البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات ضياء العلي

 69  70  71  72  73 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
سانتا ماريا دل فيوري وبرونلسكو    كن أول من يقيّم

لم تكن عمارة عصر النهضة في إيطاليا ثورة على نمط البناء القوطي كما حدث في فرنسا مثلاً ، لأن هذا النموذج المعماري لم يغلب عليها ، بل كان الغالب عليها هو الفن المعماري الإسلامي والبيزنطي إلى جانب إرثها الروماني ـ اليوناني الطابع . ولو تأملنا عن قرب في تفاصيل بناء كنيسة سانتا ماريا دل فيوري لوجدنا فيها كل الأنماط المعمارية المعروفة حتى ذلك العصر ، من الإسلامي البيزنطي إلى الروماني إلى القوطي . وربما يعود هذا التنوع لكثرة المهندسين والمصممين الذين عملوا على تشييدها (  Giotto - Pisano - Orcagna - Talenti - Ghini و Brunelleschi ) ، ولأن بناءها امتد على فترة مئة وأربعين سنة ( 1296 ـ 1426 ) . غير أن ما قادنا اليوم للحديث عنها ( عدا نشر الأستاذ عبد الحفيظ لصورتها ) هو ارتباط اسمها باسم ب Brunelleschi أو برونلسكو ، كما ورد اسمه في كتاب تاريخ الحضارة لويل ديوارنت .
فبرونلسكو الذي بدأ حياته كصائغ للمجوهرات وخبير بالساعات اليدوية ، يعد من أشهر معماريي عصر النهضة بالرغم من أنه تلقى تعليماً كلاسيكياً في هذا المجال ، أي أنه كان متشبعاً بروح الفن المعماري المسيحي القوطي وتلميذاً لمدرسته ، لكنه كان يعشق عظمة البناء المعماري الروماني القديم ويعتمده كثيراً خصوصاً في تصميماته الداخلية . وهو في كل هذا لم يكن مجدداً من ناحية الشكل الخارجي ، إلا ان شهرته تسببت بها قدرته الفائقة على الابتكار التقني وإيجاد الحلول للمشاكل المستعصية ، وأيضاً وعلى الأخص ، اعتماده على إدخال فن الرسم المنظوري perspective إلى رسومه وتصميماته مما أدخل نظرية الأبعاد في صميم الفكر الحداثي لعصر النهضة الأوروبية .
أما بالنسبة لهذا العمل بالذات ، أي الكنيسة التي نتحدث عنها والتي كان مطلوباً منها أن تمثل عظمة وتفوق فلورنسا وآل ميدتشي بالمنافسة مع روما في ذلك الحين ، كان العمل قد توقف فيها نظراً لوجود مشكلة تتعلق بكيفية تشييد القبة الضخمة البيضاوية الشكل والتي لا يضاهيها حقيقة في اتساع قاعدتها أو كبر حجمها إلا جامع القديسة صوفيا في اسطمبول والذي كان بالأساس كنيسة بيزنطية مع العلم بأن هذه القبة كانت قد تهاوت مرات عدة نظراً لضخامة حجمها ، ومرة بسبب الزلزال ، ثم أعيد بناؤها. ولما تولى برونلسكو هذا العمل ، كان عليه أن يجد حلاً عملياً لبناء هذه القبة ودون أن يكون اختياره للشكل متنافراً مع بقية الأجزاء . فكان أن اختار هذا الشكل البيضاوي المثمن الأضلاع وأن بنى قالباً داخلياً ثم غطاه بقالب خارجي بمساحة أربعة أمتار تفصل بينهما وبحيث تمكن من توزيع وزن القبة بشكل يحميها من الانخفاض تدريجياً
والسقوط بفعل الضغط المتأتي من الأعلى . وقد أصبح هذا الإنجاز فيما بعد عملاً رائداً يحتذى به وهو المثال الذي اعتمده ميكال أنجلو في تصميم قبة كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان .

23 - يونيو - 2008
عصر النهضة الأوروبية : النظرة الجديدة إلى العالم
عين التفاح    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم


كنا في بداية هذا الملف قد تحدثنا عن مشكلة تسميات بعض الفاكهة كالخوخ والدراق والإجاص والمشمش ( البرقوق ) واختلاف تسميتها العربية من بلد لآخر ، وكنا قد تساءلنا عن مصدر هذه التسميات التي وفد بعضها إلينا من لغات أخرى كاللاتينية واليونانية والفارسية والسريانية القديمة . وبالصدفة ، وقعت على هذه المقالة عن التفاح ووجدت بانها تجيب على بعض هذه التساؤلات التي سوف أضع تحتها خطاً لإبرازها، وكل التحية للأستاذ لحسن بنلفقيه راعي هذا الملف .


في ظل التفاح يُشتهى الجلوس
علي الشوك :

