البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات abdelhafid akouh

 67  68  69  70  71 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
خوان غويتصولو.. 2    كن أول من يقيّم

خوان غويتصولو: كان باختين يقول –وهو،في نظري، أهم ناقد أدبي في القرن العشرين- إن الأدب لا يمكن أن يتجه صوب المستقبل دون أن يستند إلى الماضي، فما ينتمي للحاضر فقط، يتلاشى بتلاشيه. وقد كان صائبا كل الصواب في كلامه هذا. إن التطابق بين ما سمي الأدب الطلائعي في القرن العشرين وتراث القرون الوسطى الشفوي تطابق فاتن؛ فإذا قرأتم لـجويس James Joyce (1894-1941) أو لسيلين ستنتهون إلى أن القراءة الجهورية هي أفضل القراءات. ولذا فإن أغلب ما كتبتُه منذ  Don Julián كتب ليُقرأ جهوريا... أتذكر، لما نشر كتابي Makbara، أنني عوض أن أوقع نسخا منه بأحد المتاجر، اقترحت على الناشر تنظيم جولة في اثني عشرة جامعة إسبانية، لقراءة شذرات من النص قراءة جهورية، حتى يكتشف الناس أن طريقتي في وضع علامة النقطتين ليست عشوائية إطلاقا. فالنص يفرض عند قراءته نمطا من الموسيقى والإيقاع وطريقة في الإلقاء، وكل ذلك  يجعل القراءة الجهورية أفضل القراءات. طبعا، أنا لا أطلب من جميع القراء أن يقرأوا بصوت عال وهم يتجولون بجامع الفنا، وإنما القصد أن يضبطوا الإيقاع والإملاء. إن الجديد في الأمر هو الوقوف على العلاقة بين ما يمكن أن نعده أكثر أنماط الأدب التي تنحو منحى الإبداع والتجديد في القرن العشرين، وبين تراث القرون الوسطى. وهذا يزيدنا غنى، ومن هنا اهتمامي بالتراث الشفوي والدفاع عن التقليد الشفاهي.  
دفاتر الشمال: كيف نفسر-إذن- تجاهل المدافعين عن الجوهر الإسباني المزعوم لمثقف مثلك يخوض في الأصول؟ أم أن الأدب لا علاقة له بهذا الجوهر؟
خوان غويتصولو: لا. لاوجود لأعمال جوهرية، ولا وجود لجوهر. فالجوهر مجرد ابتكار ابتكرته النزعات الوطنية. لقد تحدث منينديس بيدال سابقا، في كتابه La Historia general de España (تاريخ إسبانيا العام) الذي كان من الأفضل أن يعنونه أسطورة إسبانيا العامة، عن الإمبراطور الإسباني طراخانو6 Marco Ulpio Trajano (117-53): هذا كلام في منتهى العبث. فما نعرفه هو أن إسبانيا تأسست في القرن الحادي عشر، ولذا فإن إضفاء صفة الانتماء إلى إسبانيا على القوطيين والرومان والقرطاجيين تراجعيا مجرد هذيان تأريخي... وعندما نقف على أفكار هؤلاء [أصحاب النزعة الوطنية] المسبقة نجدهم يقصرون هذه الصفة على الرومان والإغريق والقوط دون اليهود والعرب، فهؤلاء دخلاء على إسبانيا مبتكرة. إنني لم أؤمن أبدا بجوهر، فإسبانيو اليوم يختلفون عن أولائك الذين وجدوا منذ ثلاثين سنة، فهؤلاء الذين عاصروا مرحلة فرانكو يختلفون هم الآخرون عن الذين عاشوا مرحلة الجمهورية، بمعنى أن المجتمعات تتطور. ومن ثم لا يمكن افتراض خصائص مميزة، كما يقول بذلك أصحاب النزعة الوطنية المتطرفة في أوسكادي، أو في بلاد الباسك وفي كاطلونيا. 
ومن التهافت أن يكتب أحد المؤرخين: "لما وصل الفنيقيون إلى أرض كاطلونيا وجدوا أهلها يرقصون رقصة السردانا7Sardana"، أو أن يقول أرثايوث Arzalluz [أحد قادة الحركة الوطنية الباسكية]: "نحن الباسك لم نبرح مكاننا منذ ثلاثين ألف سنة"... فلربما من سوء حظ هؤلاء ألا يخطر ببالهم طول هذا الدهر التجوال ولو قليلا في العالم...
تقود كل هذه النزعات الجوهرية الأسطورية إلى الحرب العرقية، مثل ما حصل في يوغوسلافيا. وقد انتهيت إلى إقامة تواز بين النزعة الوطنية الكاثوليكية الإسبانية والنزعة الوطنية الصربية الأرثوذوكسية المتطرفة، إنهما متطابقتان. ويبدو ذلك واضحا في الأساطير، فحيث يتم الكلام في إسبانيا عن الغزاة العرب يتم الكلام هناك عن الغزاة الأتراك... ويماثل الملك دون رودريغو الأمير لاثار، كما يماثل الخائن دون خوليان صهر الأمير، أما إسبانيا المقدسة فتطابقها صربيا السماوية [...] إننا إزاء نفس الشيء: نفس الأساطير لتعليل الهمجية التي تم اقترافها بالبوسنة، وتسويغ إبادة ما يزيد عن مائة ألف مسلم بوسني يعدون أتراكا. لابد من مواجهة كل هذه الأساطير، وتقويض كل جوهر يسجن الكائن الإنساني في وعاء منغلق لا يسمح له بالتطور، في حين أن الحياة هي التطور نفسه.   
دفاتر الشمال: إن إحدى الأفكار البارزة التي كانت ولا تزال ماثلة في التاريخ الإسباني هي فكرة الإسبانيتين las dos Españas، التي ترسخت مع جيل 98. وبالمقابل تحدث خوان كارلوس كوروتشيJuan Carlos Curutchet[...]عن إسبانيا ثالثة ممكنة تاريخيا، وهي إسبانيا كلارين 8Clarín(1901-1852) وسيرفانتيس ولارا M.J. Larra (1809-1837) وكيفيدو. أو ليس من العملي إضافة ابن رشد وابن ميمون؟
خوان غويتصولو: لم يرقني أبدا الحديث عن إسبانيتين، وقد أشرت إلى ذلك في مقدمة أعمال بلانكو وايت Blanco White: إن المثقفين والكتاب وأصحاب النزعة الإنسانية، الذين أعد نفسي أحدهم غالبا ما انهزموا. وفي إسبانيا مازال الكلام ينبني على الجهل بالتاريخ، إذ يقال إن الإسبانيين طردوا الموروس واليهود، عوض أن يقال إن الإسبانيين المسيحيين طردوا الإسبانيين المسلمين والإسبانيين اليهود، الذين لا يقل انتسابهم إلى إسبانيا عن المسيحيين. غير أن تحويلهم إلى غرباء سوغ إبادتهم وقتلهم. وأحب ها هنا أن أذكر مثالين: لما التحقت أيام الدراسة بقسم الباكالوريا، وذلك مباشرة بعد الحرب الأهلية، أي خلال أفظع فترات النزعة الوطنية الكاثوليكية وأرعب لحظات الفرانكاوية قيل لي مرارا: "لا يمكن للشخص أن يكون إسبانيا دون أن يكون كاثوليكيا". ومعنى ذلك أن الشخص إذا لم يكن كاثوليكيا فهو ليس إسبانيا. وبما أنني فقدت الإيمان مبكرا، قلت مع نفسي: "أنا لست كاثوليكيا إذن أنا لست إسبانيا". وألفيت نفسي حرا... نجد اليوم نفس الحالة في بلاد الباسك إذ يقال: لا يمكن أن يكون الشخص باسكيا دون أن يكون وطنيا، ومعنى ذلك أن نصف الباسكيين غير الوطنيين لم يعودوا باسكيين. ولذلك أرى ضرورة العودة إلى جذور المسألة، فما دمنا لم نفهم بجلاء أن الإسبانيين المسيحيين هم الذين طردوا الإسبانيين اليهود والإسبانيين الموريسكيين، فسنظل تحت رحمة الاعتقاد بأن من يخالفنا الرأي غريب بعيد.
دفاتر الشمال: إذن سيمثل استيعاب ابن رشد وابن ميمون وابن عربي اعترافا بهذا الأصل؟
خوان غويتصولو: طبعا. وقد أتيحت الفرصة لإسبانيا أيام ألفونسو العاشر9 Alfonso X...ويوجد كتاب رفيع لفرانسيسكو ماركيز بيانويباF.M.Villanueva El concepto cultural alfonsí يوضح مشروع هذا الملك، وهو المشروع الذي لو رأى النور لتقدم ظهور النهضة قرنين اثنين. فهذا الملك أنشأ مدرسة المترجمين بمدينة طليطلة، التي صارت يومئذ أهم مركز ثقافي، حيث انتقلت الفلسفة اليونانية مترجمة من لدن العرب، كما وصل إليها الأدب الهندي والفارسي والعربي. إن كل ذلك وصل إلى إسبانيا، في الوقت الذي كانت تصلها –أيضا- عبر طريق سانتياغو ثقافة كانت تتشكل في أوربا شيئا فشيئا. لقد كانت إسبانيا يومها مركز كل الثقافات، ومن المؤسف أن هوى واندثر كل هذا الفضول المعرفي بعد نهاية مُلك ألفونسو العاشر. غير أنه تجدر الإشارة إلى أهمية ابن رشد، أو بالأحرى أهمية الرشدية الشعبية الإسبانية أو اللاتينية... وقد حلل كل من ماركيز بيانويبا وآلان دي لبيرا Alain de Libera اختراق  أفكار ابن رشد للغرب تحليلا دقيقا...
دفاتر الشمال: ربما كان هذا الموقف سببا في علاقتك السجالية والمتوترة مع النقد، خصوصا في المرحلة الفرانكاوية...
خوان غويتصولو: وفي المرحلة الحالية أيضا، فالأمور لم تتغير كثيرا...
دفاتر الشمال: يتم في كتابSeñas de identidad التهجم بسخرية على الذكرى الخامسة والعشرين لوصول فرانكو إلى السلطة. فهل تعتقد بعد ربع قرن من موته أن الرأي العام والنقد على الخصوص مايزال يعد خوان غويتيصولو شخصا غير مرغوب فيه؟ وإلى أي حد أثر شغفك بالعالم العربي في هذا الموقف؟
خوان غويتصولو: الأمور لم تتغير على المستوى الثقافي فـ"إسبانيا بلد –كما يقول السيد أثنار Aznar - يسير نحو الأفضل" دون أن يحدد بوضوح هذا الأفضل، غير أن إسبانيا في نظري تتجه على المستوى الثقافي نحو الأسوأ. وقد انتهيت مؤخرا من كتابة مقال عنيف سأبعثه إلى جريدة الباييس والذي عنونته: "إننا نتجه نحو الأسوأ"*. إن الأمور ازدادت تعقيدا، ففيما مضى كانت الرقابة رقابة دينية وسياسية أو إيديولوجية، وقد انسحبت الآن وحلت محلها رقابة تجارية أكثر فتكا منها. وهكذا تم تهميش كل ما لا يخضع لقيم السوق. فاليوم لا يتم التمييز إطلاقا في الصفحات الرئيسية لأهم الجرائد بين النص الأدبي والمنتوج الصحفي، وهما شيئان مختلفان اختلافا تاما. طبعا، لابد من وجود الاثنين، لكن النقد عوض أن يدافع عن النص الأدبي نجده يشجع النص التجاري دفاعا عن مصالح اقتصادية، ويتم الاهتمام استجابة لإكراهات النشر بالإعلانات المؤدى عنها في الوقت الذي يتم فيه تهميش ما أُعده أدبا. ومن ثمَّ تبدو الرقابة الإيديولوجية أقل ضررا من الرقابة التجارية التي ينبغي مواجهتها لبلورة القدرة على المقاومة... وإني لا ألحظ اليوم اختلافا كبيرا عما كانت عليه الأمور سابقا، ينضاف إلى ذلك افتقارنا الكلي لذاكرتنا التاريخية، فثمة جهل بالمرحلة الجمهورية، وبما كانت تمثله ديكتاتورية فرانكو... فنحن نرى الآن العائدين من الخارج يصلون إلى بعض المدن فيصادفون تمثالا لفرانكو أو شارعا باسم الجنرال مولا Mola أو باسم الجنرال سان خورخو San Jurjo... وشيئا فشيئا تتم مع الحكومة الحالية عودة لبقة لقيم اليمين الإسباني، وهي عودة تبين أن الأمور لم تتغير كثيرا.
دفاتر الشمال: عبرت في حوار أجراه معك خوليو أورطيغا Julio Ortega  سنة 1974 على أنك تعد عملك  Juan sin tierra خاتمة أعمالك، ومن حسن الحظ أن إبداعاتك اللاحقة ليست أعمالا تأبينية. فما هو تقويمك لهذا التصريح بعد ربع قرن؟
خوان غويتصولو: لا. لم أعن ذلك، وإنما أشرت إلى ما يمكن تسميته بثلاثية Señas de identidad ، بعدها بدأت مرحلة أخرى.
دفاتر الشمال: يوحي ذلك الحوار وكأنك أقفلت دائرة الكتابة.
