البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات abdelhafid akouh

 68  69  70  71  72 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
الحياد = الاستقلالية    كن أول من يقيّم

عبد الإله بلقزيز
 
الحياد الذي تحتاجُه منّا العلاقات الداخلية الفلسطينية
يؤسفنا أن أقلاما تخطئ وظيفتها النقدية – والتوازنية – في كثير من الأحيان فتميل إلى تخطئة «فتح» والتماس الأعذار لـ«حماس»

لم يكن ما حصل من انقسام عربي على الخلاف بين «فتح» و«حماس»، وما انتهى إليه هذا الخلاف من اقتتال وقطيعة دموية، أمرا صحّيا أو يقدم فائدة أو بعض فائدة لطرفيْ الخلاف ولقضية الوحدة الوطنية الفلسطينية. وليس وجه الضرر فيه أنه كان انقساما، لأن ذلك مما ليس يُستغرب من محيط عربي متفاعل أشد ما يكون التفاعُل مع ما يجري من أحداث في فلسطين. وإنما الضرر فيه كونه أتى في صورة انحياز إما إلى هذا الفريق أو ذاك من فريقي الخلاف والاقتتال، فما كان منه سوى أنه زاد من دقّ الإسفين ولم ينفع في رتْق الخرق أو تهدئة الصراع على ما كان يفترض من أصدقاء الحركتين وحلفائهما في البلاد العربية من أحزاب وحركات وشخصيات سياسية أو ثقافية ومؤسسات إعلامية. انساق الأكثر في هؤلاء وراء الخلاف موزَّعا بالتساوي بين طرَفيه بدل السعي في تطويقه واستيعابه. وفجأة، ما عادت غزة (ولا الضفة) مكانا لذلك الخلاف، وإنما اتسعت جغرافيته إلى كل مكان عربي يدور فيه حديث عن الوضع الداخلي الفلسطيني!
من ينتقد «فتح» ويسكت عن «حماس» كمن ينتقد «حماس» ويسكت عن «فتح». كلاهما يقول نصف الحقيقة ويحجب نصفها الآخر. وهذه طريقة معطوبة لا تساعد على فهم صحيح للإعضال الفلسطيني ولا على المساهمة في تصويب أوضاع العلاقات الداخلية الفلسطينية. وهي –فوق ذلك- محكومة بنظرة أخلاقية منحازة لهذا الفصيل أو ذاك لا للقضية ولا لمصلحة الحركة الوطنية برمتها. يسهل كثيرا على المنغمس في هذه المقاربة غير الموضوعية علميا، وغير النقدية منهجيا، وغير النزيهة أخلاقيا، أن يلجأ إلى المعادلات «السياسية» المبسّطة القائمة على تقسيم الساحة الفلسطينية إلى ملائكة وشياطين، إلى أخيار وأشرار، إلى مستسلمين ومقاومين، إلى ديمقراطيين وانقلابيين، وإنتاج مواقف سياسية من ظواهرها ومن واقعاتها على هذا المقتضى. وهي معادلات لا تركب إلا رؤوس نوعيْن من البشر: المبتدئين الذين يجهلون ما وراء العموميات لأنهم مبتدئون، وذوي المصالح الضيقة (سواء السياسية أو العقائدية) الذين تمنعهم مصالحهم الصغيرة من رؤية المصلحة الكبرى (الوطن والقضية).
من النافل القول إن أمر هذه المعادلات والثنائيات الثنوية مما ينبغي أن يترك للاستخدام الدعائي الفتحاوي –الحمساوي لأنه «يناسب» نمطا من السجال السخيف الذي درج عليه الفريقان وأدمناه طويلا، ولأنه جزء من عملية التجييش والتحشيد الداخية التي يجري بها استنفار الجمهور الحركي واستنهاض عصبيته الحزبية من قبل الفريقين معا. وليس معنى ذلك أن هذه الثنائيات والتمثلات المتبادلة مشروعة في الداخل الفلسطيني أو مبررة على أي نحو من الأنحاء، وإنما القصد أن نقول إنها مفهومة في سياق نمط الثقافة السياسية الفصائلية السائدة وخاصة لدى حركتي «فتح» و«حماس»، وفي ضوء ضغوط معركة الوجود والبقاء في السلطة: حيث الأسلحة كافة تصبح مبرّرة بما فيها –وبكل أسف- سلاح الكذب والتشهير والتحريض والتخوين والإلغاء! لكنه ليس من المفهوم كيف يستعير «الحلفاء» العرب للفصيلين المفردات والأسلحة عينَها في معركة موالاة هذا الفريق ومناوَءة ذاك إلا إذا كان الهدف شيطانيا: النفخ في نار الفتنة! وهو هدف قد يذهب إليه أصحابه بعيون مفتوحة من دون أن يساورهم شك في أنهم على صواب في ما يفعلون، أي أنهم قد يذهبون إليه بنيات حسنة (والطريق إلى جهنم مفروشة بالنيات الحسنة)!
لقائل أن يقول إن الاستقطاب العربي الحاد حول الموقف من النزاع الداخلي الفلسطيني هو صورة مكبرة لذلك الاستقطاب الفلسطيني الذي أشعل فتيل المواجهة المسلحة بين «حماس» و«فتح»، وإن ثقافة المضاربة السياسية والدعائية المستبدة بالحركتين الفلسطينيتين هي عينُها الثقافة السياسية السائدة في كل ساحة عربية، فما الذي يبعث –إذن- على الشعور بالاستغراب من اندفاع ذلك الجدل العربي إلى الانتظام وراء النزاع الفلسطيني والصيرورة جزءا من نسيجه؟ والملاحظة وجيهة لو كان الصراع بين «فتح» و«حماس» صراعا على السلطة في وطن محرر ودولة مستقلة، وحينها كان يمكن أن يقال إن أي حزب عربي (أو مجموعة سياسية أو ثقافية) يرى في أحد الفصيلين امتدادا أو نظيرا له بالمعنى السياسي، أو بالمعنى الإيديولوجي، أو بالمعنيين معا، يبرر له مناصرتَه (حتى على مقتضى القاعدة العصبوية: ظالما أو مظلوما). أما وأن فلسطين رازحة تحت الاحتلال الصهيوني وأهْلها في مرحلة التحرر الوطني، فإن أي وقوف إلى جانب فريق ضد آخر لا معنى له ولا نتيجة سوى بث الفرقة والشقاق في ساحة تحتاج إلى الوحدة بأي ثمن، وتعاني من الهشاشة في التوازن ومن نقص حاد في التضامن الوطني الداخلي.
على أن ثمة جمهورا عربيا، من السياسيين والمثقفين والناشطين في مؤسسات المجتمع المدني، أقل انحيازا لهذا الفريق أو ذاك وأكثر انفتاحا عليهما معا على نحو متوازن.
وهو ما زال يتمسك بالوحدة الوطنية وبإطار منظمة التحرير الجامع، ويعارض «اتفاق أوسلو» ولا يجد مبررا مقبولا لصراع «فتح» و«حماس» على مؤسسات ذلك الاتفاق.
ويهمّنا أن يتماسك موقف هذا الجمهور أكثر في مواجهة الاستقطاب الداخلي فلا يجنح إلى إبداء انحيازه إلى أي فريق. على هذا الجمهور أن يخاطب الفصيلين المتنازعين مخاطبة نقدية صريحة لا محاباة فيها ولا مداهنة، لأن هذه المخاطبة هي عين العقل والصواب أولا، ولأنها الطريقة الوحيدة للضغط المعنوي على الفصيلين المقتتلين وإشعار كل منهما بأن سياسته الخاطئة لا تلقى رضى من الجمهور العربي. إن لم يستطع هذا النقد، فليعتصم بالحياد، وهو أقل المطلوب.
يؤسفنا كثيرا أن قسما من أقلام هذا الجمهور (القومي واليساري) يُخطئ وظيفته النقدية – والتوازنية – في كثير من الأحيان فيميل إلى تخطئة «فتح» والتماس الأعذار لـ«حماس» – وهذا هو الغالب على موقفه- أو على تخطئة «حماس» وتفهم أسباب سياسة «فتح»: وهذا ما حصل في النادر. إنه بهذا يزيغ عن دوره النقدي والتوحيدي المفترض، ويفقد نفسه –من حيث لم يحتسب- امتياز الموقع القادر على توفير حاضنة شعبية عربية للحركة الوطنية الفلسطينية. الأسوأ من ذلك أنه يقدم مساهمة غير مباشرة في تمديد حالة الطوارئ داخل العمل الوطني
الفلسطيني!
كانت أعظم خدمة يُسديها مثقف عربي للثورة الفلسطينية –زمن عنفوانها- تنبيهها إلى أخطائها التي تقع فيها، بل نقد تلك الأخطاء من دون تردد. مازالت الخدمة الجليلة تلك هي نفسها اليوم ما على المثقفين أن ينهضوا به، خاصة بعد أن تكاثرت الأخطاء وتشابكت واستفحل أمرها وتوهمت الثورة أنها أصبحت «دولة» (وهذه أم الأخطاء والخطايا!). فما لهؤلاء المثقفين العرب يصمتون وعن هذه المهمة الجليلة ينصرفون؟
 
