 | تعليقات | تاريخ النشر | مواضيع |  | باحث مسلم يكتشف 8 آلاف عالمة حديث كن أول من يقيّم
| باحث مسلم يكتشف 8 آلاف عالمة بالحديث النبوي وكالات وضع محمد أكرم ندوي الباحث المسلم في مركز "أوكسفورد" للدراسات الإسلامية في بريطانيا قاموسا بيوغرافيا للمحدِّثات المسلمات جاء في 40 مجلدا. ويرى الباحث أنه كان يعتقد حين بدأ إعداد بحث عن عالمات الحديث النبوي الشريف في العالم الإسلامي، أنه لن يهتدي إلى أثر أكثر من 20 أو 30 منهن. بيد أن رحلة البحث قادته إلى اكتشاف 8 آلاف محدِّثة. وبدلاً من كتاب واحد يحوي سِيَرَهُنَّ، وجد أن قاموسه البيوغرافي للمحدِّثات المسلمات استغرق 40 مجلداً. بدأ ندوي (43 عاماً) بحثه قبل ثماني سنوات، بالعكوف على تأليف قاموس للسير الذاتية للعالمات بالحديث النبوي الشريف. وقاده الغوصُ والتنقيب في معاجم العلماء والكتب التاريخية ووثائق الكتاتيب ورسائل شيوخها وفقهائها، إلى فقيهة ولدت في بغداد في القرن العاشر جالت على سورية ومصر لتعليم النساء. وأفضى به بحثه إلى محدِّثة مصرية في القرن الثاني عشر، أذهلت طلبتها من الرجال بحفظها نصوصاً تعادل حِمْل جمل! وعثر أيضاً على سيرة محدثة برعت في تدريس علم الحديث في المدينة المنورة في القرن الخامس عشر، بل اهتدى إلى عالمة في المدينة المنورة بلغت مرتبة الفقيهة في القرن السابع، وكانت تفتي في شؤون الحج والتجارة.
ويطوف معجم المحدّثات الذي ألفه ندوي على عالمة عاشت في مدينة حلب السورية في العصور الوسطى، لم تكن بارعة في الإفتاء فحسب، بل كانت تقدم المشورة لزوجها الأكثر شهرة منها في كيفية إصدار فتاواه. ووصفت صحيفة أميركية المعجم بأنه مذهل، وذلك بعدما أشارت إلى أن الإسلام عرف تعليم النساء منذ نشأته، خصوصاً الأحاديث النبوية التي روتها أم المؤمنين السيدة عائشة، وتقديرات المستشرق جولدتسيهر أن نحو 15 في المائة من علماء الحديث النبوي المسلمين في العصور الوسطى كنَّ من النساء. وتشير الصحيفة إلى العالمة السورية أم الدرداء التي نبغت في تدريس علوم الحديث في دمشق خلال القرن السابع، وكان خليفة الدولة الأموية من بين طلبتها. ويقول ندوي إنه يأمل بأن يقود صدور معجمه إلى إحياء سنة تعليم البنات شؤون دينهن. ويضيف أن النساء العالمات اللاتي درّسن الرجال هن جزء من تاريخنا. عن موقع: alislah.org |
| | | | 1 - مايو - 2007 | منع النسوان من الكتابة |  | تُكأةُ الاشكال كن أول من يقيّم
وهذه يدي ممدودةٌ بالدعاء, ولساني لاهجٌ بالتأمين, فاللهم استجب. وبعد: فلقد أُثبت بعضاً مما استنزفتَ فيه البحثَ من شأن المنافقين, وإن كان ليس أصلَ المفاوضة ابتداء, على أن ضُعف المثال المضروب ليس دليلاً على سقوطِ المبدأ, فتأمل. لكن يبقى عليكَ فيه أمرُ ذي الخويصرة من جهةِ استدلالي بالمفهوم من المنطوق, وجهة تعليلك لإمسكاك النبي عليه السلام عن قتله ومَنعِ عُمرَ من ذلك فإنه يكادُ يكونُ رجماً بالغيب, وقولاً بالحَدْس, ولي في هذا المقام كلامٌ ليس هذا موضعُ بسطه. ولأشُدن الحبلَ هذه المرة حتى يستويَ البحثُ كما ينبغي على أصله, وأرد المُنتَشِرَ من هذا الشَعاع إلى فصله, فإن الكلام إذا حُرك تشعب, وعنانُ الأفكار إذا أُرخي أخَذَ في كل مذهب, فها أنا ألُم شعثَ المتفرق, وأوجه النَظرَ إلى القصد الواحد, حتى نَلزمَ طريقاً واضحاً, ومَهْيَعاً معروفاً. فأقول: إذا ثبتَ عندي وعندك- أن الشارعَ قد قصد بالتشريع إقامةَ المصالح الأخروية والدنيوية, ورَتب ذلك على وجهٍ لا يختل لها به نظام, لا بحسب الكليات ولا بحسب الجزئيات- وسواء في ذلك ما كان من قبيل الضروريات التي يتعلق بها حفظ الضروريات الخمسة -سواء من جهة الوجود كالعبادات أو العدم كالجنايات-, أو من قبيل الحاجيات كالمعاملات أو من قبيل التحسينيات وتجمعها مكارم الأخلاق- فإنها إذا طرأ عليها من غيرها ما يختل به نظامُها, ويتبهرجُ في المجتمع أصلُ وضعِها, لم يكن التشريعُ موضوعاً لها, إذ ليس كونها مصالح إذ ذاك بأولى من كونها مفاسد, لكن الشارعَ قصدَ بها أن تكونَ مصالحَ على الإطلاق, فلا بد في تحقق القصد: أن يكون وضعها على النصاب الأول. على