خوان غويتصولو: لا أحد يتكهن بما سيكتبه في المستقبل. وأنا لم أعتمد إطلاقا منذ كتابي Don Julián على خطاطات أو مشاريع مسبقة، بمعنى أنني صرت عند الكتابة أنطلق من جملة أو من انطباع دون أن أعلم إلى ما ستقودني إليه الكتابة. والأمر الجوهري بالنسبة لي هو أن الكتابة مغامرة شأنها قي ذلك شأن القراءة. وبخلاف ذلك فأنا عندما أقتني كتابا رائجا، أو منتوجا تجاريا أعرف جيدا إلى أين سينتهي بي، فكل شيء معروف سلفا لأنك تبحر في نفس الشيء، في المتطابق. وهذا بخلاف الأعمال المتمنعة التي تتحول إلى مغامرة، فعند قراءة أعمال كـTerra nostra أوTres tristes tigres لصاحبها كابريرا إنفنطي Cabrera Infante فإن الكاتب يجرك إلى أرض لا تعرفها، ومن هنا أهمية القراءة. وهكذا فما أطلبه من الآخرين كقارئ أُلزم به نفسي ككاتب، بمعنى أن الكتابة بالنسبة لي مغامرة. وإني لأحيل باستمرار  بهذا الصدد على عبارة بليغة أذكرها لجــان جوني Genet J.  (1910-1986)، قال لي يوما: "إن قراءة رواية تعرف نقطة انطلاقها ونقطة وصولها ليست قراءة، وإنما مسار حافلة"، وقد كان صائبا في قوله هذا تمام الصواب.
دفاتر الشمال: تذكر في كتابك Los reinos de Taifa  جان جوني كأحد أبرز من أثر عليك.
خوان غويتصولو: نعم، كان لجان جوني أثرا   أخلاقيا بارزا علي، ولقد كان مختلفا كل الاختلاف عن هؤلاء الكتاب الأكادميين، الذين يمشون الخيلاء مزهوين بنياشينهم، متباهين بمحافلهم الرسمية. كان رجلا يحمل حقيبته الصغيرة معه أنَّى رحل وارتحل. وكنت محظوظا بمعرفته كما كان على صداقة حميمة بزوجتي مونيك لانج Monique Lange التي كانت إحدى النساء القلائل اللواتي تجمعه بهن علاقة المودة. وقد كان يتردد إلى بيتي لما كنت مستقرا بباريس ليشاركني الغذاء أو العشاء دون حاجة إلى إعلام. وإذا ما صادف أحدا لا يعجبه صار الموقف مرحا. ففي يوم وجد في بيتي شخصا جالسا -لم أعد أذكر اسمه- فجلس، ثم شرع ينظر هكذا [أخفى نصف وجهه بيده واستدار نحو الجدار]، واستمر على هذا الحال إلى أن اضطر صاحبنا بعد أن توترت أعصابه إلى الانصراف... وإني لأذكر عنه في كتاب Los reinos de Taifa بعض الحكايات المعبرة، كما أشير إلى دفاعه عن الفهود السود وعن الفلسطينيين...
دفاتر الشمال: لنعد إلى القراءة من حيث إنها مغامرة، فأنت تردد باستمرار بأنها تفرض إعادة القراءة...
خوان غويتصولو: نعم، لقد سُئلت: "كيف تميز النص الأدبي عن النص التجاري؟" فأجبت أن النص الأدبي يلزمك بالعودة إلى قراءته، إنك –مثلا- لا تستطيع أن تتذكر -إثر قراءة واحدة- ما جاء في رواية رائعة مثل رواية الكاتب التركي أورخان باموك Orhan Pamuk، وأقصد "كارا كتاب"(الكتاب الأسود). إن هذا العمل الذي سيترجم قريبا إلى الإسبانية يتحدث عن إسطامبول، وكاتبه يتوسل برواية بوليسية على ما يبدو، ليعمل على الكشف عن المراحل التاريخية التي تعاقبت على هذه المدينة. وهي عمل رفيع المستوى، وأذكر أني بمجرد الانتهاء من قراءته مررت من الصفحة الأخيرة إلى الصفحة الأولى، لأنني أدركت ضرورة إعادة قراءته من جديد لأفهم جيدا ما يقصده الكاتب. ولذا أردد في السنوات الأخيرة أنني أعيد القراءة أكثر مما أقرأ.
دفاتر الشمال: هل يمكننا أن نقول ذلك أيضا بصدد الكتابة؟ وبصيغة أخرى: هل يمكنك إعادة كتابة عمل قمت بكتابته بعد إعادة قراءته مرارا؟
خوان غويتصولو: كلا، فأنا أعيد كتابته مرارا وأنا أكتبه، بحيث تستحيل إعادة كتابته. وسأريكم صفحات مما أكتبه، بما فيها المقالات التحليلية حتى تتبينوا الأمر. وبالمناسبة فأنا لا أمارس الرقانة، ثم إنني أعيش هنا في عزلة، ولذا كنت أحيانا أرسل مخطوطاتي لترقن ببرشلونة، أو أضطر إلى إملاء مقالاتي عبر الهاتف، أما الآن فتساعدني فتاة إسبانية. فيما مضى كنت أكتب بقلم الحبر فتتلطخ أصابعي، أما اليوم فأنا أستعمل القلم الجاف الذي يسعفني في عملي بصورة أفضل. ثم أستعين بهذه الأقلام الجديدة التي تتيح لي رسم  شرائط التصحيح، وتمكنني من الرؤية الواضحة، فتتحول الصفحات التي أكتبها أحيانا إلى ما يشبه جنودا مكسوين بضمادات، وهم في طريق عودتهم من الحرب أو من مخابئهم... وتوجد صفحات من كتاب Don Julián بأرشيف جامعة بوسطون تشمل ما يقرب من عشر نماذج من نفس الصفحة.
دفاتر الشمال: بصفتك مثقفا منفتحا على مجالات عدة استطعت بلورة مشروع إبداعي ما يفتأ يتطور ويغتني، وأنت بهذه التجربة خبرت أشكالا تعبيرية مختلفة، وانخرطت في سجالات عديدة، إضافة إلى كونك تبنيت مواقف جريئة لمصلحة الفلسطينيين والغجر والمهاجرين... كما أنك أدنت الإبادة التي لحقت البوسنيين، والدمار الذي حل بسراييفو وبالمناطق المشتعلة. وتندرج في هذا الاتجاه أيضا علاقتك بالجنوب ودفاعك عن حق الثقافات المختلفة في الوجود وفي التعبير عن نفسها. انطلاقا من تجربتك هذه واعتبارا للتحولات الحرجة التي يشهدها عالم اليوم نود أن نسألك عن دور المثقف إزاء الشأن العمومي؟
خوان غويتصولو: لقد سادت الوحدة أيام سيادة روما، ففيما مضى كان الفضاء المتوسطي موحدا، كان عالما رومانيا [عبر عن ذلك الرومان بعبارتهم المأثورة] "بحرنا" “mare nostrum”. كما سادت هذا العالم علاقات ثقافية متفاوتة إلى حدود  القرن السادس عشر، حيث استمر التأثير المتبادل [بين ضفاف المتوسط]، أما خلال القرون الأربعة الأخيرة فقد ساد التفاوت المطلق فيما بينها، وهيمن شمال المتوسط هيمنة تامة على جنوبه، كما رفض ثقافته وصدها. وهنا والآن لابد من إقامة الجسور والوقوف على ما يمكن أن نفيده من الجنوب. وبمعنى من المعاني لابد من تعويض الجنوب بكيفية ما عن الكفاءات التي تغادره إلى شمال المتوسط، وحري بنا أن نتعلم من جنوبه...        
يكتب النقاد في إسبانيا حماقات مفادها أنني أحن إلى إسبانيا المسلمة، أو أني أعذر الإسلاميين. إنهم لا ينتبهون إلى أنني أحاول أن أقطع مع تلك الصورة الإيقونية [غير القادرة على الإحاطة بمحتوياتها...] والكشف عن الركام الهائل الذي تدين به الثقافة الإسبانية للعرب ولليهود أيضا. ويبدو لي أن هذه مهمة أساسية. ويعلم الجميع، على سبيل المثال، وجود ما يقرب من أربع آلاف لفظ من أصل عربي باللغة الإسبانية، أغلبها لم تعد مستعملة. وقد عملت على إعادة تداول بعضها. لقد كان الجميع يسألني أيام إعدادي للمسلسل السينمائي Alquibla عن فحوى هذه الكلمة، والآن يعرف عديدون دلالتها. وهنا [في مراكش] تعلمت العربية الدارجة متأخرا مع الأسف الشديد، في الوقت الذي لا أحسن الفصحى، ومع ذلك تعلمت أشياء كثيرة في المغرب. فثمة عبارات تترجم مباشرة من العربية إلى الإسبانية، وقد أشار أمريكو كاسترو إلى هذا الأمر. وعلى سبيل المثال، في حالة تشخيص الأفعال اللازمة عند محاولة ترجمة “amanecí borracho” أو “anochecí cansado” إلى الإنجليزية أو إلى الفرنسية تستحيل الترجمة، أما هنا فيمكنني ذلك بقولي [بالعامية] "صبحتْ عيان". إن المعارف التي اكتسبتها هنا على المستوى الشعبي ساعدتني كثيرا في فهم أمور من الثقافة الإسبانية نفسها. بل أكثر من ذلك، فأنا سأعمل الآن على نشر نص حيث أقارن بين مقطع من كتاب Libro de Buen Amor يتم الحديث فيه عن نقاش دار بين الإغريق والرومان، وحكاية كان يرويها قوال في ساحة جامع الفنا. هذا الشخص الرائع الذي كنت أكن له كامل المودة توفي، وقد كان الناس يكنونه الصاروخ لطول قامته بعض الشيء. المهم أنني أعقد مقارنة بين حكاية الإغريقي والروماني التي تعتمد الإيماءات والحكاية التي يرويها "الصاروخ" معتمدا على حركات الأصابع والذراع المعبرة... وغالب الظن أن صاحب كتاب Libro de Buen Amor أو رواة هذا الكتاب كانوا يقومون بنفس هذه الحركات. ولفهم النص على المرء أن يرى ذلك. وهكذا فهنا في جامع الفنا كان "الصاروخ" يروي حكايته التي تحكي عن منافق و"حرامي"[لص] متوسلا بتلك الإشارات. إن الحكاية التي يرويها كتاب Libro de Buen Amor حكاية ممتعة، غير أن الكتاب وإن كان يشمل هوامش، فإنها مع ذلك لا توضح السياق، وفي المقطع [المشار إليه سابقا من الحكاية] يطلب الرومان من الإغريق أن يمنحوهم تشريعات  لأنهم لا يتوفرون على قانون.غير أن الإغريق يردونهم قائلين: "أنتم جهلة، ونحن لن نمنحكم تشريعات". ثم يرد الرومان قائلين: "طيب، لنناقش ذلك حتى نتبين هل نستحق التشريعات، أو لا نستحقها،  ولتتم المجابهة بيننا بالإيماءات والحركات". قبٍل الإغريق التحدي وبعثوا حكيما [للمناظرة] أما الرومان فأرسلوا شاطرا. رفع الحكيم أصبعه إلى السماء فأساء الولد فهمه ورماه بالوسطى. ثم فتح الحكيم ذراعيه [راسما الصليب] فأردف الولد بحركة من الذراع. بعد ذلك فسر الحكيم هذه الحركات موضحا أنه قال: لخصمه إن الله واحد، وأن خصمه رد عليه بأنه ثالث ثلاثة. [...] وقد كان "الصاروخ" يروي حكاية شبيهة بهذه الحكاية، جرت أحداثها بين "الحرامي" و"المنافق" في سياق مغاير. وهكذا أقمت توازيا بين الحكايتين، وهذه صورة لتعقل الثقافات ساعدتني على فهم ثقافتي الخاصة. أما عن مسؤولية المثقف فيما يتعلق بالشأن العام فلا يمكنني أن أعمم، وفي رأيي أن المثقف بعيدا عن الحقل الأدبي الصرف يكتسب صفته لما يدافع عن القضايا التي لا تعود عليه بالنفع ، وبالمقابل فإن القضايا ذات المردودية تجد كثيرين يدافعون عنها. ولنقف على سبيل المثال على قضايا الهجرة: فالأحزاب السياسية[الإسبانية] لا تكترث بمآل المهاجرين؛ لأنهم لا يصوتون، ومن ثم فإن المثقفين يتبعونها في ذلك. إن قضية المهاجرين قضية خاسرة، بل إنها تثير لمن تسول له نفسه التعاطف معها مواقف صعبة، مثل تلك التي حصلت معي، إذ اعتبرت شخصا غير مرغوب فيه بــالإيخيدو. وهذه مواقف ينبغي أن نتحملها. ولذا فإنني شديد الحذر من عالم الثقافة الرسمية. لقد اعتبرت في العصر الفرانكاوي شخصا غير مرغوب فيه، ولما وصل الاشتراكيون إلى السلطة اعتبروني ابنا محبوبا لنيخار Níjar، وجارا شرفيا بحي لاتشانكا La Chanca، وهي صفة مازلت أتمتع  بها. وبالرغم من كون التشريفات لا تروقني، فإنني أعتز بصفة الانتماء لحي لاتشانكا، لأن الجمعية التي تؤطر هذا الحي وقفت وقفة مشرفة إلى جانب المهاجرين، شأنها في ذلك شأن جمعية "ألمريا أكوخي" و"فدرالية النساء التقدميات".

