البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات ضياء العلي

 5  6  7  8  9 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
مذكرات 6    كن أول من يقيّم

 

 

 المساواة في الجحيم !

 

 

  اليوم ، رأيت أميري .......... بالأمس ، رأيت البديل !

  ربما لهذا السبب رأسي تؤلمني وأشعر بكل هذا التوتر ?

 

  أبحث عن مخرج بأي ثمن لكنني لا شك مخطئة وإلا لما شعرت بهذا الضيق كله ......... أحتاج لمن يأخذني بيدي ويبعدني عنه فلا أعود أراه أو أفكر فيه لكنني لم أنجح بالتعلق بمن اخترته بديلاً .

 

  أميري يعاملني بود ظاهر لكنني لا أريد منه هذا !

 

  يريد أن يفهمني بأنه يحبني لكنه لا يستطيع أكثر من هذا ?

 

  كأنه يقول : " تعالي لنأخذ من هذه العلاقة ما نستطيعه وأما الباقي فهو خارج عن إرادتنا ........... "

 

  لو صدقته أكون مجنونة . لو صدقته أكون مغفلة !

 

  يطلب ويلح علي بأن ألاقيه إلى بيروت !

 

  تباً له ولبيروته تلك التي يحبها ويحدثني عنها كأنها معشوقته ، فأنا لن ألاقيه لا إلى بيروت ولا إلى أي مكان آخر وليذهب إلى الجحيم .............

 

  والله ، كنت ذهبت معه إلى الجحيم لو أراد ، أما بيروت فلا !

 

  في الجحيم ، سوف نتساوى هناك . أما بيروت فستكون له ، جنته هو ، سأكون له بكليتي وبكل الحب الذي يكتنفني تجاهه وسيكون لي بعضاً  منه ، لساعات ، نذراً من الوقت لن يزيدني إلا جوعاً وظمأً ......... سأكون له مجرد خدينة !

 

  اليوم ألغيت موعداً مع أصدقاء الجامعة لأنه طلب مني بأن ألاقيه إلى المركز . ألح علي بأن آتي وقلت له : " سأرى " .

 

  لما وصلت إلى هناك ورآني ، طار من السعادة . كان مسروراً لاستجابتي . تحدثت مع الجميع ما عداه . أغظته ، تجاهلته ، وفعلت كل ما بوسعي لاستثارة غيرته .

 

  بعد وقت ، ودعتهم ، ثم انسحبت دون أن أسأله عما كان يريد مني .

 

  لا أعلم لما فعلت هذا !

 

  توقعت أن يتصل بي في المساء ، لكنه لم يفعل .

 

  تمنيت أن يتصل بي في المساء ، لكنه لم يفعل .

 

  أكيد فكر كثيراً بأن يتصل ، لكنه عاد وتراجع .

 

  دائماً يتراجع عندما يفكر .

 

  ثم يتصل ذات مرة ، هكذا ، دون تفكير .

 

  دائماً يعيدني بتردده إلى الدوامة ذاتها .

 

  كم أتمنى في هذه اللحظة بأن أشتمه ، وأن أقول له كل رأيي فيه !

 

  كم أتمنى في هذه اللحظة لو أقتله ، ثم أبكي عليه العمر كله فلا أشبع !

 

  لا أطيق نفسي ! لا أطيق هذا العبث !

  إلى متى سوف نبقى على هذا الحال يا ربي ?

 

 " يا أيها الناس الذين أحبهم

صبراً على الغضب

ضعوا بين العيون الشمس

والفولاذ في العصب " .......

 

لا أذكر من هو قائل هذه الأبيات ، ربما هو علي القيسي أو عمران القيسي . سأقوم لألعب الورق مع إخوتي فهم ينادونني .

 

 

28 - مارس - 2006
البنت التي تبلبلت
الرسالة السادسة    كن أول من يقيّم

 

 

أبحث عن دلفين ينقذني

 

 

  عزيزتي صفاء :

 

 

  الطقس هنا ، عاد إلى برودته المعتادة ، ولذلك تجدينني قد تسلحت بالرداء السميك ، والجوارب الصوفية ، أبحث من خلالها عن الدفء المهاجر ........ قهوتي بردت بسرعة ، سأقوم لتسخينها ثم أعود إليك في الحال .

 

  لم أكن حتى ذلك الحين ، كما أخبرتك ، قد تجرأت أبداً بالسؤال عن أحواله الشخصية . كان يضرب حصاراً حول الموضوع يجعلني أتهيب على الخوض فيه ، لذلك ، ظلت ظروف علاقته بخطيبته ضبابية خصوصاً وأنها كانت قد اختفت عن الأنظار منذ مدة طويلة .

 

  هذا الغموض المتعمد منه ، كما أظن ، سمح لخيالي بالمراهنة على بعض الأوهام المتفائلة جداً من نوع : ربما يكونا قد انفصلا ، أو ربما يكونا على خلاف أو برود ولكن الموضوع لم يحسم بعد  .... وإلا ، فلماذا تقرب مني في هذه الفترة ? ..... كنت أبحث عن بصيص أمل أخدع به نفسي ، مع أنني في قرارتي كنت مقتنعة بأن ذلك مستحيل وبأن علاقتهما أقوى من الخلافات العادية لأنها ملزمة أخلاقياً ، في العرف العام صارت أقوى من الزواج منذ أصبحت علنية . رغم هذا ، ظللت أحلم بأعجوبة ، بدلفين ما ينقذني مما أنا فيه من غرق .......... صرت أتمنى بأن تكون مثلاً قد انسحبت من حياته . افتراضات حمقاء كهذه كنت أحيكها في سري ، ثم أبحث لها عن دلائل وقرائن من نوع بأنه : لم يكن ليتجرأ على التحرش بي لو لم يكن حل من ارتباطه الآخر . أو : لا بد أنهما على خلاف حتى تبتعد عنه كل تلك المدة ............... كنت أبحث عن خشبة خلاص أتعلق بها لأصون كرامتي الجريحة ، وهذه التخريفات المصطنعة كانت نوعاً من المكابرة على واقع كنت أشعر به مهيناً دون أن أتمكن من مواجهته . لكن التناقض كان واقعاً بين ما تبقى عندي من تقدير لنفسي  ، وما أرغب به بجنون . التناقض كان صارخاً ولا يمكن الهروب منه إلا بهذا البله المصطنع ............

