البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات عبدالرؤوف النويهى الحرية أولا وأخيرا

 71  72  73  74  75 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
القيم الروحيةوالمادية للصيام0000(2)    كن أول من يقيّم

مقالات - رمضان في الكتاب والسنة (2-2) -
 
القيم الروحية والمادية للصيام هي إصلاح النفس والسيطرة علي أهوائها -
                                  د. حسن حنفي
 
 

ومن مظاهر العبادة في رمضان الاعتكاف في العشر الأواخر منه. فرمضان شهر في العام. تركيزا للوقت، وإذكاء لعلاقة الإنسان بالله من أجل تقوية علاقة الإنسان بالعالم وبالناس. والعشر الأواخر منه قمة الزمن في رمضان، نوع من العزلة الروحية مرة في العام بعيدا عن هموم الدنيا بما في ذلك النساء. وقد كان الاعتكاف سنة جاهلية قبل الإسلام استمرت بعده وأقرها الرسول تواصلا مع الماضي. فقد سأل عمر النبي أنه كان قد نذر في الجاهلية أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام فأجابه الرسول (أوف بنذرك). فالوفاء بالنذر عبادة وقيمة إسلامية.
وقته العشر الأواخر من رمضان في الثلث الأخير من شهر الصوم حين يبلغ الصوم الذروة وقبل وداع الشهر الكريم. الاعتكاف راحة من مجموع العلاقات الاجتماعية، الأهل والأقارب والأصدقاء، رجالا ونساء، من أجل تقوية الذات وحتي لا تضيع في تشابك العلاقات الشخصية والاجتماعية وتضعف أمام الآخرين (من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر).
وفيه تتجلي الروح، وتكون أقدر علي الرؤية الصادقة نظرا لشفافية النفس وقدرتها علي قراءة المستقبل وارتياد المجهول (من كان اعتكف فليرجع إلي معتكفه فإني رأيت هذه الليلة ورأيتني أسجد في ماء وطين). فالبدن لا يستطيع إدراك إلا الحاضر من خلال الحواس في حين أن الروح تستطيع استدعاء الذكريات واستشراف المستقبل طالما كانت قادرة علي العمق الداخلي، والتحول من الخارج إلي الداخل حتي يتم التحول من الداخل إلي أعلي. تنعكف علي الذات فتسمو إلي الآفاق.
ولما اعتكف الرسول وأذن لعائشة بالاعتكاف بعد طلبها وأقامت خباء تعتكف فيه ثم قلدتها باقي زوجات الرسول، حفصة وزينب تساءل عن الدافع لذلك (ما حملهن علي هذا البر، أنزعوها فلا أراها). واعتكف في العشر الأواخر من شوال حتي تكون العزلة كاملة ويكون الاعتكاف تاما. وعندما زارته زوجه صفية في اعتكافه خشي الرسول مما قد يدور في قلوب الناس (إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا) متوجها إلي رجلين من الأنصار مرا علي باب المسجد. فالاعتكاف اكتشاف مطلق لعالم الذات وغوص فيها من دون شبهة أو إغراء.

قمة زمان السنة
إذا كان شهر رمضان هو قمة زمان السنة، شهرا من اثني عشر شهرا، وكان الاعتكاف في العشر الأواخر منه قمة زمان هذا الشهر فإن ليلة القدر هي قمة قمتي الزمان، وقت مركز للغاية، ليلة واحدة في العام يقوي فيها الاتصال بين العبد والرب، الاتصال الفكري والروحي. انزل فيها القرآن، بداية الاتصال بين السماء والأرض، في وعي الرسول وإبلاغه للناس.
وهي ليلة المغفرة إذا ما كان قيامها احتسابا لوجه الله وليس طلبا لغنم أو سؤالا لرزق أو استجداء لإحدي مطالب الدنيا. (ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه). هي ليلة الصفاء وعودة النفس إلي براءتها الأولي بعيدا عن هموم الدنيا وأهواء البشر، والمساومات علي الحق وحب المغانم وزيادة الأرزاق.
ووقتها محدد وغير محدد، محدد بالعشر الأواخر من رمضان، وغير محدد لأنها غير معينة اليوم حتي يظل جهد الإنسان قائما في بحبوحة من الزمان، وحرية من الفعل ومن دون ارتباط ضروري بين المنتظِر والمنتظَر، بين السؤال والجواب، أشبه بالتراخي في الوقت في الصلاة، لا هو علي الفور ولا هو قضاء. (تحرروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان). ومع ذلك فإنه يمكن تحديد وقت أيضا غير محدود. فهي ليلة وتر، في التاسعة أو السابعة أو الخامسة في العشر الأواخر (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر في تاسعة تبقي في سابعة تبقي في خامسة). والوتر إشارة إلي التوحيد، وحدانية الله. وبالوتر كان القسم (والشفع والوتر) (3:89). وهو عدد غير قابل للقسمة مثل صفة الواحد. (فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر).
ولا يكون الانتظار بالساعة واليوم المحددين فذلك انشغال للقلب، وخروج علي الاعتكاف. وليس انتظارا لشيء هابط من السماء يحمل الذهب والفضة والأرزاق. فتلك هموم الدنيا التي أبعدها الاعتكاف. ولا يكون الانتظار علي الأسطح أو من الشرفات والنوافذ بالنظر خلف كل كوكب وحول كل نجم. إذا لمع شاهد الناس جبريل. وإذا برق رأي الناس ملائكة السماء. إنما الانتظار داخلي، مع التركيز علي النفس ومزيد من الإخلاص والتجرد حتي تنفتح طاقة السماء في القلب.
إذا كانت الغاية من الصوم تطهير النفس وتخليصها من الذنوب يكون الصوم صدقة عليها وتكفيرا من الذنوب (فتنة الرجل في أهله وماله وجاره، تكفرها الصلاة، والصيام صدقة). الصيام إذن إصلاح للنفس واتقاء من الفتنة، فتنة الأهل، وحب النساء والأولاد أكثر من حب الحق، والسعي وراء المال غاية في ذاته من أجل جمعه طلبا للثراء وليس للإنفاق علي النفس والسعي في مصالح الناس، وفتنة الجار والصديق وجماعات الهوي التي تجعل الإنسان يؤثر تقليد الآخرين والتنازل لهم عن متطلبات الوعي الفردي.