*يومية المساء المغربية .

8 - مارس - 2009
ملف العدوان على غزة
راشيل كوري ..    كن أول من يقيّم

مخرجة مغربية تتناول قضية " راشيل كوري " التي سحقتها جرافة إسرائيلية في رفح
محمد نبيل من برلين
Saturday, February 14, 2009
من فعاليات مهرجان برلين السينمائي
الكل ما زال يتذكر كيف دفعت "راشيل كوري"، الناشطة الأمريكية حياتها ثمنا، وهي تحاول إيقاف جرافة إسرائيلية كانت تهدم مباني الفلسطينيين في رفح بقطاع غزة عام 2003. القضية تعود من جديد إلى الواجهة، بعد عرض فيلم "راشيل" للمخرجة "سيمون بيتون"، ضمن فعاليات مهرجان برلين السينمائي الدولي في دورته ال 59. ترى ماذا يحمل فيلم "راشيل" ؟
"راشيل" حكاية بطلة
الفيلم يسلط الضوء و بطريقة احترافية على حكاية "راشيل" المأساوية، و كيف انتقلت إلى فلسطين للدفاع عن الإنسان الفلسطيني، رافضة ما تقوم به الجرافات الإسرائيلية من هدم للبيوت الفلسطينية في رفح، فكان ثمن رفضها حياتها، تاركة وراءها ألف حكاية و حكاية .
 وفي كانون الثاني / يناير عام 2003 ، وصلت "راشيل " إلى قطاع غزة، وهي في الثلاثة والعشرين ربيعاً ، من مدينة أولمبيا بولاية واشنطن، لتنضم إلى ناشطين من أعضاء حركة التضامن الدولية ، وهي منظمة تأسست لدعم المقاومة الفلسطينية السلمية ضد الاحتلال الإسرائيلي. الفيلم يكشف بالصور و الشهادات عما قامت به "راشيل" إلى جانب رفاقها، بغية مواجهة الجرافات الإسرائيلية التي شردت الكثير من العائلات الفلسطينية في رفح . شهادات رفاق وأصدقاء راشيل" والتي حملها الفيلم، كانت مأثرة للغاية، أما كلام العائلات الفلسطينية التي استقبلتها واحتضنتها و اعتبرتها كواحدة من أفراد عائلاتهم، كانت تعبيرا صادقا عن مكانة هذه الشابة الأمريكية في قلوب الناس الذين عايشوها في المنطقة، وهم الذين وصفوا بالتفصيل حادث قتلها.
 كانت "راشيل " تحمل مكبر الصوت لتطلق صوتها المدوي فوق أرجاء البيوت الفلسطينية موجهة الخطاب إلى الإسرائيليين: "إن بيوت الفلسطينيين عامرة بالأجانب، و لا يحق لكم المساس بها".  رفضها القاطع لهدم بيوت الفلسطينيين و قتل المدنيين، أدخلها عالم النضال الفلسطيني من بابه الواسع. وبينما كانت "راشيل" تحاول منع جرافة إسرائيلية ضخمة ، مصنوعة خصيصا لهدم المنازل "من نوع كاتربيلر D9"، كانت في طريقها لهدم منزل أسرة فلسطينية في مدينة رفح، يوم 16 آذار / مارس عام  2003 ، دهستها الجرافة ، فقضت نحبها ، وكانت نهاية بطلة اسمها "راشيل" ، لتنضم إلى قافلة من ضحوا بأرواحهم في سبيل تحرير الأرض واسترداد الكرامة الفلسطينية. وقد حدث ذلك قبل يومين فقط من بدء العدوان الأمريكي على بغداد، عندما كانت أنظار العالم كله متجهةً إلى العراق.
"راشيل" وثيقة سينمائية حية ، تبين بدقة تفاصيل التحقيق و موقف الحكومة الإسرائيلية من مقتل "راشيل" ، والتي اعتبرت الحادث عفويا و غير مقصود . لكن تتفق معظم الشهادات التي وردت في الفيلم، على لسان من حضروا الحادث وصور الأرشيف الموظفة في هذا الفيلم، على مقتل "راشيل" المقصود، لصد هذه الناشطة عن مواجهة الاحتلال في المنطقة.
" "راشيل" مواطنة أمريكية بدم فلسطيني"، هكذا قدمها فيلم "سيمون بيتون" منذ البداية. ملامحها تظهر من خلال ما رسمته شهادات رفاقها و أصدقائها ، كشخصية صادقة، لها حماسة وقدرة على الانخراط في كل القضايا الإنسانية، و على رأسها القضية الفلسطينية، وتحلم بجلب التغيير إلى هذا العالم. أما الرسائل التي كانت تتبادلها مع والديها عبر الانترنيت، فكانت بمثابة رسم لأبرز أفكارها النبيلة، وروحها التي تفاعلت مع العائلات الفلسطينية. فقد نامت على أفرشتهم و تناولت وجباتهم البسيطة، و رقصت مع أبنائهم، حتى كانت عنصرا مكونا للعائلة الفلسطينية.
فيلم "راشيل" استغرق ثلاث سنوات، وعمليات التحقيق و جمع الشهادات و الحصول على المعلومة من عند الطرف الإسرائيلي، كانت جد صعبة ، وهذا ما أكدته لنا المخرجة في حوار أجريناه معها وننشره لاحقا . وخلال مئة دقيقة، تنسج "سيمون بيتون" فيلمها بحرفية ومهنية عالية، وتعرض خلاصاتها عن حكاية "راشيل"، متنقلة بين أمكنة وفضاءات وأزمنة عدة، في كل من رفح و الولايات المتحدة وإسرائيل ، مسجلة بالصوت و الصورة مختلف الظواهر والانفعالات والتصريحات التي تتعلق بقضية فيلمها . صور "راشيل" الصقها رفاقها و أصدقائها الفلسطينيين على الجدران في رفح، وحتى على ظهر الجرافات الإسرائيلية. صور الراحلة، لم تكن سوى تخليدا لذكرى بطلة خالدة، تحب السلام وستظل حية في القلوب وراسخة في سجلات التاريخ.
وبطريقة مثيرة ، يصوّر الفيلم مشهد الجندي الإسرائيلي، وهو يقود جرافته في اتجاه ناشطين قرروا مواجهة عمليات هدم البيوت الفلسطينية. مشهد تحرك الجرافة إلى الأمام ثم إلى الوراء، خلق نوعا  من التشويق، لكن بالمزيد من المرارة . فمشهد أحد النشطاء وهو مستلقي على الأرض قبالة الجرافة الإسرائيلية ، وهو يواجه إعصار هدم للبيوت الفلسطينية، يحمل أكثر من دلالة على وضع الفلسطينيين في ظل الاحتلال.
ولا شك أن قضية "راشيل"، تحتوي على كل العناصر المهمة  والمثيرة، التي جعلت منها مادة سينمائية غنية، وظفتها المخرجة  لبناء تسلسل على  المستوى التسجيلي. الفيلم يجمع بين عوالم السياسة والمجتمع بكافة أطيافه. فهناك مجموعة من الناشطين الذين رافقوا "راشيل" في مسيرتها و أشخاص ارتبطوا بمقتلها ونعني بذلك الدولة الإسرائيلية ، و كلهم ساهموا في بناء تراجيديا "راشيل" برمتها داخل الفيلم.
تترك "سيمون بيتون" لكل المشاركين في فيلمها الفرصة، لأن  يقولوا ما يشاءون، وعندما تقوم بطرح بعض الأسئلة، فغرضها هو استكشاف المزيد من المعارف و المعلومات، حول عوالم شخصية "راشيل" العامة و الحميمية، وطقوسها الحياتية، التي كان العديد من رفاقها و أصدقائها و عائلتها يشاركونها في معظم لحظاتها.
سيمون بيتون: مسار مع الفيلم التسجيلي
ولدت المخرجة السينمائية "سيمون بيتون " في المغرب عام 1955 ، كابنة بائع مجوهرات مغربي يهودي، وهاجرت عام 1966 مع أسرتها إلى إسرائيل، قبل أن تغادر البلد نحو فرنسا من أجل دراسة الإخراج السينمائي، في المعهد الباريسي المعروف( IDHEC ). وبعد أن شاركت مشاركة فعلية في حرب تشرين/أكتوبر 1973 ، تحوّلت "سيمون بيتون" إلى معادية للعنف، فقررت إخراج مجموعة من الأفلام التسجيلية، كمساهمة منها في زرع بذور سلام في كل أرجاء المناطق الملتهبة، و على رأسها الشرق الأوسط. مخرجة فيلم "راشيل" ذات الأصول المغربية، اليهودية، والفرنسية، قد فتحت بفيلمها الجديد، جرحا غائرا وشم الذاكرة الفلسطينية و الإنسانية.
والمخرجة "سيمون بيتون" معروفة بأفلامها الوثائقية التي تتناول قضايا الإنسان العربي بمختلف أبعادها، فأخرجت أكثر من 15 فيلما ، من أهمها : "الجدار " ، "بن بركة" "محمود درويش" "المواطن بشارة" و"الاعتداء بالقنابل" . المخرجة تحس أنها مغربية تشعر بثقافاتها المتجذرة في ثلاثة مجتمعات، وهي تساهم بعملها التسجيلي "راشيل" ، في بناء و حفظ الذاكرة ، ووضع حجرة في مسار التغيير.
HESPRESS.com

12 - مارس - 2009
ذكرى راشيل
"الاحتفال بالمولد النــبوي.."    كن أول من يقيّم

محاضرات دينية وتواشيح في مدح الرسول:
في السعودية المنطقة الغربية الأكثر إحتفالاً بالمولد النبوي
 
