البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات ضياء العلي

 64  65  66  67  68 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
اختيار صائب    كن أول من يقيّم

أحسنت اختيار المجلس يا أستاذ زياد ونحن نتابع معك بكل اهتمام ، وبانتظار ما ستجود به علينا من " الكلمات الذوقية والنكات الشوقية " ، وشكراً لك مجهودك ومشاركتك لنا هذا الاكتشاف الهام والممتع  .

5 - مايو - 2008
الكلمات الذوقية والنكات الشوقية ... السهروردي
كأنه سلفادور دالي    كن أول من يقيّم

كل الشكر لك أستاذ عبد الحفيظ هذا الإهداء ، وهي مناسبة نتعرف بها إلى " اقترافاتك " وإلى الرسام الشاب الأميركو - فيتنامي " نجويان " ( ولا أدري لما يتسمى الآسيويون كثيراً بهذا الاسم مع أن بلادهم كبيرة جداً )  . نعم هي لوحة جميلة وعصرية ومعبرة جداً ولا تخفي تأثر الفنان بسوريالية سلفادور دالي لأنها تستعير منه تقنيته وعناصر مهمة كالجماجم والصحراء ورؤيته للمساحة ... لن أقترف هنا نقداً فنياً لكنها مجرد انطباعات عامة .

5 - مايو - 2008
" العين الرقمية "
غيض من فيض    كن أول من يقيّم

استمعت جيداً لإهداء ندى وزكرياء ، هذه موسيقى جميلة ، كأنها مكسيكية ، وهي تذكرني على أية حال بموسيقى أميركا اللاتينية : لا شك بأن الإسبان هم العنصر المشترك بين الثقافتين إنما أظن بأن هناك عناصر أخرى مشتركة ، كالبيئة الريفية ، ربما أثرت في هذه الموسيقى ، فهل هناك تشابه ؟  وأنا أشكركما جزيل الشكرعني ، وبالنيابة عن فاطمة البعيدة جداً هذه الأيام عن الكومبيوترلكني سأنقل إليها هذه التحية التي ستسرها بدون شك ، على تعريفنا بهذه الموسيقى الجميلة . وفاطمة تعيش في تكساس حالياً ، وولاية تكساس في أميركا طابعها مكسيكي بثقافتها وجغرافيتها ومطبخها ووجود مكثف للجالية المكسيكية فيها والذين هم في الحقيقة سكان البلاد الأصليين .
 
أما المراثي يا أستاذ عبد الحفيظ فقد كففنا عنها منذ زمن بعيد ، وهذه القصائد ليست بالمراثي بقدر ما هي تطويع ، أو فلنقل " تطبيع " مع الموت . هكذا أراها ! ومقالتك ليست بحاجة لأي تعليق ، هي غيض من فيض .

5 - مايو - 2008
أحاديث الوطن والزمن المتحول
ألبرتو سانشيز : بين موغادور والمكسيك    كن أول من يقيّم

 
الروائي والشاعر والباحث المكسيكي ألبرتو روي سانشيز لـ"النهار:
أهتمّ كثيراً بسحر الحياة الكامن في الشعر وناضلت لكي لا أصير أحد ورثة الواقعية السحريّة
 
رلى راشد :
 
في سجل الروائي والشاعر والباحث المكسيكي البرتو روي سانشيز امتيازات كثيرة منذ باكورته "أسماء الهواء" في أواخر ثمانينات القرن المنصرم، التي جعلته يفوز بجائزة "كسافيي فيياوروتيا"، أرفع الجوائز الأدبية المكسيكية. غدا مذّاك صوتاً مرجعيا يغرف منذ احتكاكه بمدينة موغادور المغربية، من سبات التاريخ والأدب العربيين في الثقافة القشتالية. في فرنسا التي منحته وسام فارس للآداب والفنون، كان على تماس مع الكبار، من أمثال دولوز وبارت وفوكو وسواهم، وهذه تجربة رفدت أدبه بالأفكار في حين قاده ابن حزم الأندلسي الى أبجدية الرغبة التي وشمت قسطا وافرا من انتاجه. أما في وطنه المكسيك فكان أن رافق طوال أعوام مواطنه الحائز نوبل الآداب اوكتافيو باث في إطار مجلة "العودة" المحورية. جمع الاثنان التواطؤ المهني والصداقة، وأغدق باث على تخييل روي سانشيز التقدير، لاستلهامه "المغامرة والشعر والفطنة في هندسة كلمات محدثة". خلال مروره في بيروت محاضرا في معهد ثرفانتس عن "أنماط الحضور العربي في الثقافة المكسيكية" التقت "النهار" روي سانشيز المترجَم الى لغات العالم ومنها العربية التي نُقلت اليها أولى رواياته فقط.
 
