البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات د يحيى مصري

 69  70  71  72  73 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
ابن تيمية واجتهاده في الأمية.    كن أول من يقيّم

ما معنى حديث إنا أمة امية لا نكتب ولا نحسب

سؤال:
ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم (نحن أمة أمية لا نقرأ ولا نكتب) وهل ينافي هذا ما يتعلمه المسلمون اليوم ؟.

الجواب:

الحمد لله
ليس لفظ الحديث كما ورد في السؤال وإنما سياقه كما يلي : عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنَّا أمَّة أمِّيَّة لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين ". رواه البخاري: 1814 ، ومسلم : 1080  .
وقد ورد هذا الحديث في مسألة دخول الشهر الهلالي ، وهو يدل على أنه لا يُلتفت في  معرفة دخول الشهر إلى الحسابات الفلكية وإنما يُعتمد على الرؤية الظاهرة للقمر عند ولادته فنعرف دخول الشهر ، فالحديث سيق لبيان أنّ الاعتماد على الرؤية لا على الحساب ولم يأت لحثّ الأمة الإسلامية للبقاء على الجهل وترك تعلّم الحساب العادي وسائر العلوم النافعة ولذلك فلا ينافي هذا الحديث ما يتعلمه المسلمون اليوم من العلوم المختلفة التي تفيدهم في دنياهم ، والإسلام دين العلم ، وهو يدعو إليه ويوجبه على كلّ مسلم أن يتعلّم ما افترضه الله عليه ويتعلم أحكام ما يحتاج إليه من العبادات والمعاملات وأما العلوم الدنيوية كالطبّ والهندسة والزراعة وغيرها فيجب على المسلمين أن يتعلّموا منها ما تحتاج إليه الأمّة ولو احتاج المسلمون لصنع إبرة لوجب عليهم أن يكون فيهم من يتعلّم صنعة تلك الإبرة .
ولشيخ الإسلام ابن تيمية شرح وافٍ لهذا الحديث استقصى فيه فأجاد وفيما يلي مختارات من جوابه :
قوله " إنا أمة أمية " ليس هو طلبا ، فإنهم أمِّيُّون قبل الشريعة كما قال الله تعالى { هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم } وقال { وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم } فإذا كانت هذه صفة ثابتة لهم قبل المبعث لم يكونوا مأمورين بابتدائها ، نعم قد يؤمرون بالبقاء على بعض أحكامها ، فإنا سنبيِّن أنهم لم يؤمروا أن يبقوا على ما كانوا عليه مطلقاً .    
 
