البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات عبدالرؤوف النويهى الحرية أولا وأخيرا

 61  62  63  64  65 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
الكتابة بين الذكورة والأنوثة وهوية النص (3)    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

ليست كتابات النساء العربيات الا امتدادا لمقاومة أمهاتهن وجداتهن على مر العصور الماضية , وليست هى تقليدا لكتابات النساء فى الغرب كما هو شائع ,لأنها تنبع من واقعهن وحاضرهن وماضيهن , و من المقاومة الفردية والجماعية لجميع أشكا ل الظلم و الاستبداد الداخلى والاستعمار الخارجى , وسلطة الآباء والأزواج داخل الأسرة , تحاول المرأة العربية عبر كتاباتها تشكيل حياة خاصة بها , ومحاولة تشكيل عقلها وخيالها وذاكرتها بعيدا عن الثقافة الذكورية السائدة والموروث الدينى والسياسى ,
وليس معنى ذلك الانفصال عن الواقع , أو القطيعة بين ما يسمى كتابة الرجا ل وكتابة النساء , فالجديد يولد من القديم , ثم ينضج ويستقل عنه , ويصبح له حياته الخاصة المميزة , انه طريق طويل وشاق لكنه ضرورى للنضج والاستقلال , داخل الزمان والمكان , وليس خارجهما , اذ أن الماضى لا ينفصل عن الحاضر أو المستقبل , والتاريخ البشرى حلقات متصلة , تتداخل فيه التجارب الانسانية للنساء والرجا ل وكافة الأجناس , ليست الثقافات والحضارات الا مزيجا لا نهائيا , شاركت فى صنعه كل الشعوب على اختلافها , لا توجد ثقافة ولا حضارة نقية , لا توجد هوية أحادية بل الدماء البشرية كلها مختلطة , منصهرة , ذكورا واناثا , بيضا وسودا وصفرا وحمرا وخضرا , شمالا وجنوبا وشرقا وغربا , من كل الأديان والعقائد , ذائبة كلها فى نسيجها الانسانى المتطور الى الأرقى الأكثر عدالة وحرية ومساواة ,الردة والتراجع عن الحقوق المكتسبة التقيت خلال السنين الماضية بعدد من الكاتبات والناقدات فى بلاد العالم , ولاحظت أن بعضهن أو أغلبهن قد تراجعن عن أفكارهن النسوية الثورية السابقة , أن الردة السياسية الدينية قد تركت آثارها عليهن شكلا وفكرا وسلوكا , بل ان بعضهن قد لجأن الى جراحات التجميل لشد جلد الوجه واخفاء التجاعيد , والى شفط الدهون وتركيب رموش أو أثداء صناعية أو شفتان مكتنزتان , والى ارتداء الحلقان الضخمة التى تتدلى من الأذنين , والى الكعوب العالية يتأرجحن عليها , و أثواب شفافة لها فتحات واسعة تكشف عن جزء من الثديين أو الفخذين , فى بلادنا العربية ظهرت الردة على شكل ارتداء النقاب أو الحجاب أو البونيه الذى تخفى به شعرها , وآيات القرآن التى ترددها وتستشهد بها , وكلمات مثل الهوية الدينية والخصوصة الثقافية أصبحت تجرى على الألسنة , لا شك أن التغطية والتعرية لجسم المرأة يعلنان عن فكرة واحدة , هى أن المرأة ليست الا جسدا يغطى لأسباب دينية قمعية أو يعرى لأسباب تجارية قمعية أيضا ,
كلاهما " القمع الدينى والتجارى" يتبعان النظام الذكورى الرأسمالى الذى يسود عالميا ومحليا , ولا يهمه الا الربح والمكاسب الاقتصادية , وان أدى ذلك الى اراقة الدماء فى الحروب , أو تشجيع التيارات الدينية والمذاهب الاثنية , وتقسيم الشعوب طائفيا كما يحدث اليوم فى العراق وفلسطين وغيرها من البلاد , ان جسد المرأة هو الأرض التى يتقاتل عليها الذكور سياسيا واقتصاديا ودينيا , والملابس التى نرتديها سواء كانت حجابا أو ثوبا كاشفا , ليست اختيارا حرا كما يردد البعض , بل هى نوع من الاجبار المتخفى تحت كلمات براقة جديدة مثل الحريات الدينية , التعددية الثقافية , الاختلافات المحلية وغيرها , تحت اسم الهوية والخصوصية الثقافية اندرجت بعض عمليات القمع الجنسى والسياسى للنساء , وأصبحت عمليات مثل ختان الاناث وتحجيبهن جزءا من هويتهن ,

9 - مايو - 2007
نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0
الكتابة بين الذكورة والأنوثة وهوية النص (4)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