12 - فبراير - 2009
هدية للبنت التي تبلبلت ..
خوان غويتصولو..(تتمة )    كن أول من يقيّم

لقد كان رد فعلي في المرات النادرة التي نلت فيها جائزة هو التساؤل عن الزلة أو الخطإ الذي ارتكبته. وبالمقابل فأنا على يقين تام من أنني كنت على حق لما اعتبرت شخصا غير مرغوب فيه.
دفاتر الشمال: هل يمكن إذن أن نجازف وندعي أن كل من نال جائزة أساء الفعل.
خوان غويتصولو: لا، إن المسألة تتعلق بمشاعري الخاصة. وأغلب من يظفر بجائزة يبتهج لذلك. وبحكم تعودي على تجنب هذا النمط من الاحتفالية فأنا نادرا ما أرتدي ربطة العنق، وهذا يجعلني في حل من الرسميات. أذكر مرة أن خيسوس دي بولانكو Jesús de Polanco صاحب جريدة الباييس El País دعاني رفقة كارلوس فوينتيس وصديقين إلى مطعم فاخر بمدريد. وبمجرد دخولنا إلى المطعم، سألني النادل عن ربطة العنق، ولما أجبته بالنفي، اقترح علي إعارتي ربطة عنق حريرية جميلة. غير أني قلت له: "إذا لبستها سأحتفظ بها". لم يقبل شَرطي فتحررت من هذا الموقف.
دفاتر الشمال: كيف تفسر إذن حصولك على جائزة أورباليا Europalia ؟
خوان غويتصولو: هذه جائزة لم أكن على علم بوجودها، وأعتقد أنني ظفرت بها لأن لجنة التحكيم لم تضم في عضويتها أي إسباني. وقد وصلني لاحقا أن السفارة الإسبانية اعترضت على ذلك، كما لو كنا أنذاك مانزال في المرحلة الفرانكاوية. وقد وقفت من كتابة التحكيم  سنة 1985 على كل أنماط الضغط التي مورست رسميا حتى لا أظفر بالجائزة. ويبدو أنهم بعثوا للملك بودوان صورة شخصية لي مرعبة أفزعت العائلة الملكية. ولذا كانت الملكة فابيولا تتوجس لقاء مسخ. وبعد ذلك تغير الموقف، فقد تبادلنا أطراف الحديث، وعلمتْ أن عائلتها تصطاف على بعد كيلومترين من بيت عائلتي. اكتشف الملكان -إذن- أننا نملك مجالا مشتركا وأنني لست محض مسخ كما كان يتهيأ لهما.
دفاتر الشمال: نود أن نسأل خوان غويتصولو الناقد: ما رأيه في خ. غويتصولو الكاتب؟
خوان غويتصولو: لا يمكن الحكم على عمل كاتب حكما دقيقا إلا بعد رحيله واختفاء معاصريه، لأن الحياة الأدبية يكتنفها العداء والحقد كما يشملها الحب...وفي إسبانيا ثمة اختلاف بين ما يفكر فيه وما يقال وما يكتب، وهكذا كان الأمر ولايزال. فثمة كتاب يجمع الكل على رداءتهم، ويقولون ذلك فيما بينهم، لكنهم يكتبون غير ذلك. وبالمقابل يوجد آخرون يُهاجمون مع أنهم يُقدرون سراً.
دفاتر الشمال: ربما هذا ما حصل مع غونغورا Gongora، فالاعتراف به تم بعد ثلاثة قرون، وذلك إبان الاحتفال المشهود بأعماله من لدن جيل 27.
خوان غويتصولو: أحيانا لفهم متن أدبي نحتاج ردحا من الزمن، وهو ما حصل بالفعل مع غونغورا. وبالمنــاسبة كان أندريه جيد André Gide (1869-1951) يردد قائلا وهو على صواب في ذلك: "ما يُفهم في رمشة العين عادة ما لا يترك أدنى أثر". وأنا أسمي هذا النوع من الأدب أدبا استهلاكيا، بمعنى، أنك إذا قرأت عملا وفهمته ثم هضمته مباشرة، فهو لا يختلف في شيء عن "الهمبرغر" التي تباع في محلات تجارية: فأنت تأكلها وتهضمها ثم ترميها بسرعة، إنها لا تترك أدنى أثر، اللهم إلا إذا كان اللحم مصابا بجنون البقر.
دفاتر الشمال: هل يمكن الكلام عن خصوصية الإبداع الأدبي والفني بالمتوسط؟ وبصيغة أخرى، هل يمكن الحديث عن متوسطية؟
خوان غويتصولو: هذا كان ممكنا إلى حدود القرن السادس عشر، ثم حدثت القطيعة الكاملة. وعلى سبيل المثال، يقول علي باي Domingo Badia y Leblich 1766) (1818-في رحلاته، إنه لما سافر من إسبانيا إلى المغرب، شعر وكأنه انتقل من قرن إلى آخر، وذهب إلى أرض قصية بعيدة. ثم إن تدخل القوى الأوربية الاستعمارية في الضفة الجنوبية أخل بالتوازن [فيما بين الضفتين]، وذلك بفعل فرضها للغتها وثقافتها على بلدان جنوب [المتوسط]. فعوض الحوار سادت الهيمنة. وبالنسبة لي أهمني أن أؤكد أن ثقافتنا [الإسبانية]عرفت سلسلة من التأثيرات لما كان التواصل قائما. واليومَ ما دام من الممكن أن نستفيد من الآخرين لماذا لا نفعل ذلك؟ [لكن] لماذا هذا الاهتمام الخاص من قِبلي بالعالم العربي؟ يبدو لي من أول وهلة أن صياغة هذا السؤال من قِبل إسباني أمر غير مستساغ. ومن ثم لابد من قلب السؤال: ما علة عدم اكتراثنا [نحن الإسبانيين] بالعالم العربي؟ المسألة الحقيقية إذن هي عدم الاكتراث بالعالم العربي وليس الاهتمام به. ولا أحد من الكتاب منذ أرسيبرسطي دي هيتا10  Arcipreste de Hita  إلى هذا الخادم المتواضع كلف نفسه عناء تعلم العربية الدارجة، ولا أقصد المستعربين طبعا، مع أنها لغة بلد يوجد على بعد أربعة عشرة كيلومترا من إسبانيا. هل هذا أمر عادي؟ لا أعتقد، وبالخصوص إذا ما انتبهنا إلى أهمية الثقافة العربية في تشكيل الثقافة الإسبانية. ولعل غياب الفضول هو أكبر زلات هذه الثقافة، وهذه حقيقة تحققت منها لما كنت بصدد إعداد سلسلة "القِبلة"Alquibla ذلك أنني كلما ذهبت إلى بلد معين أحرص على قراءة كل البيبيوغرافيا المتوفرة حول هذا البلد ،في حالة إيران مثلا حرصت على قراءة ما يتوفر حولها، ووجدت ما يقرب من مائتي عنوان لكتاب إنجليز، وما ينيف عن مائة لكتاب فرنسيين، وسبعين لكتاب ألمان، وستين أخرى لكتاب إيطاليين، وخمسين لهولنديين، ومثيلتها لسويسريين، ولا عنوان واحد لإسبانيين. وفي حالة اليمن لاحظت نفس الشيء إلى أن اكتشفت يهوديا إسبانيا وهو بنيامين طوديلا Benjamín Tudela الذي رحل إلى اليمن ليقف على نمط عيش اليهود هناك... ومن نتائج هذه الحقيقة أستخلص أنه من غير الممكن تحليل الثقافة الإسبانية دون الاعتماد على ما كتبه حولها الفرنسيون والإنجليز والألمان والإيطاليون المنشغلون بالثقافة الإسبانية  hispanistas... وبالمقابل لا وجود للمساهمة الإسبانية في معرفة الثقافة الفرنسية أو الإنجليزية أو الألمانية... بمعنى أننا موضوع تأمل عوض أن نكون ذاتا متأملة، ولابد أن نتبين هذا الأمر حتى ندرك قصور ثقافتنا وحدودها. ومن ثم إذا ما تم هدم هذا النموذج فإن ما يجب أن يدرك على أنه إيجابي يعد بالأحرى سلبيا. ومن ثمَّ اعتبر اهتمامي بالعالم العربي شبهة. وبإصداري Reivindicación del conde don Julián  ذهبت التأويلات إلى أنني أريد أن أحول إسبانيا إلى ملكية علوية. ولقد ألفت هذا إلى درجة أنني لم أعد أعره أدنى اهتمام. إن ما أردده باستمرار هو أن موقف المثقف ينبغي أن يكون موقفا نقديا اتجاه الذات، وموقف احترام اتجاه ما يلزمنا احترامه لدى الغريب. بمعنى، أنه توجد أشياء في الثقافة الإسلامية جديرة بالاحترام، أما التي تبدو لي غير جديرة بذلك، فأنا لا أهتم بها.
دفاتر الشمال: لهذا الحد تنغلق الثقافة الإسبانية على ذاتها؟
خوان غويتصولو: يبدو الآن أن العولمة والعالمية تكتسحان كل المجالات بسرعة فائقة. فثمة إعادة إنتاج مبتذلة للأعمال الرائجة في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما أدى إلى ظهور كتاب إسبانيين يكتبون بنفس الطريقة.
دفاتر الشمال: الفضول الذي أشرت إليه كان من الممكن أن يُفهم بطريقة أخرى، وذلك لو أنك انشغلت مثلا بالإسكيمو عوض الانشغال بالعرب وبالشرق؟
خوان غويتصولو: لابد من الانتباه إلى موقع الإسلام بالنسبة إلى أوربا، فهو وجد باستمرار على حدودها، أي وجد في مكان المواجهة والصراع خلال قرون. ومن ثم فنظرة الناس [في الغرب] حول البوذية يمكن أن تكون محايدة بل وقد تقوم على التعاطف بحكم بعدها، أما نظرتهم للإسلام فتختلف، وقد عبر الباحث التونسي هشام جعيط عن ذلك بقوله: "إن الإسلام شديد القرب من أوربا إلا أنه غير قابل للانصهار فيها". وهو ما يؤدي إلى ترسيخ هذا الفصل القاطع واستمراره.       
دفاتر الشمال: غير قابل للانصهار؟
خوان غويتصولو: لست أدري إن كنتم قد وقفتم على تصريحات إنريكي موخيكا E. Múgica, وهو الوسيط (محامي الشعب) الملتزم أقصى الحدود بما هو رسمي، إذ يقول بضرورة تشجيع الهجرة القريبة إثنيا، ولعله خجل من تسميتها الهجرة القريبة دينيا. إنه يقصد تشجيع هجرة الأمريكيين اللاتينيين والأوربيين الشرقيين. وأتمنى لو تفضل بأن يشرح لي علاقات القرب التي جمعت ليتوانيا أو أوكرانيا بإسبانيا، ولم تجمعها بالمقابل بالمغرب. إننا نعود من جديد بهذا الصدد إلى المجال الديني المقنع بالقرابة الثقافية أو بالخطاب العلماني المصطنع.