أنني أقرر هنا أنه لا يلزم من اختلالِ بعض الضروريات أو ابطال العمل بها, اختلال الحاجيات أو التحسينيات أو ابطالها, لكنها تتأثر ولا ريب لِعِلة التشابك. وهذا التشابك بين هذه الأمور الثلاثة إنما يدل في حقيقته على كمال النظام في التشريع وتناسقه وتلاحم أجزائه, حتى كأن بعضَها يأخذُ بحُجَزِ بعض, فإذا مس الخللُ بعضَها تَطَرق إلى كل جزئياتها. كما أن هذه الشريعةَ المنزهةَ ليست تكاليفُها وأحكامُها موضوعةً كيفما اتفق, لمجرد ادخالِ الناسِ تحت السلطةِ الدينية, بل وضعت لتحقيقِ مقاصدِ الشارع في قيام مصالحهم في الدين والدنيا, وروعي في كل حكمٍ منها حفظُ: النفس, والدين, والعقل, والنسل, والمال, والتي هي أساس العمران الانساني المرعية في كل الأمم. فإذا كان ذلك, فلا يكفي النظر إلى خطاب الشارع دون الإحاطة بالواقع الذي هو موضوعه, ولا تنفع تلك الإحاطة دون تلمح الكليات المقصودة, والمقاصد المطلوبة, التي هي روح التشريع. فإذا صح هذا عُجْنا على غايتنا الأولى من هذا الكلام وهي مَنعُ العمل ببعض الأحكام القرآنية لهذا العصر, وضربنا لذلك مثالاً من الضروريات يتعلق بالجنايات- التي تحفظ المصالح من جهة العدم أي ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها- وأزيد المثال بياناً إلى بيان: كيف يقام حد السرقة على رجل سَرَق ما ربا عن ثمن المجن- وثمن المِجَن لعهد النبوة ربعُ دينارٍ فصاعداً- أو على مذهب من قال تقطع في القليل والكثير من الظاهرية- كيف يحد هذا السارقُ في مجتمعاتنا الاسلامية والنظام فيها رأسمالي مُذْهَبُ البركة مُسْحَتُ النماء, والربا من قوانينها الثابتة, والمعمول بها ضرورة, وهذا عين السرقة والاحتيال على الناس, وأكل أموالهم باطلاً وإغلالاً. كما لن يؤتي التشريعُ ثمارَه الناضجةَ اليانعة, وغَلتَه المرجُوة النافِعة, بين يدي نظامٍ سياسي مبني على المبدأ الطبقي المتشبه بإحدى الأمم في مقالته: إنا كنا إذا سرق منا الشريف تركناه, وإذا سرق الوضيع قطعنا يده, ولك في بعض البلاد العربية مثالٌ وعبرة, فأَعْمِل الفكرة. فإذا نحن ذهبنا نقيمُ الحدودَ ألبسناها لَبْسَةَ الحرج والعَنَت, وأصل أمرها الرفق والسماح, قال الحق: (وما جعل عليكم في الدين من حرج), ووصفناها بضد ما يستحسن منها لو حلت في محلها, وصدرت عن وردها, فصار هذا الواجب الضروري غير صافٍ في النظر الذي وضعت عليه الشريعة. الخصوصية الزمانية والذاتية: أما اعتراضك عن التسوية بين الخصوصية الزمانية والذاتية, فلا وجه له لأن الزمان فصول انطوت على أحداث ووقائع فهو بهذا الاعتبار في الحقيقة حمل لعلل الوقائع السابقة( قضية عمر والسارق مثلا) على علل الوقائع الحادثة( كالسرقة لهذا العهد مثلا) مع اختلاف في الذاتية كما سبق. وأنت كما ترى توَجَه رَدكَ على مثالِ التعدد لا على المبدأ نفسه, فاستغرقتَ سطوراً طويلةً دون نقضه, وبقي الاشكال الذي تزعمُ رفعَه قاعداً, بل متكئاً على أريكته, لأن الأمثلة غير متناهية, فأهْوَنُ عليك أن تُبَهرِج المبدأَ ابتداء, فتكفي نفسك مؤنة ما يتعلق به, لكن هيهات فالعلة العقلية فيه ساطعة, وليتك تفعل فتكون قد استنقذتَ أخاكَ من الحيرة, والاضطراب الذي لا مساك له. على أن معظم الذين يُعددون من البؤساء والفقراء أهل العَوَز والعَجْز, والأقلية أهل السَعَة والطراوة والغضاضة, والغالب الأكثري معتبرٌ في الشريعة اعتبارَ العام القطعي, لأن المغلوبَ الأقلي لا ينتظم منه كُليٌ يعارضُ هذا الكلي المتعاظم. ما سميتَه ضابطَ البعضية: وهذا له حظٌ من التفصيل بعد الاقرار بالمبدأ,إذ أنه يخضعُ لنَقدِ أهل النظر الصحيح والفقه بأصول التشريع, وأمور الاجتماع, فليس الأمر فيه موكولاً للأهواء تَنتهِبُه انتهاباً, ولا إلى المنازع الشخصية أو العقول الخاوية تَتَخَلى له فتديرُه على نمطٍ من الفوضى. على أن عُظْمَ ما جَلَبتَه من الأمثلةِ ليسَ من باب التشريع الذي نحن بصدد منه, وإنما يدخل في باب الأحكام الفقهية التي يتعلق بها الوجدان العام, والاختيار المذهبي الذي يختص بالأفراد, ولا يرقى لأن يدون في القانون الجنائي وغير الجنائي, كجَلْدِ عُمَيرة, وحلق