البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات ضياء العلي

 63  64  65  66  67 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
وضع المخطط    كن أول من يقيّم

بالاستناد إلى ما تقدم ، وبعد تمكننا من قراءة النص بشكل معمق وتحديد هدفه ، نعمد إلى استخلاص الخطوط الأساسية العامة التي يتطور من خلالها ونجمعها في محورين أو ثلاثة على الأكثر نضع لكل واحد منها عنواناً عريضاً . من الأفضل هنا كتابة ثلاثة عناوين على ثلاث ورقات منفصلة .
 
نقوم بعد ذلك بتوسيع نقاط البحث بشكل منفصل وبوضع الملاحظات الخاصة بكل محور على الورقة المخصصة له ، وبالبحث عن الأدلة المنطقة واللفظية التي استخدمها الكاتب في هذا السياق واستخراج الصور وما استخدمه من أدوات التعبير البلاغية مع إدراج الأمثلة المستخرجة من النص .
 
من المفيد فيما بعد تبويب هذه الملاحظات وترتيبها بحسب أهميتها .
 
يجب أن نراعي في استنتاجاتنا أن يكون المخطط منطقياً ومترابطاً وأن يتطور في وجهة محددة لكي يتمكن من خدمة الهدف العام .

27 - أبريل - 2008
كيف ندرس نصاً أدبياً ؟
كتابة الدراسة     كن أول من يقيّم

المقدمة :
 
نعرض فيها للنص بشكل عام كأننا نصفه وصفاً سريعاً ودون أن نفترض بأننا نتوجه إلى قارىء يعرف النص . نعرف بالكاتب والكتاب ونضع زمن الكتابة في إطاره التاريخي والثقافي كالتعريف بالاتجاه الأدبي أو الفكري الذي ينتمي إليه الكاتب . ثم نشير إلى الفكرة الأساسية التي سنتناولها بالدراسة والتي تشكل بنظرنا روح النص ، ونحدد انطلاقاً منها نوعه الأدبي ، ونعرض بشكل سريع ، إنما صريح وواضح ، للنقاط الرئيسية أو المحاور التي سوف نتوسع بشرحها .
 
جسم الموضوع :
 
وغايته أن نبين علاقة النص بالنوع الأدبي وكيفية بنائه : وهنا سأترك الباب مفتوحاً لتدخل الأساتذة وأرجو أن لا يبخلوا علينا بالإضافات .
 
نتناول بالدراسة ، وكما أشرنا سابقاً ، كل فقرة على حدة ، فنشرح الفكرة ونوضح كيف تم التعبير عنها ، ومن هنا تأخذ دراسة الأسلوب أهميتها القصوى في الدراسات الأدبية ،لأن الأسلوب الأدبي الذي اختاره الكاتب ليس عبثياً ولا هو محض الصدفة ، بل هو الطريقة المثلى التي يمتلكها وتمكنه من التعبير عن أفكاره ووصف حالته الوجدانية . وبقدر ما يكون الكاتب متمكناً من تقنيات اللغة والكتابة ، بقدر ما يكون لنصه من الوقع ، والهيبة والتأثير في نفس القارىء . لا يكفي إذن لدارس النصوص الأدبية فهم المضمون وتعقب الأفكار ، بل لا بد له من امتلاك هذه التقنية والقدرة على استخراجها من النص .
 
بعد أن نعرض للأفكار ونورد الأمثلة عليها ، يمكننا إضافة بعض المقارنات أحياناً من نصوص أخرى من شأنها أن تغني الدراسة وترفدها بمعلومات مهمة .
 
نراعي أثناء عملية الكتابة أن نعود إلى السطر بعد الانتهاء من كل فقرة ، ونراعي أن يكون التسلسل منطقياً بين الفقرات وأن نمهد في كل مرة للفقرة القادمة ، أو أن نسترجع بالذكر بعض الأفكار التي وردت سابقاً للحفاظ على ترابط ووحدة الموضوع .
 
