البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات abdelhafid akouh

 59  60  61  62  63 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
الإيطيقا وفلسفة السياسة -1-    كن أول من يقيّم

 
Fernandez Buey
ترجمة: أحمد بلشهاب
1. الأخلاق و"الإيطيقا" ética & Moral
لا تميز اللغة المألوفة بين الكلمتين "الأخلاق" و"الإيطيقا"، إذ نستعملهما بلا فرق للدلالة على مجموع قواعد السلوك الإنساني.
واشتقاقيا، فإن الكلمتين Moral وEtica، تحيلان على التوالي إلى Mores أو Ethos، إلى سلوك الكائن البشري المقيد بعادات وتقاليد وأعراف. نقول مثلا، إن هذا السلوك، أو ذاك، أخلاقي أو غير أخلاقي، إيطيقي أو العكس، ونحن نقصد بذلك أنه حسن أو قبيح، متوافق مع مجموع محدد من معايير السلوك، نعدُّها عادة مقبولة، ونميل في معظم الحالات إلى اعتبارها معايير كلية وشاملة؛ أي يتقاسمها كل الناس بغض النظر عن اختلافاتهم الثقافية المفترضة.
لكن، من وجهة نظر فلسفية ومنهجية، ليس للكلمتين "الأخلاق" و"الإيطيقا" معنى متطابق. فالأخلاق هي مجموع معايير وأفعال خاصة بالسلوك، نعتاد على قبولها بوصفها تحديدات صالحة، أما الإيطيقا فهي التفكير حول لماذا نعتبرها صالحة؟.ولهذا تعودنا القول، عند التدقيق، إن الإيطيقا فلسفة أخلاقية، أو معرفة فلسفية تدرس قواعد الأخلاق وأسسها.
لن أخوض في تحليل أنماط الإيطيقا المختلفة التي بلورها الفلاسفة طوال التاريخ، ولا في عرض الإيطيقا المعاصرة، يكفي أن نعرف أن ثمة فلسفات أخلاقية، وأنه لا يوجد اتفاق بين الفلاسفة حول أفضل طريقة لتأسيس القواعد الأخلاقية. ومن يريد التعمق في هذه الاختلافات يمكنه قراءة الأعمال التالية:
J. L. Aranguren, Ética, En Obras Completas, Trotta , 1995
A. Sánchez Vázquez, Ética, Barcelona, Crítica , 1978
N. Bilbeny, Aproximación a La Ética, Barcelona, ARIEL 1992
E. Guisan, Introducción a La Ética, Madrid, CATEDRA 1995
هذا الوضع يطرح أول مشكلة: هل يتوجب علينا استعمال الكلمتين:"الأخلاق" و"الإيطيقا" كما يستعملهما معظم الناس، أي كمترادفين متطابقين، أم ينبغي أن نقبل الاختلاف الذي أقامه الفلاسفة بين الأخلاق والإيطيقا، ونعوِّل على وجهة نظر وصفية تعرض للفلسفات الأخلاقية الموجودة، أو لاتجاه فلسفي (نفعي، وجودي، ماركسي)؟.
عند معالجة مسائل أخلاقية، يكون القرار حول هذه النقطة مُهِمًّا، خاصة إذا كنا نسعى في دراستنا للأخلاق النظرية إلى الإحاطة بكل تلك التفاصيل. ومع ذلك، أقترح (ن أجل استعاد التحذلق) استعمال الكلمتين "الأخلاق" و"الإيطيقا" كما تستعملهما الأغلبية، مع وجوب التوقف عند بعض التدقيقات التي أدخلها الفلاسفة على المعاني المعبر عنها بهاتين الكلمتين. إن المثال الأحسن على أن هذا المعيار يمكن أن يعطي نتائج مهمة هو بحث Fernando Savater, Etica Para Amador, Barcelona 1991 فرغم الاختلاف المنهجي بين الأخلاق والإيطيقا، يقرر المؤلف استعمال الكلمتين كمرادفين لإبلاغ وجهة نظره الخاصة للمجتمع.
في العقود الأخيرة، ظهر نتيجة للتطور الهائل في العلوم، خاصة في الأنتروبولوجيا والسوسيوبيولوجيا، منافسون لفلاسفة الأخلاق، وقد كتب أحدهم: على العلماء والباحثين في العلوم الإنسانية أن يدركوا أنه قد حان الوقت لانتزاع الإيطيقا من يد الفلاسفة، وإقامتها على أساس بيولوجي، ويبدو أن فلاسفة كثيرين قبلوا التحدي، فهم يستعرضون في أبحاثهم الأخيرة موضوعات الإجهاض، وحقوق الحيوان، والمساواة الجنسية، والعنف الخ.
 