والأمة التي بعثه الله إليها فيهم مَن يقرأ ويكتب كثيراً كما كان في أصحابه ، وفيهم من يحسب ، وقد بعث صلى الله عليه وسلم بالفرائض التي فيها مِن الحساب ما فيها وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما قدِم عاملُه على الصدقة ابن اللتبيَّة حاسَبه ، وكان له كتاب عدة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وزيد ومعاوية يكتبون الوحي ويكتبون العهود ويكتبون كُتُبَه إلى الناس إلى مَن بعثه الله إليه مِن ملوك الأرض ورؤوس الطوائف وإلى عماله وولاته وسعاته وغير ذلك وقد قال الله تعالى في كتابه { لتعلموا عدد السنين والحساب } في آيتين من كتابه فأخبر أنه فعل ذلك ليُعلم الحساب .   
وإنما الأمي هو في الأصل منسوب إلى " الأمة " التي هي جنس الأميين وهو من لم يتميز عن الجنس بالعلم المختص من قراءة أو كتابة كما يقال " عامي " لمن كان من العامة غير متميز عنهم بما يختص به غيرهم مِن علوم ، وقد قيل : إنه نسبة إلى " الأم " أي : هو الباقي على ما عوَّدته أمُّه من المعرفة والعلم ونحو ذلك .   
ثم التميز الذي يخرج به عن الأمية العامة إلى الاختصاص تارة يكون فضلاً وكمالاً في نفسه كالتميز عنهم بقراءة القرآن وفهم معانيه وتارة يكون بما يتوصل به إلى الفضل والكمال كالمتميز عنهم بقراءة القرآن وفهم معانيه ، وتارة يكون بما يتوصل به إلى الفضل والكمال كالتميز عنهم بالكتابة وقراءة المكتوب ، فيمدح في حق من استعمله في الكمال ويذم في حق من عطَّله ، أو استعمله في الشر ، ومن استغنى عنه بما هو أنفع له كان أكمل وأفضل ، وكان تركه في حقه مع حصول المقصود به أكمل وأفضل .   
فإذا تبين أن التميز عن الأميين نوعان ؛ فالأمة التي بُعث فيها النبي  صلى الله عليه وسلم  أولاهم العرب وبواستطهم حصلت الدعوة لسائر الأمم ؛ لأنه إنما بُعث بلسانهم فكانوا أميين عامة ليست فيهم مزية علم ولا كتاب ولا غيره مع كون فِطَرهم كانت مستعدة للعلم أكمل من استعداد سائر الأمم بمنزلة أرض الحرث القابلة للزرع ، لكن ليس لها من يقوم عليها فلم يكن لهم كتاب يقرأونه منزَّل من عند الله كما لأهل الكتاب ، ولا علوم قياسية مستنبطة كما للصابئة ونحوهم ، وكان الخط فيهم قليلاً جدّاً ، وكان لهم من العلم ما ينال بالفطرة التي لا يخرج بها الإنسان عن الأموَّة العامة كالعلم بالصانع سبحانه ، وتعظيم مكارم الأخلاق ، وعلم الأنواء ، والأنساب ، والشِّعر ، فاستحقوا اسم الأمية من كل وجه كما قال فيهم { هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم } وقال تعالى { قل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فان أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ} ، فجعل الأميين مقابلين لأهل الكتاب ، فالكتابي غير الأمي .  
فلما بُعث فيهم ووجب عليهم اتباع ما جاء به من الكتاب وتدبره وعقله والعمل به وقد جعله تفصيلاً لكل شيءٍ وعلَّمهم نبيُّهم كلَّ شيءٍ حتى الخراءة : صاروا أهلَ كتاب وعلم ، بل صاروا أعلم الخلق وأفضلهم في العلوم النافعة ، وزالت عنهم الأميُّة المذمومة الناقصة وهي عدم العلم والكتاب المنزل إلى أن علِموا الكتاب والحكمة وأورثوا الكتاب كما قال فيهم { هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبلُ لفي ضلال مبين } فكانوا أميين مِن كل وجهٍ فلما علمهم الكتاب والحكمة : قال فيهم { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله } وقال تعالى : { وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون أن تقولوا إنما أُنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين أو تقولوا لو أنا أُنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم } ، واستجيب فيهم دعوة الخليل حيث قال : { ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم } وقال : { لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة } .   
فصارت هذه الأميَّة منها ما هو محرَّم ، ومنها ما هو مكروه ، ومنها ما هو نقص وترك الأفضل ، فمن لم يقرأ الفاتحة أو لم يقرأ شيئاً من القرآن تسمِّيه الفقهاء في " باب الصلاة " أميّاً ويقابلونه بالقارئ ، فيقولون : لا يصح اقتداء القارئ بالأمي ، ويجوز أن يأتم الأمي بالأمي ونحو ذلك من المسائل ، وغرضهم بالأمِّيِّ هنا الذي لا يقرأ القراءة الواجبة سواء كان يكتب أولا يكتب يحسب أولا يحسب  .  
فهذه الأميَّة منها : ما هو تَرك واجبٍ يُعاقب الرجل عليه إذا قدر على التعلم فتركه .  
ومنها : ما هو مذموم ، كالذي وصفه الله عز وجل عن أهل الكتاب حيث قال : { ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون } فهذه صفة من لا يفقه كلام الله ويعمل به وإنما يقتصر على مجرد تلاوته ، كما قال الحسن البصري : نَزَل القرآن ليُعمل به فاتَّخذوا تلاوتَه عملاً ، فالأمي هنا قد يقرأ حروف القرآن أو غيرها ولا يفقه بل يتكلم في العلم بظاهر من القول ظنّاً فهذا أيضا أميٌّ مذموم كما ذمَّه الله لنقص علمه الواجب سواء كان فرض عين أم كفاية .   
ومنها : ما هو الأفضل الأكمل ، كالذي لا يقرأ مِن القرآن إلا بعضه ، ولا يفهم منه إلا ما يتعلق به ، ولا يفهم من الشريعة إلا مقدار الواجب عليه ، فهذا أيضاً يقال له أميٌّ وغيره ممن أوتى القرآن علماً وعملاً أفضل منه وأكمل .   
فهذه الأمور المميزة للشخص عن الأمور التي هي فضائل وكمال فقدها إما فقد واجب عيناً أو واجب على الكفاية أو مستحب ، وهذه يوصف الله بها وأنبياؤه مطلقا فإن الله عليم حكيم جمع العلم والكلام النافع طلباً وخبراً وإرادةً وكذلك أنبياؤه ونبينا سيد العلماء والحكماء  .  
وأما الأمور المميزة التي هي وسائل وأسباب إلى الفضائل مع إمكان الاستغناء عنها بغيرها فهذه مثل الكتاب الذي هو الخط والحساب فهذا إذا فقدها مع أن فضيلته في نفسه لا تتم بدونها وفقدها نقص إذا حصلها واستعان بها على كماله وفضله كالذي يتعلم الخط فيقرأ به القرآن وكتب العلم النافعة أو يكتب للناس ما ينتفعون به كان هذا فضلاً في حقه وكمالا وإن استعان به على تحصيل ما يضره أو يضر الناس كالذي يقرأ بها كتب الضلالة ويكتب بها ما يضر الناس كالذي يزوِّر خطوط الأمراء والقضاة والشهود : كان هذا ضرراً في حقه وسيئةً ومنقصةً ، ولهذا نهى " عمر " أن تعلَّم النساءُ الخطَّ ، وان أمكن أن يستغني عنها بالكليَّة بحيث ينال كمال العلوم من غيرها وينال كمال التعليم بدونها كان هذا أفضل له وأكمل وهذه حال نبينا  صلى الله عليه وسلم  الذي قال الله فيه { الذين يتبعون الرسول النبي الأميَّ الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل } فان أموَّته لم تكن من جهة فقْدِ العلم والقراءة عن ظهر قلبٍ فإنه إمام الأئمة في هذا ، وإنما كان مِن جهة أنه لا يكتب ولا يقرأ مكتوباً كما قال الله فيه : { وما كنت تتلو مِن قبله مِن كتاب ولا تخطه بيمينك } .   
.....
( ثم عاد رحمه الله لبيان المُراد بحديث إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ، وأنّ فيه قرينة تدلّ على المراد فقال : 
فلما قرن ذلك بقوله الشهر ثلاثون والشهر تسعة وعشرون بيَّن أن المراد به : إنا لا نحتاج في أمر الهلال إلى كتاب ولا حساب ، إذ هو تارة كذلك ، وتارة كذلك ، والفارق بينهما هو الرؤية فقط ليس بينهما فرقٌ آخر من كتابٍ ولا حسابٍ
وظهر بذلك أن الأميَّة المذكورة هنا صفة مدح وكمال مِن وجوه :
من جهة الاستغناء عن الكتاب والحساب بما هو أبيَن منه وأظهر وهو الهلال .
ومن جهة أن الكتاب والحساب هنا يدخلهما غلط .
.. إلى آخر كلامه رحمه الله .