منى عوني محي الدين من جدة: كما هي العادة تحيي معظم الدول العربية والإسلامية يوم المولد النبوي تكريمًا لخاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى الرغم من التشريعات الدينية التي نفت الاحتفاء في هذا اليوم، إلا أن الموالد لا تزال حتى اليوم موجودة في سائر العالم الإسلامي. ولكن في المملكة العربية السعودية وتحديدًا في المنطقة الغربية عرف عنهم إحياء هذه المناسبة بكثير من الهدوء، مقتصرة على التواشيح المحمدية، وقراءة القرآن الكريم، وإحياء السيرة النبوية.
ولعل الأسر المكية في السعودية والتي انتقلت منها العادة إلى مدينة جدة هي الأكثر تفاعلاً مع المناسبة، حيث جرت العادة في هذا اليوم كما ذكرت نورا والتي آثرت الاحتفاظ بلقب العائلة: "نختلف نحن المكيين في إحياء ذكرى المولد النبوي عن سائر الدول العربية خصوصًا أن الأوساط الدينية في السعودية لم تشرع إحياء المولد النبوي، ومع ذلك نقوم نحن وبالنسبة إلى الأوساط النسائية خصوصًا العائلات المعروفة بإحياء هذا اليوم بالتجمع بأعداد لا بأس بها من قريبات، وجيران، وصديقات عند عائلة واحدة تكون قد صرحت بأنها ستحيي المولد النبوي، وذلك بقراءة أجزاء من القرآن الكريم بداية. حيث تقوم كل واحدة بقراءة خمسة أو عشر صفحات من المصحف، ومن ثم نقوم بالصلاة على النبي(ص) ألف مرة أو أكثر، ومن ثم تبدأ التواشيح التي تمدح الرسول الكريم".
هذا وقد نوهت نورا بأن بعضهم يكون قد أعد محاضرة عن السيرة النبوية للتعرف إليها أكثر، وتختتم الجلسة بالدعاء للأمة الإسلامية، والثناء على الرسول، ومن ثم الصلاة عليه.
وذكرت نورا أن هناك ما يسمى السبحة الألفية والتي عرفت في بلاد الشام، والمتوارثة عن العهد التركي وكثيرا ما تكون هذه السبحة متواجدة في هذا اليوم مع بعض السيدات اللواتي يحرصن على التسبيح عليها، وذكر الصلاة على الرسول محمد ألف مرة أو أكثر.
كما روت نورا أن الجلسة تبدأ من بعد صلاة المغرب بعد أن تؤدى جماعة، لتبدأ بعدها الليلة وبعد الإنتهاء يؤدى صلاة العشاء جماعة وتوزع الحلوى المكية التي اشتهرت في المنطقة الغربية، إلا أن البعض يفضل أن تكون مائدة مفتوحة للجميع.
ما ذكر في التاريخ عن المولد النبوي:
يذكر أن أول من ابتدع المولد النبوي هم الفاطميون في مصر وهم الباطنيين حيث بدأ حكمهم  منذ القرن الرابع الهجري حيث ورد على لسان تقي الدين أحمد بن علي المقريزي في كتابه (المواعظ والاعتبار بذكرى الخطط والآثار ) أن الفاطميين كان لهم على مدار السنة أعياد ومواسم وهي كثيرة جدا وكان من أهمها المولد النبوي، ومولد سيدنا علي، ومولد السيدة فاطمة رضي الله عنهما، ومولد الخليفة الحاكم.
فيما قال العلامة الشيخ بخيت المطيعي الحنفي مفتي الديار المصرية سابقا  في كتابة (أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من الأحكام ):" مما كثر السؤال عنه المولد النبوي: فنقول أن أول من أحدثها في القاهرة الخلفاء الفاطميون، وأولهم المعز لدين الله، حيث توجه من المغرب إلى مصر في شوال سنة (361)فوصل إلى ثغر الإسكندرية في شعبان (362 هـ ) ودخل القاهرة في رمضان فابتدعوا ستة موالد منها المولد النبوي، ومولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ". وبعض أهل العلم أن أول من احتفل بذكر مولده (ص)هو الملك المظفر ملك أربل حيث كان يحتفل به إحتفالا هائلا. وهناك من قال أن أول من احتفل بالمولد النبوي هم الرافضة بنو عبيد القداح في القرن الرابع في مصر ثم سارت إلى بلاد الشام والعراق في القرن السابع الهجري.
المولد النبوي في الدول العربية والإسلامية:
طقوس المولد في تركيا:
تُقام حفلات «المولد النبويّ» فيِ المساجد، وقد يحضرها مفتي الديار التركية و (رجال الدين) والسياسيون ورجال الأعمال وجماهير من الناس، إلاَّ أنَّ هذه القصيدةَ التركيّةَ لم يُسمَعْ أن تَنَاوَلَهَا أحدٌ من علماءِ الأتراكِ بالنقد من مُنْطَلَقِ العقيدةِ الحنيفية. ولعلّ هذا يدل على سطحية معرفةِ (رجال الدين) بأصول التوحيد في تركيا. وقد ترتبطُ المشكلةُ بضعف علمهم بالعربية. أُقِيمَتْ حفلةُ «المولدِ النبويِّ» لأوّل مرّةٍ في عهد السلطان مراد الثالثِ (1574- 1595م)، وهو الثّانِي عشر من سلاطين بني عثمان.
طقوس المولد في مصر:
تقام في مصر الخيام للمولد النبوي وكان في الزمن الماضي يعد المولد النبوي من الأيام التي تشهد تواجد للفرق البهلوانية، وفرق السيرك، إلا أن المتعارف عليه أن عدد لا بأس به يتوجه إلى مسجد السيد الحسين والسيدة زينب للدعاء هناك، إضافة إلى أن الكثير يعد الأمسيات الشعرية في مدح الرسول، والأمسيات الثقافية التي تروي السيرة النبوية، إضافة إلى أن هذا اليوم توزع فيه حلاوة المولد التي عرفت في مصر والمصنوعة من بعض أنواع المكسرات الممزوجة بالسكر. هذا ويحضر هذه الموالد كثير من الساسة، ورجال الدولة لأنه يعد من الأيام المهمة حتى أن التلفزيون ينقل بعض وقائع هذه الاحتفالات.
 
 

12 - مارس - 2009
مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الجابري ومعرض الرياض للكتاب (1)    كن أول من يقيّم