* * *
2. اٌُلإيطيقا والسياسة: Política & Ética
في مجتمعاتنا المعاصرة، غدا يتكرس بمرور الوقت مفهوم فقير للسياسة، مفهوم محقِّر، بعيد عن المعنى اليوناني القديم للسياسة. من المفيد أن نبدأ، لتوضيح الأشياء، بتدقيق العلاقة بين الأخلاق والسياسة. من أجل هذا يكون من الأفضل التوجه إلى المكان القديم، حيث نبت العلمان "السياسة والأخلاق" أي إلى أرسطو.في البداية نسجل أن لأرسطو وضوحا تاما تجاه الاختلاف بين موضوعات الأخلاق النيقوماخية La Ética a Nicomaco وموضوعات السياسة. فموضوعات الأخلاق هي نظريات الخير، والسعادة، والفضيلة والعدالة، والصداقة. في حين تهتم موضوعات السياسة بتحليل المجتمع المدني والعائلي، وتحليل المؤسسات،وأساليب الحكم. هكذا إذن، إذا تقيدنا بأصلهما، فإن الاختلاف بين الأخلاق والسياسة، من وجهة نظر منهجية،يبدو واضحا بالبداهة. تهدف الأخلاق إلى تحليل الفضائل والبحث عن السعادة، والتساؤل حول حقيقة العدالة، وما يتوجب أن نعتبره سلوكا فاضلا وعادلا، ليتمكن الفرد من أن يكون سعيدا؛ باختصار أنها تسعى إلى تحقيق الحياة الخيرة للكائن البشري. من جهتها، تتوخى السياسة تحليل المؤسسات، وأنظمة الحكم التي اخترعها الناس في حياتهم العامة، لإبراز النظام الأفضل؛ باختصار إنها تتطلع إلى تأسيس المجتمع الخيِّر (أو الحكومة الجيدة).
طبعا, لأن أرسطو يعتبر الإنسان حيوانا سياسيا، أي حيوانا مدنيا واجتماعيا، فهو نفسه لم يتخل عن تذكيرنا بأن الفضيلة والعدالة والسعادة تتحقق عندما يتم التوصل إليها بالترابط مع فضائل أخرى، أي سياسيا. إذ بين الأخلاق والسياسة توجد بالبداهة استمرارية وتداخل. ففي حال مثالنا, وهو أن الإنسان حيوان سياسي, ليس ثمة عدالة، ولا فضيلة, ولاسعادة على هامش المجتمع، على هامش السياسة. لهذا، إذا درسنا في شيء من الثاني أعمال أرسطو نلاحظ أن الأخلاق النيقوماخيه تعلن (بكيفية مضمرة) عن السياسة، وأن هذه الأخيرة تحيل باستمرار على الأخلاق, كما أن تأمل أرسطو في التربية والقوانين يكوِّن مجال التقاءِ عَالَم الأخلاق وعَالَم السياسة، بمعنى أن الأخلاق والحقوق السياسة تشكل عنده كلا موحدا، حيث موضوعاته قابلة للتجزئة، منهجيا، عند التحليل فقط.
من هنا يشتق أمران:
الأول: أن التمييز بين مجالى الأخلاق والسياسة تمييز منهجى، حتى يمكن معالجة موضوعا تهما في كتابين منفصلين.
الثانى: لأن الإنسان حيوان سياسي، حيوان مدني واجتماعي، فإن النظرات التحليلية لمجال (مجال حياة الفرد السعيدة) تحيل باستمرار عند التطبيق إلى المجال الآخر (المدينة المحكومة جيدا)، بحيث إن المجالين يمكن أن يُدرسا في كتاب واحد. وعندما ندرس كتاب السياسة لأفلاطون، الذي نترجمه عادة بالجمهورية، يتأكد لدينا هذا الانطباع؛ أي أن موضوعات الأخلاق وموضوعات السياسة مترابطة إلى حد أنها تشكل كلا واحدا.
من هنا استعمل فلاسفة النهضة باستمرار هذا التعبير: الحياة الخيرية في مدينة محكومة جيدا. كما أن المفهوم الأرسطى النبيل للسياسة يمكن ترجمته هكذا: السياسة هي أخلاق الجماعة.
 الآن، علينا أن نتقدم خطوة أكبر لتوضيح العلاقة بين الأخلاق والسياسة.لكون المدونة الأرسطية للأخلاق النيقوماخيه ( أي التفكير في الفضيلة، والعدالة والسعادة)، سابقة زمنيا على السياسة (أي التفكير في أنظمة الحكم التي اخترعها الكائن البشري) فقد يستنتج من ذلك أن الأخلاق هي أيضا سابقه في الأساس. وكثير من الناس يعتقدون هذا. لكنه لا يمثل وجهة نظر أرسطو، ففي الصفحات الأولى للأخلاق النيقوماخية، وفي مواضع كثيرة من العمل يتأكد تفوق السياسة. يكتب أرسطو:
"أول ما ينبغي أن يكون واضحا هو أن الخير يُشْتقُّ من العلم السائد، من العلم الذي هو أساس كل العلوم، إنه علم السياسة. فالسياسة في الواقع هي التي تحدد ما هي العلوم الأساسية لوجود الدول، وما هي العلوم التي يتوجب على المواطنين تعلمها، وإلى أي مستوى يجب أن يصلوا في امتلاكها، وفوق هذا يجب أن نلاحظ أن العلوم المعتبرة، أقصد علم الحرب وعلم الإدارة والبلاغة، هي علوم خاضعة للسياسة، وحيث إن هذه الأخيرة تستفيد من كل العلوم التطبيقية، وتصف باسم القانون ما يجب عمله وما يجب تركه، فإنه يمكن القول إن هدفها يلتقي مع أهداف العلوم الأخرى، وبالنتيجة فإن خير السياسة هو الخير الحقيقي والأعلى بالنسبة للفرد والدولة".
لاشك أن خلاصة أرسطو الاستدلالية واضحة جدا، ذلك أن غاية السياسة تستوعب غايات العلوم الأخرى القريبة (البلاغة، القانون، الحرب)، وحيث إن الخير هو نفس الخير للفرد والدولة، صارت المعرفة السياسة أساس كل المعارف، إلى درجة أن القسم الأول من كتاب الأخلاق الذي يعالج الخير والسعادة يوصف بأنه، بكيفية معينة، بحث في السياسة.
ما سبق يفترض مفهوما نبيلا للسياسة وللسياسي، للسياسة كنشاط عملي وكمعرفة نظرية، لاسيما في علاقاتها بالأخلاق. وينبغي أن نسارع إلى القول إن وجهة نظر أرسطو هذه تصطدم ببعض القناعات الثابتة في إطار ثقافتنا، خاصة بما مثلته المسيحية في هذه الثقافة، لأن المسيحية تؤكد تفوق الأخلاق على السياسة بشكل غير مشروط. وكما يقال، فإن الأخلاق شيء، والسياسة شيء آخر، وبين الاثنين الأخلاقُ هي الأفضل.
سأقدم مثالا يوضح إلى أي حد خرق هذا التعارض بين الأخلاق والسياسة ثقافتنا. عندما شرعت في قراءة الأخلاق النيقوماخية، أثار انتباهي موقف المترجم الذي نقل العمل إلى الإسبانية. فعندما وصل إلى الفقرة، التي استشهدت بها، سارع إلى تصحيح كلام أرسطو مسجلا في أسفل الصفحة ملحوظة تقول: "السياسة تحكم الدول، لكنها لا تشكل الأخلاق، ولا هي المسؤولة عن دراسة مسألة الخير. بل على العكس، لا قيمة للسياسة إذا لم تستق مبادئها من الأخلاق، ولم تعمل على اتباعها ".
ليس هذا كل شيء، ففي كل مرة يؤكد فيها أرسطو تفوق السياسة، أو يقول إن موضوعات الأخلاق والسياسة قابلة للنقاش، إذ لا توجد فيهما الدقة التي هي خاصية العلوم الأخرى، يغضب المترجم ويتابع مسجلا ملاحظات في أسفل الصفحة كما يلي:
"الأخلاق، عندما تفهم جيدا، تتسبب في تفرقة أقل مما تفعله السياسة، وتمنح كل وعي متبصر ونبيل مبادئ صلبة".
"إذا كانت البلاغة لا تتوافر على براهين ملموسة، فإن الأخلاق يمكن أن تتوفر عليها، كما استطاع أرسطو رؤيتها في سقراط وأفلاطون".
"إن هذا الذي يقوله أرسطو يتأسس على انشغالات العهد اليوناني القديم، حيث كان المواطن مجرد عضو في الدولة".
"ليس للحياة سوى هدف واحد، والظن بأنه يمكن أن يكون لها أهداف كثيرة، من شأنه فتح الباب أمام الشك والخطأ".
ويغضب مترجمنا بشدة عندما يؤكد أرسطو أن الفضيلة غاية أفعال السياسي الحقيقي، لأن ما يسعى إليه هو جعل المواطنين فضلاء خاضعين للقوانين. حين يصل إلى هذه الفقرة يكتب مصححا كلام أرسطو "إن درس الفضيلة ينتمي إلى الأخلاق فقط، ومنها يتوجب على السياسة أن تستمد أساسها وليس العكس".
من كل هذه الاعتراضات، يمكن أن نعثر على سبب غضب المترجم في هذه الجملة التي تقول: "إن وجهة نظر أرسطو تتأسس على انشغالات العهد اليوناني القديم، حيث كان المواطن يعتبر مجرد مواطن في الدولة".
لاشك أن في العهد اليوناني القديم، عند تقييم فضائل الكائن البشري، كان يعد أمرا جوهريا أن يُنظر كيف يسلك هذا الفرد تجاه قضايا السياسة، وقد كان المنشدون في التراجيديا اليونانية يكررون مرة تلو أخرى: من أجل معرفة ماهية الإنسان "أخلاقيا" ينبغي أن نرى كيف يسلك في القضايا السياسية، ونوع خاص كمواطن ذي حقوق وعليه واجبات؛ أي بالعلاقة مع القوانين. ومع ذلك، يمكن أن ينتج عن استعمال كلمة الدولة في هذا السياق بعض الالتباسات. لأن السياسة في العهد اليوناني، كما نعلم، لم تكن هي الدولة بالمعنى المعاصر لهذا المفهوم، بل كانت بالأحرى المجتمع بالمعنى الواسع. وهذا لا يعني أن السياسة في العهد اليوناني القديم خلت من الصراع بين الوعي الأخلاقي الفرداني وقواعد المجتمع، إذ بعض التراجيديات تقوم على الصراع، وهذا هو موضوع دفاع سقراط، فالتراجيديا تتكون أساسا من الصراع بين الوعي الفردي والقوانين القائمة. غير أن اليونانيين، في سعيهم لإيجاد حل لهذا الصراع، أعطوا الأسبقية لاعتبارات المواطن بوصفه كائنا اجتماعيا وعضوا في المجتمع.
لكن ما ينبغي تسجيله هنا هو أن المترجم الإسباني لكتاب أرسطو، عندما ينتقد وجهة نظر القدماء، يفترض أن المواطن يمكن أن يكون شيئا آخر، مختلفا عن أن يكون عضوا في الدولة أو في المجتمع المدني.
كان المترجم مؤمنا بهذه الثنائية، وإن لم يعلنها صراحة: الأخلاق أهم من السياسة لأنها تتعلق، على وجه الدقة، بسلوك الكائن البشري بوصفه فردا قبل كل شيء، وعضوا في مدينة أخرى تختلف عن المدينة التي هي الدولة أو المجتمع؛ أي عضوا في مدينة الله.
توجد هكذا، قوانين تعلو على تلك التي اخترعها الإنسان في السياسة، قوانين واضحة، هي بمعنى معين متوافقة مع القانون الطبيعي.
لاشك أن هذا مفهوم ديني لاهوتي للعلاقة بين الأخلاق والسياسة، وهو الذي شكل بكيفية مكثفة ثقافتنا، أقصد الثقافة الأوربية ذات الأساس المسيحي.
أما إحدى النتائج الخطيرة لهذا الفهم الديني للعلاقة بين الأخلاق والسياسة فكانت هي الانتقاص من السياسة لأسباب أخلاقية، أي الانتقاص من ذلك المجال الذي اعتبره أرسطو جوهريا، وصار لميدان وعي الفرد الأولوية على المجال العمومي أو السياسي، ومُجِّدت فضائل الشخص الأخلاقي على حساب قوانين الدولة.
طبعا، إن لهذا الاتجاه تفسيرا تاريخيا، يجد جذوره في الصراع الداخلي الذي عاشه الشخص المسيحي في عهد الإمبراطورية الرومانية، ذلكم أن تدرج القيم كان يتأسس انطلاقا من هذا الصراع، انطلاقا من تمجيد المقاومة الأخلاقية للفرد المسيحي ضد السياسة الإمبراطورية القائمة آنذاك، لأن السيد المسيح أسس حركة دينية أخلاقية، وليس حركة سياسية لمواطنين يسعون إلى تأسيس مجتمع المواطنة على الأرض.
ما أرويه ليس حكاية بلا أهمية بالنسبة لموضوعنا، لأن تشكل ثقافتنا من الروح المسيحية طوال قرون ظل هكذا حتى بالنسبة لعالمنا اليوم الذي يعتبر على العموم علمانيا ودنيويا، وحيث يتغلب الفصل بين الدين والدولة. هذا الفهم الديني للعلاقة بين الأخلاق والسياسة يعود إلى الظهور دوما في كثير من القضايا العمومية المثارة، هكذا في موضوع الإجهاض، موضوع نقل الأعضاء البشرية، وفي كل الحالات المتعلقة بالبيولوجية الأخلاقية، لأن الكثير من الناس مازالوا يفكرون، عند الحديث عن العلاقة بين الأخلاق والسياسة، مثل ذلك المترجم الإسباني للأخلاق النيقوماخية.
 
* * *

6 - أكتوبر - 2008
بين الدين والفلسفة
الإيطيقا وفلسفة السياسة (تتمة )    كن أول من يقيّم

