البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات ضياء العلي

 62  63  64  65  66 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
يوم أصيبت الصحافة بداء قاتل !     كن أول من يقيّم


يوم أُصيبت الصحافة بداء قاتل!


جون لانشستر

تستخدَم كلمة «مهمّ» مواربةً في نقد الكتب. فهي تعني عادةً أنّ الكتاب «أعلى مستوى من الوسط بقليل»، أو «كنت في الجامعة مع الكاتب»، أو «لم أزعج نفسي بقراءته، فأطلقت عليه صفة مهم بدلاً من ذلك». وأحياناً كثيرة يمكن أن يتوسَّع معناها ليصبح «كتاباً يُرجّح أن يُشير إليه في المستقبل أشخاص آخرون يكتبون في الحقل نفسه». ولكن كتاب نيك دايفيس الذي يحمل عنوان «أخبار الأرض المسطّحة» هو كتاب مهم حقيقة، كتاب من المرجّح أن يغيّر، بشكل دائم، الطريقة التي ينظر فيها أيّ كان إلى صناعة الصحافة البريطانية. يشرح كتاب دايفيس أمراً تسهل ملاحظته والتذمر منه، ولكنه عصيّ على الفهم: سبب النحول والضمور المتزايدين في الصحافة البريطانية. ليس النحول نحولاً بالمعنى الحرفي للكلمة: فالصحف، من ناحية الشكل، هي أكبر من أي وقت مضى. ولكن يبدو أنّ مضمونها أقل مما كان في الماضي: أخبار أقل، أفكار أقل (بالمعنى المقابل لرأي)، كثافة التزام أقل، مقدار أقل من الوقت لاستكشاف الأمور. يتمحص دايفيس في كل هذه المسائل، فيؤكد أنّ انطباع النحول هو صحيح، ويشرح كيف حدث ذلك ولا يقدم أي أمل بتحسّن الأمور. ينطلق كتابه من المرحلة التي بدأ فيها يهتم بموضوع ما يسميه «أخبار الأرض المسطحة»: «تبدو إحدى القصص الإخبارية صحيحة. ويشيع الاعتراف بصحتها. ويصبح من الهرطقة القول إنّها غير صحيحة ـ وإن كانت مشوبة بالأكاذيب والتحريفات والدعايات». هذه هي أخبار الأرض المسطحة، وقد بدأ دايفيس يهتم بهذه الظاهرة من خلال قصة جرثومة الألفية. فكيف انجرّ هذا العدد الكبير من الصحف إلى إنتاج كل هذه الملايين من الكلمات، وتبيّن أنّها هراء بكاملها، كلمات عن الانهيار المعوّق لكل الحكومات والأنظمة الاقتصادية والنشاطات البشرية، بسبب الكارثة التي كان يُفترض بالجرثومة أن تسببها؟ «قد يموت مرضى الخدمات الصحية الوطنية» (صحيفة التلغراف)؛ «قد تنهار المصارف» (صحيفة الغارديان)؛ «شغب وإرهاب وأزمة صحية» (صحيفة سانداي ميرور)؛ «قد تختفي مدفوعات التقاعد» (صحيفة الإندبندنت)؛ «منظمة حلف شمال الأطلسي تحذر من تأثير جرثومة الألفية في الصواريخ الروسية» (صحيفة التايمز). وأنفقت الحكومة البريطانية مبلغاً تراوحت قيمته المعلنة بين 396 مليون جنيه و430 مليون جنيه و788 مليون جنيه. وفي الليلة الموعودة، تعطّل مقياس لقياس مستوى ارتفاع مياه البحر في ميناء بورتسموث. لا أكثر. ولم تواجه أيّ مشكلة الدول التي لم تنفق أي مبلغ تقريباً، مثل روسيا التي أنفقت حكومتها الممثِّلة لحوالى 140 مليون مواطن، مبلغاً على الجرثومة يقلّ عن ذاك الذي دفعته شركة الخطوط الجوية البريطانية.

ثمة طرائق مختلفة للنظر إلى هذه المسألة التي تحمل أوجهاً تدل على الذعر، وأخرى تشير إلى احتيال أو مخطط لخلق فرص عمل. اختار دايفيس أن يركز على الواقع القائل إنّ ملايين الكلمات التي كُتبت عن الجرثومة، خطّها كلها صحافيون لم يكن لديهم أدنى فكرة عما إذا كان الذي يكتبون عنه صحيحاً أو لا. فهم ببساطة لا يعرفون. ويشدّد كتّاب أخبار الأرض المسطحة جداً على هذه المسألة. فمن وجهة نظر دايفيس، تقضي المهمة الأساسية للصحافة بالتحقق من الوقائع. فالصحافيون لا يمرون مرور الكرام على ما يُنقل إليهم من أخبار من دون القيام بجهد للتحقق منها أولاً. على الأقل نظرياً، لا يمرون عليها مرور الكرام. أما عملياً، فقد أفسد الصحافةَ العصرية فشلٌ مستفحل في التحقق من الوقائع والأخبار، فشل يحدث بطريقة جوهرية وإلى درجة تكاد لا تُصدّق. فتتعمم النتائج وتنتشر.

وداعاً للوقائع

نيك دايفيس وجه غير عادي من أوجه الصحافة البريطانية، ولا سيّما أنه استمر في الإيمان إيماناً يثير الإعجاب بأنّ نقل الوقائع يمثِّل المهمة الأساسية في هذه المهنة. وقد أضحى الصحافيون ينقلون الوقائع أقل بكثير مما اعتادوه في الماضي، وأقل بكثير مما يجب عليهم أن يفعلوا، مع انتقال الصحف إلى الاعتماد على كتّاب العمود ومقالات الرأي. في الماضي، كان أيّ شاب مغمور طموح يدخل معترك الصحافة ليشاهد فيلم «كل رجال الرئيس» (All the President’s Men) وليحلم بإسقاط حكومات عبر سبق صحفي واحد. كل التمنيات له بالتوفيق. هكذا كان دايفيس. أما الشاب المغمور المعادل لذاك الشاب اليوم فسيحلم بامتلاك مقالة عمودية تعلوها صورته، لتكون بمثابة مقدمة إلى انتقال يُحدَّد موعده بإتقان إلى التلفزيون أو الحقل السياسي أو نوع آخر من أنواع الأعمال الاستعراضية.

إلّا أنّ دايفيس لا يزال يؤمن بالتقصّي وإجراء الأبحاث وباستقاء المعلومات من مصادرها. وقد قاده ذلك إلى استخدام باحثين في مدرسة الصحافة في جامعة كارديف من أجل تحديد ما يجري في الصحافة البريطانية. وأتت النتيجة فاضحة ومقيتة. فقد راقب الفريق إصدارات أسبوعين من الصحف وصحيفة دايلي مايل، وحُلِّلت خلال هذه العملية 2207 مقالات من أخبار المملكة المتحدة. وتم التركيز على أمرَين: عدد القصص الأخبارية المستقاة مباشرة من البيانات الصحفية؛ والعدد المأخوذ مباشرة من وكالة الأنباء البريطانية الرئيسية، بريس أسوسييشن (Press Association). وكانت النتائج مدهشة، لكن ليس بالمعنى الإيجابي.