دفاتر الشمال: يبدو أن التمييز والعدالة وحقوق المهاجرين بصفتهم "مواطنين جددا" أمور تخضع لسياسة يحكمها الهاجس الأمني، وذلك للتحكم في الهجرة. ويلاحظ بهذا الصدد الغياب شبه المطلق للمثقفين [الإسبانيين] في الدفاع عن حقوق هؤلاء المهمشين الجدد، كما يلاحظ نفس الشيء على المثقفين المغاربة، باستثناء من يعيش الهجرة كـالطاهر بن جلون. وفي الوقت الذي يتجه فيه الموقف السياسي للبحث عن مهاجرين ممتثلين تم إعداد خطة غريكو Greco Plan لتعزيز هذا الموقف. وهذه الخطة تستهدف غايتين: الأولى وهي قديمة تتمثل في التحكم في الهجرة، أما الثانية فغايتها مستجدة تتمثل في التحكم في الاندماج. ونتساءل: ما معنى التحكم في الاندماج؟ إن كاتب الدولة في الشغل السيد إنريكي فيرنانديس ميراندا Enrique Fernandez Miranda يشرح ذلك في تأملاته الخمسة كفعل للبحث عن مهاجرين قادرين على الاندماج بفعل القرابة الثقافية حتى لا نقول الدينية.
خوان غويتصولو: إنهم يتفادون باستمرار كلمة الدين.
دفاتر الشمال: ن خوان غويتصولو لا يعد حاليا مجرد شخص غير مرغوب فيه، وإنما يعتبر أيضا باغيا من لدن محافظ الإيخيدو Ejido نفسه. وعلى المستوى السياسي يوجد دفاع جد خجول عن الهجرة من لدن الأحزاب اليسارية التي تحتكم لمنطق الدولة. وإذا كان هذا يستساغ في حالة الأحزاب، فإنه لا يفهم في حالة المثقفين. فباستثنائك أنت وبضع مثقفين, يسود الصمت المطلق. فكيف تعلل هذا الموقف؟
خوان غويتصولو: إنهم انتبهوا إلى أن تطرف النزعة الوطنية الباسكية ترفض غير الباسكيين، كما ترفض الباسكيين المعارضين للنزعة الوطنية. وفي هذا السياق كتب أنطونيو إلورثا Antonio Elorza مقالا طريفا بجريدة الباييس عنونه " فيلوكسينيا " في مقابل "كراهية الآخر". و"فيلوكسينيا"11 (محبة الآخر) كاصطلاح إغريقي قد يفيد حسن احتضان كل من يأتي إلينا.
إن أهم ما يطرح على المستوى الثقافي الإسباني هو تأملات مثقفين باسكيين معادين للنزعة الوطنية حول النزعة الوطنية الباسكية، وهو نفس ما طرحتُه بصدد النزعة الوطنية الإسبانية. ومعنى هذا أنهم انتبهوا الآن إلى حد ما إلى التقليد الذي دافعت عنه، والذي أصِلُه بالمسيحيين الجدد وذوي النزعة الإنسانية والأنواريين والليبراليين والجمهوريين. ومن المهم أن نقف أيضا على اكتشافهم اليوم لِما أشار إليه أمريكو كاسترو منذ أربعين سنة. لقد كان الباسكيون فيما مضى يُسموْن أهل بيسكايا vizcaínos، وأن يكون المرء من بيسكايا vizcaíno يعنى أنه إسباني خالص. وفي أعمال سيرفانتيس وماطيو ألمان يرمز ظهور المنتمي لبيسكايا لنقاوة الدم، وضمان ذلك عدم صلتهم باليهود والمسلمين. ومعنى هذا أيضا أن أهل بيسكايا كانوا أكثر إسبانية من االإسبانيين أنفسهم. وعلى سبيل المثال توجد رسالة تعود إلى مرحلة الملوك الكاثوليك، وهي رسالة من إرناندو ديل بولغار Hernando del Pulgar إلى كونت قشتالة condestable de Castilla،  وهما مدجنان، تقول: "ما أغرب أهل غيبوسكوا guipuzcuanos أو أهل بيسكايا vizcainos -لم أعد أذكر بالضبط- فهم يتسابقون للعمل معنا، لكنهم يفضلون الموت على الزواج من بناتنا"، وهذه عنصرية واضحة. ولما بدأت حملة الليبراليين من أجل استرداد الممتلكات مع حلول القرن التاسع عشر من الإكليروس، اصطف كل البـاسكيين إلى جـانب أتبـاع كارلوس12 مدافعين عن تشريعات الكنيسة وتقاليدها. ولما انتزعت منهم سلطة التشريع تحولوا بصورة فجائية من إسبانيين من الدرجة الأولى إلى باسكيين خُلص، يلوثهم قرب إسبــانيا منهم، ووجودها إلى جانبهم. ويدعي هذا سابينو أرانا13 Arana Goiri Sabino (1865-1903) فهو يقول إن العرق الباسكي النقي تلوث بفعل الاتصال بالعرق الإسباني.
 ومع ذلك فأنا لا أستطيع الكتابة عن القضية الباسكية، ولو أنني على اتفاق تام مع العديد من المثقفين الذين يكتبون عنها لتوفرهم على معلومات دقيقة في الموضوع. وأحرص على الكلام عن القليل الذي أعرفه متجنبا ما لا أعرفه. ذلك أنني لا أكتب إلا بعدما تتوفر لي الوثائق الكافية في الموضوع، وبعدما أطلع على الملف. ولنأخذ مثال الجزائر التي أعرفها بنفس القدر الذي أعرف به المغرب، فلما كتبت Argelia en el Vendaval كنت أتوفر على مفاتيح عدة، كنت صديقا لـبوضياف [الرئيس الجزائري الراحل]، السياسي الوحيد الذي كان مثقفا حقيقيا، كما كان ذا خلق رفيع. وبالمناسبة فقد كان يحسن الإسبانية، التي تعلمها في السجن، حيث قرأ Tiempo de silencio، كما كان شديد الاهتمام بـ Reivindicación del conde don Julián إذ طلب مني تمكينه من أدوات تساعده على فهمها. وفي حالة البوسنة، قرأت عنها كثيرا قبل أن أشد إليها الرحال، إذ لم أكن قادرا على فهم المشكلة البوسنية دون أن أعرف كل تاريخ النزعة الوطنية الصربية. وأنا لم أذهب إلى هناك بصفتي صحفيا فحسب، وإنما بصفتي كاتبا أيضا.
دفاتر الشمال: لنعد لمسألة الهجرة، لا يلاحظ بهذا الصدد التزام من لدن المثقفين، بالرغم من أن هناك أقلام بدأت تكتب في الموضوع، ومثل هذا الالتزام سلوك مدني من المفروض أن يترتب عنه موقف واضح.
خوان غويتصولو: إنهم ينحازون كما قلت سابقا إلى القضايا المربحة، فخلال حرب الخليج كنا قلة نحن أولائك الذين انتقدوا المذبحة التي تمت هناك. وبالنسبة لي كان واضحا أن الشعب العراقي بريء من جرائم الطاغية الذي يحكمه. ومن ثم فإن المماثلة التي تمت أنذاك بين هتلر وصدام حسين كانت غير موفقة بالمرة. لقد كتب إنسنسبيرغير  Enzensberger: "نحن الألمان كنا كلنا عراقيين فيما بين 1933 و1945" وهذا غير صحيح البتة، لأن هتلر انتخب ديمقراطيا مرتين من لدن الشعب الألماني، بمعنى أن الشعب الألماني يتحمل هو الآخر مسؤولية ما حصل، وذلك بفعل انتخابه لهتلر. أما العراقيون فلم تتوفر لهم –أبدا- أدنى إمكانية لاختيار صدام حسين. وما قلته ببساطة هو أنه بدا لي من المسخ عقاب شعب بريء على جرائم باغ يحكمه. وما لم أتخيله-وهو ما حصل بالفعل- هو عقاب شعب بريء عوض معاقبة الطاغية. إن النتيجة كانت أفظع مما تصورته سابقا. وما أريد قوله بهذا الكلام أنه يهمني دائما الدفاع عمن لا  يجد من يدافع عنه.
دفاتر الشمال: وكيف تفسر الموقف في بادية ألمرية؟ هل هو نتيجة للإقلاع الاقتصادي أم أنه نتاج الزراعة البلاستيكية؟ أو بالأحرى نتاج عوامل أخرى؟
خوان غويتصولو: كلا، إنه نتاج الانتقال من فقر مدقع إلى غنى فاحش، دون تعلم، ودون ثقافة ديمقراطية تسمح باستيعاب ما حصل من تغيير، إنهم يسلكون بكيفية تثير الفزع، وبالمناسبة أتوفر على شرائط تلفزيونية تفضح ذلك.
دفاتر الشمال: أمام موجة الهجرة المتصاعدة، وإزاء وصول ضحايا محتملين إلى الشواطئ، من المفروض على الدولة [الإسبانية] أن تضطلع بدور إنساني, فما رأيك من الموقف الأخير؟
خوان غويتصولو: إن الخطاب السائد خطاب سكيزوفريني، فالإحصائيات تقول بأن إسبانيا تحتاج مائتي وأربعين ألف مهاجر سنويا حتى تتمكن من تغطية الخدمات الاجتماعية، والحفاظ على مستواها الاقتصادي. وفي مناطق أراغون Aragón، كطرويل Teruel التي يهجرها أهلها، لا يعمرها الآن غير المغاربيين. لقد خلت نفسي في آخر سفر لي إلى هذه المناطق بأنني أعبر المغرب. ففي المقاهي الصغيرة بالبلدات المهجورة لا ترى غير بضع مغاربة، يتلهون بلعبة الورق.. أما الساكنة [الأصلية] فقد اختفت. وفي كاطالونيا على سبيل المثال، يحتاج المقاولون إلى حِرف يمتنع الإسبان عن ممارستها، فهم في حاجة إلى نجارين وجباسين وبنائين متخصصين...
دفاتر الشمال: ألا يمكن أن نخمن بأن تلك المواقف تنتج عن الخوف من الاستيطان أو الغزو لأن إعادة تعمير الأرض بالمغاربة المهاجرين أو "الموروس" ...
خوان غويتصولو: طبعا، إن هذه الأشباح التاريخية صعبة الانمحاء. وهذا يبدو جليا مع كل هذه الحكايات التي تروى عبر التلفزة: فمن قائل إنهم يأتون إلينا للاغتصاب. في حين أنه لم يمارس اغتصاب بالإيخدو, إنها مجرد أوهام. وقد قالت ذلك خواكينا براديس  Joaquina Prades بوضوح في استطلاع لها بجريدة الباييس، قالت: إنهم لما يرون نساءنا يشرعون في التبول أمامهن. ولنفترض أن معتوها فعل ذلك. إنا لنتساءل باستغراب: كيف سيتبول المغاربة في الطريق العمومي أمام نساءنا؟ ويقول آخرون بأنهم ينظرون إليهن بشهوانية. الواقع أن هؤلاء يتمتعون بقدرة خيالية خارقة. ثم إذا لم ينظر هؤلاء إليهن بشهوانية فلربما لأنهن في منتهى البشاعة والقبح.
دفاتر الشمال: لعلهم استخرجوا اصطلاح الشهوانية من كتابك Reivendicación
خوان غويتصولو: على كل حال، إنها مواقف تبعث على السخرية، لكن وقوعها في الحقيقة يعد مأساويا. ولعلنا إزاء ركام هائل من الأحكام المسبقة يصعب التخلص منها...        
 