3. قدماء ومحدثون:
السؤال المثار الآن هو: هل بإمكان المرء أن يبقى أرسطيا، وهو يقوم بإجراء هذه المقارنة التفضيلية بين الأخلاق والسياسة، دون أن يبدو قديما؟.
لعل القول إن الإنسان حيوان سياسي يعني في مدلوله الأصلي، أن يكون جزء من نوع اجتماعي يتمتع بالعقل، والقدرة على الاندماج في مجموع يغتني أعضاؤه روحيا وذاتيا عبر التواصل الاجتماعي، ويحسون أنهم ملزمون بالمشاركة، بكيفية فعالة، في تسيير الشأن العام من أجل إدراك الفضائل والسعادة الشخصية.
بيد أن أعمال المؤرخين المعاصرين أوضحت أن هذا المفهوم النبيل للسياسة لم يتطابق دوما مع ما كان يحدث فعلا في الدولة اليونانية. وفوق هذا، كان الغنى الروحي والشخصي للمواطنين المشاركين في السياسة، يتأسس على تقسيم اجتماعي صارم للعمل، وعلى وجود العبودية.
هناك كلام كثير يمكن قوله عن التوجه السياسي لسقراط، لكن بدون الدخول في مناقشة هذا الأمر، فإن ما كتبه أفلاطون يجعلنا نفكر بأن واقع المشاركة السياسية في أثينا كان أفقر مما اقترحه المفهوم اليوناني النبيل للسياسة.
هذه هي الحقيقة الأولى التي ينبغي ذكرها حتى لا ينخدع أحد. فالعمل السياسي ربما كان منذ بدايته الكلاسيكية نشاطا يطبعه التناقض الداخلي، حيث تتنافس الفضيلة، والنزاهة، والعقل، وحسن التواصل مع الأنانية، والفساد، والشر، والكراهية. لقد اعتاد المنشدون "الخورس" في تراجيديا سوفوكليس على تقديم هذا التحذير: دليل قيمة الإنسان يُستنتج من طبيعة علاقته بالسلطة، نعرف بالضيط ما يساويه الشخص لما نراه يسلك سياسيا كمشرع.
كان أرسطو يعرف هذا جيدا، بحيث أن مفهومه النبيل للسياسة ينبغي قراءته كخطاب عقلاني ينطبق تقريبا على ما يلي: رغم التناقض الداخلي للممارسة العملية للمواطنين، من المفيد لنا أن نشارك في المهام السياسية، لأن هذا يجعلنا أفضل، نحن الذين لنا حق المواطنة، وإذا حاولنا عقد مقارنة فإن المشاركة في مهام السياسة، هي ثقافيا وروحيا، ترضي النفس أكثر مما إذا تركناها في يد طاغية أو أو ليغارشية، كما يجري ربما يسبب الارتياب من السياسة في أماكن أخرى.
ومع هذا فإن أعمال المؤرخين المعاصرين تسجل أربعة تحفظات على المفهوم النبيل للسياسة.
إن الفرد المسمى نيقوماخية، أو جوردي، أو فيكتوريا، يمكن ألا يعي أنه ينتمي حقيقة إلى مجتمع سياسي أو مدني.
قد يدخل في مناقشة مع الآخرين حول ماذا يعني أن يكون كائنا سياسيا في لحظة تاريخية معينة، ولكن تبقى لديه شكوك حول إن كان هذا الحيوان السياسي متطابقا في أثينا وإسبارطة.
يمكن في بعض الشروط ألا يسلك كحيوان سياسي، وهذا ليس بسبب أنه يجهل انتماءه للكائنات العاقلة، ولا بسبب التهاون، وإنما لعدم اقتناعه بأن الفضيلة وسعادة الأفراد تدركان بممارسة السياسة.
قد يعبر عن اشمئزازه من الطريقة المعتادة في العمل السياسي سواء في بلده أو في عالمه، ومن ثم يحاول تغييرها اقتناعا منه بأنه حيوان سياسي، لكن فضيلته وسعادته تدركان هنا بالأسلوب أو بالكيفية التي تتخذها مشاركته المدنية في القضايا العمومية.
ما يقال في النقطة الأولى يتخذ أحيانا طابعا إشكاليا حينما نبرهن بأنه يوجد أفراد يتجنبون العمل السياسي لا بسبب أنهم يجهلون انتماءهم إلى نوع الحيوان السياسي، بل لأنهم بفضل هذا الجهل يعيشون فضلاء وسعداء.
علينا أن نسجل أن مقابلة سعادة شخص بالابتعاد عن السياسة، أو العيش على الهامش، أمر غير بعيد عن ثقافتنا التي تطابق المشاركةَ السياسية بشرور السلطة، والسذاجةَ تجاه الأشياء بالخير والسعادة.
الحجة المتضمنة في النقطة الثانية لا تنفي بوجه عام المفهوم النبيل للمشاركة السياسية، لكنها تتطلب بعض التدقيقات. إن سلبية الفرد تجاه العمل السياسي لا تعود إلى جهله، وإنما إلى عدم اقتناعه بأن السياسة تقود إلى السعادة والفضيلة. وهذا السلوك يمثل بالطبع لحظات اليأس في تاريخ الإنسانية، ففي تلك اللحظات لا يمثل رفاق العمل السياسي سعادة المواطن فقط، وإنما يمثلون كذلك القوة والموت الناتجين عن المواجهة بين حقوق يراد لها أن تكون متساوية. حينئذ يتحول العقل إلى ديماغوجية، ويقرر ممارسة العنف، فتبرز أمام هذه الظواهر فكرة الابتعاد عن السياسة.
ظهر في العصر الحديث نموذجان في رفض السياسة؛ وهما النموذج الديني، والنموذج الجمالي، وفي كلتا الحالتين كان لدى الفرد يقين بـأن الفضيلة والسعادة لا تدركان عبر المشاركة في تدبير شؤون المدينة، وإنما بهجر السياسة إلى الدين وتهذيب العواطف. هناك في الحداثة نموذج أو أسلوب ثالث في الابتعاد عن السياسة، وهو اللجوء إلى جزيرة أو مكان بعيد، ليس احتجاجا على الحياة السياسية، وإنما لممارسة حياة فردانية إيجابية على المستوى الأدبي والاقتصادي،لأن في الجزيرة يمكن أن يفعل تقريبا، وربما بصوره أفضل، ما تفعله الأكثرية في المجتمع القائم.
خلافا للآخرين الذين يرون في هذه النماذج قضاءً على طبيعة الإنسان الاجتماعية، وإلغاءً لجزء من شخصيته عبر الطريق الصوفي والعدمية، أعتقد بوجود نوع من العدمية الإيجابية، وهي تعكس عندنا منذ القرن 19 ابتذال الفرد في حياة سياسية مشوهة. كما أن الانسحاب الديني أو الجمالي من النشاط السياسي هو انسحاب مؤقت، ولا يمكن أن ينهض بديلا للنموذج الأرسطي، فعندما يبدأ الطوفان تمارس السياسة في الأديرة. وأعتبر الآن أن الانسحاب الجمالي التام يتلاشى اليوم بسهولة أمام ضغوط وسائل الاتصال القادرة على إدماج الملايين من غير المتسيسين. يحصل عادة بأن انسحابا تاما من هذا النوع – وقد ظهر في العصر الحديث احتجاجا واعيا على اللاتسامح، وتحويل الإنسان إلى شخص ذي بعد واحد- ينتهي بتحوله، بلا شك، إلى نوع من السذاجة السياسية غير المقصودة.
يبقى، إذن، الوعي التاريخي والرؤية التراجيدية للسياسة المعاصرة المعبر عنهما في النقطة الرابعة. إن النشاط السياسي، كما تقول هذه النقطة، ليس ملتبسا ومتناقضا فقط، بل صار، في غمرة احتكاكه اليومي بالواقع، وتدخله في كل تفاصيل حياة الأفراد، يختصر كل مرة في السلطة. فالسياسة هي السلطة، والسلطة هي المنصب في الدولة، والدولة غدت تتحول كل مرة إلى مراقب ومنظم لحياة الأفراد، بالإضافة إلى وصي.
خيبة الأمل، التي هي صفة ملازمة للإنسان المعاصر، جاءته من اعتقاده بأن الذين يشاركون في محاصرة الشر المتولد عن اللعبة السياسية قليلون. هذا هو الدرس الذي كان علينا أن نتعلمه في القرن العشرين، فما سمي بسياسة الجماهير، والمشاركة المكثفة للمواطنين في السياسة، التي بدأت في تزايد منذ السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الأولى، انتهت في الوقت الراهن بأفعال وحشية: معسكرات الاعتقال النازية، وحشية القنابل على هيروشيما وفيتنام وبغداد.
والخلاصة التي يمكن أن نخرج بها، هي أنه ينبغي وضع المفهوم الأرسطي النبيل للسياسة في سياقه، فلا يكفي مطلقا أن يشارك بكثافة أناس أكثر في الحياة السياسية، وفي مهام الديمقراطية، لأن مدننا ودولنا لها بُعْدٌ لا يتطابق معه النموذج الأرسطي الذي صيغ لمدينة/دولة صغيرة، وعدد محصور من السكان. لهذا يتوجب التفكير مرتين عند الحديث عن المشاركة والتدبير في الديمقراطيات الحديثة.
لدى مناقشته العلاقة بين الأخلاق والسياسة، ميز Aranguren بين أربعة نماذج ممكنة في الحداثة للتفكير في هذه العلاقة:
- السياسة الواقعية، حيث يعتبر مهنيوها الأخلاق مثالية سلبية، وتدخلها في السياسة أمرا مقلقا.
- رفض الفعل السياسي باعتباره شرا غير قابل للإصلاح، وذلك بحجة أن الأسبقية للأخلاق.
- المفهوم التراجيدي الذي يقتضي أن تتعايش الأخلاق والسياسة مع انشطار الفرد وتمزقه بين المطلب الأخلاقي وعدم القدرة على تجنب السياسة.
- المفهوم الدرامي لإشكالية العلاقة بين الأخلاق والسياسة، بوصفها بحثا مستمرا، وتوترا دائما، ونقدا ذاتيا لا يرحم.
إلا أن Aranguren انتتقد بوضوح النموذجين الأولين، ومالبشكل إيجابي إلى النموذجين الأخيرين. وأنا أتفق مع هذا التوصيف للأشياء، لكني أريد أن أضيف أننا، بمجرد انغماسنا في السياسة، ننتبه إلى أن هذا الاختلاف بين المفهومين التراجيدي والدرامي ينمحي بالتمام بالنسبة للمثقف الواعي بما تعنيه السياسة، واليقظ في الوقت ذاته تجاه الأخلاق. والتجربة المعيشة توضح أنه إذا كان بين السياسة الواقعية والأخلاقيات تعارض جذري،فإن المفهومين التراجيدي والدرامي ليسا صيغتين متحجرتين لفهم علاقة الأخلاق بالسياسة، بل هما نَبْرتان لإشكالية باطنية تتغيران تاريخيا في حياة الإنسان الواحد.فلا وجود لحدود بين العيش التراجيدي والعيش الدرامي للعلاقة بين الأخلاق والسياسة، فالبحث المستمر، والتوتر الدائم، والنقد الذاتي الذي لا يرحم، ترتبط عادة بانشطار الفرد وتمزقه. ولهذا، فإن فضاء الفصل بين التراجيدي والدرامي يصير شفافا.
 