السيطرة علي النفس
وإذا ما خرق الصائم صومه نظرا للضعف البشري، وواقع امرأته أثناء النهار فعليه عتق رقبة. فإن لم يستطع أن يخلص نفسه من إسار البدن وأسر الروح فعليه أن يخلص عبدا من إسار الرق. فخلاص الآخر يأتي تعويضا عن الضعف في خلاص الأنا. فإن لم يستطع تحرير العبيد مباشرة فإنه يصوم شهرين متتابعين تقوية لإرادته بعد أن ضعفت، ومرانا لنفسه علي السيطرة علي أهواء البشر وانفعالات النهار. ومن لم يستطع الصبر علي صوم نهار فإنه يكون في حاجة إلي مزيد من التدريب علي السيطرة علي النفس. فإن لم يستطع وكان فقيرا لا يملك تحرير رقبة أو ضعيفا لا يقوي علي صوم شهرين متتابعين فعليه إطعام الفقراء. وإذا لم يشعر بأن إحدي غايات الصوم هو الإحساس بالجوع فعليه أن ينمي هذا الإحساس بإطعام المساكين، ستين مسكينا في يوم واحد أو مسكينا كل يوم علي مدي ستين يوما. فإن لم يستطع وكان فقيرا مسكينا يستحق أن يُطعم وأن يتصدق عليه فإنه يعطي صدقة للتصدق بها علي الفقراء والمساكين مساعدة من الآخرين له، ومساعدة منه للآخرين. فإن تصدق بها علي نفسه فلا يوجد من هو أفقر منه عرف أن الإسلام به رحيم، وأنه كان به كريم مما قد يولد في نفسه الإحساس بالذنب ومقابلة السماحة بالسماحة، ومكافأة الكرم بالكرم، فتطهر النفس، وتقوي الإرادة، وتعظم المقاومة.
ليس الصوم جوعا أو عطشا بل هو إمساك عن الأهواء، وسيطرة علي الانفعالات، وتوجيه للحاجات. الصيام مسرة وفرح وابتهاج. فلا فحش في القول، ولا غضب علي أحد. فالسيطرة علي النفس علم، والتصدي علي الآخرين جهل. والصيام مبادلة الإساءة بالحسنة، والعدوان بالعفو. وأن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك لأنه يترك طعامه وشرابه من أجل طاعة الله. والله يجزي الحسنة بعشر أمثالها. هذه المعاني كلها هي التي حواها حديث الرسول (الصيام جُنــّة فلا يرفُث ولا يجهل. وإن امرئ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم مرتين. والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه وشاربه وشهوته من أجلي. الصيام لي وأنا أجزي به. والحسنة بعشر أمثالها).
وتزيد رواية أخري (للصائم فرحتان يفرحهما. إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه). فالصيام فرح وبهجة وسرور وليس غما وكربا وهما. يفرح الصائم بعدها بالإفطار أي بالحصول علي نتيجة السيطرة علي الأهواء والانفعالات والمرور في الامتحان بعد الاجتهاد والمثابرة. كما يفرح في الامتحان النهائي بعد لقاء الله وأداء الواجب وحسن التكليف.
الصيام وسيلة للسيطرة علي حاجات البدن، الطعام والشراب والنكاح. الصوم بديل عن الزواج للذين لا يجدون نكاحا وكإشباع بديل للروح. (من استطاع الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء). الوضع الأمثل هو الزواج، وهو الإشباع الطبيعي. فإن صعب ذلك نظرا لما يقتضيه من مصاريف تأسيس المنزل وإعداد البيت يكون الصيام بديلا مؤقتا عنه، تهذيبا للنفس وتشذيبا للبدن. الطبيعة قبل الصنعة، والإشباع قبل السمو.
والصيام أيضا هو صيام عن الرذائل، عن قول الزور والعمل به (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه). الصوم صدق مع النفس عن طريق التحكم في حاجات البدن وفي الوقت نفسه صيام عن الرذائل عن طريق التحكم في أهواء النفس والكذب علي الحق وشهادة الزور. الصوم إذن مدرسة في الصدق، الصدق مع النفس، والصدق مع الآخرين بعد الصدق مع الله. النفس تعود إلي نفسها، وتنظر في داخلها، وتقوي عالمها، وتعكف علي ذاتها فتكتشف التعالي فيها والمفارقة داخلها، التعالي نحو الله، والمفارقة في العالم نحو الآخرين.
ويظهر في السنة النبوية بوضوح موضوع التوقيت، معرفة بداية شهر رمضان وآخره، اتصالا مباشرا بالطبيعة، ورؤية مباشرة للهلال. (إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له). ليس الأمر إذن مجرد حساب فلكي يتم قبل الشهر أو بعده بعام أو بعامين أو بعشرات السنين. إنما يتعلق الأمر بالفرح بمظاهر الطبيعة وبدوراتها نظرا لما في القرآن من توجه للتأمل في الكون والاعتبار بالشمس والقمر والكواكب والنجوم. فإن لم تتم رؤية الهلال هنا يأتي التقدير ولكن بعد الاتصال الحي المباشر بالطبيعة.

السنة تعد باليالي وليس بالأيام
ثم يأتي بعد ذلك تحديد الشهر وعدد أيامه. وتعد السنــّة بالليالي وليس بالأيام، تسعا وعشرين ليلة. فإن غم القمر ولم يتضح الهلال فإكمال العدة إلي ثلاثين يوما (الشهر تسع وعشرون ليلة. فلا تصوموا حتي تروه فإن غُم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين). فإذا كان الشهر العربي تسعا وعشرين يوما فإن شهرين لا ينقصان ويكملان ثلاثين يوما شهر رمضان وشهر ذي الحجة (شهران لا ينقصان، شهرا عيد رمضان وذو الحجة). فمن صام قبل ذلك وكان ينوي الصيام يوما أو يومين قبل رمضان فله ما أراد. (لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم). فالبداية بشهر الصوم في أول يوم فيه فرح، فرح البداية والجدة والانتقال من حال إلي حال. والفرح بالنهاية في خاتمة الثلاثين، فرح النهاية والانتقال أيضا من حال الصيام إلي حال الفطر. ومن هنا أتت أهمية التركيز علي البداية والنهاية، أول يوم وآخر يوم، يوم الغرس ويوم الحصاد

13 - سبتمبر - 2007
رمضان كريم
الصيام وسيلة لتقوية الإرادة والسيطرة على الإنفعالات (3)    كن أول من يقيّم

مقالات - رمضان في الكتاب والسنة (3) -
 
 الصيام وسيلة لتقوية الإرادة والسيطرة علي الانفعالات
                              د. حسن حنفي