 
قبل أن يلقي محاضرته عن تجربته في الكتابة والتأليف في معرض الرياض الدولي للكتاب، تعرض الكاتب والمفكر المغربي محمد عابد الجابري لهجوم عنيف، فقد صدرت فتوى من عالم دين سعودي يصفه فيها بأنه ".. ماهر في التمويه ومخادعة القارئ وفي نفث فكره العفن". ونشر أحدهم تقريراً مطولاً عبر الانترنت، جمع فيه الانتقادات لفكر الجابري أو بالأصح -انحرافاته-. ونحن هنا لا نقف على مسألة أن يختلف أحدهم مع الجابري أو أن يكتب ضد فكره، فالاختلاف حق مشاع، ولكن المسألة تكمن في أن ما كتب ضده ليس بفكر يريد أن ينقد آخر، ولا معرفة تريد أن تنسخ أخرى، وإنما أيدلوجيا تريد الإلغاء والإلغاء فقط. ودليل ذلك أن الموقع الأصل الذي كتبت فيه المادة عن الجابري يقدم مادة شبه موسوعية عن كتاب آخرين كثر، ومناهج معرفية مختلفة، ويجمعها كلها في سلة واحدة، فهذا الموقع سيخبرك أن البنيوية والوجودية مناهج الحادية، وأن تولستوي من رواد المذهب الواقعي، الذي يكون مذهباً مادياً ملحداً!! وأن الجابري ينتمي إلى مذهب الحداثة الذي يكون من أبرز خصائصه أنه " يمجد الرذيلة.. ويحارب الدين.. ويحث على الهروب من الواقع إلى الشهوات والمخدرات والخمور"..!! وهذا يكون من طبيعة الأيدلوجيا، أنها صاحبة نظرة معممة تحاكم بمنظور واحد، وتقيس من زاوية وحيدة، وما من آلية لديها تساعدها على التمييز بين الزروع، فالأيدلوجيا لا تستوعب سوى نفسها، وبذا هي خانقة للبذور قبل زروعها. وما حدث للجابري ويحدث لغيره هو موضوع قديم يتجدد، ولندرك شيئاً من جوهر هذا الموضوع لابد لنا من طرح السؤال التالي: هل يكون للأيدلوجيا أن تحاكم المعرفة ؟!!
الأيدلوجيا ليست المعرفة. الأيدلوجيا بنية مغلقة، لاتقبل الحذف والإضافة، متخمة بالاجابات، ولديها تأكيدات عدة مع أنها تتجنب المساءلة والاختبار دوماً. بينما بنية العلم ذات طبيعة جدلية تفاوضية، شاعرة بالنقص، وطلاّبة للمساءلة والامتحان، وقد تتقولب من جديد حسب الدلالات المتوفرة، بينما الأيدلوجيا تكون قد تقولبت وانتهت. و نحن هنا لسنا معنيين بالأيدلوجيا ذاتها أوما يكون منها حقاً أو باطلاً، فهذا موضوع آخر. ما نقصده هنا هو أن منطق الأيدلوجيا يختلف عن منطق المعرفة، ولذا فليس له أن يلغيه، أو يحطمه، وقبل ذلك كله أن يحاكمه. فليس من عاقل أو نصف عاقل يسمح للمعرفة والعلم أن يكونا سلعة رخيصة تذهب تحت الأقدام مع الأيدلوجيا وسجاليتها.
إن المناهج المعرفية تتكامل ولا تتنافر مثل الأيدلوجيا. فحتى في داخل العلم الواحد نجد أن المناهج المختلفة تولد وتتناقض، ولكن في النهاية هذا كله يتم في إطار عملية تكاملية تثري العلم نفسه، وتجعله صاحب قدرة توليدية متمددة. ومنذ الثورة العلمية التي أعطت للعلم اعتباره، لم يحدث أن قام العلم بتعديل نفسه أو تغيير منهجه حسب ما تريد منه الأيدلوجيا، فقد كان من حسن ظن العلوم التي ازدهرت بعد عصر التنوير أنها كانت تعتمد بثقل على التجريبية والطبيعية المستندة على المحسوس والمشاهد، مما سهل لها أن تستند على منطق ذاتي يسهل لها الانطلاق والتأثير. وهذا الانطلاق للعلم يجعله يتمدد حتى على نفسه، فحتى هذا الاعتماد على التجريبية والطبيعية تم انتقاده وغربلته وتجاوزه عبر منطق العلم نفسه، كما فعل رواد مدرسة فرانكفورت حين انتقدوا هذا الفكر واعتبروه تحجيماً وتجميداً للعلاقات والطبيعة البشرية بجعلها متماثلة مع علاقات العالم المادي والطبيعي.
وصحيح أن من العلوم ما قد يتلبس بالايدلوجيا، ومنها ما صبغ بصبغة غربية وما أستخدم بكثافة لخدمة مصالح الغرب. كما هو علم الأنثربولوجيا الذي قال عنه الدكتور ابراهيم الحيدري أنه "علم نشأ مع الاستعمار، وتطور مع الأمبريالية" كما جاء في كتابه "صورة الشرق في عيون الغرب". وكما تحدث أيضاً ادوارد سعيد وغيره عن الاستخدام الأمبيريالي والمصلحي للعلوم. ولكن المعرفة والعلم لا يزهد فيهما لهذا السبب، فهذا السبب إن وجد يكون مرحلياً، ومحدوداً، لا مستمراً، فمن مزايا العلم والمعرفة أنها لا تكون مدينة لأحد، ولاتبقى محكومة به. فالمعرفة نفسها لا تلبث أن تكون أول من يزري بمن يستخدمها لأغراضه وأيدلوجيته، وعلم الأنثربولوجيا الآن هو علم إنساني يستخدم آلته من أراد من أمم الشرق والغرب. كما أن المعرفة - في الغرب نفسه - استطاعت أن تنتج تيار ونظريات ما بعد الحداثة التي قامت بانتقاد وخلخلة ما قدمته الحداثة وما قدم في المرحلة الاستعمارية من إنتاج. حيث أن القوم تعاملوا مع الحداثة كمرحلة تم استيعابها وتجاوزها، لا كمعركة يجب أن تتوارثها الأجيال.
وقبل أكثر من قرن من الزمان، قال رفاعة الطهطاوي (ت 1873) إن العلماء يشكلون الفئة الوحيدة القادرة على نقل التعليم الجديد إلى الجيل الجديد. فيرى الطهطاوي هكذا أنهم القنطرة التي تستطيع نقل العلوم الحديثة إلى المجتمع، حيث أن العلماء كما هو معروف لديهم القبول الواسع، حتى يبدو وكأن مجتمعاتنا لا تسمع إلا لهم. والطهطاوي كما يتضح كان معالجاً للأمر بسطحية وتفاؤل، فقد غاب عن باله أنهم سيكونون في مقال سجال وندية مع هذه العلوم، وأنهم سيكونون القنطرة المغلقة ضدها. وهذا شيء يتضح حين نتأمل كيف أن العلماء عادة ما يكونون مغمورين في حقلهم المعرفي وطريقتهم في النظر، ولن يتوفر لهم هكذا حيز للنظر في العلوم الأخرى، بل هو ظلم لهم أن يطلب منهم ذلك، فالعلماء يستطيعون صناعة عقليات تماثلهم وليس عقليات تتباين معهم في النظر. ولأن هناك طريقة واحدة في النظر تسيدت عندنا لقرون، فهذا ما جعلها المصدر المعرفي الوحيد للمجتمع، ويصعب هكذا أن تجد الطرق الأخرى طريقها للوجود. وحتى الشعر الذي هو آلة العرب الأولى، وطريقتهم الحرة والمحلقة لم يسلم من الحشر والقولبة من حين لآخر.

13 - مارس - 2009
هل الشريعة الإسلامية أمية
الجابري ومعرض الرياض للكتاب (2)    كن أول من يقيّم