فقد اكتشفوا أنّ نسبة كبيرة تبلغ 60 بالمئة من هذه المقالات المنشورة في الصحف المحترمة تألفت كلها، أو القسم الأكبر منها، من الأخبار التي تؤمنها وكالات إلكترونية و/أو البيانات الصحفية، و20 بالمئة إضافية تحوي عناصر واضحة من الأخبار المستقاة إلكترونياً و/أو البيانات الصحفية التي أضيفت إليها أخبار أخرى إلى حد ما. بالنسبة إلى 8 بالمئة من المقالات، لم يتمكنوا من التأكد من مصادرها، ما يترك فقط 12 بالمئة من المقالات استطاع الباحثون أن يقولوا إنّ أخبارها أتى بها الصحافيون أنفسهم. وأُثبت أنّ صحيفة «التايمز» ضمت النسبة الأعلى، إذ إنّ 69 بالمئة من القصص الأخبارية كانت كلها، أو القسم الأكبر منها، مستقاة إلكترونياً... وتمعّن الباحثون بالمقالات التي اعتمدت على تقرير محدد للوقائع، واكتشفوا أنّ نسبة مربكة منها بلغت 70 بالمئة طبعت الوقائع المزعومة من دون أي توثيق للمعلومات الواردة فيها. فقط 12 بالمئة من هذه الأخبار أظهرت إثباتاً أنّ الواقعة الأساسية تم التحقق منها بشكل كامل. وهكذا، إنّ نسبة 12 بالمئة فقط مما يرد في الصحف تتألف من قصص أخبارية يكتشفها مراسلون ويلاحقونها بمبادرة خاصة منهم؛ ونسبة 12 بالمئة فقط من الوقائع الأساسية يتم التحقق منها. أما الباقي فتُعاد كتابته انطلاقاً من أخبار ترد إلكترونياً ومن البيانات الصحفية. أما الـ88 بالمئة الأخرى، بحسب المصطلح اللاذع الذي ابتكره دايفيس، فهو يشكّل «الصحافة المخوضة». فلا عجب من أن تبدو الصحف نحيلة بعض الشيء. أما بالنسبة إلى المقالات الواردة عبر البريد الإلكتروني، فمعظمها صادر عن البريس أسوسييشن (Press Association):

فعندما ترغب الملكة في مخاطبة العالم، تدلي بتصريح إلى البريس أسوسييشن. وعندما يريد شاعر حائز جائزة ما أن ينشر قصيدة، يرسلها إلى البريس أسوسييشن. كل دائرة حكومية، وكل شركة مهمة وكل مركز شرطة وكل مؤسسة تُعنى بمجال الصحة وسلطة تربوية تدلي بإعلاناتها الرسمية إلى البريس أسوسييشن. فهي الوسيلة الأولى لنقل الأخبار التي عبرها تبلغ المعلومات وسائل الإعلام الوطنية في بريطانيا.

وجد الباحثون في كارديف أنّ 30 بالمئة من الأخبار المحلية تتكوّن من إعادة كتابة مباشرة من أخبار البريس أسوسييشن ونسخ من وكالات الأنباء الأخرى؛ و19 بالمئة أخرى تُعاد كتابتها إلى حد كبير من هذه الأخبار؛ و21 بالمئة أخرى «تحوي عناصر» منها. هذه نسبة 70 بالمئة من القصص الأخبارية المأخوذة كلها أو جزء منها من الأخبار الواردة إلكترونياً. هذا وتقضي القاعدة العامة في الصحافة، التي تكسب أهميتها من استكشاف الحقائق لا مراقبة ما يجري، بأنه يجب تأكيد الخبر من مصدرَين، ولكن بحسب الخطوط التوجيهية في محطة البي بي سي، «يمكن اعتبار البريس أسوسييشن مصدراً واحداً مؤكداً». وشاعت هذه الممارسة بشدة.

وتبعاً لهذا الواقع، فإنّ ما تقوم به البريس أسوسييشن مهماً جداً، وهنا يحمل دايفيس المزيد من الأخبار المثيرة للاشمئزاز ليفصح عنها. فشبكة المراسلين التي تملكها الوكالة تتضاءل بشكل متزايد، فهي تضم مثلاً أربعة مراسلين (بمن فيهم المتدربون) لتغطية كل كارديف وجنوب وايلز ومجلس النواب. ويكتب المحررون، بحسب ما قاله أحدهم، ما معدله عشر مقالات في نوبة واحدة: «عادة لا أمضي أكثر من ساعة واحدة لكتابة مقالة واحدة». ويجري التركيز على تسجيل ما يقوله الناس بدقة. كما يقول رئيس التحرير المسؤول عنه جوناثان غران: «دورنا هو الصحافة المنسوبة (القول المنسوب إلى شخص معين). فالمهم هو الوارد بين مزدوجين». إذا قالت الحكومة إنّ صدام يملك أسلحة الدمار الشامل، فهذا ما ستعلنه وكالة بريس أسوسييشن. ولأنّ البريس أسوسييشن هي أساس هذه النسبة الهائلة من الأخبار الواردة في الصحف، ولأنّ ثمة ميلاً إلى عدم التدقيق في أخبارها، فهي تمثِّل طريقة فعالة للغاية يستخدمها مسؤولو العلاقات العامة لزرع أخبار عبر كل الوسائل الإعلامية الوطنية في الوقت ذاته. وقد قال أحد مصادر معلومات دايفيس، وهو مسؤول عن العلاقات العامة، ويعمل لدى حزب سياسي: «من الأفضل بكثير لوجستياً إرسال الخبر إلى البريس أسوسييشن بدل محاولة الاتصال بـ150 صحفياً، فنادراً ما نخضع إلى ذلك النوع من الاستجواب الدقيق الذي تفرضه علينا مثلاً صحيفة الصان أو التايمز. لا تقوم البريس أسوسييشن بكل هذا التحقيق وطرح الأسئلة الصعبة. إنّهم صحفيون، ولكنّهم يؤلفون خدمة معلومات إلى حد ما».

21 - أبريل - 2008
مقالات طريفة ولاذعة
يوم أصيبت الصحافة بداء قاتل ! (2)    كن أول من يقيّم

يوم أُصيبت الصحافة بداء قاتل!


جون لانشستر
( تابع )

وهكذا بلغنا مرحلة تحوّل فيها «جوهر الصحافة العصرية» إلى «إعادة توضيب سريعة لمعلومات تبقى إلى حد كبير من دون إعادة تدقيق فيها، معلومات يُحصَل عليها بالواسطة، وقد أُعدّ قسم كبير منها خدمة لمصالح سياسية أو تجارية يملكها أولئك الذين يوفرونها». لو بلغت الأمور هذا المبلغ في الأيام الخوالي لكانت ساعة تسمية المذنب قد دقت، ولتبيّن أنّهم مالكو الصحف الأشرار، أولئك المتلاعبون بالرأي العام الذين يعتمرون القبعات ويدخنون السيجار. لكنني لا أؤمن بنظرية تآمر مالكي وسائل الإعلام، ولا دايفيس يؤمن بها، فهو يعتقد أنّ الضغوط التجارية وحدها هي الملومة. إنّها الضغوط على التكاليف ـ لإنتاج المزيد من الأعداد الأبخس ثمناً ـ ذاك هو المجرم الوحيد المسؤول عما آلت إليه حالة الصحافة العصرية

