متّكئاً على فُرُشِه، قال له المأمون: بلغَني أنكَ أمِّيٌّ، وأنك لا تقيمُ الشِّعرَ، وأنّكَ تَلْحَنُ، فقال: يا أمير المؤمنين، أمّا اللّحنُ فربما سبَقَ لساني بشيء منه، وأما الأمّيّةُ وكسرُ الشعرِ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكتبُ ولا يُقيمُ الشِّعرَ. فاستوى المأمون جالساً وقد ظهرَ الغضبُ على وجهه وقال: ويلَك. سألتُك عن ثلاثةِ عيوبٍ فيكَ فزدْتَني رابعاً؛ وهو جهلُك وحمقُك، يا جاهل! إنّ ذلك كان في النّبي صلى الله عليه وسلم فضيلةً، وهو فيكَ وفي أمثالِك نقيصةٌ ورذيلةٌ، وإنما مُنِع النبي من ذلك لنفي الظِّنةِ عنهُ، لا لِعيبٍ في الشِّعر والكتابةِ، ولا لنَقْصٍ لحِقَهما. فلما سمِعَ المنقريُّ ذلك قال: صدقتَ يا أميرَ المؤمنين، رُبَّ ظنٍّ عثَرَ على وهْنٍ....

22 - سبتمبر - 2008
الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الموزونة عروضيًّا
من كتاب أنوار الربيع في أنواع البديع لابن معصوم المكي    كن أول من يقيّم

من كتاب أنوار الربيع في أنواع البديع لابن معصوم المكي

الانسجام

أوصافه انسجمت للذاكـرين لـهـا
 
في هل أتى في سبا في نون والقلم
الانسجام في اللغة: الانصباب, وفي الاصطلاح أن يكون الكلام عذب الألفاظ, سهل التركيب؛ حسن السبك, خالياً من التكلف والعقادة؛ يكاد يسيل من رقته؛ وينحدر انحدار الماء في انسجامه, لا يتكلف فيه بشيء من أنواع البديع إلا ما جاء عفواً من غير قصد. وإذا قوي الانسجام في النثر جاءت فقراته موزونة من غير قصد, كما وقع في كثير من آيات القرآن العظيم, حتى وقع فيه من جميع البحور المشهورة أبيات, وأشطار أبيات.
فمن بحر الطويل, من صحيحه "فمن شاء فليؤممن ومن شاء فليكفر".
ومن مخرومه ويسمى الأثلم "منها خلقناكم وفيها نعيدكم".
ومن بحر المديد "واصنع الفلك بأعيننا" وتفعليه: فاعلاتن فعلن فعلن.
وغلط ابن حجة في قوله: إنه من العروض الثانية المحذوفة من المديد. بل هو من العروض الثالثة المحذوفة المخبونة, لأن العروض الثانية المحذوفة لها ثلاثة أضرب, وكل منها وزن العرض فيه فاعلن, والعروض في الآية وزنه فعلن كما رأيت في تفعيله, لا فاعلن؛ وغلط في التمثيل لذلك أيضاً بقول الشاعر:
اعلموا إني لكم حافـظ
 