* * *
خلاصـة
في التفكير حول المسائل المنهجية، توصلنا إلى نتائج نريد تلخيصها في ما يلي:
الإيطيقا (أو علم الأخلاق) نظرية حول سلوك الإنسان وتصرفه وقيمه الأخلاقية.
- حيث أن النظريات الإيطيقية هي إنتاجات ثقافية لامتداد اجتماعي، ولكون هذا الامتداد يوجد بدوره مندمجا في امتداد بيولوجي اجتماعي، وفيزيائي بيولوجي، فإنه يبدو ضروريا عند معالجة الإيطيقا أن نأخذ بعين الاعتبار العوامل البيولوجية، والسوسيولوجية، والسوسيوبيولوجية.
- إن القبول بهذه النقطة كمنطلق لا ينفي الطابع المستقل للتفكير الإيطيقي.
- حيث أن الكائن البشري حيوان سياسي، حيوان مدني واجتماعي، فإن النظريات الإيطيقية غير منفصلة عن التفكير السياسي، ومع ذلك يمكن الفصل بين الإيطيقا والسياسة لأسباب منهجية.
- مثلما أن الإيطيقا تفكير حول السلوكيات الأخلاقية المحددة في قواعد ومعايير، كذلك علم السياسة هو تفكير (فلسفي بالأساس) حول سلوك هذا الحيوان الاجتماعي، المدني، الذي هو الإنسان.
- كما نميز بين الكلمتين: الإيطيقا والأخلاق،يكون من الملائم أن نميز كذلك، على المستوى الإجرائي، بين السياسة بما هي براكسيس أو نشاط، وعلم السياسة بوصفه تفكيرا حول نشاطات الناس السياسية.
- إن الجواب عن السؤال: أيهما أسبق الأخلاق أم السياسة؟ سوف يتوقف على نظرتنا للكائن البشري، أي على الجانب الذي نلح عليه، أ- فإما أن نعتبر الإنسان حيوانا اجتماعيا ومدنيا، ومن ثم يكون كائنا سياسيا. ب- وإما أن نعتبره فردا/شخصا بمسؤوليات وواجبات أمام قوى(ربما متعالية) ليست من النوع السياسي.
- رغم أن اختلاف المفهوم حول الإنسان هو الذي يحدد الفكرة التي نكونها عن العلاقة بين الإيطيقي والسياسي في كثير من مناقشاتنا لموضوعات ملموسة، يبقى هناك على الدوام اعتراض الأخلاق على السياسة، واعتراض السياسة على السلوكيات الأخلاقية ( وغير الأخلاقية).
- ثمة على الأقل أربعة نماذج للتفكير وعيش العلاقة بين الأخلاق والسياسة، وهي:
أ- السياسة الواقعية، وفيها تعتبر الأخلاق مثالية سلبية، وينظر إلى تدخلها في السياسة بعين القلق.
ب-رفض العمل السياسي باعتباره شرا لا يصلح، وذلك بحجة أسبقية الأخلاق وتفوقها.
ج- المفهوم التراجيدي الذي يقضي بأن تتعايش الأخلاق والسياسة مع تمزق الفرد الذي يجد نفسه محاصرا بين المطلب الأخلاقي وعدم القدرة على تجنب العمل السياسي.
د- المفهوم الدرامي لإشكالية العلاقة بين الأخلاق والسياسة، باعتبارها بحثا مستمرا، وتوترا دائما، ونقدا ذاتيا لا يرحم.
كل هذه الصيغ، للتفكير وعيش العلاقة بين الإيطيقا والسياسة، يمكن أن تتحقق في حالات الحماس الفردي أو في حالات جماعية متميزة خلال أوقات تاريخية مختلفة. وإذا تجنبنا طرح السؤال: أي صيغة من هذه الصيغ تتغلب على الفرد أو/والجماعة في هذه اللحظة أو تلك؟ سنجد التفكير الإيطيقي حول السلوك الأخلاقي، والتفكير النظري حول الحياة السياسية كانا وسيظلان من خصائص الإنسان. إن الكائن البشري، فوق أنه كائن اجتماعي، هو كائن تاريخي. فلا توجد نماذج أو مقولات ثابتة للجميع من أجل التفكير وعيش العلاقة بين الأخلاق والسياسة.
 
Cuadernos del Norte nº 7
دفاتر الشمال - العدد السابع
1
                         *
مجلة ثقافية تصدر من تطوان - المغرب

6 - أكتوبر - 2008
بين الدين والفلسفة
سر نجاح المسلسلات المدبلجه فى سطور..    كن أول من يقيّم

 
* تحية طيبة أ.ماهر ، لن ندعك تنتظر كثيرا.. وإن كان العكس هو الحاصل معك في " مسلسلك عن الاكتئاب.."!!!
وإليك وإلى السادة القراء والسيدات القارئات هذا الموضوع المقتبس الذي يلقي مزيدا من الضوء عن المسلسلات
المدملجة بصفة عامة .. 
*قمت بحذف الصور كإجراء وقائي لكل ما من شأنه أن..
 
 
 
سر نجاح المسلسلات المدبلجه فى سطور
 
منى القاضي - محيط
Tuesday, October 07, 2008
 
دخلت الدراما التركية والمكسيكية بيوتنا و جذبتنا بشدة إلى المشاهدة، فهل سيستمر الوضع على ما هو عليه أم أنها مجرد ظاهرة كغيرها من الظواهر؟!
نور :
استطاع المسلسل التركى "نور" الذى كان يذاع على mbc1 ثم انتقل عرضه الى mbc4 أن يجذب اليه فئه كبيرة من الجمهور، حتى تم عرضه من بداية شهر يوليو على قناة mbc+، فضلاً عن عرضه على القناة الثانية المصرية قبل شهر رمضان ومن المقرر أن يستكمل بعد انتهاء الشهر الكريم، إضافة الى أنه يعرض حالياً على قناة تونس، مما يدل على النجاح الكبير الذى حققه هذا المسلسل المدبلج للهجة السورية.
 
 أسباب تميز هذا المسلسل قرب الحياة التركية من الحياة العربية من أهم الأسباب التى جذبت الجمهور لهذا المسلسل، حيث أن الحياة التركية تتفق كثيراً معنا كعرب فتشابه العادات والتقاليد جعلتنا أكثر قرباً من هذا العمل مما يجعل هذا السبب من الاسباب الرئيسية لنجاحه، إضافة الى الأداء الطبيعى للممثلين، حيث يشعرك كل منهم بأنه يتصرف بطبيعيته و كأنها شخصيته الحقيقية مما يضيف المصداقية للعمل، فضلاً عن قصة حب "نور" ـ التى تجسد دورها الممثلة التركية سونجول أودان و"مهند" الذى يجسده الوسيم كيفانج تاتليتوج ـ التى تشبه قصص الروايات والأحلام، إضافة الى القيم الانسانية التى بالعمل، ويأتى أيضاً سبب هام وهو عرض العمل على قناة "mbc" التي تحظى بنسبة مشاهدة مرتفعة، كما أن عملية الدوبلاج تمت بشكل جيد ومهني، كذلك وسامة الفنـانين وأناقتهم وأداؤهم الجيد كان لها أثرها بجذب الناس الذين أحبوا العمل لما فيه من رومانسية عالية قد لا يرونها إلا على الشاشة فقط، مما شجع مجموعه الـ mbc لإفتتاح قناة جديدة لعرض المسلسل من بدايته على قناة mbc+  التى تروج لها قنوات "الشوتايم"، فضلاً عن اللهجة السورية التى تعد أحد أهم أسباب نجاح المسلسل، وذلك بسبب ان الدراما السورية اخذت مكانها عربيا واحبتها الناس وتعودوا عليها وانتشرت كما اللهجة المصرية عربيا، وتدور أحداث العمل حول عائلة ثرية يفقد ابنها "مهند" خطيبته في حادث مفاجئ و مؤسف، حيث يحزن مهند كثيراً على فقدانها فيقرر الجد تزويجه من "نور" ابنة عمه الفقيرة الآتية من الريف ومن هنا تنطلق الاحداث.
سنوات الضياع :
كما استطاع "سنوات الضياع" التركى الذى كان يذاع على mbc1 كسب نسبة مشاهدة عالية، كما إنه مدبلج هو أيضاً باللهجة السورية، ويعرض حالياً على قنوات المغرب.
 
 أسباب تميز هذا المسلسل ابطال المسلسل يحيى ورفيف ولميس وعمر باتوا حديث الأسر حتى الأطفال، حيث أن ما يصيبهم يؤلم المشاهد ويؤثر فيه، مثل مرض رفيف الذى أدى الى وفاتها بعد إنجابها، أما لميس فقد باتت رمزاً للجمال والرقة والحب لدى الكثيرين، مما جعل السبب الرئيسي لنجاح هذا المسلسل هو أبطاله وأدائهم المقنع الممتاز، إضافة الى  القصة المحبوكة المتشابكة التي تتناول العلاقات الإنسانية في ارتباطها بالفروق الطبقية ومشاكل البطالة والفقر وسلطة المال والأحقاد وكذا الارتباط العائلي والحب والتعاون بين الأصدقاء الموجودة في المجتمع التركي، حيث تعتبر القصة أحد قوى الجذب فى المسلسل والتى تدور في ضاحية تركية صغيرة حيث يعيش كل من يحيي ورفيف اللذين، رغم الفقر الذي يعيشان فيه، يحلمان بمستقبل أفضل، في حين يعيش كل من عمر ولميس في فيلا فخمة ويديران معا مصنعا للملابس الجاهزة. وتتشابك أقدار الشخصيات الأربع عبر حلقات المسلسل ويجمعهم الحب أحيانا، والحقد والكراهية في أحيان أخرى. العمل بطولة توبا بويوكوستن فى دور "لميس"، وسينان توزكو فى دور "عمر"، و بولنت إينال فى دور "يحيى".

روبى:
على الرغم من دبلجته للغة العربية الفصحى استطاع المسلسل المكسيكى "روبى" الذى كان يعرض على قناة الـ mbc1  لكسب نسبة مشاهدة عالية ومن أهم أسباب تميزه أحداثه المشوقه والمثيرة، حيث أن كل حلقة نجد بها مفاجأة أقوى من الحلقة التى سبقتها، مما يجعل المشاهد ينتظر ماذا سوف تفعل "روبى" التى كانت تجسد دورها الممثلة المكسيكية الجميلة باربرا مورى وما الذى تخططه للفوز بقلب "هيكتور"  وأمواله الذى يجسده الوسيم سيبسيتان رولى ، والاحتفاظ بحب "اليخاندرو" وهو  ادواردو سنتامارينا، فضلاً عن الآلام التى كانت تسببها "روبى" لأقرب صديقاتها جاكلين منتس فى دور "ماربيل"، مما جعل المشاهد ينتظر نهاية "روبى" بفارغ الصبر..
 
