البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات عبدالرؤوف النويهى الحرية أولا وأخيرا

 75  76  77  78  79 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
الاستخدام النفعى للدين والحاجة للتجديد (1)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

قضية التجديد فى الإسلام ...قضية وجود . هكذا أطلقها صريحة مدوية المفكر العربى الكبيرالدكتور / محمد جابر الأنصارى .
وقضية التجديد هى مسألة حياة أو موت ،بها نكون أو لانكون .
وسبق لى  أن أثرت موضوع التجديد ،ولإيمانى المطلق بقدرة هذه الأمة  على تجاوز الأزمات وعبور الهزائم وتحدى المستحيل ،فإن السبيل الوحيد هو التجديد .
وفى دراسة الدكتور/ نصر حامد أبو زيد ،ولا أخفى  تقديرى الجم له ولكتاباته سواء اتفقت معه أو اختلفت ،يظل تقديرى له كصاحب فكر وباحث مستنير ،موصولاً ومتزايداً.
وفى هذه الدراسة (الإستخدام النفعى للدين والحاجة للتجديد) ،يصبح فكر (أبو زيد) مشغولاً بالنقد القاسى لتجار الدين وكهانه الأفاضل ،ولايكتفى أبو زيد بالنقد بل يدعو إلى التجديد والحاجة الماسة إليه ،متفقاً مع الدكتور/ الأنصارى ،على أن قضية التجديد هى قضية وجود،وأزعم أننى قرأتُ هذه الدراسة القيمة ،وكأننى كاتبها وليس فقط مجرد قارىء لها.
                  ************
 
          الاستخدام النفعى للدين
             والحاجة للتجديد
 
      الدكتور/نصر حامد أبو زيد
 
ينطلق كاتب هذا المقال من موقف واضح وصريح فحواه أن ما يطلق عليه اسم?'? الصحوة الإسلامية?'? في العالم الإسلامي عموما?,? وفي العالم العربي علي وجه الخصوص?,? ليس إلا تعبيرا عن أزمة تاريخية اجتماعية سياسية ثقافية بدأت ملامحها في التبلور في الربع الأول من القرن العشرين?,? وتحديدا مع أزمة?'? الخلافة?'? بعد قرار الكماليين بإلغائها?.? قبل ذلك بوقت قليل كانت الثورة المصرية ضد الاحتلال ثورة  ?1919 -? تتوج انتصارها بتدشين دستور?1923? بعد نقاش حول مإذا كان من المفيد النص علي?'? أن دين الدولة الإسلام?'.? انتهي النقاش إلي أنه?'? لا ضرر?'? من هذه المادة?.? لكن أزمة الخلافة وما تبعها من جدل بين المؤيدين لإلغائها علي أساس أنها كانت مجرد نظام تاريخي اختاره العرب?,? ومن حقهم الآن أن يختاورا مايشاءون من أنظمة?(? علي عبد الرازق?)? وبين هؤلاء الذين رأوا في إلغائها جريمة دينية تعود بالمسلمين إلي?'? الجاهلية?'? إذا لم يسارعوا بإعادة إقامتها?(? رشيد رضا?.)?
ومع فشل كل محاولات إقامتها نتيجة تنافس الحكام والملوك العرب وغير العرب علي تبوؤ سدتها تحولت دعوة?'? الخلافة?'? إلي دعوة إقامة?'? حكم الله?'(? الإخوان المسلمون?)? بتطبيق أحكام الشريعة?.? تلك هي البدايات الحديثة لتبلور مفهوم الدولة التي يجب أن يسود فيها شرع الله بدلا من القوانين الغربية?.? وهي بدايات تأزم كما نري?,? إذ لم يكن في الإمبراطوريات الإسلامية الأموية أو العباسية أو الفاطمية أو دول الأندلس نظام تشريعي موحد يشبه من قريب أو من بعيد النظام القانوني في الدولة الحديثة?.? ومن اللافت للنظر أن دعاة دولة?'? الشريعة?'? وقفوا بحزم ضد محاولات?'? تقنين الشريعة?',? بمعني صياغتها في قوانين يستطيع القاضي مسلما كان أو غير مسلم أن يطبقها في القضاء?.? كان المبرر أن?'? تقنين?'? الشريعة سيحولها إلي قوانين?'? وضعية?'? فتفقد بذلك قداستها?(? رشيد رضا?).? ومعني عدم التقنين أن تظل مرجعية القاضي القانونية غير واضحة?,? فكتب الشريعة الفقه مليئة بمناقشات وتفاصيل وافتراضات واشتقاقات يعجز معها أي قاض عن اتخاذ قرار إزاء موضوع بعينه?,? ما لم يكن هو نفسه فقيها بالمعني الكلاسيكي?.?
تفاقمت الأزمات بسبب طبيعة الدولة الوطنية القمعية غير الديمقراطية إذ هي إما وراثية أو عسكرية انقلابية?,? تحاول جاهدة استيراد إيديولوجيات ترسخ بها مشروعيتها السياسية?.? تعددت هذه الإيديولوجيات من أقصي اليمين?(? الوهابية?)? إلي أقصي اليسار?(? القومية الاشتراكية?),? لكنها اشتركت في ملمح واحد?,? هو طبيعتها القمعية اللاديمقراطية?,? وبنيتها المهترئة في علاقتها بالخارج?.? كان إقامة الكيان الصهيوني لدولته بمثابة مبرر لانتصار مفهوم الدولة الدينية?,? وكان انتصار هذا الكيان علي الجيوش العربية سببا كافيا ومقنعا للاقتناع بأن?'? الدين?'? عنصر للقوة?,? وأن البعد عنه قرين الضعف والهزيمة?.? قامت في شبه الجزيرة الهندية في نفس الوقت دولة للمسلمين الهنود أطلق عليها اسم باكستان?,? ثم تحللت إلي دولتين بعد ذلك?.? كانت أوروبا العلمانية?-? وهذا من المفارقات التاريخية الملتبسة?-? وراء إنشاء الدولتين لأسباب مختلفة بطبيعة الحال?.?
كانت هزيمة?1967? الشاملة قد كشفت بالفعل عن وجود أزمة في الواقع?,? وكشفت أيضا عن وجود أزمة في الفكر وفي النظام السياسي بصفة خاصة?.? ورغم أن الهزيمة لم تكن مفاجئة تامة إذ ورد توقعها في النبوءات الشعرية والأدبية وبعض الكتابات السياسية?,? فإن حجم الهزيمة وشمولها كان هو المفاجأة الفعلية للجميع?,? المتفائلين والمتشائمين علي السواء?.? تجلي رد الفعل إزاء ما كشفته واقعة الهزيمة مما كان مستورا من أوضاع في فيض من الكتابات عن التراث بحثا عن جذور الأزمة?.? في هذا السياق يمكن التذكير بعشرات العناوين?,? نذكر مثلا كتابات?'? زكي نجيب محمود?'? التي تحولت من الكتابة عن?'? الوضعية المنطقية?'? للبحث في التراث?.? يمكن أيضا الإشارة إلي كتابات?'? طيب تيزيني?'? و?'?حسين مروة?'? و?'?مهدي عامل?'? و?'?محمد عابد الجابري?'? و?'?أدونيس?',? بالإضافة إلي بيان جماعة?'? الشعر?'.?
كانت?'? إيران?'? نموذجا للدولة العلمانية القمعية بامتياز?,? بينما كانت?'? تركيا?'? قد أقامت علمانيتها علي أساس الحماية العسكرية?.? قدر للنموذج الإيراني أن يخلق نقيضه لأسباب لا تتسع لها هذه الورقة?,? بينما استطاعت تركيا أن تجذب العواطف والمشاعر الإسلامية إلي أرض?'? العلمانية?'.? قامت الثورة الإسلامية في إيران علي أنقاض عرش الطاووس?,? وحين نجحت أقامت?'? جمهورية?',? وتلك مفارقة أخري حيث كان من المتوقع أن تؤسس?'? خلافة?'? أو?'? إمامة?'.? أعطي هذا النجاح زخما هائلا لدعاة الدولة الدينية في كل مكان?.? فهل كان ذلك نجاحا بالمعني الإيجابي?,? أم كان قمة التعبير عن?'? الأزمة?'? السؤال يستمد مشروعيته من النقاش اللاهوتي والاجتماعي السياسي الحاد الآن في إيران?,? وهو نقاش يتحدي الأساس المعرفي لمقولة الدولة الدينية?.?


8 - أكتوبر - 2007
من يقتل الغذامي تقربا لله?
الاستخدام النفعى للدين والحاجة للتجديد (2)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

1-? الاستخدام النفعي للإسلام?:?

