البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات د يحيى مصري

 63  64  65  66  67 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
الثقافة الإسلامية 2    كن أول من يقيّم

       ولم تكن هناك وسيلة لتعرف أوربا الفلسفة اليونانية إلا عن طريق الثقافة الإسلامية؛ لأن التراجم اللاتينية لأفلاطون وأرسطو لم تنقل أو تترجم من الأصل اليوناني مباشرة، وإنما أخذت من التراجم العربية، وأضيف إليها ماكتبه المعاصرون المسلمون مثل ابن رشد وابن سينا في الفلسفة الإسلامية .
 
       ثم ينتهي رينيه جينو بقوله :" هذا جزء من كل من أثر الثقافة الإسلامية في الغرب، ولكن الغربيين لايريدون أن يقولوا به؛ لأنهم لا يريدون الاعتراف بفضل الشرق عليهم، ولكن الزمن كفيل بإظهار الحقائق(3).
 
 وقد  كان تأثير الثقافة الإسلامية على أوربا تأثيراً عميقاً في شتى نواحى الحياة وفيما يتصل بالمعارف والعلوم والفنون .
 
1-   في الأدب :
 
       قامت صلة وثيقة بين طائفة من عباقرة الشعر في أوربا بأسرها ، خلال القرن الرابعَ عشرَ الميلادي وما بعده  وموضوعات الأدب العربي والثقافة الإسلامية على وجه لايقبل التشكيك . ونخص بالذكر من هؤلاء بوكاشيو وبترارك ودانتي وهم من أعلام النهضة الايطالية ، وشسر الكاتب الانجليزي الشهير ، وسرفانيتس الأسباني ، وإلى هؤلاء يرجع الأثر والتأثير البارز في قيام النهضة الأوربية في أوربا .
 
       ففي سنة 1346م كتب بوكاشيو حكاياته التي سماها (الليالي العشرة)، وحذا فيها حذو ليالي ألف ليلة وليلة التي كانت منتشرة حكاياتها في مصر والشام ، وقد ضمن حكاياته مئة حكاية على غرار ألف ليلة وليلة ،وأسندها إلى سبع سيدات وثلاثة رجال من الذين اعتزلوا في بعض ضواحي المدينة؛ فراراً من مرض الطاعون . وفرضوا على كل منهم حكاية يقصّها على أصحابه في كل صباح لقضاء وقت الفراغ وقتل الملل ، وقد ملأت هذه الحكايات أقطار أوربا واقتبس منها الكاتب الإنجليزي) وليم شكسبير( موضوع مسرحية )العبرة بالخواتيم.
 كذلك اقتبس منها (ليسينج) الألماني مسرحية (ناتان الحكيم). وكان شوسر إِمام الشعر الحديث في اللغة الإنجليزية من أكبر المقتبسين من بوكاشيو في زمانه ؛ لأنه التقىاه حين زار إيطاليا ونظم بعد ذلك قصصه المشهورة باسم (قصص كانتربري).
 
       وكانت صلة دانتي(4) بالثقافة الإسلامية وثيقة؛ لأنه أقام في صقلية في عهد الملك فردريك الثاني، الذي درس الثقافة الإسلامية في مصادرها العربية الأصيلة . وقد لاحظ أحد المستشرقين أن الشبه قريب جدًا بين وصف الجنة في كلام الصوفي الكبير محيي الدين بن عربي (1164-1240م) في مؤلفه الكبير (الفتوحات المكية( وأوصاف دانتي لها في الكوميديا الإلهية .
 
       وقد كان دانتي يعرف شيئاً غير قليل من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فاطلع -على الأرجح - من هذا الباب على قصة الإسراء والمعراج ومراتب السماء ، ولعله اطلع على رسالة الغفران لأبي العلاء المعري ، واقتبس من كل هذه المصادر معلوماته عن العالم الآخر التي أوردها في الكوميدا الإلهية وأكبر القائلين بالاقتباس على هذا النحو هو عالم من أمة الأسبان انقطع للدراسات العربية : وهو الأستاذ آسين بالسيوس(5Asin Palacion ).
      وقد عاش بترارك في عصر الثقافة الإسلامية بإيطاليا وفرنسا ، ودرس العلم بجامعتي مونبلييه وباريس بفرنسا وكلتاهما قامتا على تلاميذ علماء المسلمين في الجامعات الأندلسية
.
      أما سرفانتيس فقد عاش في الجزائر بضع سنوات وألف كتابه (دون كيشوت) بأسلوب لا يشك من يقرأه في اطلاع كاتبه على العبارات العربية والأمثال التي لاتزال شائعة بين العرب حتى هذه الأيام . وقد جزم برسكوت Prescott صاحب الاطلاع الواسع على تاريخ الأسبان بأن فكاهة (دون كيشوت) كلها أندلسية في اللباب .
 
       أما عن الشعر ، فقد قال دانتي إِنّ الشعر الايطالي ولد في صقلية بفضل الشعر العربي وبتأثير منه ، ولقد شاع نظم الشعر بالعامية في إقليم بروفانس في جنوب فرنسا ، وانتشر الشعر في ذلك الإقليم على يد الشعراء الجوالين الذين عرفوا باسم (التروبادور) . وواضح أن الأوربيين اشتقوا هذا الاسم من كلمة طروب العربية . وقد وجدت في أشعار الأوربيين بشمال الأندلس كلمات عربية وأشارات لعادات إسلامية .
 
 .
 
 
 

17 - مارس - 2008
أثر الأدب الإسلامي في دراسات الأدب المقارن 1
الثقافة الإسلامية 3    كن أول من يقيّم

       والشعر العربي الأندلسي في الموشحات والزجل كان السبب في نشأة الشعر الأسباني نفسه، والمرجح أن أول من ابتكر الموشح هو مقدم بن معافي القبري الضرير 992م وثلاثة آخرون أثروا هذا اللون من النظم؛لسهولة تناوله وقرب طريقته،كما يقول ابن خلدون في مقدمته .
 