وأصبح من الممكن لبعض الكاتبات والناقدات النسويات فى الغرب , وفى الشرق , الدفاع عن حق المرأة , فى الختان والحجاب , حفاظا على هويتها الأنثوية , لغة الأم ولبن الأم :تشكل لغة الأم مع صوتها مع كلماتها مع جسدها وثديها ولبنها عقل الأطفال الوعى واللاوعى , وذاكرتهم الارادية واللاارادية , وخيالهم الواقعى والخرافى ,
لكن هذه العناصر جميعا التى تصنع " الأم المرأة الأنثى " قد أصبحت كلها عناصر ذكورية أبوية طبقية , لهذا يرضع الأطفا ل مع لبن الأم ومن خلال كلامها وأنفاسها القيم التى تمجد الذكورة والأبوة والسلطة والما ل , والتى تحقر الفقر والأنوثة وكل ما يرتبط بهما من صفات , لهذا فان فكرة بعض الناقدات النسويات فى السنين الأخيرة , التى تدعو الى الكتابة بلبن الأم , بأمل الانسلاخ عن الثقافة الذكورية والتحرر منها , هى فكرة غير صحيحة أو غير ممكنة , لأن أغلب الأمهات قد تشبعن بالقيم الذكورية الى حد أن ثديهن و لبنهن أصبح ذكوريا وليس عقلهن فقط أو كلامهن ولغتهن
أصبحت بعض الأمهات ( أو أغلبهن ) أكثر قمعا لبناتهن من الأب , تحت تأثير التيارات السياسية الدينية المتطرفة و النعرات المتشدقة بشعارات الهويات الدينية والهويات القومية والسياسية وأيضا الهويات الجنسية ذكورية وأنوثية , هل هناك نص ذكورى ونص أنوثى ?
تتميز الكتابة الابداعية ( للرجا ل والنساء ) بقدرتها على الجمع بين العمل الابداعى والعمل السياسى الفكرى أو الايديولوجى , لأن الابداع يعنى اعادة التفكير فى كل شىء موروث وان كان مقدسا , والى اعادة تفكيك القيم والافكار والمقدسات التى تلعب دورا فى تشكيل القوانين السياسية والاقتصادية والأخلاقية فى حياة الرجا ل والنساء ,الا أن هناك فرق بين الرجل المبدع وزوجته المبدعة , لسبب واضح , أن سلطة الرجل الموروثة ومفهومه لمعنى الرجولة ومصلحته فى الحفاظ على امتيازاته يفرض عليه الحفاظ على هذه الميزات , وبالتالى تقييد حرية زوجته الفكرية والجسدية معا , قد ينجح الرجل المبدع فى الثورة على الرأسمالية أو العولمة أو الاستعمار أو القهر الطبقى الواقع على العمال والفلاحين أو السود وشعوب العالم الثالث , الا أنه يعجز عن تغيير خياله أو مفهومه عن معنى الشرف وارتباطه باسم الأب للأطفا ل , أو معنى رجولته كرجل يزهو بغزواته الجنسية للنساء , أو معنى أنوثة المرأة من حيث الخضوع له , وطاعته , ودورها فى الحياة بالنسبة له كزوجة أو حبيبة أو عشيقة أو مومس , أو أم أو ابنة أو أخت أو غيرها , ربما تميزت كتابات بعض النساء فى بلادنا بالقدرة على اعادة النظر فى هذه القيم الذكورية وربطها بالقيم الطبقية , أصبحت بعض الكاتبات المبدعات أكثر قدرة على تفكيك القيم الأبوية الطبقية , والغاء الفواصل الموروثة بين القهر الاقتصادى والقهر الجنسى , كشفت بعض كتابات النساء المبدعة عن التناقضات التى تسود الفكر الذكورى الموروث هناك نماذج من هذه الكتابات بدرجات مختلفة , فى بعض أعما ل عائشة التيمورية , وكوكب حفنى ناصف , وباحثة البادية , ومى زيادة , وأمينة السعيد , ولطيفة الزيات , وكوليت خورى , ونوا ل السعداوى , وفاطمة الميرنيسى , ونهاد صليحة , وسلوى بكر , ويسرى المقدم , وعلوية صبح , ومنى حلمى , وسمر يزبك , وأمنية أمين , وغيرهن كثيرات )
أن يكون للمرأة الكاتبة نص أنثوى ? كأنما تكتب بالهرمونات المؤنثة ,
كأنما ليس هناك ما يشغل عقل الكاتبة الا ما يتعلق بالجسد والجنس وحب الرجل والتضحية من أجله , والخضوع له ,
وان تناولت الكاتبة أمور الفكر والسياسة والاقتصاد والفلسفة فهل يكون نصها ذكوريا ?
ا يمكن أن ننكر أثر الهرمونات على المزاج والتفكير , لكن هرمون الاستروجين الأنثوى ليس مصدر صفات الأنوثة السائدة اجتماعيا من حيث الخضوع والضعف , كما أن هرمون الذكورة البريجستون لبس السبب وراء العنف الذى يميز الرجولة ,
ان هذه الصفات التى تشتمل على العنف والاقدام أو على الضعف والاستسلام فد تصيب الرجا ل أو النساء حسب التربية والبيئة والقيم السائدة , وبالمثل فى الكتابة , تتأثر كتابات الرجا ل والنساء بالبيئة والمجتمع وليس بكونهم ذكورا أو اناثا ,النص الشجاع المحرض على الصدق والحرية والعد ل : فى رأيى أننا نهرب من الأسئلة الصعبة الى الأسئلة السهلة , مثل
هل هناك نص ذكورى ونص أنثوى ?
 هل هناك طبيعة للأنثى وأخرى للذكر ?
 هل هناك أخلاق للرجل وأخرى للمرأة ?
هل الحجاب يدل على أخلاق المرأة ?
وكم نستهلك من الوقت والجهد فى الجد ل حول الحجاب أو النقاب أو زى النساء ولا نتكلم عن جوهر الأخلاق , لأن جوهر الأخلاق لا يفرق بين ملابس الرجا ل والنساء , ولا بين شرف الرجل وشرف المرأة , فالشرف الحقيقى هو الصدق والعدل والحرية وغيرها من المبادىء الانسانية العليا , وكذلك أيضا بالنسبة لجوهر الابداع والنقد الأدبى , ان النص الصادق المحرض على الصدق هو النص المطلوب , بصرف النظر من يكتبه ? رجل , امرأة , أسود , أبيض , شرقى , غربى , بوذى , مسيحى , اسلامى , يهودى , هندوكى , أسيوى , افريقى , أمريكى , جنوبى , شمالى , مصرى , سورى , حبشى , صومالى , الخ ,,,
علينا أن نفرق بين النص الصادق والنص المصطنع , بين النص المستسلم المحرض على الاستسلام للقهر والظلم , والنص المحرض على المقاومة والتحدى والعدل والحرية , والاستقلال للنساء والرجا ل وجميع شعوب العالم ,
علينا أن نفرق بين نص دعائى اعلانى تجارى يشبه السلع الاستهلاكية , ونص آخر انتاجى خلاق متمرد على آليات السوق الحرة المزيفة , واللغة السيا سية أو الدينية والثقافية المزيفة للواقع والحقيقة التى يعيشها الناس كل يوم ,
علينا أن نفرق بين نص يرفع الحجاب عن العقول لترى الظلم والقهر والاستبداد الداخلى والخارجى وتتمرد وتثور , وبين نص يحجب العقول والوجوه ويمنع عنها الرؤية الواضحة والضوء ,
ان الانشغا ل بجنس النص الأدبى والنقدى , ذكرا أو أنثى , يدل على أن أمور الجنس لا تزا ل تشغلنا , كما يشغلنا جسد المرأة أو نهدها أو وجهها أو ساقيها عن فكرها وعقلها وسلوكها ونضالها من أجل العدل والحرية ,
ان هذا الحماس الكبير فى بلادنا لحجاب المرأة لا يدل على حماس لجوهر الاخلاق بل يكشف عن ضعف الاخلاق , الى حد سقوط الرجا ل فى الرذيلة ان كشفت امرأة عن وجهها أو رأسها , وبالمثل ان النقاد الذين يسعون لمعرفة ذكورة أو أنثوية النصوص الأدبية والنقدية
هم مشغولون بالجنس أو يعانون الحرمان الجنسى الى حد التلصص من شقوق الشيش على حمام الكاتبة للتأكد من كونها أنثى وليس ذ
كرا !
 