في القارة القديمة، يُنظر الى الأدب المكسيكي كأحد أكثر آداب أميركا اللاتينية تمتعا بالألق، وخصص الناقد الفرنسي فيليب أولي لابرون انطولوجيا لمئة عام من الأدب المكسيكي أشار فيها الى إفادته مما سمّاه "التصور المُسبق الإيجابي"، هل تشاطره الرأي؟

- من المنطقي الاعتراف باختلاف جزء كبير من تاريخ المكسيك الثقافي، البيروفي أيضا، عن باقي ثقافة أميركا اللاتينية، ذلك ان هذين البلدين عرفا ثقافة خاصة في الحقبة السابقة للغزو الاسباني وقد استخدمت شتى الوسائل المتاحة في إقامة هذه المجتمعات الهجينة، في حين لم يحصل ذلك في الأرجنتين وتشيلي والأوروغواي وسواها. ربما الى حد معيّن في كولومبيا. انسحب هذا الدافع الذي حرّك المعيش، على الفنون وجعل المكسيك والبيرو، تتمتعان، منذ سنوات باستثناء ثقافي.

قصدت باريس في الثالثة والعشرين لثمانية أشهر غير أنك مكثت فيها ثمانية أعوام. تقول انك عثرت في المدينة على صوتك الأدبي الذاتي. انطلاقا من صلتك بالمكان، كيف تقارب باريس، أهي المدينة المشتهاة كما في عرف الارجنتيني خوليو كورتاثار أو هي حيز سقوط الوجود ووجه الخزي كما في مفهوم الاوروغواياني خوان كارلوس أونيتي؟

- كانت باريس خصوصا مكان لقاء الحضارات الأخرى. يكمن إغراء الإقامة في باريس ليس فقط في الثقافة المحلية وإنما أيضا في الانفتاح على آداب العالم وهذا محوري. ناهيك بأن باريس مدينة الجمالية التي تتنفس قِدماً، وثمة تناغم يلفّها من شتى الجهات. في حين ان مكسيكو تعاني، تحت إسم العصرنة، تدمير اتساقها، وهذا محزن. البعد الإنساني مهم أيضا في باريس، إنها مكان التواصل، وقد أفدت كثيرا من المجيء إليها في حقبة المعلّمين الكبار، وكانت لي فرصة حضور حصص ميشال فوكو ورولان بارت. لكن تلك اللحظة الاستثنائية انتهت ويا للأسف.

ثمة مدينة أخرى سكنت نثرك، وهي موغادور، الاسم القديم لمدينة الصويرة المغربية. تشابكت موغادور في أدبك مع الجسد وغدت موطئ قدم لاستكشاف الرغبة في روايات "أسماء الهواء" و"في شفاه الماء" و"جنائن موغادور السرية". من أين انبثقت رغبتك في تلقف الماضي التاريخي والأدبي العربي الراكد في الثقافة القشتالية، بعدما التفت اليه في العقود الأخيرة الروائي الاسباني خوان غويتيسولو؟
 
- انبثقت من سؤال بسيط: لماذا ما أراه، هو شبيه الى هذا الحد بالمكسيك؟ عندما وطئت المغرب أحسست بأني، في معنى ما، وطئت المكسيك. لا يرتبط ذلك بالمناظر الطبيعية فحسب ولكن أيضا، وعلى مستوى أكثر مادية، بالقطع الحرفية والفنية التي تعتبر في بلادي جزءا من الإرث والهوية، والتي شاهدت مثيلاتها في المغرب. اكتشفت أولا جوانب في الثقافة المكسيكية تملك جذوراً عربية أندلسية، واكتشفت ثانياً عالماً من الأشكال يوصل الرسائل من دون الحاجة الى التوسل بمضمون الكلمات، وإنما يوظف حسيّة كامنة في الهندسة والمياه ونزهات الشوارع. ليست موغادور مدينة لكنها تحقق رغبة ويوتوبيا سلطان. عرفت التعايش الديني وكان ستون في المئة من سكانها يهودا. ويتردد انها شهدت هجرتين أساسيتين من أبناء العرق الأسود إليها، الأولى مصدرها السودان والثانية غرب افريقيا، وقد أفرزتا فن الكناوة وهي موسيقى وطقس وتنويع ديني موسيقى، بل جَذبة صوفية تجد رديفها في السانتيريّا الكوبية، وهي مزيج الكاثوليكية والأرواحية الإفريقية. أما الكناوة فمزيج من الأرواحية الإفريقية والإسلام. موغادور مدينة – مزيج، تماما كما هي مكسيكو التي تجمع ثقافات عدة. قادني الإسبان الى العرب، وهذا مذهل فعلا. موغادور مدينة شبيهة بالمرأة، تعجّ بالغموض، لا يستطيع المرء دخولها أو امتلاكها، لا يسعه سوى التساؤل عن أصل هذا الحسن. صارت المدينة مجازا عن المرأة.