"والدين بمعزل عن الشعر" لم يقل القاضي الجرجاني (ت القرن الرابع الهجري) هذه الجملة ليخبرنا أن الشعر كافر. وإنما ليخبر أن لكل مساحته وطبيعته وطريقته في النظر. وتخوم الشعر-إن كانت له تخوم- لا تتماثل مع تخوم الدين وحدوده وطبيعته. ولنا هنا أن نعرف نقطة مهمة وهي أن العلوم والفنون ليس لها أن تفنى وتتغير بشكل طبيعي وعادل إلا عبر منطقها نفسه. فالمنطق الذي جلبها إلى الوجود، هو الذي يحق له خلعها منه، وأي نسف وإلغاء لها عبر منطق آخر هو استعداء واستبداد. وهذه النقطة على بساطتها هي التي تستطيع أن تفسر لنا لماذا لم نتعرف على العلماء من مختلف العلوم في طوال تاريخنا إلا كأفراد معزولين ومقطوعين، كالفارابي وابن رشد وابن الهيثم وابن خلدون، ولم نتعرف عليهم كمناهج ومدارس متواصلة. وهذا كله يعود إلى أن المنطق والنظرة الواحدة التي تسيدت منذ القرن الرابع الهجري كانت طاغية لم تكن لتسمح بذلك، ولذا لم تخرج المحاولات الفكرية والفردية من تحت عباءة هذا التاريخ إلا على شكل فلتات فردية. وأيضاَ هذه النقطة على بساطتها هي التي تستطيع أن تفسر لنا لماذا يحدث أن نشاهد تدخل قاض بمحاكماته أو فقيه بمقايساته في أمسية شعرية أو فكرية، أو في معرض للكتاب. إن المنهج المعرفي مركوب العلم الذي يحميه من استبداد النظرة الواحدة، ومن طغيان العقل، وتحيز الأيدلوجيا، ومن الأمزجة البشرية التي تميل إلى تلوين كل شيء بلونها. ومن أمثل الأساليب إلى ذلك أن لا تتداخل عقلية على أخرى، وأن لاتحملها على طريقتها في النظر. وفي كتابه "أسس التفكير العلمي" ذكر زكي نجيب محمود أن الأمر لا يستقيم أن يأتي عالم جيولوجي ليخبر أبي العلاء المعري أن تراب وأديم الأرض يتكون من مادة كذا وكذا، فيرد عليه بيته القائل "خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد"، فما كان يقصده أبو العلاء أمر مختلف.
وفي كتابه "المقابسات" قال أبو حيان التوحيدي "فالنفوس تتقادح، والعقول تتلاقح". وهذا قول جميل، فالعقول تنظر وتميز وتستدل وتلاحظ وغير ذلك مما هو من صنعتها، وليس لها أن تكون مشحونة متنافرة، أو والهة مريدة ومندفعة كما هو طبع النفوس. ويمكن وإلى حد كبير أن يكون مرد هذا النفور والتشنج الذي يسود أجواء العملية والفكرية لدينا أمر نفسي قبل أي شيء آخر، فالذوات الغير واثقة هي التي لا تستطيع أن تحتوي وتتقبل أو على الأقل أن تتفهم. ولذا كلما زادت درجة النفور، كلما دل ذلك على فقر الذات. هذه الذات التي تكون هشة كبيت من ورق، قد تسقط لدى أقل احتكاك، ولذا هي متوجسة وصانعة مستديمة للصدامات الغير ملزومة. وهكذا تكون العلة كما اعتدنا أن نجدها دوماً، ضعفاً ذاتياً. فالعائق الذي يمنعنا من حصد غنائم الفكر ومن إنتاجها، لا يكمن في الأدوات وإنما في الموقف. فالفقر في الذات يولد الفقر والخوف، وما من أحد سيبني المستقبل إن كان يخافه، ولا من أحد سيستفيد من علوم حضارة إن كان يكرهها، فهذا الشعور سيولد ضدها ممانعة كبيرة لاتسمح لها أن تنفذ وأن تثمر وتتلاقح. ولنرى كيف يمكن أن يؤثر الفقر في الذات على عملية التعاطي المعرفي، نستطيع أن نلاحظ كيف هو الموقف من حركة الترجمة، فلو حدث في أوقاتنا المتأخرة حركة ترجمة فكرية كبيرة عن الغرب فهذا ما سيفسر فوراً وعلى نطاق واسع أنه تبعية وخضوع وضعف وتنكر لثقافتنا، بينما تفسر حركة الترجمة الفكرية الكبيرة التي حدثت في وقت المأمون على أنها دلالة قوة وتسامح وانفتاح لحضارة خصبة؛ حين كانت الذات في موقع قوة وثقة في ذلك الوقت. وقد ألمح لهذا المقال الأخير برهان غليون في كتابه "اغتيال العقل".
لم أقرأ للجابري سوى ما يقارب عشرة كتب من إنتاجه الوافر، وهذا العدد لا يتيح لي أن أكوّن نظرة شمولية عنه، لكن ربما أستطيع القول أن الجابري كان له تأثير مهم على الكثير من شباب جيلي، كثير اتفقوا معه ومالوا إليه، وكثير أيضاً قد اختلفوا معه ونفروا منه. لكن الميزة كانت تكمن في أن الجابري استطاع تحقيق المعادلة الصعبة، فقد استطاع أن يكون مقروءاً ومنهجياً وباذخاً في نفس الوقت، وهو أمر تنقطع دونه حبال الكتاب وأقلامهم. وميزة تأثيره على قرّاءه الشباب كانت تكمن في تمرين الآلة العقلية لديهم، فتكون لديهم بذلك قدرات مستقلة على الفحص والنظر والمتابعة. فما قدمه الجابري من نقد للعقل العربي، أو ما كتبه أحمد أمين من تاريخ عقلي للإسلام، أو ما كتبه هاشم صالح عن التجارب التاريخية للتنوير الغربي أو الإسلامي، تكون كلها أعمال تساعد المتلقي على رؤية التاريخ عبر خرائط ونظريات ومناهج، عوضاً عن أن يقرأ بسطحية كأحداث وقعت وانتهت. وقد لاحظت لدى بعض الناقدين استياءهم من كثرة قرّاء الجابري من الشباب، وكثرة ترديدهم لجملة "هؤلاء الذين غرر بهم الجابري" وهذه الطريقة تعكس بشكل صارخ طريقة التفكير، ومنطق الوصاية لدى هؤلاء، حين يتحول الفكر إلى مجرد غرر وغواية وهوى، وحين يكون الناس لديهم كالصبية التائهين، يحتاجون دوماً إلى من يأخذ بأيديهم ويقوم بتعليمهم كيف يعبرون الشارع.
والفيلسوف الأنكليزي كارل بوبر كان قد كتب بكثافة عن المنهج العلمي، مميزاً له عن الأيدلوجيا، وفي كتابه الذي قًدم إلى العربية تحت عنوان "بؤس الأيدلوجيا" يرى أن الأيدلوجيا غير صادقة في تنبؤها بالمستقبل وإعطائه مساراً معروفاً ومحدداً كما تزعم دوماً. ويستند في هذا على فرضيته أن التاريخ مرهون بالمعرفة الإنسانية، فالمعرفة كما هو معروف تنمو بطرق مختلفة، وهي غير محتواة من أحد. فلا أحد منا يستطيع أن يعرف مثلاً إلى أين سيصل العلم في السنوات الخمس القادمة. لقد كان المنهج العلمي طريقة ووسيلة ومغنم للبشرية، ولم يكن الدين ليضيق عن احتواء للإنسان وتصوراته وطرائقه، ولم يكن الدين ليشكو أيضاً من قلة في وفرته وخصوبته، وفي جوهره لم يكن ليقبل أن يتم تحجيمه وفق تصورات وانطباعات أحد، فيكون ديناً بحجم أيدلوجيا. ولمثل هذا كان نيتشه ينتقد المسيحية حين ألبست الشكل الصراعي والأيدلوجي فيقول في كتابه "عدو المسيح": "لقد حرمتنا المسيحية من مجاني الحضارة القديمة، وفيما بعد حرمتنا من ثمار حضارة الإسلام، العالم الغرائبي لحضارة العرب في أسبانيا، والذي هو في الأساس أكثر قرباً إلينا من روما واليونان".
والآن ماذا سيكون الحال؟ لقد ذكر غير واحد من المتابعين أن العقود السابقة كانت صراع قوميات، والعقود الحالية تتضمن صراع أيدلوجيات، أما الأوقات المقبلة فستشهد صراعاَ للثقافات. فالأيدلوجيات تتهتك حبالها، وتسقط حيطانها الآن، فالعالم لايساير الكيانات المغلقة طويلاً، وبمعنى آخر لن يكون الناس مقيدين بها بنفس الأوضاع السابقة. وحين يأتي زمن الثقافات سيكون التسيد من نصيب من يرث ثقافة خصبة، منفتحة، وطلقة، وليس من يرث ثقافة فقيرة ومحجّمة بسبب أنها وضعت ولفترة طويلة في قالب أيدلوجي.
 