دكتورة /نوال السعداوى ،موقع الحوار المتمدن،العدد 1910 فى 9/5/2007

9 - مايو - 2007
نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0
لبنان الأخضر لبنان000مىّ زيادة (5)    كن أول من يقيّم

 
من هو المنبّه إلى تكوين هذه المدنية القومية?
هو فتى كان بالأمس يقصد الشام في عير قريش للتجارة, وهو اليوم محمد النبي العربي ورسول المسلمين.
أما مصدر تلك الحضارة فهو القرآن.
لقد ذاع القرآن بسرعة لم يظفر بها كتاب قبله ولا بعده. ولم يقصر انتشاره على الشعوب التي نزل بينها وتوافقت تعاليمه ومدركاتها وطبيعتها. بل خضعت له بعدئذ أمم لها من حضارتها السحيقة ما قد كان يُعدُّ كافيًا للتفلّت من سطوته ورفض الإذعان لأحكامه.
ولقد أوجد القرآن دينًا عربيّا, ودولة عربية, وأحكامًا عربية, وآدابًا عربية صارت كلها أجزاء قومية واحدة ربطت شعوبًا لم تكن العربية لغتها. لذلك قال جماعة من المؤرخين:
 إن التمدن العربي كان تمدنًا إسلاميًا صرفًا.
والقرآن مصدر جميع العلوم التي عني بها المسلمون في أوج حضارتهم. فلتفسير آياته وسوره وجدت علوم الكلام وعلوم المنطق, ولتفهُّم ما فيه من نظام وتشريع وُجدت علوم الشرع والفقه.
- إن الذي كان باعثًا على تكوين المدنيَّة العربية هو هو الذي ما زال حافظها إلى اليوم: هو القرآن.
لذلك ستظل اللغة العربية حية ما دام الإسلام حيّا وما دام في أنحاءِ المسكونة ثلاثمائة مليون من البشر يضعون يدهم على القرآن حين يُقسمون 0
************************
من كتاب (بين الجزر والمد), 1924
 
 

9 - مايو - 2007
نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0
لبنان الأخضر لبنان 0000مىّ زيادة (6)    كن أول من يقيّم