من أهم التحديات التي تواجهها مجتمعاتنا العربية الآن?,? ذلك الاستخدام الإيديولوجي النفعي للإسلام لتحقيق مصالح وغايات ذات طبيعة فئوية محلية عاجلة?.? وسواء تم هذا الاستخدام من جانب جماعات سياسية بعينها?,? أو من جانب أنظمة وسلطات سياسية فاقدة للمشروعية الاجتماعية والسياسية والقانونية?,? فالنتيجة واحدة?,? هي تحويل الإسلام إلي أداة من الأدوات واختزاله في وظائف وغايات ذات طبيعة دنيوية متدنية?.? ولننظر مثلا في مقولة أن الإسلام دين شمولي?,? من أهم أهدافه ووظائفه تنظيم شئون الحياة الإنسانية الاجتماعية والفردية في كل صغيرة وكبيرة?,? بدءا من النظام السياسي ونزولا إلي كيفية ممارسة الفرد لنظافته الذاتية في الحمام?.? هذه المقولة تفترض أن دخول الفرد في الإسلام بالميلاد والوراثة أو بالاختيار الواعي يعني تخلي الإنسان طواعية أو قسرا عن طبيعته الإنسانية الفردية التي تسمح له باتخاذ القرار بشأن كثير من التفاصيل الحياتية التي من شأنها أن تتضمن اختيارات عديدة?.?
أصبح السؤال المتكرر هنا وهناك لا يتعلق بمدي ملاءمة هذا الاختيار أو ذاك بالنسبة للمجال الذي يتعين علي الإنسان الاختيار فيه?,? وإنما صار يتعلق بمدي سلامة هذا الاختيار أو ذاك من الوجهة الدينية والشرعية?.? وحين تأخذ أسئلة الحياة هذا المنحي يتحتم أن تتوقع الإجابات الصحيحة من رجل الدين لا من رجل الخبرة والاختصاص في الشأن المعني?.? وقد عهدنا رجال الدين في كل عصر من العصور إذا سئلوا عن رأي الدين في شأن من الشئون أن يصعب علي الواحد منهم أن يقول مثلا?:'? هذا أمر لا شأن للدين به?',? ذلك أن مثل هذا الجواب من شأنه أن يزعزع مقولة?'? الشمولية?'? التي يستند الخطاب الديني عليها في ممارسة سلطته?.? وحين تواجه الواحد من هؤلاء بأن نبي هذا الدين ومتلقي وحيه من الله عز وجل بواسطة الروح القدس جبريل لم يجد غضاضة?,? حين لم ينجح اقتراحه في تأبير النخل?,? أن يعلن أن هذا كان رأيا ارتآه ولم يكن وحيا من عند الله?-? حين تواجه الواحد منهم بهذه الواقعة التي أرست مبدأ?'? أنتم أدري بشئون دنياكم?'-? تجده يستجيب علي مضض?.? لكنه لا يلبث?,? حين تشرح له دلالة الفصل بين شئون الدين وشئون الدنيا?,? بل وأهمية الفصل بين آراء النبي واجتهاداته الخاصة وبين ما يبلغه عن ربه وحيا?,? أن يلقي في وجهك مباشرة ودون تفحص بقول الله?'? وما ينطق عن الهوي?'.? ولو تفحص الآية الكريمة في سياقها?,? وكذلك لو تفحص سياق قوله تعالي?'? والله يعصمك من الناس?'? لأدرك أن عظمة نبي هذه الأمة لا تكمن في عصمته وارتفاعه عن أفق البشر?-? وما العظمة في هذا إذا كان الأمر محض اختيار وترتيب إلهيين لا تعليل لهما?-? بقدر ما تكمن في ارتفاعه هو بجهده واختياره إلي آفاق المسئولية الكونية دون أن يفارق بشريته?.?
لكن ما هو الخطر في ذلك الخطر إنما يكمن في ذلك الفهم السقيم للإسلام?,? الذي من شأنه أن يرسخ سلطة رجل الدين والمؤسسات الدينية?,? لتصبح سلطة شاملة ومهيمنة في كل المجالات?.? ومن شأن هذا الاستفحال والامتداد السلطوي أن يخلق وضعا نعاني منه الآن أشد المعاناة اجتماعيا وسياسيا وفكريا?.? فبرغم كل الادعاءات والدعاوي العريضة?,? والفارغة من المضمون?,? عن عدم وجود سلطة دينيه في الإسلام تشبه سلطة الكنيسة في المسيحية?,? فالواقع الفعلي يؤكد وجود هذه السلطة?,? بل وجود محاكم التفتيش في حياتنا?.? والسلطة هذه تجمع السياسي والديني في قبضة واحدة?,? فيصبح المخالف السياسي مارقا خارجا عن الإجماع ومهددا لوحدة الأمة?,? وبالمثل يقول رجل الدين إن من يغير دينه يجب التعامل معه بوصفه خائنا للوطن?.? إن اتحاد الدين والوطن يجد تعبيره في كل الدساتير السياسية التي تحصر الوطن في دين?,? وتختزل الدين في الوطن?.? وهنا يختزل الوطن في الدولة?,? وتختزل الدولة في نظامها السياسي?,? ويجد المواطن نفسه حبيس أكثر من سجن?.? إن مقولة الشمولية تبدأ من الفكر الديني لتخترق مجال السياسة والمجتمع?,? أو تبدأ من الفكر السياسي لتأسر الدين في إيديولوجيتها?,? والنتيجة واحدة?.? فأي خطر أشد من هذا وأي بلاء?!?
الخطر الذي يجب التحذير منه أن يحدث في الإسلام ما حدث في المسيحية?,? حيث أدي كفر الناس بسلطة الكنيسة إلي تحميل الدين كل جرائم الكنيسة?.? ولا شك أن أخطاء خطابنا الديني لا فرق بين خطاب ديني معارض وآخر سلطوي?,? فالسعي لفرض الهيمنة جزء جوهري في بنية كليهما?-? تتفاقم يوما بعد يوم?,? خاصة مع تحالف بعض قطاعات هذا الخطاب مع إرهاب أعمي البصر والبصيرة لا يفرق بين حاكم ومحكوم أو بين أعزل ومسلح?,? ولا يميز بين رجل وامرأة?,? ناهيك عن أن يميز بين طفل وراشد?.?
من شأن هذا الخطر الماثل أن يهدد الإسلام كما هدد المسيحية?,? وليست العبرة هنا بالفروق النظرية واللاهوتية بين الدينين?,? فالتاريخ الاجتماعي للمسيحية حولها من دين الموادعة والتسامح حتي مع الأعداء?,? ناهيك عن إعطاء ما لقيصر لقيصر وما لله لله?-? إلي دين توحدت فيه السلطتان فعاني الناس ما عانوا فأحرق العلماء وقتل المفكرون?,? وكان من شأنهم ما هو معروف?.? وما يحدث الآن في مجتمعات الإسلام ليس أقل خطرا ولا أهدي سبيلا?,? ولن يفيد في شئ التمسك بالفارق النظري واللاهوتي الذي لا يفتأ رجال الدين تصديع أدمغتنا به ليل نهار?.
?إن الإسلام تجربة تاريخية علينا الاستفادة منها?,? لأنها تعلمنا الكثير?.? إنها تعلمنا مثلا أن التمسك به كدين ومعتقد دون العمل علي تجديده من أجل أن يلبي طموحات هذه المجتمعات ويجيب علي التحديات التي تواجهها?-? من شأنه أن يؤدي إلي مثل هذا الاختزال الذي نشكو منه الآن?,? الاختزال المسئول عن هذا الاستفحال السرطاني لسلطة الخطاب الديني?/?السياسي أو السياسي?/?الديني الذي يسجن الفرد باسم دين الحرية في سلاسل من القهر والامتثال والإذعان تحت زعم?'? طاعة الله?'? الذي يمثله خليفة أو سلطان أو أمير أو جماعة تحتكر الإسلام ومغفرة الرب?.?


8 - أكتوبر - 2007
من يقتل الغذامي تقربا لله?
الاستخدام النفعى للدين والحاجة للتجديد (3)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

2-? الحاجة إلي التجديد?:?

نحن بحاجة إلي?'? تثوير?'? فكري?,? لا مجرد تجديد?,? وأقصد بالتثوير تحريك العقول بدءا من سن الطفولة?.? فقد سيطرت علي أفق الحياة العامة في مجتمعاتنا سواء في السياسة أو الاقتصاد أو التعليم?-? حالة من?'? الركود?'? طال بها العهد حتي أوشكت أن تتحول إلي?'? موت?'.? هذه الظاهرة مشهودة في أفق الحياة العامة?,? بصرف النظر عن مظاهر حيوية جزئية هنا أو هناك?,? في الفنون والآداب بصفة خاصة?,? فستجد أن بؤر الحيوية تلك مثل بقع الضوء التي تكشف المساحات الشاسعة للظلمة?.? فإذا وصلنا إلي مجال الفكر?,? فحدث عن اغتراب الفكر وغربة المفكرين?,? إلا من يحتمي بمظلة سلطة سياسية أو إثنية أو دينية تحوله إلي بوق ينطق بما ينفخ فيه?.?
هل تحتاج مجتمعاتنا إلي تجديد فقط?,? التجديد يفترض وجود فكر يحتاج لقدر من الاستنارة?,? ونحن للأسف مخاصمون للفكر?.? وما يسمي?'? فكرا إسلاميا?'? لا يمت في أغلبه لأفق الفكر و لا لمجاله بأي معني من المعاني?,? إنما هو في أفضل أحواله ترديد لمقولات وعبارات?,? لا يعرف مرددوها أنفسهم أصل مولدها?,? ولا سياق منشئها وتطورها?,? فضلا عن غايتها ومغزاها?.? سل أصحاب هذا الفكر وممثليه مثلا?:? هل يعلمون أن قضية?'? قدم?'? القرآن و?'?حدوثه?'? كانت من القضايا التي حسمتها السلطة السياسية?,? لا الحوار الفكري الحر?,? حين تدخلت مرة باسم العقلانية فاضطهدت القائلين بأن القرآن?'? قديم?'? لأنه?'? كلام الله الأزلي وصفة من صفات ذاته الأزلية القديمة?',? ثم تدخلت مرة أخري?,? ولكن بحجة?'? درء الفتنة?',? وناصرت أصحاب نظرية?'? القدم?'? واضطهدت القائلين بأن القرآن?'? محدث مخلوق?'? لأنه أصوات وكلام ولغة حادثة?,? لا يجوز أن تتصف الذات الإلهية بها?,? فكلام الله إذن صفة من صفات أفعاله لا من صفات الذات?'.?
هل يعلمون أن ما يتصورونه من حقائق العقيدة المنزلة?,? فيكررون أنه?'? معلوم من الدين بالضرورة?',? ليس إلا قرار سلطة سياسية?,? لا تقل في ديكتاتوريتها وعدائها للفكر عن السلطة التي سبقتها واضطهدت الفكر باسم العقلانية?,? وهل يعلمون أن موقف?'? الأشاعرة?',? الموقف الوسطي الذي لا يكلون أبدا من الادعاء بأنه صحيح الإسلام?,? قد ميز بين?'? صفة الكلام النفسي القديم?'? وبين محاكاته فيما نتلوه نحن من قرآن حادث?,? وهل يعلمون أن الأشاعرة اضطربوا اضطرابا عظيما في تحديد أين يقع?'? الإعجاز?',? أهو واقع في?'? الكلام النفسي القديم?',? وفي هذه الحالة?:? ما معني تحدي العرب أن يأتوا بمثله وإن كان التحدي واقعا في المحاكاة الحادثة وليس في الكلام القديم?,? فالإعجاز إنساني وليس إلهيا?.? وهل يعلمون أن الذي استطاع أن يطرح للإعجاز تفسيرا يتجاوز ثنائية?'? الكلام النفسي القديم?/?والمحاكاة الحادثة?'? هو?'? عبد القاهر الجرجاني?'? صاحب نظرية?'? النظم?'? الذي أفاد من إنجازات المعتزلة كما أفاد من إنجازات اليونان?,? وهل يعلمون أنه اشترط?'? دراسة الشعر?'? من أجل اكتشاف قوانين الكلام البليغ التي لا يمكن فهم الإعجاز إلا بها?,? ثم أخير ألا يدركون أن?'? المنهج الأدبي?'? هذا الذي يطرحه عبد القاهر هو الأساس المعرفي للمنهج الأدبي الحديث والمعاصر في فهم القرآن وتفسيره?,? مضافا إليه إنجازات علوم اللغة والبلاغة والنقد الأدبي في العصر الحديث?.?

إن حالة?'? مخاصمة?'? الفكر تلك?,? والتنكر له تنكرا تاما?,? هي المسئولة عن شيوع نهج?'? التكفير?'? في حياتنا?.? ولا أقصد التفكير الديني فقط?,? وإن كان أخطر أنماط التفكير?,? ولكني أشير أيضا إلي التفكير السياسي والعرقي والثقافي?,? وكل أنماط الاستبعاد والإقصاء?.? إن?'? التفكير?'? هو النهج الكاشف عن مخاصمة?'? التفكير?'? والانقلاب ضده?,? ولا غرابة في ذلك?,? فالمفردتان اللغويتان?'? فكر?'? و?'?كفر?'? تنتميان إلي مادة لغوية واحدة من حيث أصل الاشتقاق?.? أنها مادة الفاء والكاف والراء?(? فكر?)? تم قلبها بتقديم الكاف علي الراء مع بقاء التضعيف?'? بالشدة?'? علي الحرف المتوسط في الحالتين وهكذا انقلب التفكير إلي تكفير?.?