الخلاصة :
 
نعرض فيها بإيجاز وعمومية للأفكار التي وردت في محاولة للإجابة عن سؤال المقدمة .
 
نجري نوع من التقييم للنص يتعلق بمستواه الأدبي وقدرة الكاتب التعبيرية والفنية ومستوى تأثيره في ذهن ونفس المتلقي .
 
نحاول استنتاج خلاصة عامة تكون مفتوحة على أسئلة أخرى مشابهة ، أو أعم وأشمل ، ولا مانع من إنهاء الموضوع بعبارة أو مقولة شهيرة للكاتب نفسه ، أو من موضوع مشابه نختم بها دراستنا .
 
 
 

27 - أبريل - 2008
كيف ندرس نصاً أدبياً ؟
كل السلام    كن أول من يقيّم

 
ومني للأستاذ زياد عبد الدائم كل السلام والتحية والتمنيات له بالتوفيق في دراسته ومسعاه ، وكل الشكر له لما يشيعه وجوده في كل مرة ، وما تشيعه كلماته العذبة ، من الألفة والارتياح .
 
والسلام أيضاً للأستاذ جميل لحام الذي يسعدنا وجوده دائماً عندما نحظى به في مناسبات نادرة كهذه : فريق الأصدقاء الذين ذكرهم الأستاذ زهير في الديوان يشبهون فريق كرة القدم ، فلكل واحد موقعه ودوره ، إنما يظل هو قائد الفريق والأوركسترا والفنان الذي أبدع هذه المباراة .
 
وكل التحية للأستاذ عبد الحفيظ وأنا أشكره من كل قلبي على هذه اللوحات الجميلة التي يزين بها ملفاتنا . التحية أيضاً للغاليين ندى وزكرياء .
 
يبدو أن الخطوط عادت وانقطعت من جديد عند أستاذنا بنلفقيه ؟ هكذا أظن ! يا للأسف !
 

29 - أبريل - 2008
مقالات طريفة ولاذعة
عصر الديناصورات    كن أول من يقيّم

أنا والتكنولوجيا يا أستاذ زين الدين ، حكاية قديمة ، فأنا لا أريد أن أتعلم منها إلا ما يخدمني في وقتي الراهن ، وكل ما أتعلمه عدا ذلك أنساه . أجد نفسي محاطة بكمية كبيرة من الآلات والأدوات التي لا أحسن استخدام أغلبها : حتى لوحة التحكم بالتلفزيون لا أعرف منها سوى الأزرار التي نغير بها من محطة إلى أخرى . أشعر أحياناً بأنني من عصر الديناصورات وأنني وصلت إلى هنا لا أدري كيف ! المعارف التي يتوجب علي إتقانها كثيرة جداً وهي متحركة ومتغيرة باستمرار . لاحظ جهاز الهاتف الخليوي وحده كم من التعديلات قد طرأ على استعمالاته منذ ظهوره وحتى اليوم ورغم أنه حديث جداً . كل هذا يتجاوزني ليس فقط لأنني لم أكن مهيأة ذهنياً لاستيعاب هذه التطورات ، ولكن لأن إيقاع التغيير المتواصل هو أسرع بكثير من قدرتي على اللحاق به . نحن تربينا على الميجانا والعتابا والمواويل واللحن البطيء ، ومدينتي التي ولدت فيها كانت تشبه قرية كبيرة وكان إيقاع الحياة فيها بطيء جداً ، ولا بد أن أحكي لكم يوماً عن بعض التفاصيل المضحكة التي صادفتني في بداياتي عندما أتيت إلى هنا .
 
أما مسألة النقد الأدبي فسأفرد لها تعليقاً آخراً . فإلى اللقاء
 

29 - أبريل - 2008
كيف ندرس نصاً أدبياً ؟
حول مسألة النقد    كن أول من يقيّم

 
هذه الطريقة التي قمت بعرضها هي مطلوبة في امتحانات المرحلة الثانوية في فرنسا تسمى : الشرح المركب ، commentaire composé .
 