وكان الرسول يعد أيام الشهر باليد تأكيدا علي الجانب الحسي في الوقت وعدد الأيام (الشهر هكذا وهكذا) من دون حاجة إلي حساب فلكي (إنا أمة أميّة لا نكتب ولا نحسب. الشهر هكذا وهكذا). الوعي بالزمان بداية ونهاية ليس مشروطا بتعلم القراءة والكتابة. هو إحساس داخلي عند الأمي الذي يعتمد علي إحساسه الطبيعي وعلي ذاكرته وحواسه. كما يركز الحديث النبوي علي أول الليل ساعة الإفطار وعلي آخره ساعة بدء الصيام (إذا رأيتم الليل أقبل من ها هنا فقد أفطر الصائم) وفي رواية أخري (إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم). والتعجيل بالإفطار سنة، فالفرح لا يؤجل.
ولا يجوز الصيام يوم الجمعة فهو يوم عيد، يوم لقاء الناس في صلاة الجمعة والتحادث إليهم والتحاب معهم والزيارات والتحيات المتبادلة (لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوما قبله أو بعده). الصيام اعتكاف، والصلاة مشاركة. والجمعة عيد المسلمين.
والصوم واجب وفرض، وهو صوم رمضان. وهو أيضا سنة ونفل مثل صوم عاشوراء وصوم السفر. وهكذا الحال في باقي الواجبات، مثل الصلاة، فرض وسنة. فلما سئل الرسول علي ما فرض علي المسلم من صلاة وصيام أجاب (الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئا)... (شهر رمضان إلا أن تطوع شيئا). والصوم الاختياري التطوعي يدل علي أن الصيام ليس فقط واجبا أو فرضا بل هو أيضا التزام ذاتي، واختيار حر، ونداء باطني للذات. فالتنزيل يقابله التأويل. ولا تنزيل بلا تأويل، ولا تأويل بلا تنزيل.
ومثال ذلك صوم عاشوراء. فقد كانت قريشا تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية ثم أمر الرسول بصيامه حتي نزل فرض صيام رمضان. وترك الرسول صوم عاشوراء علي الخيار (من شاء فليصمه، ومن شاء أفطر). وفي رواية أخري (يوم عاشوراء إن شاء صام).
ولا يقتصر الأمر في الصوم الاختياري علي حرية الاختيار بل أيضا يفيد التواصل مع الديانات السابقة، اليهودية مثلا. فقد كانت اليهود في شبه الجزيرة العربية تصوم يوم عاشوراء. ولما قدم النبي إلي المدينة سأل عن السبب بعد أن رأي اليهود يصومون هذا اليوم فقيل له إنه يوم صالح عندهم، يوم نجّي الله بني إسرائيل من عدوهم فرعون. فصامه موسي شكرا لله. فقال الرسول (فأنا أحق بموسي منكم). كانت اليهود تعتبر يوم عاشوراء عيدا، والمسلمون أحق به منهم (فصوموه أنتم). فالإسلام يرث شعائر اليهودية، والرسول خاتم الأنبياء. وقد صامه الرسول، وخيّر المسلمين الصيام فيه (هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه، وأنا صائم. فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر).
وصيام المسافر أيضا علي الخيار، إن شاء أفطر رخصة وإن شاء صام عزيمة. فلما سأل أحد الصحابة وكان كثير الصيام هل يصوم في السفر? قال الرسول (إن شئت فصم، وإن شئت فافطر). ولما كان الله يحب أن تؤتي رخصه كما تؤتي عزائمه فلم يحبذ الرسول في رواية أخري الصوم في السفر قائلا (ليس من البر الصوم في السفر). ومع ذلك يظل علي الخيار اختبارا لقدرة الإنسان دون أن يكلف نفسه ما لا يطاق خاصة وأن البعض يأخذ السفر ذريعة في الإفطار، والبعض الآخر يصوم في السفر فلم يعد السفر بالطائرات اليوم به مشقة السفر في الصحراء.

المفطرات
والطعام والشراب نسيانا في رمضان ليس من المفطرات. فالأعمال بالنيات والطعام والشراب نسيانا من غير عمد لا يُذهب الصيام عن نية وقصد. (إذا نسي أحدكم فأكل وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه). أما الجماع نسيانا فهو افتراض غير واقعي نظرا لما يتطلبه الجماع من وقت يتذكر فيه الإنسان أنه صائم. والجنابة عن جماع أو احتلام أثناء الليل وقبل طلوع الفجر لا تبطل الصيام بعد طلوع الفجر. فقد أخبرت عائشة وأم سلمة أن الرسول كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم كما يروي البخاري. أما قبلة الصائم فتروي عائشة أن الرسول كان يقبّل بعض أزواجه وهو صائم. وقد رُوي نفس الشيء عن أم سلمة أنها كانت والرسول يغتسلان من إناء واحد وكان يقبلها وهو صائم كما يروي البخاري أيضا.
واستعمال السواك لا يفطر. إذ يذكر عن النبي أنه استاك وهو صائم. فالسواك كما تقول عائشة مطهرة للفم، مرضاة للرب. والمضمضة لا تفطر حتي في الوضوء بالرغم من طعم الماء في الريق الجاف. المهم النية، الوضوء للصلاة أم المضمضة لإدخال بعض الماء في الريق? والحقيقة أن المفطرات هي ما يدخل في الجوف أو ما يخرج منه عمدا وقصدا. فالنية شرط العبادة. ولا توجد أقوال في ذلك من الرسول بل كلها أفعال أو إقرارات. والسنة القولية أقوي في الحكم من الفعل والإقرار. فالحجامة أي فصد الدم والقيء لا يفطران. فالمفطر ما يدخل في الفم لا ما يخرج منه وهو أصح الأقوال.
أما بالنسبة إلي النساء فإن الحائض تترك الصوم والصلاة. ولكنها تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة. ويتساءل أصحاب الرأي عن علة التفريق بين الصوم والصلاة في القضاء. ويرد أهل الأثر أن كثيرا من الآثار لا تأتي بالضرورة وفقا للرأي. ومع ذلك، فإن الصوم أندر من الصلاة. لذلك يجوز فيه القضاء. والصلاة أكثر شيوعا من الصيام لذلك لا قضاء فيها. كما أن كثرة النوافل في الصلاة قد تكون قضاء غير مباشر عن فوات صلاة الحائض. وكل ذلك اجتهادات في التعليل. وقد يكون في قضاء صلاة أسبوع الحيض مشقة علي الحائض فيما لا ذنب لها فيه.
ليس الصيام عذابا للنفس بل ترويض لها. ليس غاية في ذاته بل وسيلة لتقوية الإرادة وشحذ الهمة، والسيطرة علي الانفعالات وأهواء البشر. ويتجلي ذلك في تعجيل الفطور، وأخذ السحور، وعدم مواصلة الصيام ليلا ونهارا. تكفي ثلاثة أيام في الشهر أو صوم داود، نصف الدهر، إفطار يوم وصيام يوم. فالصيام فضيلة يعقبه فرح الإفطار. وكافأة الإرادة خير من تعذيبها، وتراكم فضيلة فوق فضيلة، فضيلة الصلاة بعد فضيلة الصوم بلا انقطاع. (لا يزال الناس بخير ما عجّلوا الفطر).
والسحور أيضا فضيلة، واستعداد للصيام التالي (تسحروا فإن في السحور بركة). وقيام الليل ليس فقط للعبادة والتهجد وذكر الله بل أيضا للطعام والشراب استعدادا لممارسة عملية ضبط الإرادة وترويض النفس في اليوم التالي.