عبدالعزيز الحيص
 
عن موقع إيلاف

13 - مارس - 2009
هل الشريعة الإسلامية أمية
الشاطبي وإعادة تأصيل الأصول ...    كن أول من يقيّم

محمد عابد الجابري
قلنا ...."إن طريقة الغزالي هي التي سادت في المؤلفات الأصولية اللاحقة إلى اليوم (خارج مؤلفات الحنفية) وأن كتابه "المستصفى من أصول الفقه" قد ظل المرجع الأول والأخير في هذا العلم"! هذا قول صحيح بالنسبة لتاريخ السلسلة المتصلة لتاريخ علم أصول الفقه، ولكنه غير صحيح بالنسبة للممارسة العلمية في هذا العلم!
ذلك أن طريقة جديدة تماما، سواء على مستوى المنهج أو على مستوى تصور بناء "أصول الفقه"، قد برزت واضحة مكتملة مع أبي إسحاق الشاطبي (إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المتوفى سنة 790 هـ)، الذي يمثل بحق قمة ما وصل إليه العقل العربي في ميدان الأصول.
أما لماذا بقي الشاطبي مجهولا أو "منفورا" منه، فذلك ما يمكن أن يكوِّن فيه القارئ الذي يجهله، رأيا خاصا به، بعد هذا الذي سنكتبه عنه. أما الآن فقد يكفي أن نذكر ما قاله الشيخ عبد الله دراز محقق كتاب الشاطبي الموافقات في أصول الشريعة". لقد تساءل بعد أن أبرز أهمية هذا الكتاب وتميزه عن المؤلفات السابقة في علم الأصول : "إذا كانت منزلة الكتاب كما ذكرت، وفضله في الشريعة على ما وصفت، فلماذا حجب عن الأنظار طوال هذه السنين ولم يأخذ حظه من الإذاعة بله العكوف على تقريره ونشره بين علماء المشرق؟"، ويجيب : إن ذلك راجع إلى أمرين : "أحدها أن المباحث التي اشتمل عليها الكتاب مبتكرة مستحدثة لم يسبق إليها المؤلف… وجاء في القرن الثامن 790 هـ بعد أن ترسخت طريقة الأصوليين السابقين وصارت كل ما يطلب من علم الأصول. وثانيهما أن كتابة الشاطبي مركزة كثيفة "تجعل القارئ ينتقل في الفهم من الكلمة إلى جارتها، ثم منها إلى التي تليها، كأنه يمشي على أسنان المشط، لأن تحت كل كلمة معنى يشير إليه وغرضا يعول في سياقه عليه".
إننا نتوقع من القارئ غير "المختص" (وهو مخاطبنا الرئيس في هذا المقال) أن يخرج من هذا الملخص الوجيز الذي سنخصصه للشاطبي مقتنعا بأننا فعلا أمام شخصية علمية في مستوى سلفه ابن رشد ومعاصره ابن خلدون. أما إذا كان القارئ ممن له إلمام بما يروج في الإيبيستيمولوجيا المعاصرة (=علم أصول المعرفة العلمية)، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يتعرف فيها على الشاطبي، فإننا لا نشك في أنه سيهتز دهشة وتعجبا، لأنه سيقرأ في خطاب الشاطبي نفس المعاني التي يقرأها في خطاب فلاسفة العلم المعاصرين. وفي هذه الحالة، فإننا نطلب منه أن يستعين برصانة فكر الشاطبي واتزانه فلا يسلك مسلك بعض الباحثين العرب المعاصرين، الذين انفعلوا عند قراءتهم الغزالي انفعالا قادهم إلى القول بأنه "سبق ديكارت إلى الشك" و"سبق هيوم إلى فكرة "العادة"! في تاريخ العلم تتشابه الأفكار فعلا، ولكن السياق قد يختلف اختلافا لا يترك مجالا للمقارنة.
لنعد إلى موضوعنا ولنجمل في كلمات جانب التجديد والإبداع في منهج الشاطبي. إنه يتمثل في تطوير وتجديد التفكير في ثلاث مسائل منهجية في الفكر الأصولي الإسلامي:
 المسألة الأولى سبق أن مارسها ونوه بها ابن حزم، قبل الغزالي، وهي الدعوة إلى اعتماد الاستنتاج (أو القياس الجامع)، بدل قياس الغائب على الشاهد أو الفرع على أصل. وهذه الخطوة المنهجية التي دعا ابن حزم إلى اعتمادها في ميدان الشريعة بديلا عن قياس الفقهاء قد طبقها ابن رشد، وبمهارة في ميدان العقيدة، بديلا عن منهج المتكلمين، الاستدلال بالشاهد على الغائب. ويأتي الشاطبي ليستلهم التطبيق الرشدي للخطوة المنهجية الحزمية ويدشن مقالا جديدا تماما في المنهج الأصولي قوامه :"أن  كل دليل شرعي فمبني على مقدمتين: إحداهما نظرية تثبت بضرورة الحس أو بضرورة العقل أو بالنظر والاستدلال، أما الثانية فنقلية تثبت بالنقل عن الشارع نقلا صحيحا. الأولى ترجع إلى تحقيق مناط الحكم في كل جزئي فهو مقدمة صغرى، والثانية ترجع إلى نفس الحكم الشرعي، وهم يعم سائر الجزئيات التي من نفس النوع، فهي مقدمة كبرى. وينبه الشاطبي إلى أن كون الدليل