شاهداً ما كنت أو غائبا
لأن هذا شاهد الضرب الثاني من العروض الثانية المحذوفة, وقد علمت أن وزن الآية ليس من هذا العروض, وهذا يدلك على أن ابن حجة كان راجلاً في هذا العلم أيضاً. وأعجب من ذلك أنه لم يدرك بسليقته أن وزن البيت زائد على وزن الآية.
ومن بحر البسيط "ليقضي الله أمراً كان مفعولاً". ومثله "فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم".
ومن بحر الوافر وهو بيت تام: "ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قومٍ مؤمنينا" ومنه "ويعلم ما جرحتم بالنهار".
ومن بحر الكامل من مخرومه "سيعملون غداً من الكذب". ومنه "والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم".
ومن بحر الهزج "تا لله لقد آثرك الله علينا". ومثله "ألقوه على وجه أبي يأت بصيراً".
ومن بحر الرجز "دانيةً عليهم ظلالها وذلِلت قطوفها تذليلاً". ومنه "فعميت عليهم الأنباء".
ومن بحر الرمل "قتل الإنسان ما أكفره". ومنه "بدت البغضاء من أفواههم". ومن مجزوه "وجفان كالجواب وقدور راسيات". ونظيره "أوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم". ومثله "ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك".
ومن بحر السريع "واصبر وما صبرك إلا بالله". ومثله "ألا إلى الله تصير الأمور". ومثله "ذلك تقدير العزيز العليم" ومنه "أو كالذي مرّ على قريةٍ".
ومن بحر المنسرح "إنا خلقنا الإنسان من نطفة" وتفعليه: مستفعلن مفعولات مستفعلن.
ومن بحر الخفيف "ربنا إننا إليك أنبنا". ومنه "لا يكادون يفقهون حديثا". ومنه "قال يا قوم هؤلاء بناتي".
ومن بحر المضارع من مخرومه "يوم التناد. يوم تولون مدبرينا". وتفعيله: مفعول فاعلات مفاعيل فاعلاتن.
ومن بحر المقتضب "في قلوبهن مرض". وتفعليه: فاعلات مفتعلن.
ومن بحر المجتث "نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم".
ومن بحر المتقارب "ولا تبخسوا الناس أشياءهم".
ومنه "و أملي لهم إن كيدي متين".
ومن بحر المتدارك "أم تأمرهم أحلامهم" وتفعليه: فعلن فعلن فعلن فعلن. وهذا البحر لم يذكره الخليل, واستدركه الأخفش والمحدثون فسمي متداركاً, ومحدثا, ومخترعا؛ ويسميه أهل الأندلس مشي البريد.
ومن بحر الدوبيت وهو المسمى عند العجم الرباعي, والترانة, وهو بحر مخترع مستحدث لطيف "إن كان الله يريد أن يغويكم" ومثله "ما كان عليهم من سلطان". وقد أكثر المتأخرون من العرب والعجم من النظم على هذا البحر لعذوبته, وسلاسته. وزعم بعضهم أنه مأخوذ من الكامل بطريقة متكلفة, وبعضهم أوصل أوزانه إلى عشرة آلاف.
 
ومن بحر المواليا وهو مشهور عند المتأخرين, واصله من البسيط "والطير محشورة كل له أواب". ومنه "لو كنت فظاً غليظ القلب لا نفضوا".
وسبب تسميته بالمواليا, ما يحكى من أن الرشيد لما قتل جعفر البرمكي أمر أن لا يرثى بشعر, فرثته جارية له بهذا الوزن, حيث لم يكن من الشعر المعروف, وهي تندب وتقول: يا مواليا, فسمي بذلك.
ويقال: أن أول بيت قالته في هذا الوزن هذا البيت:
يا دار أين ملوك الأرض أين الفـرس
 
أين الذي قد حموك بالقنا والتـرس.
قالت تراهم رمم تحت الأراضي درس
 
سكوت بعد فصاحة السنتهم خـرس
ويستعذب في هذا الوزن اللحن, وكونه ملحوناً أحسن من كونه معرباً.
وإذا تأملت اشتمال القرآن العظيم على جميع أوزان هذه البحور المذكورة, بل وعلى غيرها مما لم نذكره علمت أن ذلك كله مندرج تحت قوله - علت كلمته وعظمت قدرته - "ما فرطنا في الكتاب من شيء". سبحانه "لا إله إلا هو إليه المصير".
ومن النثر المسجم الذي جاء موزوناً من غير قصد لقوة الانسجام, قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
أنا النبي لا كذب
 
أنا عبد المطلب
قيل: وقوله أيضاً صلى لله عليه وآله وسلم,_
هل أنت إلا إصبع دميت
 
وفي سبيل الله ما لقيت
والصواب ما ذكره الجلال السيوطي, قال: قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر, حدثني محمد بن عبد الله, عن الزهري؛ عن عروة, قال: خرج سلمة بن هشام, وعياش بن ربيعة, والوليد بن الوليد مهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, فطلبهم ناس من قريش ليردوهم فلم يقدروا عليهم.
فلما كانوا بظهر الحرة قطعت إصبع الوليد بن الوليد فقال:
هل أنت إلا إصبع دميت
 
وفي سبيل الله ما لقيت.
فدخل المدينة فمات بها. انتهى.
وعلى هذا فيحتمل أن الوليد قصد بذلك الشعر, فلا يكون مما نحن فيه.
 