اللحية, وأين هذا مما نحن فيه. وإنه لمجدرةٌ أن أشير إلى أن هذا المنع نفسه ليس شيئاً إلا خطاب الشرع -اجتهاداً ممن قرره طبعاً من أهل العلم- إذ أن الشريعة تراعي المصالح فهي حين تمنع على لسان الفقيه بالاجتهاد تطيبق حكمٍ شرعي للمفاسد المترتبة على اِعمالِه, فإنها في الحقيقة تعملُ عملَها المنوطَ بها في تلك الحالة سواء إيجاباً للحكم, أو سلباً له, إذ أنها مُراعى فيها مجرى العوائد المستمرة, فهي مادة المرونة والسلاسة, لا الجمود والصلابة. وليس علينا: ومبدأ (وليس علينا) هذا: هو جرثومة التقليد والخمول, ومبعث الاخلاد والركون, وكيف تستمرئه النفسُ وما أحمضَه, وعلى أي كاهلٍ تحملُه وما أثقلَه, وبأي مأخذٍ مِن الفكر تستجيدُه وما أبردَه, فليس على الضَعَفَة أملسُ منه ملمساً, ولا على الخامدين ألينُ جِلداً, لأنه مادةُ :متنٍ وشرحٍ وحاشيةٍ ثم ليس بعده إلا متن وشرح وحاشية. | 4 - مايو - 2007 | فلسفة القصاص |  | المخطوطة     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
أشكرُ لشاعرنا أدام الله أيامه شحذَه همتي لنشر هذه المقامة الأنيقة للأديب محمد وهبي التميمي, وإني لأُقدر فيه هذه الروح الأدبية. وهذه المقامةُ من دُرر الخزانة الأزهرية الشريفة, وكنت قد احتفظتُ لنفسي بنسخةٍ لها من موقع خزانة مخطوطات الأزهر الذي أنشأه السيد محمد بن راشد آل مكتوم, وهي من إحدى عشرةَ ورقة, وسأقتطع لها من وقتي سويعةً كل يومٍ لتحقيقها تلبية لطلبكم الكريم, ولعلي أجد في مطاوي المخطوطة ما يقيم في الذهن صورة عامة عن هذا الأديب, وينسخ غبشاً بِوَضَح. كما أثني على أخي الأستاذ الأفضل فارس أرغن أمتع الله به على ما أمدني به, ولعله يكون مِفتحاً مباركاً تنثالُ علينا المعلومات بعده انثيالاً. وهذه صورة من الورقة الثانية من المخطوطة: | 6 - مايو - 2007 | البحث عن الأديب محمد وهبي التميمي |  | هل يصح حنفية أيضاً? كن أول من يقيّم
لله أنتَ يا أيها العزيزُ: أصدُقُكَ القولَ: إن هذا اللغزَ بعينه شغَلَ فكري قبل يومين أو يزيد,فوعيتُ اللغز بلفظه, وجعلت أردده في الطريق, لكنني هَجَس في نفسي اسمٌ آخر قريب من حنيفة هو حَنَفِية ( بفتح المهملة والنون وكسر الفاء وتشديد الياء) وهو اسمٌ معروفٌ عندَ أهل المحروسة, فما رأيك سيدي أبا الفداء?. | 6 - مايو - 2007 | البحث عن الأديب محمد وهبي التميمي |  | والأصل واحد.. كن أول من يقيّم
شُكراً لك أستاذنا عبدَ الحفيظ ولكِ لَلا ندى على الهدية, أما التفضيل بينهما فإنني أميل إلى ما أنتجته قريحة للا نَدَى حفظها الله, على أنني في حقيقة الأمر إنما أفاضل بين ذوقين أصلهما واحد , فليست ندى إلا قطعة من أبيها, مُتَلمحاً قول الشاعر: إنما أولادنا بيننا أكبادنا تمشي على الأرض | 7 - مايو - 2007 | فلسفة القصاص |  | نزول عيسى عليه السلام مراراً??     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
جاء في (الروض الأُنُف) لدفين مراكش الإمام العَلَم أبي القاسمِ السهيلي طيبَ الله ثراه ما نصه: أسطورة نزول عيسى قبل بعثة النبي فصل: وذكر عن داود بن الحصين قال: حدثني من لا أتهم عن عمر بن عبد العزيز قال: قال سلمان للنبي صلى الله عليه وسلم وذكر خبر الرجل الذي كان يخرج مستجيزاً من غيضة إلى غيضة، ويلقاه الناس بمرضاهم، فلا يدعو لمريض إلا شفي، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن كنت صدقتني يا سلمان، فقد رأيت عيسى ابن مريم. إسناد هذا الحديث مقطوع، وفيه رجل مجهول، ويقال: إن ذلك الرجل هو الحسن بن عمارة، وهو ضعيف بإجماع منهم، فإن صح الحديث، فلا نكارة في متنه، فقد ذكر الطبري أن المسيح عليه السلام نزل بعدما رفع، وأمه وامرأة أخرى عند الجذع الذي فيه الصليب يتكئان، فكلمهما، وأخبرهما أنه لم يقتل، وأن الله رفعه وأرسل إلى الحواريين، ووجههم إلى البلاد، وإذا جاز أن ينزل مرة جاز أن ينزل مراراً، ولكن لا يعلم أنه هو حتى ينزل النزول الظاهر فيكسر الصليب ويقتل الخنزير كما جاء في الصحيح والله أعلم، ويُروى أنه إذا نزل تزوج امرأة من جذام، ويدفن إذا مات في الروضة التي فيها النبي عليه السلام.