يفصّل كتاب أخبار الأرض المسطحة الطرائق المحددة التي يُمارس فيها الضغط على عمل الصحافة يومياً. فيجب أن تكون المقالات بخسة الثمن، أي «يمكن تغطيتها بسرعة»، و«آمنة النشر»؛ ويجب «انتقاء وقائع آمنة»، والأفضل من مصادر رسمية؛ ويجب «تجنّب السياج الكهربائي» الذي يمثِّل مصادر مشاكل مضمونة، مثل قوانين القدح والذم واللوبي الإسرائيلي؛ وينبغي أن تستند المقالات إلى «أفكار آمنة» ولا تعارض المنطق الشائع المستحب؛ وأن تتجنب المشاكل المعقدة أو التي تحتاج إلى أكثر من فرد أو طريقة لحلها؛ وأن يُنظر دائماً إلى الموضوع من جانبين («فالتوازن يعني ألاّ تُضطر أبداً إلى القول إنّك آسف، لأنّك لم تقل شيئاً»). وبشكل معاكس، ثمة ضغوط ناشطة لمتابعة مقالات تخبر الناس بما يرغبون في سماعه، مقالات تذكر العديد من المشاهير وتغطي أخباراً ترتكز على ما يورده التلفاز، وتتحتم الكتابة بشكل متواصل عن كل موضوع يثير ذعراً أخلاقياً. ذاك هو تأثير ما يجري في بنية الصحافة، إنّها ثقافة مكتب التحرير. طبعاً يترك الضغط على التكاليف آثاراً أخرى وأبسط أيضاً. فثمة فراغات كثيرة يجب ملؤها ـ والنسبة في الصحافة البريطانية تبلغ ثلاثة أضعاف النسبة العادية ـ غير أنّ الزيادات المعادلة في الموارد لإتمام العمل غير متوافرة. وفي أمكنة أخرى من العالم، يكون الضغط على الموارد بالقدر ذاته أيضاً. ففي عام 1970، كان لمحطة سي بي أس الأميركية ثلاثة مراسلين بدوام كامل في روما وحدها: وبحلول عام 2006، صارت كل وسائل الإعلام الأميريكي المطبوع والمرئي والمسموع تملك فقط 141 مراسلاً أجنبياً لتغطية الأخبار في العالم كله.

العلاقات العامّة

مع ازدياد الضغوط على الصحافة، قدّم المسؤولون عن العلاقات العامة ما يبدو أنّه يمثِّل حلاً للمشاكل. تريدون أخباراً؟ سنقدمها لكم. في بريطانيا الآن 47800 شخص يعملون في مجال العلاقات العامة مقابل 45000 صحافي. ومسؤولو العلاقات العامة لا يتوسلون تغطية أخبار زبائنهم: فهم أمكر من أن يفعلوا ذلك. وعندما يدقق أحدهم في المسألة، يرى تأثيرهم في كل مكان تقريباً في الصحافة. كان الراحل العزيز أوبرون واو يقول إنّ وراء أي ادّعاء مثير للاهتمام أو لافت أو مدهش في الأخبار إمّا شخصاً يطالب بالمزيد من الأموال الحكومية أو بياناً صحفياً. ويصح هذا الكلام اليوم أكثر من أي وقت مضى، إلّا أنّ البيان الصحفي اليوم سوف يعلن نتيجة استطلاع (وهو من التكتيكات المفضلة لدى المسؤولين عن العلاقات العامة) أو «بيان» من مجموعة مزيفة لممارسة الضغوط، مثل مجموعة من المجموعات العديدة التي أنشئت لإشاعة جوّ من الشكوك حول مسألة تغيّر المناخ. وتُعرف مجموعات الضغط هذه بتسمية «العشب الاصطناعي» في مجال العلاقات العامة، لأنّ جذور عشبها مزيفة، ولكنّ ذلك لا يحول دون امتداد بياناتها ودراساتها إلى الأخبار. ليست العلاقات العامة تحديداً الحلقة النذلة في هذه السلسلة، إلا أنّ دايفيس يحاول الإقناع بطبيعتها المهيمنة في الصحافة العصرية، وأيضاً بالتعقيد المتزايد لتقنياتها. فهو يذكر الطريقة التي قام فيها رجال الأعمال الثلاثة، المصرفيون البريطانيون المتورطون في قضايا احتيال «إنرون»، بتدبّر أمورهم ليظهروا بمظهر ضحايا النظام القضائي الأميركي، وذلك بواسطة رجال أعمال ومجموعات ضغط في ميدان الحقوق المدنية وبرلمانيين يقومون بحملات نيابة عنهم، فيما كانوا في الحقيقة لصوصاً محتالين.

ويضم كتاب «أخبار الأرض المسطحة» العديد من الأمثلة الأخرى. فدايفيس، المطّلع على مجال العلاقات العامة، ينظر حتى من زاوية جديدة أيضاً إلى مسألة ألاستار كامبيل وقضية كيلي. ففي سرده للأحداث يقول إنّ «كامبيل استخدمها لتحويل الانتباه عن موضوع محرج للغاية كان يبرز ببطء في شهري أيار/مايو وحزيران/يونيو عام 2003، وهو موضوع عدم امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل، موضوع ثار حوله جدل طويل». فبعد أربعة أسابيع من إذاعة تقرير أندرو غيليغان في برنامج «اليوم» (Today)، لم يطلب كامبل أي اعتذار عما ورد فيه بالتحديد، ولم يُحله على دائرة الشكاوى في محطة البي بي سي، ولم يأت على ذكره خلال الغداء الذي تناوله مع رئيس غيليغان، ريتشارد سامبروك. ولكنه بعد ذلك قام بثلاث «خطوات أساسية»: في 25 حزيران/يونيو، رفع المسألة رسمياً أمام لجنة التدقيق في الشؤون الخارجية («إلى أن تعترف البي بي سي بأنّ هذا الخبر عار من الصحة سأستمر بإثارة الضجيج حول الموضوع»). في 26 حزيران/يونيو كتب إلى سامبروك طالباً جواباً في اليوم ذاته، ونشر رسالته في الصحف؛ وفي 27 حزيران/يونيو دعا نفسه إلى حد ما إلى أخبار القناة الرابعة لمهاجمة البي بي سي، مباشرة على الهواء. ويعلق دايفيس على ذلك بالقول: «هذه الخطوة كرست في النهاية الموضوع الهادف إلى تشتيت الانتباه عن المسألة الأساسية في الإعلام، فأصبح هذا الموضوع هو محور الاهتمام. أما الأسئلة الجوهرية عن أسلحة الدمار الشامل العراقية، فوُضعت جانباً. وقد كتب العديد من المراسلين السياسيين في ذلك الحين أنّ ذلك يبدو أشبه بتكتيك لتشتيت الانتباه. ومع ذلك، قبلوا جميعاً بأن يُشتت انتباههم. العلاقات العامة فعالة». ويشرح هذا الكلام ما قصده كامبل، كما سُجل في يومياته في 25 حزيران/يونيو: «فتحت جبهة جانبية في البي بي سي».

صورة قاتمة

ويضيف دايفيس بضعة فصول مليئة بالتفاصيل عن الطريقة التي شردت فيها الصحف: استخدام المحققين الخاصين على نطاق الصناعة ككل، ثقافة الخطأ في صحيفة الدايلي مايل، السهولة التي اختارت فيها الحكومة صحيفة الأوبسرفر من أجل الدفاع عن خوضها الحرب في العراق. هذه الفصول ليست ضرورية فعلياً للمحور الذي يرتكز عليه الكتاب، مع أنّ إيضاحات دايفيس غير مبهجة. ففي بريطانيا مثلاً، وحده الثري يمكن أن يرفع دعوى بتهمة القدح والذم؛ ويجب على كل الآخرين أن يبحثوا عن حل لمشاكلهم عبر لجنة الشكاوى الصحفية التي أنشأتها صناعة الصحافة لتنظيم ذاتها. ولكن لجنة الشكاوى الصحفية ترفض 90.2 بالمئة من الشكاوى على أسس تقنية من دون تحقيق. فمن أصل 28227 شكوى تلقتها اللجنة على مر عشر سنوات، صدر حكم قضائي من اللجنة بـ197 قضية فقط: ما نسبته 0.69 بالمئة...