" مجموع الفتاوى :  25 / 164 - 175

29 - مارس - 2008
هل الشريعة الإسلامية أمية
أميته ، صلى الله عليه وآله، من المعجزات 1    كن أول من يقيّم

اعلم أن أمية الرسول صلى الله عليه وسلم التي يعنى بها أنه لا يقرأ ولا يكتب ثبتت بالقرآن، وهذا كمال في حق النبي صلى الله عليه وسلم، ومعجزة من معجزاته الشريفة، قال الله تعالى: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ المُبْطِلُونَ {العنكبوت:48فلو كان صلى الله عليه وسلم يكتب ويقرأ قبل أن يوحى إليه لشك الناس في أمره أو قالوا: إنه تعلم هذه العلوم عن طريق القراءة والكتابة، ولكن هذه العلوم الوافرة والمعارف الزاخرة لا يستطيع عالم قارئ كاتب تحصيلها، وأحرى أمي لا يكتب ولا يقرأ.
 فيعلم بذلك أنها وحي من الله تعالى، أوحي به إلى هذا النبي العظيم، وهذا لا شك أبلغ في التحدي والإعجاز، ولهذا قال الله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ {يونس:38
وقد ثبت في صفة النبي صلى الله عليه وسلم التي وردت في الكتب السابقة أنه أمي معلَّم من الله تعالى.... فكان أميا ليعرفه أهل الكتاب الذين يعرفون صفاته الواردة في كتبهم؛ كما قال جل وعلا: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {الأعراف:157
وأما قول الله تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ {الجمعة:2ففيه وصف الرسول الأمي بأنه يتلو على الأميين آيات الله أي وحيه، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب أي يلقنهم إياه، كما كانت الرسل تلقن الأمم الكتاب بالكتابة، ويعلمهم الحكمة التي علمتها الرسل السابقون أممهم، في كل هذه الأوصاف تحدٍ بمعجزة الأمية في هذا الرسول صلى الله عليه وسلم فهو مع كونه أميا قد أتى أمته بجميع الفوائد التي أتى بها الرسل غير الأميين أممهم لا ينقص عنهم شيئا، فتمحضت الأمية لتكون معجزة حصل من صاحبها أفضل مما حصل من الرسل الكاتبين مثل موسى. وفي وصف الأمي بالتلاوة، وتعليم الكتاب والحكمة، وتزكية النفوس، ضرب من محسن الطباق، لأن المتعارف عليه أن هذه مضادة للأمية. أفاده العلامة ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير(13/209)
 و قال ابن عاشور أيضا في قوله تعالى: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ المُبْطِلُونَ {العنكبوت:48}: هذا استدلال بصفة الأمية المعروف بها الرسول صلى الله عليه وسلم، ودلالتها على أنه موحى إليه من الله أعظم دلالة، وقد ورد الاستدلال بها في مواضع كقوله: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ {الشورى:52} وقوله: فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ {يونس:16}. ومعنى: مَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ.. إنك لم تكن تقرأ كتابا حتى يقول أحد هذا القرآن الذي جاء به هو مما كان يتلوه من قبل. (ولا تخطه) أي لا تكتب كتابا، ولو كنت لا تتلوه، فالمقصود نفي حالتي التعلم، وهما: التعلم بالقراءة، والتعلم بالكتابة، استقصاء في تحقيق وصف الأمية بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ . أي بل القرآن آيات ليست مما كان يتلى قبل نزوله، بل هو آيات في صدر النبي صلى الله عليه وسلم. فالمراد من (صدور الذين أوتوا العلم) صدر النبي صلى الله عليه وسلم، عَبَّر عنه بالجمع تعظيما له، والعلم الذي أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم هو النبوة. التحرير والتنوير(10/12)

29 - مارس - 2008
هل الشريعة الإسلامية أمية
أميته ، صلى الله عليه وآله، من المعجزات 2    كن أول من يقيّم