واقعية الاسلام
وتتجلي واقعية الإسلام في تحريم مواصلة الليل بالنهار صياما دون إفطار. وغن أقصي وقت للمواصلة هو السحر (لا تواصلوا. فأيكم إذا أراد أن يواصل فليواصل حتي السحر). وإذا كان الرسول قد واصل فإن ذلك حكم خاص به نظرا للعلاقة الخاصة بينه وبين الله. فالوحي طعام وشراب روحيان. (لست كأحد منكم. غني أطعم وأسقي) وفي رواية أخري (أني لست كهيئتكم. إني أبيت لي مُطعم يطعمني وساق يسقيني). وتزيد رواية ثالثة (فاكلَفوا من العمل ما تطيقون).
وهناك حق الزوج في المعاشرة وحق الضيف في إكرامه مما يمنع مواصلة الليل بالنهار. فحين بلغ الرسول أن عبد الله بن عمرو بن العاص يصوم النهار ويقوم الليل قال (فلا تفعل. صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا. وإن بحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها فإن ذلك صيام الدهر كله). ومهما بلغ الإنسان من قوة وقدرة علي الصيام فوق ثلاثة أيام في الشهر فإن أقصي ما يستطيع صومه صوم داود، صوم يوم وإفطار يوم. (فصم صيام نبي الله داود عليه السلام ولا تزد عليه). وهو يعادل صوم ضعف الدهر. فإن استطاع القادر أن يصوم يوما ويفطر يومين، فلا صوم أكثر من صوم النبي داود.
ونظرا لأن الصوم إحساس بالآخرين، وتعاطف مع الفقراء والمحتاجين، وإحساس جماعي بترابط الأمة فإنه يجوز قضاء الصوم بين الأولياء كما قال الرسول (من مات وعليه صيام صام عنه وليه). وكما يكون الميراث بين الأقرباء يكون الصيام بينهم أيضا، أخذا بأخذ، وعطاء بعطاء. لذلك يجوز قضاء الصوم عن الأم المتوفاة بصوم ابنها قياسا علي الدين. عليه الوفاء بالدين، ودين الله أحق بالقضاء (فدين الله أحق أن يُقضي). وما يجوز من الابن للأم يجوز للأخت ومن البنت للأم. وواضح هنا أن الولاية من الابن والابنة للأم بيانا لدور الأم في الولادة والتربية وضرورة قضاء دينها عليها من الأبناء والبنات.
صحيح أن المسئولية فردية، وأن الجزاء طبقا للأعمال. ولكن في هذه الحالة يتواصل عمل الأحياء في عمل الأموات نظرا للقرابة ولصلة الرحم، مثل الترحم علي أموات المسلمين والدعوة لهم بالمغفرة وحسن العاقبة.

السنة النبوية
كانت هذه أهم موضوعات الصيام في السنة النبوية: عبادة ومغفرة، وجزاؤه الجنة وفتح أبواب السماء لدعاء الصائم. ويرتبط بالاعتكاف. في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر، ليلة نزول القرآن. كما ارتبط الصيام بتكفير الذنوب والتعويض عن الكبائر تطهيرا للنفس، والإمساك الشامل عن الرذائل والسيطرة علي النفس وضبط الأهواء وحسن الأخلاق. وهو وسيلة لمعرفة الأوقات والإحساس بالزمان في الشهر واليوم والليل وساعة الإفطار والسحور. وهو واجب ونفل، تكليف واختيار. لا يشق علي النفس في حالة النسيان. وليس تكليفا بما لا يطاق بدليل تعجيل الفطور وتفضيل السحور، وعدم مواصلة الليل بالنهار أو صوم الدهر كله. وأخيرا الصوم فضله علي من لا فضل له أو من نقصه الفضل بين الأحياء.
الصوم إذن ليس مجرد الامتناع عن الطعام والشراب بل هو تكوين نفسي وذهني، وبناء اجتماعي، وعلاقة بالعالم، وصلة بالله. هو جزء من كل، وعبادة ومعاملة. يكشف عن جوهر الإسلام الذي يمثل الدينات السابقة وأكملها وطهرها مما علق بها من صورية وشكلية.


13 - سبتمبر - 2007
رمضان كريم
رمضان فى الفقه الإسلامى (4)    كن أول من يقيّم

رمضــان في الفقه الإسلامي -
 الصوم أساس روحي في التراحم والعدالة بين الناس -
 د. حسن حنفي

