الكوليرا فى مصر المحروسة سنة 1948م     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
الكوليرا سكَنَ الليلُ أصغِ إلي وَقْع صَدَي الأنَّاتْ في عُمْق الظلمةِ، تحتَ الصمتِ، علي الأمواتْ صَرخَاتٌ تعلو، تضطربُ حزنٌ يتدفقُ، يلتهبُ يتعثَّر فيه صَدي الآهاتْ في كلِّ فؤادٍ غليانُ في الكوخِ الساكنِ أحزانُ في كل مكانٍ روحٌ تصرخُ في الظُلُماتْ في كلِّ مكانٍ يبكي صوتْ هذا ما قد مَزَّقَـهُ الموت الموتُ الموتُ الموتْ يا حُزْنَ النيلِ الصارخِ مما فعلَ الموتْ طَلَع الفجرُ أصغِ إلي وَقْع خُطَي الماشينْ في صمتِ الفجْر، أصِخْ، انظُرْ ركبَ الباكين عشرةُ أمواتٍ، عشرونا لا تُحْصِ أصِخْ للباكينا اسمعْ صوتَ الطِّفْل المسكين مَوْتَي، مَوْتَي، ضاعَ العددُ مَوْتَي ، موتَي ، لم يَبْقَ غَدُ في كلِّ مكانٍ جَسَدٌ يندُبُه محزونْ لا لحظَةَ إخلادٍ لا صَمْتْ هذا ما فعلتْ كفُّ الموتْ الموتُ الموتُ الموتْ تشكو البشريّةُ تشكو ما يرتكبُ الموتْ الكوليرا في كَهْفِ الرُّعْب مع الأشلاءْ في صمْت الأبدِ القاسي حيثُ الموتُ دواءْ استيقظَ داءُ الكوليرا حقْدًا يتدفّقُ موْتورا هبطَ الوادي المرِحَ الوضّاءْ يصرخُ مضطربًا مجنونا لا يسمَعُ صوتَ الباكينا في كلِّ مكانٍ خلَّفَ مخلبُهُ أصداء في كوخ الفلاّحة في البيتْ لا شيءَ سوي صرَخات الموتْ الموتُ الموتُ الموتْ في شخص الكوليرا القاسي ينتقمُ الموتْ الصمتُ مريرْ لا شيءَ سوي رجْعِ التكبيرْ حتّي حَفّارُ القبر ثَوَي لم يبقَ نَصِيرْ الجامعُ ماتَ مؤذّنُهُ الميّتُ من سيؤبّنُهُ لم يبقَ سوي نوْحٍ وزفيرْ الطفلُ بلا أمٍّ وأبِ يبكي من قلبٍ ملتهِبِ وغدًا لا شكَّ سيلقفُهُ الداءُ الشرّيرْ يا شبَحَ الهيْضة ما أبقيتْ لا شيءَ سوي أحزانِ الموتْ الموتُ، الموتُ، الموتْ يا مصرُ شعوري مَزَّقَـهُ ما فعلَ الموتْ. ********************** لم تكن مصا دفة أن تتمزق نازك حزناً على ما أصاب شعب مصر من شوطة الكوليرا ،كما أطلقت عليها جدتى أم أبى يرحمهماالله ويشملهما بعفوه وغفرانه ، وأن تكتب هذه القصيدة سنة 1948 ،لكى تفتح باباً جديداً فى مسيرة الشعر العربى 0ولم تكن مصادفةً أن تموت نازك الملائكة على أرض مصر المحروسة ،ويحتضنها ثرى مصر المحروسة 0 كنت أقرأ لها دواوين أشعارها ،وحفظت فى سابق أيامى هذه القصيدة (الكوليرا ) وأردد السطر الأخير (يامصر شعورى مزقه ما فعل الموت )0 فليرحمنا الله وإياها ،إنه سميع مجيب الدعاء 0 عبدالرؤوف النويهى |