كان الدب البني يفضل الاقتيات على أفضل أصناف التفاح في غابات تيين شان في كازاخستان. لم يكن لون التفاح الأحمر الزاهي يجتذبه، لأنه لا يرى الألوان. بل كانت رائحته الذكية تشده إليه.أما الإنسان فقد أحب التفاح لسبب آخر أيضاً، الى جانب قيمته الغذائية: شكل التفاحة الجميل، بما في ذلك رصعتاها من أسفل ومن أعلى. هاتان الرصعتان لا نكاد نجدهما في أية فاكهة أخرى، لا في البرتقال وبقية الحمضيات ولا في الـmango، ولا في البطيخ، ولا حتى في أي من عائلة النباتات الوردية التي ينتمي إليها التفاح، كالكمثرى، والسفرجل، والمشمش، والإجاص، الخ. وقد تكون لبعض أو كل أصناف الفاكهة جماليتها أيضاً، لكن التفاح ليس كمثله فاكهة في جماليته، على ما يبدو. وهناك سر آخر كان يرتبط بالتفاح عند البشر قديماً. فأنت إذا قطعت التفاحة جانبياً، فستجد في داخلها نجمة خماسية الشكل، وهذه كان ينظر إليها كرمز سحري. وإذا قطعتها عمودياً، فسيوحي لك لُبّها بانطباع جنسي. هذا الى أن الخدود تشبّه بالتفاح، شكلاً، ولوناً، ولمعاناً... وحتى الرياضيون أغرموا في شكل التفاحة، فوضعوا لها معادلات، وذلك بحسب موضع رصعتها (الى الأسفل، أو الى اليمين، أو الى الشمال). وربما لأجل هذا كله اقترن التفاح بالحب. فمنذ أقدم النصوص الأدبية (السومرية مثلاً) كان التفاح يقترن بالحب. لكنني سأقفز في الزمن، وأبدأ بموقع التفاح عند العباسيين، ثم أعود بعد ذلك الى الحضارات القديمة. قيل إن الجواري في أيام العباسيين كُن طالما يُهدين التفاح الى من يكلفون بهن، أو يتعلقن هن بهم. وكن يتركن عليه أثراً أو آثاراً بأسنانهن. وقد يكتبن عليه بعض أبيات رقيقة. في أخبار المهدي (الخليفة)، أن جارية من جواريه أهدت إليه تفاحة بعد أن طيّبتها، وكتبت عليها: «هدية مني الى المهدي/ تفاحة تُقطف من خدي/ محمرة مصفرة طيبت/ كأنها من جنة الخلد».
وقيل إن جارية صبية وضيئة الوجه مرت بأبي نواس، فمازحته ساعة. وكان هو يومذاك صبياً أيضاً، مليح الوجه. ثم رمت الصبية الممراح إليه بتفاحة معضضة. فقال على البديهة من أبيات: «ليس ذاك العض من عيب لها/ إنما ذاك سؤال للقبل» (سؤال هنا بمعنى طلب).
وقد ورد اقتران التفاح بالحب والجنس في الأشعار التي تتغنى بمفاتن الإلهة السومرية إنانّا. في إحدى هذه القصائد إشارة الى أن اتكاء إنانّا الى شجرة تفاح يجعلها مشتهاة. وفي قصيدة أخرى تظهر إناّنا مفاتنها لحبيبها تموز تلقاء شجرة تفاح. وفي رُقية حب آشورية تُسدى نصيحة الى خاطب ود العروس بتلاوة تعويذة على تفاحة أو رمانة (كان الرمان فاكهة حب أيضاً، وكذلك السفرجل).
وفي نشيد الإنشاد (في التوراة) جاء: «كالتفاحة في أشجار الغابة، كذلك حبيبي بين البنين. في ظله اشتهيت الجلوس، وثمره حلو في حلقي». وفي موضع آخر: «أنعِشوني بالتفاح، فقد أسقمني الحب».
وفي الأساطير اليونانية أن التفاحة كانت تقدم هدية كرمز للاعتراف بالحب. وتقول الأسطورة إن أبا أتلانتا اشترط على خاطبي ودها أن يسبقوها في العدو (الركض)، ومن يفشل تصرعه بسهامها. فلقي الكثيرون مصرعهم، لأنها كانت عداءة لا يشق لها غبار، عدا ميلانيون (ويعني اسمه باليونانية رجل التفاح)، الذي فاز عليها في سباق العدو، بعد أن رمى ثلاث تفاحات ذهبية في مراحل مختلفة من مضمار العدو، أعطته إياها أفروديت، فتلكأت أتلانتا لالتقاطها، وبذلك تخلفت، وخسرت الرهان. وتزعم الأسطورة أن لهذه التفاحات سحر الحب على الفتاة عندما تركض عارية. (كان المتبارون في سباق العدو الأولمبي يركضون عراة). ومشهورة هي قصة تحكيم باريس، بطل طروادة، بين جمال الإلاهات اليونانيات الثلاث: هيرا، وأثينا، وأفروديت. وقد اختار أفروديت وأعطاها تفاحة ذهبية.
ويقول روبرت غريفز في كتابه «الإلهة البيضاء» ان اقتران شجرة التفاح بالخلود قديم وواسع الانتشار في أوروبا. ويتساءل ماذا تعني كلمة (apple)؟ استناداً الى قاموس أوكسفورد فإن اشتقاقها مجهول، بيد أن الكلمة تنتشر في الاتجاه الشمالي الغربي في أوروبا، من البلقان الى إرلندا في صيغة مقاربة الى Apol. لكنّ هناك ألفاظاً أخرى للتفاح في اللغات الأوروبية، مثل melon اليونانية، وmalum اللاتينية.
أما في السومرية، فإن لفظة MA تقال للتين، لكن MA+GUNU تقال للتفاح. أما المشمش فيقال له MAGUNU-CUR-RA، أي التفاح الأجنبي. فهل يعني هذا أن التفاح عُرف في سومر قبل المشمش؟ والتفاح بالأكدية خشخورو، وبالسريانية خزّورو. لكنه بالعربية تفاح، كما هو معلوم، وبالعبرية تفوح، وهما من الجذر (فاح). لكن المشمش بالأكدية أرمانو، وبالآرامية خزورو أرمنايا.
من أين جاء التفاح؟
الاعتقاد السائد هو أن التفاح السائغ كان موطنه الأصلي في إحدى مناطق آسيا الوسطى. والتفاح هو من الفصيلة الوردية (rose)، واسمه العلمي Malus domestica (التفاح المدجن). ويُعتقد أن التفاح المدجن تحسن بواسطة التهجين بين فصائل برية. لكن، هناك دراسة حديثة طرحت وجهة نظر أخرى. صاحب هذه النظرية هو باري جُونيبر، البروفسور الفخري في دائرة العلوم النباتية في جامعة أوكسفورد. فهو يعتقد من خلال استعمال الـDNA أن نظرية التهجين خاطئة تماماً تقريباً. وأن الأصل الحقيقي للتفاح الذي تأكله الآن هو عدد صغير من أنواع التفاح لا يزال ينمو في وادي إيلي على المنحدرات الشمالية لجبال تيين شان (الجبال السماوية) على الحدود الشمالية الغربية للصين مع جمهورية كازاخستان. إن اسم عاصمة كازاخستان هو آلما آتا، ويعني (أبا التفاح). ويعتقد جونيبر أن هذا النوع المنعزل نشأ قبل أربعة ملايين ونصف مليون من السنين، وأصبح أكبر وأحلى، ثم انتقل الى مناطق أخرى من العالم على طريق الحرير القديم. في 1997 اكتشف الدكتور جونيبر وفريقه «فردوساً من التفاح» من أشجار برية في كازاخستان على ارتفاع خمسة آلاف قدم، على جبل يطل على الصين.
يعتقد جونيبر أن التفاح الأصلي نشأ في وسط الصين وجنوبها، قبل عشرة الى عشرين مليون سنة. وكان يحمل فاكهة صغيرة مع بذور صلدة لكنها سائغة. ثم انتشر بواسطة الطيور في القسم الشمالي من الكرة الأرضية. وقد انتشرت مجموعة صغيرة من التفاح البري باتجاه الشمال الغربي من موطنها الأصلي في وسط الصين في أثناء ارتفاع سلسلة جبال تيين شان بسبب التصادم بين قاع الهند الزاحفة من القطب الجنوبي، والقاع الآسيوية. ونقلت الطيور البذور الى كازاخستان الحالية. وبعد أن ظهرت صحراء غوبي، وتاكليماكان في الشرق، بسبب نشوء الجبال، تعذر نقل البذور الى الشرق. ونتيجة لذلك أصبح تفاح تيين شان البري معزولاً جغرافياً بين مرتفعات تيين شان، وظل على هذه الحال مراحل جيولوجية.
وقبل سبعة ملايين سنة من الآن، أصبحت هذه المنطقة مأهولة بغزلان الغاب، والخنازير البرية، والدببة، في المناطق الغابية، وكذلك بالخيل والحمير البرية على السهوب الى الغرب من ذلك. كل هذه الحيوانات المقتاتة بالأعشاب كانت تطعم نفسها من فاكهة التفاح، منتقية تلك الأشجار التي تحمل فاكهة أكبر، وأحلى، وأغزر عصيراً. ومن ثم نقلت هذه الحيوانات بذور أفضل التفاح بواسطة روثها. وبهذه الواسطة تحول التفاح من طعام للطيور مع بذور سائغة، الى تفاح أكبر ذي بذور سامة نسبياً (بالنسبة الى الطيور)، لاحتوائها على نسبة من السايانيد.
وفي نهاية العصر الجليدي الأخير (قبل عشرة آلاف سنة)، بدأ البشر بالترحال شرقاً وغرباً سالكين طرق الحيوانات المهاجرة (طريق الحرير)، وبدأوا، هم الآخرون، باستهلاك هذه الفاكهة الجديدة، ونقلها غرباً. وأصبحت الأشجار تزرع بطرق أكثر تقدماً في وادي الرافدين وبعد ذلك في منطقة البحر المتوسط. وكانت الأشجار الأولى كلها تنمو من البذور، وبذلك تنتج تفاحاً متنوعاً ومشابهاً للذي اكتشفه الدكتور جونيبر في كازاخستان. وبعد أن ابتُكر فن التطعيم (في أرض بابل) تحسنت زراعة التفاح. على ان نظرية جونيبر، هذه، لا تزال خاضعة للنقاش.
مع ذلك يعود الآن البروفسور جونيبر الى غابة الفاكهة القديمة التي اكتشفها ليطبق دراساته عن التفاح على الكمثرى، والمشمش، والإجاص، والكرز، التي تنمو هناك، وهي تنتمي الى عائلة التفاح نفسها. وربما سيكون في وسعنا، في ضوء هذه الدراسة، أن نعرف متى وصلتنا أصناف هذه الفاكهة الأخرى، مع التفاح أم بعده؟ لكننا ينبغي أن نعرب عن امتناننا لنبتة الورد، لأنها هي التي أعطتنا أشجار التفاح، والكمثرى، والسفرجل، والمشمش، والإجاص، والكرز، وبقيت هي لتمتعنا بمنظر وردها الجميل، وشذا عطره الفواح ,