و قال ابن عاشور أيضا في قوله تعالى: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ المُبْطِلُونَ {العنكبوت:48}: هذا استدلال بصفة الأمية المعروف بها الرسول صلى الله عليه وسلم، ودلالتها على أنه موحى إليه من الله أعظم دلالة، وقد ورد الاستدلال بها في مواضع كقوله: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ {الشورى:52} وقوله: فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ {يونس:16}. ومعنى: مَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ.. إنك لم تكن تقرأ كتابا حتى يقول أحد هذا القرآن الذي جاء به هو مما كان يتلوه من قبل. (ولا تخطه) أي لا تكتب كتابا، ولو كنت لا تتلوه، فالمقصود نفي حالتي التعلم، وهما: التعلم بالقراءة، والتعلم بالكتابة، استقصاء في تحقيق وصف الأمية بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ . أي بل القرآن آيات ليست مما كان يتلى قبل نزوله، بل هو آيات في صدر النبي صلى الله عليه وسلم. فالمراد من (صدور الذين أوتوا العلم) صدر النبي صلى الله عليه وسلم، عَبَّر عنه بالجمع تعظيما له، والعلم الذي أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم هو النبوة. التحرير والتنوير(10/12)
وقد اختلف أهل العلم - رحمهم الله - هل تعلم النبي صلى الله عليه وسلم القراءة والكتابة بعد نزول الوحي أو لا؟ فمنهم من قال: إنه تعلم ذلك، فذكر القرطبي في تفسيره نقلا عن النقاش في تفسيره عن الشعبي أنه قال: ما مات النبي صلى عليه وسلم حتى كتب. وأسند أيضا حديث أبي كبشة السلولي مضمنه أنه صلى الله عليه وسلم قرأ صحيفة لـعيينه بن حصن وأخبر بمعناها، وضعف ذلك ابن عطية.
 واستدلوا أيضا بما في حديث البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يعتمر أرسل إلى أهل مكة يستأذنهم ليدخل مكة، فاشترطوا عليه أن لا يقيم بها إلا ثلاث ليال ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح ولا يدعو منهم أحدا، قال: فأخذ يكتب الشرط بينهم علي بن أبي طالب، فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، فقالوا: لو علمنا أنك رسول الله لم نمنعك ولبايعناك؛ ولكن اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله، فقال: أنا والله محمد بن عبد الله وأنا والله رسول الله، قال: وكان لا يكتب. قال: فقال لعلي: امح رسول الله، فقال علي: والله لا أمحاه أبدا، قال: فأرنيه، قال: فأراه إياه فمحاه النبي صلى الله عليه وسلم بيده، فلما دخل ومضى الأيام أتوا عليا فقالوا: مر صاحبك فليرتحل، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: نعم ثم ارتحل. اهـ
فقال جماعة من العلماء: بجواز ذلك عليه وأنه كتب بيده. منهم السمناني والباجي، ورأوا أن ذلك غير قادح في كونه أميا ولا معارضا لقوله تعالى: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ المُبْطِلُونَ {العنكبوت:48} ولا لقوله: إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب. بل رأوه زيادة في معجزاته واستظهارا على صدقه وصحة رسالته، وذلك أنه كتب من غير تعلم لكتابة ولا تعاط لأسبابها، وإنما أجرى الله تعالى على يده وقلمه حركات كانت عنها خطوط مفهومها ابن عبد الله لمن قرأها، فكان ذلك خارقا للعادة، كما أنه عليه السلام علم علم الأولين والآخرين من غير اكتساب ولا تعلم، فكان ذلك أبلغ في معجزاته وأعظم في فضائله ولا يزول عنه اسم الأمي بذلك، ولذلك قال الراوي عنه في هذه الحالة: ولا يحسن أن يكتب. فبقي عليه اسم الأمي مع كونه قال: كتب.
 وقال بعض أهل العلم: إنه صلى الله عليه وسلم ما كتب ولا حرفا واحدا، وإنما أمر من يكتب، وكذلك ما قرأ ولا تهجى.  قالوا: وكتابته مناقضه لكونه أميا لا يكتب، وبكونه أميا في أمة أمية قامت الحجة وأفحم الجاحدون وانحسمت الشبهة، فكيف يطلق الله تعالى يده فيكتب وتكون آية؟ وإنما الآية ألا يكتب، والمعجزات يستحيل أن يدفع بعضها بعضا، وإنما معنى كتب وأخذ القلم: أي أمر من يكتب به من كتابه، وكان من كتبة الوحي بين يديه صلى الله عليه وسلم ستة وعشرون كاتبا.  ورجح هذا القول القرطبي في تفسيره.

29 - مارس - 2008
هل الشريعة الإسلامية أمية
أميته ، صلى الله عليه وآله، من المعجزات3    كن أول من يقيّم

وقال ابن حجر عند شرح حديث البخاري : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يعتمر أرسل إلى أهل مكة يستأذنهم ليدخل مكة، فاشترطوا عليه أن لا يقيم بها إلا ثلاث ليال، ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح، ولا يدعو منهم أحدا. قال: فأخذ يكتب الشرط بينهم علي بن أبي طالب فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله ،فقالوا: لو علمنا أنك رسول الله لم نمنعك ولبايعناك؛ ولكن اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله، فقال: أنا والله محمد بن عبد الله وأنا والله رسول الله، قال: وكان لا يكتب. قالك فقال لعلي: امح رسول الله! فقال عليك والله لا أمحاه أبدا. قال: فأرنيه، قال: فأراه إياه فمحاه النبي صلى الله عليه وسلم بيدهن فلما دخل ومضى الأيام أتوا عليا فقالوا: مر صاحبك فليرتحل فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: نعم ثم ارتحل.
قال ابن حجر في قوله: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب وليس يحسن يكتب، فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله. وقد تمسك بظاهر هذه الرواية أبو الوليد الباجي فادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب بيده بعد أن لم يكن يحسن يكتب فشنع عليه علماء الأندلس في زمانه ورموه بالزندقة وأن الذي قاله مخالف القرآن حتى قال قائلهم: برئت ممن شرى دنيا بآخرة وقال إن رسول الله قد كتب، فجمعهم الأمير فاستظهر الباجي عليهم بما لديه من المعرفة وقال للأمير: هذا لا ينافي القرآن بل يؤخذ من مفهوم القرآن لأنه قيد النفي بما قبل ورود القرآن فقال: وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك، وبعد أن تحققت أميته وتقررت بذلك معجزته وأمن الارتياب في ذلك لا مانع من أن يعرف الكتابة بعد ذلك من غير تعليم فتكون معجزة أخرى. وذكر ابن دحية أن جماعة من العلماء وافقوا الباجي في ذلك منهم شيخه أبو ذر الهروي وأبو الفتح النيسابوري وآخرون من علماء إفريقية وغيرها، واحتج بعضهم لذلك بما أخرجه ابن أبي شيبة وعمر بن شبة من طريق مجاهد عن عون بن عبد الله قال: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كتب وقرأ. قال مجاهد: فذكرته للشعبي فقال: صدق قد سمعت من يذكر ذلك ومن طريق يونس بن ميسرة على أبي كبشة السلولي عن سهل بن الحنظلية أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر معاوية أن يكتب للأقرع وعيينة، فقال عيينة: أتراني أذهب بصحيفة المتلمس، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة فنظر فيها فقال: قد كتب لك بما أمر لك. قال يونس: فنرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب بعد ما أنزل عليه. قال عياض: وردت آثار تدل على معرفة حروف الخط وحسن تصويرها كقوله لكاتبه: ضع القلم على أذنك فإنه أذكر لك. وقوله لمعاوية: ألق الدواة وحرف القلم وأقم الباء وفرق السين ولا تعور الميم. وقوله: لا تمد بسم الله. قال: وهذا وان لم يثبت أنه كتب فلا يبعد أن يرزق علم وضع الكتابة فإنه أوتي علم كل شيء. وأجاب الجمهور بضعف هذه الأحاديث وعن قصة الحديبية بأن القصة واحدة والكاتب فيها علي، وقد صرح في حديث المسور بأن عليا هو الذي كتب فيحمل على أن النكتة في قوله: فأخذ الكتاب وليس يحسن يكتب.. لبيان أن قوله أرني إياها أنه ما احتاج إلى أن يريه موضع الكلمة التي امتنع علي من محوها إلا لكونه كان لا يحسن الكتابة، وعلى أن قوله بعد ذلك فكتب فيه حذف تقديره فمحاها فأعادها لعلي فكتب. وبهذا جزم ابن التين وأطلق كتب بمعنى أمر بالكتابة وهو كثير، كقوله: كتب إلى قيصر وكتب إلى كسرى وعلى تقدير حمله على ظاهره فلا يلزم من كتابة اسمه الشريف في ذلك اليوم وهو لا يحسن الكتابة أن يصير عالما بالكتابة ويخرج عن كونه أميا، فإن كثيرا ممن لا يحسن الكتابة يعرف تصور بعض الكلمات ويحسن وضعها بيده وخصوصا الأسماء ولا يخرج بذلك عن كونه أميا ككثير من الملوك، ويحتمل أن يكون جرت يده بالكتابة حينئذ وهو لا يحسنها فخرج المكتوب على وفق المراد فيكون معجزة أخرى في ذلك الوقت خاصة، ولا يخرج بذلك عن كونه أميا. وبهذا أجاب أبو جعفر السمناني أحد أئمة الأصول من الأشاعرة وتبعه ابن الجوزي وتعقب ذلك السهيلي وغيره بأن هذا وإن كان ممكنا ويكون آية أخرى لكنه يناقض كونه أميا لا يكتب وهي الآية التي قامت بها الحجة وأفحم الجاحد وانحسمت الشبهة، فلو جاز أن يصير يكتب بعد ذلك لعادت الشبهة وقال المعاند كان يحسن يكتب لكنه كان يكتم ذلك. قال السهيلي: والمعجزات يستحيل أن يدفع بعضها بعضا. والحق أن معنى قوله فكتب أي أمر عليا أن يكتب انتهى. وفي دعوى أن كتابة اسمه الشريف فقط على هذه الصورة تستلزم مناقضة المعجزة وتثبت كونه غير أمي نظر كبير. والله أعلم. اهـ