       والزجل يكون عادة باللغة الدارجة ،على حين يكون الموشح بالعربية الفصحى . وهذان اللونان من النظم من ابتكار أهل الأندلس وهما اللذان أثرا في نشأة الشعر الأوربي ، وقد أثبت الباحثون انتقال بحور الشعر الأندلسي والموسيقا العربية إلى أوربا.
 
       وامتد التأثير العربي في نشأة الشعر الأوربي إلى بعض الموضوعات كالمغامرات ، وطريقة علاج هذه الموضوعات ، كما يتمثل هذا في فكرة الحب العذري، التي تسود الغزل في الشعر البروفنسالي ، فإنه يرتد إلى الشعر الأندلسي ، وأزجال ابن قزمان. وقد عرض فكرة الحب العذري  ابن حزم في كتابه (طوق الحمامة( .
 
       أما في مجال القصة الأوربية فنجد أن هذه القصة تأثرت في نشأتها بما كان عند العرب من فنون القصص في العصور الوسطى وهي : المقامات، وأخبار الفروسية ، وأمجاد الفرسان: مغامراتهم لإحراز المجد أو في سبيل الحب .
 
       وترى طائفة من النقاد الأوربيين أن رحلات (جليفر)، التي ألفها سويفت ، ورحلة (روبنسون كروزو) التي ألفها ديفوى ، تدين لقصص ألف ليلة وليلة ، ولرسالة حى بن يقظان التي ألفها الفيلسوف الأندلسي المسلم ابن الطفيل ، وقد وضح أنه كان لترجمة ألف ليلة وليلة إلى اللغات الأوربية أول القرن الثاني عشر أثرٌ عظيم وبالغ الخطورة على الأدب الأوربي .
 
       ولم تنقطع الصلة بين الأدب الإسلامي والآداب الأوربية الحديثة حتى اليوم . ويكفي لبيان الأثر الذي أبقاه الأدب الإسلامي في آداب الأوربيين أننا لا نجد أديباً واحداً من نوابغ الأدباء عندهم قد خلا شعره أو نثره من الإشارة إلى بطل إسلامي ، أو نادرة إسلامية . ومن هؤلاء : شكسبير ،أديسون،بايرون ، سودى ، كولردج ، شيلي من أدباء الإنجليز، ومن أدباء الألمان ، غوته ، هرور، وليسنج، ومن أدباء فرنسا : فولتير، لافونتين . وقد صرح لافونتين باقتدائه في أساطيره التي ألفها بكتاب كليلة ودمنة الذي عرفه الأوربيون عن طريق المسلمين

17 - مارس - 2008
أثر الأدب الإسلامي في دراسات الأدب المقارن 1
الثقافة الإسلامية 4    كن أول من يقيّم

- في الفلسفة :
 
       كان أثر المسلمين في التفكير الفلسفي لأوربا عظيماً ، وكانت أسبانيا هي مركز تأثير الفلسفة الإسلامية على الفكر الأوربي الغربي؛ لأن أوربا لم تعرف فلاسفة الشرق إلا عن طريق الأندلس، حيث أشرف ريموند أسقف طليطلة على ترجمة أعمال الفارابي وابن سينا والغزالي وغيرهم. والعرب هم الذين حفظوا فلسفة كبار فلاسفة اليونان وعلى ما سطروه في كتبهم ولاسيما أرسطو، وأوصلوا هذا التراث إلى الغرب وهكذا فاتصال العقلية الأوربية الغربية بالفكر العربي هو الذي دفعها لدراسة الفلسفية اليونانية .
 
       وقد قرر روجر بيكون أن معظم فلسفة أرسطو ظلت عادمة الأثر في الغرب لضياع المحفوظات التي حوت هذه الفلسفة أو لندرتها وصعوبة تذوقها حتى ظهر فلاسفة المسلمين الذين قاموا بنقل فلسفة أرسطو وشرحها وعرضها على الناس عرضاً شاملاً.
 
       ومن فلاسفة الأندلس الذين كان لهم أعمق الأثر في الفكر الأوربي: ابن باجه ، وابن الطفيل، وابن رشد .
 
       ويعدّ ابن رشد الشارح الأعظم لفلسفة أرسطو، وكان أول من أدخل فلسفة ابن رشد إلى أوربا (ميخائيل سكوت) سنة 1230م . ولم يأت منتصف القرن الثالثَ عشرَ حتى كانت جميع كتب هذا الفيلسوف قد ترجمت إلى اللاتينية . ولم ينتصف القرن الخامسَ عشَر حتى صار ابن رشد صاحب السلطان المطلق في كلية بارو بإيطاليا والمعلم الأكبر دون منازع(6).
 
       ويبدو أثر ابن رشد واضحاً في خروج كثير من الغربيين على تعاليم الكنيسة وتمسكهم بمبدأ الفكر الحر وتحكيم العقل على أساس المشاهدة والتجربة . وقد ظهر أثر آراء ابن رشد واضحًا في فلسفة القديس توما الأكويني (1125-1274م) حتى إن الفصول التي كتبها توما في العقل والعقيدة وعجز العقل عن إدراك الأسرار الإلهية ليست إلا مقابلاً لما كتبه ابن رشد في باب (فصل المقال )فيما بين الحكمة والشريعة ومن الاتصال، وبلغ تأثر توما بفلسفة ابن رشد أن كتاب (الخلاصة) لتوما يحوي بعض مذاهب إسلامية الأصل ، مما يثبت أن الأثر الذي تركه ابن رشد في عقلية الغرب لم يكن إلا لشروح كتابات أرسطو، وإنما كان أبعد وأعمق من ذلك بكثير(7).
 
       ويعد الفيلسوف الألماني المعاصر كانت Kant من أكبر تلاميذ ابن رشد. يقول جوستاف لوبون عن ابن رشد إِنه : كان الحجة البالغة للفلسفة في جامعاتنا منذ أوائل القرن الثالث عشر من الميلاد، لما حاول لويس الحادي عشر تنظيم أمور التعليم في سنة 1473م أمر بتدريس مذهب هذا الفيلسوف العربي ومذهب أرسطو(8).
 