في "جنائن موغادور السرية" يمر التنقيب الرغبوي من خلال نمط استشراقي فتصير شهرزاد المرأة الراوية راوياً. غير أنك تعرّج أيضا على المغامرة الثقافية في الفصل الخامس موجّهاً تحية الى بورخيس. كُتب عنك مرةً أنك "بورخيس مُجَنسَن"، وأنك تصلح لأن تكون إبن بورخيس وأوكتافيو باث من جهة وإيتالو كالفينو وبازوليني من جهة ثانية.
 
- أجل لقد كُتب ذلك (يضحك). لطالما اهتممت ببعد الحياة الشهواني، وهذا منوط بتاريخي الشخصي. ربّتني بنات عمي الأربع وكان هذا مصدر غموض وتلقين في آن واحد، رافقني طوال حياتي العاطفية حيث المرأة شريكة وصاحبة حضور. اكتشفت بعدذاك ان الأمر نفسه جرى لابن حزم الكاتب الاندلسي من قرطبة من القرن الحادي عشر والذي ربّته أيضا نساء أربع. المذهل أن ابن حزم كتب عن أمور كثيرة اهتممت لها، وفي كتابه "طوق الحمامة" ثمة فصل عن تعليم الحب دلّني على الرغبة. وأنا أكتب، لا أفكر في إحالات تصل الى بورخيس وإنما الى إبن حزم (يضحك). علما أن التأثيرات الحقيقية تتحدر من كتاب آخر هو الحياة.

* في نثرك السردي، أين تنتهي ومضات الواقعية السحرية وأين يبدأ سحر "ألف ليلة وليلة"، ومتى يمتزج العالمان، وأين؟

- تربيت في حضن الواقعية السحرية، وثمة كتّاب كثر من جيلي قلّدوا المعلمين. غارثيا ماركيز مذهل أما مقلّدوه فليسوا كذلك على رغم تحقيقهم النجاح التجاري. لم تكن الواقعية السحرية خيارا بالنسبة إليَّ، وآثرت عدم إتباعها. سحر العالم الموجود في الشعر هو الذي أثار اهتمامي. ناضلت لكي لا أًصير أحد ورثة الواقعية السحرية. غير أني أهتم كثيرا بسحر الحياة الكامن في الشعر. يبزغ الشعر من شيء فريد استثنائي كمثل تجلّيEpifanía جيمس جويس الذي يشبهه بالأشعة الموحية. هذا هو السحر الذي سعيت الى اكتشافه. في المغرب حدث أن رأيت عنزات، وليس طيورا، تستوطن الأشجار، وكان المنظر بالنسبة إليَّ على قدر من السحر. لو أني ابتكرت ذلك لكان واقعية سحرية. في عرف المواطن المغربي الناظر الى الأشجار، كان المشهد عادياً تماماً، في حين وجدته مثيرا للدهشة، فقررت أن أقصّه كتابيا.

¶ الأمر منوط باختلاف المنظار...

- قد يكون الموجود عاديا لبعضهم ومذهلا لبعضهم الآخر. علّمتني تلك الطرفة ان السحري هو ما قد يتراءى روتينيا في البرهة الأولى وغير مستحق الانتباه. هذا ما أفضى بي الى تكريس أدبي للمغرب. لم أختلق شيئا. السحر مستقر في ثنايا الإضافة الشخصية الداخلية. في العودة الى واقعية ماركيز السحرية، تصوّر مرةً ملاكاً يجتاز الشارع، في تقديري الأمر سهل نسبيا أما الأصعب فرؤية الناس. حاولت اختلاق "جمالية الذهول"، وهنا المفتاح. إنها جمالية شهوانية أيضا لانطوائها على الاكتشاف وسماحها بتأكيد الحياة.

في باريس تتلمذت على رولان بارت خلال ما يزيد على خمسة أعوام، وقد استعدته في بحث "الأدب في الجسد". في حضرة طلابه اختزل بارت ماهية الكاتب بمصطلحي "المذاق والمعرفة"، واللافت ان نثرك التي تصنّفه كـ"نثر تكثيف" يستدين من الشعر والموسيقى والفنون التشكيلية والهندسة والغرافيك.

