على هامش الشعر الجاهلى (8)     ( من قبل 3 أعضاء ) قيّم
وإن كنتُ قد قرأتُ هذا الكتاب منذ ثلاثين عاماً (مواليد 1960م) , وأقرأ أحياناً دراساتٍ جادة حول هذا الكتاب , وحول صاحبه الذي دفعته النقمة على الجهل الذي أدى إلى فقده لبصره , دفعته إلى رفض المجتمع كاملاً , مع رفضه للحضارة التي أنشأت هذا المجتمع ,, طه حسين المنبهر بالغرب الناقم على الشرق , أراد أن يقوم بدراسة جادة يشكك فيها بوجود تراث أدبي عند العرب , فإذا كان الشعر الجاهلي لا أساس له , ومنتحل في العصر الأموي أو العباسي .. فإن النموذج الأدبي الرفيع الذي تحداه القرآن الكريم هو غير موجود عنده , وبالتالي يُسقط عن القرآن إعجازه ..... 6/5/2007 قلت : أن القرآن أصدق مرآة للحياة الجاهلية . وهذه القضية غريبة حين تسمعها ؛ ولكنها بديهية حين تفكر فيها قليلا . فليس من اليسير أن نفهم الناس قد أعجبوا بالقرآن حين تليت عليهم آياته إلا أن تكون بينهم وبينه صلة هي هذه الصلة التي توجد بين الأثر الفني البديع وبين الذين يعجبون به حين يسمعونه أو ينظرون إليه . وليس من اليسير أن نفهم أن العرب قد قاوموا القرآن وناهضوه وجادلوا النبي فيه إلا أن يكونوا قد فهموه ووقفوا على أسراره ودقائقه . وليس من اليسير بل ليس من الممكن أن نصدق أن القرآن كان جديدا كله على العرب0 فلو كان كذلك لما فهموه ولا وعوه ، ولا آمن به بعضهم ولا ناهضه وجادل فيه بعضهم الآخر . إنما كان القرآن جديدا في أسلوبه ، جديدا فيما يدعو إليه ، جديدا فيما شرع للناس من دين وقانون ، ولكنه كان كتابا عربيا ؛ لغته هي اللغة العربية الأدبية التي كان يصطنعها الناس في عصره ، أي في العصر الجاهلي . وفي القرآن رد على الوثنيين فيما كانوا يعتقدون من الوثنية ، وفيه رد على اليهود ، وفيه رد على النصارى ، وفيه رد على الصائبة والمجوس . وهو لا يرد على يهود فلسطين ، ولا على نصارى الروم ، ومجوس الفرس ، وصائبة الجزيرة وحدهم ، وإنما يرد على فرق من العرب كانت تمثلهم في البلاد العربية نفسها . ولولا ذلك لما كانت له قيمة ولا خطر ، ولما حفل به أحد من أولئك الذين عارضوه وأيدوه ، وضحوا في سبيل تأييده ومعارضته بالأموال والحياة . الشعر الجاهلى المداخلة رقم 5 هو أننا نعتقد أنه إذا كان هناك نص عربي لا تقبل لغته شكا ولا ريبا وهو لذلك أوثق مصدر للغة العربية فهو القرآن . وبنصوص القرآن وألفاظه يجب أن نستشهد على صحة ما يسمونه الشعر الجاهلي بدل أن نستشهد بهذا الشعر على نصوص القرآن . المداخلة 16 ولسنا نخشى على القرآن من هذا النوع من الشك والهدم بأسا ؛ فنحن نخالف أشدّ الخلاف أولئك الذين يعتقدون أن القرآن في حاجة إلى الشعر الجاهلي لتصح عربيته وتثبت ألفاظه . نخالفهم في ذلك أشدّ الخلاف لأن أحدا لم ينكر عربية النبي فيما نعرف ، ولأن أحدا لم ينكر أن العرب قد فهموا القرآن حين سمعوه تتلى عليهم آياته . وإذا لم ينكر أحد أن النبي عربىّ وإذا لم ينكر أحد أن العرب فهموا القرآن حين سمعوه ، فأي خوف على عربية القرآن من أن يبطل هذا الشعر الجاهلي أو هذا الشعر الذي يضاف إلى الجاهليين? وليس بين أنصار القديم أنفسهم من يستطيع أن ينازع في أن المسلمين قد احتاطوا أشدّ الإحتياط في رواية القرآن وكتابته ودرسه وتفسيره حتى أصبح أصدق نص عربي قديم يمكن الإعتماد عليه في تدوين اللغة العربية وفهمها . وهم لم يحفلوا برواية الشعر ولم يحتاطوا فيها ، بل انصرفوا عنها في بعض الأوقات طائعين أو كارهين ، ولم يراجعوها إلا بعد فترة من الدهر وبعد أن عبث النسيان والزمان بما كان قد حفظ من شعر العرب في غير كتابة ولا تدوين . فأيهما أشد إكبار للقرآن وإجلالاً له وتقديساً لنصوصه وإيماناً بعربيته القاطعة على تلك العربية المشكوك فيها ، أم ذلك الذي يستدل على عربية القرآن بشعر كان يرويه وينتحله في غير احتياط ولا تحفظ قوم منهم الكذاب ومنهم الفاسق ومنهم المأجور ومنهم صاحب اللهو والعبث ?
أما نحن فمطمئنون إلى مذهبنا مقتنعون بأن الشعر الجاهلي أو كثرة هذا الشعر الجاهلي لا تمثل شيئاً ولا تدل على شيء إلا ما قدّمنا من العبث والكذب والانتحال ، وأن الوجه - إذا لم يكن بد من الاستدلال بنص على نص - إنما هو الاستدلال بنصوص القرآن على عربية هذا الشعر لا بهذا الشعر على عربية القرآن 0 المداخلة رقم 31 |