      وكان للفيلسوف الصوفي محيي الدين بن عربي (560هـ / 1164م – 638هـ / 1240م) أثر كبير في عقول النساك والمتصوفة من فقهاء المسيحية الذين ظهروا بعده .
 
       يرى الأستاذ آسين بلاسيوس الأسباني أن نزعات دانتي الصوفية وأوصافه لعالم الغيب مستمدة من محيي الدين بن عربي بغير تصرف كثير .
 
       ومن المعلوم أن أول الفلاسفة الصوفيين من الغربيين هو جوهان أكهارت الألماني، فقد نشأ في القرن التالي لعصر ابن عربي، ودرس في جامعة باريس، وهي الجامعة التي كانت تعتمد على الثقافة الأندلسية في الحكمة والعلوم ، وأكهارت يقول كما يقول ابن عربي : " إِن الله هو الوجود الحق ولا موجود سواه ، وإن الحقيقة الإلهية تتجلى في جميع الأشياء ولا سيما روح الإنسان التي مصيرها إلى الاتصال بالله من طريق الرياضة والمعرفة والتسبيح ، وإن صلة الروح بالله ألزم من صلة المادة بالصورة ، والأجزاء بالكل ، والأعضاء بالأجسام(9).
 
       وقد اقتبس الفيلسوف المتصوف الأسباني – رايموندلول – من ابن عربي ولاسيما في كتابه (أسماء الله الحسنى)؛ لأنه كان يحسن العربية ، وعاش بعد ابن عربي بقرن واحد ، وجعل أسماء الله مئة ، وهي لم تعرف بهذا العــدد في الديانـــة المسيحية قبل ذاك .

17 - مارس - 2008
أثر الأدب الإسلامي في دراسات الأدب المقارن 1
الثقافة الإسلامية 5    كن أول من يقيّم

3- في الطب :
 
       جاء الإسلام فقضى على الكهانة وفتح الباب للطب الطبيعي على مصراعيه ؛لأنه أبطل المداواة بالسحر والشعوذة ولم يحدث في مكان الكهانة طبقة جديـدة تتولى العلاج باسم الدين ، بل سمح للنبي - عليه الصلاة والسلام - باستشارة الأطباء ولو من غير المسلمين، فلما مرِض سعد بن أبي وقاص في حجة الوداع، عاده النبي وقال له : " إِني لأرجو أن يشفيك الله حتى يضر بك قوم وينتفع بك آخرون، ثم قال للحارث بن كلدة : "عالج سعدًا مما به" ، والحارث على غير دين الإسلام . وذكر القرآن الكريم لقمان الحكيم "وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلّه". ومنها التطبيب أو هي الطب قبل سائر ضروب الحكمة ، فجعل الإسلام هذه الصناعة نعمة يشكرها من أسبغها الله عليه ، واتخذها وظيفة معترفاً بها .
 
       كان الطب العربي الإسلامي يستهدف حفظ الصحة على الأصحاء – وهذا هو الجانب الوقائي الذي نسميه الآن بعلم الصحة ، وقد توصّلوا إلى الوقاية من الأمراض بدراسة الجسم ووظائف أعضائه ، وحاولوا الكشف عن أسباب الأمراض وطرق انتشارها ، لمعرفة أساليب الوقاية منها ، كما يستهدف الطب الإسلامي رد الصحة إلى المرضى، وهذا هو شفاء الأمراض .
 
       وقد تشعب الطب العربي الإسلامي في العصور الوسطى فروعاً تخصص في كل منها فريق من الأطباء. يقول ابن قيم الجوزية (ت 751هـ - 1350م) : الطبيب هو الذي يختص باسم الطبائعي، وبمروده وهو( الكحال )؛أي (طبيب العيون) وبمبضعه وهو الجرائحي (أي الجراح) وبموسه وهو الخاتن ، وبمحاجمه وشرطه وهو الحجّام ، وبخلعه ووصله ورباطه وهو المجبر، وبمكواته وهو الكواء ، وبقربته وهو الحاقن ، وسواء أكان طبه لحيوان بهيم ( بيطري) أم لإنسان، فاسم الطبيب يطلق على هؤلاء جميعًا . بل إِنهم عرفوا التخصص في طب الأسنان وأمراض التوليد والنساء والأطفال ، والعيون – بل حتى طب الأمراض النفسية والعصبية . وقد التزم الأطباء بميثاق أخلاقي يعود إلى أبقراط 370 ق. م. بل تنحدر بعض تعاليمه إلى مصر القديمة . وقد أوجب الخليفة المقتدر عام 319هـ / 931م على من يزاول مهنة الطب أن يجتاز امتحاناً يرخص له بمزاولة المهنة ، وتقدم للامتحان في بغداد وحدها نحو تسع مئة طبيب ، غير مشاهير الأطباء والصيادلة يخضعون للرقابة وَفقَ نظام الحسبة في الإسلام .
 
       وكان هذا وغيره في الإسلام في وقت حرمت فيه الكنيسة في أوربا صناعة الطب ؛ لأن المرض عقاب من الله لا يجب علاجه أو منعه ورده ، وظل الطب محرماً في أوربا حتى عصر الإيمان في مستهل القرن الثاني عشر إبان الحضارة الأندلسية .
 
       وقد عُرفت في طب العرب موسوعاتٌ طبية إسلامية ترجمت كلها إِلى اللاتينية ،اطلع عليها أطباء أوربا ونهلوا من معينها حتى مطلعِ العصور الحديثة، كان في مقدمتها كتاب القانون لابن سينا في القرن الثاني عشر. وقد جمع خلاصة الطب عند العرب واليونان والسريان والأقباط ، وضم ملاحظات جديدة عن الالتهاب الرئوي وعدوى السل . مع وصف لسبع مئة وستين دواءً . وقد ترجمه جيرار الكريموني إلى اللاتينية وطبع عشرات المرات .
 