وتثوير الفكر الذي نحتاجه يتطلب السعي إلي تحريك العقول بالتحدي والدخول إلي المناطق المحرمة?,? اللا مفكر فيه حسب تعريف?'? محمد أركون?',? وفتح النقاش حول القضايا?.? وأهم من ذلك التخلص من ذلك الجدار العازل الذي طال وجوده في ثقافتنا بين?'? العامة?'? و?'?الخاصة?',? فتلك الدعوات التي تتردد بين الحين والآخر عن حصر النقاش في بعض القضايا الدينية داخل دائرة?'? أهل العلم?',? حتي لا تتشوش عقائد العامة أو يصيبها الفساد?,? دعوات في ظاهرها الرحمة والحق?,? وفي باطنها السوء والباطل?.? كيف يمكن في عصر السماوات المفتوحة التي تنقل?'? العالم?'? إلي غرف النوم?,? وفي عصر اكتساح ثورة المعلومات لكل الحدود?,? أن يطالب البعض بحماية?'? العامة?'? من خطر الفكر العلمي في أخطر القضايا التي تمس حياتهم?.? إنه للأسف منطق?'? الوصاية?'? يتذرع باسم?'? الحماية?'? لممارسة ديكتاتورية فكرية وعقلية لا تقل خطرا عن الديكتاتورية السياسية في مجتمعاتنا?.?
يرتبط منهج التجديد بالحاجة إلي التجديد في سياقها التاريخي الاجتماعي?,? السياسي والفكري?.? فالتجديد في أي مجال لا ينبع من رغبة شخصية أو هوي ذاتي عند هذا المفكر أو ذاك?,? إنه ليس تحليقا في سماوات معرفية?,? أو بالأحري عرفانية?,? منبتة عن أرض الحياة وطينها?,? وعن عرق الناس وكفاحهم في دروب الحياة الاجتماعية?.? قد يبدو المفكر محبا للعزلة حريصا علي الهدوء والابتعاد عن صخب الحياة?,? لكنها أوقات التأمل التي لو انسلخت تماما عن نسيج الحياة الحي وتيارها الجاري لصارت سجنا من الأوهام?,? وقلعة للشياطين العابثة?.? من هنا يمكن القول إن?'? التجديد?'? ليس حالة فكرية طارئة?,? بل هو الفكر ذاته في تجاوبه مع الأصول التي ينبع منها ويتجاوب معها بوسائله الخاصة?.?
ما ليس تجديدا في مجال الفكر فهو?'? ترديد?'? وتكرار لما سبق قوله?,? وليس هذا من الفكر في شئ?,? ولا يمت إلي الفكر بأدني صلة من قريب أو من بعيد?.? وبما أن قانون الحياة الطبيعية والاجتماعية هو التغير في كل شئ?,? سواء كان ذلك التغير مدركا وملحوظا أو لم يكن?,? فإن قانون الفكر هو?'? التجديد?',? ذلك هو قانونه من حيث هو فكر في ذاته?.? ويصبح?'? التجديد?'? مطلبا ملحا كلما سيطر?'? التقليد?',? الذي هو عين?'? الترديد?'? والتكرار لما سبق قوله?,? وساد?,? إذ في هذه الحالة ينفصل الفكر عن حركة الحياة التي تمضي في حركة تغيرها غير آبهة بعجز الفكر عن متابعتها فضلا عن قيادتها وترشيد اتجاه حركة التغيير فيها?.?



8 - أكتوبر - 2007
من يقتل الغذامي تقربا لله?
الاستخدام النفعى للدين والحاجة للتجديد (4)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم


?3-? المبرر التاريخي للتجديد?:?

تنبع الحاجة إلي التجديد من مطلب التغيير?,? وهذا المطلب الأخير يصبح بدوره ضرورة ملحة حين تتأزم الأوضاع علي كل المستويات والأصعدة?:? الاجتماعي?,? السياسي?,? الاقتصادي?,? والثقافي والفكري علي السواء?.? وهل يحتاج تأزم الأوضاع الآن إلي إثبات أو شرح?,? ألا تكفي مشاهدة الأحوال المتأزمة في العراق وفلسطين ولبنان?.? هذا ناهيك عن الأحوال المتأزمة في مصر حيث ينشطر الوطن إلي وطنين?-? اقتصاديا?-? سكان الصفيح وسكان القصور المشيدة بالحصون والتي تحميها البوابات الإلكترونية?-? واجتماعيا?-? أهل القمة وأهل القاع?-? وسياسيا?-? حزب الأغلبية الحاكم وأحزاب الأقليات?-? ودينيا?-? المسلمون السنة في جهة والأقباط والشيعة والبهائية في جهة أخري?.? وزادت بلاد الخليج في ذلك الانقسام بين السنة والشيعة إلي فصل الزوجين علي أساس?'? عدم الكفاءة?'.? هذا يحدث في مجتمعاتنا في القرن الواحد العشرين?.? في الوقت الذي نشاهد فيه وقوف الشعب الفلسطيني وحده عاري الصدر ضد المؤسسة العسكرية الغاشمة لدولة تأسست علي مبادئ وأفكار ضد التاريخ والمستقبل دليلا علي العجز الكلي الشامل لما نسميه أمتنا العربية


يمكن القول إن تعدد أوجه الأزمة يخلق الحاجة إلي التغيير?,? وأول مظهر من مظاهر التغيير هو الحاجة إلي?'? التجديد?'? الفكري والسياسي والاجتماعي?,? أي في كل مجالات المعرفة وحقولها?.? في هذا السياق يكتسب التجديد في إطار الفكر الديني أكثر إلحاحا بسبب أن كل هذه الأزمات والهزائم يتم تفسيرها في الخطاب الديني بشقيه الرسمي والشعبي تفسيرا دينيا?,? علي أساس أن دولة الكيان الصهيوني هي دولة?'? اليهود?',? وأنها انتصرت وتستقوي بحكم تمسك اليهود بقيم التوراة?,? في حين تخلي المسلمون عن قيمهم الدينية والروحية وانخرطوا في تقليد الغرب العلماني واستيراد أنظمته السياسية والفكرية?.? وما يزال هذا التفسير رائجا إزاء الأزمات التي تتفاقم?.? يمكن الإشارة إلي تلك الضجة الإعلامية التي صاحبت تخيلات ظهور السيدة?'? العذراء?'? في إحدي الكنائس في القاهرة وروجت لها?.? وفي هذا السياق ظهر كتاب?'? صادق جلال العظم?''? نقد الفكر الديني?'.? إزاء هذا الترويج للأساطير والخرافات لتزييف وعي الناس بالأسباب الفعلية للهزيمة?,? كان من الضروري أن تتصدي بعض الكتابات لهذا التفسير?,? ولما ينطوي عليه من تزوير?,? ومن هنا نشأت الحاجة إلي إعادة النظر في المسلمات الفكرية
والعقيدية التي ينطلق منها ذلك الخطاب المزور?.? هذا هو المبرر التاريخي لمطلب?'? تجديد الفكر الديني?'.?


8 - أكتوبر - 2007
من يقتل الغذامي تقربا لله?
الاستخدام النفعى للدين والحاجة للتجديد (5)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