تلك هي الصورة المحبطة للغاية التي رسمها دايفيس إذاً. فوسائل الإعلام البريطانية تنهار تحت وطأة الضغوط التجارية، وتعتصرها الحاجة إلى السرعة، وتفسدها العلاقات العامة، وهي لا تبالي بتقاليدها الخاصة التي تقضي باستقلاليتها، وتتجاهل بتهور مهماتها الأساسية القاضية بنقل الوقائع والتحقق منها، وتخضع منهجياً لأكاذيب المصالح التجارية والحكومات، وفي العديد العديد من النواحي، تبقى بكل بساطة غير مبالية بالحقيقة. فثمة فشل متزايد يجتاح الصناعة كلها، فشل في إيلاء الحقيقة اهتماماً كافياً. ويمكن أن أضيف عدداً من التفاصيل إلى هذه الإدانات تتعلق بالطريقة التي استسلمت فيها الصحف إلى ثقافتها الداخلية الخاصة المتعلقة بشهرة كتّاب المقالات العمودية، ومعظمهم لا يقوم بأي محاولة لنقل وقائع ما يجري في العالم، مفضلاً إطلاق المواعظ بدلاً من ذلك. ويمكن أن أضيف أيضاً ـ مستعيراً نقطة أثارها صحفي تكلمت معه يوافق بتردد على ما ورد في كتاب أخبار الأرض المسطحة ـ أنّ الانهيار في مجال الأخبار يقود إلى تراجع هائل في سائر أقسام الصحف. فمعظم المقالات العمودية تدور حول تفاصيل ترتبط بالأخبار، فإذا لم تؤدّ الأخبار مهمتها الأساسية من تحقيقات وتتحقق من الوقائع، لا تقوم الأجزاء الأخرى من الصحيفة بوظيفتها الأساسية. إنّ دايفيس لا يذكر ذلك، ولكنّ هذا غير مهم جداً، بما أنّه يكاد يستحيل أن تأتي الصورة التي رسمها عن الصحافة البريطانية أقتم أو أكثر إقناعاً. وتأتي خاتمته في السياق نفسه لسائر الكتاب، فهو يقول: «ما أخشاه هو اعتقادي بأنني، في الحقيقة، في محاولتي عرض مواطن ضعف الصحافة، صورت مرض سرطان. قد يكون التمكن من رؤية المرض مفيداً إلى حد ما. فقد نستطيع على الأقل أن نعرف، نظرياً، ممّا يمكن أن يتكوّن العلاج. ولكن أخشى ما أخشاه أن يكون المرض مميتاً».

* عن الأخبار اللبنانية 18 آذار 2008

21 - أبريل - 2008
مقالات طريفة ولاذعة
مجلس الشعب    كن أول من يقيّم

مجلس الصور السعيدة
لقمان ديركي

وعادت دورة الحياة إلى شوارعنا ، وعادت صور المرشحين إلى مجلس الشعب لتذكِّرنا بأننا نملك في بلادنا السعيدة مجلساً للشعب ، كنا قد نسينا ذلك
نحن شعب عجيب ، كل أربع سنوات نتفرج على الجدران ونتأمل الصور السعيدة عليها ، نمضي عنها لا مبالين ، ولكننا أحياناً نتوقف ونضيف شيئاً على الصورة ، لا نضيفها نحن لأننا لا نحب اللعب مع الكبار ، ليس خوفاً وإنما تعالياً ، بل يضيفها أطفالنا لأنهم متهورن وبدون كبرياء ، ليسوا شجعاناً ـ لا سمح الله ـ بل طائشين لا أكثر ولا أقل ، يأتي الطفل المتهور بصحبة زميله الطائش وزميلتهما "الحسن صبي"  ويضيف بقلمه العريض قليلاً من الشوارب على وجه المرشح لعله يتذكر أنه رجل بعد أن ينجح في  " الإنتخابات " ، ثم يضيفون النظارات على وجه مرشح آخر كي ينظر جيداً حوله ويرى الناس لا أن يكتفي بتأمل صورته ولوحات حملته الإنتخابية ، ثم يضيفون كمامة على أنف مرشحة تبدو في الصورة قرفانة جداً كي تعرف أن سبب قرفها ليس الناس كما هو واضح في الصورة بل البيئة الملوثة جداً جداً ، ولا ينسى المتهورون أن يرسموا قبعة أوربية لرجل توحي نظرته بأنه لا يشبهنا نحن المتخلفين كي يتأكد من أنه فعلاً غريب وأجنبي فينام كل يوم سعيداً بهذا الشعور المريح ، كما يرسمون شعراً سابلاً انسيابياً لمرشح أصلع كي يدخل إلى المجلس بدون عقد نقص وبالتالي كي لا يقضي سنوات خدمته البرلمانية وهو يبحث عن أفضل مزارع شعر في بيروت أو باريس لا فرق ، ولأنهم ملاعين فإنهم يكتبون بعض الكتابات على الصور ومنها " إذا كان الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب " ، ربما إذا لمح المرشح الأجنبي هذه العبارة لأصيب بالإستغراب من هذا الشعب الذي يطلب من مجلسه السكوت بينما باقي شعوب الأرض تطالب برلماناتها بالكلام والكلام والكلام ، ولكنه بعد أن يتعرف علينا سيعرف أننا نطلب منهم السكوت لأنهم عندما يتكلمون لا يتكلمون إلا شعراً ، "ونحنا قلبنا من الحامض لاوي " ، وأيضاً لأن " السكوت علامة الرضا " ونحن والحمد لله راضون مرضيون وإن لله وأنا إليه لراجعون .
ماذا يفعل أطفالنا بنا ؟ .. لقد نسينا أننا نستطيع أن نطلب شيئاً من مجلس الشعب ، بل نسينا أننا شعب ، لم نعد نعرف من سيسهر اليوم عند جيراننا ، ولم نعد نتذكر سحنات أقاربنا ، صرنا نغير طريقنا كلما لمحنا أحداً نعرفه ، ولم نعد نركض بلهفة متشاجرين ومتسابقين نحو التليفون وهو يرن كي يكون لنا شرف تبادل الكلام مع المتصل أولاً ، أصبحنا نغلق موبايلاتنا أو نضعها على الصامت لأننا مللنا من الكلام ، مللنا من المسرحيات والوعود ، مللنا من شوارعنا المحفرة وجدراننا الكالحة ، مللنا من بعضنا البعض ، من أحاديثنا ، من ضحكاتنا على نفس النكات ، من لقاءاتنا في المناسبات التي غالباً ما تكون حزينة ، مللنا من التذكر بأننا موجودين وأن لنا مطالب وأن هناك مجلساً سينتخب من أجلنا ، من أجلنا ؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