 

  أن ينظر إلي على أنني فتاة سهلة ?

 

  أن يفكر بأنني من الممكن أن أرضى بعلاقة جانبية ?

 

  أن يظن بأنني من الممكن أن أتقاسمه مع امرأة أخرى وأن يتقاسمني مع رجل آخر ?

 

  هذا تخريف لا بد !

 

  مستحيل بأن يفكر هكذا ، مستحيل بأن يراني على هذه الصورة ، مستحيل !

 

  كل الماضي الذي أتيت منه كان نقياً ، وكل ما أشعر به وأتمناه هو حب  صاف ومطلق لا تشوبه الشوائب . ثم ، لماذا سوف أرضى أنا بهذا الدور الهامشي الذليل ? وهل الحب بنظره هو هذا ? هل السعادة هي هذه ?  لو كنت أبحث عن أي علاقة ، أفلن يكون في مقدوري بأن أجد متطوعاً آخر بديلاً عنه ? لا ، لا يمكن أن يكون تفكيره بهذه السطحية أبداً !

  

  مدة مديدة تجاذبتني فيها كل تلك الأفكار . رحت أقاومها وأحاول بأن أصرعها كمن يصارع طواحين الهواء . كنت خلالها " دون كي شوت " الحب بدون منازع . طويلاً ، طويلاً ، ولوحدي ........... التجأت إلى الأوهام تحميني من ملامة عقلي الذي لم يستطع كبح جماح رغبتي  ،ولم يستطع تقديم البديل .

 

  حتى ذلك اليوم الشهيد !

 

  حتى ذلك اليوم الفاصل ، ظللت أتأرجح بين النار والنار ، ودون أن أنجح في اجتثاث بذور الأمل الكاذب . ظللت أحلم بأنه سوف يكون لي ، ربما ، يوماً ما ، بكليته ، بكل مافيه من مكر ونعومة، وكل ما في سريرته الخبيثة نحوي من طمع . ببسمته الساحرة وبذاءة لسانه عندما تعتريه حمى الشتائم القليلة الحياء ........... بلسانه المراوغ ، وكل الشبق المطل من عينيه لما ينسى بأنني أراه . أن أحتويه بجوارحي كلها وأنا كما أنا ، بقوتي ، وعنفواني ، وعزة نفسي ، التي لا ترتضيه إلا كاملاً ........... كنت أظن بأنني قادرة على أن أطير به ، لنطوف البلدان والشطآن ، لأباهي به العالم ، وأحميه من الجوع ، والبرد ، والمرض ، والتعب ، وإصابة العين الغادرة ، التي لم يكن يؤمن بها .

 

  حتى ذلك اليوم الشهيد !

 

  ما حدث في ذلك اليوم ، هو ما سوف أحكيه لك في رسالتي القادمة .

 

  حتى ذلك ، كوني بخير ، وإلى اللقاء .

 

 

28 - مارس - 2006
البنت التي تبلبلت
إلى شاعر الزمن الذي لا زال عقوقاً ، ومنذ الأزل    كن أول من يقيّم

 

أستاذي العزيز : شعرك هذا الذي قلته بالأمس ، يشبه المطرة الخفيفة ، بعد احتباس . رغم كنوز الحزن التي عتقتها فيك ، جراراً ، جراراً ، كما يعتق زيت الزيتون ، في الخوابي ، والتي بلعتها ، كما تبلع الأرض ماءها ، لتصفيه وتطهره في كنه ذاتها ، ثم تفجره عيوناً رقراقة .

لا أعلم أي قدر ساقني إلى هنا لكي يصنع مني مناسبة ، ولكي يقترن اسمي بهذا الشعر الخالد . ومع أنني أعلم بأن هذا الكلام يتجاوزني من بعيد ، إلا أنك اليوم حملتني أمانة ، كأنك أورثتني قطعة من دربك ، وقلت لي : " أمشي فيها  " . كيف أهرب من هذا بعد اليوم ?

 

إلى الأخ وحيد :

هذه الجولة انتهت . على طريقة مسرح شكسبير ، وكان فيها قِطَع من  "مدرسة المشاغبين " ، خصوصاً ذلك المقطع الذي يقول فيه سعيد صالح وهو يتصنع الموت : " أنا حقوللك على سر خطير ، أنا مش أبوك ، أنا أمك " ........ لكن يحي سوف يعود ، بدون شك ، ليس إلى هنا ، لكننا سنسمع عنه . أمنيتي أن أسمع بأنه قد أصدر كتاباً في الفلسفة ، يكون بمستوى ذكائه المميز ، وطاقته المشتعلة بالحياة .

هذه الجولة ، كانت تجربة فريدة ، وكنت يا أستاذ وحيد من أبرز محاربيها المجلين . تعرفنا من خلالها أيضاً على  أيقونة ، اسمها : " عبد الحفيظ " ، نفتخر بشرف التعرف إليها  . لا زال الوقت مبكراً لتقييم هذه الجولة ، لأننا لم نهضم كل ما حدث فيها بعد .