صوم رمضان يبدو في كتب الفقه العديدة منذ القرن الثالث الهجري حتي الآن. كتب فيه الفقهاء من المذاهب الأربعة. ولما كانت المدرسة السلفية لابن تيمية وتلميذه ابن القيم من أهم المدارس التي جمعت بين القديم والجديد، بين الأصول والفروع، بين التمسك بالسنة وفي الوقت نفسه القيام بالنقد الاجتماعي للممارسات الخاطئة كانت بداية الإصلاح الديني الذي ينتسب إليه محمد بن عبد الوهاب والأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وعلال الفاسي وحسن البنا وغيرهم علي مدي سبعة قرون.
فإذا أخذنا (زاد المعاد) لابن القيم نموذجاً تظهر عدة موضوعات في صوم رمضان أصلها في الكتاب والسنة وفروعها في التفسير والتعليل والنقد الاجتماعي لممارسات العصر مثل: فوائد الصوم الطبية البدنية بالإضافة إلي الخلقية الروحية، والحكمة من التدرج فيه وفرضه بعد الصلاة، وتحريم الوصل وصل الليل بالنهار، وصوم الدهر، وترك البعض منه علي التخيير حتي يأتي باختيار الإنسان الحر، وهو المندوب، وكراهية التشدد في العبادات كلها، وأنواع المفطرات والأيام المستحبة والمكروهة في صيام التطوع.
فالمقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات. وامتحان قوة الإرادة، وتذكية الروح من أجل إعادة التوازن في حياة الإنسان بين مطالب البدن ومتطلبات الروح. وفي الوقت نفسه المقصود منه الإحساس والتذكرة بحال (الأكباد الجائعة من المساكين). والصيام مفيد طبيا وبدنيا وفسيولوجيا عن طريق تضييق مجاري الطعام والشراب وحبس قوي الأعضاء، وتسكين كل عضو وتهدأته. فللصوم تأثير في حفظ الجوارح الظاهرة والقوي الباطنة وحمايتها من التخليط الجالب للمواد الفاسدة مثل الراحة الواجبة للبدن كله أو للآلة التي تعمل طول الوقت أو للعامل الذي يقضي ساعات طويلة في العمل.
وهي الحكمة نفسها من صوم المعتكف. فالصوم شرط الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان بالتخلي عن فضول الطعام وما لا يحتاجه الجسم في فترة الراحة حتي لا يصاب بالتخمة. وفضول الطعام مثل فضول الكلام وفضول الجنس حتي تطهر الروح وتعكف علي ذاتها بعد أن تتحرر من قيود البدن وثقل الجسم الذي يشدها إلي الأرض فتخلد إليه. الصوم إذا نافع للبدن قبل أن يكون صالحا للروح. ويهدف إلي صحة البدن قبل أن يبغي صلاح النفس. لذلك ربط الفلاسفة بين أحوال البدن وأحوال النفس، وربطوا بين خفة البدن وشفافية الروح، وثقل البدن وانغلاق النفس. الصوم طريق للتحرر المزدوج للبدن والروح علي حد سواء.
والتدرج نهج الإسلام في فرض أي حكم علي الناس حتي يتعود الناس عليه ولا تنفر منه. فالإنسان ابن العادة، يحتاج إلي وقت وصبر كي يترك العادة السابقة، ويتمثل العادات الجديدة. تلك كانت طريقة الإسلام في تحريم الخمر تدريجيا، وفي تحرير المرأة تدريجيا، وفي تحريم العبودية تدريجيا.

تسعة رمضانات
فقد فرض الصوم في وسط الإسلام، لا في أوله ولا في آخره، في السنة الثانية بعد الهجرة. وقد صام الرسول تسعة رمضانات بعدها، بعد أن تعودت النفوس علي الشهادتين، ومارست الصلاة. فالتوحيد لا يتأجل لأنه إعلان الشهادة، ورفض عبودية الروح، وتكبّر الأمراء والأشراف واتخاذهم أربابا من دون الله، تحرير الوجدان الإنساني من الخوف من البشر، وإعلان مساواتهم جميعا أمام إله واحد، وأن الرسول خاتم الأنبياء، وأن الإسلام خاتم الرسالات. وبالتالي تكتمل غاية الوحي، إعلان استقلال العقل والإرادة. فالعقل قادر علي التمييز بين الخطأ والصواب، والإرادة قادرة علي اختيار الصواب دون الخطأ.
ثم بدأ فرض الصوم علي ثلاث درجات. الأولي علي وجه التخيير بينه وبين إطعام مسكين كل يوم. فالحكمة من الصوم الإحساس بجوع الآخرين، وأن الناس سواسية في إشباع الحاجات الأساسية، وأن علي الإنسان أن يعطي من فضله من لا فضل له. الصوم أساس التراحم الاجتماعي، وتحقيق العدل بين الناس طواعية واختيارا وعلي مستوي الأخلاق قبل أن تحققه الشريعة علي مستوي القانون. ومن أوجه التخيير الرخص لعذر أو مشقة أي أن يكون إطعام المسكين رخصة فقط للشيخ الكبير والمرأة إذا لم يستطيعا الصوم. وأعطيت الرخصة نفسها للمريض والمسافر وقضاء الصوم بعد ذلك في حالة الصحة والاستقرار. كما أعطيت للحامل والمرضع حماية للجنين في بطن الأم وللرضيع بين يديها مع القضاء بعد فترة الحمل وفترة الرضاعة. فلا يجوز تكليف بما لا يطاق. وقد رفع من الإسلام الحرج واعترف بضروريات الحياة وبواقع المجتمع والناس.
والثانية فرض الصيام علي كل فرد حتي إذا نام قبل أن يطعم حرم عليه الطعام والشراب حتي الليلة التالية.ولكن البعض اختان نفسه مثل عمر عندما عاشر زوجه بعد أن غفا وكأن القرآن أراد أن يأخذ الناس باللين أولاً ثم بالشدة ثانياً.
والثالثة الصيام أثناء النهار والإفطار ومعاشرة الأزواج أثناء الليل سواء غفا الصائم أم لم يغف. وهو الصيام المقرر حتي آخر الزمان. وهو الوسط بين اللين والشدة، تجريبا علي الواقع، وقياسا علي قدرة الناس علي التحمل. فأحكام الشرع أحكام وضعية كما يقول الشاطبي تقوم علي مصالح الناس.
صوم رمضان فرض. والصوم في غير رمضان سنــّة علي التخيير أو صيام تطوع. فالصوم ليس واجبا تكرهه النفس وتقبله عن غير رضا بل هو طلب للنفس من تلقاء نفسها ودعوة له منها بحرية وعن طبيعة.

الصوم والإفطار
فقد كان الرسول يصوم حتي ليقال انه لا يفطر، ويفطر حتي ليقال انه لا يصوم. يجمع بين الصوم والإفطار. ولم يستكمل صياما غير شهر رمضان. وكان شهر شعبان أكثر الأشهر صياما فيه. ولم يكن يمضي شهر لا يصوم فيه بضعة أيام، وقيل ثلاثة. كان يصوم الأيام البيض، وستة أيام من شوال، وفي بعض الروايات كان يصوم كل اثنين وخميس من كل أسبوع، وثلاثة أيام في أول كل شهر. واختلفت الروايات علي صوم التاسع والعاشر من ذي الحجة. ولكنه كان لا يصوم في رجب. وكان لا يسرد الصوم شهورا متتابعة كما يغفل بعض الغالية والمتطرفين في العبادة، والمزايدين علي أنفسهم وعلي الله وعلي الناس.
وتختلف الروايات حول صوم عاشوراء. فقد كانت قريش تصومه في الجاهلية تعظيما لصاحب الكعبة. ولما قدم الرسول المدينة وجد اليهود يصومونه، وهو يوم نجاة موسي وغرق فرعون فقال (نحن أحق بموسي منكم) فصامه، وأمر بصيامه، وذلك قبل فرض صوم رمضان. وبعد أن فرض صوم رمضان ترك الرسول صوم عاشوراء علي التخيير، من شاء صامه ومن شاء تركه، (هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب الله عليكم صيامه، وأنا صائم فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر). فالإسلام وريث الشرائع السابقة، شرائع نوح وإبراهيم وموسي وعيسي. أكملها وأعاد صياغها بما يتفق مع خاتم الرسالات ورقي البشر.
ومع ذلك حرص الرسول علي التمايز، تمايز المسلمين عن صوم اليهود والنصاري. فنوي في العام المقبل أن يصوم التاسع (إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا يوم التاسع). ثم توفي الرسول قبل أن يحول الحول. كانت نية الرسول التمايز عن اليهود (صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود وصوموا يوما قبله ويوما بعده). فالاتصال مع عادات العرب قبل الإسلام مثل الصوم، صوم عاشوراء، وبعض مناسك الحج، ربط للإسلام بتاريخه. وفي الوقت نفسه التمايز بينه وبين الشرائع السابقة ضروري لإثبات الجدة والنقلة الجديدة. وتلك عبقرية الإسلام في جدل التواصل و الانقطاع، الارتباط بالقديم والبداية بالجديد.