                     المواكب
 
اقترحت عليّ مجلة (الهلال) كتابة فصلٍ عن (المواكب) وإنى لأجدُ مشقةً في تلبيةِ كلَّ اقتراح لأنه يذكِّرني نوعًا بالفروض المدرسية التي يقيَّد التلاميذ بموضوعاتها المعيَّنة, وإن لم يكونوا بالأفكار وبأسلوب إيرادها, مقيَّدين. ومؤلف (المواكب) من الكتَّاب الذين أفضِّل على البحثِ في مواهبهم الوقوفَ على رأى الغير فيهم, مؤثرةً على هذا وذاك تصفُّح ما تخطّهُ أقلامهم.
- ما في مقدوري لا يتعدّى الاغتباط بالنظر إلى المعاني وإِلي كيفية التصرّف بها, كأحد غواة الفن Amateur. على أن هذا النظر البسيط لا يتفق مع نظر الآخرين إِلاَّ إلى حدٍّ يصبحُ عندهُ مخالفًا لرأي كل من عرفوا جبران خليل جبران مفكرًا. وكأني بهؤلاء قد أقاموا عنهم نائبًا ينطق بلسانهم في شخص نسيب أفندي عريضه الذي وضع (للمواكب) مقدمة دلّت على ما عنده من فكرٍ دقيق وفؤادٍ طروب.
فنسيب أفندي يخبرنا بأن مؤلف (المواكب) كان متمرِّداً في كل حياته الكتابية; (يعرف ذلك من طالع كتبه وأهمها (الأرواح المتمرّدة) و(الأجنحة المتكسرة); فهو يقفُ وأبطاله وبطلاته متمردين لا على عدوٍّ ظاهرٍ حقير بل على الحياة نفسها). لم أفهم جيدًا ماذا يقصد بالتمرُّد (على الحياة نفسها). وأي حياةٍ هي (نفس الحياة) في نظر صاحب المقدمة? أحياةُ المدنيةِ التي يعبدها جبران أفندي وإِن أزعجه ما فيها من سخافة, وهو لا يشبعها هجوًا وتقريعًا إِلاّ لأنه يعبدها? أم حياة الطبيعة التي يؤلِّهها هذا اللبناني الذي جعل وادي قاديشا في نفسه اندفاع مياههِ وجلال الغابة التاريخية القائمة في جوارهِ?
حسنٌ جدّاً.
إِذن نحن أمام رجل متمرد على أنظمة البشر. ومن جهة أخرى تراه يدافع عنها مفسرًا ما فيها من لبس وإشكال, مقررًا أنها أعراض ضرورية للسير نحو الجوهر المطلق, وهو واثق بذلك إلى حدِّ الارتياب في زوال هذه المدنية. فيقول قد (تكون المدنية الحاضرة عرضًا زائلاً).
إِنها عرضٌ زائل بلا (قد) وبلا ريب, لأنّ كل مُقبلٍ يسير إِلي الإدبار, وكل صرح يُدركهُ الخراب ليشاد غيرهُ على أنقاضهِ, وكل مدنية تنهارُ وتتلاشى لتقوم مقامها مدنيةٌ جديدة. (قد), (لو), (هل), (لكن), (لماذا), أهذه هي الكلمات التي ينصبُّ فيها غيظ المتمرّدين?
إِني أراها, على كل حال, متّفقةً تمام الاتفاق مع قول بطل (الأجنحة المتكسرة) عند ذكر الفراق الأخير (أخير في الرواية):
(وكم مرةٍ فكرت منذ تلك الليلة إِلى هذه الساعة بالنواميس النفسية التي جعلت سلمى تختار الموت بدلاً من الحياة. وكم مرة وضعت نبالة التضحية بجانب سعادة المتمردين لأري أيهما أجلّ وأجمل).
لنقفنَّ هنيهةً عند (سعادة المتمردين), فهي نقطة جوهرية. هو متمرد التمرُّدَ اللازم للشعور بتلك (السعادة) المفاجئة الفائضة على النفس إحساسًا جديدًا, وتأثيرًا لم تختبره من ذي قبل, وهزةً عجيبة تنبسطُ لها جوانب الكيان. هو أليف الحماسة مهبط الوحي, التي تطلبُ أبدًا تحريضًا حديثًا يمكِّنها من إِبداع أساليب مجهولة. وكما تتجاوبُ الأصوات والأنغام, وتأتلف الألوان والعطور في هيكل الطبيعة كذلك هي في هيكل الإنسان. ولكنها لا تفطنُ لها إِلا الأعصاب التي دوزنها التوتُّر والتيقُّظ, أعصابُ الشعراء والفنانين, لا سيما إِذا كانوا من الرمزيين. وجبران أفندي مع ما يرمي إِليه دوامًا من إِصلاح محسوس, ومع ما يبقي عليه من الحصافة والرزانة حتى في أوسع شوارده الشعرية, كثيرًا ما تراه في حالة الانجذاب لا يدرى أهو يستنشق الألحان, أو يسمع الألوان, أو يرقد على حزمة من متجمِّعات الأشعة, فينشد:
هـل تحممت iiبعطر وتـنـشـفت iiبنور
وشربت الفجر خمراً فى  كؤوس من iiأثير
فكيف لا يبحث مثل هذا المزاج عن خبرات غير مألوفة? وأي شيء أطرب للفنان من الضرب على اليد القوية التي سنَّت قوانينَ الاجتماع واصطلاحاته, لا سيما إِذا قاومت إحدى رغباته, أو قاسي بسببها العذاب يومًا? هل تألَّم مؤلف (المواكب) من تلك القيود? إنه تألم من بعضها, بلا شك, بفكره وبقلبه وبكبريائه. تألم شديدًا حتى بلغ الدرجة الابتدائية من سلم الحكمة حيث يتعلم المرء الجرأة والخروج على ما يعذِّبه. ولكن هذه القيود ضرورية له ميدانًا تبرز فيه قوَّته ويمرِّن عليها مجهوداته, فهو لا يُبدلها بألف حريةٍ معًا, إنه في حاجة إِلي ما تقدمه إِليه من ضغط ومقاومة يصيبان منه خفايا النفس فينبثق في جوانبها ينبوع الوحي والإلهام.
نشوة الأحلام, نشوة الوحي, إِن هذا الفنان ليستخدم كل شيءٍ للحصول عليها, يستخدم حتى أشرف العواطف وأرفعها حيث يقول:
والحب فى الروح لا فى الجسم نعرفه كـالـخمر للوحى لا للسكر iiينعصرُ
وما نشوة الوحي, ونشوة العاطفة, ومجد الفكر والعمل المتقن إِلاّ سبل مؤدية إِلي تلك الكعبة التي ما برحت الإنسانية سائرة نحوها منذ فجر الوجود, والتي يحنُّ إِليها الشاعر ويُحسن التعبير عنها أكثر من غيره, ألا وهي السعادة. هو يحدّق في موكب السعادة حينًا فتعود إِليه ذكرى كل ما حسبه سعادة في الماضي, فيقلب شفته لما أبقت له من مرارة ومللٍ ويرسل هذه الحكمة الرائعة:
ومـا السعادة فى الدنيا سوى iiشبح يُـرجى فإن صار جسماً ملَّهُ iiالبشرُ
لم يسعد الناس إلا فى تشوقهم إلى الـمـنـيع فإن صاروا به فتروا
فى (المواكب) كما في (المجنون) أكاد أتبيّن تأثير نيتشه, وإِن كانت بسمة التهكم الفني الدقيق التي نراها عند جبران أفندي لن تشبه أبدا ضحكة نيتشه ذات الجلبة الضخمة المزعجة. إن الشاعر السوري فنّان في كل شيء ونظرة واحدة إِلي كتاب (المواكب) تكفي لتعرُّف ما عنده من ذوقٍ بسيط أنيق. ولا تقيم المرارة لديه طويلاً لأنه يعود إِلي ذكر الطبيعة وحبها, وينشد مطربًا حزنه ولهفه بغُنْيَةٍ عذبة:
ليس حزن النفس إلا ظـل وهـم iiلايدوم
وغـيوم النفس iiتبدو مـن  ثناياها النجوم
ولكني أود أن أضيف مغالطة أخرى, وهي هذه: أعتقد أن ذاتية الكاتب لم تدرك بعد استعدادها الأقصى ولم تقف إِلي الآن على ذروة اقتدارها, سواء في التصوير والكتابة ما زال جبران أفندي خليل جبران متسلقًا كتف الجبل الذي قيدته الأقدار بالتصعد عليه. وسيتابع الصعود (متمردًا), ما دام كلفًا بهذا النعت, وراء ستار الهجو والتهكم بالرموز والأمثال, ولكنه سيصل يومًا إِلي القمة فنسمع منه عندئذ أجمل أنغامه, ونلمح أسمى هيئة من نفسه الغنية السنية التي تسطع في أرجائها الأضواء وترعى في جوانبها الأظلال.
قلت (الأظلال) وأعني تلك الأظلال التي (تبدو من ثناياها النجوم) كما يبدو معنى الامتثال والاستسلام من خلال ضجيج التمرد والعصيان
*********************
مجلة (الهلال), يوليه 1919
 