وبالمناسبة ، لا تضع شروطاً تعجيزية على النويهي لئلا يظن بأنك تتهرب من استضافته .

 

30 - مارس - 2006
لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ?
مذكرات 7    كن أول من يقيّم

 

 

بين الرماد والورد

 

 

 

    " يأتي وقت بين الرماد والورد ، ينتهي فيه كل شيء ، يبدأ فيه كل  شيء "

 

أبحث عن وجهي في المرآة ولا أجد ما أبحث عنه . يلزمني الكثير لكي أصبح" حلوة" ، يلزمني أيضاً الكثير من الأناقة لكي أشعر بالثقة .

 

   بالأمس ، كان لدينا محاضرة في " الجماليات " . الأستاذ الطريف جداً، الذي جاءنا حديثاً من أميركا ،  بعد أن درس وأقام فيها سنين طويلة ، يأتينا بأفكار طريفة على شاكلته . هي تعكس بألوانها الفاقعة والمتنافرة ذوقه في اختيار ألوان ثيابه الصفراء والبرتقالية التي كان يبدو فيها كأنه صحن بيض بالبندورة . بساطته بالتعامل معنا فيها سذاجة مؤكدة ، رغم أنها تروق لنا كثيراً. لكنني أتساءل : كيف سيصمد بها أمام كل تلك المؤامرات التي تحاك ضده في الإدارة ?  يريد لنا بأن " نتحرر" ، ويظن بأن المشكلة هي في الكبت الجنسي ، وفي حرية إبداء الرأي . إن ما يتجرأ عليه بأفكاره عن " الحرية " وخصوصاً في حديثه عن الجنس ، الأكثرية يطبقونه بدون نظريات كبيرة ، لكن في الخفاء .............. أنا أسمي هذا أفكاراً مدللة لإناس مدللين ، لم يلمسوا قعر الهاوية . هو يقول بأنه يشعر بالإهانة في كل مرة يضطر فيها للوقوف على حاجز لقوات الردع .........  طبعاً ، هو لم يعش هنا أيام الحرب ، ولا يعرف أين يضع هذا النوع من الإهانة في سلم أولويات الحياة ، عندما يكون عليه أن يجد لها مكانها بين مشاعر أخرى أشد سطوة ،  مثل : الجوع والخوف والعيش بدون استحمام ، وفقدان الأمل بالعودة إلى الحياة العادية للبشر ......... لو جرب انقطاع الماء والكهرباء والاختباء في الملاجئ لمدة سنتين  متواصلتين ،  وكان عليه أن يحمل دلواً من الماء إلى الطابق الرابع صعوداً على الدرج المظلم ،  في كل مرة يضطر فيها لأن يقضي حاجته ، لفهم ما معنى الإهانة ..........

 

  بالأمس سألني ، خلال النقاش ، أثناء المحاضرة ، "هل من الممكن لي أن أحب رجلاً أشعر بأنه سهل المنال? " ........... كان يجب أن يختارني أنا بالذات لهذا السؤال ? ..... لمَ لا يسأل "أمال" ? . هي كانت قالت له : " والله ممكن يا أستاذ ، فهل سيكون للسوق ، أم للصندوق ، أم لغدرات الزمان ? هذا رهن بالظروف " . عندها سيضيع ، فهو لم يقرأ في مكيافللي هذا المثل  ........ ولَكُنا ضحكنا وقتاً طويلاً . لكنه سألني أنا ، وأنا قلت : " لا " .

 

  هو يظن أن ما نعانيه للحصول على الشيء ، هو ما يحدد قيمته بالنسبة لنا . وفي هذا وجهة  نظر ، لكنه برأيي ،  نصف الطريق . هذه أفكار أميركية صرفة : يظنون أن كل شيء له ثمن ، أو مقابل ، وأن قيمة الشيء ، تكون بقيمة الثمن المدفوع مقابله .........  باعتقادي ، العكس هو الصحيح ،  أعتقد بأن حاجتنا إلى الأشياء هي التي تحدد قيمتها بالنسبة لنا ، وهي التي تحدد بالتالي : الثمن . إلا أنهم نجحوا في قلب المعادلة واختراع حاجات وهمية للإنسان ، وبالتالي قيماً وهمية . هذا هو الاستلاب بشكله الجديد ........ 

 

  على أية حال ، هو بسؤاله نبهني إلى شيء ما كنت غافلة عنه ! البديل ، يجب أن أحسم أمري معه .

 

1 - أبريل - 2006
البنت التي تبلبلت
الرسالة السابعة    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

 

 

 

 

 

اليوم الشهيد !

 

 

   عزيزتي صفاء :

 

   جئت اليوم لأحدثك عن يومي الشهيد ! ذلك اليوم سأصفه لك بكل تفاصيله التي لا أزال أذكرها  بوضوح ، فهو اليوم الذي دفنت فيه كل أحلامي ، وكل البراءة التي كنت أعيش فيها ، حتى ذلك الحين .

 

   كان شتوياً ذلك النهار ، إلا أن الجو كان رائعاً ، لأن الشمس كانت قد سطعت من بعد رعود وأمطار دامت كل فترة ما قبل الظهيرة . التقينا قبيل العصر بقليل ، في نزهتنا المعتادة على الطريق السهلية ،   البحرية ، وكان لي قلبٌ يومَها  له جناحات . الأرض كما السماء ، كانت قد اغتسلت بماء غزير، أعاد إليها رونقها ، وأعاد إليها هدوءاً كانت قد عكرته العواصف . حتى البحر ، بدا إذ ذاك أكثر اتساعاً وجاذبية ، تحت خيوط الشمس النحيلة . الطريق ، الشجر ، البيوت ،  بدت كأنها رسمت من جديد ، لأن حجاب البلل الشفيف الذي كان يغلفها ، ضاعف من عمق اللون فيها ، فانقشعت معالمها . كل شيء كان وضاءاً ، مشعاً ، واعداً بالحياة .