* الحياة 03 حزيران 2008

25 - يونيو - 2008
نباتات بلادي
قراءة في تجربة مؤلفة هاري بوتر     كن أول من يقيّم

لا حاجة الى السحر لتغيير العالم
 
سحر بعاصيري :

 
شكّل إسم "هاري بوتر" ظاهرة منذ بداية إنتشاره عام 1997. من لم يقرأ إحدى الروايات التي تحمل هذا الإسم أو كلها، لا بد أن يكون سمع بها أو سمع عنها أو عايش أشخاصاً، كباراً أو صغاراً، أوقع هذا الولد سحره عليهم فسلبهم قلوبهم وعقولهم الى حد أنهم متى أمسكوا بالكتاب لا يتوقفون عن القراءة الى ان ينهوه، ومتى علموا بموعد صدور رواية جديدة عنه تجمعوا امام المكتبات صفوفا طويلة في أي ساعة من اليوم ينتظرون لحظة شرائها ليدخلوا مجددا الى عالمه الغرائبي.
الهوس بهاري بوتر اجتاح العالم كله. صار ظاهرة روائية معولمة. ظاهرة نشر معولمة. ونعم، ظاهرة قراءة معولمة. نطق الانكليزية البريطانية أولاً ولكن سرعان ما "أتقن"- عبر الترجمة طبعاً- 65 لغة وصار بطلاً للكبار كما للصغار من أولاد جيله وإنتشر بالملايين، رواية تلو الاخرى، صدرت السابعة الاخيرة منها في تموز 2007، وظل ينتشر حتى أظهرت الارقام في نيسان 2008 ان مبيعات الروايات السبع كسرت رقم 375 مليون نسخة واليوم تقارب 400 مليون. ويواصل انتشاره ليس بالكتب فحسب بل بالافلام السينمائية التي تحقق أعلى المداخيل وبالالعاب والمشاريع الخاصة به. فما السر؟
الارقام لا تكفي لمحاولة فهم هذه الظاهرة، ذلك ان هاري بوتر يبقى في النهاية شخصية روائية. أما هاري بوتر الحقيقي فهو جزء عميق من تلك المخيلة الاستثنائية التي انجبته وحملت بذور الظاهرة: جوان كاثلين رولينغ، المعروفة أكثر بتوقيعها ج. ك. رولينغ، التي شكّلت مخيّلة جيل من أولاد صاروا شباباً وعبثت بمخيّلة كثيرين آخرين ولا تزال، باصطحابهم الى عالم خاص يتحقق فيه ما لا يتحقق في الواقع. وهذا ما فعلته مجددا في احتفال تخريج صف 2008 من جامعة هارفرد بعدما اختارتها الجامعة أولاً لتمنحها دكتوراه فخرية في الآداب لما حققته على المستوى العالمي وخصوصاً "ايقاع الملايين في سحر القراءة" وثانيا لتكون خطيبة الاحتفال.
 
ظننت وانا انتظر مع نحو 20 الفاً حضروا في باحة الجامعة ان رولينغ ستطل علينا بعصاها السحرية محاطة بكل السحرة الصغار ومكانسهم الطائرة لتأخذنا في رحلة الى عالم غير مألوف. والواقع انها فعلت ذلك ولكن من دون ادوات السحر هذه. اختارت موضوعا غير مألوف تخاطب به المتخرجين: "الفوائد الجانبية للفشل وأهمية المخيلة". لماذا الفشل وليس النجاح مثلاً في لحظة يحتفل فيها شباب من جيل هاري بوتر بنجاحهم؟ رولينغ روت قصتها للاختيار. لم تتكلم عن هاري بوتر بل استحضرت تجارب فتحت عينها على معنى الحياة وقيمة الانسان وجعلتها ما هي عليه. تجارب ليست استثنائية بل يعيشها كثيرون كل يوم، لكن إستفادتها منها أعطتها بعدها الإنساني الأعمق.
قالت الكاتبة التي وضعت اولى قصصها وهي في السادسة من العمر انها امضت النصف الاول من حياتها الى ان تخرجت من الجامعة وعمرها 21 عاماً تحاول ان تجد توازناً بين طموحها وما يتوقعه منها الاخرون، واليوم وقد بلغت الـ42 تعتبر تلك التجربة غير مريحة. "كنت مقتنعة بأن الشيء الوحيد الذي أردته دوماً هو أن أكتب روايات. لكن والديّ، وكلاهما جاء من خلفية فقر ولم يدخل الجامعة، كانا مقتنعين بأن مخيّلتي الواسعة جداً هي ميزة مسلّية ولكن لا يمكن أن تسدد قرضاً أو تضمن تقاعداً. كانا يأملان في أن أحصل على شهادة تؤمن لي مهنة وأنا أردت أن أدرس الأدب الانكليزي. توصلنا الى تسوية لا اعتقد اليوم انها أرضت أحداً. ذهبت الى الجامعة لادرس اللغات الحديثة ولكن ما أن ذهب والدي حتى تخلّيت عن الالمانية لأدرس الأدب الكلاسيكي. ولا أذكر انني أخبرتهما بذلك. ربما علما بالأمر للمرة الاولى يوم تخرجي (...)
أحب أن أوضح هنا، بين قوسين، أنني لا الوم والديّ على وجهة نظرهما. هناك تاريخ لانتهاء صلاحية لوم أهلكم لدفعكم في الاتجاه الخاطئ. ثم لا أستطيع ان أنتقدهما لأنهما تمنيا ألاّ اختبرالفقر. كانا فقيرين واتفق معهما على ان الفقر ليس تجربة مشرّفة. الفقر يستتبع الخوف والضغط وأحيانا الكآبة.
الفقر يعني آلاف المذلات
الصغيرة والضيق. الخروج من الفقر بجهودكم الشخصية هو بالتأكيد أمر يمكنكم أن تفخروا به، ولكن لا يمجّد الفقر الا الحمقى".
 