4-? المبرر المعرفي للتجديد?:?
أما المبرر المعرفي فمستنده تحقيق عملية?'? التواصل?'? الخلاق بين الماضي والحاضر?.? والمقصود بعملية?'? التواصل الخلاق?'? الخروج من أسر?'? التقليد الأعمي?'? وإعادة إنتاج الماضي باسم?'? الأصالة?',? وكذلك الخروج من أسوار?'? التبعية?'? السياسية والفكرية التامة للغرب باسم?'? المعاصرة?'.? وليست عملية?'? التواصل الخلاق?'? بالضرورة هي محاولة التلفيق بأخذ طرف من التراث وطرف من الحداثة دون تحليل تاريخي نقدي لكليهما?,? وهو النهج الذي سيطر بدرجات متفاوتة علي المشروع الفكري النهضوي?,? فأفضي إلي تكريس ثنائية?'? الغرب?'? المادي العلمي المتقدم والمفلس روحيا?,? و?'?الشرق?'? الروحي الفنان المتخلف ماديا وعلميا?.? العودة إلي دراسة?'? التراث?'? مجددا?,? خاصة?'? التراث الديني?'? تستهدف إعادة النظر في كل تلك المسلمات?,? سعيا لتحرير المشروع النهضوي من تلفيقيته التي انكشف عجزها واضحا من خلال الهزيمة الشاملة?.?
كانت ثمة قناعة قبل الهزيمة بأننا مجتمعات دخلت مرحلة الحداثة?,? وهي القناعة التي كشفت الهزيمة زيفها?.? كانت تلك القناعة عامة وشاملة استنادا إلي أن الحداثة العربية بدأت مسيرتها ببداية القرن التاسع عشر وازدهرت في القرن العشرين?,? خاصة في مرحلة ما بعد الاستعمار?,? حيث حدثت تحولات كمية في بنية المجتمعات العربية?,? خاصة في بنية نظمها السياسية وشكل الدولة?...? إلخ?.? لكن الهزيمة كشفت عجز تلك التغيرات الكمية عن إحداث تغيرات نوعية?,? لا في البنية السياسية ولا في البنية العسكرية التي استهلكت عائد التنمية الاجتماعية والاقتصادية?.? كشفت الهزيمة أن مجتمعاتنا ما تزال مجتمعات تقليدية?,? وأن مؤسساتنا?,? التي تبدو حديثة في ظاهرها وشكلها الخارجي?,? تدار علي أسس تقليدية?,? ووفق رؤي تراثية?.?
إذا نظرنا الآن إلي بنية الأحزاب السياسية العربية?,? فمن السهل أن تكتشف أنها بنية قبلية تقليدية?,? مع أنها يفترض أن تكون مؤسسات سياسية حديثة?,? ويفترض بالتالي أن تكون بنيتها بنية حداثية?,? وأن تكون آليات اتخاذ القرار فيها آليات ديموقراطية?.? والواقع أن سيطرة البنية الأبوية وخضوع استراتيجيات اتخاذ القرار لرغبة القائد أو الزعيم تكشف أن الحداثية مجرد قشرة خارجية تعجز تماما عن إخفاء البنية التقليدية?.? هذا التناقض عبر عنه الشاعر الفلسطيني?'? مريد البرغوتي?'? في قوله?:'? قبائلنا تسترد مفاتنها في زمان انقراض القبائل?'.?
خاضت الجيوش العربية حربا تقليدية بكل المقاييس?,? ووفق قرارات غير مؤسسية?,? بل مزاجية في معظم الأحوال?.? والأهم من ذلك أن الإنسان الذي كان أداة التنفيذ كان إنسانا مقموعا وفاقدا لإنسانيته في ظل نظم سياسية دكتاتورية قاهرة?,? ولم تفلح ترسانة الأسلحة الحديثة بتكنولوجيتها المتقدمة أن تعوض هذا العجز الإنساني?,? لا في حرب?1967,? ولا في حرب الخليج الثانية?,? عاصفة الصحراء?.? ما قاله?'? نزار قباني?'? في?'? هوامش علي دفتر النكسة?'? من أننا?'? لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهلية?'? تعبير شعري صادق عن هذا الاكتشاف المذهل?,? والوعي بأننا ما نزال مجتمعات تقليدية رغم كل مظاهر الحضارة والمدنية السطحية?.? من هنا تأتي أهمية مسألة مراجعة جذور البنية التقليدية?,? لا بهدف التكرار أو الإعادة?,? أو حتي مجرد التسجيل?,? بل لغاية نقد تلك الجذور?,? تواصلا وانقطاعا في الوقت نفسه?,? إذ لا انقطاع بلا تواصل نقدي مبدع وخلاق?.? أما التواصل لغاية التواصل وحدها فهو?'? التقليد?'.? هذه العودة الملحة للماضي عودة ضرورية بسبب البنية التقليدية لمجتمعاتنا وثقافتنا?.? مازلنا?-? وفقا لحسن حنفي?-? نتنفس?'? الغزالي?'? ونعيش مع?'? ابن تيمية?',? رغم الفاصل الزمني والهوة التاريخية?.? تبدو العودة إلي التراث ضرورة ملحة لبحث جذور الأزمة?,? وليس لمجرد إعادة التأويل?.
?معظم الدراسات التي توجهت إلي الماضي وبحثت في التراث قيدت النظر فيه من منظور الحاضر?,? وأعادت تصنيف التراث وفقا لرؤي حداثية?,? لا وفقا لرؤي وتقيسمات تقليدية?.? هكذا وجدت دراسات عن?'? اليسار في الإسلام?'? لأحمد عباس صالح?,? و?'?الاتجاهات المادية في الفلسفة الإسلامية?'? لحسين مروة?,? و?'?من العقيدة إلي الثورة?'? لحسن حنفي?,? بالإضافة إلي?'? تكوين العقل العربي?'? و?'?بنية العقل العربي?'? لمحمد عابد الجابري?.? وهناك الكثير والكثير من الدراسات التي لا يتسع المجال هنا لاستيعابها?.? في هذه الدراسات وغيرها مما لم نذكر نلمس حرصا شديدا علي دراسة الماضي من موقع هموم الحاضر الراهنة?,? ومن منظور معرفي حداثي قام بتطوير الرؤي والمناهج التي بدأها?'? الكواكبي?'? و?'?طه حسين?'? وأمثالهما إلي حد بعيد?.
?في السياق الراهن?,? سياق التهديد والخوف والانتظار والترقب عجزا عن الفعل?,? بل وفي سياق الدعوة الأمريكية للإصلاح?,? يخشي أن يكون الهروب إلي?'? جنة الماضي?'? هو الحل?.? وفي هذا الموقف الهروبي يكمن الخطر كل الخطر?,? سواء عبر هذا الموقف عن نفسه بإنتاج خطاب?'? اعتذاري?'? أو بإنتاج خطاب?'? دفاعي?',? وكلاهما صدي للآخر?.? لا يجب أن يوقفنا الخطاب الأمريكي الداعي للإصلاح عن مواصلة حركتنا الإصلاحية والتحرك في اتجاه التغيير المنشود بصرف النظر عن رغبات وأماني العدو الأمريكي أو الصهيوني?.?
السؤال الذي يفرض نفسه علينا جميعا هو?:? كيف نتجاوز حالة?'? التحزب?'? و?'?الاستقطاب?'? الحاد في مجتمعاتنا بين فريقين يحرص كل منهما علي نفي الآخر واستبعاده?,? تتعدد آليات?'? الاستبعاد?',? لكنها تتجلي في بنية ثنائية تناقضية?,? يستبعد فيها?'? الإسلامي?'? العلماني علي أساس?'? خروج?'? الأخير علي ثوابت الأمة وتبنيه لمشروع فكري?,? ثقافي سياسي اجتماعي?,? يفضي إلي مزيد من التبعية للغرب?.? وبالمثل يستبعد?'? العلماني?''? الإسلامي?'? علي أساس قيام مشروعه علي أوهام العودة إلي الماضي والتقليد والاعتماد علي شعارات فضفاضة غامضة لا تغني عن غياب المشروع الاجتماعي السياسي الواضح الأهداف والمقاصد والمحدد لإجراءات العمل والتنفيذ?.? وفي تقديري أن من أهم أسباب حالة?'? الاستقطاب?'? هذه غياب المناخ الملائم للحوار منذ فترة طالت إلي أكثر من نصف قرن?,? حدثت فيها أحداث تركت جروحا عند الجميع?,? أعني عند أهل?'? اليمين?'? وأهل?'? اليسار?'? علي السواء إذا صح التقسيم?.? لم يتعلم أحد من درس?'? كليلة ودمنة?'? عن الثور الأبيض الذي تحالف مع الأسد وساعده علي التهام غريمه الثور الأسود?,? ليخلو له المجال ليكون الزعيم الأوحد للثيران?.? لم يدرك أحد مغزي صرخة هذا الثور حين أدرك أن دوره جاء ليلتهمه الأسد?:'? لقد أكلت حين أكل الثور الأسود?'.? ولم يدرك أحد كذلك ما قاله أحد المفكرين الألمان في عصر النازي?:? حين بدأ القبض علي?'? اليهود?'? لم أهتم فلست يهوديا?,? وحين بدأ القبض علي الشيوعيين لم أهتم فلست شيوعيا?,? وحين بدأ القبض علي المعارضين للفاشية والنازية لم أهتم فلم أكن معارضا?,? وحين أتوا للقبض علي لم يكن هناك أحد ليدافع عني?.?
ليس هناك بديل فكري ثالث جاهز?,? هناك آراء واقتراحات?,? الشرط الوحيد لبلورتها هو دفاعنا جميعا عن?'? ديمقراطية?'? غير مشروطة?,? ديمقراطية لا تستبعد أحدا ممن نظنهم أعداءنا أو خصومنا?.? إننا نبحث عن وهم لا وجود له?,? ولم يوجد أبدا في التاريخ?,? شيء اسمه?'? الاتفاق?'? و?'?الإجماع?'? علي صيغة سياسية ثقافية فكرية حضارية للخروج من الأزمة?,? وهو وهم تخلص منه العالم المتقدم حين اتفق علي كيفية تنظيم?'? الاختلاف?'? من خلال آليات?'? الديمقراطية?'? الحديثة?.? دعنا ننظم اختلافنا?,? الذي هو أمر ليس طبيعيا فقط?,? بل هو صحي?.? لقد خلقنا الله مختلفين?,? فالاختلاف ظاهرة في أصل الخلقة?,? ثم يصوغ المجتمع بعناصره وتعدد مصالح فئاته?,? وتضاربها أحيانا?,? هذا الاختلاف صوغا اجتماعيا وسياسيا وفكريا?.? لهذا يتكون المجتمع من?'? جماعات?'? تتباين فيما بينها?,? وإن كانت تشكل كلا واحدا غير هلامي هو الذي يميز مجتمعا ما عن غيره من الجماعات?.? إن الاختلاف?'? المنظم?'? ثراء وغني?,? بعكس?'? الاتفاق?'? أو?'? الإجماع?'? القائم علي القهر والعسف والشطط?.? ولنتعلم جميعا من دروس الماضي والحاضر?:? قد أختلف معك في الرأي?,? لكني علي استعداد أن أدفع حياتي ثمنا لحماية حقك في التعبير عن رأيك?.?
 
هذه الدراسة نشرتها مجلة (الديمقراطية المصرية  ) عدد إبريل سنة 2007م
وهى مجلة فصلية  تصدرها مؤسسة الأهرام .
 

8 - أكتوبر - 2007
من يقتل الغذامي تقربا لله?
سيرة حياة ....مولانا جلال الدين الرومى.    كن أول من يقيّم

                      جلال الدين الرومي
                                         رشيد يلوح
"حَوَّل الرومي طيني إلى جوهر، ومن غباري شيّد كوناآخر"   الشاعرالباكستاني محمد إقبال
زمن مولانا:  في سنة 616هجرية،1219 م، اجتاح المغول بقيادة جنكيزخان المشرق الإسلامي ، تحت ذريعة قتل الخوارزميين لمجموعة  من تجارهم، أما وضع الدولة الخوارزمية الحاكمة في ذلك الوقت  فقد وصفه المؤرخ الذهبي قائلا:(والزنا فيهم فاش، واللواط ليس بقبيح..والغدر خلق لا يزايلهم).
 كانت نتيجة الهجوم المغولي أن حولوا حواضر الإسلام الزاهرة في إيران والعراق وآسيا الوسطى عموما إلى كتل من اللهب وركام من التراب، وكان جنكيز خان يسأل الناس عن دينهم  فيجيبونه:"ديننا الاسلام، ويقول كذا وكذا.."، فيرد عليهم:"لا أرى أنكم تقيمون دينكم، أنا نقمة ربكم عليكم".أما السلطان الخوارزمي علاء الدين محمد فقد تمكن المغول من القبض على نسائه ووالدته وأصبحن خادمات في بيوت أمراء المغول أنفسهم ، هذا السلطان الذي كان هو و جنده أسرى للشهوات والأهواء، هرب قاصداً إحدى الجزر البحرية النائية في بحر قزوين، حيث مات  ذليلاً، طريداً، قبيل وفاته قال كلاماً بليغاً يدل على شدة ندمه على ما فرط في جنب الله سبحانه وتعالى، قال السلطان:"لم يبق لنا مما ملكناه من أقاليم الأرض قدر ذراعين، تُحفَر فنُقبر، فما الدنيا لساكنها بدار، ولا ركونه إليها سوى انخداع واغترار، ما هي إلا رباط ، يدخل من باب ويخرج من باب ، فاعتبروا يا أولي الألباب".
مولانا من الطفولة إلى لقاء شمس:  في هذا الجو التاريخي المؤلم عاش الشاعرالفارسي  مولانا جلال الدين الرومي طفولته(ولد 603هجرية، 1207م)، إذ بسبب الاجتياح المغولي لمنطقة(بلخ)التي تدعى اليوم افغانستان، تركت عائلته موطنها واستقرت في قونية التركية، وأصبح والده بهاء الدين استاذا يدرس في جامعة قونية، تلقى جلال الدين تعليمه الروحي المبكر تحت اشراف والده  وبعد ذلك تحت اشراف صديق والده سيد برهان الدين البلخي.واصل مولانا جلال الدين التعلم عن أستاذه سيد برهان الدين إلى جانب مكابدة أربعينيات صارمة من العبادة والصوم،  بعد ذلك قضى أكثرمن اربع سنوات في دمشق وغيرها حيث درس مع نخبة من أعظم العقول الفقهية والعلمية في ذلك الوقت، مما مكنه في النهاية من اكتساب تكوين متين في الفقه والتصوف.? لما أدرك سيد برهان انه اكمل مسؤولياته تجاه تلميذه مولانا جلال الدين اراد ان يمضي البقية من عمره  في عزلة  فأخبر مولانا بذلك، فظهر بعد ذلك شمس الدين التبريزي الحدث المركزي في حياة مولانا، إذ في عمر السابعة والثلاثين التقى مولانا جلال الدين بالدرويش الأمي المتجول شمس الدين التبريزي الملقب بشمس المغربي ، فكانت ولادة جديدة لمولانا جلال الدين الرومي، أنشد بعدها للبشرية أرق وأجمل أناشيد الحب الخالدة.
حب إلاهي وميراث إنساني : باقتراح من تلميذه حسام الدين شرع مولانا في بداية الخمسينيات من عمره باملاء ديوانه الشعري الصوفي  الضخم على هذا التلميذ الذي أخذ على عاتقه مهمة تدوين أكبر ديوان صوفي في التاريخ الانساني، فمضامينه تعكس كل مناحي الشخصية الإنسانية، كما يتميز بالغزارة والتفاصيل الدقيقة في عالم الطبيعة والتاريخ والجغرافيا.ويتكون هذا العمل الروحي الكبير من 27 ألف بيت من الشعر، يفتتحها بأبيات تحكي شوق الروح الانسانية إلى خالقها، تحت غطاء رمز الناي الذي يئن حنينا إلى منبته، بقوله:   أنصت للناي كيف يقصّ حكايته   ** إنه يشكو آلام الفراق، إذ يقول:

  إنني منذ قطعت من منبت الغاب** والناس رجالاً ونساء يبكون لبكائي
 إنني أنشد صدراً مزّقه الفراق**حتى أشرح له ألم الاشتياق 
    فكلّ إنسان أقام بعيداً عن أصله  ** يظلّ يبحث عن زمان وصله
  تنقل الروايات التي اهتمت بحياة مولانا جلال الدين أنه لما توجه صحبة والده بهاء الدين إلى مكة لأداء فريضة الحج، التقى في نيسابور الشاعر الصوفي المشهور فريد الدين العطار، الذي أهدى إلى جلال الدين الرومي كتابه "أسرار نامة"، وأوصى العطار بهاء الدين بالولد الصغيرقائلا:"اعتني بهذا الولد، فإنه عما قريب سينفث في هذا العالم نفسا مشتعلا"، ولما كبر الولد جلال الدين الرومي ظل معجباً بالشاعرالصوفي العطار،وكان يردّد:"لقد اجتازالعطار مدن الحب السبع بينما لا أزال أنا في الزاوية من ممر ضيق"،  ولما أراد أن يصف لنا لحظة الانتقال في حياته أنشد بالفارسية قائلا
مرده بودم زنده شدم، �ريه بودم خنده شدم
  دولت عشق آمد و من دولت �اينده شدم 
  وتعريبه: كنت ميتا فأصبحت حيا، كنت باكيا فأصبحت ضاحكا 
.لقد جاءت دولة الحب، و أنا أصبحت دولة راسخة
بينما عبر عن نفس اللحظة بطريقة أخرى في إحدى رباعياته:
 وفجأة اشرق في صدري نجم لامع
                 واختفت في ضوء ذلك النجم
                            كل شموس السماء
 لقد عكست أشعار وتعابير مولانا استقلالا واضحا عن المذاهب إذ يقول:"تعالَ وكلمني ولا يهم من أنت ولا إلى أي طريقة تنتمي ولا من هو أستاذك، تعال لنتكلم عن الله"، فالرجل يعتبر نفسه داعيا الخلق بكل أشكالهم  إلى الله تعالى، دون اعتبار للحواجز والحدود.
لقد أنشد مولانا جلال الدين الرومي كلاما جميلا في الحب الإلاهي، في ديوانه (شمس مغربي)يقول:
ولقد شهدت جماله في ذاتي ** لما صفت وتصقلت مرآتي
وتزينت بجماله وجلاله **  وكماله ووصاله خلواتي 
 أنواره قد أوقدت مصباحي**  فتلألأت من ضوئه مشكاتي
 بالنسبة للنصوص النثرية ننقل نصا مميزا يعكس عمق نظرته للناس والتاريخ وذلك عندما أوضح سبب انهزام المسلمين أمام المغول، وهو كتابه "فيه مافيه"الذي يضم مجموعة من أحاديثه وتوجيهاته التي جمعها مريدوه من بعده، يحكي مولانا قصة انتصارالمغول قائلا:(  *في البداية كان المغول يأتون إلينا وهم عراة حفاة يركبون العجول ويحملون سيوفا من خشب، إنهم يسكنون الصحاري والقفار، كانو أذلة وضعافا و كانت قلوبهم منكسرة، في أحد الأيام قصدت جماعة من تجارهم سوقا من الأسواق التي كانت تحت ولاية السلطان خوارزمشاه، و بينما هم منشغلون بتجارتهم البسيطة هاجمهم جنود السلطان خوارزمشاه و اجهزوا على تجارتهم وساموهم العذاب، بل قتلوا الكثير منهم، الناجون من التجار المغول هربوا نحو بلادهم فالتجأوا إلى ملكهم يشتكون و يطلبون النجدة، طلب منهم الملك أن يمهلوه عشرة أيام، فذهب إلى خارج البلدة واعتكف داخل غار صائما متبتلا متوسلا، فجاءه نداء من الله:"لقد قبلنا شكواك، اذهب فأينما حللت فإنك منصور"، لذلك انتصر المغول وحكموا العالم).إذا كان هذا النص يعرض من جهة للتاريخ الروحي ،  فإنه من جهة أخرى  يقربنا من عمق نظر مولانا جلال الدين في الأنفس والآفاق .
اهتم المستشرقون كثيرا بآثار مولانا وفتحت في الغرب تخصصات أكاديمية عكفت على دراستها، وقبل سنوات قليلة سجلت مبيعات ترجمة بعض أشعاره أكبر حصة في  الولايات المتحدة الأمريكية، ويعتبر الكثير من الدارسين لديوانه الصوفي الضخم"مثنوي معنوي"أن هذا الأثر هو بحق أثر إنساني بلا منازع، وإبداع عالمي أغمط حق الاعتراف به، وربما يعرف الناس مولانا عن طريق رقصة المولوية، التي ترجع أصولها إلى مابعد وفاة الشاعر مولانا جلال الدين، وأصبحت اليوم رمزا سياحيا أكثر منه أثرا صوفيا ذو جدور عرفانية. و كانت المولوية تتكفل بتقليد السلطان سيفه عند جلوسه على العرش ، كما انتسب اليها الكثير من الأمراء، و ظلت هذه الفرقة محل إجلال و تقدير طيلة العهد العثماني إلى أن ألغاها كمال أتاتورك عام 1926، عندها تحوّل مركز المولوية إلى حلب في سوريا.  توفي مولانا جلال الدين الرومي في 672 هـ ،1273م عن عمر بلغ نحو سبعين عامًا، ودُفن في ضريحه المعروف في قونية بتركيا وقد كتب على الضريح بيت من الشعر يخاطب به مولانا جلال الدين زواره قائلا:
 يا من تبحث عن مرقدنا بعد شدِّ الرحال
 قبرنا يا هذا في صدور العارفين من الرجال
*كتاب فيه ما فيه: مولانا جلال الدين الرومي، تصحيح بديع الزمان فروزنفرمنشورات نامك، طهران.
 نشرفي صحيفة التجديد المغربية العدد1439 - 4  يوليوز 2006 
 

11 - أكتوبر - 2007
مولانا جلال الدين الرومى ..شاعر الصوفية الأكبر.
رواية "البنت التى تبلبلت " ضياء العلى . (1)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

محاولة منى ...أرجو أن تنال بعض التوفيق،فقد اهتممت براوية الأستاذة /ضياء العلى ،قرأتها أكثر من مرة .وخربشت بسطور قليلة محاولاً اختراقها وفهم مكنوناتها ،ولعلنى أكون قد لمست جزءً من خباياها .ونظراً لتناثر الرواية فى ملفها (البنت التى تبلبلت) وما يعانيه القارىء من تواصل مع النص ،فتفتق ذهنى لجمعها وحدة واحدة ، حتى يتسنى قراءتها  دون وجود ما يقطع التواصل .
وقدمتها بما جادت بها قريحتى من تنويعات  .................................................لعلها  تقول شيئاً  على هامش هذه الرواية الفارقة.                                                 
                                                                    عبدالرؤوف النويهى
 