 

  كنت أرتدي كنزة صوفية ، زهرية اللون ، مفتوحة قليلاً عند الصدر، تحت سترتي التي تخليت عنها ، بمجرد صعودي إلى السيارة . الجو فيها كان دافئاً بحرارة التسخين ، وبهجة الألوان الصارخة ، واتقاد الرغبة المطلة من جسمي ، ومن عينيه .

 

  ووجدته على غير عادة ، وبدون أي كلام ، ينحرف عن الطريق الاعتيادية . ووجدتنا وقد توقفت بنا السيارة ، في مكان خال بين الشجر ......... فجأة ، صرنا وحدنا في حضن الطبيعة ، كأننا عدنا لمهدنا الأول . المشهد ، كان خيالياً ، المشهد كان أسطورياً ، و كل ما كان قبله ، وكل ما كان بعده ، هوالسراب ........

 

    في تلك اللحظة الفريدة ، رأيته يرتمي على صدري . يهوي إليه كجرم هبط من السماء  الأعلى ،  ليتناثر فوقه كانشطارالنيازك . في دفعة واحدة ، صار يتدحرج على سفحه ، كانحدار الصخرعلى باطن الجبل .....  في دفعة واحدة ، لا تقبل الشك ، ولا التفكير ، ولا  التردد ، ولا الانتظار .......... في انحناءة ، تشع فيها العيون ، باتقاد غريب ، ويكاد يفر منها النظر ..... ثم ، وبنفس الوتيرة الصاعقة ، يدس يده داخل قبة الكنزة ، ليخرج من عشه ، طائراً ، كان قد أعياه الانتظار .  ليلتقط فرخاً ، كان لا  زال ، بطراوة اللحم . يحتضنه بباطن  كفه ،  بشغف وورع ، كـأنه الدر المكنون . نظراته  كانت مفترسة ، وذلك العصفورالمدلل ، كان شهياً ومثيراً ، ويحلم بأن  يطير . 

 

   كان شيئاً مذهلاً ما كنت أراه ، أهو صدري هذا المتحول ? هذا الحرون الجسور الذي يثب ويندفع بتلك الشهوة العميقة ? أهو صدري هذا ، الذي يعرف كيف يغري ويتغاوى برونقه وملمسه، وانزلاق النور عليه ، مشرباً بتلك الحمرة الخفيفة ? أهو نور الشمس ما جعله حقاً مضيئاً تلك اللحظة، أم أنه إنقشاع اللون عنه ، ليختلط فيهما بنضرة وإشعاع غير عاديين ?

 

  كان حقاً منظراً فريداً هذا الذي كنت أراه . صدري المسكون برغبات البوح الدفينة فيه دهوراً ، فم وشفتان طريتان لطالما اشتهيتهما  ، تجوبانه بالطول والعرض ، تتمرغان فوق ذلك السفح الدافئ ، في كر وفر ، كأنهما تسعيان إلى احتواء المكان .  ذاك التماس الصاعق كان مباغتاً ، ومتفجراً ، حتى بدت لي تلك اللحظة كأنها اختراق للقدر .

 

  دقيقة أو دقيقتان من العمر دام فيهما هذا اللقاء . ربما تكون ثلاث دقائق ، وأنا لم انتبه ? ممكن ! كنت كالمصعوقة ولم أنتبه . كنت كالمصعوقة ولم أعد أذكر أيهما كان أقوى عندي لحظتها : شعوري باللذة أم بالغرابة ?

 

   أذكر بأنني لم أنبس ، ولم أتحرك في مكاني ، كأنني أتفرج على لعبة مثيرة تجري أمامي . ثم ? ....

 

  ثم توقف كل شيء ودفعة واحدة ! فجأة ، كما بدأ ، ارتد عني وهو لا زال متبلبلاً ، متهدجاً ، وكأن الخيط الذي كان بيننا قد انقطع ، كأن السحر قد توقف ، كأن الساعة قد دقت ، وعادت " سندريلا " إلى ثيابها الرثة .

 

 هو الخوف ، على الأرجح من أننا لسنا في مكان آمن ، ما أعاد إليه عقله .

 

الرغبة كانت قد أفقدته صوابه ، والخوف أعاد إليه عقله .

 

 دقيقتان من العمر، كنا فيها معاً ، بدون خوف ، وبدون عقل .........

 

دقيقتان من العمر ، خارج حدود السلطة ، والإرادة ، والتيقظ  ، والحسابات ........... 

 

دقيقتان من العمر ، خارج حدود الأخلاق ?

 

ربما ، ربما هما كذلك ، عزيزتي ،  لكنهما دقيقتان ، لهما من السحر والقوة والجمال أسنان  حفرت في قلبي ، وفي ذاكرتي البعيدة .

 

ثم ، عاد كل شيء ، إلى فقره المميت .

 

ثم ، هذا اللا شيء البارد ، القاتل ......... العدم الكامل ، العماء .......

 

لا شيء بعدها يستحق أن نقوله ، أو نذكره ، أو نعود إليه . صدقيني ، صفاء: هبطنا من الأسطورة إلى اللاشيء ، العالم الحقيقي ? بل هو الوهم الكبير .............