       كما ترجم الحاوي للرازي (ت 320هـ/ 926م) وهو أكبر من القانون وأوسع مادة وموضوعاً ، وقد أكمله تلاميذ الرازي بعد موته ، وترجم إلى اللاتينية في سنة 1486م . وفيه آراء جديدة عن الفتق والحجامة والحميات وأعصاب مِنطقة الحَنجرة وعضلاتها ، وله كتاب المنصوري الذي ترجم سنة 1481م ورسالة عن الجُدَري(10) والحصبة بوصف وتشخيص آية في الدقة لأول مرة.
 
       ولعل الرازي كان أول واضع لعلم الطب التجريبي ، فقد كان يُجري تجاربه على الحيوانات ، فيجرع القردة الزئبق ، ويختبر تأثير الأدوية على الحيوانات ويسجل عليها العمل اليوم ، فكان يدع مريضه يسرد قصته على سجيته ، ثم يسأله عن أحواله الحاضرة مفصلاً ، ثم عن سوابقه الشخصية والوراثية ، ويدون جميع ذلك في سجل خاص ، ويحفظه للرجوع إليه ، كلما لزم ذلك .
 
       وكان الكتاب الملكي في الطب لعلي بن عباس (ت 384هـ / 994م) شائعًا عند الأوربيين لستة قرون من الزمان(11)، كما كان خلف بن قاسم الزهراوي (ت414هـ/1013م) معروفاً عند الأوربيين بكتابه : (التصريف لمن عجز عن التأليف ) بأجزائه الثلاثة . وقد أفرد القسم الأخير منها للجراحة ، وفيه أشار إلى أهمية التشريح للجراح ، ووصف كثيرًا من الجراحات بإسهاب ، وأجرى جراحات في شق القصبة الهوائية وتفتيت الحصاة في المثانة ولاسيما عند النساء عن طريق المهبل . وسبق إلى استخدام ربط الشرايين ، ووصف استعداد بعض الأجسام للنزيف وعلاجه بالكي ، وقد زود كتابه برسوم للآلات الجراحية . وقد ترجمه إلى اللاتينية جيرار الكريموني وطبع في أوربا عشرات المرات ، وكان مرجعاً في جامعات سالرنو ومونيليه وغيرهما

17 - مارس - 2008
أثر الأدب الإسلامي في دراسات الأدب المقارن 1
اخترت لكم    كن أول من يقيّم

*خاطب الناس على قدر عقولهم، ولا تحدثهم بما لا تبلغه أفهامهم..
 
*من يكثر فيك المدح يكثر فيك الذم، والذي يغتاب بين يديك يغتابك وراء ظهرك..
 
*على قدْر حبك لله يحبك الخلق، وبقدر خوفك من الله يهابك الخلق..
 
*عندما تجد الظروف كلها ضدك، تذكر أن الطائرة عندما تصعد تكون ضد الريح.
 
*يخسر حاضرَه من يعيش في ماضيه، ويخسر حاضره ومستقبله من لا يتعلم من أخطاء ماضيه.
 
*اشكر الله على ما رزقك، ولا تعذب نفسك بالنظر إلى ما أعطاه لغيرك.
 
*كن رحيماً بالصغير وعطوفاً على الكبير ومتسامحاً مع الضعيف.. فتلك مراحل من العمر سوف تدركها..
 
*أنصِفْ أذنيك من فيك فإنما جعل لك أذنان ولسان واحد لتسمع أكثر مما تتكلم..
 
*اصنع المعروف .. فصانعه لا يقع .. وإذا وقع لا ينكسر..
 
*عوِّد لسانك على ستر العيوب وعدم الخوض مع الخائضين.
 
 *إذا افتخر الناس بحسن كلامهم فافتخر أنت بحسن صمتك.
 
 *لا تُمارِ حكيماً ولا سفيهاً ، فإن الحكيم يغلبك والسفيه يؤذيك.
 
*عليك بالعفو، فإن عفو المقتدر من أحسن المكارم.
 
 *من تمام المروءة أن تنسى الحق لك، وتذكر الحق عليك، وتستكبر الإساءة منك، وتستصغرها من غيرك.
 
 *من عرف شأنه ،وحفِظ لسانه، وأعرض عما لا يعنيه، دامت سلامته وقلت ندامته.
 
 *كن كثير الصمت تصحبْك السلامة .. وأكثِرْ من البِر تكسبْ الكرامة ..
 
 *الحق مُرٌّ .. فلا تزده مرارة بالغِلظة والفَظاظة وسُوءِ الخُلُق ..
 
 *مَن رضِي بقضاء الله لم يسخطه أحد ، ومن قنع بعطاء الله لم يدخله حسد ..
 
 *من لم يكن له من دينه وضميره واعظ ٌ، فبِمَ تنفعه المواعظ ...
 
          *الثقة بالله أزكى أمل، والتوكل على الله أوفى عمَل.
 
*وا عجباً لمن يدّعي المحبة، ويحتاج إلى من يذكّره بمحبوبه..
 
*كم جاء الثواب يسعى إليك فوقف بالباب فردَّهُ بواب: سوف.. ولعلَّ.. وعسى..
 
*يقول ابن مسعود رضي الله عنه.. إنْ كنتم –لابد- مقتدين فاقتدوا بالميت، فإنَّ الحيَّ لا تؤمن عليه الفتنة..
 
*ما على وجهِ الأرضِ شيءٌ أحوج إلى طول سجن من اللسان..
 
       *اشكر الله على ما رزقك.. ولا تعذب نفسك بالنظر إلى ما أعطاه لغيرك.
 
*كن رحيماً بالصغير وعطوفاً على الكبير.. متسامحاً مع الضعيف.. فتلك مراحل من العمر سوف تدركها..
 
 *أنصف أذنيك من فيك فإنما جعل لك أذنان ولسان واحد لتسمع أكثر مما تتكلم..
 
*اصنع المعروف .. فصانعه لا يقع .. وإذا وقع لا ينكسر..
 
 
 

17 - مارس - 2008
كناشة الفوائد و النكت
نقَم من ، ينقِم.    كن أول من يقيّم

                         نَقَمَ مِن ، يَنقِمُ : هذا هو كلام الله :
 
-         " وما نقَموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد" ( البروج85/8).
-         " قل ياأهل الكتاب هل تَنقِمون منا إلا أن آمنّا بالله " (المائدة 5/59).
 