تنويعات على لحن الغربة والترحال

 
هذه تنويعات على لحن الغربة والترحا ل ، للبنت التى تبلبلت ، أزعم أنها تنويعات على لحن أصيل،مجرد نغمات نشاز قد تألفها الأذن أو تأباها ، وقد تنسجم قليلا  مع اللحن الرئيسى أو تشذ عنه وما أنا إلا عازف مبتدىء ،وكنت فى سنى الأولى والمبكرة أعزف على البيانو  سوناتات لكبار الموسيقيين العالميين ( الأعظم بيتهوفن  ، وموتسارت ، وشوبان 0000) وتوقفت طويلا وطويلا جدا وشغلتنى الحياة والأولاد وطلب المعاش والسعى على الرزق والتنقل بين البلاد والعديد من المحاكم ، والأبحاث الفقهية والقانونية والدراسات العليا، ونسيت ماكنت أهواه واشتاقه وأحرص عليه وضاع وأصبح ذكرى  ، لكن أذ نى تهوى السماع وأصبح بيتهوفن وسيمفونيته التسع وأعما له المتنوعة خير سلوى وخير معين 0وأقول ولعل الصواب  يعاضدنى ويسا ندنى0 أن   البنت التى تبلبلت ، هى البلبلة الصداحة ، إن صح القول ولم أخرج على ثوابت اللغة ، أرجو أن تتقبلها منى بقبول حسن ، إن أصبت أو جانبنى الصواب 0وكما ثبت فى اليقين ، أن من اجتهد ، فأصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر .
مفتتح
 ليست السيرة الذاتية سوى العودة للماضى والبحث عن تجربة حياة ، وحصاد الذكريات، والتفاعل الخلاق لمسيرة العمر عبر سريان الزمن، وما نجم عن الإحتكاك مع الواقع المعايش وما شكله من تحقيق أحلام وإنتكاسة آمال ، وما علا من شأن وما سقط من قدر0وقد تختلف السيرة الذاتية عن الذكريات عن الإعترافات ، وزعمى أن كل واحدة تشكل تجربة كتابة ، كل منها لها وجودها وحدودها ، يشترك الجميع فى أنها عن شخصية واحدة ، ولكن تخلتف فيما يبتغى السارد سرده ، ومراده ومأربه ، بل أن الكتابة عن الذات لصيق بها الصدق والأمانة والحقيقة بل والدقة والوضوح ، ورغم هذا الإلتزام الأخلاقى وما يلقيه على عاتق السارد من حقوق وواجبات ، إلا أن النسيان يعترى الذاكرة، والذاكرة قلب خؤون ،وكثيرا جدا ما يحاول السارد سد الثغرات والإلتفاف حول الواقعة المراد سردها بالتزو يق والتجميل وتخفيف حدة المظلم منها  والتركيز على صورة المضيىء فيها ، وحتى تبدو مقبولة ولا تنال من الإعتبارات الشخصية داخل منظومة القيم بالمجتمع وأطر الثقافة التى يحض عليها 0 والتساؤل الملح لماذا السيرة الذاتية ??وأزعم أن السيرة الذاتية أشمل وأعم وأوسع من مجرد الحكى أو القص وإنما  هى الكشف وإماطة اللثام عن حياة السارد باعتبارها حياة ذات وجهين ، داخل الكتابة وخارجها ، ويتجلى ذلك واضحا فى السياق الروائى والقصصى والذى لايقل فى الحبكة والتنظير والفنية واللغة والتصوير عن الأعمال الروائية الخالدة والتى لازالت ترسم المعالم وتتماهى مع و اقع  لم يكن موجودا حال كتابتها ، وكأنها بخلودها على مدى السنين ،  تؤكد لنا وبما لايتسرب إليه الوهن،عظمة الفعل الروائى والإحساس المتنامى نحو الإمساك بتلابيب الحقائق وكلما قرأناها تزداد أهميتها بداخلنا لما  فيها من استبطان للغامض والمستور من نفوسنا وما تهدر به عقولنا  , ويبين بجلاء إختيار السارد لمحطات حياته والأحداث التى تشكل مسيرته والمؤثرة بوقائعها سلبا و إيجابا ،والشخصيات المنتقاة وبدقة متناهية من وسط العديد التى مر بهم وشاركوه الكثير من أحداث الحياة وتفاعلاتها ، جمالها وقبحها ، حلوها ومرها ، إنتصاراتها وهزائمها ،أى الحياة بعمومها 00000
شكوى القلب الأخضر
    والرواذاتية  (الرواية والسيرة الذاتية )والتى تفضلت الأستاذة / ضياء000 وعبر إثنى عشر رسالة ، ومذكراتها الإثنى عشر ، ترويها بصوتين مختلفين ،فالرسائل    يتضح فيها عمق التجربة وسيطرة اللغة الرصينة  وخبرة العمروالغربة والترحال والحلول بوطن غير الوطن  ،والتمرس فى الإمساك بالحقائق و القبض على واقع يكتب عنه بعد ما يقرب من عشرين سنة ، إنها المرأة التى فهمت وأدركت وتغربت إنها الواقع بدون رتوش أو تزويق أو أوهام ,وما صفاء إلا ضياء0 إنها شخصية واحدة ، إنها تحكى لنفسها تاريخها المستعاد ، وتثور على الماضى وتضع داخلها على طاولة التشريح وتفككه ((الكشف عن أشياء صحيحة ، لم يكن باستطاعتى الحديث عنها ، لولا الرغبة القوية بالمجاهرة بالحقيقة الداخلية للإنسان ، وتفكيكها إلى عناصرها البسيطة الأولى 0000بها يستقيم الميزان ))))ضياء 21/3/  2006 ،بل عناوين الرسائل يشى بالتساؤل والمراجعة لما مضى من  أيام وأحداث وشخصيات ،((( مراهقة فى العشرين ، الحب المستحيل ، الحب الكبير ، حب أم صداقة ،معنى السعادة ، البحث عن دولفين ينقذنى ، اليوم الشهيد ،رأسى الصغيرة ،الحقيقة عارية ، الطريدة ، طقوس الإغتسال الأخير ، دائما أبى 000000)))    وأما المذكرات واللغة المحبطة  التى حيكت بها وكثرة الألفاظ الحزينة والمهمومة والمنكسرة {وتبلبل الأشياء } ،هذه البنوتة الجميلة الرشيقة المتمردة الباحثة عن الحب وعن الأحلام المستحيلة (أنا سجينة ، القلق ، الخوف ، أحمال ألقيها فى البحر ، مرارة ، توتر عصبية ، غضب 000) ،وتبدأالمذكرات  بالإقتتال   وتنتهى بانتظار الموت ((((إنهم يقتتلون ، تقنيات اللقاء ، أين البديل، من أين الطريق ، فى حصار الواقع ، المساواة فى الجحيم ، بين الرماد والورد، فى الطريق للجحيم ،إلى الأمير المزعوم، أختار غدا ، فى إنتظار الموت  ، تهيؤات فى لحظة اكتمال الدور )))
 

11 - أكتوبر - 2007
نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0
رواية "البنت التى تبلبلت " ضياء العلى . (2)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

صياح الدجاجة
إلى أى مدى يكون الإنسان صريحا مع نفسه والأخرين ?????  وإلى أى مدى يكون الوضوح والدقة ??وإلى أى مدى يستطيع الإنسان إختراق محرمات المجتمع ،وطرائق تفكيره ،ومنظومة قيمه ،ومناهل ثقافاته، وثوابت عقائده ??إلى أى مدى????????? أظن ظنا مستريبا ، أنه من الصعب والمستحيل والإستحالة أن يتعرى الإنسان العربى ثقافة ودينا ووطنا ويطرح حياته هكذا وعلى الملأ ?بل يتأكد لدى وبيقين لايتزعزع ، أن الإنسان له طوايا وخبايا تسكن بأعماقه  وترحل برحيله  0 فالقيود الإجتماعية على حرية السارد، قيود شديدة الوطأة وبالأخص على  المرأة التى ستحد تمامامن السردية لغوامض سرائرها ودفائن ذاتها ،ومهما زعمنا التحرروالتمرد على القضبان الفولاذية والحصار من الجهات الست ،فهو زعم لا يرتقى إلى الحقيقة المجردة00000 إن المرأة دجاجة وديعة لا يحق لها أن تصيح فالصيا ح للديكة ، وكل الديوك  تخجل أن تصيح ولو صاح بعضها فبقدر معلوم ، وإلا تعرضوا للهجوم القاسى والتنديد بهم وصاروا عرضا مستباحا وحيا ة منتهكة ، فما بالك  لوصاحت الدجاجة ?!! وصراع الذات هو إنتصار النفس على نفسها ، أن تفكك مشاعرها إلى عناصرها الأولية 000حتى يستقيم ميزان حياتها 00 لكنه ليس صراعا أحادى الجانب فقد يصطدم مع الآخرين  فتشن عليه الحروب ويسخط عليه الساخطون وينقم منه الناقمون 000(((( هذا هو الميزان الفطرى ، ما أردت أن أنبش عليه لكى أجده مطمورا ، تحت ركا م هائل من الأفكار والسلوك والتصورات المعقدة ، هذا هو الميزان الذى نعرف الأشياء وهو دليلنا عندما يتبلبل العقل 000ما أحكيه لن يكون وعظا 00وهو  ليس باعترافات   وهو يتطلب منى جهدا كبيرا ، لأنه يضطرنى للكشف عن أ شياء حميمية 0000)))))ضياء 21/3/2006وأزعم أن الجهد الكبير ، وهو مقاومة المألوف والمتعارف والراسخ رسوخ الشم  الرواسى ، أن تثور عليه الأستاذة / ضياء ، وتعلن حالة الحرب ،الحالة القصوى ، لهو هجوم بكل الأسلحة وعلى كل الجبهات وفى آن واحد. وتظل كتابتها هدفا مرصودا لأسنة الأقلام ، تشرح وتوضح وتجرح وتخدش صمته وتحل طلاسمه وتفك ألغازه وتزيل مبهمه ، وسيتأكد لنا من  خلال البحث المطروح، نجا ح  _ البنت التى تبلبلت _    فيما سعت نحوه وبقوة ، أو نأى عنها وبقسوة .
سيرة ضياء/صفاء

 
إختيار الشكل الأدبى التى يحتوى  التجربة الإبداعية، عبء ثقيل، ويكشف عن قدر المعاناة التى تهمين على الراوى وامتلاكه للفضاء الروائى الذى يسبح فيه ، وسيطرته الكلية على آليات إبداعه وشخوصه وبما تمتلأ عقولهم من فلسفة وعقيدة ورؤى فكرية بل كل ما يمس حياة الإنسان من أحلام وأوهام وأفكار وفلسفات وعقائد وحياة وموت ، فهو المحرك لهم وهم ينطقون بلسانه ،ويتحركون بأمره، ويحييهم، ويميتهم، ويبعدهم، ويقربهم  فهى شخصيات إنتقا ئية 0تتعدد وظائفهم عبر العمل الإبداعى وفعل الخلق لذواتهم ، ومواقع تواجدهم وأماكن وأزمان ظهورهم واختفائهم ولغتهم ، فهم يتفاعلون مع الآنا الساردة ويدورون فى فلكها وجودا وعدما ،وفى البنت التى تبلبلت ، كان الشكل الروائى جامعا لأشكال أدبية نمطية ، من حكاية ومذكرات ورسائل ، وكل شكل له قدرته وفنيته التعبيرية وضوحا وغموضا ، بل تختلف  المنطلقات الفكرية لدى كل شكل أدبى 00وعلى المتلقى وتقبله للعمل الإبداعى أن يتفاعل معه وبما يزيد من حيوية النص ، سيما وأن لذةالقراءة والإستمتاع بها تصنع وشيجة وخيطا رقيقا بين العمل الإبداعى والمتلقى / القارئ ، ليس بحسب الجنس أو النوع، وإنما بين حيوات متعددة تنتمى إلى ذات الوطن  والروافد الثقافية و وحدة الهدف واللغة والحضارة والمصير   0
وتبدأ الرواذاتية  بتوضيح للغلاظة التى أثمرت وعكرت ماء اليقين  الذى لابد من تعكيره من وقت لآخر   لكى نزداد يقينا ، وتوضيح أكثر عن البنت المشدودة بين رغبتين  ، الرغبة فى النقاء الفطرى ،والرغبة فى الحياة المعاصرة 0ثم يبدأ المونالوج أو المناجاة وأستعادة الماضى 00سيرة /ضياء  تتذكر وتبرر وتناقش وتعنف نفسها (أتذكرين )وينحصر التذكر فى الأب والأم والجدة  ومحاولة استدعائهم من الماضى ، لكن أفعالهم وتصرفاتهم  تصبح ألغازا غير مفهومة ، ربما بحكم التجربة قصيرة الأمد للراوية ، كانت التصرفات مثار تساؤل واستفهام 0
 