على هذه الخلفية قالت إن أكثر ما كانت تخشاه يوم كانت في عمر المتخرجين لم يكن الفقر بل الفشل. وإذ ذكّرتهم بحقيقة أن تخرّجهم من هارفرد يفترض أنهم لا يعرفون الفشل جيدا، أضافت أن الخوف من الفشل قد يحركهم بقدر رغبتهم في النجاح وأن مفهومهم للفشل قد لا يكون بعيدا عن مفهوم الانسان العادي للنجاح. و"في النهاية علينا أن نقرر ما هو الفشل بالنسبة الينا، لكن العالم أيضا جاهز ليعطيكم مجموعة من المقاييس اذا سمحتم له بذلك".
بدأت القصة. قالت رولينغ إنها بكل المقاييس التقليدية فشلت فشلاً ذريعاً في السنوات السبع التي تلت تخرجها، "زواج قصير على نحو استثنائي. كنت عاطلة عن العمل وأم وحيدة وفقيرة الى حد ما يمكن أن يعنيه الفقر في بريطانيا الحديثة من غير أن أكون بلا مأوى. مخاوف والدي تحققّت، وكنت بأي مقياس عادي أجسّد أكبر فشل عرفته. لن أقف أمامكم لاقول إن الفقر أمر مسلّ. تلك الفترة من حياتي كانت مظلمة ولم تكن لدي أدنى فكرة عن أنه سيكون هناك ما تسميه الصحافة نوع من الحل السحري. لم تكن لدي أدنى فكرة كم سيمتد النفق والى متى. أي ضوء في آخره كان أملا أكثر منه واقعاً.
اذاً، لماذا أتكلم عن فوائد الفشل؟ ببساطة لان الفشل يعني التخلص من كل ما هو غير جوهري. توقفت عن الادعاء لنفسي انني أي شيء غير ما أنا فعلاً، وبدأت أركّز كل طاقتي على انجاز العمل الذي يعنيني. وربما لو كنت نجحت في أي شيء آخر، لما وجدت عندي التصميم على النجاح في المجال الذي آمنت أنني أنتمي اليه. تحررت لأن خوفي الاكبر تحقق وكنت لا أزال حية ولا تزال عندي ابنة أحبها كثيراً ولدي آلة كاتبة قديمة ولدي فكرة كبيرة. هكذا تحول القعر الصلب أساساً أعيد بناء حياتي عليه.
قد لا تفشلون على النطاق الذي فشلت فيه لكن بعض الفشل في الحياة حتمي. يستحيل العيش من دون فشل في شيء الا اذا كنتم تعيشون بحذر الى درجة كأنكم لا تعيشون. وفي مثل هذه الحال تكونون فشلتم أيضاً.
الفشل منحني أماناً داخليا لم أحققه بنجاحي في الامتحانات. الفشل علمني أشياء عن نفسي لم أكن لاتعلمها بطريقة أخرى. اكتشفت أن لدي ارادة قوية وإنضباطاً أكثر مما توقّعت، واكتشفت أيضاً أن لدي أصدقاء لا يقدّرون بثمن. وعندما تدركون أنكم خرجتم من النكسات أقوى وأكثر حكمة فهذا يعني انكم ستكونون بعد ذلك اكثر اطمئنانا الى قدرتكم على الاستمرار. لن تعرفوا أنفسكم حقا أو قوة علاقاتكم إلا في المحن. هذه المعرفة نعمة حقيقية بكل الالام والمرارات التي ترافق اكتسابها. وهذه تعني لي أكثر من اي شهادة نلتها. ولو كان هناك ما يعيد الزمن الى الوراء لاخبرت نفسي، ابنة الـ 21، أن السعادة الشخصية تكمن في إدراك أن الحياة ليست جردة بممتلكات أو انجازات. الحياة صعبة ومعقدة وخارجة عن السيطرة الكاملة لقدرة أي انسان. والتواضع في معرفة ذلك يمكّنكم من اجتياز تقلّباتها”.
هذا في فوائد الفشل. فماذا عن أهمية المخيلة؟ قالت رولينغ: "قد تظنون أنني اخترت موضوعي الثاني، أهمية المخيلة، للدور الذي لعبته في إعادة بناء حياتي، لكن الواقع ليس كذلك تماما. فمع أنني سأظل أدافع عن أهمية قصص الخيال حتى اللحظة الاخيرة، فقد تعلّمت أن أقدّر المخيّلة على نحو أكبر بكثير. المخيّلة لا تعني فقط تلك القدرة البشرية الفريدة على تصوّر ما ليس موجوداً وتكون تالياً منبع كل الاختراعات والاكتشافات. المخيّلة، بقدرتها على التغيير والإلهام، هي القوة التي تمكّننا من التعاطف مع البشر الذين لم نعش تجاربهم.