هل حقاً هناك شيء يحدث الآن من أجلنا ونحن آخر من يعلم ؟!!! هل هناك حقاً الآن انتخابات لمجلس الشعب ؟؟!!!
صور سعيدة على جدران حزينة .
*عن موقع الكاتب والمسرحي لقمان ديركي

23 - أبريل - 2008
مقالات طريفة ولاذعة
هالة شوكت    كن أول من يقيّم

هالة شوكت
لقمان ديركي

لم أكن أتوقع في حياتي أن أجلس في مكان واحد أنا وإحدى نجماتي المفضلات ،نحن الذين لم نشاهد نجماً بشكل شخصي في حياتنا ، فقد كان النجوم غير متوفرين للجمهور كما هم الآن حيث تتفركش بهم في الطرقات والمقاهي والمطاعم ، وكانت هالة شوكت إحدى نجماتي المفضلات من عصر السينما .
ولا ينسى شارع السينما في حلب أفلام هالة شوكت  ـ أيام ما كان في سينما ـ كما لا تنساها مسارح دمشق واستديوهات التصوير في مصر وسوريا ، وأنا أيضاً لن أنسى كيف تعرفت عليها أثناء تصوير سهرة تلفزيونية " خلاف الأهل " لأكرم شريم وغسان جبري ، قال لي وقتها استاذي غسان جبري أن أتعرف على الدفق الشعوري العالي الذي تملكه هذه المرأة ذات الحظ القليل كما كان يرى ، كانت تناديني كي أعطيها تفاصيل المشهد كوني كنت مساعداً للمخرج وتطلب مني أن أجري بروفة سريعة معها بلطف شديد خوفاً من إزعاجي ، بينما كنت سعيداً لأنني كنت أعتبر نفسي أمثِّل معها ، بل أنني عدت إلى البيت وقلت لأصدقائي بأنني مثَّلت اليوم مع هالة شوكت فحسدوني ، ثم عرضت السهرة ولم يشاهدوني معها في أي مشهد فسخروا مني ولكني بقيت مصراً على أنني مثَّلت معها ، ومرَّت الأيام ومثَّلت مع هالة شوكت في مسلسل الخوالي لأحمد حامد وبسام الملا ، وتعجبت من سحر وقع هذا المسلسل على الناس وسر متابعة الجمهور لكل إعاداته ، ولكنني امتلكت إجابة بسيطة كانت هالة شوكت إحدى فصولها .

هالة شوكت فنانة تمتعت بالفن وأمتعت واستمتعت ، عملت في المسرح والسينما والتلفزيون ، وكان فيلم " موعد مع المجهول " مع عمر الشريف هو الذي أطلقها نجمة في عالم الفن ، وبالطبع تم تبديل اسمها على عادة المصريين الذين يحبون الأسماء الفنية ، فحولوها من فاطمة توركان شوكت إلى هالة شوكت ، وكم أصابوا .. فهناك هالة حولها فعلاً عندما تحضر ، هالة من المشاعر الإنسانية الجميلة الدفاقة ، كانت تبث طاقة من الفرح والمرح حال دخولها ، وكانت إذا ما تأخر عليها أحدهم بتلبية طلب من طلباتها تقول ضاحكة " راحت كرامتي " ، كانت تعالج كل مشكلة بالمرح لأنها كانت إنسانة راضية ، وآخر ما قالته وهز مشاعري بعنف ، عندما زارها الفنان الكبير دريد لحام مع مجموعة من الفنانين إلى دار السعادة للمسنين حيث كانت تقيم أواخر حياتها بإرادتها   " أنا هون سلطانة زماني " ، وكم كانت سلطانة حقاً في أي مكان مضت إليه ، كم كانت راضية وسعيدة ، كم أنصفت أبناءها عندما قالت أنها هنا بعلمهم وبطلب منها ، وكم أنصفتنا عندما قالت " أنا هون سلطانة زماني " ، لأنها سلطانتنا كانت ، وبقيت كذلك إلى أن غادرتنا .
* عن موقع الكاتب والمسرحي لقمان ديركي

23 - أبريل - 2008
مقالات طريفة ولاذعة
صباح الفل والليلك    كن أول من يقيّم

أستاذنا الجليل لحسن بنلفقيه : أسعد الله صباحك بكل الخير
 
صباح الفل والليلك والأخبار السارة ، افتقدناك كثيراً ، وسألنا عنك كثيراً ، وتمنينا عودتك كثيراً كثيراً . فحمداً لله على سلامتك ورجوعك بخير .
سأكتب تعليقاً أخراً فيما بعد ، في هذه الصبيحة المباركة عندما أجد الفسحة المناسبة لكني أردت أن أعبر عن فرحتي للحال بعودتكم فإلى اللقاء .

24 - أبريل - 2008
مقالات طريفة ولاذعة
نحن والتكنولوجيا    كن أول من يقيّم

 
صباح الخير مجدداً وتحياتي للأستاذ زهير وتمنياتي بأن يسطع ديوانه في دنيا الشعر كما تسطع شمس تموز فوق ربانا وشطآننا .
 
نحن والتكنولوجيا أستاذ بنلفقيه حكاية مضحكة مبكية يلزمها جلسة حوار طويلة . أذكر أنه في إحدى القرى التي درست فيها كانوا يستخدمون الغسالات الكهربائية الصغيرة لخضِّ اللبن واستخراج السمن . وأذكر أن التلفون الجوال راج في لبنان قبل أن يروج في أميركا وأوروبا وذلك بسبب أنه لم يكن لدينا شبكة هاتف فعَّالة وكان الحصول على هاتف أصعب من الفوز بمقعد نيابي . وأذكر بأن دريد لحام قال في إحدى مسرحياته ( أظنها غربة ) أثناء حفلة تعذيب من قبل المخابرات التي كانت تستجوبه لكي يعترف بجريمة لم يقترفها بأن الكهرباء وصلت إلى مؤخرته قبل أن تصل إلى ضيعته . وإذا كان التطور التكنولوجي هو روح العصر الذي نعيشه توجب علينا أن نعاين بدقة علاقتنا الملتبسة بهذا العصر وكيفية تعاملنا معه .
 
أقول هذا وأنا أستعيد بذاكرتي ما كتبتَه في ملف النباتات وملفات أخرى قيمة لكني لم أتابعها بنفس الوتيرة ، فيبدو لي بأن الصدق والإخلاص في العمل وبذل الجهد الللازم هو السبيل الوحيد الذي يمكننا من امتلاك المعرفة الضرورية التي نبحث عنها مهما كانت بسيطة أو معقدة . ونحن سعداء جداً بعودتك إلينا ونترقب بفارغ الصبر متابعة نشاطاتك وبحوثك التي طالما أمتعتنا واستفدنا منها لجهة المعلومات ولجهة ما تضمره من نقاء سريرة وإخلاص ودقة في تحري الأمور بصبر وتسامح صرنا نفتقده في جيلنا . فمرحباً بك مجدداً أستاذنا العزيز وتحياتنا الخاصة إلى أهلكم وعائلتكم الكبيرة والصغيرة ، الكبار فيهم والصغار ، الشبان والبنات وخصوصاً سمر وفلة  .
 