| 7 - مايو - 2007 | نوادر الأقوال وغرائب الأحوال |  | بمناسبة أسبوع شوقي(1) كن أول من يقيّم خَص شاعرُنا الأستاذ زهير أدام اللهُ أيامَه هذا الأسبوعَ لأمير الشعراءِ أحمدَ شوقي سقا اللهُ ثراهُ, ونشَرَ في هذا الملف كما رأينا بدائع البيعات لكبار الشعراء والأدباء, حتى صار رسالة ماتعة في بيعات فحول الشعراء لأميرهم, فجزاه الله عن الأدب خيرا. وشوقي عبقري الأمة العربية بحق, ونقريس الشعر بلا مدافع, ولا أحسبه خُلق إلا ليكونَ الكلمةََ الشاعرةََ الدائرةَ على ألسنةِ الأفرادِ, فقد جُمعت له القلوبُ من أقطارها, وسيقتْ إليه الحظوظُ بأزمتها, وجُبلت على تصويبِ إرادته الأهواءُ على اختلافها, فبايعه فحولُ الشعراءِ, وجهابذةُ الكتابِ والأدباءِ, والتَحَم بالملوكِ والسَوَقة نظمُه, واتصلتْ بالأذهان معانيه, وخفت على الألسن قوافيه, وهشت إليه الأسماع, وارتاحت له القلوب, فعظُم في العرَب والعَجَم خطرُه, وشاعَ في الآفاق ذكرُه, فلا يكاد يرمي شدقُه بصدر بيته حتى يقعدَ عجزه على أرائك العقول, ويجتال المجالس والصدور, ويصير مادةً للمدارس, ورياضة للمتعلم والمُتمَرس. هذا مقالٌ للأستاذِ الأديبِ الضليع محبِ الدين الخطيبِ عن شوقي وشوقياته, ونفَثات نبوغه في أبياته, نشرها في الجزء الخامس من مجموعته الأدبية الزاخرة (الحَديقة) بمناسبة أسبوع شوقي أيضاً لسنة 1349 للهجرة الشريفة. وهو كلام طويل الذيل في شعرنا وشاعرنا, سأوالي نشره حَلْقة بعد حَلْقة خلال أيام هذا الأسبوع. وهي حلقاتٌ تَضُم ثمانيةَ فصولٍ: الأدبُ الناعس- الشعرُ والشاعرُ في المثل الأعلى- أولُ عهدي بالشوقيات- شوقي وشوقياتُه-ترجمةُ الشعر-هل الفَن للفن, أم للفضيلةِ والخير?-الاصلاح الذي نحتاج إليه. شعرنا وشاعرنا بمناسبة أسبوع شوقي الأدب الناعس ما برحَ الأدبُ العربي يسير في طريقه ناعساً, والشعر في نظر قرائنا بمنزلة الكماليات, حتى اصطدم بجَيئة (تاغور) إلى مصر, فكان الأدبُ والشعرُ حديثَ الناس, وكانت الموازنة بين آثار هذا الشاعر البنغالي, وبين شعرنا العصري باعثة على التفكير فيما بلغ إليه شعرنا وما يحتاج إليه من اصلاح ثم جاء أسبوع شوقي بعد زيارة تاغور, فاتسع الوقت للكلام على الشعر والشاعر بما لم يسبق له مثيل منذ عهد طويل. نعم, إن الفرصة أتيحت لأدبائنا وكبار كتابنا أن يقفوا من حياتنا الأدبية موقف الجِد, فيطيلوا النظر فيها بتُؤَدةٍ وتدبر وإنصاف, ويفكروا في المرحلة التي قطعها الأدب العربي في هذا العصر, والوقت الذي صرفناه للوصول إليها والاتجاه الذي يتقدم شعرُنا نحوه, وما هي مواطن الضعف فيه وما هي بواعث هذا الضعف وما هو المخرج منه. وكان من حق شوقي-وقد أقمنا له أسبوعاً- أن يكون فرسانُ هذا الميدان كلهم في الحلْبة فلا يبقى واحدٌ منهم غريباً عنها. ثم يتولى كل رجل منهم ناحيةً من نواحي شوقي, وشعر شوقي, وبيئة شوقي, فيوفيها حقها من النظر, ويفضي إلى شباب هذه الأمة وأهل الذوق الأدبي فيها بنتيجة درسه المستفيض: إما في حفلات (الأسبوع) وقد اتسعت للكلام على المأمون والمستشرقين والجمعية الأثرية المصرية, وإما في الصحف وقد فتحت صدرها للتحامل على شوقي بظلم, وللثناء عليه بأقلامٍ لا يطمع بعضُ أصحابها بأكثر من أن يفرحوا برؤية أسمائهم مطبوعة في الصحف السيارة. كل هذا كان يجب أن يكون, بل بعض ما كان يجب أن يكون, لولا أننا أمة ما زالت تلعب, وما زال أبناؤها يقيسون المصلحة العامة بمقياس الهوى, ويزِنون الحقائق بميزان الأوهام. لذلك كان أدبُنا بين حالتين: أن يسير ناعساً قبل الصدمتين الأخيرتين, ثم أن يضيع بعدهما صوابُ القول فيه: فيطغى عليه إغراق في الذم لا حد له, وإغراقٌ في الثناء لا حد له... الشعر والشاعر والمثل الأعلى الذي نطمع أن يصلا إليه إن الأدب العربي يطمع بشاعر