29 - مارس - 2008
هل الشريعة الإسلامية أمية
أميته ، صلى الله عليه وآله، من المعجزات4    كن أول من يقيّم

وأما القراءة والمدارسة فلا يلزم منها كون الشخص يقرأ مكتوبا؛ إذ تطلق القراءة على التلاوة كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب. رواه البخاري. وفي رواية لمسلم: لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن.
وفي حديث أحمد وابن حبان:  إذا استقبلت القبلة فكبر، ثم اقرأ بأم القرآن، ثم اقرأ بما شئت. صححه الأرناؤوط.
وفي صحيح مسلم عن حذيفة قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة ثم مضى فقلت: يصلي بها في ركعة فمضى فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ ثم ركع فجعل يقول: سبحان ربي العظيم فكان ركوعه نحوا من قيامه، ثم قال: سمع الله لمن حمده ثم قام طويلا قريبا مما ركع ثم سجد فقال: سبحان ربي الأعلى فكان سجوده قريبا من قيامه.
ومن المعلوم أن القارئ في الصلاة لا يقرأ من كتاب ولا سيما في ظلام الليل، وأما الدراسة فهي لا تستلزم أن تكون من كتاب بل إن المدارسة التي رغب فيها الشارع في حديث مسلم: وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده.
إنما يراد بها تلاوة بعضهم على بعض وتحاورهم فيما يستفاد بواسطة التدبر من الآيات المتلوة، قال النووي في شرح مسلم: وفي هذا دليل لفضل الاجتماع على تلاوة القرآن في المسجد، وراجع في الكلام على آية العلق الفتوى رقم: 11398.
وأما حب أبي طالب النبي صلى الله عليه وسلم واحتمال تعليمه له الكتابة ونجاحه صلى الله عليه وسلم في التجارة فهو احتمال لا يمكن أن تُردَّ به النصوص الصريحة في الوحيين.
والله أعلم
المصدر : الشبكة الإسلامية.

29 - مارس - 2008
هل الشريعة الإسلامية أمية
• أبو إسحاق الشاطبي والتفسير العلمي : هو من المعارضين     كن أول من يقيّم