احدى أهم التجارب في حياتي سبقت هاري بوتر وأثّرت كثيراً على ما كتبت لاحقا. هذا الاكتشاف جاء في شكل واحدة من أولى الوظائف التي عملت فيها. مع أنني كنت أهرب لكتابة القصص في فرصة الغداء، فإنني دفعت إيجار منزلي مطلع
عشريناتي من عملي في دائرة الابحاث في منظمة العفو الدولية في مقرها الرئيسي بلندن.
هناك في مكتبي الصغير قرأت حروفا كُتبت على عجل وهُرّبت من أنظمة توتاليتارية. رجال ونساء كانوا يعانون خطر السجن أو الإعتقال يريدون إخبار العالم الخارجي بما يحصل لهم. شاهدت صوراً لأشخاص اختفوا من دون اي أثر أرسلتها عائلاتهم وأصدقاؤهم. قرأت شهادات من ضحايا تعذيب ورأيت صورا لاصاباتهم. فتحت رسائل مكتوبة باليد لشهود عيان عن محاكمات عسكرية واعدامات وعن خطف واغتصابات.
العديد من زملائي كانوا معتقلين سياسيين سابقين. أشخاص اُجبروا على مغادرة بلادهم أو هربوا الى المنفى لأنه كانت لديهم "وقاحة" التفكير بالاستقلال عن حكومتهم. أما زائرو المكتب فبينهم من جاء ليعطي معلومات او ليحاول معرفة ما حصل لبعض من اضطر الى تركهم وراءه.
لن أنسى الإفريقي ضحية التعذيب. شاب في مثل عمري أنذاك صار مريضاً ذهنياً بسبب ما تحمّله في بلده. كان يرتجف عندما تكلم أمام كاميرا الفيديو عن الوحشية التي تعرّض لها. كان أطول مني بنحو قدم وبدا هشاً ضعيفاً مثل ولد. كُلّفت أن أرافقه الى محطة القطار لاحقا. هذا الرجل الذي دمّر الإجرام حياته أخذ يدي بلطف وتمنّى لي مستقبلاً من السعادة.
وما حييت سأذكر انني كنت أمشي في ممر خال عندما سمعت من خلف باب مقفل صرخة وجع ورعب لم أسمع مثلها مذذاك. فُتح الباب ومدّت الباحثة رأسها وطلبت مني أن أُسرع في تحضير شراب ساخن للشاب الجالس في الغرفة معها. كانت قد أعلمته للتو بأنه ردا على معارضته المعلنة لنظام بلاده اعتقلت والدته واُعدِمت.
كل يوم من ايام عملي مطلع عشريناتي كنت أتذكر كم انا محظوظة لان أعيش في دولة لها حكومة منتخبة ديموقراطياً حيث التمثيل القانوني والمحاكمات العلنية
حق للجميع. كل يوم رايت دليلاً اضافياً على الشرور التي يوقعها الانسان بالانسان ليستحوذ على السلطة او يحافظ عليها. بدأت أعيش كوابيس، كوابيس حقيقية عن بعض ما أشاهده أو أسمعه أو أقرأه.
ومع هذا تعلمت أيضاً عن الخير في منظمة العفو الدولية أكثر مما تعلمت من قبل. منظمة العفو الدولية تعبئ ألوفاً من اشخاص لم يسبق لهم أن عانوا التعذيب او الإعتقال بسبب معتقداتهم للعمل من أجل الذين عانوه. قوة التعاطف الانساني التي تؤدي الى عمل جماعي وتنقذ أرواحا وتحرر معتقلين. أشخاص عاديون ممن يتمتعون بعيش آمن يتضامنون بأعداد كبيرة لانقاذ أشخاص لا يعرفونهم ولن يلتقوهم. مساهمتي الصغيرة في هذه العملية كانت من اكثر التجارب التي الهمتني واشعرتني بالتواضع. فعلى عكس اي مخلوق آخر على هذه الارض، يمكن الانسان أن يتعلم ويفهم من غير أن يختبر. يمكنه أن يضع نفسه في أذهان الاخرين ويتخيّل نفسه مكانهم. طبعا هذه قدرة حيادية من نوع السحر الذي أتخيّله. يمكن المرء أن يستخدمها للسيطرة على الاخرين والتلاعب بهم بقدر ما يمكنه أن يستخدمها لتفهّم الآخرين والتعاطف معهم".

المشكلة؟

"كثيرون يفضلون ألاّ يشغّلوا مخيّلتهم على الاطلاق. يختارون البقاء في حدود تجاربهم غير آبهين بالتفكير في ما كانوا سيشعرون به لو ولدوا غير ما هم. يمكنهم رفض سماع صراخ أو النظر الى داخل الاقفاص. يمكنهم ايضا اقفال اذهانهم وقلوبهم في وجه اية معاناة لا تمسهم شخصيا. يمكنهم رفض أن يعرفوا.
قد يستهويني أن أحسد أناسا يعيشون كذلك، إلا انني لا أعتقد أن لديهم كوابيس أقل من كوابيسي. فاختيار العيش في مساحات ضيقة يمكن أن يؤدي الى رهاب الأمكنة وهذا يولّد رعبه الخاص. أعتقد أن الذين يرفضون تشغيل مخيّلتهم يرون وحوشا أكثر. وهم في غالب الاحيان أكثر خوفا. ثم ان من يختار ألاّ يُظهر تعاطفا، قد يساهم في تمكين الوحوش الحقيقية، لأنه حتى من غير ان نرتكب عملاً شريراً بأنفسنا فاننا من خلال لامبالاتنا نتواطأ مع الوحوش".
وخلاصتها اننا "لا نحتاج الى السحر لكي نُغيّر العالم. اننا نحمل كل القوة التي نحتاج اليها، لذلك في داخلنا: لدينا القدرة على ان نتخيل بشكل افضل".
اذاً، هذه هي الخلطة السحرية التي أوجدت "الفكرة الكبيرة": ادراك جوهر الحياة واستخدام المخيّلة للتغيير. من هنا يبدأ الحديث عن الظاهرة التي اسمها هاري بوتر. هاري هو الخلطة وسحره هو القدرة على التغيير بطريقة خلاّقة. ولا عجب ان تكون الرواية وصلت الى قلوب الكبار كما الصغار. رولينغ خاطبت الاولاد بمخيلتهم كي تماثل كل ولد مع هاري. لكنها خاطبت ايضا الولد في داخل الكبار الذين غالبا ما يرفضون الاقرار بالفشل بل غالبا ما يقاومون التغيير لئلا يخاطروا بإمكان الوقوع في الفشل، فأحيت فيهم او ربما في مخيلتهم وحدها انهم قادرون على التغيّر والتغيير.
ومن هنا ايضا يبدأ الحديث عن "الفوائد الجانبية" لهذه الخلطة السحرية.
رولينغ التي حصلت على ثلاثة الاف استرلينية عام 1995 في مقابل العقد الذي وقّعته لنشر الكتاب الأول "هاري بوتر وحجر الفلاسفة"، تحوّلت في عشر سنين من انسانة فاشلة فقيرة الى انسانة ناجحة صارت الأولى تملك ثروة تجاوزت مليار دولار من تأليف روايات. وهي تخصص مبالغ كبيرة جدا من هذه الثروة لخدمة قضايا اجتماعية وطبية من اجل تخفيف المعاناة.
الا ان هناك كثيرين غيرها جنوا ثمار سحرها. فبالنسبة الى الناشر البريطاني "بلومزبري" والناشر الاميركي "سكولاستيك" لا يزال هاري بوتر هو العملة النادرة. كانت اولا الترجمة من الانكليزية البريطانية الى الانكليزية الاميركية نظرا الى اختلاف بعض الكلمات والعبارات، ثم الى عشرات اللغات من الفرنسية الى العربية ومن البنغالية الى الصينية والكورية والتركية والاوكرانية والافريكانية والالبانية وغيرها. بل حتى الى اللاتينية واليونانية القديمة. وتاليا كان الإنتشار العالمي الى حد أن الكتاب الأخير نزل في أسواق 90 دولة في وقت واحد وحطّم الرقم
القياسي لهاري بوتر السادس فباع في اليوم الاول 11 مليون نسخة في اميركا (3،8) وفي بريطانيا (7،2) فقط وسط اجواء وصفت بالهستيرية وخصوصا في أميركا حيث قيل إن انتظار الكتاب السابع كان أشبه بالزيارة الاولى التي قام بها فريق البيتلز لأميركا في الستينات. وحتى قبل حلول موعد عرضه في المكتبات اعلنت المكتبة الالكترونية "أمازون" انها باعت اكثر من نصف مليون نسخة متقدمة منه مما جعله الكتاب الاكثر مبيعا لديها قبل صدوره. وفي دول مختلفة من العالم كان الهوس مماثلاً. ففي الصين مثلاً ارتفعت المبيعات بنسبة 226% مقارنة بالكتاب السادس. كل هذا إنما يدل ليس على الولع بالرواية فحسب، بل على أهمية هاري بوتر للناشر نفسه. ففي عام 2006 الذي لم يصدر فيه كتاب جديد لهاري بوتر انخفضت أرباح بلومزبري بنسبة 74%.
وانتقلت الفوائد أيضاً الى صناعة السينما. في 1999 باعت رولينغ حقوق الكتاب الاول بنحو مليوني دولار وحتى الان أنجزت خمسة افلام فيما السادس سيعرض في الصالات في تشرين الثاني من هذه السنة. أما السابع فاعلنت شركة "وورنر بروس" انه سيكون في جزءين الاول يعرض في الصالات في تشرين الثاني 2010 والثاني في أيار 2011. وحققت الأفلام الخمسة حتى الان أعلى المداخيل ولا تزال الافلام الاكثر ربحا في بريطانيا.
وانتقلت الى الالعاب الالكترونية. فهناك حتى الان سبع العاب فيديو عن هاري بوتر تبيع بالملايين. وتكفي الاشارة الى انه في ذروة الظاهرة عام 2002 بلغت المبيعات من هذه الالعاب في بريطانيا وحدها 24 مليون استرلينية لتنخفض قليلا بعدها.
وقريبا سينتقل هاري بوتر رسميا الى اورلاندو في ولاية فلوريدا الاميركية حيث ستفتتح شركة "وورنر" أواخر 2009 حديقة باسمه تكون امتداداً لعالمه السحري.