24 - أبريل - 2008
مقالات طريفة ولاذعة
نحن صغار فعلاً    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

نحن صغار فعلاً

عبد المنعم رمضان

نحن الذين مللنا من اليسار ومن اليمين، الذين مللنا من الثورة ومن الثورة المضادة، الذين مللنا من الحداثة ومما بعد الحداثة. نحن الذين نحب الشعر ونموت فيه، ونحب القصة والرواية ونسعى وراءهما من مخبأ إلى مخبأ، ومن بيت إلى بيت، ونعشق الأفلام ونراها كأننا نولد من جديد. نحن الذين نسمع الموسيقى والأغاني داخل عروقنا في صمت وفي صخب، ونسمع دقات أحذية النساء ولهاثهن في صمت وفي صخب، ونشرب الشاي الساخن ونستمتع. ونشرب الماء البارد ونستمتع، ونجوع كأننا ثيران طليقة، ونشبع كأننا ثيران أكثر طلاقة، ثم نتجشأ ونشعر بالراحة ونستمتع، نحن الذين لا نجعل من مقالاتنا فخاخاً لاصطياد الضباب العابر قرب الفجر، أو خزائن لها مقابض من الذهب، أو صناديق حظ لمن يدفع أكثر. نحن الذين أصدقاؤنا يصارحوننا بآرائهم فنحبهم ونكرههم، وأعداؤنا يصارحوننا بآرائهم فنكرههم ونحبهم، أصدقاؤنا القليلون وأعداؤنا الأكثر. نحن الذين نعترف بذلك لأننا طبيعيون، ما زلنا نعلق على جدران بيوتنا صور الممثلين والممثلات: سعاد حسني وميرفت أمين ونجاة الصغيرة وفيروز وكيم نوفاك وجين فوندا وسمية الخشاب وأنجلينا جولي ومارلون براندو وجاك نيكلسون، وصورة المذيعين والمذيعات: درية شرف الدين، درية شرف الدين، ودرية شرف الدين وصور العصافير واليمام والبوم والغربان وكل مخلوقات الله، ونلبس بنطلونات الجينز الزرقاء، ونحب أن تلبسها البنات، ونلبس قمصاناً واسعة لها ألوان لا نعرف أسماءها، و «تي شيرتات» تشبه الفتيات العذراوات، و «تي شيرتات» أخرى تشبه الفتيات ذوات الخبرة.

نحن الذين كان شعرنا أسود وصبغناه فأصبح أبيض، وكانت قلوبنا بيضاء وصبغناها بكل الألوان. نحن الذين لا نذهب إلى جنازة الكلب الأبلق الراكض فوق التل، لأننا لا نحب الحيوانات الخام، ولا نذهب إلى عرس ابن آوى أو آنية حتشبسوت لأننا لا نحب الطيور الخام، نحن الذين ما زلنا نجلس على الأرصفة لنرى مؤخرات العابرات، ونضحك لنرى صدى ضحكاتنا، ونطوف في الشوارع، ونهيم وراء بخار أنفاسنا، وفي بعض الأوقات نهيم وراء سحابة يتيمة أو سحابة حامل، ونردد «رباعيات» صلاح جاهين، و «جلنار» ميشال طراد، و «خواتم» أنسي الحاج، وننتقم من الشيخ إمام بالنسيان، ومن عبدالحليم حافظ بعابد عازاريه. نحن الذين نحب بوضوح غامض، ونكره بوضوح غامض، ونشتم بوضوح غامض، ونمدح بوضوح غامض، ونتآمر بوضوح غامض، ونتسامر بوضوح غامض، ونموت بوضوح فقط، ونجلس في بيوتنا بعد كل هذه الأوضاع، ونغادرها بعدها، لا نحرم أنفسنا من أن نقول كل كلام يروقنا أن نقوله، من دون أن نخشى العواقب، نحن الذين لا نملك كلاماً سرياً لأن كلامنا العلني غير مراقب، لا نملك هواتف سرية لان هواتفنا العلنية غير مراقبة، لا نملك نساء سريات، لأن نساءنا اللواتي صاحبننا منذ بداية الرحلة، اللواتي قدّمن لنا المساعدات، اللواتي وقفن بجوارنا في صبر وإنكار ذات، وغفرن لنا خطايانا، لأنهن لسن عضوات في الجمعيات الثورية النسوية، لأنهن لسن ضحايا ولسن جلادات. نحن لسنا الذين مع أول شقة واسعة فكرنا في من تكون المرأة البديلة، ومع أول «فيلا» فكرنا في أن بديلة واحدة لا تكفي، ومع الأسفار قلنا لأنفسنا: امرأة لكل مدينة، ومع الخوف الدائم قلنا: امرأة تحت الجلد وأخرى تحت اللسان. نحن لسنا الذين ننوي أن نكتب عن أشعارهن ورواياتهن كأننا عشاق ماجنون وكأنهن معشوقات ماجنات. نحن الذين سندعو كل معارفنا إلى أعراسنا، ولن نخجل إذا جاءوا بغير «السموكنغ» وغير فستان السهرة، إذا جاءوا بملابسهم البسيطة، إذا جاءوا بكلامهم البسيط، لأننا لا نفكر في حضور الإنسان الأول على الأرض ولا الإنسان الأخير، لا نفكر في آدم ولا ساركوزي السابع عشر.
 
نحن الذين نفضل حريتنا بغيابهم، على وجاهتنا بحضورهم، نحن الذين نكره الزهو ولكننا نسعد إذا زارتنا النساء عاريات في أحلامنا ومناماتنا، نحن الذين نكره مكالمات ورسائل الأب الروحي، سلامات سلامات عندما نمرض، مبارك مبارك عندما نتعافى، نحن نعلم كم هي زائفة، نعلم أن موظفين لا يشبهوننا، ويدخنون سجائر طويلة مستوردة، أو «بايب» أسود، ويكتبون تلك الرسائل البالية، لن نضع رسائلهم على مكاتبنا، لن نعلقها في صالوناتنا، لن نتعالى بها على ضيوفنا، كأنها التتويج، كأنها زاد المعاد وبلوغ المراد، نحن الذين نكتب ما نحب، ونقرأ ما نحب، لأننا غير مطلوب منا أن نكتب لأحد، غير مطلوب منا أن نكتب عن أحد، غير مطلوب منا أن ندافع ونتمحك بخالدين سبقونا بدعوى أننا نشبههم، أو بدعوى أننا عبرناهم وتجاوزناهم. نحن صغار فعلاً، لا يفكر فينا «السوبرمانات» لكي يصنعوا منا الديكور اللازم، لا يشترينا بائعو الجنس البشري لكي يحسوا بقوتهم ويستمتعوا بخضوعنا.
نحن الذين ثقافاتنا ليست للزينة، ثقافاتنا قريبة من سلوكنا، وسلوكنا قريب من كلامنا، وكلامنا المضطرب المتلجلج ليس لتيسير الأمور وتسهيل الأحوال، إنه للبحث عن الزمن المفقود. نحن الذين نجلس في بيوتنا كأطفال ونخرج إليكم كأننا أفيال، ويسمينا الناشطون بالعدميين لأننا لا نفعل ما يفعلونه كل الوقت، الانبهار بالسلطات جميعاً ومحاولات الاتصال بها والكتابة عما لا يعرفون، والنوم تحت سقف سميك، وكتابهم ليس كتاب الجفر ولا كتاب فاطمة. نحن الذين لا نسعى كل الوقت في سبيل أن نشتري ذمة أحد، ولا نسعى كل الوقت في سبيل أن ننحني لأحد، أو ينحني أمامنا أحد، لا نسعى كل الوقت لنفسد أحداً، أو يفسدنا أحد، لأننا ضعفاء، لأننا نحب ضعفنا.
 