"ولقد رأينا الإمام أبا إسحاق الشاطبي رحمه الله، قد عارض هذا التوجه في كتابه (الموافقات) معتمدا على أن الشريعة نزلت في الأساس لقوم أميين، فهي -على حد تعبيره- شريعة أمية، فلا ينبغي أن نخرجها إلى حد التكلف والتعقيد والتفلسف. وإن بالغ في ذلك، حتى تعقبه العلامة الشيخ الطاهر بن عاشور في مقدمة تفسيره (التحرير والتنوير)، كما تعقب بعضه العلامة الشيخ عبد الله دراز في تعليقه على الموافقات[10].
بيّن الشاطبي أن الشريعة الإسلامية شريعة أمية؛ لأن الله بعث بها رسولاً أميًّا إلى قوم أميين كما قال تعالى: "هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ" (الجمعة: 2)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب) (متفق عليه، عن ابن عمر) فيلزم أن تكون الشريعة على معهودهم وفي مستواهم.
ثم بعد هذا البيان أوضح الشاطبي أن الشريعة - في تصحيح ما صححت، وإبطال ما أبطلت- قد عرضت من ذلك إلى ما تعرفه العرب من العلوم، ولم تخرج عما ألفوه، ثم يتوجه باللوم إلى قوم أضافوا للقرآن كل علوم الأولين والآخرين، مفندًا هذه الدعوى قائلاً:
ما تقرر من أمية الشريعة، وأنها جارية على مذاهب أهلها -وهم العرب- ينبني عليه قواعد، منها: أن كثيرا من الناس تجاوزوا -في الدعوى على القرآن- الحدَّ، فأضافوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين والمتأخرين، من علوم الطبيعيات والتعاليم [كالهندسة وغيرها من الرياضيات] والمنطق وعلوم الحروف، وجميع ما نظر فيه الناظرون من هذه الفنون وأشباهها، وهذا إذا عرضناه على ما تقدم لم يصح[11].
ثم يدلل الشاطبي على رأيه هذا ويحتج له بما عرف عن السلف من نظرهم في القرآن فيقول: (إن السلف الصالح -من الصحابة والتابعين ومن يليهم- كانوا أعرف بالقرآن وبعلومه وما أودع فيه، ولم يبلغنا أنه تكلم أحد منهم في شيء من هذا المدعى سوى ما تقدم، وما ثبت فيه من أحكام التكاليف، وأحكام الآخرة، وما يلي ذلك، ولو كان لهم في ذلك خوض ونظر لبلغنا منه ما يدلنا على أصل المسألة، إلا أن ذلك لم يكن، فدل على أنه غير موجود عندهم، وذلك دليل على أن القرآن لم يقصد فيه شيء مما زعموا، نعم تضمن علوما من جنس علوم العرب أو ما ينبني على معهودهم مما يتعجب منه أولو الألباب، ولا تبلغه إدراكات العقول الراجحة، دون الاهتداء بأعلامه، والاستنارة بنوره، أما أن فيه ما ليس من ذلك فلا)[12].
ثم شرع الشاطبي بعد هذا في ذكر الأدلة التي استند إليها أرباب هذا التفسير (التفسير العلمي) فقال: (وربما استدلوا على دعواهم بقوله تعالى: "وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ" (النحل: 89)، وقوله: "مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ" (الأنعام: 38).. ونحو ذلك، وبفواتح السور -وهي لم تعهد عند العرب- وبما نقل عن الناس فيها، وربما حكي من ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره أشياء).
بعد ذلك طفق الشاطبي ينقض هذه الأدلة، واحدا بعد الآخر بمنطقه القوي، فقال رحمه الله: (فأما الآيات: فالمراد بها عند المفسرين ما يتعلق بحال التكليف والتعبد، أو المراد بالكتاب في قوله: ]مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْء[: اللوح المحفوظ، ولم يذكروا فيها ما يقتضي تضمنه لجميع العلوم النقلية والعقلية.
وأما فواتح السور: فقد تكلم الناس فيها بما يقتضي أن للعرب بها عهدا، كعدد الجُمّل الذي تعرفوه من أهل الكتاب، حسبما ذكره أصحاب السير، أو هي من المتشابهات التي لا يعلم تأويلها إلا الله تعالى، وغير ذلك, أما تفسيرها بما لا عهد به فلا يكون, ولم يدّعِهِ أحد ممن تقدم، فلا دليل فيها على ما ادعوا، وما ينقل عن علي أو غيره في هذا لا يثبت، فليس بجائز أن يضاف إلى القرآن ما لا يقتضيه، في الاستعانة على فهمه على كل ما يضاف علمه إلى العرب خاصة، فبه يوصل إلى علم ما أودع من الأحكام الشرعية، فمن طلبه بغير ما هو أداة له ضل عن فهمه وتقوّل على الله ورسوله فيه، والله أعلم، وبه التوفيق)[13].
ومنطق الشاطبي هنا منطق قوي، وأدلته لا مطعن فيها، إلا ما كان من اعتماده على (أمية الشريعة) بناء على أمية الأمة. ذلك أن أمية الأمة ليست أمرًا مطلوبًا ولا مرغوبا فيه، بل بعث الله رسوله في الأميين رسولاً ليخرجهم من الأمية إلى باحة العلوم والنور، كما قال تعالى: ]هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ[ (الجمعة: 2) فهذه مهمة الرسول مع الأميين: التلاوة والتزكية وتعليم الكتاب والحكمة ولا عجب أن كانت الآيات الأولى من الوحي تنبئ بذلك: ]اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ[ (العلق: 1-5)، وأقسم سبحانه بالقلم فقال: ]ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ[ (القلم: 1).
فالأمية ممدوحة في حقه صلى الله عليه وسلم؛ لأنها أدل على الإعجاز وليست ممدوحة في الأمة، وعلى الأمة أن تتحرر منها ولتتعلم وتتفقه وتنظر في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء، وقد قال تعالى: ]هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ[ (الزمر: 9).
ولقد كان الرسول الكريم هو أول من حارب الأمية، كما رأينا ذلك حين قبل في أسرى بدر أن يفتدي بعضهم نفسه إذا كان كاتبا، وأن يعلم عشرة من أولاد المسلمين الكتابة. من أجل هذا لا نقبل فكرة أمية الشريعة إلا إذا حملت على معنى الفطرية والسهولة، والبعد عن التكلف والتعقيد، وبالله التوفيق"
 
الدكتور:  يوسف القرضاوي

29 - مارس - 2008
هل الشريعة الإسلامية أمية
المنتخب    كن أول من يقيّم

هل تعلم
   
 
هل تعلم أن أبا يوسف واسمه يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي البغدادي، أبو يوسف هو صاحب الإمام أبي حنيفة، وتلميذه؛ وأول من نشر مذهبه. كان فقيهاً علامة، من حفاظ الحديث. ولد بالكوفة، وتفقه بالحديث والرواية، ثم لزم أبا حنيفة، فغلب عليه «الرأي» وولي القضاء ببغداد أيام المهدي والهادي والرشيد. ومات في خلافته، ببغداد، وهو على القضاء. وهو أول من دعي «قاضي القضاة» ويقال له: قاضي قضاة الدنيا؛ وأول من وضع الكتب في أصول الفقه، على مذهب أبي حنيفة. وكان واسع العلم بالتفسير والمغازي وأيام العرب. من كتبه «الخراج ط» و«الآثار ط» وهو مسند أبي حنيفة، و«النوادر» و«اختلاف الأمصار» و«أدب القاضي» و«الأمالي في الفقه» و«الرد على مالك بن أنس» و«الفرائض» و«الوصايا» و«الوكالة» و«البيوع» و«الصيد والذبائح» و«الغضب والاستبراء» و«الجوامع» في أربعين فصلاً، ألفه ليحيى بن خالد البرمكي، ذكر فيه اختلاف الناس والرأي المأخوذ به. 
 