لم يخلق بعد, ولعله خلق ولكن عبء الشهرة ووباءها لم ينيخا بأثقالهما على صدره فيمنعانه من المُضي في طريق المهمة المحفوظة له في تاريخ اللغة العربية, لغة الخلود. إن الأدب العربي يطمع بشاعر قامت أعلامُ الفضيلة ومعالم الايمان حول الحرم الذي يسكنه فؤاده, فلا سبيلَ تسلُكه الأغراضُ الصغيرة إلى هذا الحرم, ولا منفذَ يَدخل منه الهوى إلى ذلك الفؤاد. إن الأدب العربي يطمع بشاعر له من قُوى النفس مايَقوى به على النفس فيحول بينها وبين أن تنحط إلى غمار أهل هذه الدنيا الدنيئة ويمنعها من أن تستأسر للشهوات الأدبية والمادية, ويرتفع بها غير بعيد حتى تشرف على آلام الفرد وآماله, وعلى أمراض الجماعة وينابيع قوتها, ويكون له من دقة الحس ما يسمع به نابضَ الحياة في مجالي الطبيعة, ويلمح بدائع ألوانها وأسرار أشكالها. إن الأدب العربي يطمع بشاعر يخترق ببصيرته حُجُبَ الماضي, حتى يتراءى له ما خفي على التاريخ من أدوار هذه اللغة العجيبة التي عرف الناس شبابَها ولم يعرفوا طفولتها, ثم يرتفع بهذه المعرفة حتى يشهد أمجادَ الناطقين بالضاد في تلك الأدوار, أيامَ كانت ألسنتهم تدور باختراع صيَغها, وتقسيم أوضاعها, وتتفنن بتنظيم لآلئها واشتقاق بدائعها, وتتحرى المناسبات العجيبة للتوفيق بين المعاني والألفاظ الدالة عليها. فإذا انتقشت صورة ذلك الماضي النبيل على صفحة قلب الشاعر وفي تلافيف دماغه وامتزجت بجملة نفسه, تحول عنه إلى المستقبل, فتجلى له الأفق الأقصى الذي يتوقع أن تبلغه – بل الذي يجب أن تبلغه- هذه اللغة القدسية والشعوب الأمينة على بدائعها. ومتى كشفت له ملائكة الشعر حجُب الغيبَ عن ماضي هذه القومية ومستقبلها: فَنِيَ فيها, وصار لسانَها الناطق بأمجادها, والقائد الداعي إلى وصل ما بين ذلك الماضي وهذا الآتي بما يرشد إليه من الأسباب التي تهيئ الناطقين بالضاد لأن يكونوا لذلك أهلا. إن صحافتنا تقوم اليومَ بمهمة الشعراء الذين يقولون ما لا يفعلون, وتؤدي عملهم على أتم وجه, وتتقلب مع مقتضيات الدنيا وشهواتها وأهوائها بين كل صبح ومساء, حتى اكتفينا بهذا الضرب من الشعر, وبتنا في حاجة إلى الشاعر المفقود, وإلى الشاعر الذي يؤمن بما يقول, ويفيض الايمانَ على قلبه إلهامٌ تقتبسه مداركه من ظلمات الحاجة الانسانية, وتنزعه عزائمه من أنياب الفاقة القومية, ثم تُرسلانه نوراً باهراً تبصر به الأمةُ سبيلها إلى الخير, وغذاءً شهياً تقوى به على بلوغ مَطمحها المتواري وراء الآفاق. ترى هل ولد الشاعر الذي يحمل لواء الناطقين بالضاد إلى ميدان الكفاح, وإذا كان قد ولد فهل هو يُعِد نفسَه لهذه القيادة المقدسة, ويجهز شاعريته بالأخلاق التي تؤهله ليكون (شاعر المستقبل). إن العربية وأهلها ينتظران... إنهما ينتظران, ولكن يجب أن يكون انتظارُهما انتظارَ حركة وحياة, لا انتظارَ سكينة وانتحار, فالنبوغ لا يكون إلا في البيئة الصالحة له. ألم يقل الأستاذ النشاشيبي يومَ خطبَ في ( العربية وشاعرها الأكبر) : إن '' من سنن الله ومن دساتير الطبيعة ألا يفاجيء نابغةٌ أو عظيمٌ – فيما قدر له أن ينبغ أو يعظم فيه- قومَه مُفاجأة دون أن يستعدوا له, إذ النابغة في شيء إنما هو جوهر أمته ولا يخلُص خيرٌ إلا من خير, وما حدث كونٌ عن عدم''. فلولا وجود شوقي اليوم ما طعمنا في قرب ظهور الشاعر الذي ننشده, ولولا تقدم البارودي وصبري لما تأهلت الأمة العربية الآن لقراءة الشوقيات. | 16 - مايو - 2007 | دفاعا عن أمير الشعراء ( أحمد شوقي) |  | بقية القلم كن أول من يقيّم