 

عاد هو ليعتذر ، بكلمات من زمننا الأرضي : كانت هفوة ، لحظة ضعف ، أشياء كهذه نسيت تفاصيلها ، وينزلق في غمرة تبريراته ليشتكي ، بأنه لا يحلم إلا بأن يراني ممددة أمامه وعارية تماماً . كان ينطق عن الهوى ، كان لا يزال يهلوس ........ لم أعد أسمع ما كان يقول ، انبهاري ، وتوتري ، كانا يمنعاني من التفكير ، إلا في شيء واحد بوقتها : هو أن أعرف مصيري معه !

 

استجمعت شجاعتي ، كل شجاعتي ، لأنها كانت تلزمني كلها ودفعة واحدة ، وقررت اقتناص اللحظة التي لن تتكرر أبداً . لو سكت لحظتها  لسكت العمر كله ، دون أن أسأل شيئاً . بقوة انفعال تلك اللحظة ، التي شعرت للتو ، بأنها تنتمي إلى طقوس القرابين ، تكورت الكلمات داخل صدري . وبقوة انفعال ما كان يعتمل في صدري من ألم ورهبة ، دفعتها ناشفة ، خشنة ، تكاد تلتصق ببلعومي ، فخرجت تتدحرج ، كالحجر الثقيل ، وصرت أطردها طرداً، وهي تتشبث بحلقي ، كمن ينتزع حشرة ........

 

  تأتأت ، بل ، غمغمت ، أو ربما حشرجت ، بصوت لم أسمعه من قبل ، ولا أعرف مصدره :

 

   ـ  " هل لا زلت ترى نهى ? " ، قلت .

 

   ـ  "نعم " ، أجاب .

 

   ـ  " وهل لا زلت تحبها ? " ، أضفت .

 

   ـ  " نعم " ، أضاف !

 

...................................................

 

  انتهى الكلام وانتهت مهمتي العسيرة !

 

  ثم صمتنا دهراً .............

 

  دهراً طويلاً صمتنا ، عزيزتي .

 

  ثم عدنا إلى المدينة ...........

 

  إلى المدينة عدنا ، عزيزتي ، صامتين ، مكسورين .........

 

  سأتركك الآن ، صفاء ، يبدو أن وقت الذهاب قد حان ، ولأن لكل شيء أوانا ، وأشعر الآن بأنني أريد أن أرتاح .  سأعود إليك غداً ، فاعذريني ، وإلى اللقاء .

 

1 - أبريل - 2006
البنت التي تبلبلت
تحيات لا بد منها    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

 

أول ما تبادر لذهني عندما وقع نظري على رسالة الأستاذ النويهي ، هو انني ربحت شيك بعدة ملايين ، وذلك لكثرة ما فيها من الأصفار ...... أشرق قلبي بالسعادة ، وظل مشرقاً بها رغم انني لم أربح شيئاً ، إلا أن رسالته تشبه بساط الريح ، تطوف وتحلق بنا عالياً ، وتأخذنا من بلد إلى بلد لنزور فيها كل الأخوان ، ولكل واحد منهم ( وأنا من الجملة ) هدية رقيقة مغزولة بخيوط من حرير .

يبدو أن عدوى الشعر قد انتقلت إلى مجلس الفلسفة ، أم أنها استراحة المحارب ? عدوى الشعر هذه من زهير ولقد نشرها متأثراً بنشيده الوطني : من الشام لتطوان ....... وبغدان ? أم أن السعدي ليس عراقياً ? أهلاً بك يا أخ سعدي وبموهبتك الجميلة .

سرتني عودة الأخ يحي محتفظاً بسلاحه الكامل ، ( واه يا عبد الودود ... ) وفيما يخص سؤالك عن الكتاب الإسلامي في فرنسا ، الأرجح هو صحة ما سمعته على أنهم يكتبون للأطفال ( صغاراً وكباراً ) . لا أظن بأنه يوجد عدد كاف من القراء بالفرنسية ممن سوف يهتمون بكتب جادة من هذا النوع . هذا الكلام فيه تعميم ، إلا أن الجمهور        "  الإسلامي " لا يقرأ ، اللهم إلا بعض الكتيبات التوجيهية والدعوية . هذا لا يعني بأنني أتهرب من دعوتكم إلى باريس ، وأنا ليس لي فيها إلا " مرقد عنزة " ، إلا أن مكان الضيق يتسع لألف صديق .

أما عن آخر قراآتي وهو السؤال الذي استدرجني فيه الأستاذ وحيد اليوم إلى هذه الساحة ، فهو كتاب الفيلسوف الفرنسي : " أندريه كونت - سبونفيل "  Andre Comte_Sponville " بعنوان : " هل الرأسمالية أخلاق ? " ،                                    " ? Le capitalisme est_il moral  "   . وهو يرد على هذا التساؤل بقوله بأن الرأسمالية بقيت فعالة لأنها لا أخلاقية ........ هي لا أخلاقية بمعنى عدم اعترافها بالعدالة بين البشر وعدم سعيها إليها . وينتقل إلى مناقشة الأزمة التي يعانيها المجتمع الفرنسي حالياً بسبب تأرجحه بين مفاهيم اكتسبها من مرحلة المد الاشتراكي وتتعلق بالعدالة الاجتماعية ، وبين حاجات المجتمع الرأسمالي الذي تبقى علاقات القوة فيه هي الانعكاس الحقيقي للطبيعة البشرية والتي هي بنظره مصدر قوته وفعاليتها .