نفتقر عموماً إلى عدم وجود مؤسسات نقدية فاعلة . أقصد بالمؤسسات هنا المجلات والدوريات المختصة بدراسة الأدب ، والجرائد الكبيرة التي من مهمتها أن تفرد صفحات للنقد تتناول الإصدارات الحديثة من أدب وفكر وغيرها . هي ليست معدومة غير أنها لا تقوم بواجباتها بالشكل المطلوب منها لأنها محكومة بالولاء للجهة التي تمولها ، سواء كانت تلك الجهة دولة أو مؤسسة أو حزباً سياسياً . وليس هذا هو السبب الوحيد ، فضعف المستوى التعليمي ، وانتشار الأمية ، وغلاء المعيشة ، وانتشار وسائل الإعلام المرئي ، كلها أسباب تساهم في نكبة الأدب والنقد الأدبي هذا الكلام فيه بعض التعميم ونستطيع رغم كل هذا أن نجد بعض الأقلام الجادة والغير منحازة يحضرني من هذه الأسماء في هذه الساعة كتابات إبراهيم العريس الذي ينشر حالياً في جريدة الحياة . غير أن ما نقرؤه من الدراسات التي تطالعنا هنا وهناك له بالإجمال صفة دعائية أكثر منه دراسة نقدية .
 
أما البرامج التعليمية ، فهي نكبة ، أو ربما تكون من آثار النكبة التي نعرفها ، ولا داعيَ لمناقشتها . ولقد انهارت أسطورة التعليم المجاني وانهار معها الأمل بالتغيير .
 
مسألة النقد ، أستاذ زين الدين ، هي مسألة شائكة وخيار ليس من السهل تحمل تبعاته ، لأن البشر يعيشون ضمن مجموعات قانونها الضمني هو أن تكون متكاتفة على السراء والضراء ، الخطأ والصواب . وهذا ليس خاصا بنا وحدنا ، بل هو قانون عالمي ، إنما كلما اشتد الشعور بالخطر والضعف ، كلما ازدادت هذه المجموعات انكفاء على نفسها وتقوقعاً . هذه القاعدة لا تطال من يتوجه بالنقد لمن هم خارج المجموعة ، ولا تطال من ينتقد زميلاً له أو فئة أخرى من الناس لا ينتسب إليها اجتماعياً أو طائفياً أو سياسياً ، إنما المشكلة هي في أن تنتقد ضمن المجموعة أو الدائرة التي تعيش فيها .
 
فالناقد الحقيقي هو من يسعى إلى تغيير قوانين اللعبة داخل مجتمعه لذلك غالباً ما يكون مهمشاً في دائرته الاجتماعية الصغيرة والكبيرة ، لأنه يعري ، ولأنه يرفع عنا الغطاء الذي نحتمي به : أن تنتقد يعني تلقائياً بأنك تقذف بنفسك إلى خارج اللعبة . وهو في هذا ليس بريئاً كل البراءة لأن من يسعى إلى التغيير هو من يشعر بأن قوانين اللعبة لم تعد تناسبه ، وأنها لم تعد تلبي حاجاته ، من هنا يسعى إلى تغييرها ، لكنه غالباً ما يدفع الثمن غالياً ، وغالباً ما ينتهي إلى التهميش . انظر إلى مجموعة النقاد الذين اخترت مقالاتهم في ملفي الجديد : " مقالات طريفة ولاذعة " ستجد بأنهم رغم شهرتهم وعبقريتهم هامشيون جداً ولا يمثلون إلا أنفسهم . لكن هذه المحاولات هي الطريقة الوحيدة القادرة على إدخال دينامية وحركة فاعلة داخل المجتمع .
 