- أنا سليل الباروك. مبدأ الباروك يكمن في ان العاطفة التي تحركنا جميعا تشكل ماهية الأمور، ذلك ان الموسيقى والحياة الجنسية والروائح ليست شؤونا تزيينية إضافية وإنما هي جزء من الرسالة التي ينبغي إيصالها. هذا ما قاله الباروك. نصل الى الله من خلال الموسيقى وغيرها. وفي حقبة تطور الباروك المسيحي قال الاسلام بإمكان الوصول الى الله من خلال الجسد.

¶ كانت لك وقفة كتابية أيضا عند اندره جيد في "بؤس الحقيقة: اندره جيد يعود من روسيا"، وأيضا أوكتافيو باث في "مقدمة لفهم اوكتافيو باث". جعلتَ السيرتين تتقاطعان عند مفصل 1937 في مدينة فالنسيا الاسبانية خلال المؤتمر الثاني لـ"رابطة المفكرين المدافعين عن الثقافة" المناهضة للفاشية. هل تعمدت الموازاة بين الشخصيتين؟

- ينتمي جيد وباث الى جيلين مختلفين. كتبتُ عن جيد قبل سنوات من معرفتي بباث، وأكثر ما لفتني فيه هو التسامح، ذلك ان أحدى أشد مساوئنا عدم تقبلنا الآخر المختلف عنا جذريا، ليس فقط فكريا، وإنما أيضا في نمط عيشه. اهتممت كثيرا بهذا الجانب في إطار التزام المثقف السياسي. أيّد جيد الشيوعية وقصد روسيا ووجدها مختلفة عمّا كان يظنه. عاد وكتب وجهة نظره فتهجّم عليه الجميع من حوله. جرى لأوكتافيو باث أمر مشابه. خلال عملي معه في 1984 عانى أيضا إشكالية سياسية ارتبطت بثورة نيكاراغوا، فبعدما طالب بإجراء انتخابات في هذه البلاد، تعرض لهجوم حاد من اليسار واتهم بالتعامل مع الولايات المتحدة في حين كان شديد النقد تجاهها. تناول كتابي عن جيد بؤس الحقيقة وقد ألّفته في حقبة باريس في حين تبعه كتابي عن باث بعدذاك بسنوات.

¶ كيف تصف تجربة العمل اليومي كسكرتير تحرير لمجلة "العودة" المحورية في المكسيك الى جانب قامة من طراز أوكتافيو باث؟

- لم أكن أقدّره في البداية كما فعلت في النهاية. علّمني باث كيف أقدّره وأحبّه كل يوم أكثر. عندما انتهى تعاوننا المهني انطلقت علاقة صداقة مع الأبناء والزوجة. لقّنني أمورا جمة وخصوصا الشغف، وكيف يتحد بالأخبار اليومية، وكيف يمتزج بالصحافة.

¶ في الحديث عن الشغف، ثمة في بيبلوغرافيا أوكتافيو باث بحث عنوانه "الشعلة المزدوجة: الحب والإيروسية"، يرى فيه الحب مرتبطا بالوضع الإنساني. الى أي حد تتقاربان على هذا الصعيد.

- لقد سلكتُ في الواقع دربا مختلفا. لم يهمني كثيرا التأمل الفكري بموضوع الحب وإنما التحقيق الروائي في الحب. لم أخصص بحثا للحب، وإنما قمت بتحقيق وثائقي في فسحة شعرية. وهما مصطلحان متباعدان.

¶ في أواخر الثمانينات من القرن المنصرم، أعَدت الى جانب زوجتك مارغاريتا دي أوريانا، إحياء مجلة "فنون المكسيك"، كيف تقارب المشروع كاتبا وباحثا وناشرا؟

- سنحتفل قريبا بمرور عقدين على إعادة إطلاقها، علما أن المفهوم قديم العهد ويتمتع بحضور بارز. "فنون المكسيك" مشروع فهم للمكسيك ونحن نستخدم المطبوعة عمودا لحضارة البلاد. في غضون عشرين عاما عملنا على نشر ما يزيد على 190 رسماً. تطرقنا أحيانا الى مواضيع لم تكن مألوفة في بلادنا، كما الفن الحديث. "فنون المكسيك" أكثر من مجلة. هي مشروع ثقافي. في فرنسا، درست زوجتي تاريخ العقليات، وتمعنّا معاً في ما ينقص المكسيك واستنبطنا مشروعا قيّما، تصميما ومضمونا، أضاف متعة فهم المكسيك الى متعة التأمل فيه.
 