بالطبع لم أقصد نهاية المسلسل بل أقصد انتظاره للإنتقام من هذه الشخصية الشريرة.. إضافة الى الإثارة التى كانت بالعمل فبالرغم من دبلجته للغة العربية الفصحى وليس للهجة السورية او اللبنانية كما يحدث فى المسلسلات التركية أثار هذا العمل اهتمام الجميع، مما جعل قناة الـ mbc تقوم بإعادته مرة أخرى بعد انتهائه بفترة قصيرة، كما اعادة الحلقة الاخيرة بناءاً على طلب الجماهير، ولا ننسي بالطبع الأداء المميز لأبطال المسلسل بل أيضاً الأداء المميز للأدوار الثانوية وليس الرئيسية فقط فكل شخصية كان لها تأثير فى العمل مما يدل على الحبكة الدرامية الممتازة، كذلك وسامة الفنـانين وأناقتهم وهو فى الغالب ما تتميز به الأعمال المدبلجه جميعاً.
سحر الغجريات :
المسلسل المكسيكى "سحر الغجريات" عرض منه 15 حلقة على قناة الـ mbc1 ثم توقف لأسباب مجهولة، ثم عرض على الشو تايم على قناة الشو شاشة، وهو مدبلج للغة العربية الفصحى ومن أهم أسباب نجاحه قصته، حيث انها قصة جديدة على عالم المسلسلات المكسيكيه فهو يدور حول قصة الفتاة الغجرية  "ماريا سالوم" التى تقع في حب رجل غير غجري "سيباستيان"، حيث يسلط المسلسل الضوء على قبيلة من الغجر تستقر في بلدة ساحلية ، ويعرض لنا الممارسات العدوانية التي يتعرضون لها من طرف سكان هذه البلدة الذين يعانون بدورهم من الكساد الاقتصادي ، ويصور لنا الاعتداءات عليهم والرغبة في ترحيلهم ، وعدم الاعتراف بهم كمواطنين في البلدة.. ومن أهم الاسباب ايضاً التى جعلت هذا المسلسل يلاقى النجاح هو الملامح العربية التى كان يتميز بها الأبطال خاصة آنادى لايحبورا فى دور "ماريا سالوم"، مانولو كاردونا فى دور "سيباستيان"، مما جعل المشاهد يتفاعل معهم ويشعر كأنه منهم.
ماريا ابنة الحى
المسلسل المكسيكى "ماريا ابنة الحى" للمغنية والممثلة المكسيكية الشهيرة تاليا التى قدمت سلسلة لمسلسلات ماريا بعد نجاحها، هذا المسلسل كان يعرض على LBC ومدبلج للغة العربية الفصحى. إن التشويق والاثارة تعتبر من اهم اسباب نجاح هذا المسلسل وأغلب المسلسلات المكسيكية، حيث أن السمة الرئيسية فى نجاح هذه المسلسلات هى القصة المثيرة والمشوقة المليئة بالأحداث الجديدة والمفاجآت العديدة. ويدور هذا المسلسل حول قصة الفتاة "ماريا" التى تجسد دورها المغنية و الممثلة المكسيكية تاليا مع الممثل فرناندو كولونغا،  وهى كانت تعيش في حي فقير ، وبعد أن  تموت عمتها الفقيرة يأخدها العم الثرى فرناندو لتعيش معهم فى القصر، ومن هنا تبدأ الصراعات، حيث أن باقى العائلة لم يعجبهم الوضع ويحاولون عدة مرات أن يجعلوا "ماريا" ترحل، الى أن يقع فى حبها  لويس فرناندو ويتزوجها، ولكنه يتهمها بالخيانه ثم تبدأ العديد من المفاجآت فى أحداث المسلسل مما يجعل المشاهد ينجذب الى العمل حتى النهاية.
 اكليل الورد
"اكليل الورد" مسلسل تركى الجنسية وأشهر القنوات التى كانت تقوم بعرضه قناة الـ mbc1 حيث انه أخذ شهرته منها وحقق نجاحاً كبيراً، كما انه كان أول مسلسل درامي تركي مدبلج يعرض على هذه الشاشة، وهو مدبلج للهجة اللبنانية. ان أحد الأسباب الرئيسية فى نجاح هذا المسلسل هو أنه كان أول مسلسل تركى مدبلج للهجة اللبنانية يعرض على قناة الـ mbc1 ، مما جعل الجمهور يجد فيه شيء مختلف عن المسلسلات المكسيكية المدبلجة لكونه عمل جديد بالنسبة لهم واقتربوا منه أكثر لتشابه العادات والتقاليد التركية من العرب، حيث وجد فيها الجمهور مالم يجده فى الأعمال المكسيكية التي لا تمت لقيم مجتمعاتنا الإسلامية بصلة، لكونها تظهر لنا نموذجا غربيا للعلاقات الأسرية ومجتمعا يختلف عن مجتمعاتنا المحافظة، على عكس الاعمال التركية التى تعتبر نوعا ما محافظة ورغم كون الحياة التركية التي تعكسها هذه الأعمال هي حياة عصرية إلا أنها لم تغيب القيم والأخلاق والتماسك الأسري والبر بالوالدين مما أدى الى نجاحها. إضافة الى قصة هذا العمل التى كانت احدى أسباب تميزه والتى تدور حول سكان المنزل الصغير الذي يشكل أطيافاً مختلفة من المجتمع التركي في زمن شهدت فيه بلاد الأناضول تغييرات سياسية واجتماعية واسعة، فضلاً عن قصة الحب التى تجمع بين الأبطال "سمر" و"أمجد".
كيف يتم دبلجة هذه المسلسلات؟

فى هذه الأعمال تكون مهمة المشرف على العمل توازى عمل المخرج فى الأعمال الدرامية بما له من علاقة ببناء الشخصيات فى العمل والإشراف ببناء الشخصيات في العمل والإشراف على موضوع
" LIPSING " مطابقة الشفاه بين اللغة التركية واللغة العربية المحكية العامية و طول الجمل وقصرها والصياغة الكلامية .اضافة الى إيجاد الانسجام بين الشخصيات كي لا يشعر المشاهد ان كل ممثل يتكلم وحده. وفى الغالب يتم تسجيل صوت كل ممثل على حده، وذلك لصعوبة تجميعهم فى وقت واحد لفترة طويلة كى يتم الدوبلاج. إضافة الى سهولة التنسيق والإعادة فى حال الممثل الواحد. وحتى يكون الدوبلاج ناجح فيتقمص الفنانيين المؤديين لصوت الأبطال فى العمل شخصياتهم تماماً حتى يجيدون التعبير عن انفعالاتهم.
قناة الـ mbc تتبنى المسلسلات المدبلجة

حقاً هذا هو ما تفعله قناة الـ
mbc، حيث انها اعتبرت المسلسلات المدبلجة بمثابة ابنائها وكبرت هذه الأعمال ونجحت من خلال هذه القناة.. فإذا أردت أن ترى مسلسل مدبلج جيد فقم بالبحث فى قنوات الـ mbc . فأصبحت هذه القناة بمثابة بئر عميق لهذه المسلسلات ليس له نهاية، حيث قررت القناة الشهيرة بعد النجاح الكبير الذى حققه مسلسل "سنوات الضياع" و "نور" أن تعرض قريباً أعمالاً تركية مدبلجة آخرى منها "الرقم السرى" وهو عمل بوليسى، "عائلتان" وهو كوميدى، إضافة الى عمل كبير يحمل عنوان "ليلة حزيرانية".

ولم تكتفى قناة الـ
mbc بعرض المسلسلات التركية فقط بعد كل هذا النجاح بل اتجهت ايضاً الى عرض الأفلام السينمائية التركية المدبلجة منها فيلم بعنوان "الثانية عشرة إلا ربعاً" الذي يسلّط الضوء على واقع العلاقات الإنسانية والعاطفية في المجتمع التركي، حيث تدور قصته حول فتاةٍ متمرّدةٍ على العادات والأعراف، تقرّر الهرب من أهلها الذين يعتزمون إرغامها على الزواج من رجلٍ لا تحبّه. وأثناء رحلة هروبها تجمعها قصة حب حقيقية برجل متزوج وصلت علاقته بزوجته إلى نهايتها فيسعى لنيل الطلاق. الفيلم من بطولة ييلدان ريناود، وفيردان دوزاغاتش.

"ام بى سي" تستضيف ابطالها

بعد النجاح الكبير الذى حققه المسلسل التركى المدبلج "سنوات الضياع" و"نور"، قام مؤخراً أبطال مسلسل "نور
" بزيارة مقر مجموعة "ام بي سي" بدبى حيث احتشد الآلاف من عشاق نجوم المسلسل التركي المدبلج بانتظار وصول الأبطال لالتقاط الصور التذكارية معهم، وقد تزاحمت الحشود البشرية التي ضمت أعداداً كبيرة من الفتيات والشبان المنتمين لمختلف الشرائح العمرية والجنسيات للحصول على صور خاصة موقعة من النجم الوسيم كيفانج تاتليتوج "مهند"، والحديث معه بشكل مباشر وشخصي. وقد تغيبت عن الحضور بطلة المسلسل الممثلة التركية سونجول أودان "نور"، حيث تردد أنها تنشغل بدعوى طلاقها.