هناك أخوة مشاركون جدد كالأخ صوافطة سيفتحون لنا ربما آفاقاً جديدة للنقاش ، وهناك من صب جام غضبه علينا بعد أن بدأ بداية واعدة كالأخ حازم الذي ينتظر منا بأن نحل مشكلة الشرق الأوسط هنا وحالاً . نحن لا نمتلك حلولاً يا أخ حازم ، ولن نطلع بفكرة عبقرية تلقف ثعابينهم ، أي أفكارهم ، لأن الصراع الدائر الآن هو بين البشر ، ومصالح البشر وليس بين الأفكار . لو استطعنا الانطلاق من هذه المعطيات البسيطة ، التي يعرفها السياسي ، وبائع الكعك في السوق ، ويسهو عنها الفيلسوف ، لأنه بائع أفكار ، لربما انتظمت أفكارنا .

أهلاً وسهلاً من جديد بالأخ فادي الذي كنت ، بحسي البوليسي ، قد ظننت بأنه قد باع الكومبيوتر .

 

2 - أبريل - 2006
لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ?
مذكرات 8    كن أول من يقيّم

 

 

في الطريق إلى الجحيم

 

 

 

  " شخص واحد هو من تفتقده ، ويصبح العالم خواء .........."

 

لامارتين     

3 - أبريل - 2006
البنت التي تبلبلت
الرسالة الثامنة    كن أول من يقيّم

 

 

 

رأسي الصغيرة 

 

 

 

    عزيزتي صفاء :

 

  عدت إليك لنستكمل ما انقطع بيننا من حديث ، ربما أكون قد تأخرت بعض الشيء ، فقد شغلتني عنك هموم الحياة اليومية ، التي نستلهك عمرنا في تصريفها . ما أشقانا بها !

 

    " نعم ! " ، عزيزتي ، قال " نعم ! " بكل بساطة ، وأناقة ، وفتور ..........

 

   ولم أعد أسمع شيئاً ! تلك الكلمة ، قطعت حبل الكلام ! قطعت حبل الشوق ، وحبل الوداد ،  وحبل الرغبة ، وكل الحبال التي كانت موصولة بيننا حتى تلك اللحظة ........  للتو ، شعرت بأنني ذبحت من الوريد إلى الوريد ! كما قربان المعبد ، ذبحت ! وراحت روحي تنتفض داخل  جسدي ، الهامد هو كلية ، كأنه ميت ..............  كان من الصعب علي احتباسها في داخلي ، روحي القتيلة ، لأنها كانت تنوح وتتلطم في حنايا صدري . روحي التي نزعت حجابها ، وشعثت شعرها ، وشقت قميصها، وصارت تنتفض كالملسوعة ، تركض وتتدافع  بداخل صدري ، تريد أن تخرج منه  ........ كرهتها ! كرهتها واحتقرتها ، وتمنيت أن أجهز عليها فأرتاح .......  ثم ، لا أدري كيف ، عقلتها ! كالفرس الجموح كانت تصهل وتتطاوح ، وعقلتها ! وذلك بأن أهرقت عليها أسيداً حامضاً من أحقاد نفسي الغاضبة ....... قلت لها :  " موتي ! "  أو " اهمدي ! " ، فهمدت ...  كأنني كنت أنا جدتي لما كانت تنهرني من بعيد ، بينما أحاول بأن أتسلق الشجرة ، ترمقني  بعينيها الصغيرتين الثاقبتين وتلوح لي بإصبعها وهي تقول : " اهمدي ! " فأهبط  للتو . أنصاع خوفاً ورهبة ، وأهمد ......... هي ارتدت إلى دهاليز نفسي ، روحي الذبيحة ، واختبأت فيها كما الفأرة الصغيرة الخائفة ، وكانت ترتجف ...........

 

  بالكاد استطعت السيطرة على ذلك الارتجاج العنيف ، وحبست نفسي داخل نفسي ، حتى أخذت أشعر بدوار كبير، كأن العالم من حولي ، بدأ يتفتت وينهار ...  كأن جبلاً في داخلي ،  قد قض قضيضاً ........... فجأة ، بت لا أشعر بما يحيط بي من موجودات ، وسط  هذا الدمار العارم . صار الدمار لي وحدي . وصرت وحدي ،  داخل عالمي المتفتت من حولي ، المتفجر في نفسي ، وكان لا بد أن أبتعد عن هذا الجحيم ، وبسرعة  ..........

 

   لم أنتظر لكي نصل لقرب البيت ، نزلت في أول المدينة ، عند ساحة التل ، ومن هناك ،  استقليت سيارة أجرة لتوصلني ، مع أن بيتنا ليس بعيداً كما تعرفين ، إلا أن رجليَّ لم تكونا لتحملاني إليه ، ثم إنني خشيت أن يفجأني انفعالي وأنا في منتصف الطريق ..........

 

  بالفعل ، ما أن أغلقت على نفسي باب السيارة ، حتى انفجرت بالدموع . سيلاً جارفاً منها كان يتصبب من رأسي ومن عيوني ومن خياشيمي وربما من أذني أيضاً ......... صرت أمطر بالبكاء !

 

  كيف السبيل لإيقاف هذا الطوفان ? كيف أعود إلى البيت وأنا على هذه الحال ? سائق السيارة احتار في أمره وأضناه الفضول ، إلا أنه لم يتجرأ بالسؤال أبداً ، كأنه شعر بخطورة الموقف ، فتهيب عن السؤال . فتحت محفظتي لأدفع له أجرته وأنا أرتعد . فجأة ، رأيت أميري المزعوم داخل المحفظة : أطل علي منها في صورة له على بطاقته الجامعية التي كان قد أعطانيها ، منذ مدة ، لأسجله للامتحانات القادمة . كان يبتسم ! لم أطق ساعتها أن أراه يبتسم داخل محفظتي ، وتولد عندي شعور غامض وكأنه يسخر مني ........... كل الناس تبتسم في الصور، لكنني كنت بحاجة لعذر وقتذاك  أبرر به فعلتي ..... وبتصميم عجيب ، تناولت البطاقة والهوية وطلب التسجيل وحتى الطوابع الأميرية التي كانت معها ، كلها بقبضة واحدة ، ثم ، فتحت شباك السيارة ، وألقيت بها إلى الطريق .......... سائق السيارة الذي كان يراقبني اندهش لدرجة جعلته يلتفت عدة مرات إلى الوراء ، ليتأكد بأن ما كان يراقبه في المرآة حاصل فعلاً .........