بَقيةُ القَلمِ أهدى الأستاذ السيد محمد الخضر حسين قلماً صغيراً إلى الخزانة التيمورية ومعه بطاقة كتب فيها: كان هذا القلمُ آخر أقلامٍ ثلاثةٍ حررت بها نقض كتاب (في الشعر الجاهلي) وقد رأيت أن أهدي هذه البقية منه إلى خزانة صاحب السعادة الأستاذ أحمد تيمور باشا, وقلت على لسان القلم هذه الأبيات: الأستاذ الأكبر محمد الخضر حسين | سفكتْ دمي في الطِرْس أنملُ كاتبٍ | | وطـوتـنـي المبراة إلا ما iiترى | | نـاضلْتُ عن حقٍ يحاول ذو هوىً | | تـصـويـره لـلناس شيئا iiمنكرا | | لا تـضـربـوا وجهَ الثرى iiببقية | | مـنـي كما تُرمى النواة وتزدرى | | فـخـزانة الأستاذ تيمور iiازدهت | | بـحـلًى من العِرفان تبهرُ مَنظرا | | فـأنـا الشهيد, وتلك جنات iiالهدى | | لا أبـتـغي بسوى ذراها iiمظهرا |
عن الحديقة للسيد محب الدين الخطيب | 16 - مايو - 2007 | نوادر الأقوال وغرائب الأحوال |  | بمناسبة أسبوع شوقي (2) كن أول من يقيّم
أول عهدي بالشوقيات لمحب الدين الخطيب لستُ أذكر على التحقيق في أي عامٍ عرفتُ شعرَ شوقي للمرة الأولى, ولعل ذلك قبلَ نحو رُبع قرنٍ: فقدْ كنتُ غلاماً حديث السن أَدرسُ في بداية القسم الثانوي من مدرسة الحكومة العثمانية بدمشق يوم وصلت الطبعة الأولى من الشوقيات إلى مكتبة ابن هاشم في باب البريد ووصَلَتْ مع الطبعة نسخٌ من كتاب (السفر إلى المؤتمر) للأستاذ أحمد زكي باشا فاقتنيتهما وسهرت أتلو الشوقيات إلى الصباح: على نور مصباح البترول تارة, وتحت أشعة البدر تارة أخرى, مبتهجاً بأن يكون في العربية شعرٌ كذلك الشعر, ولم أكن أعلم قبل تلك الليلة أن في لغتنا شعراً غير قصائد المدح والهجو التي كان الناظمون ينظمونها في مدينتنا, فانصرفتُ إلى درس الأدب التركي, وكنت مشغوفا بما يكتبه أدباء مجلة (ثروت فنون): فِكْرَت, وجناب, وخالد ضيا, ومحمد رءوف, وناظم, وسُعاد, وحكمت, وجاهد, وفائق عالي, وشيوخ هذه الطبقة: كمال, وحامد, وأكرم. وكنت في رفقة نستحي أن تكون لهؤلاء قطعة شعرية أو فقرة أدبية ليس لنا بها سابق علم. ولشعراء الترك وأدبائهم حرمةٌ عند شبابهم وسائر قرائهم لم أرَ مثلها لشعرائنا وأدبائنا عند شبابنا وسائر قرائنا. فإذا نبغ الرجل فيهم صارت له في قومه مكانة لا يطمع بمثلها وزير ولا سري, حتى لو كان النابغُ لا يجد ما يجدد به طربوشه مرة في كل سنتين. فلما اكتشفت أنا ورفقتي كنزَ الشوقيات عكفنا عليه نختار في مجموعات لنا بعض تلك البدائع نكتبها بخطوط جميلة, ويعنى بعضنا بتصوير مدلولاتها: فإذا كتبنا ميميته في زيارة الامبراطور غليوم قبرَ صلاح الدين صورنا إلى جانب القصيدة قبة صلاح الدين, وإذا كتبنا موشحة البسفور كأنك تراه, ملأنا الصفحات اليسرى من مجموعاتنا بالمشاهد الموصوفة في تلك القطعة الشعرية وإلى يمينها الأبيات الخاصة بها. وإنما ننسخ هذه القصائد بالخطوط الجميلة ونزينها بالصور لنعرب عن عنايتنا بها, وإلا فقد غدت محفوظة في الصدور, وبتنا ولشوقي في قلوبنا حرمة كالحرمة التي كنا نشعر بها نحو أدباء اللغة التركية, أضف إليها عصبية اللغة, وإن وراء هذا لأمراً عظيما... وانتقلت إلى بيروت ثم إلى القسطنطينية أنا وأخي الشهيد الأمير عارف الشهابي ثم طوح بي الدهر إلى اليمن, فكانت الرسائل غادية رائحة بيننا وبين بقية الرفقة: صلاح الدين القاسمي, والشهيد صالح قنباز رحمة الله عليهما ورشدي الحكيم الأديب الضليع, ولطفي الحفار الوزير الدمشقي المعتقل الآن في لبنان وسامي العظم رئيس ديوان الرسائل بوزارة العدلية وغيرهم. أتدري ماذا تحمل هذه الرسائل? إن أهم شيءٍ فيها نسخةُ ما تنشره الصحفُ والمجلاتُ من شعرٍ جديدٍ لشوقي ومطران والكاظمي والرافعي والكاشف والرصافي ومحرم, فإن هذا الجديد من الشعر لم يكن يجوز أن يتأخر البريد يوماً واحداً عن حمله إلى كل واحد من أولئك الرفقة تحت أية سماء كانوا. إذاً فأنا صديقٌ قديمٌ للشوقيات, ومن حق قُرائي علَي أن أتحدثَ معهم عنها بمناسبة (أسبوع شوقي) الذي ماجتْ القاهرةُ بحفلاته في أوائل الشهر الماضي.