الشرعي يُبنى على مقدمتين لا يلزم عنه بالضرورة  أن الأدلة الشرعية يجب أن يطبق عليها ما يقرره أهل المنطق في شأن القضايا، من اعتبار التناقض والعكس وما يقررونه في شأن أشكال القياس الجامع (كما فعل الغزالي والذي ساروا على دربه)، وإنما "المراد –يقول الشاطبي هو- تقريب الطريق الموصل إلى المطلوب على أقرب ما يكون وعلى وفق ما جاء في الشريعة" وأن يُتحرى فيه "إجراؤه على عادة العرب في مخاطباتها ومعهود كلامها". وهذا يعنى أن الصياغة المنطقية في أصول الفقه يجب أن تحصر نفسها في "استثمار الألفاظ" بل يجب أن تنفتح على معهود العرب في خطابهم ككل.
والمسألة المنهجية الثانية هي الاستقراء، وقد سبق لابن حزم أن دعا إلى اعتماده منهجا في التعامل مع النص القرآني خصوصا عندما يتعلق الأمر بلفظ يبدو لأول وهلة أن معناه الظاهر يختلف عن ما تقرره بديهة الحس والعقل، ففي هذه الحالة يجب على الأصولي أن لا يسجن نفسه في الدائرة اللغوية لهذا اللفظ، بل عليه أن يقوم باستقراء وجوه استعمال ذلك اللفظ في القرآن ككل، ليهتدي بذلك إلى المعنى الذي قصده الشارع. وقد تبنى ابن رشد هذه الخطوة المنهجية ونوه بها في كتاباته الإسلامية (فصل المقال، والكشف عن مناهج الأدلة، بداية المجتهد). ويأتي الشاطبي ليوظف هذا التطبيق الرشدي للاستقراء الحزمي توظيفا جديدا قوامه استخلاص "كليات الشريعة" التي هي "كليات استقرائية"، (والتعبيران كلاهما للشاطبي).
 تبقى المسألة المنهجية الثالثة وهي: ضرورة اعتبار مقاصد الشرع. وهذا ما ركز عليه ابن رشد بصفة خاصة في كتابه "الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة"، فجاء الشاطبي ونقل تطبيق هذه الخطوة من مجال العقيدة إلى مجال الشريعة فدعا إلى ضرورة بناء أصول الفقه على مقاصد الشرع بدل بنائها على "استثمار الألفاظ" كما دأب على العمل بذلك علماء الأصول انطلاقا من الشافعي. وبذلك يكون الشاطبي قد خرج عن سمت المؤلفين في الأصول منذ الشافعي ليشق سبيلا أخرى مختلفة تماما.
 كان الشاطبي واعيا بهذا تمام الوعي ولذلك لم يتردد في التصريح بأنه بصدد "تأصيل أصول" علم الشريعة. والهدف هو إعادة بناء هذا العلم بالصورة التي تجعل منه علما برهانيا، علما مبنيا على "القطع" وليس على مجرد الظن، وهذا ما يصرح به في أول مقدمة من المقدمات المنهجية الثلاث عشرة التي استهل بها كتابه، حيث نقرأ له أول ما نقرأ بعد خطبة الكتاب قوله : "المقدمة الأولى في أن أصول الفقه في الدين قطعية لا ظنية. والدليل على ذلك أنها راجعة إلى كليات الشريعة، وما هو كذلك فهو قطعي. بيان الأول ظاهر بالاستقراء المفيد للقطع، وبيان الثاني من أوجه: أنها ترجع إما إلى أصول عقلية وهي قطعية، وإما إلى الاستقراء الكلي من أدلة الشريعة وذلك قطعي أيضا، ولا ثالث لهذين إلا المجموع منهما، والمؤلف من القطعيات قطعي. وذلك أصول الفقه".
يريد الشاطبي أن يجعل من علم الشريعة علما برهانيا، علما مبنيا على "القطع" ؟ فكيف يحدد العلم؟ وقبل ذلك ما معنى "القطع" هنا؟
القطع هو الجزم. وهو ضد الظن. فإذا كان النص واضحا لا يحتمل لفظه التأويل فهو قطعي الدلالة مثل قوله تعالى : "والله بكل شيء عليم"، ومثل الآيات التي تقرر أركان الإسلام من صلاة وصيام وزكاة وحج، وكذا التي تقرر وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووجوب القسط والعدل، ووجوب اجتماع الكلمة الخ. أما إذا لم يكن النص كذلك بأن كان فيه مجال للتأويل فهو ظني الدلالة. أما الحديث فهو قطعي السند إذا كان متواترا، وظني السند إذا كان غير متواتر. وبما أن الأصوليين قد اعتمدوا منذ الشافعي على الاستنباط (استنباط المعنى من النص الديني) والقياس (قياس ما ليس فيه نص على ما فيه نص)، وبما أن القياس الفقهي إنما يقوم في أقوى أنواعه على "العلة" التي يظن الفقيه أنها المقصودة بالحكم، فإن الشريعة في مجملها إنما تقوم على الظن، وهذا باعتراف الفقهاء أنفسهم. وما يريده الشاطبي هو، كما قلنا، بناء الشريعة كلها على القطع وذلك بإعادة صياغة أصولها بصورة تجعل منها علما برهانيا. فكيف استقام له ذلك ؟
 