     وفي معجم لسان العرب :
البحث عن جذر نقم في لسان العرب
 
النَّقِمةُ والنَّقْمةُ: المكافأَة بالعقوبة، والجمع نَقِمٌ ونِقَمٌ، فنَقِمٌ لنَقِمة، ونِقَمٌ لنِقْمةٍ، وأَما ابن جني فقال: نَقِمة ونِقَمٌ، قال: وكان القياس أن يقولوا في جمعِ نَقِمة نَقِم على جمع كَلِمة وكَلِمٍ فعدلوا عنه إلى أَن فتحوا المكسورَ وكسروا المفتوح. قال ابن سيده: وقد علمنا أَن من شرط الجمع بِخَلع الهاء أَن لا يُغَيَّر من صيغة الحروف شيء ولا يُزاد على طرح الهاء نحو تَمْرة وتَمْر، وقد بيَّنَّا ذلك جميعه فيما حكاه هو من مَعِدةٍ ومِعَدٍ. الليث: يقال لم أَرْض منه حتى نَقِمْت وانتَقَمْت إذا كافأَه عقوبةً بما صنَع. ابن الأَعرابي: النِّقْمةُ العقوبة، والنِّقْمةُ الإنكار. وقوله تعالى: هل تَنْقِمون مِنّا؛ أَي هل تُنْكِرون. قال الأَزهري: يقال النَّقْمةُ والنِّقْمةُ العقوبة؛ ومنه قول عليّ بن أَبي طالب، كرم الله وجهه:
ما تَنْقِمُ الحَرْبُ العَوانُ مِنِّي،
 
بازِل عامَيْنِ فَتِيّ سِـنِّـي
وفي الحديث: أنه ما انتَقَم لنفسِه قَطّ إلا أن تُنتَهَكَ مَحارِمُ الله أَي ما عاقبَ أَحداً على مكروهٍ أتاه من قِبَله، وقد تكرر في الحديث.
الجوهري: نَقَمْتُ على الرجل أَنقِمُ، بالكسر، فأَنا ناقِمٌ إذا عَتَبْت عليه. يقال: ما نَقِمْتُ منه إلا الإحسانَ. قال الكسائي: ونَقِمْت، بالكسر، لغة. ونَقِم من فلانٍ الإحسانَ إذا جعله مما يُؤَدِّيه إلى كُفر النعمة.
وفي حديث الزكاة: ما يَنْقَمُ ابنُ جَميلٍ إلا أَنه كان فَقيراً فأَغناه الله أَي ما يَنْقَمُ شيئاً من مَنْع الزكاة إلا أن يَكفر النِّعْمة فكأَنَّ غناه أَدَّاه إلى كُفْرِ نِعْمةِ الله. ونَقَمْتُ الأَمرَ ونَقِمْتُه إذا كَرهته. وانْتَقَمَ اللهُ منه أي عاقَبَه، والاسم منه النَّقْمةُ، والجمع نَقِمات ونَقِمٌ مثل كَلِمةٍ وكلِمات وكَلِمٍ، وإن شئتَ سكّنت القاف ونقلت حركتَها إلى النون فقلت نِقْمة، والجمع نِقَمٌ مثل نِعْمة ونِعَم؛ وقد نَقَمَ منه يَنْقِمُ ونَقِمَ نَقَماً. وانْتَقَمَ ونَقِمَ الشيءَ ونَقَمَه: أَنكره. وفي التنزيل العزيز:" وما نَقَموا منهم إلا أَن يُؤْمِنوا بالله"؛ قال: ومعنى نَقَمْت بالَغْت في كراهة الشيء؛ وأَنشد ابن قيس الرُّقيّات:
ما نَقِمَوُا من بَني أُمَيَّةَ إلا
 
أَنهم يَحْلُمون، إنْ غَضِبوا
يُروى بالفتح والكسر: نَقَمُوا ونَقِمُوا. قال ابن بري: يقال نَقَمْتُ نَقْماً ونُقوماً ونَقِمةً ونِقْمةً، ونَقِمْتُ: بالَغْتُ في كراهة الشيء.
وفي أَسماء الله عز وجل: المُنْتَقِم، هو البالغ في العقوبة لمنْ شاءَ، وهو مُفْتَعِل مِنْ نَقَمَ يَنْقِم إذا بَلَغَتْ به الكراهةُ حدَّ السَّخَطِ. وضرَبه ضَرْبة نَقَمٍ إذا ضرَبه عَدُوٌّ له. وفي التنزيل العزيز:" قل يا أَهلَ الكتاب هل تَنْقِمون منّا إلاَّ أَن آمَنّا بالله"؛ قال أَبو إسحاق: يقال نَقَمْتُ على الرجل أُنْقِم ونَقِمْتُ عليه أَنْقَم، قال: والأَجوَدُ نَقَمْتُ أَنْقِم، وهو الأَكثر في القراءة. ويقال: نَقِمَ فلانٌ وَتْرَه أي انْتَقَم. قال أَبو سعيد: معنى قول القائل في المثل: مَثَلي مَثَلُ الأَرْقَم، إن يُقْتَلْ يَنْقَمْ، وإن يُتْرَك يَلْقَمْ؛ قوله إن يُقْتَلْ يَنْقَمْ أي يُثْأَر به، قال: والأَرْقَمُ الذي يُشْبه الجانّ، والناسُ يَتَّقونَ قَتْلَه لشَبهه بالجانّ، والأَرْقَم مع ذلك من أَضعف الحيّات وأَقلِّها عَضّاً. قال ابن الأثير: وفي حديث عمر، رضي الله عنه: فهو كالأَرْقَمِ إن يُقْتَلْ يَنْقَمْ أي إن قتَلَه كان له من يَنْتَقِمُ منه، قال: والأَرْقَمُ الحيّة، كانوا في الجاهلية يزعمون أن الجِنَّ تَطْلُبُ بثأْرِ الجانَّ، وهي الحيّة الدقيقة، فربما مات قاتِلُه، وربما أَصابه خَبَلٌ. وإنه لمَيْمُونُ النَّقيمةِ إذا كان والناقمُ: ضَرْبٌ من تمرِ عُمانَ، وفي التهذيب: وناقِمٌ تمرٌ بعُمانَ.
والناقميّةُ: هي رَقاشِ بنتُ عامرٍ. وبنوا الناقِميّةِ: بَطْنٌ من عبد القيس؛ قال أَبو عبيد: أَنشدنا الفراء عن المُفَضَّل لسعد بن زيد مَناةَ:
أَجَدَّ فِراقُ النـاقِـمـيّةِ غُـدْوةً،
 