 دفاتر الشمال
Revista cultural, Tetuán -Marruecos
 
 

12 - فبراير - 2009
هدية للبنت التي تبلبلت ..
راوول .. فيروز..والعربية..    كن أول من يقيّم

 
 
 
 
 
* مقتطف من حوارمنشور بجريدة الصباح المغربية لهذا اليوم .
من إخراج ندى عبد الحفيظ .
 

13 - فبراير - 2009
أحاديث الوطن والزمن المتحول
جدير بالاحترام..    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

 
هناك كتاب قليلون يصبحون مع الوقت جزءا من عائلتك، تنسج معهم علاقات ود ويتحول النص الذي يكتبونه إلى مضافة تسع الجميع، حيث تشعر بأنك مرحب بك وأنك لست من الغرباء. ولا أعرف مضيفا جميلا كالطيب صالح، ابن السودان الوديع الذي عرف القراء السودان به، والذي نقل الرواية العربية إلى العالمية، جنبا إلى جنب مع نجيب محفوظ، الخيمة الواسعة ذات الأوتاد، وبقي مع ذلك مشدودا إلى الأرض بتواضع التراب وروح الطير وسذاجة الطفل البسيط.
ولا أعتقد أن رواية عربية استطاعت أن تحصل على الترحيب الواسع بها في الساحة الأدبية العربية، في مرحلة الكبار، وتحصل على التوقير مثلما حصل لرواية «موسم الهجرة إلى الشمال»، التي كتبها الطيب في نهاية الستينيات. كان السودان وقتها يعيش تحت نير الديكتاتورية السياسية لجعفر النميري، ولم يكن أحد يعرف السودان إلا حينما يتطرق الكلام إلى مصر ووحدة وادي النيل، فجاءت رواية الطيب لتفتح أعين الناس على مكان قصي في إفريقيا، ارتبط في الماضي بقوافل التجار. فاجأت الرواية الأكثرين، لأن هؤلاء الأكثرين لم يكونوا يعتقدون بأن السودان يمكن أن تخرج منه رواية بذلك الحجم وبذلك الطعم وبذلك الرونق. كانت إفريقيا مرتبطة بمجاهل الأدغال في الذاكرة الجمعية، لذا صدمتهم الرواية. وشكلت»موسم الهجرة إلى الشمال» مفاجأة أيضا للساحة الأدبية العالمية، في الثقافات التي ترجمت إلى لغاتها، لأنها كانت أولى الروايات التي تعرضت لموضوع الصراع الحضاري بين الشرق والغرب، وتمكنت من التعبير عن آهة الشرقي المستباح، في شخص مصطفى سعيد، الذي عاش حياة أقرب إلى الأساطير، واستطاع إتقان لعبة التخفي لكي يدفن ماضيه ويعيش سعيدا، دونما نتيجة.
عرف عن الطيب صالح أنه كاتب مقل. وبالرغم من أنه عاش وتجول في أماكن مختلفة من العالم، وعمل في لندن جزءا كبيرا من عمره حيث اشتغل صحافيا في البداية، فقد ظلت روح الفلاح القروي البسيط ترافقه حتى في إبداعه، لذا كان شبيها بالمزارع الذي يضع البذرة في جوف الأرض ويتسلح بصبر الصياد لكي ينتظر ظهور الثمرة، دونما تعجل.
ما من كتاب قرأته المرة تلو المرة، بنفس المتعة، كهذه الروائية التي أحدثت ثورة في الصنعة الروائية العربية، بسبب الخلفية الثقافية الكبيرة للطيب الذي قرأ الأدب الإنجليزي وجاب دهاليزه. جمل قصيرة كأنها ضربات عتلة الفلاح في الأرض، الذي يتعمد ترك مسافة بين الخطوط، وصور أدبية نابعة من القرية السودانية البسيطة، مثلما فعل في روايته الجميلة الأخرى «عرس الزين»، وتركيز في الكتابة بحيث إن كل كلمة تعانق أختها، دون حشو. وقد كانت مفاجأتي كبيرة حينما قرأت ما كتبه الروائي الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا، صاحب»البحث عن وليد مرزوق»، الذي اعترف بأنه كان وراء رواية «موسم الهجرة» بشكل غيرمباشر، حينما أكره الطيب على كتابتها، وفرض عليه «الإقامة الجبرية» في بيته(بيت جبرا) بلندن لكي ينهي كتابة الرواية.
نجح الطيب في تقديم شخصية جديدة في عالم الرواية والثقافة العربية عموما، هي مصطفى سعيد، مثلما صنع نجيب محفوظ مع شخصية أحمد عبد الجواد في»الثلاثية»، وعبد الرحمان منيف مع رجب إسماعيل في «شرق المتوسط». ليست هذه شخصيات روائية، بل ذوات حية يمكن للمحلل الاجتماعي والنفسي أن ينكب عليها لتحليل البنيات الثقافية والفكرية في الثقافة العربية، كما عمل الكثيرون في الغرب مع شخصيات لروايات ديكنز ودوستويفسكي مثلا. لقد حاول الطيب صالح ابتكار المعادل الموضوعي لشخصية عطيل في مسرحية شكبير الشهيرة، ذلك الشخص الذي يستوعب حضارته ويسعى لمحاربة الغرب بنفس أسلحته.
في بداية التسعينيات من القرن الماضي، سجل الطيب صالح مذكرات شخصية لرجال عرفهم في بلده السودان. كان ينشرها في مجلة «اليوم السابع» تحت عنوان «جديرون بالاحترام». وها هو سوداني آخر جدير بالاحترام يلتحق بهم. وداعا السي الطيب.
إدريس الكنبوري    * يومية المساء المغربية

21 - فبراير - 2009
الطيب صالح ..الروائى السودانى الكبير ..فى رحاب الله.
أحـيانا..    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

 
أحـيانا تـكون الشـهادة
 
شاهـدة
على
زيـفهــا
 
الصباغ

1 - مارس - 2009
كلمات أعجبتني
«الخاسرون»    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