* عن النهار اللبنانية  السبت 03 أيار 2008

7 - مايو - 2008
اقتباسات واستضافات لأصوات من العالم..
مقدمة تاريخية : بداية التحولات الكبرى    كن أول من يقيّم

عرف الغرب الأوروبي ابتداء من القرن التاسع الميلادي تحولات جذرية طالت بنيته الديموغرافية وتسببت في تضاعف عدد السكان فيه بسبب ملائمة المناخ في تلك الحقبة للإنتاج الزراعي مما أدى إلى وفرة في الغذاء ، وتناقص في انتشار الأمراض والأوبئة مما حد من عدد الوفيات . حتى أن بعض المؤرخين يضع هذا العامل الديموغرافي في رأس قائمة  الأسباب التي أدت إلى نشوء الحروب الصليبية في القرن الحادي عشر ، كما أنه سبب رئيسي في ازدهار ونمو حركة تجارية ناشطة في حوض البحر الأبيض المتوسط باتجاه الشرق الأوسط وبلدان المغرب العربي  قادتها واستأثرت بالقسم الأكبر منها المدن والجزر الإيطالية كجنوا والبندقية وصقلية ...  كما أن الغرب الأوروبي تمكن في تلك الفترة من أن ينظم ويؤطر حركة الصراع الدامية والنزاعات التي كانت قائمة بين الملوك والنبلاء تحت سلطة الكنيسة في عهد البابا غريغوار  ( 1073 -1085 ) وذلك بإرساء قواعد أخلاقية جديدة خصوصاً بعد أن حدثت القطيعة الكبرى بين الكنيسة الأورثوذوكسية والكنيسة الكاثوليكية في العام 1054 .
 
كانت هذه بداية الاحتكاك بالحضارات الأخرى وأهمها في تلك الفترة الحضارة الإسلامية التي كانت تسيطر على القسم الأكبر من حوض البحر الأبيض المتوسط وحركة التجارة فيه .

13 - مايو - 2008
عصر النهضة الأوروبية : النظرة الجديدة إلى العالم
عصر الاكتشافات الكبرى    كن أول من يقيّم

 
تطورت في أوروبا في القرن الخامس عشر حركة ملاحة عالمية لم يسبق لها مثيل تمكنت من التوغل بعيداً عبر البحار والمحيطات الكبرى بفضل اختراع البوصلة والأسطرلاب ، وبفضل تطور العلوم المتعلقة بالملاحة وتمكنها من معارف جديدة منها : رسم خرائط أكثر دقة ، وتحديد اتجاهات الريح وسرعتها ، والتمكن من تحديد أماكن رسو السفن بقرب الشواطىء. وانطلق الأوروبيون نحو آفاق بعيدة بحثاً عن الذهب والفضة والسلع النادرة كالبهارات التي توسع استعمالها وازداد عليها الطلب ، وكانت هذه الحملات بمثابة استكمال لحملات الغزو العالمية التي كانوا قد قاموا بها في عصر الحملات الصليبية .
 
ففي بداية القرن الخامس عشر ، قام البرتغاليون باكتشاف الشاطىء الغربي لإفريقيا متوغلين عبر الشاطىء الجنوبي للمغرب ، وفي العام 1417 تجاوزوا خط الاستواء ، وفي العام 1487 وصلوا إلى رأس الرجاء الصالح . بعد عشر سنوات ، تمكن البرتغالي فاسكو دي غاما من الدوران حول رأس الرجاء الصالح والوصول إلى كلكوتا عبر المحيط الهندي . ثم في العام 1492 قرر الإيطالي ( من جنوة ) كريستوف كولومبوس الوصول إلى الهند منطلقاً من الغرب ، ودون الحاجة للمرور ببلاد المسلمين ، ومعتمداً على مقولة اليونان القديمة القائلة بأن الأرض كروية ، وبناء على حسابات " الفرغاني " . لكنه وصل إلى جزر الأنتيل وهو يظن بأنها بلاد الهند ، حتى جاء من بعده الفلورنسي أمريكو فاسبوتشي ليبرهن على أن كولومبوس قد اكتشف " العالم الجديد " ( أمريكا ) . ثم في العام 1521 قالم البرتغالي ماجلان بدورة كاملة حول الأرض وذلك بالالتفاف حول القارة الأميركية الجنوبية .