أم البَيْنُ يَحْلَوْ لي لِمَنْ هو مُولَعُ?
لقد كنتُ أَهْوَى الناقِميَّةِ حِـقْـبةً،
 
فقد جَعَلَتْ آسانُ بَيْنٍ تَـقَـطَّـعُ
التهذيب: وناقِم حَيٌّ من اليمن؛ قال
يَقودُ بأَرسانِ الجِيادِ سَراتُنـا،
 
لِيَنْقِمنَ وتراً أَو ليدفَعْنَ مَدفَعا
وناقمٌ: لقبُ عامر بن سعد بن عديّ بن جَدَّانَ بنِ حَدِيلَةَ. ونَقَمَى: اسمُ موضع.
 

18 - مارس - 2008
كناشة الفوائد و النكت
صحاح الجوهري 1    كن أول من يقيّم

وعليكم السلام يا أخي إسماعيل . أجل، أنت تريد أن تقول : أريد شرحاً أو تقريراً موجزاً عن معجم ( الصحاح ) للجوهري . أليس كذلك ؟ قل : بلى ....!!!
 أنت ذو حظ ، فهذا بحث شائق لأستاذي العالم الحموي : أبي محمد ، محمود فاخوري ، حفظه الله ، وجزاه الله عن تلاميذه خيراً . آمين .
 بين الصحاح والقاموس المحيط ـــ محمود فاخوري
 
يعدّ معجم "الصّحاح" رائد طريقة خاصة في ترتيب المعاجم اللغوية، يمكن أن نسلك في نظامها معاجم أخرى ظهرت فيما بعد، كلسان العرب لابن منظور، ومختار الصحاح لمحمد الرازي، والقاموس المحيط للفيروزابادي، وتاج العروس للزَّبيدي. وقد رتّبت الموادّ في هذه المعاجم جميعاً ترتيباً هجائياً على أواخر الأصول المجرّدة أبواباً وفصولاً.
وصاحب "الصحاح" هو أبو نصر الجوهري، إسماعيل بن حماد، الذي توفي في أواخر القرن الرابع للهجرة، وكان من أئمة اللغة والنحو المشهورين، وأحد أعاجيب الزمان ذكاءً وفطنةً وعلماً. تتلمذ في العراق لأبي علي الفارسي، وأبي سعيد السيرافي، وسافر إلى الحجاز، فطاف بالبادية وشافه الأعراب، ورحل في طلب العلم، ثم استقرّ في نيسابور من بلاد خراسان، وعكف فيها على التدريس والتأليف حتى وفاته. وقد اشتهر بخطه البديع. الذي يذكر عادةً مع خط ابن مقلة، ويضرب به المثل.
وأشهر كتب الجوهري: "الصحاح"(1) واسمه الكامل هو "تاج اللغة وصحاح العربية" وسمّاه كذلك لأنه أودعه ما صحّ عنده من اللغة. وتعني الصحة لديه:التزام الصواب في النقل، وتحرّي الضبط في التدوين.
ولم يكن "الصحاح" أول معجم عرفته العربية؛ بل سبقته عدة معاجم: كالعين للخليل بن أحمد الفراهيدي (175هـ)، وجمهرة اللغة لابن دريد (-321هـ)، والبارع لأبي علي القالي (-356هـ)، وتهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري (-370هـ) ومقاييس اللغة، والمجمل، وكلاهما لابن فارس(395).
وهذه المعاجم كلها تختلف في طريقة ترتيب الموادّ عن الصحاح، كما تختلف فيما بينها أيضاً. ولسنا هنا بسبيل الحديث عنها. ولكن الذي يهمنا ذكره في هذا المقام أن الصحاح أول معجم يصل إلينا على طريقته التي اختارها الجوهري في بنائها الكامل ومنهجها المتميّز، وقد قال في مقدمة صحاحه: "أودعت هذا الكتاب ما صحّ عندي من هذه اللغة... على ترتيبٍ لم أسبق إليه، وتهذيب لم أُغلب عليه". وتقوم هذه الطريقة على الأسس التالية:
1- رتّبت المواد ترتيباً هجائياً بحسب الحرف الأخير من الأصل المجرد. وعلى هذا نجد "جلس" في باب السين، و "سمع" في باب العين.. ولكن الجوهري جمع بين الواو والياء في باب واحد، فأصبح عدد الأبواب 27 باباً، بدءاً من أول الحروف الهجائية إلى نهايتها.
2- ثم إنه قسم كل باب إلى 28 فصلاً، بعدد حروف الهجاء، مراعياً فيها ترتيب الموادّ بحسب الحرف الأول وما يليه ضمن كل باب، لتسهيل العثور على الكلمة. فـ "جلس" في فصل الجيم من باب السين، و"سمع" في فصل السين من باب العين... ونجد كلاً من "شجر" و "شبر" في (باب الراء- فصل الشين) ولكن "شبر" تذكر قبل "شجر" لتقدّم الباء على الجيم في الترتيب الهجائي. إلا أن الجوهري -في كل باب- يقدم فصل الواو على فصل الهاء.
3- وألحق الجوهري بمعجمه باباً سماه "باب الألف الليّنة" ضمّنه الكلام على الأدوات التي تنتهي بألفٍ غالباً، والتي لا يعرف أصلها، مثل: (إذا، إلاّ، ألا، إلى، أنّى، إيا، ذا، متى، هنا، كذا، كلاّ...) ومثل: (ذو، ذوات، إذْ، إذن، لات...).
 