الوطن كان فيروز
  
 
"تبلبلى كالريح"  "البنت الرقيقة المثقفة دمثة الأخلاق ومنذورة أن
 تكون أما مثالية "0هذا فى الماضى 0أما الحاضر  " كأنك القطيع الشاردة ،مشتتة، مبعثرة، منزوعة الروح   ""لآنا الساردة تستدعى الماضى فى مواجهة الحاضر، وتعقد محاكمة فقد جاء ت اللحظةالحاسمة، ولكن لمن تعقد المحاكمة ثم من القاضى الذى يتصدى لنظرالدعوى ??????
الأب هذا السياسى الشيوعى الممتلأ يقينا بالأخوة بين البشر، الحالم بالمدينة الفاضلة(يوتوبيا )كان أمميا ، ومايراه من حرب مدمرة بوطنه ،هى حرب الرأسمالية ضد الطبقات الكادحة ، حرب تحرير وثورة إجتماعية ، يحلم بالعدل والمساواة بين البشر ،مثقف ، يكن القدسية لكل من لوركا ، أبو العلاء ، المتنبى ، الليندى، ينتقد عبد الناصر الذى نكل بالشيوعيين !!!!!!!والذين بنوا له السد العالى !!!!كان عروبيا00
هذا الجبل يبكى لموت عبدالناصر !!!!!!!! وتم تدميرمنزل الأسرة ( الحرب المجنونة) ولكنه يغنى (اوف أوف ولك معود على الفجعات قلبى )،أميرطفولة الساردة /صفاء /ضياء /سيرة لكنه يظل لغزا، واثق من نفسه وتنسحب هذه الثقة لتحيط بإبنته ،خجول ،يقول للأم وبا ستحياء شديد بإمكانك نزع الغطاء عن الرأس ، زوج رؤوم وأب حنون ومنا ضل شريف و ملتزم بالتقاليد  ومتمسك بالموروث الدينى0
الأم هذه السيدة المهمومة بأولادها والمشغولة ببيتها ، لاتعرف شيئا عن الصراع الطبقى ودورالمرأة فى التحررالعالمى ،كانت سعيدة سعادة مطلقة أن صدر الأمر من زوجها بنزع غطاءالرأس وإلى غير رجعة ،حتى تهتم  بالتسريحة الجديدة مثل   اسمهان وليلى مراد00
الجدة وهى الحريصة على  إستمرارية الحياة  رغم الدماروالقتلى والخراب والتخريب ولم يخا لجها الشك فى النهاية تقوم بزرع بذور الريحان ""بحق الخضر أبو العباس تعيش زرعتى ولاتيبس ،"""لكنها برأى الساردة تعيش الأساطير 0
الساردة /الراوية "00الحرب ،داهمتنى مبكرا أعدمتنى ماء الحياة ،إبنة الأريعة عشر ربيعا،الحرب استدامت ،حروب ،أعادتنا إلى مهدنا الأول 0000العراء 0"
الساردة ترصد الواقع المحبط الواقع  الساحق للأحلام ، لاأمل فى غد مشرق ، هناك العراءالقاسى والفاضح والمدمر ، أسرة داخل  مجتمع يتمزق بوطن ينهار بعالم متواطىء بحكام خونة  ،،، بحرب ضروس تأكل الأخضر واليابس 0000وبعينين  طفولتين و بعقل ذكى لماح   تقف على تخوم الواقع والخيال ،ترى  عالما متكاملا يلتقى فيه الوهم بالواقع ،والحقيقة بالخيال 0وكانت حكاية البنت التى تبلبلت

11 - أكتوبر - 2007
نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0
رواية "البنت التى تبلبلت " ضياء العلى . (3)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

                                             الحكاية تبدأ هكذا :

سيرة " تحدث نفسها "

أتذكرين ? تلك البنت التي كنت أعرفها ! ... كانت رقيقة ، نقية ، دمثة الأخلاق ومنذورة لأن تكون أماً مثالية !... هكذا عرفتك ! فما الذي جرى لك ، لكي تتبدلي ? ما الذي حدث لك ، لكي تتبلبلي كالريح ... ? أهو الزمان من أشقاك وغير ألوانك ? وما الذي فعلتِه أنت بنفسك ، لكي أراك ، كأنك القطيع الشاردة : مشتتة ، مبعثرة ، ومنزوعة الروح  ............. ?

ستقولين : " ربما هي الحرب التي داهمتني باكراً ، أعدمتني ماء الحياة  ... أربعة عشر عاماً ،  هي عمر الورود ، إعصار الطفولة اللجوجة ، ودفق الشباب الذي لا يطيق الانتظار . لم   أرها ، ضيعتها بالانتظار ...


 كان العمرجميلاً ، والوقت كان ودوداً : الوطن كان فيروز ، والحب كان فيروز. الأهل والأصدقاء ? كانوا بسطاء ، لا يعدون الأيام . حتى حدثت الزلزلة .... ! " .لكني أنا رأيتها لما أقبلت ! هدية الزمان إليك ، لما أقبلت ، كما المهرجان ! كزهوة البستان أشرقت ، فرحت لها بذاك الزمان . ألا تذكرينها كما أذكرها أنا ? أم أنك تتناسين ? أتذكرين ? جدتك ، لما كانت تغرس شتولها بقرب باب الحديقة ? تضع بذور الحبق ،الريحان،في باطن الأرض ، ثم تهيل عليها التراب بكفيها وهي تتمتم :" بحق الخضرأبو العباس ، تعيش زريعتي وما تيبس ..."ترددها ثلاث مرات ، تزرعها في هلة القمر ، وتسقيها من بعد الغروب ،  ... كنت تضحكين في سرك وتقولين : " جدتي ، تعيش في الأساطير ! الماضي حكايات ، والحاضر ، دعاء وصلوات .... " . أتذكرين كيف كانت  شتولها بهجة للروح ? مساكب الفل والنرجس ، وأحواض البنفسج والمنتور ، كانت بهجة للروح !.... كانت تشبه أعوامك الأربعة عشرة . أفلا تذكرين ?"الحرب استدامت حروباً " ، تقولين ، " هدمتنا الحرب ! أعادتنا إلى مهدنا الأول ، العراء ! "

 صحيح ، عزيزتي ، الحرب استطالت ، وعبثاً بحثنا لها عن أسباب ، لكي نحتويها ، لكي نعقلها  . قالوا بأنها كانت حرباً طائفية . قلنا : بأننا انتفضنا  ضد مشروع الانعزالية والصهيونية .. أبي أقنعنا وقتذاك  بأنها كانت أيضاً (حرب الرأسمالية ضد الطبقات  الكادحة)  وأنها حرب تحرير وثورة اجتماعية ! كان يردد : بأنها تحالف البورجوازية مع الفاشية ، والامبريالية العالمية ضد مصالح الشعوب الفقيرة ، من أندونيسيا ، إلى كوبا وفيتنام ، حتى الجزائر والصحراء الغربية .  وكان يحفظ اسم لوركا وإلليندي إلى جانب المتنبي وأبي العلاء المعري ويتحدث عنهم بشيء من القدسية.. هو كان أممياً ، ويحلم بالعدل الاجتماعي والمساواة بين البشر ..." يا الله ! كم أحبه أبي ! أمير طفولتي ، وملهم سنواتي الأربعة عشرة . سيبقى لغزاً أبي : كان عروبياً ، لكنه كان لا يكف عن انتقاد عبد الناصر الذي" نكل بالشيوعيين " ، على حد قوله،   "مع أنهم بنوا له السد العالي " ،لكنه بكاه بحرقة شديدة يوم مات.

أتذكرين !

يوم استفقت بالصدفة ، ذات صباح ماطر، لتري ذلك المشهد الخيالي : كان الجبل يبكي ! يخفي وجهه بيده ويشهق بقوة ! يستمع إلى المذيع في الراديو الذي كان يبكي بدوره ، ويشهق هو أيضاً .... باليد الأخرى ، كان يحمل سيكارة تكاد تحرق أصابعه.. اليد التي كان يلبس فيها ساعته الفاخرة التي طالما أثارت إعجابك ! أتذكرين ?" لن أفهمه أبداً أبي ! لن أفهمه " عشرة أعوام مرت بعدها . رأيتِه مرة أخرى يتنقل، كالحجل ، بين ركام بيتكم الذي هدمته الحرب . يبحث عن بعض الصور ينتشلها من بين الأنقاض :
" أوف ، أوف ، ولَكْ معَوَّدْ على الفجعات قلبي ... " ، كان يغني !
" يبدو أنها طقوس يا أبي ! طقوس اخترعناها ونعيد تمثيلها في كل مرة لنستعيد بها الفاجعة . طقوس ، نهدي فيها القرابين إلى آلهة الموت والدمار ! "
لن تذكري رائدة الفضاء السوفياتية . لكن أمك سوف تذكرها لك بنشوة لو سألتِها عن الرفيقة ذات العيون الزرقاء الباردة التي صعدت إلى سطح القمر .
" آه يا جدتي ، لو تعلمين ، بأنهم في بلاد الرفيقة ذات العيون الزرقاء، قد أنبتوا القطن ملوناً في سفوح " التوندرا "على اسم " لينين العظيم " ، وأن تقريرها عن زيارتها للقمر يفيد بأنه كومة أحجار لا تنفع ولا تضر ."

يومها ، كان أبوك قد اصطحب أمك معه لاستقبال الزائرة الاستثنائية . كل الرفاق كانوا قد اصطحبوا زوجاتهم ......... يومها ، قال أبوك لأمك ، باستحياء شديد ، وبعد تردد طوي" بإمكانك أن تنزعي الغطاء عن رأسك لو أردت " .لم يكررها مرتين . ورغم أن أمك لا تعرف شيئاً عن الاضطهاد الطبقي ، ورغم أنها لم تعد تذكر شيئاً مما قالته الرفيقة عن دور المرأة في حركة التحرر العالمي ، إلا أنها انتزعته إلى غير رجعة ، همها كان ، أن تشبه " أسمهان " و " ليلى مراد " بتسريحتها الجديدة .