 

30 - أبريل - 2008
كيف ندرس نصاً أدبياً ؟
قصيدة جميلة يا أستاذ صبري    كن أول من يقيّم

هذه قصيدة جميلة جداً يا أستاذ صبري . أجمل ما فيها عفويتها وهذا النفس الإنساني العميق الذي تتضمنه ، وهذه المحبة الصافية الدافقة النابعة من القلب نشعرها مع كل كلمة . إنها إرادة الخير والحب المتمثل في هذه الإرادة التي هي جوهر الإيمان وليس الكلام الأجوف ولا المظاهر الخادعة . أردت أن أعبر عن فرحتي بلقاء هذه القصيدة وجمال هذه المعاني ولو على عجل . 

1 - مايو - 2008
قصيدة:ذو النون السوداني
الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل (1)    كن أول من يقيّم

آميل حبيبي :( 1921 - 1996 )
 
سعيد ينتسب
 
إن اسمي، وهو سعيد أبو النحس المتشائل، يطابق رسمي مخلقًا منطقًا وعائلة المتشائل عائلة ‏عريقة نجيبة في بلادنا. يرجع نسبها إلى جارية قبرصية من حلب لم يجد تيمورلنك لرأسها ‏مكانًا في هرم الجماجم المحزوزة، مع أن قاعدته كانت عشرين ألف ذراع وعلوه كان عشر ‏أذرع، فأرسلها مع أحد قواده إلى بغداد لتغتسل فتنتظر عودته. فاستغفلته. (ويقال - وهذا سر ‏عائلي - إن ذلك كان السبب في المذبحة المشهورة). وفرت مع أعرابي من عرب التويسات، ‏اسمه أبجر، الذي قال فيه الشاعر:

يـا أبجر بن أبجر يا iiأنتَ أنت الذي طلقت عام جُعْتَ

فطلقها حين وجدها تخونه مع الرغيف بن أبي عمرة *، من غور الجفتلك، الذي طلقها في بير ‏السبع. وظل جدودنا يطلقون جداتنا حتى حطت بنا الرحال في بسيط من الأرض أفيح متصل ‏بسيف البحر، قيل إنه عكاء، فإلى حيفاء على الشاطئ المقابل من البسيط . وبقينا مطلاقين حتى ‏قامت الدولة . ‏

وبعد النحس الأول، في سنة 1948، تبعثر أولاد عائلتنا أيدي عرب، واستوطنوا جميع بلاد ‏العرب التي لما يجر احتلالها. فلي ذوو قربى يعملون في بلاط آل رابع في ديوان الترجمة من ‏الفارسية وإلىها. وواحد تخصص بإشعال السجائر لعاهل آخر، وكان منا نقيب في سوريا، ‏ومهيب في العراق، وعماد في لبنان. إلاّ ‏أنه مات بالسكتة يوم إفلاس بنك أنترا. وأول عربي عينته حكومة إسرائيل رئيسًا على لجنة ‏تسويق العلت والخبيزة في الجليل الأعلى هو من أبناء عائلتنا، على أن والدته، كما يقال، هي ‏شركسية مطلقة. وما زال، عبثًا، يطالب بالجليل الأدنى. ووالدي، رحمه الله، كانت له أياد ‏على الدولة قبل قيامها. وخدماته هذه يعرفها تفصيلاً صديقه الصدوق ضابط البوليس المتقاعد، ‏الأدون سفسارشك. ‏

ولما استشهد والدي، على قارعة الطريق، وأنقذني الحمار، ركبنا البحر إلى عكا. فلما وجدنا ‏أن لا خطر علينا، وأن الناس لاهون بجلودهم، نجونا بجلودنا إلى لبنان حيث بعناها ‏واسترزقنا.

فلما لم يعد لدينا ما نبيعه، تذكرت ما أوصاني به والدي وهو يلفظ أنفاسه على قارعة الطريق. ‏قال: رح إلى الخواجة سفسارشك، وقل له: والدي، قبل استشهاده، سلم عليك، وقال: دبرني! ‏فدبرني.
 