22 - سبتمبر - 2008
الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الموزونة عروضيًّا
من كتاب التذكرة الفخرية للإربلي    كن أول من يقيّم

من كتاب التذكرة الفخرية للإربلي
وروي عن قتادة عن أنس أنه لما بنى مسجده، صلى الله عليه وسلّم، كان ينقل اللبن مع المسلمين، ويقول:
اللهم إنَّ الخيرَ خيرُ الآخره
 
فارحم الأنصار والمهاجره
وقال، صلى الله عليه وسلّم، يوم حنين:
أنا النبـي لا كَـذِبْ
 
أنا ابنُ عبدِ المطلبْ
والرجز بحر من أبحر الشعر ونوع من أنواعه.
قال جامعه: ربما كان هذا موضوعاً عليه، صلى الله عليه وسلّم، لأن الشعر لا ينبغي له وهو ممنوع عنه، وإن كان قد روي فالعهدة على راويه وأنا أستغفر الله من نقل ما لا يجوز نقله ولا تصح الرواية فيه، وإياه أسأل أن يعصمني من موبقات الدنيا والآخرة.

22 - سبتمبر - 2008
الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الموزونة عروضيًّا
1-من كتاب تاريخ آداب العرب:    كن أول من يقيّم

1-من كتاب تاريخ آداب العرب للعلامة مصطفى صادق الرافعي:
 

نفي الشعر عنه صلى الله عليه وسلم

ونحن نتم القول فيما بدأ به الجاحظ آنفاً، من تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن الشعر، وأنه لا ينبغي له، فإن الخبر في ذلك مكشوف متظاهر والروايات صحيحة متواترة، وقد قال الله تعالى: (وَمَا عَلّمْنَاهُ الشّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مّبِينٌ) فكان عليه الصلاة والسلام، لا يتهدى إلى إقامة وزن الشعر إذا هو تمثل بيتاً منه بل يكسره ويتمثل البيت مكسوراً مع أن ذلك لا يعرض البتة لأحد من الناس في كل حالاته، عربياً كان أو أعجمياً، فقد يتعتع المرء في بيت من الشعر ينساه أو ينسى الكلمة منه، فلا يقيم وزنه لهذه العلة، ولكنه يمر في أبيات كثيرة مما يحفظه أو مما يحسن قراءته، فما وزن الشعر إلا نسق ألفاظه، فمن أداها على وجهها فقد أقامه على وجهه، ومن قرأ صحيحاً فقد أنشد صحيحاً.
وهذا خلاف المأثور عنه صلى الله عليه وسلم فإنه على كونه أفصح العرب إجمالاً، لم يكن ينشد بيتاً تاماً على وزنه، إنما كان ينشد الصدر أو العجز فحسب، فإن ألقى البيت كاملاً لم يصحح وزنه بحال من الأحوال، وأخرجه عن الشعر فلا يلتئم على لسانه.
أنشد مرة صدر البيت المشهور لبي، وهو قوله: [الطويل]
ألا كلُّ شيءٍ ما خلا الله باطلُ
فصححه، ولكنه سكت عن عجزه "وكل نعيم لا محالة زائل" وانشد البيت السائر لطرفة على هذه الصورة: [الطويل]
ستبدي لكَ الأيَّامُ ما كنتَ جاهلاً
 
ويأتيكَ (من لمْ تزوَّدِ) بالأخبارِ
وإنما هو: "ويأتيك بالأخبار من لم نزود".
وأنشد بيت العابس بن مرداس فقال: [الطويل]
أتجعلُ نهبي نهبَ العبي
 
دبينَ (الأقرع) وعيينه
فقال الناس: بين عيينة والأقرع، فأعادها عليه الصلاة والسلام: "بين الأقرع وعيينة" ولم يستقم له الوزن.

22 - سبتمبر - 2008
الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الموزونة عروضيًّا
2-من كتاب تاريخ آداب العرب    كن أول من يقيّم

ولم تجر على لسانه صلى الله عليه وسلم مما صح وزنه إلا ضربان من الرجز المنهوك والمشطور أما الأول فكقوله في رواية البراء: انه رأى النبي صلى الله عليه وسلم على بغلة بيضاء يوم أحد ويقول:
أنا النَّبـيُّ لا كـذب
 
أنا ابنُ عبدِ المطَّلب
والثاني كقوله في رواية جندب إنه صلى الله عليه وسلم دميت أصبعه فقال:
هلْ أنتِ إَّلا إصبعٌ دميتِ
 