15 - مارس - 2009
هل الشريعة الإسلامية أمية
سوناتا "ضوء القمر" لبيتهوفن:بيانو وليام كيمبف    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

سوناتا "ضوء القمر" لبيتهوفن:بيانو وليام كيمبف

الحركة الأولى


  
 
   

الحركة الثانية


   
 
 

الحركة الثالثة

16 - مارس - 2009
الفلسفة والموسيقى
استدراك..    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

تحية مجددة الأستناذة ضـياء .
 
*يبدو أنني لم أفلح في إدراج الفيديو 1لذلك أطلب حذف المشاركة السابقة .
 
 
شاهد على العصر - أحمد المرزوقي - الجزء الرابع يرجى النقر على الصورة
 
 
 
*أرجو أن تتابعي ما دارفي هذه الحلقة من برنامج شاهد على العصر، فهي مثيرة حقا..
 
 
 
 

18 - مارس - 2009
أحاديث الوطن والزمن المتحول
النشيد الوطني الاسباني ومعزوفة من النوبة الأندلسية..    كن أول من يقيّم

* للمقارنة  بعد الاستماع إلى النشيد الوطني الاسباني
 
يرجى النقر على  نوبة الستهلال(  Mizan D dary (Nuba Al istihlal
 
وذلك على الرابط التالي :
                                    http://musique.marocenligne.net/?p=938
 
 

19 - مارس - 2009
الفلسفة والموسيقى
وشوشة عصافير..    ( من قبل 5 أعضاء )    قيّم

تحية ربيعية عطرة لكم جميعا .
وألف مبروك أستاذنا وشاعرنا الكبيرديوانك الأول
"ضياء نامه "
 
* نرجوأن تقبل منا (أنا وندى ) هذه الخربشات والألــوان ..
أما الكلام فكما تعلم أحيانا "الغالب الله "
محض مساكيــن .. 

22 - مارس - 2009
ديوان زهير
 68  69  70  71  72