فيلم «الخاسرون» يعيد إلى الواجهة مأساة المقاتلين المغاربة في الحرب الأهلية الإسبانية
ربحوا المعارك وخسروا حياتهم ويتلقون 6 يوروات شهريا.. والاشتراكيون الإسبان يعتبرونهم أعداءهم
مقاتلون مغاربة في الحرب الأهلية الإسبانية
الرباط: «الشرق الأوسط»
عادت قضية المقاتلين المغاربة الذين حاربوا في الحرب الأهلية الإسبانية إلى الواجهة مجددا بعد ظهور شريط وثائقي يؤرخ لمأساة من سماهم «أكبر الخاسرين» في تلك الحرب.
وعلى الرغم من مرور أزيد من 70 عاما على تلك الحرب الشرسة التي مزقت إسبانيا وذهبت بأرواح عشرات الآلاف من الجنود والمدنيين، إلا أنها عادة ما تسلط عليها الأضواء بين الفينة والأخرى عندما تظهر معطيات جديدة يبدو أن المؤرخين أهملوها إما عن قصد أو بسبب رغبة في إخفاء فظاعاتها لمصالح سياسية أو إيديولوجية معينة.
واستطاع المخرج الإسباني من أصل مغربي، إدريس ديباك، المقيم في مدينة مليلية، التي تحتلها إسبانيا شمال المغرب، إعادة هذه القضية إلى دائرة الجدل بعد أن أنتج فيلم «الخاسرون»، الذي يؤرخ لمآسي ومعاناة أزيد من 150 ألف مقاتل مغربي، أغلبهم من شمال البلاد، استعملوا كحطب وقود خلال الحرب الأهلية الإسبانية بين أنصار الجمهورية اليسارية، وبين من يسمون الوطنيين، الذين كان يتزعمهم كبار قادة الجيش، وعلى رأسهم الجنرال فرانسيسكو فرانكو.
وقال ديباك، إن فيلمه «الخاسرون»، لا يهدف إلى إثارة الجدل من جديد حول هذه الحرب، كما لا يهدف إلى أي ربح مادي، بل يريد فقط أن يعيد هذه القضية إلى الأضواء وتبيان أحزان ومآسي عشرات الآلاف من المقاتلين المغاربة الذين سيقوا إلى هذه الحرب قسرا في وقت كانت منطقة شمال المغرب تخضع للحماية الإسبانية.
وكانت الحرب الأهلية الإسبانية قد نشبت سنة 1936 عندما تمرد مجموعة من العسكريين الإسبان، وبينهم ضباط كبار وجنرالات، على الجمهورية الاشتراكية الإسبانية التي فازت بالانتخابات واضطر بعدها الملك ألفونسو إلى مغادرة البلاد واختيار بريطانيا منفى له.
وفي الوقت الذي كان وقتها مراقبون دوليون يقولون إن أنصار الجمهورية سيقمعون التمرد بسهولة، إلا أن العسكر المتمردين استطاعوا تجنيد حوالي 150 ألف مقاتل مغربي، أغلبهم من شمال المغرب، وخصوصا من مناطق جبالة والريف، والذين تمرسوا في القتال ضد الإسبان في معارك سابقة مثل معركة أنوال سنة 1921، والتي تكبد فيها الجيش الإسباني في شمال المغرب خسائر فادحة.
ويقول ديباك إن فيلمه «الخاسرون» سيركز لأول مرة على تجنيد آلاف الأطفال المغاربة في هذه الحرب، خصوصا وأنه تم وضعهم في الجبهات الأكثر اشتعالا. وقال ديباك، خلال تقديم في فيلمه أخيرا في العاصمة الإسبانية مدريد: «هؤلاء الأطفال المغاربة قاتلوا مثل رامبو، وفي النهاية تم التخلي عنهم كما لو أنهم مهملات». واعتبر أن الحيف الذي تعرض له المقاتلون المغاربة يعود بالأساس إلى كونهم مسلمين، وأنهم لو كانوا من ديانة أخرى لتم التعامل معهم بشكل مختلف تماما، مشيرا إلى الذين حاربوا في الحرب الأهلية من جنسيات وديانات أخرى، والذين تم تعويضهم ماديا ومنحوا الجنسية الإسبانية.
وتطالب حاليا أصوات مقربة من اليمين الإسباني، بإعادة الاعتبار لهؤلاء المقاتلين الذين كان لهم الفضل الأكبر في وصول الجنرال فرانكو إلى الحكم، والذي حكم البلاد بعد ذلك حوالي 40 عاما، أي من 1939 حتى موته سنة 1975.
وفي مدينة مليلية، قال خوان خوسي إمبرودا، النائب في البرلمان الإسباني عن الحزب الشعبي، إنه سيتم تقديم ملتمس إلى الحكومة الاشتراكية الإسبانية من أجل مراجعة طبيعة التعويضات التي يتم حاليا منحها إلى هؤلاء المقاتلين القدامى.
واعتبر إمبرودا أن التعويضات التي يتم منحها حاليا لهؤلاء تعبر عن «وضعية ظلم تاريخي»، مشيرا إلى أن عددا كبيرا من المقاتلين ظلوا على مدى عقود من الزمن يتلقون تعويضا لا يزيد على 6 يوروات كل شهر، وهو مبلغ لا يكفي في المغرب لشراء كيس دقيق.
غير أن مطالب رفع تعويضات هؤلاء المقاتلين تصبح عبثية لأن بضعة عشرات منهم فقط هم الذين يوجدون حاليا على قيد الحياة، بينما مات عشرات الآلاف منهم خلال العقود الماضية في جو من النسيان والشعور بالغبن.
وأغلب المقاتلين الأحياء حاليا تجاوزوا الثمانين من العمر، وهو ما يعني أنهم شاركوا في تلك الحرب عندما كانوا أطفالا، وهو ما يؤكد النظرية التي تقول إن الآلاف من الأطفال المغاربة تم تجنيدهم في تلك الحرب خارج كل الأعراف والقوانين الدولية.
وتوجد مفارقة أخرى في وضعية هؤلاء المقاتلين، وهو أنهم تعرضوا للتهميش من طرف اليمينيين والاشتراكيين على السواء. وعلى الرغم من أن وصول اليمين الإسباني إلى القوة التي هو عليها اليوم تم بفضلهم، إلا أن قادة اليمين الإسباني تحولوا مع مرور الوقت إلى عنصريين ومعادين للمهاجرين، بينما الاشتراكيون يعتبرون هؤلاء المقاتلين أعداءهم لأنهم حاربوا إلى جانب اليمينيين.
وكان الكثير من أبناء وحفدة هؤلاء المقاتلين، اشتكوا باستمرار من المعاملات المهينة وغير اللائقة التي يعاملون بها في المصالح الدبلوماسية والقنصلية الإسبانية في المغرب، حين يحاولون الحصول على تأشيرة من أجل الهجرة إلى إسبانيا، سواء من أجل العمل، أو من أجل السياحة.
يضاف إلى ذلك أن رئيس الحكومة الإسبانية الحالي، خوسي لويس رودريغيث ثاباتيرو، يعتبر من الضحايا غير المباشرين لهذه الحرب، حيث قتل جده فيها، وهو ما يجعله غير متعاطف بالمرة مع المقاتلين المغاربة.
إن الحرب الأهلية الإسبانية، بقدر ما كانت انتصارا واضحا لليمين الإسباني والمقاتلين معهم، إلا أنها تحولت إلى لعنة حقيقية على المقاتلين المغاربة الذين أصبحوا أعداء للجميع، لليساريين الذين قاتلوا ضدهم، ولليمينيين الذين نبذوهم كأنهم أوراق «كلينكس» تستعمل وترمى للمرة الواحدة، وهي المرة الوحيدة في تاريخ الحروب التي يتحول فيها المنتصرون في الجبهة الى خاسرين أساسيين.
*الشرق الأوسط .. 18 يونيو 2008 العدد 10795

2 - مارس - 2009
حقيقة الجندي المجهول تابع
الشعر في دبي ..    كن أول من يقيّم

محمد بن راشد يفتتح المهرجان بحضور 100 شاعر
يراد من الشعر أن يصلح ما أفسدته السياسة!

بن راشد في طريقه الى المهرجان
 مروة كريدية من دبي: وسط حضور أدبي وإعلامي مميز ضم نجوم الشعر العالميين الحاصلين على جائزة نوبل للآداب وجوائز أدبية أخرى من مختلف أنحاء العالم ، وفي تظاهرة ثقافية أمتزجت فيها حضارة الشرق برونق الغرب افتتح حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم صباح امس فعاليات الدورة الأولى لمهرجان دبي الدولي للشعر 2009، مطلقاً بذلك بدء التسجيل لحقبة ثقافية جديدة تسيطر عليها لغة الشعر الراقية كأداة للتقارب والتحاور بين الشعوب والحضارات .
وكان الحفل قد بدأ بعزف النشيد الوطني لدولة الإمارات ، ثم عرض فيلم تسجيلي عن تاريخ الشعر في العالم وأهم مراحل تطور الشعر بين الأمم ، كما تخلله فقرة موسيقية شملت مزيج من الموسيقى الشرقية والغربية.

جمال المهيري: الشعر يصلح ما أفسدته السياسة

حفل الافتتاح شمل أيضًا كلمة لرئيس اللجنة المنظمة الشاعر جمال بن حويرب المهيري أكد فيها على رسالة المهرجان كونها لغة تجمع الثقافات قائلا:"إن المسؤولية على عاتق الشعراء كبيرة حيث إنهم يحملون شعلة الحكمة عبر التاريخ ويأتي هذا المهرجان تجسيداً لأهمية الأدب وتفوقه على كل فن إنساني آخر وهو تأكيد على أن الشعر هو القنطرة ألأقوى الباقية بين الشعوب حيث نريد للشعر أن يصلح ما أفسدته السياسة ونريد للأدب أن يجمعنا أذا ما فرقتنا السياسة".
المهيري اشار أيضا الى " إن الشعر كان منذ الأزل أحد أهم قنوات التواصل مع الآخر وكان أجمله يشيع الحب والجمال وينشر السلام بين بني البشر، حيث إن أحد ركائز التواصل مع الآخر هو التحلي بالأخلاق والقيم الحميدة، وفي تاريخنا العربي استطاع الشاعر على مر العصور أن يبعث الإرادة في النفوس ويدفع بالناس للوقوف صفاً واحداً.
كما دعا المهيري الشعراء إلى أن يتفاعلوا مع الدراسات النقدية التي ستطرح خلال الجلسات النقدية التي سيحفل بها المهرجان، وأن يفتحوا الباب على مصراعية للاستفادة من تجارب بعضهم البعض وهو ما من شأنه أن يسهم في نهضة الفكر والأدب، معتبراً أن الشعر والنهضة صنوان متلازمان.
برايتنباخ : الشعر واحة القلب والعقل

 
برايتين برايتنباخ يلقي كلمته
الشاعر والرسام العالمي برايتين برايتنباخ وهو ناشط أيضًا ضد التمميز العنصري في جنوب إفريقيا ألقى كلمة اعتبر فيها أن المهرجان هو الأول من نوعه كون الشعر يشكل أرضية مشتركة بين الشعوب وهو واحة القلب والعقل وهو لغة الغناء والفن كما أشاد بمبادرة مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم بإطلاق المهرجان كخطوة مطلوبة للتقريب بين ثقافات الشعوب وإجراء حوارات مباشرة يغلب عليها الأحاسيس المرهفة واستيعاب الأخر.
وأعرب برايتنباخ في كلمته عن سعادته بوجوده في هذا المهرجان وفي دبي معتبراً أن هذا التجمع الفريد من نوعه والذي يعقد لأول مرة هو فرصة للتخاطب بين الثقافات والحضارات، مشيراً إلى الدور الذي لعبه الشعر في التعريف بالقضية الفلسطينية وفي ثقافة المقاومة بشكل عام ملمحاً إلى القصائد الشعرية للشاعر الراحل محمود درويش.
برايتنباخ أعرب لإيلاف عقب الافتتاح عن سعادته بمبادرة نوعية حقيقية يستحقها الشعراء وتفسح المجال لتلاقي الشعراء من كافة أقطار العالم مؤكدًّا على ان الشعر يقرب بين الحضارات ويسمح بالتعرف على ثقافة الآخرين في إطار الأحاسيس والابداع .
كما تضمنت فعاليات اليوم الأول للمهرجان قراءات شعرية، وورش عمل، وجلسات حوارية، وأمسيات خاصة، إضافة إلى فعاليات سوق عكاظ التي تسعى إلى إحياء العصر الذهبي للشعر العربي من خلال سلسلة من العروض المسرحية القصيرة التي تحاكي روح العصر.
أمسيات شعرية متنوعة
 
وشهد المساء أمسيتين شعريتين حيث يحيي الأمسية الأولى الشاعر الألماني ولفغانغ كوبين، والشاعرة السودانية المعروفة روضة الحاج، والشاعرة الأندونيسية دوروثيا هيرلياني، والشاعر المنصف المزغني الذي يعد من أبرز الشعراء التونسيين، ويشغل منصب مدير بيت الشعر التونسي، والشاعرة الإيرانية ناهد كبيري، والشاعر الإماراتي إبراهيم محمد إبراهيم، ووالشاعر البحريني عبد الرحمن رفيع.
فيما يحيي الأمسية الشعرية الثانية الشاعر الكويتي حامد زيد سعدون العازمي، الذي يُعرف بقصائده الشعرية الطويلة (المطولات). وقد أطلقت عليه وسائل الإعلام الخليجية لقب "شاعر الشباب" و"شاعر المطولات" تقديراً لإسهاماته النوعية في الارتقاء بمسيرة الشعر الخليجي. كما يحيي هذه الأمسية أيضاً الشاعرة الجزائرية د. إنعام بيوض، والشاعر الألماني يواخيم سارتوريوس، والشاعر المصري أحمد عبد المعطي حجازي والشاعرة اللبنانية جمانه حداد.
فعاليات متواصلة واحتفال بيوم المرأة العالمي :
 