13 - مايو - 2008
عصر النهضة الأوروبية : النظرة الجديدة إلى العالم
نشأة اقتصاد عالمي جديد    كن أول من يقيّم

 
توسعت حركة التجارة العالمية بفضل هذه الإكتشافات وبدأت الدول الأوروبية الكبرى ببناء مستعمرات لها ما وراء البحار : تمركز البرتغاليون في الهند والبرازيل ، والإسبان في أميركا الجنوبية حيث قضوا على أثنتين من أهم الحضارات في التاريخ وهما : الأزتيك والأنكا . واحتلت فرنسا الشمال الأميركي في كندا . حتى أن إسبانيا والبرتغال ، وبسبب المنافسة الشديدة حول اقتسام المستعمرات ، وقعتا فيما بينهما معاهدة في العام 1494 باركها البابا دفعاً للحرب بين أقطاب الكاثوليكية هي معاهدة توردسيلا .
 
أما البحر المتوسط الذي كان مسرح السياسة والتجارة والحروب حتى ذلك الحين فقد تقلص دوره إذ بدات الاطماع تتجه نحو المحيط الأطلسي وبحر الشمال . وبدأت بعض المدن تزدهر على حساب أخرى فتقلص دور المدن الإيطالية الكبرى كجنوة والبندقية لحساب مدن أخرى كلشبونة وإشبيلية ( Séville ) في هذه الفترة سوف تزداد قيمة المبادلات التجارية عشرين ضعفاً عن معدلاتها في الفترات السابقة ، وفي الوقت الذي سوف يتزايد فيه تدفق الذهب والفضة إلى أوروبا وترتفع أثمان المواد الغذائية ، وستبدأ تجارة العبيد الذين كانوا يحملون على ظهور السفن كالبضائع تماماً ليباعوا رقيقاً للعمل في مستعمرات زراعة قصب السكر في الجزر البعيدة .
 
وفي تلك الفترة سوف يزداد حجم المبادلات المصرفية وستتقدم الصناعة بخطى حثيثة مما ساهم في الإثراء السريع والفاحش لفئة من الناس : هكذا ، ومع الوقت ، تكونت طبقة جديدة من التجار وأصحاب رؤوس الأموال هم الصناعيون وتجار السلع المستوردة والمصرفيون وحتى أصبح هؤلاء ينافسون الأمراء والنبلاء وأصحاب الإقطاعيات الكبرى على الجاه والثروة .
 
 

13 - مايو - 2008
عصر النهضة الأوروبية : النظرة الجديدة إلى العالم
الفكر العلمي الجديد    كن أول من يقيّم

 
في هذا العصر الحيوي الذي يتميز بطابع الديناميكية والتجديد سوف تعرف العلوم نشاطاً ملحوظاً لأن باب التنافس أصبح مفتوحاً على مصراعيه : فمن التقنيات العسكرية إلى التقنيات المعمارية ، اشتدت المنافسة بين المهندسين والمعماريين لابتكار وتطوير تقنيات جديدة سواء كان ذلك في صناعة السفن أم في تطوير إداء ساعة اليد . وشمل ذلك التطور قطاعات صناعة الصب والمعادن وطرق المواصلات وعلوم الطب والفلك .... وسوف يسهم كل هذا بتحسين وتسهيل حركة الأفكار الجديدة التي تبحث عن التطور والإبداع والابتكار في الوسائل التقنية والعلمية .
 
في العام 1543 سوف يحقق العالم الفلكي البولوني كوبرنيك ثورة كبرى بنقضه نظرية بطليموس حول مركزية الأرض وبإثباته ، وبواسطة الحساب الرياضي ، بأن الأرض هي كوكب كغيره من الكواكب يدور حول الشمس ( يبدو أن هذه النظرية سبق أن قال بها ابن الشاطر الفلكي العربي الشهير وهناك بحث عنها منشور في مجالس الوراق أعده الأستاذ زياد عبد الدائم ) .
 
كان الجمهور المتعطش إلى التغيير يتلقف هذه الأفكار ويدفع بها نحو مزيد من التطور لأنها كانت تناسب تطلعاته ومزاجه وذلك أنه وبسبب تحسين المستوى الاجتماعي وشروط العيش للطبقة الجديدة ( البرجوازية ) تغير أسلوب الحياة وأصبح أكثر رفاهية وبدأ الناس مثلاً باستعمال الأقداح الزجاجية بدلاً من أكواب الفخار والمعدن ، وبدأ استعمال الشوكة في التقاط الطعام ، واستبدلت الصناديق بالخزائن لحفظ الثياب ... ، لكن الإكتشاف الأهم الذي غير وجهة المعرفة وساهم في انتشارها كان اكتشاف المطبعة في العام 1455 على يد العالم الألماني يوحنا غوتنبرغ . لأنه وحتى ذلك التاريخ ، كانت قراءة المخطوطات تقتصر على النخبة والأديرة ، فكان أول كتاب تم طبعه هو الكتاب المقدس ، ثم انتشرت فيما بعد طباعة الكتب لتعم المدن الأوروبية الكبيرة : وقد طبع في تلك الفترة أكثر من مئة وثلاثين ألف كتاب بما يزيد على مليوني نسخة منها مجتمعة .
 