13 - سبتمبر - 2007
رمضان كريم
رحلة المعتمر 0000عبادة وشجون (15) تهمتكم 00وطنيون!!!!    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

 
 
في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ، أفقت على صوت والدي الخافت يحاول إيقاظي من نوم عميق . بعجب نهضت من الفراش و تبعاً لطلبه ارتديت ملابسي الكاملة و خرجت إلى الصالون لأن هناك من يريد التحدث إلي و إلى شقيقي الأصغر...
 
على الكنبة الموجودة في زاوية الغرفة المنيرة بضوء خافت ، رأيته ، عسكري لا يصغر بعمره عن والدي بالكثير ، يدخن سيجارة "مارلبورو" يتكلم الى أخي الجالس على الكنبة العريضة تحت شباك أحكم والدي إغلاق درفاته مما زاد من عجبي و أنا أعلم أن والدي من محبذي فتح الشبابيك في الليل ، هواء الليل يأتي بالصحة ، على حد قوله .
 
هذا "فلان" قريبي ، قال والدي يعرفني على الزائر . تبادلنا السلام ، و جلست بالقرب من أخي بانتظار توضيح عن سبب هذه الزيارة المتأخرة ، و لم يطل الإنتظار . بكلمات مقتضبة أعلمنا والدي بأننا سنسافر مع اشراقة الشمس الى (....) لبضعة أيام ، و بأن القريب الكريم سيرافقنا في السيارة إلى المطار لتأمين وصولنا بدون عراقيل . و اختتم والدي بأن قريبه قد وضع نفسه في موقف حرج لمساعدتنا على مغادرة الوطن ، و بأننا سنعود عندما تهدأ الأحوال و لذلك لا داعي للنقاش في القرار الذي اتخذه . بذلك أخرس سلسلة التساؤلات الغاضبة و الرافضة التي بدأت تنساب من فمي .
 
بهدوء مثير أطفأ الزائر سيجارته ، تنحنح ، و بصوت يشوبه الحنان و الحزم قال أن أسماءنا كناشطين وطنيين قد وُضعت على لائحة (.........) و قد نتعرض "لمشاكل" ما ، و أنه بحكم القرابة ، و بحكم معرفته بأن مبادئنا هي فوق الشبهات ، قرر أن يجنبنا التعرض لأي ظلم قد نواجهه . نظرت الى أخي . في عينيه قرأت أفكاري الرافضة لمغادرة البلد و السفر الى الخارج . عندما نظرت الى والدي رأيت وجهه الكريم يعتصره الخوف و القلق عما قد يحصل لو اننا رفضنا السفر و قررنا البقاء . سألت : اسبوعيـن فقـط ونعـود ?? طبعاً ، طبعاً أجاب والدي ، اسبوعين فقط ، و من الممكن جداً أقل من ذلك ..
 
سكن الألم دقات قلبي و أنا أسمع التعب والأسى في صوته .
 
بتثاقل ، نهضت و أخي لتحضير حقائب السفر ، و شاشة من الدموع تغلف عينيّ ...
كان أخي في التاسعة عشر من العمر و كنت في الواحد و العشرين ....و في أواخر شباط 1976 ...
 
        إبتـــــدأ المشــــــوار
                                         وإلى اللقاء فى رسالة أخرى0
                                                                 سلوى

13 - سبتمبر - 2007
رحلة المعتمر 0000عبادة وشجون
رحلة المعتمر 0000عبادة وشجون (16) وجع البعاد    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

 
 
حقيبتان صغيرتان تحتويان من الثياب ما يكفي لإسبوعين ، جوازات سفر في الجيبة الصدرية من جاكتة الوالد ، الزائر القريب، شقيقي ، أنا و صوت فيروز يأتينا دافئاً من راديو التاكسي . توقفنا على أول حاجز للـ........ ، و همس والدي : "إخلعي نظارتك و اربطي شعرك و لا تتكلمي". في القسم الشمالي من وطني ، كنت أُعْرَف بشعري الخرنوبي ، الطويل والمسدول ... و نظارتي الطبية بزجاجها العاتم و إطارها الدقيق و الغير تقليدي.
 
لم أكن أحس بالخوف الذي اعترى والدي ، ربما لأنني لم أكن أعرف مشاعر الآبوة و الأمومة – آنذاك - و مدى الهلع الذي يُشْعِل كيان الأهل خوفاً من تعرض أولادهم للخطر.. بالتالي رفضت ... و لم يُصِّر...
 
بعد ثلاثة ساعات و ستة حواجز وصلنا الى المطار ( الذي فقد إسمه و هويته "لاحقاً" بشحطة قلم يُخَـلِـّدُ عظمة التسلط (
 
كان يعج بالعساكر مما جعله أشبه بالثكنة منه بالمطار . كما حصل على الحواجز ، تكلم قريب والدي مع مسؤول الوحدة العسكرية و طُبِعت تأشيرة الخروج. حضن والدي قريبه الذي تمنى لنا السلامة و العودة السريعة !!!!
 
في الجو ، على متن الطائرة الصغيرة ، توقف والدي عن الدعاء و الصلاة و تنفس الصعداء .
 
في الجو ، على متن الطائرة الصغيرة ، تنبهت الى غرابة الموقف ... خلال عشرة ساعات من زيارة القريب ، أصبحـتُ مغتربـة ، لاجئـة ، بـلا وطـن .
 
الأهل .. الأصدقاء .. الرفاق.. الحارة ، تركتهم بلا كلمة وداع ... كتبي ، دفاتر أشعاري ، مذكراتي بقيت نائمة على رفوف مكتبتي ...

تركنا بيتنا في السادسة صباحاً ... و آخر شيء رأيته كان وجه أمي المبلل بالدموع ، و كلماتها المطمئنة : "سأراكم بعد أسبوعين" ...
 
هـي أيضـاً صَدَّقَـْت بأننـا عائـدون.!!!!!!!!
 