كما قاموا أيضاً أبطال مسلسل "سنوات الضياع" بزيارة مجموعة
mbc وجالوا في استيديوهاتها، حيث لاقوا ترحيباً مميزاً من العاملين فيها والجمهور المحتشد في الأماكن العامّة التي زاروها. وقد ضم الفريق كل من الممثلة التركيّة السمراء الجميلة توبا بويوكوستن  "لميس"، وسينان توزكو  "عمر"، و بولنت إينال  "يحيى".http://www.hespress.com/?browser=view&EgyxpID=9036
 

8 - أكتوبر - 2008
المسلسلات التركية المدبلجة (تحت المجهر)
لوكليزيو، كاتب التجوال الثائر على الغرب المادي ..    كن أول من يقيّم

 
باريس: اختارت الاكاديمية الملكية في ستوكهولم بمنحها جائزة نوبل للاداب للعام 2008 الى الكاتب الفرنسي جان ماري غوستاف لوكليزيو، تكريم احد كبار اسماء الادب الفرنكفوني المعاصر صاحب نتاج ادبي غزير ينتقد فيه الحضارة المدينية العدوانية والغرب المادي. يروى لوكليزيو باسلوبه الصافي والبسيط الوحدة والتجوال وهو الذي لم يحط رحاله بل بقي كالبدو هائما على وجه الارض. يحتل هذا الكاتب المعروف منذ سنوات موقعا فريدا في فرنسا حيث يحظى باحترام واعجاب منقطعي النظير وهو من الادباء القلائل الذين تلقى كتبهم اقبالا كثيرا وتبيع اعدادا كبيرة مع حفاظها على معايير ادبية عالية. احتفظ لوكليزيو رغم بلوغه الثامنة والستين بمظهر فتى شاب بقامته الممشوقة وعينيه الزرقاوين وهو ليس متوحدا بالقدر الذي يقال احيانا لكنه خفر متكتم ومقل في كلامه وحين يتكلم يختار كلامه بصفاء ووضوح وثقة.
لقب ب"كاتب الترحال" و"هندي في المدينة" و"الاحدي الرائع" نسبة الى المذهب الاحدي القائل بوحدة الوجود، وكلها القاب تشهد على شغفه بالطبيعة وبالثقافات القديمة والفضاءات البعيدة، الى حد انه ابتكر في اعماله عالما من نسج خياله حيث حضارة المايا تتحاور مع هنود الامبيرا البنميين، وبدو الجنوب المغربي يختلطون بالعبيد الهاربين من جزيرة موريشيوس.