 

  أغلقت محفظتي بهدوء ، بعد أن دفعت له أجرته ، ثم ، ألقيت برأسي إلى الوراء على المقعد ، كأنني أرتاح من المهمة التي فرغت للتو من إنجازها ......... دموعي ، نشفت تماماً ، أنفاسي هدأت ، وصار بإمكاني العودة إلى البيت دون أن يلحظني أحد .

 

  بالطبع عزيزتي ، هذا الانتقام الساذج ، من رأسي الصغيرة ، لن يغير بطبيعة الحال شيئاً . هو ردة فعل آنية لإخفاء الشعور بالعجز ، يمنحك شعوراً خادعاً بالقوة ، وبأنك لا زلت قادرة على الفعل  والتأثير ،  وبأنك لا زلت تمسكين زمام الأمور ......... المشكلة  للأسف ، هي أعمق من هذا وأكثر تعقيداً .

 

  سنعود إليها في رسالتي القادمة فانتظريني ............

 

 

3 - أبريل - 2006
البنت التي تبلبلت
مذكرات 9    كن أول من يقيّم

  

 

 إلى الأمير المزعوم

 

 

  لا أنام ! الساعة الآن الواحدة بعد منتصف الليل .

 

  منذ رجعت إلى البيت وأنا في غرفتي لا أخرج منها .

 

  كتبت أوراقاً كثيرة عدت ومزقتها ، وبكيت كثيراً .

 

  ثم قررت بأن أكتب إليك ، أميري ، قاتلي :

 

  كم تمنيت لو أكتب إليك في يوم آخر ، غير هذا ، قبل هذا . لكنت قلت فيك شعراً ، ولست بشاعرة . لكنت قلت فيك شيئاً ، لم تسمعه مني أبداً ، لأنني لم أجد بيننا يوماً ، وقتاً ، لقول الحقائق .......... لا زلت أذكرهذا بأسف .

 

  منذ قليل ، سطرت فيك كلاماً جارحاً ، عدت ومزقته ، فهو انفعال وردة فعل . أكره بأن أكون تحت وطأة هذا الانفعال ، لكني أعانيه . مع هذا قررت بأن أتحدى نفسي ، وأفكر .....

 

  لن يكون من السهل علي ارتجال ما أريد قوله ، لذلك اخترت أن أكتبه ، لتوضيح ما يمكن أن يكون واضحاً لكنه غير معتبر .

 

  أحاول أن أستعيد كلامك حول الصداقة التي تجمعنا ? وحول كونك ترتاح لي ? وأن أستعيد عبارتك المشهورة التي لم تكف عن ترديدها دوماً بين المزاح والجد : " لا تحبيني ، لا تتعلقي بي ! " . فهل هذا فعلاً هو ما أردته ?

 

  الغريب هو أنك فعلت كل ما بوسعك لكي أحبك وأتعلق بك ، هذا طبيعي ، فهل تعرف رجلاً واحداً في هذا العالم ، يرغب بإمرأة ولا يتمنى أن تحبه وأن تتعلق به  . ألا ترى معي أن في ما تقوله تناقضا فاضحا ? وكيف يمكن أن تنشأ بيننا علاقة فيها كل هذه الحميمية ، دون أن تحبني وأحبك ? لو صدقتك أنا ، وهو ما حاولته فعلاً ، فهل ستصدق أنت نفسك ? وكيف سنسمي هذه العلاقة الغريبة برأيك ? صداقة ? أية صداقة سوف تصمد أمام كذبة كبيرة كهذه ?

  

  عيشتني في خوف كبير ، وشككتني في أن يكون لي الحق في أن أحب ، كبقية الناس ........ وكان يشقيني أن أراك متألماً ومنزعجاً . رغبت بصدق في أن أشاركك همومك وأخفف عنك أتعابك ، لكنك وضعت حاجزاً كثيفاً بيننا . طريقتك الغريبة والملتوية لعزلي عن عالمك الخاص ،  حالت بيننا . تريد أن تتقرب مني بمشاكلي أنا ، وتخترق حصوني كلها ، ثم تخاف على ما يخصك ? رغم كل الصدق الذي جئتك به وتخاف ? بأي منطق تعيش ?

 

  لماذا تقربت مني ? ثم ابتعدت عني ? ثم ترددت ذهاباً وإياباً حتى أعيتني أفكاري بالسؤال عن أحوالك ? ما الذي اكتشفته بعد فوات الأوان ? عندي ? عندك ? وما الذي أخافك فعلاً مني ? أن تحبني أم أن أحبك ? وسؤال أخير لا يحتاج إلى عميق تفكير :

 

  هل تعتقد أنه يوجد ما هو أغبى ، وأعقد ، وأشد إيلاماً من هذا النفاق الذي عشنا فيه  ?