سلامى للجميع
 
وإلى اللقاء 
سلوى
 

13 - سبتمبر - 2007
رحلة المعتمر 0000عبادة وشجون
ترجمتان 000لقصيدة أحاسيس لرامبو 00فهل هناك ترجمة ثالثة??    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

       
                                  إحساس 
                               للشاعر /رامبو0
                            ترجمة : نضال نجار

في زرقة أمسيات الصيف ؛

وعبر الدروب الوعرة،
 
سأمضي مستسلماً لحفيف السنابل..

أطأ العشب الندي:

وحالماً سأشعر بالرطوبة في أقدامي
 
سأترك الريح تغمر رأسي العاري،
 
لن أتحدث ولن أفكِّر:
 
إنما سيرتقي الحب المطلق في روحي

وأرحل ـ في الطبيعة ـ بعيداً مثل بوهيمي

سعيد وكأنني مع امرأة ..
************************************
 
أحاسيس


ستجذبنى ليالى الصيف الزرقاء

لأذهب إلى المقابر

تدغدغنى سنابل القمح

ألهو بالعشب الناعم
 
 حالما سأحس بالإنتعاش  تحت قدمى
 
سأترك الريح تغمر رأسى العارى


لن أتكلم - لن أفكر بالمرة
لكن الحب اللامنتهى سيصعد بروحى
سأمضى بعيداً بعيداً للغابة
كالبوهيمى مع الطبيعة
سأكون سعيداً كأنى مع  إمرأة

حاولت ترجمة قصيد ة
sensation

ARTHUR    RIMBAUD

محاولاً الإلتزام بالنص الفرنسى
لعلها تنال بعض الإهتمام
عبدالرؤوف النويهى
 

13 - سبتمبر - 2007
من روائع الشعر العالمى
شاتوبريان000والنبش فى الذاكرة0    كن أول من يقيّم

إستوقفنى طويلاً وطويلاً جداً ما كتبته الأستاذة /ضياء عن الروائى الفرنسى فرنسوادى شاتوبريان000وكنت سابقاً ،وقبل ربع قرن من الزمن ،قد قرأت له رواية الناتشز،والتى يقول عنها(كنت لا أزال فتيا غض الإهاب يوم فكرت فى أن أضع ملحمة عن رجل الطبيعة أو أرسم صورة لأخلاق المتوحشين،على أن أصلها بحادث من الحوادث المعروفة ،وبعد اكتشاف أمريكا لم أجد موضوعا أكثر إثارة لاهتمام القراء ولاسيما الفرنسيين ،من مذبحة مستعمرة الناتشز _تلك التى وقعت فى لويزيانا سنة 1727م،فإن إجماع القبائل الهندية على التآمر _بعد قرنين من كبت وعسف_لكى يعيدوا الحرية إلى العالم الجديد،بدا لى موضوعا يقابل بالارتياح ما قوبل به موضوع فتح المكسيك،فبدأت أخط على الورق بعض عناصر هذا الكتاب)0
 
لقد أعادتنى الأستاذة /ضياء إلى النبش فى الذاكرة والبحث فى المكتبة عن هذا الكتاب الذى يصفه مؤلفه(إن وصف أمريكا المتوحشة يستدعى بالطبع رسم صورة لأمريكا المتحضرة ،لكن رسم مثل هذه اللوحة يبدو فى غير محله،فى مقدمة كتاب هو من نسج الخيال 0وفى الكتاب المتضمن ذكريات أسفارى إلى أمريكا سأبين _بعد أن أصف القفار _ما صار إليه العالم الجديد وما يمكن أن ينتظره من المستقبل ،00) 
 
  
 

14 - سبتمبر - 2007
أحاديث الوطن والزمن المتحول
المتنبى 000ملأ الدنيا وشغل الناس0    كن أول من يقيّم

 
 
 
                    المتنبى بين طه حسين ومحمود شاكر
 
 
شكرأ للأستاذ الكريم /خالد العطاف ،على كلمته الرقيقة العذبة وكل عام وجميعنا بخير
 
لكن المتنبى بين طه حسين ومحمود شاكر ،كان صراعاً متأججاً لم يهدأ أواره حتى اللحظة0ورغم حدة التناول وقسوة النقد من محمود شاكر للدكتور طه حسين ،فقد كانت الثمار لهذه المعركة على أرقى مستوى ،هذه الدراسة الفذة عن المتنبى ،وقامت دار الهلال المصرية فى سنوات سابقة بنشر مقدمته تحت عنوان الطريق إلى ثقافتنا،فى سلسلة كتاب الهلال الشهرى، إن لم تخنى الذاكرة الخؤون   0
 
ما المانع _أستاذنا العطاف_ من تقديم أجزاء من هذا الكتاب العمدة على صفحات جامعةالوراق??
 
بل أسوق رجاءاً حاراً أن تضمه جامعة  الوراق إلى مراجعها القيمة والنادرة0
 
 

14 - سبتمبر - 2007
يوميات دير العاقول
شاتوبريان000وأخلاق أكثر شعوب الأرض حضارة (2)    كن أول من يقيّم

               شاتوبريان 000وكتابه الناتشز0
 
فعلاً وكما تؤكد الأستاذة /ضياء ،فإن شاتوبريان ظن نفسه أحد الرحالة العظام بل كان يقول ( أنه لامفر من أن أزور الشعوب التى أعتزم تصويرها إذا كنت أريد أن أرسم منها صورة صادقة أمينة ، مقتدياً فى ذلك بمثل هوميروس)0
 
ويستطرد أنه فى سنة 1789م قد أفضى إلى السيد"ماليزرب(محام نابغة استوزره الملك لويس السادس عشر،وقد أعدمته الثورة الفرنسية )بعزمه على ارتياد ربوع أمريكا ، بل يقول أنه عقد النية على الإستفادة من هذه الرحلة من اكتشاف وبطريق البر الممر القطبى الى طالما بحث عنه رواد البحار والذى قدر المكتشف كوك إمكان وجوده ،ونحقق عزمه وتمت الموافقة على طلبه فسافر ورأى الغرلات الأمريكية ، وعاد من سفره واضعاً خططه00 العودة مرة ثانية فى رحلة تستغرق تسع سنين يعتزم فيها اجتياز القارة الشمالية كلها 000
 
وفى هذه الأثناء شبت الثورة الفرنسية التى قضت على كل مشروعات شاتوبريان الاكتشافية فراح يهيم فى بلاد الغربة ، بعد ما شاهد مصرع أخيه الوحيد وأخته ووالدهما الشيخ الجليل وموت والدته وشقيقةأخرى تحظى بمواهب عدة ، قد تعجلهم الموت من جراء ما قاستاه من شقاء وعذاب فى ظلمات السجون0
 