ولكن يبقى الأهم بحسب الخلطة السحرية لرولينغ مما لا يحسب بالارقام، وهو دفع الملايين الى القراءة وخصوصا الاولاد وتغيير عادات القراءة لديهم. لا يشكك احد، حتى منتقدو هاري بوتر، في أن انطلاقته احدثت تغييراً كبيراً عند الاولاد فوق سن التاسعة. بدأوا يقرأون للمتعة في عالم كان يسرقهم سريعاً الى التلفزيون والكومبيوتر والعاب الفيديو. لكن الاراء بدأت تتفاوت لاحقا عندما اظهرت الاحصاءات الفيديرالية في أميركا مثلاً حيث استهلك القراء نحو ثلث المبيعات العالمية للرواية أن نسبة الشباب الذين يقرأون للمتعة تُواصِل تراجعها اللافت.
اذاً، هاري بوتر قد لا يكون غّير اتجاهات القراءة لدى الاولاد لكنه بالتأكيد أغرى نسبة كبيرة من جيل معين لقراءته حتى أولاد لا يقرأون عادة، مثلما ساهم في ايجاد طفرة في انتاج كتب الخيال. فقبل هاري بوتر مثلا لم تكن اختبرت المكتبات وجود صفوف طويلة من الأولاد امامها لشراء رواية. لم يكن مسموعا بهذا الامر من قبل أصلا. وقبل هاري بوتر مثلا كان الاولاد يقرأون كتبا سهلة من فصل واحد او فصلين، لكنه جعلهم فجأة يحملون كتابا معقدا نسبيا من مئات الصفحات مصممين على قراءته. وهذا اضافة الى الاحصاءات الفيديرالية دفع خبراء التعليم الى الاستنتاج أن بعض الاولاد ممن يقرأون انتقلوا من هاري بوتر الى روايات اخرى، اما الذين لا يقرأون عادة فإما أتعبهم حجمه وتخلَوا عن القراءة وإما فعلوا ذلك ما ان انتهت سلسلة الروايات. على أن المشكلة، في رأي هؤلاء، لا تكمن في هاري بوتر بل في النقص في روايات جذابة مثله للاولاد مما يزيد التحديات على المؤلفين والمكتبات معا.
بمعزل عن الانتقادات الكثيرة التي اعتبرت شعبية هاري بوتر نتيجة للترويج فقط ورفضته على أساس انه المرادف الادبي لفقدان التنوع في العالم بحيث يقرأ الجميع الكتاب عينه، يبقى الكتاب بل فكرة مؤلفته أعمق من هذه الانتقادات وقد قدمت به نموذجا عن خلطتها "السحرية" لفهم معنى الحياة. وكان النموذج ظاهرة كأنها تعبير عن جوع مثل جوع رولينغ الى عالم افضل يتحقق فيه بخلطة سحرية ما يعجز الانسان عن تحقيقه في الواقع لانه لا يبالي.

الواقع ان ما قالته رولينغ ليس بجديد، لكن فهمها لتجربتها وما تختزنه منها وما حققته من تغييرات بمجرد التعبير عنه في رواياتها، يستحق التفكير فيه مليا. فمن قال إن الفشل قدر؟

* عن النهار اللبنانية : حزيران 2008

 

26 - يونيو - 2008
أحاديث الوطن والزمن المتحول
بكل الشكر المودة    كن أول من يقيّم

مساء الخيرات على وادي غيس ودار آيت لحسن ودار عبد الحفيظ الأكوح وآله الكرام :
 
طالعت هذا التعليق منذ قليل ، وطالعت بعده أبياتاً من الشعر الزلال كتبتها لمياء في ملف البحر الدكالي فزال عني تعب هذا النهار الذي كنت أراه مضنياً . لا تلوموني لو لم يكن ردي اليوم بمثل عذوبة الموسيقى التي أسمعها الآن ، لأنني مستعجلة ، فأنا لم أحضر العشاء بعد . 
سأعود لأقول غداً ، إن شاء الله ، وبكل الشكر والمودة . 