| 17 - مايو - 2007 | دفاعا عن أمير الشعراء ( أحمد شوقي) |  | بمناسبة أسبوع شوقي (3) كن أول من يقيّم
شَوْقِي وشَوقِياتُهُ للسيد محب الدين الخطيب جلا شعره للناس مرآةَ عصره ومرآةَ ماضي الشعر من عهد تبع يجيء لنا آنا بأحمدَ ماثلاً وآونةً بالبحتري المرصع ويشأو رُقى هيكو, ويأتي نسيبُه لنا من ليالي (ألفرِيدَ) بأربع حافظ شوقي ابنُ البيئة التي وجدته, والعوامل التي كونته, والدواعي التي أخذتْ بيدِه فسيرته. و لا ريب أن مواهبه واجتهاده ساعدا تلك البيئة والعوامل والدواعي إلى أقصى مدى يستطيعه الشاعر المحفوف بظروفه, فكان لنا منه صاحب الشوقيات بكل ما لها وما عليها. قالوا إن الشطر الأعظم من قريضه مدحٌ ورثاء, وعدوا ذلك منه إسرافا, وودوا لو كان في مكان تلك القصائد من الشوقيات نظراتٌ إلى دخائل الحياة المصرية تشف عن فرط إحساسه الشعري, ومشاركته لطبقات الأمة في آلامها وآمالها. وقالوا إن إرادته لم تكن بيده, وإنما كانت شاعريته تتأثر بعوامل السياسة وميول أهلها, لقربه من المسرح الذي تشتبك فيه أصول تلك العوامل وأسبابها. ورتبوا على هذا أنه لم يكن ثابتاً على المبدأ وأنه كانت تنقصه الشجاعة الأدبية. وقالوا إنه اصطنع الشعرَ للذته, فلم يغترف من طبائع الأشياء وأوضاع الناس في الحياة غرفة شاملة يتذوق بها حاجةَ عصره, ولم يستغل موهبته استغلالاً جيدَ المحصول عام النفع, لذلك كان شعره كمالياً للأمة. لقد قالوا مثل هذا القول وأكثروا منه, وأنا لم أجدْ فيما قالوا نقداً لشعر شوقي, وإنما وجدتهم يريدون من شوقي لوكان عاش في غير البيئة التي عاش فيها, وكان ابنَ عواملَ أخرى غير العوامل التي كان تحت تأثيرها, وأنْ لوِ انقادَ لغير الدواعي التي انقاد لها. أما وقدْ شاءت الأقدارُ لشوقي أن تكون تلك بيئته, فإن الأدب العربي لم يكن يطمع بأحسن مما أحسن به هذا الشاعر العبقري إلى أدب لغته, حتى تبوأ منه المكانة التي رفعته الشوقيات إليها وضَمِنَت له بها الخلود. اتفقت الكلمة على أن نفسية شوقي ترجعُ إلى أصولٍ متغايرةٍ, وعناصرَ متباينة. وتلك نتيجة طبيعية لتباين العناصر التي تكون منها شوقي, ولتغايُر الأصول التي امتصت منها شاعريتُه غِذاءَها. ألم يقل لنا عن نفسه إنه مزيج جنسيات متعددة? ألم تتناوب تكوينَ ثقافته مدينتا القاهرة وباريس? أليس رفيقَ المتنبي وهيكو منذ أربعين عاماً? ألم يعش في بلدٍ تنوعت فيه السلطات والأزياءُ والأحكام? أليس إذا أراد أن يعتز بأمجاد التاريخ جعل يتنقل بين أهل الجنان الأندلسية من بني عبد شمس, وبين ذكريات الفراعنة في أنَس الوجود, وبين ما ينكره الكماليون اليوم من محامد آل عثمانَ? أليس هو القائل لرجال الأزهر: يا فتيةَ المعمور سار حديثُكم ندا بأفواه الركاب وعنبـــرا المعهدُ القُدسي كان نديه قطباً لدائرة البلاد ومحـــورا وُلدتْ قضيتُها على محرابه وحبتْ طفلا وشبت مُعصـــرا هزوا القُرى من كهفها ورقيمها أنتم لعمرُ الله أعصاب القُرى بينما هو القائل فيهم: إذا عرض الجديدُ لهم تولوا كذي رمد على الضوء امتناعا أليس يرى من الكياسة أن لا ينسى نصيبَ الصليب من الاشادة بالذكر كما طلع الهلالُ بأفقٍ من آفاق شعره? أليس هو الذي نادى الساقي في عيد الفطر وكان يستطيع أن يناديه قبل العيد, لكنه لم يفعل. وكان يستطيع أن لا يناديه قط, ولكنه لم يفعل أيضاً ولو فعل إحداهما لكان معارضاً لمقتضى تلك الأصول المتغايرة والعناصر