 

13 - مايو - 2008
عصر النهضة الأوروبية : النظرة الجديدة إلى العالم
حركة الإصلاح البروتستانتية    كن أول من يقيّم

مارتن لوثر : نظرة جديدة إلى الدين
 
مارتن لوثر هو راهب ألماني (1483 - 1546 ) فقد إيمانه بقداسة البابا بعد رحلة قام بها إلى روما في العام 1511 حيث شاهد بنفسه وعن كثب ممارسات رجال الكنيسة وكيف كانت تباع صكوك الغفران للمؤمنين بأثمان باهظة بحجة تخفيف العذابات عنهم يوم القيامة وكيف كانت تستخدم تلك الأموال لبناء كنيسة باذخة ( هي كنيسة القديس بطرس ) بأبعاد خيالية يستفيد منها رجال الكهنوت  وتساهم في ترسيخ سلطتهم  .
 
دعا لوثر إلى إدخال إصلاحات دينية جذرية أهمها العودة إلى النصوص التوراتية دون وسيط ، والرجوع إلى تعاليم المسيحية الأولى دون اللجوء إلى تفسيرات الكنيسة ورجال الدين . ثم تبعت هذه الحركة الإصلاحية حركات أخرى كالتي قام بها جان كالفن في فرنسا ( 1509 - 1564 ) والحركة الإنجيلية التي أسسها الملك هنري الثامن في إنجلترا في العام 1534 . وقد أدت هذه الحركات الإصلاحية إلى قيام حروب واسعة في أوروبا كان بنتيجتها أن تقلصت سلطة الكنيسة بشكل واسع وفقدت الكثير من أتباعها .
 
على أثر حركة التململ الواسعة تلك ، اضطرت الكنيسة الكاثوليكية أن تقوم بحركة مضادة تستعيد فيها هيبتها ، ومن هنا كانت دعوة البابا بول الثالث إلى مجمع " ترنت " (1545 - 1563 ) الذي يعرف بأنه " عصرالنهضة الكاثوليكية " وحيث تم التأكيد على أهمية الدور الذي يقوم به القساوسة ورجال الكهنوت في خدمة المؤمنين ، وعلى الطابع الروحي للكنيسة ، وأن محبة الخير واتباع تعاليم الدين الكاثوليكي هي الطريق الوحيدة للنجاة من عذاب الآخرة ، وعلى أهمية شفاعة القديسين والسيدة العذراء .
 
 

14 - مايو - 2008
عصر النهضة الأوروبية : النظرة الجديدة إلى العالم
ظهور الحركة الإنسية في أوروبا     كن أول من يقيّم

الإنسان في قلب العالم :
 
نتيجة لكل تلك الأسباب التي ذكرنا ، وخصوصاً بعد سقوط القسطنطينية عام 1453، بدأ العلماء بالنزوح من بيزنطة إلى إيطاليا حاملين معهم تراث اليونان والرومان ، في الوقت الذي كانت فيه النخبة الجديدة تبحث عن إيمان جديد يحررها من ربقة التقاليد الصارمة والمعتقدات القديمة المبنية على الخوف والخرافات وتقديس الشعائر والعبادات التي تستولي الفكر والجسد وتسيطر على طاقاته الإبداعية . فكان أن أعيد اكتشاف النصوص القديمة للتراث الإغريقي بواسطة التعلم المكثف لليونانية واللاتينية ، وأعيدت ترجمتها والتدقيق فيها ، وقد تم ذلك بداية بمساعدة رجال الكنيسة من المتنورين والساخطين ، وكان الاعتقاد السائد لديهم هو أن الترجمات التي وصلتهم عبر مسلمي الأندلس محرفة وبأنها ترجمت من قبل المسلمين بما يتناسب مع معتقدات الدين الإسلامي .
 