27 - يونيو - 2008
أحاديث الوطن والزمن المتحول
بارك الله في موهبتك الفذة    كن أول من يقيّم

مساء الخير عليكم جميعاً :
 
أنت يا لمياء تحفة وهبة من الله تعالى أسعد بحنوها علي ، كفرح تماماً وجواد وآريان ، ولن أستطيع اليوم أن أقول كلاماً آخراً غير هذا الشعور الذي يغمرني في هذه اللحظة . بارك الله فيك وسلمت الأيادي التي ربتك ورعتك ودمت بخير أيتها الغالية .

27 - يونيو - 2008
البحر الدكالي
سطوة اللون    كن أول من يقيّم

 
شكراً لك مرة أخرى أستاذ عبد الحفيظ موقع " الحج غوغول " . هذا اللون الأمغر المسيطر على المشهد ذكرني بإحدى الرحلات التي قمت بها إلى لبنان عبر مطار دمشق لأن مطارنا كان مغلقاً في حينها . وأذكر حين كانت الطائرة تحوم على ارتفاع منخفض فوق الصحراء السورية بأننا كنا نرى كثباناً من الرمل بمثل هذا اللون الأحمر الحار . كان ذلك المشهد كثير الهيبة بالنسبة لي ، ومدعاة لانفعالي الشديد ، لأن سطوة الألوان عندما تطغي على الصورة ، فإنها تولد عندي دائماً انطباعات غريزة أجهل تفسيرها ، وأظن بأنها ترتبط بذاكرة بعيدة لا نعرف تحديداً واضحاً لها . ثم فهمت فيما بعد بأن وسائل الدعاية كثيراً ما تستخدم هذا الأسلوب في الإيحاء النفسي ، وفي إبراز لون معين يرتبط بالسلعة المنوي الترويج لها ، وتستخدم الأسلوب نفسه مناهج تعليم الأطفال في روضات الأطفال ، لأن رؤية اللون المهيمن مثيرة للذاكرة بشكل غريزي .
 
كنت قد كتبت يوماً ، كما تذكرون ربما ، " رسالة حب إلى الأزرق " تضمنتها بعضاً من مشاعري حيال ما يثيره في نفسي مرأى اللون الأزرق . وكانت المفارقة بأن الطائرة التي تقلنا عادة إلى بيروت ، كثيراً ما كانت تحوم فوق مياه البحر قبل أن يؤذن لها بالهبوط في مطار بيروت الذي تحيط به كثبان من الرمل بذات اللون الأحمر المسيطر في المنطقة التي نعيش فيها . لكن نفسي كانت معتادة على الاحتفاظ بمشهد تلك الزرقة الطاغية كبداية لكل الأشياء، وكان ظهورها أمام ناظري في كل مرة بمثابة مقدمة وإيذاناً بعودتي إلى البيت .
 
وفي رحلة مختلفة هذه المرة ، إلى ميونخ في ألمانيا ، ورغم أن الطقس كان شتوياً ، لكن انقشاع الجو في ذلك اليوم كان يسمح برؤية معالم المكان . اقتربت بنا الطائرة من تلك المنطقة ، ثم صارت تحوم أيضاً على ارتفاع شديد الانخفاض فوق مساحات شاسعة من الغابات الخضراء الداكنة ، الموغلة في الخضرة ، وبحيث أن كثافة الرؤية كانت تتماوج بحسب ارتفاع قمم الأشجار وكأننا نعوم في بحر من اللون . كان الأخضر الذي شاهدته هناك مختلفاً تماماً عما أعرفه ، بعمقه السحيق ، وكان فيه ما يشبه المغناطيس ، لأنني شعرت يومها بانجذاب كبير استولى على إحساسي في تلك اللحظة ، وترك في نفسي أثراً لا يمحى ، ومع أنه يوجد في فرنسا الكثير من المساحات الخضراء ، إلا أن ذلك المشهد كان فريداً ومؤثراً وفيه جاذبية غريبة لم أشعر بها تجاه أي مكان آخر .
 

28 - يونيو - 2008
أحاديث الوطن والزمن المتحول
وحيد الكلمة الواعية والمسؤولة    كن أول من يقيّم

تحيتي وسلامي للأستاذ وحيد : أسعدتني جداً رسالتك الدافئة ، وكلماتك الودودة ، وأنا اعتذر عن عدم تمكني من الرد على تعليقك حتى هذه اللحظة ، لكني كنت قد دخلت في سرداب الذكريات التي أثرتها بمداخلتك كما دخل الأستاذ زهير في سرداب النوم .
أسفت كثيراً يا أستاذ وحيد ، وأنا لن أكرر هذا الكلام بما فيه كفايتي حتى ولو اعدته ملايين المرات ، أسفت للنتيجة التي وصلنا إليها ، رغم أنني كنت اتوقعها تماماً ، لأنني على قناعة تامة وراسخة بأن ما كان قد جمعنا ويجمعنا هو اهم وأكبر بكثير مما قد فرقنا . لكني لا زلت حتى اليوم متفائلة ، يحدوني الأمل بأن هناك جولة أخرى قادمة ، لا أدري متى ، ولا كيف سيكون شكلها ، لكن محبتي لكم جميعاً وتقديري لكل الآراء ووجهات النظر التي طرحت ( مع التحفظ على مشاركات فادي الغريبة أحياناً ) تجعلني أظن وأعتقد بأن بيننا قواسم مشتركة أكبر وأهم بكثير من كل تلك الأفكار التي تبدو لنا اليوم بضخامة الجبال . أنت أستاذ في علم النفس ، وتعلم إلى مدى خضعنا ونخضع للتعبئة الإيديولوجية التي تمارسها علينا وسائل الإعلام ، وخضعنا ونخضع كل بمفرده ، لتأثير البيئة والعالم الذي ينتمي إليه اجتماعياً وثقافياً ، شاء من شاء ، وأبى من أبى . لكن هذا لن يمنعنا ، لو كنا أحراراً ، وصادقين ، من رؤية حقيقتنا الداخلية ، السجينة داخل جدران هذه الخلافات العقائدية التي يزداد فورانها وتتأجج نيرانها في كل يوم ، والتي لا تمثل إلا وجهات نظر ومصالح مؤقتة مرتبطة بزماننا الراهن والمتحول . 
 فرحتي كبيرة في كل مرة ألتقي فيها صديقاً أو صديقة جمعتني به أو بها يوماً لحظات ثمينة كالتي جمعتنا في ملف الفلسفة ، وفرحتي بك اليوم كبيرة لأنك صديق رائع ، صديق الدماثة والنبالة ورحابة الصدر ، والكلمة الواعية المسؤولة التي تبني ولا تهدم .
 