 

  لو كنت واضحاً وصريحاً منذ البداية ، لكنا وجدنا ألف طريقة لكي نلتقي ، أو نفترق بسلام ، واحترام ....... لكن خوفك ، أو ربما ، تعاليك على الحقيقة ، أو ربما هو ترددك الذي يخفي طمع   الذئاب ، ما أفضى بنا إلى هنا . أحدثت في قلبي جرحاً لن يندمل ! آلمتني بقوة النمور ، وتخليت عني بغدر القطط .

 

 

5 - أبريل - 2006
البنت التي تبلبلت
الرسالة التاسعة    كن أول من يقيّم

 

 

 

 

الحقيقة " عارية "

 

 

  عزيزتي صفاء :

 

  سلام جميل لك بهذه الصبيحة أقضيها معك ، ومع ذكريات موجعة ، ظننت أحياناً بأنني تخلصت من تأثيرها ، إلا أنني أستنتج بأنها حفرت في أعماقي شقوقاً ، ظلت ناتئة إلى اليوم ........

 

  تلك الصدمة ، تلقيتها بألم شديد دفعني للانعزال مدة في البيت . ومع أن الاكتئاب كان بادياً على وجهي ، ومع أنني بقيت غالب الوقت معتكفة في غرفتي ، إلا أن أحداً لم يسألني عما بي . كانوا قد اعتادوا مني على هذا . وكنت كلما تسليت قليلاً ، وقررت التركيز على دروسي ، كان يأتي جرس الهاتف ليعيدني إلى حالتي الأولى :  كنت أنتفض لرنينه بشدة ، ويعود قلبي إلى الخفقان ، ويعاودني الاضطراب من جديد . كنت أتوقع في كل مرة بأن يتصل بي ، لكنه لم يفعل ........ 

 

  بعد حوالي أسبوع ، اتصلت بي صديقتي " زاهية " لتستعلم عن أخباري ، ولتسألني لماذا تغيبت عن اجتماع الخلية ? استنتجت منذ اللحظة الأولى أنه كان بقربها ، وأنه كان يلقنها السؤال . اعتذرت بأنني مشغولة بالتحضير للامتحانات ، ووعدت بالحضور في الأسبوع القادم ، خصوصاً وأنهم كانوا بحاجة لأوراق كانت بحوزتي ، ولدفتر المحاضر .

 

  وجاءت هذه الصديقة لزيارتي بعد يومين ، وكانت قد استغربت أحوالي  وأحواله هو أيضاً ، فهي تعرفه جيداً ، بسبب أنهم يسكنون في نفس الحي . ووجدتني ولأول مرة أتحدث فيها بالموضوع . كنت بحاجة لأن أبوح بسري لأحد . لم أدخل في التفاصيل ، لكنني أخبرتها فقط بأنه يوجد بيننا رابط هو أكثر من صداقة ، وأقل من علاقة دون أن يكون واضحاً ............ دهشتها كانت كبيرة ، لم تكن تتوقع أبداً شيئاً كهذا . ثم بدأت الأمور تتوضح لها بالتدريج وأخبرتني بأنهم في بيتهم يظنون بأنه مريض ، لأنه يصاب بين الحين والآخر بحالة إغماء فجائية ، يستفيق منها بعد دقائق ، دون أن يذكر ما حصل معه . 

 

  كنت أريد أن أعرف أكثر . سألتها عن خطيبته وسبب اختفائها ، فأكدت بأن أحداً لم يرها منذ شهور طويلة ، وأنها مقيمة عند أختها المتزوجة في صيدا . طلبت إليها بأن تستفسر عن السبب ، ولم يطل بي الانتظار سوى أيام لتخبرني بأنها علمت بأنهما قد عقدا قرانهما بالسر ،  وأنها حامل منذ عدة شهور .

 

  لم يكن بإمكاني تخيل سيناريو أكثر سواداً من هذا . شعوري بالذنب تضاعف حيال تلك التي يجب بأن تكون غريمتي ، وأنا في الحقيقة  كنت دائماً أستلطفها وأكن لها الاحترام . تضاعف عندي الشعور بالمهانة والغضب الشديد ، وتملكتني كراهية واحتقار لنفسي عذباني طويلاً .

 

  عادت الوساوس تنهش صدري والندم يأخذني بعيداً ، ولم أعد أجد مبرراً لفعلتي إلا تلك الرغبة الجامحة التي دفعتني دفعاً نحو هذا الوضع  المشين . كرهت نفسي ، كرهتها وتهاوت أمامي كل الصورة البراقة عن تلك البنت الرقيقة المثالية التي كنت أعرفها ............ كنت شريكة في جريمة خيانة ليس لها أي مبرر إلا الضعف والتردد . لو أن واحدة من صديقاتي حكت لي  مثل هذا الكلام فماذا اقول لها ? وكيف أحكم عليها ?

 

داخلي كان يفور بألف سؤال كلها ملامة . داخلي صار ملعباً للأفكار العقيمة التي تحاول أن تفسر وتبرر ما هو واضح وصريح . قصاصي كان رهيباً وموجعاً لدرجة أنني لم أعد قادرة على ترتيب الأمور في  داخلي المهزوز . اختل الميزان ، لم يعد هناك تطابق بين ما أعتقده وأقوله في الواقع ، وما أفعله بالحقيقة . شرخ كبير تسلل إلى قناعاتي التي كانت مطلقة ، حتى ذلك الحين ، وعن مدى جديتها . اهتزت ثقتي بنفسي ، ولم أعد أعرف من أنا . تبلبلت !

 

حالة مزرية هذه لا أعرف إذا كنت نجحت ، في وصفها لك .

 

سأتركك الآن لأن موعد انصرافي قد حان وأعود إليك غداً بحسب تقديري ، فإلى الغد .

 

 

 

 

5 - أبريل - 2006
البنت التي تبلبلت
 5  6  7  8  9