ويصف كتابه الناتشز بقوله(وهكذا فن القارىء يجد فى الجزء الأول من التاشز كل عجيب مدهش 00فى كل نوع ومن كل جنس؛فالمسيحى المدهش وسرد الأساطير المدهش والهندى العجيب ،كمايلتقى بآلهة الوح وعرائس الشعر والفنون وبالملائكة والشياطين والعباقرة والمعارك ويلم بالأشخاص الرمزية كمثل الشهرة والوقت والليل والنهار والموت والصداقة ،كما يستعرض من هذا الجزء مناشدة الأرواح وذبائح الهنود والأعاجيب 0ويتضمن التشبيهات الكثيرة والموازنات العديدة ،من قصيرة موجزة وطويلة مسهبة،فتكون صوراًً قلمية ولوحات صغيرة ،على طريقة هوميروس0
وفى الجزء الثانى  يختفى العجيب المدهش ،ولكن حبكة الرواية تزداد تعقداًوتتكاثر أشخاصها،وبعضها مأخوذ من طبقات الشعب الدنيا ،وهكذا فإن الرواية تحل محل القصيدة ،دون أن ينحط الأسلوب ،عن مستوى روايتى رنيه وأتالا، بل إن الانشاء قد يعلو أحياناً إلى درجة إ نشاء الملاحم وفقاً لطبيعة الموضوع ،أو طابع الأشخاص أو وصف الأماكن 0
ويتضمن الجزء الأول تتمة حديث شكتاس وفره إلى باريس 0والغرض الذى نوخيته من الحديث إظهار التناقض بين أخلاق الشعوب التى تعتمد فى معيشتها على صيدالطيور والأسماك والحيوان ورعى السائمة ،وبين أخلاق أكثر شعوب الأرض حضارة وفى هذا،وفى وقت واحد،نقد لعصر لويس الربع عشر وثناء عليه،ومناظرة بين حال الحضارة وحال الطبيعة ،سنرى من يكون الحكم فى هذه القضية ???)
 
نلاحظ فيما يقوله شاتوبريان 00نزعة التعصب الأعمى لحضارة الرجل الأبيض، (أكثر شعوب الأرض حضارةً) وماعداهم شعوب همجية !!!!!!
 
بل نلاحظ أن شاتوبريان00 لايتذكر سوى هوميروس أبو الملاحم (الإلياذة والأوديسا )ويسير على نهجه ويحتذى خطاه00
 
سأحاول وفى أقرب فرصة استعراض هذا الكتاب الضخم وتقديم مقتطفات منه والتعليق عليه00
 
 

14 - سبتمبر - 2007
أحاديث الوطن والزمن المتحول
رحلة العتمر 000عبادة وشجون (17) جنة الورد0    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

                جنة الورد  أو كـلستان-GOLESTAN
 
 
السعدى الشيرازى  صاحب البستان وجنة الورد ،هذان الكتابان الرائعان ذائعا الصيت فى العالم أجمع ،ويعدان من عيون التراث الأدبى العالمى  الذى تعانقت فيه الثقافتان الفارسية والعربية منذ الفتح الإسلامى ،كان الحصاد هذا الأدب الراقى الذى هو غذاء الروح والعقل والقلب0
 
السعدى الشبرازى 000أبدع أيما إبداعٍ فيما سطرته يراعه من ذكاء العقل وطهارة الروح وعمق التجربة وعبقرية الحكمة ،فقد صب فى هذين الكتابين خلاصة تجربته ورحلاته فى بلاد الله والبحث فى أعماق خلق الله عن الحق والعدل والخير ،فالتأمل والملاحظة الدقيقة والترقب واستكناه ما يدور بالنفوس واستقراء ما تنطق به العيون وترجمة ما تهمس به الشفاه،تم تسجيله ممن خبر الحياة سبعين عاماً رحالاً وزاهداً ومتصوفاً،فكان جمعاً بين دقة الرحالة وإشراقات المتصوف00
 
قرأت هذا الكتاب جنة الورد مراراً وتكراراً،بل حرصتُ على الغوص فى هذا العالم الروحانى وشددت الرحال إلى مثنوى  جلال الدين الرومى ،هذا الكتاب الضخم الذى تصدت لنشره أخيراً المجلس الأعلى للثقافة بمصر فى ستة أجزاء ضخمة ،ومنطق الطير وحلية الأولياء لفريد الدين العطار وبقدر المعاناة فى تفهم خبايا هذا العالم ،إلا أننى كنت معجباً بالسعدى الشيرازى ،أشعر بذكاء عقله وصدق تجربته وروعة منطقه وحبه الجم للبشر 0
 
 ومن حكايته الكثيرة أقدم حكاية ( الملك والأسير )
 
سمعت أن ملكاً أشار بقتل أسير برىء،فأخذ المسكين _فى حالة اليأس _يسب الملك بلغته التى كان يتكلمها ويرميه بسقط القول ،فقد قال الحكماء :كل من يغسل يده من الحياة ،يقول كل ما فى قلبه0
                                       بيت
  وقت الضرورة ،حينما لايبقى مهرب،تمسك اليد بطرف السيف الحاد0
                                   شعر (ع)
( إذا يأس الإنسان طال لسانه ***كسنور مغلوب يصول على كلب)
 
                                  *****
فسأل الملك: ماذا يقول ??فقال أحد الوزراء الطيبى المحضر:
إنه يقول :(والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ) فأخذت الملك الرحمة وتجاوز عن سفك دمه0
فقال الوزير الآخر الذى كان ضده: لايليق بأبناء جنسنا الكلام فى حضرة الملوك بغير الصدق،إن هذا الوقح سب الملك وقال مالايليق،فقطب الملك وجهه،من هذا الكلام وقال:إن كذبه جاء أرضى لى من هذا الصدق الذى قلته،فقد كان لذاك الكذب وجهة فى مصلحة ،وكان بناء هذا الصدق على خبث،وقد قال العقلاء :الكذب المحقق لمصلحة خير من الصدق المثير للفتنة 0
 
                        بيت
كل من يعمل الملك مايقوله ،مؤسف أن يقول غير الحسن
 
                       *********
هذه القطعة كانت مكتوبة على طاق إيوان فريدون :-
إن الدنيا ياأخى لاتبقى لأحد ،فاربط قلبك بخالق الكون وكفى ،لاتعتمد على ملك الدنيا ولاتركن ،فقد ربت كثيراً مثلك وقتلت0
عندما تعزم الروح الطاهرة على الرحيل ،فسواء الموت على التخت أو فوق التراب0
 

15 - سبتمبر - 2007
رحلة المعتمر 0000عبادة وشجون
 71  72  73  74  75