 
 
 
 
 
 

19 - مارس - 2008
اريد تقرير او نبذه عن كتاب الصحاح للجوهري
صحاح الجوهري2    كن أول من يقيّم

وقد صنّف الجوهري صحاحه للأستاذ أبي منصور البِيشكي(2)، وحظي هذا المعجم بثناء العلماء واللغويين، وتفضيلهم إياه على غيره، فقال الثعالبي: "وله كتاب الصحاح في اللغة، وهو أحسن من الجمهرة، وأوقع من تهذيب اللغة، وأقرب متناولاً من مجمل اللغة".
وقال الخطيب التبريزي: "وكتاب الصحاح هذا حسن الترتيب، سهل المطلب لِما يُراد منه، وقد أتى بأشياء حسنة، وتفاسير مشكلات من اللغة.."(3)كما أشاد به ياقوت الحموي قائلاً: "وهذا الكتاب هو الذي بأيدي الناس اليوم، وعليه اعتمادهم. أحسن [الجوهريّ] تصنيفه، وجوّد تأليفه، وقرّب متناوله، وآثر من ترتيبه على من تقدّمه، يدل وضعه على قريحةٍ سالمة، ونفسٍ عالمة..."(4). وأقرّ بشيء من ذلك منافسه الفيروزابادي فقال في مقدمة القاموس المحيط: "رأيت إقبال الناس على صحاح الجوهري، وهو جديرٌ بذلك".
على أن هؤلاء المصنّفين وغيرهم ذكروا أن المحققّين من العلماء تعقّبوا الجوهري وأخذوا عليه تصحيف عدة مواضع في كتابه، غلط فيها وأخطأ المرمى. وعللّوا ذلك بأن الجوهري لما انتهى من تصنيفه سُمع عليه إلى باب الضاد المعجمة، ثم اعترته وسوسة فألقى بنفسه من سطحٍ فمات، وبقي سائر الكتاب مسودةً غير منقّح ولا مبيّض، فبيّضه بعد موته تلميذه أبو إسحق، إبراهيم بن صالح الوراق(5) -من مذكوري الأدباء في نيسابور- فغلط فيه في عدّة مواضع غلطاً فاحشاً(6). وكان الفيروزابادي بعد ذلك أشدّ العلماء تحاملاً على الجوهري وصحاحه.
وهذا لا يضير "الصحاح" كثيراً، وقد اعتذر عنه الخطيب فقال: "ولا تخلو هذه الكتب الكبار من سهوٍ يقع فيها أو غلطٍ.. غير أن القليل من الغلط الذي يقع في الكتب إلى جنب الكثير الذي اجتهدوا فيه، وأتعبوا نفوسهم في تصحيحه وتنقيحه، معفوٌّ عنه"(7). كما أحسن ياقوت في مثل ذلك وهو يقول: "ومن ما ساء قطّ، ومن له الحسنى فقط؟ فإنه -رحمه الله- غلط وأصاب، وأخطأ المرمى وأصاب، كسائر العلماء الذين تقدّموه وتأخّروا عنه فإنّي لا أعلم كتاباً سُلّم إلى مؤلّفه فيه، ولم يتبعه بالتتبع من يليه".
لقد استمد الجوهري مادة كتابه من السماع، والرواية عن العلماء، ومن مشافهة العرب في البوادي، وممّا أُلّف قبله من المعاجم: كالعين، والجمهرة وما إليهما، وأكثر من شواهد القرآن والحديث والشعر، حتى بلغ عدد موادّه -كما قالوا- أربعين ألف مادّة، مرتبةً ترتيباً سهل المأخذ، خالياً من التعقيد والاضطراب، وقد التزم فيه -كما رأينا- طريقة التقفية، لأن الكلمات تتعاقب في كل باب تعاقب القوافي في القصيدة. وهذا كله يشهد للجوهري بالعبقرية الفذّة، إذ كان عمله مزيجاً من الفكر والعقل والقلب، وما زال حتى أقام بناءً كاملاً بل صرحاً ممرّداً ارتضاه الناس من بعده، وتفيّأ اللغويّون ظلاله جيلاً بعد جيل، وإن كان لا يخلو من بعض العثرات والأوهام، لأسبابٍ أشرنا إلى بعضٍ منها، وفي مكنة القارئ تقرّي بعضها الآخر

19 - مارس - 2008
اريد تقرير او نبذه عن كتاب الصحاح للجوهري
صحاح الجوهري3    كن أول من يقيّم