 

9 - مايو - 2007
نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0
لبنان الأخضر لبنان00مىّ زيادة (7)    كن أول من يقيّم

              أنتَ أيها الغريب
 
أنا وأنت سجينان من سجناء الحياة, وكما يُعرَف السجناء بأرقامهم يُعرَف كلُّ حي باسمهِ.
- بنظرك النافذ الهادئ تذوقتُ غبطة من لهُ عينٌ ترقبه وتهتم به. فصرت ما ذكرتك إلاّ ارتدت نفسي بثوب فضفاض من الصلاح والنبل والكرم, متمنية أن أنثر الخير والسعادة على جميع الخلائق.لي بك ثقةٌ موثوقة, وقلبي العتيُّ يفيض دموعًا.سأفزع إلى رحمتك عند إخفاق الأماني, وأبثك شكوى أحزاني -
 
أنا التي تراني طروبة طيارة.وأحصي لك الأثقال التي قوست كتفيَّ وحنت رأسي منذ فجر أيامي - أنا التي أسير محفوفة بجناحين متوجة بإكليل.وسأدعوك أبي وأمي متهيبة فيك سطوة الكبيروتأثير الآمر.
وسأدعوك قومى وعشيرتى, أنا التي أعلم أن هؤلاء ليسوا دوامًا بالمحبين.
وسأدعوك أخي وصديقي, أنا التي لا أخ لي ولاصديق.
وسأطلعك على ضعفي واحتياجي إلى المعونة, أناالتي تتخيل فىَّ قوة الأبطال ومناعة الصناديد.
وسأبين لك افتقاري إلى العطف والحنان, ثم أبكى أمامك, وأنت لا تدري .
وسأطلب منك الرأي والنصيحة عند ارتباك فكري واشتباك السبل.
كل ذلك, وأنت لا تعلم!
سأستعيد ذكرك متكلمًا في خلوتي لأسمع منك حكاية غمومك وأطماعك وآمالك. حكاية البشرالمتجمعة في فرد أحد.
وسأتسمع إلى جميع الأصوات علِّي أعثر على لهجة صوتك.
وأشرِّح جميع الأفكار وأمتدح الصائب من الآراء ليتعاظم تقديري لآرائك وأفكارك.
وسأتبين في جميع الوجوه صور التعبير والمعنَى لأعلم كم هي شاحبة تافهة لأنها ليست صور تعبيرك ومعناك.
وسأبتسم في المرآة ابتسامتك.فى حضورك سأتحول عنك إلى نفسي لأفكر فيك,وفى غيابك سأتحول عن الآخرين إليك لأفكر فيك.
سأتصورك عليلاً لأشفيك, مصابًا لأعزيك,مطرودًا مرذولاً لأكون لك وطنًا وأهل وطن, سجينًا لأشهدك بأي تهور يجازف الإخلاص, ثم أبصرك متفوقاً فريدًا لأفاخر بك وأركن إليك.
وسأتخيل ألف ألف مرة كيف أنت تطرب, وكيف تشتاق, وكيف تحزن, وكيف تتغلب على عاديّا لانفعال برزانة وشهامة لتستسلم ببسالة وحرارة إلى ّالانفعال النبيل. وسأتخيل ألف ألف مرة إلى أي درجة تستطيع أنت أن تقسو, وإلى أي درجة تستطيع أنت أن ترفق لأعرف إلى أي درجة تستطيع أنت أن تحب.
وفى أعماق نفسي يتصاعد الشكر لك بخورًا لأنك أوحيت إليّ ما عجز دونه الآخرون.
أتعلم ذلك, أنت الذي لا تعلم?
أتعلم ذلك, أنت الذي لا أريد أن تعلم?
**********************
من كتاب (ظلمات وأشعة), 1923
 