هل تعلم أن الشدياق واسمه أحمد فارس بن يوسف بن منصور الشدياق هو عالم باللغة والأدب. ولد في قرية عشقوت (بلبنان) عام 1804 م وأبواه مسيحيان مارونيان سمياه فارساً. ورحل إلى مصر فتلقى الأدب عن علمائها. ورحل إلى مالطة فأدار فيها أعمال المطبعة الأميركانية. وتنقل في أوروبا، ثم سافر إلى تونس فدخل فيها في الدين الإسلامي وتسمى «أحمد فارس» فدعي إلى الآستانة فأقام بضع سنوات، ثم أصدر بها جريدة «الجوائب»، و«سر الليال في القلب والإبدال» في اللغة، جزءان، طبع الأول منهما و«الواسطة في أحوال مالطة ط» و«كشف المخبا عن فنون أوروبا ط» و«الجاسوس على القاموس ط» و«اللفيف في كل معنى طريف ط» و«الساق على الساق  ط» و«غنية الطالب ط» و«الباكورة الشهية في نحو اللغة الانكليزية ط» و«سند الراوي في الصرف الفرنساوي ط» وله عدة كتب لم تزل مخطوطة، منها «ديوان شعره» يشتمل على اثنين وعشرين ألف بيت، طبع نحو ربعه في الجزء الثالث من «كنز الرغائب»، وفي شعره رقة وحسن انسجام، و«المرآة في عكس التوراة» وكتاب في «تراجم الرجال» و«التقنيع في علم البديع خ». 
 
هل تعلم أن ابن ماجد هو ربان العرب واسمه أحمد بن ماجد بن محمد السعدي، النجدي، من أهل نجد، شهاب الدين، المعلم، أسد البحر، ابن أبي الركائب، وقد يقال له «السائد ماجد»: من كبار ربابنة العرب في البحر الأحمر وخليج البربر والمحيط الهندي وخليج بنجالة وبحر الصين؛ ومن علماء فن الملاحة وتاريخه عند العرب. وهو كما في مجلة المجمع العلمي العربي، الربان الذي أرشد قائد الأسطول البرتغالي فاسكو دي غاما في رحلته من مالندي على ساحل إفريقية الشرقية إلى «كلكتا» في الهند سنة 1498 م، فهو أحرى بلقب مكتشف طريق الهند. ولد بنجد، وصنف «الفوائد في أصول علم البحر والقواعد ط» وأرجوزة سماها «حاوية الاختصار في أصول علم البحار خ» و«الأرجوزة السبعية ط» و«القصيدة المسماة بالهدية ط» و«أرجوزة بر العرب في خليج فارس خ» في دار الكتب، و«المراسي على ساحل الهند الغربية» ورسائل أخرى. وختم كتابه «الفوائد» سنة 895 ه. 
 
هل تعلم أن الإمام ابن حنبل واسمه أحمد بن محمد بن حنبل، أبو عبد الله، الشبياني الوائلي هو إمام المذهب الحنبلي، وأحد الأئمة الأربعة. أصله من مرو، وكان أبوه والي سرخس. وولد ببغداد سنة 780 م، فنشأ منكباً على طلب العلم، وسافر في سبيله أسفاراً كبيرة إلى الكوفة والبصرة ومكة والمدينة واليمن والشام والثغور والمغرب والجزائر والعراقين وفارس وخراسان والجبال والأطراف. وصنف «المسند ط» ستة مجلدات، يحتوي على ثلاثين ألف حديث. وله كتب في «التاريخ» و«الناسخ والمنسوخ» و«الرد على الزنادقة فيما ادعت به من متشابه القرآن ط» و«التفسير» و«فضائل الصحابة» و«المناسك» و«الزهد ط» في خزانة الرباط و«الأشربة» و«المسائل» و«العلل والرجال خ». وكان أسمر اللون، حسن الوجه، طويل القامة، يلبس الأبيض ويخضب رأسه ولحيته بالحناء. وفي أيامه دعاه المأمون إلى القول بخلق القرآن ومات قبل أن يناظر ابن حنبل، وتولى المعتصم فسجن ابن حنبل ثمانية وعشرين شهراً لامتناعه عن القول بخلق القرآن، وأطلق سنة 220 ه. ولم يصبه شر في زمن الواثق بالله بعد المعتصم ولما توفي الواثق وولي أخوه المتوكل ابن المعتصم أكرم الإمام ابن حنبل وقدمه، ومكث مدة لا يولي أحداً إلا بمشورته، وتوفي الإمام وهو على تقدمه عند المتوكل.