11 - أكتوبر - 2007
نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0
رواية "البنت التى تبلبلت " ضياء العلى . (4)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

الفصل الأول
مذكرات (1)
إنهم يقتتلون ....
 أذكر بأنهم يقتتلون ! قذائف تتساقط فوق رؤوسنا أسمع لها دوياً في قلبي وفي صدري ........ في كل مرة طرف جديد ، وحرب جديدة . المهم أننا سوف نبقى سجناء داخل البيت مدة لا يعرف أحد منا كم ستطول . لن أستطيع الخروج أو الذهاب إلى الجامعة أو إلى أي مكان آخر . أنا سجينة ! أيامي تحترق . أذوبها كل يوم في مقادير من القلق والخوف والضجر ثم ، أتجرعها بمرارة  عشرون عاماً بلغت ، ولم أعد أرغب بالمزيد .. أيامي ، أحمال ألقيها في البحر .. كيف أقاوم هذا التوتر ? هذا الغضب ? وأحلامي المستحيلة ، كيف أقاومها ? لا أطيق نفسي ! لا أطيق أحداً من حولي.. أنانية ? بل أكثر ! أرغب بالأذية ، بتحطيم أي شيء .... " ستندمين ! " ، تقولين "بعد خمس دقائق ، سوف تندمين " . ربما ! وربما أرتاح خمس دقائق . رغبتي هي دائماً أن أبكي وأن أحطم أي شيء أمامي . هل أنا عاقلة أم مجنونة ?نفسي ، أشفق عليها وأكره ما أنا فيه .
عندما أخلو إليها ، نفسي ، أسألها أشياء كثيرة ... هي لا تعرف بماذا تجيب . هي تعرف بأنها تريد حياة أخرى غير هذه التي نحياها  ! حالتنا المادية تزداد سوءاً . أحلم بأشياء كثيرة اعتيادية ، ولا يمكنني الحصول عليها  . ليس من أمل ! أحلم بفستان من الحرير ، وجوارب ناعمة ، وأن أعقص شعري بدلال عندما أذهب لملاقاة أميري ..... حتى ولو كان جباناً ، و "لا يستاهل " . يلزمني ثلاثمائة ليرة الآن لحل معظم مشاكلي . أين أنا منها  اليوم ? العادة الشهرية تؤلمني وتستبقيني أياماً في الفراش .
 يأتيني اللحن الجنائزي من مكبرات الصوت في الخارج . إذاعة جوالة يدعون فيها لحملة تبرعات من أجل جرحى القصف الإسرائيلي في بيروت والجنوب . " أناديكم ، أشد على أياديكم
 وأبوس الأرض ، تحت نعالكم
  وأقول أفديكم .........."
  يد قوية تضغط على قلبي وتعتصره ... أرغب بالبكاء طويلاً ، طويلاً
 لو كان معي أربعمائة ليرة لاشتريت :
  جاكيت صوف رمادية ب 100
  قماش قميص موسلين أبيض ب 50
  قماش بنطلون بني ب50
  بوتين أسود ب200
  سأعود إلى أوراقي الآن .. اتركيني أنت ، "سيرة " .  دعيني وشأني فلم تحاسبينني ? هل أنت   أمي ? ثم إن أمي لا تشبهك أبداً ، هي دائماً لا تقول شيئاً ولا تتدخل بشيء . أمي ، لا تشبهك ! وأنا لا أبحث عن أم اخرى  ! سأكتب إلى " صفاء" ، هي صديقتي ، هي تشبهني . تعرفت إليها في دار المعلمين ، ومن وقتها ، لم نفترق أبداً . سأكتب إليها ، لكن ليس اليوم ، بل بعد عشرين سنة ، بعد أن أكون قد شفيت من آلامي ... هي  مثلي ، هي ستفهمني . أما أنت ? ...  فأنا لا أفهم نفسي !...
الرسالة الأولى
 
مراهقة في العشرين
عزيزتي صفاء : 
 تحياتي لك في هذا الصباح البارد هنا ، والذي قررت أن أبدأ فيه رسائلي إليك . عملت لنفسي فنجاناً من القهوة القوية ، وبحثت عن لون دافئ لرسالتي ، لعل حرارته تساعدني على التخفف من قيودي وإخراج ما أريد قوله . هو قرار لطالما أجلت التفكير فيه بانتظار حدوث معجزة ما، تغير حياتي . حياتي تغيرت بدون معجزات ، فأنا ما زلت أنا ، بكل الأسى وكل الشجن . مع هذا ، نويت أن أحكي لك حكايتي ، لعلني أستطيع ?
 يصعب علي تخيل ردة فعلك : أتراك ستغضبين ? أو ربما تفاجئك بعض التفاصيل ?  ربما تشفقين على صاحبتك كثيراً وتقولين في نفسك : " ما أتعسها ! " ، وربما تقسين علي في حكمك وتقولين : " ما أسخفها ! " . هذا ممكن ! لكنه ليس ما أبحث عنه . أريدك أن تكوني عوناً لي ، أذناً صاغية ، وقلباً يسمع... سأحكي لك بحرية كاملة ، وصدق كبير ، لأن ما أرجوه هو أن أنجح بنقل إحساس تلك الفترة كما عشتها بالذات . المسألة برأيي تكمن هنا ! في حنايا الذاكرة التي تنتقي وتوضب وتغربل الأشياء على مزاجها ، وتشيد لنا من بعدها قصوراً من الأوهام نرتع  فيها . تؤسطر لنا ماضينا وتخلق لنا تبريرات لغرائزنا العمياء . أريد أن أصل إليه ، بحقيقته الكاملة ، ذلك الإحساس الجائر الذي زلزلني ، واحتلني ، واستقر في أعماق أعماقي ، ولم يعد يبارحها أبداً . على وقع سوطه الرهيب ، وعلى أنقاض عجزي وخيبتي ، أعدت تكوين نفسي ، يوماً بيوم ، وساعةً بساعة . وها أنا من جديد ! روح حبيسة ! ... تذكار أنا للألم في بحر العذاب الشاسعة ! ... غريق في يم العناء !  فهل سينطق من في فيه ماء ???
  يبدو أنني كنت مراهقة ، لا زلت !  " في العشرين ? " سوف تقولين . نعم ! ولم أكن أعرف ذلك . كنت أظن بأنني ناضجة . لأنني تعلمت الكلام بالسياسة . ولأنني ناضلت ، وحملت السلاح ، وتمردت على المجتمع . كل هذا كان تجربة فريدة بدون شك ، تجربة قذفت بي إلى بر آخر وشطآن أخرى لم نختبرها بعد . الحرب ، أتاحت لي تلك الفرصة النادرة . ستة سنوات قضيناها في تعلم حياة جديدة أنضجت لدي سلوكاً اجتماعياً مختلفاً ، ووعياً بالمسائل العامة ، لكنها لم تنضج عواطفي التي ركنتها جانباً في تلك الظروف . أوقاتنا قضيناها في الدورات العسكرية ، وجمع التبرعات ، وبيع الجريدة الحزبية ، والخدمة الرفاقية في المركز ، ولكن وعلى الأخص في القراءات والاجتماعات ، والنقاشات السياسية  الطويلة ، الطويلة ... خلال تلك المدة ، شيعنا الكثيرين ممن كنا نحبهم : شهداء !
 كانوا يقتربون بنا من الموت . في كل مرة ماتوا فيها ، كنا نقترب منه حتى كأننا نلامسه باليد . لكنهم ، ولا أدري كيف ، كانوا يبعدونه عنا فجأة ، بحركة  بهلوانية ، يحجبونه عنا بأجسادهم ...  كانوا يختارونه بمحض إرادتهم وكأنهم ينتصرون به على ضآلة القدر الذي كنا نعيشه . كأنهم بشجاعتهم هذه يتسامقون نحو المقدس ليلتحموا معه . كل واحد فيهم كان قد ابتكر لنفسه موتاً مختلفاً ، وكأنهم قرروا تطويعه بكل الوسائل . كنا في كل دورة حياة جديدة ،  نقدم فيها قرباناً للموت ،  نشيعه على أنه اختار بأن يكون   بطلاً ، وأن القرعة قد وقعت عليه في هذا الدور لكي يجتاز الحد الفاصل بين الدوني والأعلى . واحداً تلو الآخر كان الموت يزيحهم في طريقه إلينا ، وكانت تلك الحالة من ضرورات الطقس الذي كنا نعيشه .كنت أبكيهم كالأم ! في كل مرة . بحنان يوازي قدسية الحياة . بأسف يضاهي شرعة الموت . كنت أمعن في الطقس المحرر ، البكاء ، حتى جذور الألم ، أستخرج منه شحنة الخوف والعذاب التي كنا نراكمها في كل دور . حتى الرمق الأخير ، كنت أحزن ، حتى النهاية ...
 لم أتعلم شيئاً في الحياة التي كانت تدور خارج دائرتنا المغلقة . الحياة كانت بواد ونحنا كنا بواد آخر . كنا نعيش تلك الفترة في عالمنا الذاتي كأنها أسطورة خلق لم تكتمل أبداً .
 في تلك الأثناء ، كنت أندفع بكليتي نحو ذلك الهدف الذي كنا نأمله ، وهذا يشبهني تماماً ، أن أضع كل طاقتي وتركيزي في السهم الذي أطلقه لكي يذهب إلى أبعد نقطة ممكنة ، وأنسى كل الباقي .  تلك الفترة كنت أعيشها بنقاء شاعر يكتب ملحمة كبرى سوف تغير مجرى التاريخ .
  في مساحتي الحميمة ، بقيت خاماً بالمعنى الحرفي للكلمة . لم أغامر في هذا المجال ولا بلمسة يد ، يردعني عن ذلك قليل من العنجهية ، وكثير من الخجل ، وجملة تلفظ بها والدي يوماً وهو يراني أغادر البيت . كان قد كررها بالإيحاء دوماً ، لكنه يومها قالها صريحة وبالعربي الفصيح :
  " أنا أثق بك يا بابا ! "
 هذ الكلمة ، حمتني طويلاً من طيش المراهقة ، لكنها أثقلت جناحاتي بما يشبه الأوزان . تمنيت أحياناً بأن أنساها . تمنيت أحياناً بأن أبحث لها عن تأويلات تخفف من وقع خطواتها التي كانت تلاحقني وتتجسس علي . ليس من سبيل ! كان يحكي بالعربي . وبالعربي ، ليس لها إلا تفسير واحد لا يقبل التأويل . بذلك ، تحولت تلك " الحرية " التي منحني إياها والدي ، بالذهاب والإياب ، وممارسة العمل السياسي ، منحني إياها بكرمه الخاص وعقليته الخاصة ، تحولت إلى قلعة كأنها السجن ، عليها حارس اسمه الخوف : الخوف من أن أخون هذه الثقة ، الخوف من أن أعمل شيئاً لا يعجب أبي ، الخوف من الابتذال .
 ربما ستفهمين أنت ما أعنيه صفاء ، لأنك مثلي عاطفية ومكابرة . لأنك مثلي من بيت حملنا أوزار التاريخ والقبيلة  وأشعرنا بأننا أقرباء الأنبياء والقديسين . ولأنك مثلي لك أهل أرادوا بأن يتمدنوا فلم يعاملونا  كالولايا ، إلا أنهم ظلوا خائفين علينا من صيت البغايا ، فتحولنا نحن بهذا إلى " جان ? دارك " على طريق الحرية والتمدن . قمعنا أنوثتنا المخيفة داخل عباءات النضال ، أو ركناها جانباً في كهف حريتنا الموعودة ، زمناً اختبرنا فيه قدراتنا الذكورية : القدرة على الفعل والتأثير المباشر .  تحررنا ، دون أن نلطخ قدسية الانتماء المتعالي على كل نفعية .  الهدف ، جعلناه متعالياً حتى يوازي قدسية الانتماء .
 لكن ، في ذلك اليوم الذي سوف تستيقظ فيه تلك الأنوثة ، وتلك الرغبات " الدونية " التي تأباها "القبيلة" ، ويرفضها " التاريخ " ، وتستعر منها " الأنا المثالي " فكيف نفعل ?????
 سوف اتوقف هنا اليوم ، عزيزتي ، وأعود إليك قريباً . فإلى اللقاء
 
 
 

11 - أكتوبر - 2007
نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0
 75  76  77  78  79