9 - مايو - 2007
نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0
العراق فى القلب 000نازك الملائكة(1)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم



جـئتُ ياعراقُ iiأُغنِيك وبعضٌ من الغناء بكاءُ
 
العراقُ الثورة0
العراق المجدُ0
العراق الحضارة0
العراقُ الخلودُ0
 
رغم الدمار والإحباط اللذين سادا العراق ما يٌقرب من ثلاثة عقود ،إلا أنّ أشقاءنا صامدون ،صامدون ،صامدون ،يبحثون عن الحياة الحرة الكريمة الأبية التى لا تقبل ظُلماً ولاتهضم احتلالاً غاشماً ،يعود بهم إلى التوحش والاقتتال والقضاء على أنفسهم ،وتدمير بعضهم البعض 0
 
هذا أبداً لن يكون ،ولن يدوم ، والتاريخ شاهدٌ حىُّ على أن العراقَ مقبرةُ الغزاة 0
 
لم ولن يستسلم العراقُ إلى الإحباط الكامل والضياع فيه ،بل استمد من الشعور بالخطر والضعف، قوةً، فراح يبحث فى قلب هذا الحُطام عن ذاتيته الأصيلة ،وحضارته المجيدة ،ووجوده المُبدع الخلاّق0
بغداد ،البصرة ،كركوك ،كربلاء ،الكوفة0000،000،0بلدُ لن يموت ،وحضارةُ لن تنهزم أمام جحافل المغول الُجُدد، وتتار الألفية الثالثة، وسماسرة بيع الشعوب0
 
العراقُ فى القلب 000
 
العراقُ000حياةُ 00ووجودُ 00وخلودُ0
 

10 - مايو - 2007
نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0
العراق فى القلب000نازك الملائكة (2)    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :

ولدت الشاعرة والأديبة المتميزة / نازك، في بغداد، العراق، في 23 / 8 /1923م  ونشأت في بيت علمٍ وأدب ،  أمها الشاعرة/ سلمى عبد الرزاق ، وأبوها الأديب الباحث/ صادق الملائكة ، فتربَّت على الدعة وهُيئتْ لها أسباب الثقافة والتفوق. وقد قضت أعوام صباها مع أسرتها. وما أن أكملتْ دراستها الثانوية حتى انتقلت إلى دار المعلمين العالية وتخرجت فيها عام 1944 بدرجة امتياز ، ثم سافرت إلى أمريكا للاستزادة من معين اللغة الانكليزية وآدابها عام 1950م ، وعُينت أستاذة مساعدة في كلية التربية في جامعة البصرة .
 تجيد من اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية واللاتينية ، وتحمل شهادة الليسانس من كلية التربية ببغداد ، والماجستير في الأدب المقارن من جامعة وسكونس بأمريكا .
مثّلت العراق في مؤتمر الأدباء العرب المنعقد في بغداد عام 1965 .
قرأتُ فى مطلع الصبا ،بعض قصائدها وحفظتها ،وأدمنتُ شعرها وكنت أكتبه بخط يدى بكراسة ،مختارات منه،وأحسبنى مُقدرا لها قصيدتها  البديعة  أثناء حرب أكتوبر 1973،ومطلعها المبهج والقوى (الله أكبر)0
 من أعمالها الشعرية
عاشقة الليل  صدر عام 1947.  
شظايا ورماد  صدر عام 1949.
قرارة الموجة  صدر عام 1957.
شجرة القمر  صدر عام 1965.
مأساة الحياة وأغنية للإنسان  صدر عام 1977 .
للصلاة والثورة  صدر عام 1978.
يغير ألوانه البحر  طبع عدة مرات،آخرها بمصر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة0
الأعمال الكاملة - مجلدان ?دار العودة بيروت ( عدة طبعات ).
وتقديراً لدورها الرائد ،أخذ المجلس الأعلى للثقافة بمصر طبع أعمالها الكاملة ،طباعة فاخرة تليق بدورها الإبداعى
ولها من الكتب:
قضايا الشعر المعاصر.
التجزيئية في المجتمع العربي.
الصومعة والشرفة الحمراء.
سيكولوجية الشعر.
ولن أنسى المناضلة الفكرية والنقدية بينها وبين الدكتور /النويهى ،بشأن قضايا الشعر الجديد 0
كتبت عنها دراسات عديدة ورسائل جامعية متعددة في الكثير من الجامعات العربية والغربية.
نشرت ديوانها الأول " عاشقة الليل " في عام 1947،
 وكانت تسود قصائده مسحة من الحزن العميق فكيفما اتجهنا في ديوان عاشقة الليل لا نقع إلا على مأتم، ولا نسمع إلا أنيناً وبكاءً ، وأحياناً تفجعاً وعويلاً " وهذا القول لمارون عبود.
ثم نشرت ديوانها الثاني شظايا ورماد في عام 1949،،
 وتنافست بعد ذلك مع بدر شاكر السياب حول أسبقية كتابة الشعر الحر، وادعى كل منهما انه اسبق من صاحبه،وانه أول من كتب الشعر الحر ونجد نازك تقول في كتابها قضايا الشعر المعاصر " كانت بداية حركة الشعر الحر سنة 1947،ومن العراق ، بل من بغداد نفسها ، زحفت هذه الحركة وامتدت حتى غمرت الوطن العربي كله وكادت ، بسبب تطرف الذين استجابوا لها،
 تجرف أساليب شعرنا العربي الأخرى جميعاً،وكانت أول قصيدة حرة الوزن تُنشر قصيدتي المعنونة " الكوليرا " وهي من الوزن المتدارك ( الخبب).
 ثم تبين لها بعد دراسة متأنية وما أثاره النقاد من أنها  أى نازك قد اشتطت فى التأكيد على ريادتها للشعر الحر ،وأن هناك محاولات عديدة سبقتها لعلى أحمد باكثير وغيره ،ومن ثم عدلت وفى الطبعة الخامسة من كتابها سالف الذكر ،وقالت :عام 1962 صدر كتابي هذا ، وفيه حكمتُ أن الشعر الحر قد طلع من العراق ومنه زحف إلى أقطار الوطن العربي، ولم أكن يوم أقررت هذا الحكم أدري أن هناك شعراً حراً قد نظم في العالم العربي قبل سنة 1947م سنة نظمي لقصيدة (الكوليرا) ثم فوجئت بعد ذلك بأن هناك قصائد حرة معدودة قد ظهرت في المجلات الأدبية والكتب منذ سنة 1932، وهو أمر عرفته من كتابات الباحثين والمعلقين لأنني لم أقرأ بعد تلك القصائد في مصادرها ".
 