نحن الذين لا يحضر ندواتنا محمد حسنين هيكل أو عمرو موسى أو محمد فائق، ولا يجلس على موائدنا فخري كريم، أو محمد دحلان أو فاروق حسني، نحن لا نشتم مرؤوسينا أمام الآخرين لأنها وضاعة أصل ولأننا باختصار ليس لنا مرؤوسون، ولا نمدح رؤساءنا في السر وفي العلن، لأننا أيضاً باختصار عرايا، وطموحاتنا فوق طاقة هؤلاء الرؤساء. نحن الذين لا نقلدهم في الأمر بالمرايا حتى نرى أنفسنا عند كل لفتة. نحن الذين ما زلنا نحلم، وأنتم تحتقرون الحلم، ما زلنا نموت ونحيا، وأنتم تحتقرون الموت والحياة، ما زلنا نخطط ونرسم في أعماقنا، وأنتم تخططون وترسمون علينا. نحن الذين لا نخاف من هواجسنا وظنوننا، نحن الذين نموت نموت وتحيا القضية الفلسطينية مع أنها سرقت أعمارنا وستسرق الباقي منها، وأجلت الأشياء الضرورية الأولى، ونحن الذين نموت نموت ويحيا الشعر المناضل، مع أنه سرق الشعر منا، وأجل الشعر الجميل الأول. نحن لا نحب الشعوب، ولا نحب أعداء الشعوب، لا نحب القوميات ولا نحب أعداء القوميات، لا نحب البطل ولا نحب المهزوم، نحن لسنا العسكر، ولسنا الجنرالات، لسنا النخبة، ولسنا الغوغاء. نحن الذين لا نتشدق طوال الوقت بأننا كبار كي نخفي صغارنا، لا نتشدق بأخلاقنا ومحبة الآخرين لنا كي نخفي الحقيقة عن أنفسنا وعن الآخرين، ولا نتشدق بأننا لسنا لصوصاً، وأن من نعمل لديهم ليسوا لصوصاً، فالذي سرق الحزب الشيوعي هو كارل ماركس نفسه، ونحن نعرف، والذي سرق المومياوات هما أحمس ورمسيس الثاني، ونحن نعرف، والذي سرق منا خيالاتنا هو خيالنا الذي نتبعه، ونحن نعرف، نحن الذين لم يستطع سحر البرجوازية الخفي أن يسخرنا، نحن لسنا أسوأ الفلاحين الذين بعدما يصعدون السلّم يجعلون معاونيهم الآن هم أبناء سادتهم السابقين، ابن الوزير السابق وابنة الزعيم السابق وأخت الأب الروحي السابق ليطمئنوا.
 
نحن الذين نستطيع أن ننظر في عيون زوجاتنا وأولادنا ومحبوباتنا وأصدقائنا وأعدائنا، أن ننظر في عيون الناس بقوة، وليس بوقاحة وفجور، عيوننا قوية، وعيونكم فاجرة، عيوننا سليمة، وعيونكم مكسورة. نحن الذين قد يحتجزوننا في المطارات، وفي الفنادق، وفي المطاعم، وفي الحوانيت، وعلى قارعة الطريق، قد نؤجل شراء كتاب لأننا أغلى من الكتب، قد نهرب من دفع فاتورة المشروبات في مقهى صغير، لأن المقهى صغير، نحن الذين كل شيء، نحن الذين لا شيء. نحن الذين نعترف بآبائنا البسطاء وأمهاتنا الطيبات، ونلعنهم، نحن أحياناً الطريق بلا رفيق، أو الرفيق بلا طريق، أو الرفيق والطريق بلا هدف، نحن الذين لم نملك خطوط البرج الصاعد، ولا مؤهلاته، كأن نكذب بأريحية، كأن تكون جلودنا سميكة وناعمة بأريحية، كأن لا نحس بأذى منهم أقوى بأريحية، كأن نؤذي الأضعف بأريحية، كأن نفخر بالأمصال واللقاحات والفياغرا التي نتناولها بأريحية، نحن ما زلنا بشرا، ما زلنا مسكونين بالتعب والحيرة والبحث والتساؤل، نحن لا نسافر كل يوم إلى جزيرة، أو إلى جائزة أو إلى وليمة، أو إلى عنقاء مغرب، هل تعرفون عنقاء مغرب؟
 
نحن الذين نسخر من الرطانة ولا نحرض صاحب صحيفة على شاعر نكرهه، نحن الذين نحب النور لكي نرى الآخرين، لا لكي يرانا الآخرون، نحب التلفزيون لنجلس أمامه لا لنجلس داخله. نحن الذين لا نجبر تلاميذنا على النوم المبكر والخنوع من أجل أن ينجحوا، ولا نجبر تلميذاتنا على عدم النوم، وعلى مصاحبتنا إلى أسرّتنا من أجل أن ينجحن، لأننا بلا تلاميذ وبلا تلميذات، نحن نحب نزار قباني وصلاح عبدالصبور ويحيى حقي وإبراهيم المازني ورنيه حبشي وفؤاد كنعان ومحمود المسعدي ولا نتكسب بهم، نحن من ثلاثة حــروف، الحقيقــة من حــرفين فــقط، وأنتــم مــن كــــل الحروف، نحن فاشلون في إصلاحكم، وأنتم ناجحون في إفسادنا، نحن الغالبية، وأنتم السادة، نحن الاستثناء، وأنتم القاعدة، نحــن الــخونة، وأنــتم الأمناء، نحن الخونة جداً، وأنتم الأمناء جداً، نحن عبدالمنعم رمضان الضائع، الصعلوك، اللقيط، المقيت، العاشق، المهجور، المهان، الجبان، الضعيف، المريض، المصاب بكل الشرور، ذو الأظافر والأنياب، نحن سقراط ، وأبو ذر الغفاري، وعمّار بن ياسر، والحسين، والست زينب، والحلاج، ويا نسيم الريح، وغيلان الدمشقي، ومحــمد النفــس الزكيــة وأبو العــلاء المعري، ويوسفنايا وعبدالله النديم وعبدالحــميد الديب وتروتسكي، ونبيلة ومها وناريمان وليليان وهادي العلوي وجميلة إسماعيل وجمال حمدان وصنع الله إبراهيــم ونصــر حــامد أبو زيد، ونحـــن صغــار فعلاً، وأنتم كبار إلى أقصــى حــد، نحــن الضــلال، وأنتم المبعوثون لهدايتنا المنذرون لنا، آمين، آمين.
 
*عن صحيفة الحياة ، الصفحة الثقافية 23/04/ 2008

25 - أبريل - 2008
مقالات طريفة ولاذعة
تمهيد    كن أول من يقيّم

 
لا تعتمد هذه المنهجية على دراسة أقسام النص كما ترد بحسب تسلسلها ، بل تحاول قراءة أبعاده ومستوياته من حيث هو خطاب موجه إلى القارىء يهدف إلى إقناعه ، أو إبهاره ، أو التواصل معه ، أو رفده بالمعلومات ، أو يكون أحياناً مجرد وسيلة للتعبير عن مكنون الذات . الهدف إذن هو إيصال فكرة  ومضمون محدد يسعى الكاتب إلى إبرازه بواسطة أدوات تعبير فنية ، شعرية أو نثرية ، هي ما يفرق النص الأدبي عن غيره من النصوص . هكذا يكون المضمون والأسلوب متلازمان في النص الأدبي وتكون دراسة الأسلوب جزء لا يتجزأ من دراسة النص ككل ولا يجب بأية حال الفصل بينهما .
 