البحث عن المغامرة
ترجمة: د. محمد قصيبات

يسقط الليل، ومعه تستيقظ ذكرى الرجال الرّحل، ذكرى أناس الصَحراء وأناس البحر. إنّ تلك الذكريات تطارد الفتاة في الزمنِ الذي فيه تدخل إلى الحياة، الحياة التي هي عندها مثل جنيّة مجهولة الشكلِ والعوالم.
لعل الفتاة تحمل في داخلها ـ دون أن تدري ـ ذكريات رامبو وكرواك، أو حلمَ جاك لندن، أو ربما وجهَ جان جينيه، أو ربّما حياة مول فلاندرز، أو نظرات ناجدا الشاردة في شوارع باريس.
الدخول في عالم الكبار هو هكذا، صعبٌ ومرٌّ، حيث تحملها الطرقات جميعها إلى المكان ذاته والحدود ذاتها، وحيث تبدو السّماءُ في مثل تلك المسافات وتصبح الأشجارُ عمياء بلا عيون، وحيث تتغطى الأنهارُ الواسعة بطبقاتٍ من الإسفلتِ الرّماديّ، وحيث تتوقف الحيوانات عن الكلام ويفقد الناسُ لغة الإشارة.
الفتاة، في عامها الخامس عشر، تصعد في بطء الطريق التي تنقلها كلّ يوم إلى المدرسة، الطريق التي تتلوىّ بين أجراف المباني، إنها تمشي وسط صخب الشّاحنات والعربات التي تذهب في كل الاتجاهات.
هذه الفتاة تفكر: ربّما اليوم، سوف أصل إلى القمّة ثمّ إلى الجانب الآخر، وفجأة سوف لن يكون ثمّة شيء، لا شيء غير حفرة هائلة في اتّساع الأرض.
في الظّهيرة، تمشي الفتاة في الزّحام، تمشي وكأنها تركت المدرسة ساعات، ساعات سرقتها من مدرّس الرياضيّات العجوز، ومن مدرّس العلوم الطبيعيّة، ومن مدرّس التّاريخ والجغرافيا، أو كأنها قطار كبير غطّاه الصدأ قفزت منه ذات صباح لتنزل إلى نهايةِ الأرض، هناك في البعيد، في هافر أو روتردام، أو ربّما في يوكوهاما.
إنها تمشي، وتبحث في العيون الّتي تلتقي بنظراتها عن شيء لا تعرفه، لعلّه إثارة النفس، لعلّه ومضة جديدة، مثل تلك التي تجيء في لحظات ما قبل الابتسام والكلام، اللحظات التي يحملنها إلى حياة أخرى. أو ربّما في منتصف الليل، وهي تلبس معطفها الجلدي الذي كُتبَ عليه بحروفٍ من نار. الليلة الباردة تبعث القشعريرة في جلدِها، فيومض الليلُ مثل السبج في عينيها، وينمل بالأضواء والنجوم وإشارات المرور الحمراء، وبالأسماء المكتوبة على النيون، وبأسماء تبعث الخطر، أسماء تحمرّ في أعماق الحياة وتقول:
CHANGE Maccari & Franco
HASARD
LOCUST
SOLEDAD
في الليل، تمشي الفتاةُ وحيدة وينبض قلبُها في نظم الكلمات القادمة من البعيد … رغبات مجنونة … إنها تبحث عن صورةٍ، عن ومضةٍ أو انعكاس.
الفراغُ في أعماقها فيه نافذةٌ تدق، وفيه تهبّ ريح.
في أعماقها، يتحسّس خفّاش طريقه، وفيه ينبض قلبُها …ينبض …وينبض..
هي لا تعرف عمّا تبحث، ولا لماذا الموج ينفطر على ظهر المدينة، ليفتح الأفق أبوابه اللامتناهية إلى ما هو أبعد من الطّرقات التي تلفّ المدينة وإلى ما هو أبعد من السّاحات.
ترى ماذا هناك في الجانب الآخر؟ هل نحن خالدون في ذلك المكان؟
ولكن الصّبيّة تذكر أن أزمنة الترحال هي أقوى من كلّ شيء، وفي كلّ مساء، تجعل هذه الأزمنة قلب الصبيّة ينبض، تجوع، إنها ذكرى أزمنة أراباه والشّايين ولاكوتا وتكساس.
إذن ليس ثمّة جدار، ولا أسماء، ولا أرقام.
ليس ثمّة حاجة للرّخصة، ولا لملفّات الشّرطة، ولا لكتيّب العائلة، ولا لمحرّري العقود، ولا لطوابع الدّمغة، ولا للصّور، ولا للبصمات في مراكز الشّرطة، ولا للسّوار الذي نعلّقه في رسغ المواليد وفي أقدام الموتى.
أرتفع القمرُ عالياً فوق الجبال، عواءُ الذئب يدفعه، كانت عيون السّماء برّاقة والقمر بارداً وكبيراً.
تمشي الصّبيّة في عامها الخامس عشر إلى مفارق الطّرقات …تحسّ بالليل على صدغيها، وعلى وجنتيها، وتلصق بيديها الباردتين فوق عينيها، وتسمع خطواتها التي تدوّي في الجسد. إنها لا تعرف عمّا تبحث ولا تدرى ما يأخذها. ربّما ثمّة أحد في إثرها، ربما ذئب أو حيّة أو عفريت، هناك وسط الظلمة، أو في زاوية الأبواب، أو في الممرّات.
في البعيد، ينسحب بساطُ الطّرقات الحمراء مثل الحمم، تتداخل موجات الصّوت وينطح بعضها بعضا …عواء ذئاب مسعورة، وصدى الكلمات القادمة من البعيد، من جسد الأزمنة الغابرة، ثمّة من يدفع الصّبيّة إلى الطريق، ملصقاً يديه خلف كتفيها …يدفعها، وهي تجهل أين أبواب الليل.
يحلم الأطفالُ ملتفّين مثل قنافذ شتويّة. إنهم يسمعون الوحوش تزأر والذئاب تعوي، إنهم يتذكرون.
ألا يوجد في أقبية المباني عصابات العالم السّفلي مثلما في قديم الزّمان ؟
ألا ترى هي الأرانب البرّية التي تأكل الموتى؟
ألا تسمع وسط الممرّات المظلمة ضربات أقدام البرابرة الذين يأكلون الخيل ؟
ألا ترى سيوفهم التي تتلألأ في نور القمر ورماحهم التي ترقى إلى نجم السّماء؟
أنها تحسّ بأنفاسهم فوق وجهها وببرودة نظراتهم، وتحسّ في قلبها بضربات خيولهم، خيولهم الليليّة، مثلما تحسّ بلمس الأعشاب في وجه الرّيح.
لكي ترى هذا، ولكي تسمع هذا، تخرج الصبيّة من غرفتها آناء الليل، تلبس “جينها” الأزرق ومعطفها الجلديّ اللذين هما درع لها، تخرج الصّبيّة عبر المزاريب وتهرب من ثنايا طفولتها المخمليّة، ومن عشّها الورديّ، ومن وساداتها المزركشة … تترك خلفها رائحة الطفولة، وألبوم الصّور، وصدف البحار على الشّواطىء المبلّلة بالمطر، إنها تهرب من النعاس الذي يقترب نحوها مثل شبكة من الأنهار الهادئة.
إنها تذهب لأنّ أمامها، هناك في نهاية الطّريق، حفرة في أتّساع الأرض تناديها، ثمّ هناك الأسماء التي أمام عينيها :
Emporio MARB LE MEMO
Anvers-sur-Oise
RIVE Arthur
Saturne
تظهر أمامها الكلماتُ وكأنّ لكلّ كلمة منها سرّاً… سرّاً ملفوفاً في ثناياها، يتحرّر بين اللّحظة والأخرى رافعاً رأسه مثل أفعى … مثل برق.
الليلةُ الباردةُ تبعث بقشعريرة في جلدها، الليل لباسٌ لها، والسّماء تلتصق على وجه الأرض، ويقطع المقصّ عقدة القماش وخيوط الأحذية وحلقات الحزام.
الليلة عارية، لقد سقطت الأقنعة وذابت العلامات وتمزّقت الأعلام، وسقطت كتبُ القانون… يطويها الليل الآن ويمحوها، وتنكسّر المدينة مثل موجة تتحطّم على الصّخور، وتتجرّد جذور المباني من أغطيتها، نرى أمعاءها وبطونها، ثمّ يحطّم الصمتُ عقارب الساعات، تدخلها البرودة. تحسّ الصّبيّة بالليل فوق وجهها، وفوق جلدها، وفوق صدرها، تصبح مسام جلدها عيونا، فتحسّ كلّ تلك النجوم، وكلّ هذه الكلمات، وكلّ النظرات التي في انتظارها، إنها تمشي وسط كفّيها فتسمع قلبها يقفز في وسط المكان، وفي حلقها، وعقلها، وفي حبلها السّريّ، إنّها تحسّ بتدفّق الدم الّذي يرقى في داخلها.
في غابةِ الليلِ، لم تكن تعرف أنّ الذئبَ كان في انتظار …عند البوّابة أمتدّ ظلٌّ طويلٌ، أخذت تجرى، تقطّعت أنفاسها، لحقها، احترقت الأشجارُ، أرتفع العواءُ، حملته الرّيحُ إلى البعيد، أرتفع القمرُ، ها هو القمر يركب فوق الأشجار، ها هو الآن فوق أكتاف المباني الزّجاجيّة والنيون.
إنها لا تعرف معني الذاكرة، فليس خلفها شيء، ولا في اسمها شيء، ولا في لعابها شيء، يغطّي الليلُ جلدها، ويسكن بصمات أصابعها.
هي لا تعرف من يتبعها، ولا ما سوف يتبعها، لعلّ ما تسمع هو موسيقا قادمة من البعيد، أو لعلّه صراخ زنجيّة قادم من الغسق …يتمزّق جوفها، وتسقط على التّراب طفلة مصبوغة بدم السّنين، تتألّق مثل نجمة، يسيل اللّبن ويرسم طريقه في السّموات نهراً… نهراً أبيض من فم الصّغيرة ! تطول السّاعات حتى يتفجّر النهار، وتستيقظ الشّمسُ الحارقةُ، تنطلق القافلةُ من جديد …وجوه الرّجال مشدودة. كبر الأطفالُ، يتأوّه الشيوخُ مثل الصغار، في السماءِ ثمّة طيور في انتظار الفريسة، الثّعالب حول المشيمة التي أخرجت من التّراب.
إنها تمشي آناء الليل في لباسها الضيّق، عيناها قاسيتان.
تنشقّ المدينةُ مثل موجة تتكسّر على الصخور : الشرّ في كلّ مكان، في ممرّات النزل الرّخيصة، وفي قصور العاج والزّجاج، أجساد النساء العاريات على الجدار، أعين الرّجال مفتوحة باتّساع القمر، ” اقتلوا، اسرقوا، انهبوا، تمتّعوا !”، أقدامهم الآن في الجحيم، من جهةِ المدينةِ تخرج المقاطع اللفظيّة واحدة واحدة، تمتمات، تأخذ طريقها إلى الضواحي، تجري كالبهيمة، تعوي وتنزب مثل حيوان المجازر.
في الليل، تخاف الفتاة ذات الخامسة عشر عاماً. إنها تسمع خطواتها، وتحسّ بالرّيح فوق الجسد، لكنّها تتقدم دون أن تعرف عمّا تبحث، ولا من يبحث عنها، ترى هل تبحث عن اسمٍ، عن يدٍ تحملها، عن صوتٍ يتموّج فيها حتّى الأعماق؟
القمرُ مضيءٌ يكاد يكون مصباحا، يتلألأ الليل فوق الجليد، لقد تجمّد عواء الذئب، هاهو معلّق في أنيابه مثل لعاب تجمّد من فرط البرد.
من المكان الذي هي فيه، تستطيع الصّبيّة أن ترى قلب المدينة المحمرّ، لكنّها لا ترى السّماء، ولا ترى الشّياطين ولا الموتى الأحياء، إنها لا ترى سوى القتلة والمدمنين.
لم يتغيّر شيء، مازال الرّحل في مكانهم، أناس صحراء التّراب وصحراء البحر، ويرسم الناس تحت السّحب التّائهة آثارهم بدوائر من الأحجار، وبقطرات من النحاس فوق جلودهم … خرج الذين يلبسون أقنعة الظباء وأجنحة الفراشات من حلمهم.
على الصّبيّة أن تدخل الحياة بعد أن تترك غرفتها، إنها تعرف ذلك، تراهم، تسمعهم، هم في داخلها، يخرجون من نظراتها، هي صنعتهم، وهي لا تعلم شيئاً، لا تتذكّر شيئاً، جسدها قاس مثل الليل، عيناها، صدرها، كتفاها، شعرها أنهارٌ من الفحم، تسيل هي إلى الخارج في أبيات رامبو، تخرج أمام الذين ينظرون إليها، وتذهب إلى من ينادي، يكبر في أحشائها الجوع … الجوع إلى الحياة بخيرها وشرّها. في الليل تسمع صوت الماجورانا والمالاقينا، الآلات التي تغني باسمها، مرة ومرّات، إنّها هي، تعود إلى شعبها في صحارى البحر والتّراب، إلى شعب الكهوف والوديان والغابات والأنهار، إنها تتسلّل إلى الليل، ها هي الآن في نهايةِ الطريق، في حفرةٍ باتّساع الأرض والسماء … إنّها الآن مثل طائر طليق..
الترجمة نشرت في "منتديات اتحاد كتاب الانترنت العرب"
وتعبق اعماله المترجمة الى لغات كثيرة بتوق الى العوالم الاولى البدائية وكان حتى الثمانينات كاتبا مبدعا طليعيا وثائرا عالج في كتاباته الجنون واللغة والكتابة قبل ان ينتقل بعدها الى اسلوب اكثر هدوءا وصفاء تصدرته مواضيع الطفولة والتوق الى الترحال والاهتمام بالاقليات فطاول جمهورا اوسع.
ولد لوكليزيو في 13 نيسان/ابريل في نيس جنوب فرنسا في عائلة هاجرت الى جزيرة موريشيوس في القرن الثامن عشر، من اب انكليزي يعمل طبيبا في غابات افريقيا وام فرنسية. وبعد ان حاز اجازة في الادب، عمل في جامعة بريستول ثم جامعة لندن وفي السبعينات سافر الى المكسيك وبنما حيث عاش عدة اشهر مع الهنود وقال هذا الثائر الكبير الهادئ القلب والذهن "هذه التجربة بدلت حياتي وافكاري عن عالم الفن وطريقة تصرفي مع الاخرين، كيف امشي وآكل وانام واحب وحتى احلامي".
وصف البعض اسلوبه ب"الخيال الميتافيزيقي" حيث ان كتابته الكلاسيكية والبسيطة تهز في الواقع اسس الادب التقليدي وتعيد النظر فيها بدون التوقف عند القشور بل ساعية دوما الى "الغوص عميقا مستكشفة لب ما هو مأساوي وحقيقي بحثا عن اللغة المؤثرة التي تحرك المشاعر وربما تحول الليل الى ظل". قال يوما "يخيل لي انني شيء صغير على وجه هذه الارض والادب يساعدني في التعبير على ذلك. ان جازفت وتسللت الى مجال الفلسفة، اقول انني اشبه بمسكين من اتباع روسو لم يفقه شيئا".
اشتهر لوكليزيو في سن الثالثة والعشرين عند صدور روايته  (المحضر) التي حصلت على جائزة رونودوه، احدى ارقى الجوائز الادبية الفرنسية. وتعاقبت بعدها الاعمال من روايات ومجموعات قصصية وابحاث ومنها  (الحمى) و (النشوة المادية) و"تيرا اماتا" و (كتاب سبل الهروب) و"لا غير" (الحرب) و(الباحث عن الذهب) و" (الفيضان) و (رحلات الى الجانب الاخر) و (رحلة الى جزر رودريغ) و (النجمة الهائمة) و"دييغو وفريدا" و (ثورات)، وتبرز من بين رواياته كلها رواية "ديزير" (الصحراء)، وصولا الى روايته الاخيرة الصادرة عام 2008 بعنوان  (لازمة الجوع).
يعيش لوكيزيو منذ فترة طويلة مع زوجته جمعية المتحدرة من اصل صحراوي مغربي وابنتيهما في البوكيرك في نيومكسيكو بالولايات المتحدة. يقال انه لا يقرأ الصحف ولا يستمع الى الاذاعة غير ان ذلك لا يعني انه منقطع عن فرنسا فهو غالبا ما يزور مدينة نيس ومنزله في منطقة بريتانيا شمال غرب فرنسا من حيث تتحدر عائلته. ويقول لوكليزيو "ان كان ما زال في وسعنا التحدث عن فرنسا اليوم ورؤيتها ماثلة عند تقاطع التيارات، فذلك بواسطة اللغة والكتب".
 في ما يلي اسماء الفائزين في السنوات العشر الاخيرة بجائزة نوبل للاداب التي منحتها الاكاديمية الملكية السويدية اليوم الخميس للكاتب الفرنسي جان ماري غوستاف لو كليزيو :
- 2008 : جان ماري غوستاف لو كليزيو (فرنسا)
- 2007 : دوريس ليسينغ (بريطانيا)
- 2006: اورهان باموك (تركيا)
- 2005: هارولد بينتر (بريطانيا)
- 2004: الفريدي يلينيك (النمسا)
- 2003: جون ماكسويل كوتزي (جنوب افريقيا)
- 2002: ايمري كرتيس (المجر)
- 2001: في.اس. نايبول (بريطانيا)
- 2000: غاو كسينجيان (فرنسا)
- 1999: غونتر غراس (المانيا)
 (أ. ف. ب.)
 