10 - مايو - 2007
نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0
العراق فى القلب000نازك الملائكة (3)    كن أول من يقيّم

 
عُـدْ بِـي يـا زورقي الكَلِيلا فَـلَنْ  نَرَى الشاطيءَ iiالجَمِيلا
عُـدْ بِـي إلـى مَعْبَدِي iiفإنّي سَـئِـمْتُ  يَا زَوْرَقِي الرَّحِيلا
وضِـقْـتُ  بالموجِ أيَّ ضِيقٍ ومـا  شَـفَى البحرُ لي iiغَلِيلا
إلامَ يـا زورقـي iiالـمُـعَنَّى نَرْجُو إلى الشَّاطِيءِ الوُصُولا?
والـمَـوْجُ مِـنْ حَولنا iiجِبَالٌ سَـدَّتْ عَـلى خَطْوِنَا iiالسَّبِيلا
والأُفـقُ  مِـنْ حَـولنا iiغُيُومٌ لا  نَـجْـمَ فِـيـه لَـنَا iiدَلِيلا
كَـمْ  زَورقٍ قـبـلَـنا iiتَوَلَّى وَلَـمْ يَـزَلْ سَـادِراً iiجَـهُولا
فَـعُـدْ  إلـى مـعبدي iiبقلبي وَحَـسْـبُ أيـامـنـا iiذُهولا
*             *            ii*
حـسـبُـكَ يا زورقي iiمَسيراً لـن  يُـخْدَعَ القلبُ iiبالسَّرابِ
وارجِعْ،  كما جِئْتَ ، غيرَ دَارٍ قـد  حَـلُـكَ الجوُّ iiبالسَّحَابِ
وَمَـلَّ مـجـدافُـكَ الـمُعَنَّى تَـقَـلُّـبَ  الـموجِ iiوالعُبَابِ
ولـم  يَـزَلْ مـعـبدي بعيداً خَـلْـفَ  الدياجيرِ iiوالضَّبَابِ
يَـشُـوقُني الصَّمْتُ في iiحِمَاهُ وَفِـتْـنَـةُ الأَيْـكِ iiوالرَّوَابي
عُـدْ بـيَ يـا زورقـي iiإليهِ قَـدْ حَانَ ، يا زورقي ، iiإِيَابِي
مَـا  كَفْكَفَ البَحْرُ من دُمُوعِي ولا  جَـلا عَـنّـيَ اكْـتِئَابي
فَـفِـيمَ في مَوْجِهِ اضطرابي? وأيـنَ ، يا زورقي ، رِغَابِي?
*             *            ii*
تَـائِـهَـةٌ ، والـحـياةُ iiبحرٌ شَـاطِـئُـهُ  مُـبْـعِدٌ iiسَحِيقُ
تَــائِـهَـةٌ والـظـلامُ iiدَاجٍ والصَّمْتُ  تحتَ الدُّجَى iiعَمِيقُ
يَـا  زورقـي آهِ لَـوْ iiرَجَعْنَا مِـنْ قَـبْـل أَنْ يَخْبُوَ iiالبَرِيقُ
انْـظُـرْ حَـوَالَيْكَ ، أَيُّ iiنَوْءٍ تَـجْـمَـدُ  مِنْ هَوْلِهِ iiالعُرُوقُ
الـبـحرُ  ، يا زَورقِي iiجُنُونٌ ومــوجُـهُ ثَـائِـرٌ iiدَفُـوقُ
وَكُـلّ  يَـوْمٍ لَـهُ صَـرِيـعٌ فـي  هَـجْعَةِ الموتِ لا iiيُفِيقُ
وَأَنْـتَ فـي الموجِ iiوالدياجِي يـا زورقـي فـي غَدٍ غَرِيقُ
فَـعُـدْ  إلى الأمْسِ ، عُدْ iiإليهِ قـد شَـاقَـني أَمْسِيَ iiالوَرِيقُ
*             *            ii*
مَـاذَا  وَرَاءَ الـحياةِ ? مَاذَا ii? أَيُّ  غُـمُـوضٍ ? وَأَيُّ سِـرِّ
وَفِـيمَ  جِئْنَا ? وَكَيْفَ نَمْضِي? يـا  زورقـي ، بَلْ لأَيِّ بَحْرِ
يَـدْفَـعُـكَ  الـموجُ كُلَّ iiيَوْمٍ أَيْـنَ تُـرَى آخِـرُ iiالـمَـقَرِّ
يـا زورقـي طَالَ بي ذُهُولي وَأَغْـرَقَ  الـوَهْمُ جَوَّ iiعُمْرِي
أَسْـرِي كَمَا تَرْسُمُ المقادِيرُ لي إلـى حَـيْـثُ لَـسْتُ iiأدْرِي
شَـرِيـدَةٌ  فـي دُجَى iiحَيَاتِي سَـادِرَةٌ فـي غُمُوضِ iiدَهْرِي
فَـخَـافِـقٌ شَـاعِرٌ ، iiوَرُوحٌ قَـالَ  لـهـا الدَّهْرُ لا iiتَقَرِّي
وَنَـاطَـهَـا  بِـالذُّرَى iiتُغَنِّي وَتَـنْـظِـمُ  الكَوْنَ بَيْتَ شِعْرِ
12/6/1945م