المتباينة. إن الشوقيات نِتاجُ هذه الأصول والعناصر, وقدْ استطاعَ شوقي بكياسته ودَهائه وعبقريته أن يوفق بينها بما يبلغه جهد الشاعر العظيم, فإذا ابتسمَ للوردة بنشيد من أناشيد الطرب ادخر لأشواكها صيحةً من صيحات الغضب يرسلها يوم تدعو الظروف إلى إرسالها, وفي كل غصنٍ من شجرة الحياة وردٌ وشوك, وفي كل يوم من أيام هذا الكون نورٌ وظلام, وللناس من دهرهم ابتسامةٌ وازورار. وهل رأيتَ شيئاً تغنى شوقي بمحامده كما تغنى بمحامد الخلافة الاسلامية وقوتها من عهد العمرين عليهما رضوان الله إلى يوم خاطبَ الطاغيةَ عبدَ الحَميد بقوله: وهابَ العدى فيه خلافتكَ التي لهم مأربٌ فيها ولله مأرب فلما أبلغهم مصطفى كمال مأربَهم فيها متقرباً بذلك إليهم, وظاناً-وبعضُ الظن إثم- أنه يحملهم بعمله على تغيير رأيهم في قومه, لم تضن عبقرية شاعرنا العظيم بقولٍ جميل يرسله في الناس استحساناً لما كان, فراح الناسُ يحفظون شعرَه الثاني كما حفظوا شعره الأول, افتتاناً بجمال بيانه الساحر, وإن من البيان لسحرا. لقد كان الأستاذ أنطون بك الجميل وفياً للأدب بما اعتذر به لهذه الصفحات المتباينة من الشوقيات, ولقد والله ذكر الناسَ بكثيرٍ من الحقائق, ولكن العذرَ الشامل لما مضى وما سيأتي من أمثال ذلك إنما هو اختلاف الأصول, وتبايُن العناصر, وشوقي لم يَعْدُ سُننَ الطبيعة فيما يتركه من آثار ذلك في الشوقيات, وله المقدرة النادرةُ في تحويل الوجهة كلما قضتْ عليه المواقف بتحويل مراميه. وتلك من مزايا شاعرية شوقي التي لم أرَهم يفطنون لها. وفيما خلا هذا فشوقي شاعر الوصف الذي ضن علينا الزمان بمثله منذ ألف سنة, ويقولون إن أدب اللغة الفرنسوية أمده بثروته, وأباح له مروجَ جنته, ولكن هل ضنت الآداب الافرنجية بكنوزها وفراديسها على المئات بل الألوف من متعلمينا? أليس ذلك مباحاً لهم, ونرى أثره أكثر ظهوراً فيما يكتبون? والحق أن شوقي يملك بكل جدارةٍ واستحقاق جميع ما في شعره من لآلئ, لأنها تأنس بمواضعها من شعره, وتظهر فيه بما هي أهل له من رونق وجمال, بينما هي في كثيرٍ من الشعر تبدو كالجواهر التي تستعيرها الغادةُ الفقيرةُ لتتجمل بها ليلة عرسها. أقول قولي هذا ولا أجهل ما أشار إليه الرصافي والزيات والشيخ عباس الجمل من طغيان المعاني على ألفاظها في بعض شعر شوقي, بحيث سهر الناسُ حائرين في تعليلها وتأويلها, بينما شوقي يقول مع أبي الطيب: أنام مِلْءَ جفوني عن شواردها ويسهرُ الخلقُ جراها ويختصمُ أما ما يؤاخذونه به من ضعف بعض مطالعه فهو عندي دليلُ قوة لا دليل ضعف, لأن من دأب الجواد الكريم أن تزداد همته كلما بعُدَ الشوط بما لم يكن يظهر عليه في البداية. ويظن الأستاذ جبر ضُومط أن شوقي إذا ترك نفسَه على سجيتها أشد منه إذا تعمل, بينما الأستاذ الزيات يقول إن شوقي قد يعفي طبعه أحياناً فيرسل الشعرَ كما يجيء من غير تنوق ولا تنقيح فيأتي بما لا يتفق مع فضله. وأظنهما مصيبين جميعاً لأن كل منهما يتكلم من ناحية, وبين الوجهتين فرقٌ دقيقٌ, إذ التنقيح غير التعمل, وقلما انتبه الناس إلى هذا الفرق. ويرى الرصافي أن أرقى شعر شوقي ما قاله في الدور الأخير رغم تقدمه في السن,فهو يتفق في هذا مع شوقي فيما يراه من أجود قصائده نونية (توت عنخ أمون), ولعل لقراء الشوقيات رأياً غير راي شوقي في خير ما قاله من القصائد. | 17 - مايو - 2007 | دفاعا عن أمير الشعراء ( أحمد شوقي) |
|