وفي سبيلِ الله ما لقيتِ
وغنما اتفق له ذلك، لأن الرجز في أصله ليس بشعر إنما هو وزن، كأوزان السجع، وهو يتفق للصبيان والضعفاء من العرب، يتراجزون به في عملهم وفي لعبهم وفي سوقهم، ومثل هؤلاء لا يقال لهم شعراء، فقد يتسق لهم الرجز الكثير عفواً غير مجهود، حتى إذا صاروا إلى الشعر انقطعوا، وغنما جعل الرجز من الشعر تتابع أبياته، وجمع النفس عليه، واستعماله في المفاخرات والمماتنات ونحوها، وأنه الأصل في اهتدائهم إلى أوزان الشعر، كما سنفصل كل ذلك في الجزء الثالث من تاريخ آداب العرب إن شاء الله، فأما البيت الواحد منه، فليس في العرب جميعاً، ولا في صبيانهم وعبيدهم وإمائهم، من يأبه له، أو يعده شعراً، أو يأذن لوزنه، أو يحسب أن وراءه أمراً من الأمر: إنما هو كلام كالكلام لا غير.
ولقد كانت الأوزان فطرية في العرب، فهي في الرجز، وهي في السجع، وهي في الشعر، جميعاً، ولم يعلم أنه ه صلى الله عليه وسلم اتفق له في الرجز من بيت واحد، أو تمثل منه بأكثر من البيت الواحد كبيت أمية بن أبي الصلت:
إن تغفرِ اللَّهمَّ تغفرْ جمَّا
 
وأيُّ عبدٍ لكَ لا ألمَّـا
 وإنما كان له ذلك في الرجز خاصة دون الشعر، لأن الشطرين منه كالشطر الواحد في الوزن والقافية، لا يبين أحدهما من الآخر، وبخاصة في هذين الضربين المنهوك والمشطور، وهما بعد ذلك كالفاصلتين من السجع، لا يمتازان منه في الجملة إلا بإطلاق حركة الروي، ومن أجل هذه العلة لم يتفق له في غيرهما شيء، وهو صلى الله عليه وسلم كان يقيم الشطر الواحد من الشعر كما علمت، لأن مجازه على أنفراده مجاز الجملة من الكلام، فلا يستبين فيه الوزن، ولا يتحقق معنى الإنشاد، ولا تتم هيأته من الإيقاع والتقطيع والتشدق ونحوها، فإذا صار إلى تمام البيت من المصراع الآخر، وهو الوزن أن يظهر، والإنشاد أن يتحقق، وأوشك الأمر أن يمتاز بما ينفرد به الشعر في خواصه التي تبينه من سائر الكلام كسر وخرج بذلك إلى أن يجعل البيت كأنه جملة مرسلة من الكلام، على ما كان من أرمه في الشطر الواحد.
والذي عندنا، أنه صلى الله عليه وسلم لم يمنع إقامة وزن الشعر في إنشاده إلا لأنه مع من إنشائه، فلو استقام له وزن بيت واحد، لغلبت عليه فطرته القوية، فمر في الإنشاد، وخرج بذلك لا محالة إلى القول والاتساع وإلى أن يكون شاعراً، ولو كان شاعراً لذهب مذاهب العرب التي تبعث عليها طبيعة أرضهم كما بسطناه في موضعه ولتكلف لها، ونافس فيها ثم لجاراهم في ذلك إلى غايته، حتى لا يكون دونهم فيما تستوقد له الحمية، ما هو من طبع المنافسة والمغالبة، وهذا أمر كما ترى، يدفع بعضه إلى بعض، ثم لا يكون من جملته إلا أن ينصرف عن الدعوة، وعما هو أزكى بالنبوة وأشبه بفضائل القرآن، ولا من أن يتسع للعرب يومئذ بد، فيقرهم على شيء، ويجاريهم على شيء، وينقض شعره أمر القرآن عروة عروة، ولذا قال تعالى: (وَمَا عَلّمْنَاهُ الشّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مّبِينٌ).
ثم يأتي بعد ذلك جلة أصحابه وخلفائه، يأخذون فيما أخذ فيه، فيمضون على ما كان من أمرهم في الجاهلية، ويثبتون على أخلاقهم وعلى أصول طباعهم ويستطير ذلك في الناس، وهو أمر متى تهيأ نما فيهم، ومتى نما غلب عليهم، ومتى غلب أستبد بهم، ومتى استبد تقم معه للإسلام قائمة (وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رّبّكَ إِلَىَ أَجَلٍ مّسَمّى).