2 - مايو - 2008
مقالات طريفة ولاذعة
الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل (2)    كن أول من يقيّم

 
آميل حبيبي : (1921 _1996 )
 
كيف شارك سعيد في حرب الاستقلال لأول مرة
 
ولنعد، يا محترم، إلى مقر الحاكم العسكري الذي، ما أن شتم الأدون سفسارشك حتى نزلت عن الحمار. ‏فسرعان ما تبين لي أن الشتم لا يدل على استهانة الشاتم بالمشتوم، بل يدل، أحيانًا، على الغيرة.

فما أن قعدت على المقعد راضيًا عن أن قامتى أطول من قامة الحاكم العسكري، حتى بدون قوائم الدابة، حتى ‏هرع هذا الأخير، أي الحاكم العسكري، إلى التلفون ورطن فيه ببعض كلام لم أفهم منه سوى اسمين ارتبطا بي ‏فيما بعد زمنًا طويلاً: أبي النحس وسفسارشك. ثم ألقاه، وصاح في وجهي أن قم. فقمت.

قال: أنا أبو إسحق، فاتبعني. فتبعته إلى سيارة جيب أوقفوها بقرب العتبة وحماري يتمخط إلى جانبها. قال: ‏لنركب. فاعتلى سيارته واعتليت جحشي. فزعق، فانتفضنا، فوقعت عن ظهر الحمار، فوجدتني بقربه، أي ‏بقرب الحاكم العسكري في السيارة التي توجهت بنا غربًا في طريق ترابي بين أعواد السمسم. قلت: إلى أين? ‏قال: عكا، وانكتم. فانكتمت. ‏

وما أن مرت بضع دقائق حتى أوقف الجيب فجأة، وانطلق منه كالسهم، وقد أشرع مسدسه. ثم اخترق أعواد ‏السمسم وكشفها ببطنه، فإذا بامرأة قروية مقرفصة ووليدها في حجرها وقد رأرأت عيناه.

فصاح: من أية قرية? ‏
فظلت الأم مقرفصة تطل عليه بنظرات شاخصة مع أنه كان واقفًا فوقها كالطود. ‏
فصاح: من البروة? ‏
فلم تجبه بعينيها الشاخصتين. ‏
فصوب مسدسه نحو صدغ الولد، وصاح: أجيبي أو أفرغه فيه. ‏

فانكمشت تأهبًا للانقضاض عليه، وليكن ما يكون. ففي عروقي تجري دماء الشباب الحارة، أنا ابن الرابعة ‏والعشرين، وحتى الصخر لا يطيق هذا المنظر. غير أني تذكرت وصية أبي وبركة والدتي. فقلت في نفسي: سأثور ‏عليه إذا ما أطلق الرصاص. ولكنه يهددها فحسب. فبقيت منكمشًا. ‏

وأما المرأة، فقد أجابته هذه المرة: نعم من البروة. ‏
فصرخ: أعائدة أنت إليها? ‏
فأجابته: نعم عائدة. ‏
فصرخ: ألم أنذركم أن من يعود إليها يقتل? ألا تفهمون النظام? أتحسبونها فوضى? قومي اجري أمامي عائدة ‏إلى أي مكان شرقًا. وإذا رأيتك مرة ثانية على هذا الدرب، فلن أوفرك.

فقامت المرأة، وقبضت على يد ولدها وتوجهت شرقًا دون أن تلتفت وراءها. وسار ولدها معها دون أن يلتفت ‏وراءه. ‏
وهنا لاحظت أولى الظواهر الخارقة التي توالت علي فيما بعد حتى التقيت، أخيرًا، صحبي الفضائيين. فكلما ‏ابتعدت المرأة وولدها عن مكاننا، الحاكم على الأرض وأنا في الجيب، ازدادا طولاً حتى اختلطا بظليهما في ‏الشمس الغاربة، فصارا أطول من سهل عكا. فظل الحاكم واقفًا ينتظر اختفاءهما، وظللت أنا قاعدًا أنكمش، ‏حتى تساءل مذهولاً: متى يغيبان?