معزوفة موسيقية في الافتتاح
الجدير ذكره أن عدة مراكز تسوق في دبي من بينها ابن بطوطة مول، ودبي مول، ودبي فستيفال سيتي، إضافة إلى عدد من المراكز الاجتماعية في دبي، ستشهد فعاليات متنوعة طيلة فترة انعقاد مهرجان دبي الدولي للشعر 2009.
ويضم المهرجان كذلك أمسيات خاصة بقصيدة المرأة في إطار الاحتفال باليوم العالمي للمرأة الذي يصادف يوم الثامن من مارس من كل عام، فيما يحتفل كذلك بالذكرى المئوية لميلاد شاعر الإرادة العربية أبو القاسم الشابي . وينظم المهرجان كذلك أمسية خاصة للاحتفاء بثلاثة من رواد الشعر الإماراتي هم أحمد بني سليم وحمد خليفة بوشهاب وسلطان العويس، كما ينظم المهرجان أمسيات للشعراء المشاركين في الأندية الاجتماعية للجاليات الموجودة في دبي مثل النادي المصري والنادي الباكستاني والنادي الإيراني والنادي السوداني. وكذلك سينظم قراءات شعرية لعدد من الشعراء المشاركين في فعاليات المهرجان في عدد من الجامعات في دبي مثل الجامعة الأمريكية بدبي وفرعي جامعه زايد وجامعة الإمارات العربية المتحدة في دبي وجامعة عجمان.
كما يشهد المهرجان فعاليات متعددة منها الأمسيات الشعرية والأنشطة الثقافية الأخرى التي تقام في القاعات الرئيسية للمهرجان، والمراكز التجارية والجامعات ونوادي الجاليات، وهناك أيضاً ورش العمل المعنية بدراسة الشعر وتطور فنيات كتابته ومناهج نقده، وبالإضافة إلى ذلك يعيد المهرجان الاعتبار لفن النقد، الذي يسهم في تطوير القصيدة عبر تنوير مفرداتها وبنية صورها وفك رموزها. كما يعيد المهرجان للذائقة الشعرية الحالية تقاليد الإرث العربي القديم عبر فعالية "سوق عكاظ" ويعيد للأذهان أيضاً شعراء كبار كمحمود درويش، وعمر الخيام الذي يستحضره المهرجان عبر ترجمة إماراتية مميزة للكاتب محمد صالح القرق".
 

6 - مارس - 2009
الشعر ديوان الكون في دبي
الأمم المتحدة الشعرية في مهرجان دبي:    كن أول من يقيّم

الشعر مخرج الطوارئ الحقيقي لكل الأزمات
محمد الحمامصي من دبي: لمس الشعراء المشاركون في مهرجان دبي الدولي للشعر قضية محورية في حياة الشعر العربي الآن ، ألا وهي عزله عربيا ودوليا بانفضاض الجمهور والقراء عنه ، وحاجته إلي الخروج علي النطاق الجغرافي عبر الترجمة واللقاء المباشر مع الشاعر الآخر ، وتمنوا لو أن مهرجانا كهذا يحقق بعض مما يطمحون إليه من حضور قوي للقصيدة العربية .
والملفت للنظر في قوائم الشعراء المشاركون في المهرجان كونها تضم الجيل الأحدث من الشعراء العرب جنبا إلي جنب مع شعراء كبار راسخين ، وهذا بحد ذاته دعوة للحوار بين الأجيال العربية الشعرية التي تتناحر وتختلف في ظل الرفض المتبادل كل لقصيدة الآخر . كذلك جاء الشعراء الأجانب المشاركون من أعمار وتيارات شعرية مختلفة . لقد بدأ التحقيق هذا بسؤال حول دور وأهمية المهرجان ، وحوله الشعراء المشاركون والذين يمثلون مختلف البلدان العربية إلي جانب شاعرين أحدهما أفرقي والآخر ألماني ، حوله للحديث عن دور الشعر في التواصل الإنساني بغض النظر عن لغته وجغرافيته .
الشاعر الألماني وولفغانغ كوبين ( مترجم وأستاذ للحضارة الصينية في بون في ألمانيا ) :
 بداية شكرا علي هذا المهرجان الذي يجمع لغات عدة وخاصة العربية ، هذه هي المرة الأولي التي يتاح لي فيها الاستماع إلي الشعراء العرب ، والحقيقة أنني مبهور بجماليات اللغة العربية وطريقة الإلقاء التي ينتهجها الشعراء العرب ، كما أنني لم أكن أتوقع هذا العدد الكبير من الشعراء ، كذلك لم أتوقع أن يكون هناك حضور كبير للشاعرات وكذلك نساء بين الجمهور المتلقي .
والملفت للانتباه أن هو القدرة علي التعبير بالصوت وأن يصلك مضمون ما يقال بالمتابعة مع الترجمة ، فبالتنسيق بين الترجمة والأداء والإلقاء الشعري بالفعل تشعر بجمال هذه اللغة العربية ، هذا علي العكس تماما من شعراء كبار في الصينية والألمانية حيث قد يؤدي الإلقاء إلي تدمير الشعر ، بالفعل الشعر العربي لديه القدرة علي التواصل الوجداني مع المتلقي حتى لو كان من لغة أخرى .
االشاعر والفنان تشيريكوري تشيريكوري(زمبابوي)
 أكد أن ما قرأه من ترجمات سواء من اللغة العربية أو من لغات أخرى في الشرق الأوسط رسخ لديه فعلا أن الشعر لغة حقيقة للتواصل الإنساني ، وأشار إلي أن القصيدة العربية لا تختلف كثيرا في الهموم التي تطرحها عن أي قصيدة في أوروبا أو أمريكا .
ودعا تشيريكوري إلي دعم ترجمة القصيدة من وإلي ، ووجه الشكر للمهرجان أن قام علي هذه الترجمة لقصائد شعرائه ، فنحن نسمع الشاعر في حين نقرأ علي الشاشتين اللتين علي جانب المسرح الترجمة ، هذا علي الرغم من صعوبة ترجمة بعض الأشعار المكتوبة باللهجات المحلية . وهذا جهد مشكور .
االشاعر اللبناني عبده وازن :
إنني أرحب بأي مهرجان شعري من حيثها أتى ، عربيا أو عالميا ، فالشعراء يحتاجون فعلا إلي أن يلتقوا ويتبادلوا خبراتهم ويستمعوا بعضهم إلي بعض . الشعر العربي يحتاج إلي أن يعيد النظر في واقعه ، وقد تساعد اللقاءات الشعرية علي بلورة هذا الواقع عبر إلقاء الضوء علي المشهد الشعري العام .
وأعتقد أيضا أن المهرجانات ضرورية للسعي إلي مصالحة الشعر مع القراء لئلا أقول الجمهور ، وهي تساهم في إخراج الشعر والشعراء من حال العزلة التي يعيشها الشعر والشعراء .
وأيا تكن المهرجانات فإنها تخدم الشعر ، هذا الكائن المرهف والضيف والذي يعاني أزمة هي أولا وأخيرا أزمة القراء الذين لم يعد يغريهم الشعر في هذا العالم الذي تطغى عليه المادية والتكنولوجيا وثقافة الاستهلاك .
الشاعر البحريني علي الشرقاوي :
أن يلتقي شعراء من العالم في دبي ، أعتبره إنجازا حضاريا متقدما ، يساهم في رفد العلاقات الإنسانية التي أبعدتها ، ولفترات طويلة النازعات القومية والفكرية والأيديولوجية والدينية .
الشعر كما نردد دائما هو المحطة الوحيدة التي من خلالها نستطيع الانطلاق إلي فضاءات أرحب وخاصة أن الشعراء المشاركين يدفعهم الحب والرغبة في أن يتعرف كل منهم علي تجربة الآخر .
هل تعرف أي فرح يغمر الإنسان حين يقرأ قصائد الآخرين الذين لا يعرف لغتهم ويستمع لهم في آن واحد ، هل تعرف أي فرح يرفع معنويات الشاعر وهو يرى قصائده تترجم إلي لغات أخرى .
مهرجان دبي للشعر العالمي في تصوري بؤرة علينا أن ننطلق منها لمراحل جديدة ، مراحل تنقل تجاربنا إلي المزيد من التوغل في التجريب . لنحاول أن نساهم في دعم مثل هذه المهرجانات التي تدعم التوجه الإنساني والأخوة البشرية من خلال مثل هذه المهرجانات سنكون قادرين علي فتح المزيد من مجالات التسامح ، ونغتسل من أدران الماضي وما يؤجل كل تقدم .
االشاعر اللبناني يحيي جابر :
يؤكد هذا المهرجان أن الشعر مازال أولا هو مخرج الطوارئ الحقيقي لكل الأزمات ، والمفارقة أن هذا المهرجان يعيد طرح السؤال الأساسي : هل هناك أزمة شعرية مازالت تعاني من البدايات حيث يسيطر علي هذا المهرجان فكرة البدايات / التأسيس علي جدل حقيقي بين مختلف التيارات الشعرية العربية وحتى العالمية ، نتمني أن يكون هذا المهرجان لجامعة عربية من نوع آخر / جامعة شعرية للتواصل مع العالم .
الشاعر المصري جمال الشاعر :
مهرجان دبي الشعري هو الماء والنخلة والقهوة العربية التي تطاول أبراج الاسمنت ، إنه سؤال الهوية وسؤال الروح الذي تحاول دبي الإجابة عليه في زمن العولمة والكيانات والنمور الاقتصادية ، الآن لدينا صقور إسلامية عربية نفخر بها في بنايات التجارة والاقتصاد إلا أن التحدي دائما هو تأكيد أن القهوة العربية تكسب دائما وأن الصقور لا تشرب النسكافيه .
الشاعرة السودانية روضة الحاج :
اإنني سعيدة كون هذه المبادرة تأتي من دبي ، التي يقال أنها بلد إقتصادي بامتياز ، لأن ذلك يؤكد أن المال والاقتصاد والبيزنيس لا يمكن أن ينسينا الشعر ، الشعر روح العربية ومجدها الجمالي الأكبر ، إنه ديوانها ، وأعتقد أن القصيدة العربية التي يحتضنها المهرجان تضم كافة تيارات التجربة العربية ، كل التيارات ممثلة ، لا نفي ولا طرد لقصيدة لحساب أخرى ، حتى الشعر النبطي والعامي مدرج ويقف شعراؤه علي قدم المساواة مع شعراء الفصحي علي اختلاف قصيدتهم .
القصيدة العربية بخير وحاملة للهم الإنساني العربي بامتياز ، ولا يمكن لأحد أن ينكر أنها تتطور وتتجدد ، وأن شعراءها حريصون علي تجديد وتطوير رؤاهم .
الشاعر التونسي منصف المزغني :
هذا المهرجان هو مهرجان الحوار العربي العربي فصحي وعامية ، والحوار العربي الأجنبي ، والشعراء الذين جاءوا إلي دبي من القارات الخمس شعراء معروفون في بلدانهم ولهم قيمة كبيرة ، إذن هم يمثلون سلطات شعرية ، وعندما يأتون إلي دبي تصبح مركزا قادرا علي امتصاص هذه الخبرات الجمالية والفنية الشعرية ، ويخرج بها من دائرة المهرجان الروتيني الرتيب ، هناك أكثر من مكان يقرأ فيه الشعر ، يكاد الشعر يسمع في كل أرجاء المدينة الاقتصادية الكبري ، وتلاحظ أن هناك أكثر من جهة وجالية تعيش في دبي يستفيد منها المهرجان وتستفيد منه ، وهذا يجعل الحضور الإنساني في دبي ليس مجرد حضور استهلاكي بقدر ما هو حضور إنساني ، وقد شاهدت بنفس أن هناك إقبالا .
الشاعرة الإمارتية هدى السعدي :
أهدى تحياتي وشكري للقائمين علي المهرجان وأنا أناصر كل فعل ثقافي ينتصر للشعر ، والشعرية ، ففي هذا العالم الذي أصبح غاصا بالحروب والآلام أصبح للشعرية هذا الكائن الجميل حاجة ودور حيوي / جمالي بالدرجة الأولى ، إن العودة لذواتنا الإنسانية الجميلة ، أصبحت حاجة ملحة تأخذنا من عالم المادة والاسمنت ، لعوالمنا الإنسانية الدفينة / الشعر كائن أسطوري خالد لا يموت أبدا ويتشكل مبتحثا جوهرة في أشكال وأنماط لو نظرنا لها وعشناها سنجدها تحقق لنا التوازن الضروري للبقاء ، كجوهر إنساني راق وليس كهيل أسمنتي مادي / ومنه فإن مثل هذه الفعالية تعي جوهر الحياة في ذوات البشر وليست مجرد انتصار للثقافة والشعر كونه مفردة وموسيقي ورسم (صورة) ، وروح حية ، لا ترتبط بلون أو شكل أو جنس أو توجه ، فإنه ببساطة الكائن الخرافي الذي يجمع الناس علي المحبة والسلام .
الشاعر العماني عبد الله العريمي :
ما أحوج الشعراء لبيت صغير يجمعهم ورئة يتنفسون من خلالها بشكل صحي ، وهذا ما يقوم به مهرجان دبي الدولي وإن كان بشكل مؤقت ، دور فعال يمنح حدية الغناء بدون أية جغرافيا تحده أو جوازات سفر تؤطره ، في هذا المهرجان تنمحي الخطوط الفاصلة بين الإنسان والإنسان لتبقي مرآة واحدة فقط للإنسان / الكون ، وهو فرصة لتنفتحأصواتنا طرقا للرحيق فنتأكد بأننا مازلنا نعيش داخل اللغة ، أي مازلنا أحياء .
ففي وقت تردت فيه الذائقة العربية صار علينا أن نعيد تأثيثها ليس بكسر كل أعمدتها بأدوات جمالها ، ومبادرة الشيخ محمد بن راشد  دليل علي أن المال العربي ليس جاهلا ، بل هو أكثر فصاحة .
وإن كانت الحضارات تقاس بشعرائها ومثقفيها فهاهو  مهرجان دبي صوت منتج لأقواس قزح وإثبات بأننا أمة تنتج الشعر أي أمة حية ، فالشعر هو جبهة قتالنا الوحيدة التي نحارب من خلالها وعليها كل القبح وكتاب ياسمين نشهره في وجه الزمان .
الشاعر العماني خميس محمد المقيمي :
 المهرجان بهذا الحجم مفصل مهم في مسيرة الشعر في العالم والمزاوجة بين كل لغات العالم في دبي تجربة غير مسبوقة إلا في نهضة دبي التي يقودها شاعر وحكيم هو الشيح محمد بن راشد ولم يأت المهرجان إلا تتويجا لفرادة في كل شيء تقودها دبي بفضله ، أيضا المهرجان ضرورة ماسة لكسر عزلة الشاعر العربي وتأكيد أن القصيدة العربية بخير ولا تزال قادرة علي الحضور بقوة عربيا وعالميا .
االشاعر الإماراتي إبراهيم محمد إبراهيم  :
المهرجان بفضل كونه دوليا سوف يمد التجارب الشعرية لدينا إلي خارج نطاقها ، وأعتبر ذلك مقدمة لتفاعل أكبر وحيوية في الحراك الشعري العربي / العربي ، والعربي / العالمي ، لعلنا أن نصل يوما إلي حجم من التفاعل الثقافي يوازي ما يحدث علي الصعد الأخرى السياسية والأمنية والفكرية علي مستوى العالم .
هذه البادرة الكبيرة بحجمها ونوعها وتنظيمها لكي تجعل الجميع أمام سؤال كبير : ماذا بعد هذا المهرجان الشعري يا دبي ؟ إنني أتمني مهما بلغ نجاح المهرجان الأول أن نعتبره الخطوة الأولي في رحلة ملايين الكيلو مترات بمعنى أنني أتمني أن أري هذا المهرجان في السنة القادمة أفضل منه في هذه السنة علي جميع الأصعدة .
االشاعر المصري سيد حجاب :
من أجمل الظواهر في منطقة الخليج اهتمام رجال الأعمال والمال بتنشيط الحركة الثقافية من خلال الجوائز والمهرجانات ولا شك مهرجان دبي الدولي للشعر هو واحد من هذه التجليات المهمة وهو الآن يخطو خطواته الأولي بشكل يبعث علي الأمل ، برغم تعثرات البدايات التي لا شك سوف يتجاوزها في المرات القادمة بالمزيد من التدقيق في اختيار الشعراء علي أساس القيمة الشعرية لا الإعلامية .
إن الشعر العربي الآن بحاجة ماسة إلي أن يعيد تموضعه في حياتنا العربي ، نحن في أقطارنا العربية المختلفة بحاجة إلي نهضة عصرية حقيقية تكون الثقافة أساسا متينا لها ، وتكون الفنون والشعر خاصة علي رأسها من تجلياتها الهامة .
لدينا في الواقع الثقافي العربي المعاصر تياران هامان في شعرنا تيار يتكئ علي الثقافة الشعبية ليبدع شعرا نبطيا وعاميا علي قدر كبير من الجمال وتيار يتكئ علي الموروث العربي التراثي ويحاول أن يتواصل مع العصر ، يحقق التيار الأول تواصلا بين الشعر وجمهوره ويحقق التيار الثاني انطلاقا إلي الآفاق الإنسانية المعاصرة لكنه يظل نخبويا وأظن أنه من خلال الجدل بين هذين التيارين يمكن لشعرنا العربي المعاصر أن يستعيد موقعه في قلوب جماهيرنا التي تطمح إلي الدخول في العصر .
 