   

30 - يونيو - 2008
أحاديث الوطن والزمن المتحول
أشعر بأنني لا شيء    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم

مساء الخير أستاذ هشام :
قرأت للتو تعليقك الأخير ! أشكرك جزيل الشكر لكلماتك الطيبة وقلبك الكبير وسأقول لك على سر أخفيه أحياناً : فأنا في الحقيقة أشعر بأنني لا شيء ! لا شيء إطلاقاً وبأنني لم أحقق شيئاً مما كنت أصبو إليه بل أن كل يوم يمر علي أشعر فيه وكأنني أختفي رويداً رويداً . أنظر إلى العالم من حولي إلى وطني ، وإلى بلاد حلمت بأنها أجمل بلاد على سطح الأرض وسعيت لأن تكون فأنظر إلى ما آلت إليه البلاد . ناضلت ضد الطائفية ولم أنجرف إليها يوماً ولا حتى في أقسى الظروف ولم أنقطع عن أصدقاء لي من كل الطوائف ولا في عز الحرب فتأمل اليوم أين أصبحنا وبأية لغة نتكلم . وأحببت فلسطين وشعبها المكافح وسعيت لمساندته بكل ما استطعته فأنظر إلى أحوال فلسطين وكيف نجحوا في تفتيت قضيتها . وآمنت بالعروبة وبوحدة الدم والمصير : هنا حدث ولا حرج عن عروبة أصبحت اليوم وكأنها من أساطير الأولين . وآمنت بأن الإسلام هو أنبل الأديان واكملها ودون أن أنكر على بقية الأديان معتقداتها وحقها في الوجود فأنظر في حال ما يسمونه بصراع الحضارات وحوار الثقافات الذي هو ليس في الحقيقة إلا صك عبودية يريدوننا أن نوقع بأسفله والسلام . وآمنت بأن الإنسان هو أحسن المخلوقات على هذه الأرض وأنه يتوجب عليه حمل رسالة السماء في إحقاق العدل والفضيلة ومكارم الأخلاق فأنظر إلى بني الإنسان كم هو مخيب ومدعاة للشفقة .... كلما نظرت حولي ، أشعر بأنني أختفي ! الشعر ليس علة وجودي ، ولا الكتابة تغنيني عما أريد وأتمنى . بل أنا هو ما أردته وما تمنيته والذي أشعر بأنه قد ضاع مني كسهم زاغ عن الهدف . ليس من حولي إلا حقول الدمار ، وليس من حولي إلا الإنسان المهزوم الرازح تحت ثقل عبودية لا ترحم نطلق عليها أسماء مستعارة لنخفي وجهها القبيح . أشعر بأنني أتبدد ، وأحياناً بأنني لا شيء على الإطلاق ، لا شيء البتة ، لا شيء من صورتي التي ظننت بأنها أنا . وأخاف ، أخاف أن أكون قد جنيت على أولادي وزججت بهم في مصير مجهول لا يعرف وجهته إلا الله وحده .
 
 

30 - يونيو - 2008
أحاديث الوطن والزمن المتحول
تجربة بحاجة إلى تقييم    كن أول من يقيّم


أشكر لك أستاذ وحيد رغبتك الصادقة في " إعادة الروح لملف الفلسفة " لأن ما ينقصنا هو هذه الرغبة والإرادة في المثابرة على ما بدأناه ، كل من وجهة نظره . ليست الغاية إذاً هي ملف الفلسفة بالتحديد ، بل التعبير عن الرغبة بالتواصل والحوار لتوضيح المواقف ووجهات النظر بهدوء وروية . لأجل ذلك ، كنت قد بدأت بكتابة ملف بعنوان " بين الدين والفلسفة " شارك فيه الأستاذ عبد الحفيظ مشكوراً بعدة مقالات منقولة ، وكنت قد عرضت فيه ، ضمن مقالات أخرى ، لفكر " كانت " ، لأهمية ما يمثله من موقف نقدي جذري لمفهوم الدين والمؤوسسات الدينية ولأهمية موقعه على خارطة الفكر الحداثي . لم يلق هذا الملف النجاح الذي لقيه ملف الفلسفة لأنه يفتقر إلى الحوار وحيويته وما يضفيه على المواضيع المطروحة من صفة تنافسية ولأن التناقض والتنافس هي من طبع البشر ، ولأن " يد واحدة لا تصفق " كما يقول المثل ونحن نحب التصفيق . كنت قد توقفت حالياً عن المتابعة فيه لضيق الوقت ، ولأنه يتطلب مني الكثير من الجهد والتركيز الذي لا أقوى عليه دائماً ، لكني سأعود إليه لا بد في المستقبل . ليست الغاية إذاً ملف الفلسفة ، وبإمكاننا فتح ملفات أخرى وطرح أسئلة اخرى تحظى ربما بالاهتمام الذي لم يحظى به ملفي ، وربما تكون كيفية طرح السؤال هامة جداً لإنجاحه لأنها محفزة لفضول القراء ، وربما تستطيع أسئلة قادمة جذب اهتمام أصدقاء قدامى أو جدد يرغبون في المشاركة والدخول إلى ساحة النقاش الفلسفي . من هنا أدعوك لأن  تعيد طرح السؤال ، من وجهة نظرك ، أو صياغة سؤال آخر ، يهدف إلى تقييم هذه التجربة وتحديد كوابحها كما ذكرت ، سؤال يمكننا ربما في المستقبل من تفادي الوقوع في أخطاء مماثلة . ولك مني فائق التقدير والاحترام والكثير الكثير من الامتنان .

2 - يوليو - 2008
أحاديث الوطن والزمن المتحول
حول كلمة تنمُّر    كن أول من يقيّم

مساء الخير أستاذة خولة وحمداً لله على سلامتك ، حفظ الله لك فلذات كبدك الثلاث ورعاهم وأدامك لهم .
أتابع باهتمام المقالات المفيدة التي تنشرينها وأشكرك على حسن اختيارك للمواضيع التي تهمنا جميعاً وعلى جودة ترجمتك لها .
استوقفتني كلمة " تنمر " فهي جديدة على سمعي . وفهمت من خلال عرض الموضوع بأنها تعني " الأخذ بالقوة " إنما ليس بمعنى الانتزاع وإنما بواسطة التخويف والتهديد وأحياناً بالقوة . وبحثت في ذاكرتي ولم أجد لها مرادفاً بالعربية ، بحدود معرفتي ، يفي بالمعنى غير انني فهمت بأنها المعنى المرادف لكلمة Raquetage الفرنسية التي هي بدورها كلمة دخيلة من اللغة العامية ولا نجدها في كل القواميس لأنها غير معروفة منذ زمن طويل وأصلها من فعل Raquer أي أجبر على الدفع . 
فما هو أصل الكلمة بالإنكليزية ، مع أنني لا أتقن الإنكليزية لكن مصطلحاتها هي غالباً مشابهة للفرنسية ، وأنا أفترض بأنك قد ترجمت مقالك عن الإنكليزية ؟
مع خالص الشكر والتحية .

2 - يوليو - 2008
التنمر المدرسي: كيف نتعامل معه
 69  70  71  72  73