إلا أن هذا السؤال لم يكن موجهًا إلىّ. ‏
والبروة هذه هي قرية الشاعر* الذي قال، بعد 15 سنة: ‏
‏((أهنئ الجلاد منتصرًا على عين كحيلة
‏ مرحى لفاتح قرية، مرحى لسفاح الطفولة) )

فهل كان هو الولد? وهل ظل يمشي شرقًا بعد أن فك يده من قبضة أمه وتركها في الظل? ‏
لماذا أروي لك، يا معلم، هذه الحادثة التافهة? ‏

لعدة أسباب منها: ظاهرة نمو الأجسام كلما ابتعدت عن أنظارنا. ‏
ومنها أنها برهان آخر على أن اسم عائلتنا العريقة هو اسم له هيبته في قلوب رجالات الدولة. فلولا هذه الهيبة ‏لأفرغ الحاكم مسدسه في رأسي، وقد شاهدني منكمشًا تأهبًا.

ومنها: أني شعرت، لأول مرة، أنني أكمل رسالة والدي، رحمه الله، وأخدم الدولة، بعد قيامها على الأقل. ‏فلماذا لا أتبحبح مع الحاكم العسكري? ‏
وتبحبحت، فسألته: سيارتك هذه، من أي موديل? ‏
فقال: انكتم. ‏
فانكتمت. ‏

فشاعر البروة، السالف الذكر، قال: ‏
‏(نحن أدرى بالشياطين التي
‏ تجعل من طفل نبيا) ‏
ولم يدر، إلاّ أخيرًا، بأن هذه الشياطين نفسها تجعل من طفل آخر نسيًا منسيًّا.

*محمود درويش‏

2 - مايو - 2008
مقالات طريفة ولاذعة
في مديح الموت (1)    كن أول من يقيّم

في مديح الموت

عبدالعزيز المقالح  

 
على مهلها – في الشوارع -
تمضي الجنائز،
والناسُ تركض خائفةً
منهُ
تخطو على حذرٍ
بيد أني أحبك يا أيها الموت
أعرف أنك قاسٍ
وأن يديك ملطختان
وغارقتان – بلا ندمٍ -
بدماء البراءة
ما زال نصلك يقطر منهمراً
من دماء أخي
بيد أنك أيقظته من سبات الزمان
وأغمضت عينيه
كي لا يرى في الحياة المزيد
من القبح والانكسار،
جميل هو الموت
حين تكون الحياة
أمرَّ من الموت
حين تكون الخطيئةُ تاجاً
وتغدو العدالة عاراً
وحين تدان الفراشات
تسلبها الافتراءاتُ ألوانـهَا
ونقاءَ مناديلها
ويُثَابُ الغراب.
فكم أنت يا قاتلي
مرعبٌ وجميل.
 
********
 
ذهبتُ إلى مصلاّهُ
وكان محاصراً بالموت
لم يدركْ وجودي
كان مشغولاً
يرتّل من كتاب الله آياتٍ
على سجادةٍ للموت
قلت له: أتسبقني
وتتركني وحيد الظل
للأحزان تذبحني
وللأحداث تنهشني؟
وكنا في طفولتنا وفجر شبابنا
أخويَن منذورين للأحلام
يأخذنا هوى الأنشودة الكبرى
ننادي الشام واليمنا
«بلاد العرب أوطاني»
وصرنا في كهولتنا نناديها
بلاد العرب (أحزاني)؟!
فلا دينٌ يوحّدنا
ولا لغة تقربنا
كأن الموت غايةُ أمةٍ
كانتْ حديثَ الأرض
كانت راية للشمس
أين أخي
وأين الشمس والأمّة؟!
 