ترافقت هذه الحركة مع اكتشاف المطبعة التي أحدثت ثورة ثقافية وأتاحت انتشار القراءة الفردية للنصوص سواء كانت دينية أم تراثية قديمة ، لأن النبلاء والتجار أصبح لديهم كتب يقرؤونها بينما كانت المخطوطات مقتصرة على الأديرة وبعض الخاصة . في تلك الفترة سوف يعاد اكتشاف أفلاطون وشيشرون وبلوتارك وأرسطو ... ، وسوف تستقبل المدارس أولاد البورجوازية الناشئة ، لأن المدارس بدأت بالاستقلال عن الكنيسة وأُنشأت مدارس لتعليم اللغات ، ومدارس " علمانية " على نحو ما فعل الملك فرنسوا الأول في فرنسا حيث أنشأ مدرسة ملكية لتعليم القراءة مرتبطة مباشرة بالملك هي ال Collège De France ، وبدأت الدراسات النحوية والشعرية بالانتشار ، وأصبح أولاد هذه الطبقة الجديدة يقدمون النصح للأمراء والملوك ، ثم انتشرت المكتبات ولم تعد مهمة التعليم تقتصر على التحفيظ بل أصبحت تهدف إلى تطوير قدرات الأنسان العقلية والجسدية . هذه الحالة الفكرية كانت تعرف بأنها " جمهورية الأدب " ( على غرار جمهورية أفلاطون ) وعنها انبثق تيار الإنسية الذي تخلى عن فكرة ربط الفضيلة والخير بالتعاليم الدينية وأسس إيمانه على الاعتقاد بفضيلة الإنسان .
 
أنصار الإنسية كانوا يسافرون ويتبادلون المعارف وينظرون بعين الاحتقار إلى معتقدات القرون الوسطى " البالية " وإلى التشبث بعبادة الصور والأيقونات وتماثيل القديسين . إنهم يحبون الكتَّاب القدماء ( اليونان والرومان ) الذين يبهرونهم ويثيرون إعجابهم والذين سوف يخرجون بفضلهم من تلك الدائرة الخانقة .
 
أشهر أعلام هذا التيار في بداياته كان الهولندي إيراسم (Didier Erasme ( 1469 الذي كان يتقن اللغات القديمة ( اللاتينية واليونانية والعبرية ) وأنشأ مدرسة لتعليم اللغات واشتهر بترجمة ونشر الإنجيل نقلاً عن مخطوطات يونانية قديمة ، كما اشتهر جداً في عصره ، في العام 1511 ، كتابه المعروف باسم " مدح الجنون " الذي يسخر فيه من المعتقدات السائدة في عصره كالسحر والشعوذة ، ووينتقد الترف الخيالي للبابا والقساوسة . ومنهم أيضاً الفرنسي مونتاني Montaigne الذي حاكم بشدة الجرائم التي ارتكبها الأوروبيون بحق الشعوب التي كانت تسكن القارة الأميركية عند اكتشافهم لها ، ورابليه Rablais الذي انتقد ما أسماه في عصره ب " صناعة الحرب " ، واعطى ثقته الكاملة للإنسان وكان ما كتبه مثالاً لثقافة جديدة من التسامح العقائدي ، والفكر الانتقادي ، والفكر الحر . كما ظهرت في تلك الأثناء أفكار جديدة تعبر عن الطموح لأسلوب جديد في الحياة الإجتماعية كما جاء وصفه في مؤلفات castaglione عن " النديم المثالي " الذي هو رمز الإنسان الجديد الذي يجيد السيطرة على انفعالاته ، وهو مهذب وخلوق ، يتجنب الكلام القاسي ، يحسن محادثة الآخرين ، مثقف ويجيد الموسيقى والرقص ، هو بالاختصار رمز لكل رجل جديد يريد أن يكون " إنسانياً " . كما ظهرت أفكار جديدة في السياسة أهمها كتاب ماكيافللي " الأمير " ( 1513 ) الذي يقترح فيه أسلوباً جديداً في الحكم فيبين كيف أن رؤساء الدول والأمراء لهم الحق في تغيير سياساتهم والتنصل من وعودهم إذا كان ذلك في مصلحة الحكم والدولة ، إلا أن الهدف الأساسي " للأمير " يجب أن يبقى المصلحة العامة لشعبه فقط وإلا أصبح ديكتاتوراً ووجب التخلص منه .
 
قلب الإنسيون معادلات العهد القديم التي حكم من خلالها النبلاء ورجال الدين أوروبا لعقود طويلة ، وأسسوا روح النهضة على إيمان جديد يعتمد على العلم والمعرفة والبحث عن إيمان داخلي لا يخضع لسلطة خارجية ، وجعلوا الإنسان في قلب العالم والقيم الإنسانية فوق كل اعتبار وسعادة الإنسان رهناً بمعرفته بنفسه والعالم المحيط به .
 
 

15 - مايو - 2008
عصر النهضة الأوروبية : النظرة الجديدة إلى العالم
 64  65  66  67  68