31 - مارس - 2008
كناشة الفوائد و النكت
الغيب المطلق لله سبحانه ....    كن أول من يقيّم

السيادة سيادتان : مطلقة لله وحده ، سبحانه وتعالى ، ونسبية للرسل عامة ، ولسيدنا محمد خاصة ، صلى الله عليه وآله وسلم ....
والغيب المطلق لله وحده ، سبحانه وتعالى ، والغيب النسبي لرسله عامة ، ولسيدنا رسول الرحمة المهداة إلى العالمِين نوراً وبشيراً ونذيراً .
تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ)
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: { فَلا يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أحَداً إلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ } فأعلم الله سبحانه الرسل من الغيب الوحي وأظهرهم عليه بما أوحي إليهم من غيبه، وما يحكم الله، فإنه لا يعلم ذلك غيره.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { عالِم الغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أحَداً إلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ } فإنه يصطفيهم، ويطلعهم على ما يشاء من الغيب.
تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ)
يعني: أنه لا يطلع على الغيب إلا المرتضى الذي هو مصطفى للنبوة خاصة، لا كل مرتضى.
 
تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ)
فإنه يظهره على ما يشاء من غيبه؛ لأن الرسل مؤيدون بالمعجزات، ومنها الإخبار عن بعض الغائبات
تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ)
ثبت في الصحيح وغيره «أن عمر بن الخطاب سأله عن الفتنة التي تموج كموج البحر، فقال: إن بينك وبينها باباً، فقال عمر: هل يفتح أو يكسر؟ فقال: بل يكسر، فعلم عمر أنه الباب، وأن كسره قتله»، كما في الحديث الصحيح المعروف أنه قيل لحذيفة: هل كان عمر يعلم ذلك؟ فقال: نعم كان يعلم أن دون غد الليلة. وكذلك ما ثبت من إخباره لأبي ذرّ بما يحدث له، وإخباره لعليّ بن أبي طالب بخبر ذي الثدية، ونحو هذا مما يكثر تعدده، ولو جمع لجاء منه مصنف مستقلّ. وإذا تقرّر هذا فلا مانع من أن يختصّ بعض صلحاء هذه الأمة بشيء من أخبار الغيب التي أظهرها الله لرسوله، وأظهرها رسوله لبعض أمته، وأظهرها هذا البعض من الأمة لمن بعدهم، فتكون كرامات الصالحين من هذا القبيل، والكل من الفيض الرّباني بواسطة الجناب النبويّ
تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ)
قوله جلّ ذكره: { عَالِمُ الغَيْبَ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ }.
فيطلعه بقَدْرِ ما يريده.
تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ)
{ عالِمُ الغيبِ } أي: هو عالم الغيب، { فلا يُظْهِر }؛ فلا يُطلع { على غيبه أحداً إِلاّ مَن ارتضى من رسولٍ } أي: إلاَّ رسولاً قد ارتضاه لِعلْمِ بعض الغيب؛ ليكون إخباره عن الغيب معجزةً له، والولي إذا أخبر بشيء فظهر فهو غير جازم به، وإنما أخبر به بناءً على رؤيا، أو بالفراسة، أو بتجلِّ قلبي، على أنّ كل كرامة لوليّ فهي معجزة لنبيه. قال بعضهم: وفي هذه الآية دلالة على تكذيب المنجّمة، وليس كذلك، فإنَّ فيهم مَن يَصدق خبره، وكذلك المتطببة، فإنهم يعرفون طبائع النبات، وذا لا يُعرف بالتأمُّل، فعلم بأنهم وقفوا على علمه من جهة رسول انقطع أثره، وبقي علمه في الخلق. قاله النسفي. فتحصّل: أنّ إطلاع النبي على الغيب قطعي، وغيره ظني.
 

1 - أبريل - 2008
صوت من تونس:
معنى لا تطروني....    كن أول من يقيّم

لا تطروني إطراءً مثلَ إطراء النصارى عيسى ابن مريم : لقد جعلوه تارة إلهاً ، وتارة ابناً له ، وتارة ثالثة : الثلاثة واحد.....
إذن ، فنهيُه صلى الله عليه وسلم من هذا القبيل ....وإننا بحمد الله عز وجل لم نسمع أو نقرأ لأحد من المسلمين من جعل المصطفى ابناً ، كما فعلت النصارىواليهود الذين ادعَوا ( عُزيراً) ابن الله .
مئة خصلة انفرد بها صلى الله عليه وسلم عن بقية الأنبياء السابقين عليهم السلام
ما أكرمه الله تعالى به لذاته في الدنيا

1--أخذ الله له العهد على جميع الأنبياء ، صلى الله عليه وسلم .
2- كان عند أهل الكتاب علم تام به صلى الله عليه وسلم .
4- كان نبياً وآدم منجدل في طينته صلى الله عليه وسلم .
4- هو أول المسلمين صلى الله عليه وسلم .
5- هو خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم .
6-هو نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم .
7- هو أولى بالأنبياء من أممهم صلى الله عليه وسلم .
8- هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وأزواجه أمهاتهم صلى الله عليه وسلم .
9- كونه منة يمتن الله بها على عباده .
10- كونه خيرة الخلق ، وسيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم .

1 - أبريل - 2008
صوت من تونس:
الغيب المطلق لله سبحانه ....2    كن أول من يقيّم

11- طاعته ومبايعته هي عين طاعة الله ومبايعته .
12- الإيمان به مقرون بالإيمان بالله تعالى .
13- هو رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم .
14-هو أمنة لأمته صلى الله عليه وسلم .
15- عموم رسالته صلى الله عليه وسلم .
16- تكفل المولى بحفظه وعصمته صلى الله عليه وسلم .
17- التكفل بحفظ دينه صلى الله عليه وسلم .
18- القسم بحياته صلى الله عليه وسلم .
19.
القسم ببلده صلى الله عليه وسلم .
20- القسم له صلى الله عليه وسلم .
21- لم يناده باسمه صلى الله عليه وسلم .
22-ذكر في أول من ذكر من الأنبياء .
23- النهي عن مناداته باسمه صلى الله عليه وسلم .
24- لا يرفع صوت فوق صوته صلى الله عليه وسلم .
25- تقديم الصدقة بين يدي مناجاتهم له ( ثم نسخ ذلك ).

1 - أبريل - 2008
صوت من تونس:
 69  70  71  72  73