*********
حين شاهدته وهو يذبل
يعتصر الموت قامتَهُ
وأصابعَهُ،
تتدحرج عيناه
في رحلةٍ للممات
تذكرت أيام كان له نايُهُ الخشبيُّ
وآخرُ من قصبٍ
وبكيتُ عليّ
بحثت عن الشمس
كانت إلى قبل ثانيةٍ
تتألق
تضفي على الكائنات بياضاً
وتوسعها ببريقِ نَدَىً
يشبه الماء
هل ذَبُلت مثل (رضوان)
أدركها موتُهُ
فانطوتْ،
هطلت ظلمةً وسواداً.
بكيت عليها
على الشارع المتوثب للحزن
والمتهيِّئِ مثلي
ومثل القصيدة قبل ارتداء السوادْ.
 
************
( تابع )
 

2 - مايو - 2008
أحاديث الوطن والزمن المتحول
في مديح الموت (2)    كن أول من يقيّم

 
عبد العزيز المقالح :(تابع )
 
كأني نائمٌ
وكأنني في نعشهِ
في قبرهِ
وقصيدتي ما بيننا
في دهشةٍ تتأمل الأشياء
تَصْعدُ بينَ غيمٍ فاتحٍ
ومجرّةٍ مغمورةٍ بالصحو ناصعةٍ،
مياهٌ عذبةٌ
مطرٌ يهرول خلفنا
يمشي على مهلٍ
كأن بحيرةً نَبتتْ
هنا في القبر
صار لها من الأزهار
أسوارٌ من الأشجار حُراسٌ
من الأشعار موسيقى
جميلٌ يا أخي هذا الرفيقُ الموت
كيف أعادنا لطفولةٍ
كالبحر صافيةٍ
وأيقظنا وكنا نائمَيْن
ومغمضي العينينْ.
 
**********
ما أقول له وهو مضطجعٌ فوق
سجادةِ الموت؟
حزني عليك كبيرٌ،
كبيرٌ كما الأرض،
لكنه لا حدودَ له
ينتهي عندها مثلما الأرض
أطلقتُ للكلمات العنانَ
لكي لا تقاسمني بعضَ ما يحمل القلب
من حزنهِ،
كي تقول له: حسناً فعل الموت
ماذا تبقّى لنا
في زمان هو الموت
في أمـةٍ تتساقط كالجسد المتهالك
عضواً فعضواً
وحلماً فحلماً
وعاصمةً بعد أخرى
ومن أول البندقية سرنا
إلى آخر الكلمات
ولا جمع يلهمنا
أو شتاتْ!
 
************
أيسبقني
إلى ما تشتهي روحي
إلى ما يشتهي جسدي
يباغتني برحلتهِ ورؤيته
بلاداً لم يكن قد زارها
من قبل كيف اسطاع؟
يعصيني
ويسبقني بلا إذنٍ
ويأبى أن يودعني
وأسأل مرة أخرى
أيسبقني وتعبر روحه
للضفّة الأخرى؟!
وفي بطءٍ أناخ الحزنُ
مدّ ظلالَه السوداء
فوق البيت
فوق الشارع المسكون
بالأوجاع
رمَّد في عيون الخلق
كل قصيدةٍ وحديقةٍ
وامتدّ من جهةٍ إلى جهةٍ..
خواءٌ كل هذي الأرض
ما عادت لنا مأوى
وليس لنا بها ما نشتهي
تَعِبتْ وشاخ جمالُها
وتعبتُ من إقبالِها حيناً
ومن إدبارها حيناً
ولو أسطيع
كنت قفزت مثل أخي
من الدنيا
بقارب خيبتي
للضفّة الأخرى!
 
الحياة في 17 / 04 / 2008

 

2 - مايو - 2008
أحاديث الوطن والزمن المتحول
 63  64  65  66  67