10 - مايو - 2007
نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0
العراق فى القلب000نازك الملائكة (4)    كن أول من يقيّم

 
َفيمَ نخشَى الكلماتْ
وهي أحياناً أكُُفٌّ من ورودِ
بارداتِ العِطْرِ مرّتْ عذْبةً فوق خدودِ
وهي أحياناً كؤوسٌ من رحيقٍ مُنْعِشِ
رشَفَتْها، ذاتَ صيفٍ، شَفةٌ في عَطَشِ
* * *
فيم نخشى الكلماتْ ?
إنّ منها كلماتٍ هي أجراسٌ خفيّهْ
رَجعُها يُعلِنُ من أعمارنا المنفعلاتْ
فترةً مسحورةَ الفجرِ سخيّهْ
قَطَرَتْ حسّا وحبّاً وحياةْ
فلماذا نحنُ نخشى الكلماتْ?
* * *
نحنُ لُذْنا بالسكونِ
وصمتنا، لم نشأ أن تكشف السرَّ الشِّفاهُ
وحَسِبنا أنّ في الألفاظ غُولاً لا نراهُ
قابعاً تُخْبئُهُ الأحرُفُ عن سَمْع القرونِ
نحنُ كبّلنا الحروف الظامئهْ
لم نَدَعْها تفرشُ الليلَ لنا
مِسْنداً يقطُرُ موسيقَى وعِطْراً ومُنَى
وكؤوساً دافئهْ
* * *
فيم نخشى الكلماتْ?
إنها بابُ هَوىً خلفيّةٌ ينْفُذُ منها
غَدُنا المُبهَمُ فلنرفعْ ستارَ الصمتِ عنها
إنها نافذةٌ ضوئيّةٌ منها يُطِلّ
ما كتمناهُ وغلّفناهُ في أعماقنا
مِن أمانينا ومن أشواقنا
فمتى يكتشفُ الصمتُ المملُّ
أنّنا عُدْنا نُحبّ الكلماتْ?
* * *
ولماذا نحن نخشَى الكلماتْ ?
الصديقات التي تأتي إلينا
من مَدَى أعماقنا دافئةَ الأحرُفِ ثَرّهْ ?
إنها تَفجؤنا، في غَفْلةٍ من شفتينا
وتغنّينا فتنثالُ علينا ألفُ فكرهْ
من حياةٍ خِصْبة الآفاقِ نَضْرهْ
رَقَدَتْ فينا ولم تَدْرِ الحياةْ
وغداً تُلْقي بها بين يدينا
الصديقاتُ الحريصاتُ علينا، الكلماتْ
فلماذا لا نحبّ الكلماتْ?
* * *
فيمَ نخشى الكلماتْ?
إنّ منها كلماتٍ مُخْمليات العُذوبَهْ
قَبَسَتْ أحرفُها دِفْءَ المُنى من شَفَتين
إنّ منها أُخَراً جَذْلى طَروبهْ
عَبرَت ورديّةَ الأفراح سَكْرى المُقْلتين
كَلِماتٌ شاعريّاتٌ، طريّهْ
أقبلتْ تلمُسُ خَدّينا، حروفُ
نامَ في أصدائها لونٌ غنيّ وحفيفُ
وحماساتٌ وأشواقٌ خفيّهْ
* * *
فيمَ نخشى الكلماتْ?
إن تكنْ أشواكها بالأمسِ يوماً جرَحتْنا
فلقد لفّتْ ذراعَيْها على أعناقنا
وأراقتْ عِطْرَها الحُلوَ على أشواقنا
إن تكن أحرفُها قد وَخَزَتْنا
وَلَوَتْ أعناقَها عنّا ولم تَعْطِفْ علينا
فلكم أبقت وعوداً في يَدَينا
وغداً تغمُرُنا عِطْراً وورداً وحياةْ
آهِ فاملأ كأسَتيْنا كلِماتْ
* * *
في غدٍ نبني لنا عُشّ رؤىً من كلماتْ
سامقاً يعترش اللبلابُ في أحرُفِهِ
سنُذيبُ الشِّعْرَ في زُخْرُفِهِ
وسنَرْوي زهرَهُ بالكلماتْ
وسنَبْني شُرْفةً للعطْرِ والوردِ الخجولِ
ولها أعمدةٌ من كلماتْ
وممرّاً بارداً يسْبَحُ في ظلٍّ ظليلِ
حَرَسَتْهُ الكلماتْ 
* * *
عُمْرُنا نحنُ نذرناهُ صلاةْ
فلمن سوف نُصلِّيها ... لغير الكلماتْ ?
(1954)

10 - مايو - 2007
نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0
قرار النيابة فى كتاب الشعر الجاهلى 0000(1)    كن أول من يقيّم

قَرارُ النيابة
فى
(كتاب الشعر الجاهلى )
****************************
 
 
 
 
 
 
 
 
 
مطبعة الشباب
شارع عبدالعزيز خلف جامع العظام
 
***************************************************
الطبعة الأولى
1927
 

10 - مايو - 2007
طه حسين 0 عميد الأدب العربى 0وكتابه (فى الشعر الجاهلى )0
 61  62  63  64  65