فانظر، هل ترى شيئاً غير ألهي هذا التدبير والصنع العجيب، وهل ترى ذلك أعجب من أن الله تعالى منع نبيه تصحيح وزن الشعر، وجعل لسانه لا ينطلق به إذ وضعه موضع البلاغة من وحيه، ونصبه منصب البيان لينه، لأنه تعالى يعلم من غيب المصلحة لعباده، أنه صلى الله عليه وسلم لو أقام وزن بيت مال به عمود الدين، ثم لتصدع له الأساس الاجتماعي العظيم الذي جاء به القرآن، إذ يكون قد بنى على غير أركان وثيقة ولا عماد محكم.

على أن منع الشعر إنما أخذ به صلى الله عليه وسلم منذ نشأته، ولولا ذلك ما استقام له وجه طبيعي ليس فيه ندرة تعد، فقد نشأ منذ نشأته على بغضه، وانصراف عما يزين الشيطان منه، والنفرة من تعاطيه، وعلى أن يتوهم شيئاً من أوزانه وأعاريضه حتى يميت الدواعي إليه من نفسه، فلا تنزع به الفطرة، لا تستدرجه العادة، وعظم ذلك عنده وبلغ، لا يعرف أحد من العرب كره الشعر كرهه، ولا أبغضه، بغضه، مع تأصله في فطرتهم، ونزعهم إليه بالعرق، ونشأة الناشيء منهم على أسبابه من طبيعة الأرض وطبائع أهلها، وعلى انه يدور في مسمعه، ويختم في قلبه، ولا يبرح منه راوياً أو حاكياً، فقد كان حكمة القوم وسياستهم ومعدن آدابهم وديوان أخبارهم، بل كان عبادة أرواحهم لطبيعة أرضهم، والصلة المحفوظة بينهم وبين ماضيهم، كما سلقت الإشارة إليه في موضعه، ولذا قال ل صلى الله عليه وسلم "لما نشأت بغضت إلي الأوثان وبغض إلي الشعر، ولم أهم بشيء مما كانت الجاهلية تفعله إلا مرتين، فعصمني الله منهما، ثم لم أعد".

22 - سبتمبر - 2008
الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الموزونة عروضيًّا
أمثلة الاقتباس من كتاب معاهد التنصيص:    كن أول من يقيّم

أمثلة الاقتباس من كتاب معاهد التنصيص:
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
قد كانَ ما خِفْتُ أَنْ يَكونَا
 
إِنَّا إلى الله راجِعُـونَـا
البيت من مخلع البسيط، وقائله بعض المغاربة عند وفاة بعض أَصحابه، وذكر صاحب قلائد العقيان أَنَّه قيل في الرئيس أبي عبد الرحمن محمد بن طاهر، وقال: شهدت وفاته سنة سبع وخمسمائة، وحين قضى دخل عليه الوزير أبو العلاء ابن أزرق وهو يبكي ملء عينيه، ويقلب على ما فاته كَفَّيْه، وينادي بأَعلى صوته، أَسفاً موته:
كان الذي خِفْتُ أن يَكونَا
 
إنَّا إلى الله راجِعُـونـا
والشاهد فيه: الاقتباس مع تغيير يسير في التقفية. ومن الأَمثلة الشعرية في الاقتباس قول الأَحوص:
إذا رُمْتُ عنها سَلْوَةً قال شـافـعٌ
 
من الحبِّ: ميعادُ السُّلوّ المَقـابِـرُ
سَتَبْقى لها في مُضْمَرِ القلبِ والحَشا
 
سَرَائرُ ودّ يومَ تُبْلَـى الـسَّـرائرُ
وقول البديع الهمذاني:
لآلِ فريغون في المكرماتِ
 
يَدٌ أوَّلاً واعتـذارٌ أخـيرَا
إذا ما حَلَلْتَ بمغـنـاهُـمُ
 
رأَيتَ نَعيماً وملكاً كَبـيرَا
وقول الأببوردي:
وقصائد مثل الرِّياض أضعتهـا
 
في باخلٍ ضاعَتْ به الأَحسابُ
فإذا تناشَدَها الرُّواة وأبصروا الم
 
دوح قالـوا سـاحـرٌ كـذَّابُ

24 - سبتمبر - 2008
الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الموزونة عروضيًّا
 75  76  77  78  79