وهكذا سارت طريقة الجوهري من بعده، وارتضى اللغويون ترتيب "الصحاح"(8)، فجاء ابن منظور المصري (-711هـ) بعد ثلاثة قرون وألف معجم "لسان العرب" الذي يعدّ من أضخم المعاجم العربية وأغزرها مادة، إذ بلغ عدد موادّه ثمانين ألف مادة، مع شواهد كثيرة، وأخبار، وأشعار، جعلته موسوعة مختلفة الألوان، وحظي على مدى الأيام بتقدير العلماء وثقتهم، وإن كان لا يخلو أيضاً من بعض المآخذ. وقد جمع فيه ابن منظور بين خمسة معاجم صنّفت قبله، وهي: التهذيب للأزهري (-370هـ)، والصحاح للجوهري (-396هـ) والمحكم لابن سيده الأندلسي (-458هـ) وحواشي ابن بري على الصحاح (-576هـ)، والنهاية لابن الأثير (-609هـ). ولم يكن "جمهرة اللغة" لابن دريد من أركان "لسان العرب" خلافاً لما يظنّه بعض الباحثين.
وقد التزم ابن منظور طريقة "الصحاح" ومنهجه التزاماً كاملاً، وصرّح بذلك في المقدمة قائلاً: "ورتّبته ترتيب الصحاح في الأبواب والفصول".
ونتجاوز لسان العرب إلى معجمٍ آخر نخصه بالشقّ الثاني من هذا البحث وهو "القاموس المحيط".وصاحبه هو مجد الدين، محمد بن يعقوب الفيروزابادي (817هـ)(9)، وكان في أول أمره قد شرع في تأليف معجم سماه "اللامع المُعْلَم العجاب، الجامع بين المحكم والعباب"(10)، وقدّر له نحو ستّين جزءاً، ولكنه عدل عنّه بعد ذلك إلى اختصاره في كتابٍ آخر "محذوف الشواهد، مطروح الزوائد، مُعْرباً عن الفُصَح والشوارد" وسماه "القاموس المحيط" لأنه البحر الأعظم. ورتّبه على طريقة الصحاح واللسان، وأوضح ذلك بنفسه قائلاً:
إذا رمت في القاموس كشفاً للفظةٍ  ** فآخرها للباب، والبدءُ للفصل
ولا تعتبر في بدئها وأخيرها   ** مزيداً؛ ولكنّ اعتبارك للأصل(11)
وقد أدمج الواو والياء أيضاً في بابٍ واحد، كما ألحق به "باب الألف اللينة"، وذكروا أن عدد مواده ستون ألف مادّة.
أما مصادره فلم يصرّح في المقدمة إلا باثنين منها، كان عليهما جلّ اعتماده، وهما "المحكم" لابن سيده، و"العباب" للصغاني، وأنه أضاف إليهما زياداتٍ منّ الله بها عليه عند غوصه عليها من بطون الكتب. ولا نشكّ في أنه رجع إلى التهذيب والصحاح والنهاية والمُغْرب للمطرّزي، وأساس البلاغة للزمخشري، ولسان العرب وغيرها. وقد جاء ذكر بعضها خلال كتابه. بل إنني قابلت بين عددٍ من الموادّ المشتركة بين القاموس المحيط واللسان فوجدت الفيروزابادي يسير على خطا اللسان في سرد كلمات كل مادّة، ويمشي معه، سالكاً طريق الاختصار والإيجاز، وحذف الشواهد والنصوص.
وأبرز ما يمتاز به القاموس المحيط: كثافة مادّته، وإيجاز عبارته التي تصل أحياناً إلى حدّ الغموض أو اللّبس، مع حرصٍ على الشمول والاستيعاب، واعتماد رموز واصطلاحاتٍ خاصة رغبةً في الاختصار، ودفعاً للتكرار. وقد ذكرها في مقدمة كتابه وأشار إلى بعضها أحد الشعراء بقوله:
وما فيه من رمز فخمسة أحرف ** فميمٌ لمعروف، وعَيْنٌ لموضعِ
وجيمٌ لجمعٍ، ثم هاءٌ لقريةٍ، ** وللبلدِ: الدالُ التي أُهملت، فَعِ(12).

19 - مارس - 2008
اريد تقرير او نبذه عن كتاب الصحاح للجوهري
صحاح الجوهري4    كن أول من يقيّم

ومن خصائص القاموس المحيط أيضاً أنه يضبط الكلمات بألفاظ شائعة معروفة، ولا يكتفي في ذلك بالشكل والحركات، ويعنى بضبط أعلام الأشخاص والأمكنة في نهاية كل مادة غالباً، كما يهتم بإيراد المولّد والأعجمي من الألفاظ وبيان أصله، ويميّز بين واوي اللام ويائيّها في الباب الأخير... مثل: و(غزا)- ي(رمى)- و(محاه)- ي(محاه)...
وهذا الكتاب -على جلالة قدره- لا يخلو من المآخذ أيضاً، من ذلك: اقتصاره على متن اللغة، دون شروح وافية، ولا شواهد كافية، حتى إن عبارته لا تخلو أحياناً من الاضطراب الذي يدعو إلى تقليب وجوه التأمل والنظر فيها قبل الوصول إلى المراد.
هذا إلى اضطراب آخر في ترتيب ألفاظ كل مادةٍ فيما بينها -وهو عيب تشترك فيه كل المعاجم القديمة- لذلك كله كانت القراءة في القاموس المحيط تحتاج إلى المرانة، وإلى مزيدٍ من الأناة والتدبر.
على أن من يقرأ مقدمة "القاموس" فلا بدّ أن يلفت نظره اعتداد الفيروزابادي بنفسه، وإدلاله بسعة إحاطته اللغوية: "إني قد نبغت في هذا الفن قديماً، وصبغتُ به أديماً، ولم أزل في خدمته مستديماً". حتى إنه لم يستطع أن يخفي تحامله على الجوهري، والغمز من قناته، فقال في مقدمة كتابه، مزهواً بتأليفه:
"ولما رأيت إقبال الناس على صحاح الجوهري -وهو جديرٌ بذلك، غير أنه فاته نصف اللغة أو أكثر؛ إما بإهمال المادة، أو بترك المعاني الغريبة النادّة- أردت أن يظهر للناظر باديَ بدءٍ فضلُ كتابي هذا عليه، فكتبت بالحمرة المادة المهملة لديه، وفي سائر التراكيب تتّضح المزيّة بالتوجّه إليه".
وكأنه أحسّ بما يحمله كلامه هذا من سمة الإعجاب بالنفس، فأراد أن يخفّف من غلوائه، وأكمل عبارته بقوله:
"ولم أذكر ذلك إشاعة للمفاخر، بل إذاعةً لقول الشاعر: (كم ترَك الأول للآخر)... ثم إني نبّهت فيه على أشياء ركب فيها الجوهريّ رحمه الله خلاف الصواب، غير طاعنٍ فيه، ولا قاصدٍ بذلك تنديداً له وإزراءً عليه، وغضّاً منه؛ بل استيضاحاً للصواب واسترباحاً للثواب، وتحرّزاً وحذاراً من أن يُنمى إليّ التصحيف، أو يُعزى إليّ الغلط والتحريف".
ثم هو بعد ذلك يعيب معظم الكتب اللغوية قبله بما فيه "من الأوهام الواضحة، والأغلاط الفاضحة" ويصرّح بأنه اختصّ كتاب الجوهري من بينها "لتداوله واشتهاره بخصوصه، واعتماد المدرّسين على نقوله ونصوصه".

19 - مارس - 2008
اريد تقرير او نبذه عن كتاب الصحاح للجوهري
 63  64  65  66  67