 

6 - مارس - 2009
الشعر ديوان الكون في دبي
نساء ونساء..    كن أول من يقيّم

 
قبل أن تنشر كوثر الأعرج غسيلها بوقاحة استثنائية على شاشة «المستقبل» اللبناني، كنت التقيتُ، قبل شهرين، عالمة الفلك المغربية
مريم شديد، على هامش الملتقى الأول لمغربيات العالم، بمراكش.
سألتها عن أحوالها وجديدها، فقالت إنها تعمل ضمن فريق علمي لإرسال قمر صناعي إلى الفضاء. ابتسمتُ وأنا أحاول انتشال مرافقي من الحيرة التي انتابته، بعد أن عجز عن فك رموز الجواب والتعرف على صاحبته.
لم يكن المرور، عبر سنوات التحصيل والمعرفة، والانتقال من المغرب إلى فرنسا لمتابعة الدراسة والحصول على أعلى الشهادات الجامعية والعلمية مفروشاً بالورود أمام هذه العالمة المغربية التي وُلدت قبل أقل من أربعين عاماً بمدينة الدار البيضاء.
في فرنسا، كان على مريم شديد أن تصارع على أكثر من واجهة لتأكيد ذاتها وتحقيق طموحها. فهي امرأة أولاً، ومغربية ثانياً، وتنحدر من أسرة متوسطة الحال لم تتوفر لها الإمكانات الكافية لكي تمكن الإبنة من أفضل الظروف لمتابعة الدراسة، بعد أن اختارت مساراً تكوينياً غير مألوف بالنسبة لكثير من بنات وأبناء جيلها وبلدها.
حضّـرت مريم شديد أطروحتها لنيل شهادة الدكتوراه بأكبر مرصد فلكي في فرنسا، ليتم لاحقاً اختيارها من قبل المنظمة الأوروبية لعلماء الفلك لتكون ضمن أول فريق دولي يذهب إلى الشيلي لتركيب وتشغيل أكبر تليسكوب في العالم.
ستقضي مريم شديد أربع سنوات في صحراء أتاكاما، حيث عاشت قساوة الظروف المناخية : جفاف منقطع النظير، ولا وجود للنباتات والحيوانات والأمطار.
بعد ذلك، سيتم اختيارها من قبل مؤسسة بول إيميل فيكتور لكي تكون ضمن الفريق العامل في مشروع تنمية مستقبل القطب الجنوبي، للذهاب في مهمة علمية تهدف إلى وضع تلسكوب فضائي لقياس إشعاع النجوم في القطب الجنوبي المتجمد، في عزلة تامة عن العالم، مع 8400 متر من الارتفاع عن سطح الأرض، ونقص في الأوكسجين، ودرجات حرارة تقل عن 80 درجة تحت الصفر، وليل يدوم ستة أشهر دون انقطاع.
هناك في أقصى الأرض، وفضلا عن مهامها العلمية، ستطبخ مريم شديد لأفراد الفريق العلمي الكسكس المغربي بلحم الكنغورو، وستغرس العلم المغربي في البياض اللامتناهي للقطب الجنوبي.
تتوقف مريم شديد كثيراً عند دلالات رفعها للعلم المغربي، وتقول «إن رفع العلم المغربي كان عنواناً على القدرات التي تختزنها المرأة المغربية وإصرارها على تغيير وضعيتها نحو الأفضل. كان ذلك خطوة نحو المستقبل، لكن من دون التفريط في الهوية ومقوماتها».
خلال حديثها معك، تتخلى مريم شديد، بين وقت وآخر، عن صنافة المفاهيم التي تؤثث لحقل علم الفلك لتتحدث عمَّا يشغل بالها كأنثى نجحت بإصرارها وتعلقها بحلمها في أن تعطي مثالاً جميلاً ونموذجاً فريداً من نوعه لما يمكن للمرأة المغربية والعربية أن تقدمه لبلدها وللعالم.
أقرأ الانتقادات الموجهة لتلفزيون «المستقبل»، فأتعجب كيف يترك بعض إخواننا العرب قصص من تـُـربي أبناءها أو ترفع العـَـلم وتتسلح بالعـِـلم، من بين نساء المغرب، ويلتفتون إلى من تتعلق بهز البطن والرقص تحت الأرض، مقدمين صورة سيئة عن فتيات ونساء المغرب، محولين الاستثناء إلى ما يشبه القاعدة العامة ........................................................
.................................
، ..................................................................
سيرة وانفضحت
عبد الكبير الميناوي * يومية المساء المغربية (مع بعض التصرف )
 
 
 
عن موقع هسبريس .
                                                    
 
                                                                                        

6 - مارس - 2009
أحاديث الوطن والزمن المتحول
أفسح في مجلسك فهذه حرب تطول..    كن أول من يقيّم

 
 
وابك الأمير الأسير ، واكتب شعرا في القيامة و المهد والصخرة .
وقف به على ذكرى دوارس الصوامع والروادم ...
*أي مجنون أنا ، وأفسح في المجلس فتتراءى لي حلقات الذكر
ومجالس العلم من بخارى إلى تامبوكتو ، فيها القول الفصل
والصدع بالجهاد .
 
وأفسح في المجلس فتتراءى لي مرابط الخيل حيرى عرقى ثكلى
 تصهل ، تصك الألجمة ، ترفض الذل ،وأرى صلاح الدين
على رأسه كوفية بيضاء سوداء بين خردة الدبابات من خلفه
هرج الذي لا يقهر ،ومن أمامه صمت الذي لا ينصر...
وأراه يمتنع أن يكون أسيرا قتيلا إنما... ....
 
 
*أحمد شحلان  (التوراة والشرعية الفلسطينية )
 
*التشكيل المتواضع ،أعلاه ، من إنجاز عبد ربه .

8 - مارس - 2009
ملف العدوان على غزة
 67  68  69  70  71