من هنا يجب تحاشي تقسيم النص إلى أسلوب ومضمون ، بل أن غاية الدراسة هي فهم كيف يتم التقاطع بين المضمون والأسلوب وكيف يتم توظيف وسائل التعبير الأدبية والمحسنات اللفظية من أجل خدمة المضمون الذي هو الهدف من الكتابة .
 
بهذه الطريقة سوف نتمكن من : (1)فهم الموضوع بصفة شاملة ومعمقة ، ( 2)تحديد ومواصفاته الأدبية والجمالية ، (3)والتمكن من تقييم مستواه الأدبي عبر قياس قدرته على التحكم بموضوعه وقدرته على استخدام الأدوات الفنية الفاعلة والمؤثرة في القارىء المتلقي .
 

25 - أبريل - 2008
كيف ندرس نصاً أدبياً ؟
العمل التحضيري    كن أول من يقيّم

 
التحضير للكتابة هو الجزء الذي يستغرق عادة القسم الأكبر من الوقت . وهي المرحلة التي يتهيأ خلالها الذهن للكتابة . وسوف نحاول شرحها هنا بخطوات عملية :
 
1ــ نبدأ طبعاً بقراءة النص قراءة وافية ، مرتين على الأقل مهما كان بسيطاً .
 
2ــ نقرأ حول النص ، كل ما نجده ويقع تحت أيدينا من معلومات تتعلق به ، أو بكاتبه ، أو بنصوص مشابهة تنتمي إليه بشكل من الأشكال بغية الاحاطة به من كل الجوانب وفهم ما بدا لنا غامضاً منه .
 
3ــ نبحث على هامش هذه القراءت عن معلومات تتعلق بالكاتب أو الكتاب تفيدنا أثناء التحرير .
 
4ــ نقوم بتحديد موقع النص ضمن الكتاب أو الديوان أو المجموعة القصصية تحديداً يبين دوره وموقعه في السياق العام لبقية النصوص .
 
5ــ نتوسع في البحث عن مناسبة النص التي عادة ما تكون المدخل الأساسي لفهم الغاية من كتابته ، والإحاطة بالمناخ العام الذي شهد ولادته ، وهي معلومات ثمينة وبغاية الأهمية كأن نعرف مثلاً مصدر اسم الكتاب أو مكان وزمان كتابته ، والمناسبة أو الحدث التاريخي أو الشخصي .
 
6ــ تحديد نوعه الأدبي بدقة والبحث في النص عن مقاطع ومقتطفات الهدف منها إظهار نوعه الأدبي .
 
7ــ البحث عن أدلة ومقاطع تشير إلى كيفية توظيف الكاتب لوسائل متنوعة كالنوع الأدبي ، والألفاظ ، وتسلسل الفقرات ، في خدمة الفكرة .
 
8ــ من خلال سبق سوف نتمكن من تلخيص نقاط نضعها قيد المراقبة أثناء القراءة سوف تساعدنا على استخلاص فرضيات البحث ، ويجب هنا أن لا تغيب عن أعيننا الأمور التالية :
*تركيب النص وحركته
*المعنى الظاهر والمعنى المركب
*المناخ الذي يغلف به الكاتب نصه ( تراجيدي ، كوميدي ، عاطفي ... )
*البحث في ذاكرتنا عن روابط ونصوص مشابهة ترفدنا بالمعلومات اللازمة لاستخلاص الأفكار وتحريرها من سطوة النص .
 
 
 

25 - أبريل - 2008
كيف ندرس نصاً أدبياً ؟
كلاكما على حق    كن أول من يقيّم

كل الشكر للأستاذ ( عيسوي ) على تشجيعه لي . ضياء إسم يعطى للإناث في بلادنا أكثر من الذكور بينما هو في مصر وبلدان أخرى إسم مذكر . من السهل جداً أستاذي التعرف على هوية كاتب التعليق في الوراق ، يكفي أن تنقر على الإسم الموجود على شمالك لكي تظهر لك صفحة الاشتراك التي هي بمثابة البطاقة الشخصية للكاتب .
 
أتمنى لو أتمكن من التوسع في تفاصيل كثيرة ذكرت حضرتك منها أهمها . لكنني غير متخصصة بالأدب العربي وسيستلزم مني هذا الموضوع البحث عن مراجع متخصصة والتنقيب فيها . مجال إختصاصي الفعلي هو الفلسفة لكني شغوفة بالأدب وتاريخه ، وما أكتبه اليوم هو ثمرة خبرتي بالكتابة والتعليم وولعي بقراءة النصوص الأدبية ، واطلاعي على بعض الكتب المنهجية في دراسة النصوص . لذلك ، أتمنى على الأساتذة المتخصصين في الأدب العربي إتمام هذه المحاولة ( وانا لم أنته من عرض هذه الطريقة بعد ) وتصويبها وإبراز دور المعرفة بتقنيات الكتابة وأدواتها في فهم أبعاد النص . أنا بالاختصار أتعدى على الكار وسعيدة بأنني أثرت هذه الزوبعة لأننا بحاجة إلى إعادة النظر دائماً بالمسلمات والعادات التي درجنا عليها .
 
وكل التحية والسلام للأستاذ صبري أبو حسين وخالص التقدير لجهوده الكريمة التي قدمها لهذا الموقع :
 
نعم أستاذي ، معك حق ، وكلامك صحيح في أغلبه ، الطلاب تجار علامات ويبحثون عن جمعها بأية وسيلة ، وهمهم الأساسي هو كيف نتمكن من النجاح والحصول على الدبلوم ؟ وهم لا يأبهون عادة للطريقة التي توصلهم إلى هدفهم . لكن مسألة المستوى التعليمي هي من مسؤولية الجامعات والأساتذة الذين يعدون البرامج ويقيمون الطلاب . هذه المسألة الشائكة لا تبدأ في الجامعة بل أن الأخطاء تتراكم على مدى سنوات الدراسة ومنذ مراحلها الأولى : النتيجة أن المستوى يتراجع بشكل مخيف .
 
كيف ؟ ولماذا ؟ هي من مستوى الطالب في المرحلة الثانوية الذي يجب عليه أن يفهم كيف ؟ ولماذا ؟ عند قراءته للنصوص . الطالب الجامعي عليه أن يتجاوز هذا إلى القدرة على البحث ، أي تقنية جمع المعلومات والجمع بين عدة مجالات معرفية والقدرة على النظر إلى المعلومات بعين ناقدة للتمييز بينها ، ومن ثم تبويبها وربطها بفكرة أو وجهة نظر تكون خاصة به . هذا كله من حيث المبدأ .
 
ما قلته أستاذ صبري عن أهمية دراسة الأسلوب الأدبي وتقنياته هو صحيح جداً وأساسي ولا بد منه . لذلك أتمنى عليك متابعة هذا العرض فيما بعد بنفس الوجهة التي ذكرها الأستاذ عيسوي وسأكون أول المستفيدين من هذا .
 
نعم ، نحن نقول ونعيد ونكرر ، وأنا أفهم ما تشعر به من إحباط أحياناً ، لكن قاعدة التعليم الأولى هي التكرار والإعادة لترسيخ المعلومات وتعميق الفكرة التي لن نمتلكها إلا بالممارسة وتراكم التجربة . وشكراً لكما .
 
 

27 - أبريل - 2008
كيف ندرس نصاً أدبياً ؟
 62  63  64  65  66