 
 
*إيلاف

10 - أكتوبر - 2008
اقتباسات واستضافات لأصوات من العالم..
شعراء عالميون يحتفون بدرويش..    كن أول من يقيّم

شعراء عالميون يحتفون في الرباط بدرويش بقراءة أشعاره

GMT 16:30:00 2008 الأربعاء 8 أكتوبر

رويترز


الرباط:  كما تعودت الرباط أن تحتضن دائما الشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي أحبها وألف قصيدة عنها شرح فيها جدلية الحب هذه فقد احتضنت مساء الثلاثاء روحه من خلال أروع قصائده وهو الذي رحل عن عشاقه في العالم قبل نحو شهرين.
وبنفس الحماس والحب الذي استقبله بهما جمهوره الرباطي دائما حج المئات من محبيه الى مدرج "الشريف الادريسي" بكلية الاداب والعلوم الانسانية واستمتعوا لاجمل أشعاره التي ألقاها شعراء عالميون من المانيا والولايات المتحدة الامريكية وفرنسا واسبانيا وتونس والمغرب وصفقوا طويلا.
وقرأ الشاعر الاسباني فديريكو أربوس من اسبانيا قصيدة درويش " سرحان يشرب القهوة في الكافيتريا" مترجمة الى الاسبانية كما قرأت الشاعرة المغربي رجاء الطالبي قصائد له مثل "كان ماسوف يكون" و"بقية حياة" و"درس كاماسوترا".
وقرأ الشاعر الفرنسي ليونيل ريي الحائز على جائزة الكونكور في الشعر مقاطع من قصيدة "الارض". كما قرأ الشاعر الامريكي ألفريد كورن والمغربي محمود عبدالغني والالماني كلاوس رايشرت والتونسي منصف الوهايبي مقاطع عربية ومترجمة من أشهر قصائده.
وختم الشاعر المغربي محمود بنيس بقراءات شعرية من ديوانه "أثر الفراشة" كما قرأ قصيدة "ليل العراق طويل" التي أهداها درويش الى الشاعرالعراقي سعدي يوسف.
وختمت أمسية "التكريم العالمي لمحمود درويش" بقراءات شعرية مسجلة بصوت درويش.
وكان مهرجان للادب في برلين قد وجه نداء وقعه أدباء وفنانون عالميون لتنظيم قراءات شعرية من شعر محمود درويش في مختلف جهات العالم "تكريما لحياته وأعماله ومواقفه المدافعة عن السلم والحرية."
وقال الشاعر التونسي منصف الوهايبي الذي شارك في هذا التكريم لرويترز "أردنا أن نقرأ شعره بأصواتنا لنحس به أكثر.. بالنسبة لنا هو حي كأننا صوته بطريقة أو بأخرى."
وأضاف "محمود درويش هو تاريخ العرب الاستثنائي منذ نكبة فلسطين في العام 1948."
وقال الشاعر المغربي بنيس لرويترز "أتى هذا النداء ليعطي لدرويش هذا البعد الكوني في يوم واحد ومن خلال لغات عديدة وأصوات شعراء وكتاب وفنانين."
وأضاف ان النداء العالمي أتى ليقول لدرويش "أنت أحد كبارنا وأنت صوت من الاصوات التي تحفر مجرى المستقبل البشري."
وقال الشاعر الفرنسي ليونيل راي لرويترز "الاروع في قصائده هو هذه الطاقة المتفجرة في الكتابة انها كتابة قوية لكن في نفس الوقت مشحونة بالاحساس والشعور العميق."
وأضاف "انه شاعر كبير..للاسف لا أستطيع قراءة شعره الا مترجما."
ومن المنتظر أن يتسلم أحمد درويش شقيق الشاعر الراحل في 24 اكتوبر تشرين الاول الحالي في الرباط جائزة "الاركانة العالمية".
وفاز بها الشاعر درويش لكنه توفي قبل أن يتسلمها.
وتعتبر هذه الجائزة الثانية التي يسلمها "بيت الشعر" في المغرب بعد أن منحت في نسختها الاولى للشاعر الصيني بي ـ داو . وأفاد بيان لبيت الشعر" أن درويش "كان سعيدا بحصوله على هذه الجائزة التي تحمل اسم شجرة مغربية ينفرد بها المغرب البلد الذي أحبه محمود درويش وصادقه."

10 - أكتوبر - 2008
عزاء لكل الشعراء
نجوم السينما على سجادة أبو ظبي الحمراء..    كن أول من يقيّم

هسبريس من أبو ظبي
Friday, October 10, 2008
في الصورة نشوة الرويني مديرة مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي
بانديراس وميلاني جريفيث وكاثرين دونوف أبرز الحضور
اللؤلؤة السوداء لنور الدين الصايل
أعلن نائب رئيس مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي محمد خلف المزروعي والذي تنظمه هيئة أبوظبي للثقافة والتراث في الفترة من 10 إلى 19 أكتوبر الجاري أن عدداً كبيراً من النجوم العالميين والعرب قد أكدوا حضورهم لفعاليات ''السجادة الحمراء'' وحفل افتتاح الدورة الثانية من المهرجان والتي ستشهد أيضا عرض فيلم ''الأخوين بلوم'' للمخرج ريان جونسون وإنتاج إندجمان آند ساميت إنترتينمنت، والمقامة في قصر الإمارات في أبوظبي.
وقال المزروعي إنه وعلى الرغم من كون هذه الدورة هي الثانية من عمر المهرجان، إلا أنه تمكن من أن يحتل مكانة متميزة على خريطة السينما العالمية، وخير دليل على ذلك أنه تمكن من استقطاب العديد من كبار النجوم العالميين لحضور فعالياته المختلفة، معبرا في ذات الوقت عن سعادته الجمة باستضافتهم في أبوظبي وتعريفهم بجمال هذه المدينة الرائعة والإمكانيات المتميزة التي تحظى بها.
من جهتها قالت مديرة المهرجان نشوة الرويني أن من بين النجوم الذين أكدوا حضورهم لفعاليات السجادة الحمراء وحفل الافتتاح كل من أنتونيو بانديراس وميلاني جريفيث وإدريان برودي.
في حين أكد الحضور من نجوم العرب كل الفنانين الخليجيين عبدالحسين عبدالرضا، داوود حسين، هيفاء حسين، وسعد الفرج، ومن سوريا كل من دريد لحام، جمال سليمان، سلوم حداد، وسلاف فواخرجي، أما من النجوم المصريين فستحضر الفنانة القديرة يسرا كعضو لجنة تحكيم، ويحضر أيضاً كل من إلهام شاهين، حسين فهمي، خالد صالح، شريف منير، هالة صدقي، فتحي عبدالوهاب، لبلبة، خالد النبوي، صفية العمري، ومحمد هنيدي، ومن تونس المطربة لطيفة.
وأضافت الرويني أن عددا آخر من النجوم العالميين والعرب سيتابعون الوصول إلى فعاليات المهرجان المختلفة مثل الفنانة العالمية جين فوندا التي ستتسلم جائزة اللؤلؤة السوداء التذكارية خلال أيام المهرجان، كما ستشارك كل من سوزان ساراندون وكاثرين دونوف وليلى علوي في الجلسات الحوارية التي تنظمها فاريتي يومي 14 و15 أكتوبر.
وقالت نشوة الرويني مدير المهرجان إن الدورة الجديدة سوف تشهد أيضاً الاحتفاء باليوبيل الذهبي للسينما المغربية، وتقدم قبل عرض الفيلم المغربي ''زمن الرفاق'' يوم 18 أكتوبر اللؤلؤة السوداء التذكارية إلى مدير المركز السينمائي المغربي نور الدين الصايل.
هسبريس من أبو ظبي
Friday, October 10, 2008
(جريدة إلكترونية مغربية )
 

11 - أكتوبر - 2008
المسلسلات التركية المدبلجة (تحت المجهر)
الانتماء الى أكثر من عالم واحد..    كن أول من يقيّم

عدنان المبارك


سؤال بالغ القدم: هل بمكنة الوعي أن يكون ذا كيان مستقل تماما؟ أيعني ذلك أمرا شبيها بما يسمى الكينونة الصرفة التي هي غير مرتبطة بالجسم ولا العقل؟ إذن أهي شيء قائم خارج الزمكان كإسقاطات للعقل؟
العقائد الدينية ترى الوعي مرتبطا بالنفس. في أنظمة الإيمان الهندية يتطابق الوعي مع المطلق (براهمان)، وهو في الهندوسية بعدٌ لا شخصي للمطلق، وفي الفشنوية يتغلغل المطلق في كامل الخلق المادي ل(الإشراق). أكيد أن للمطلق صفة الأبدية. أما الغورو/ المعلم الكبير آدي شانكارا فبأعتقاده أن (براهمان) هو واقع غير مرئي، أبدي، ثابت. ونحن نجرّبه عبر الزمن والتعددية والتبدل. إلا أن معرفته لا تأتينا بها التجربة. المعرفة الحقيقية عنه بمقدورنا كسبها حين نفقه بأننا محض أجزاء منها وليس أفرادا مستقلين...
لأمد غير بعيد إعتبر تكامل النفس المرادفَ النموذجي للصحة النفسية. فهو حالة العكس لتشظي الوعي أي المرض النفسي الأكثر شيوعا: الشيزوفرينيا. إلا أن أطباء النفس وجدوا مثل هذه التسمية خاطئة، فهناك عشرة أنواع ونيف من الشيزوفرينيا. وكان أندريه جيد قد ذكر بأن غالبية أفعالنا تمليها وليس القناعة من أننا نقوم بها بل ضرورة محاكاة أنفسنا وإطالة ماضينا في مستقبل. أما أوسكار وايلد فكان يحلو له ترديد أننا نكون أشد إخلاصنا للنفس حين ينتابنا التردد وإنعدام الحزم. معلوم أن كلا من هيرمان هيسه و لويجي بيرانديللو كانا قد شككا، في مؤلفاتهما وغيرها، بصحة الحكم على الإنسان من خلال صورة نفسية واحدة وحصره بدور إجتماعي واحد أيضا. و يكفي النظر هنا الى أبطال الإثنين. أما فرناندو بيسوا فجسّد أفضل من الآخرين حقائق لاتكامل النفس والشخصية. وسأكرس له الجزء الأخير من هذا النص.
معلوم أن يونغ تكلم طويلا عن (اللاتكامل الإيجابي) ولأن التكامل التقليدي هو محض وهم في أغلب الأحوال ويجيء نتيجة لخفض الحاجات التي لايقبلها محيطنا. وعموما لايملك الإنسان في الأنظمة القائمة على المرجعيات، أي الشمولية بشتى أصنافها، فرصة الإرتقاء الإجتماعي إذا لم يسد الطريق أمام حاجات الحرية. ومعروفة هنا حقيقة أن قمع المشاعر العليا هو الإمكانية الوحيدة للبقاء الناجح أو العادي. في الحقيقة نجد هذه الآلية في المجتمعات المسماة بالديمقراطية أيضا، في الوسط العائلي الذي لا يعرف كيف يربي الطفل. فالبكاء هنا فعل غير لائق ويجب سد الطريق أمامه، إلا أن هذا البكاء باق في الجسم بتلك الصورة اللاواعية التي تنتظر التفعيل...
ولتلبية مطاليب المرجعيات على الإنسان أن يحمل الأقنعة التي تعني بأنه قد تكيّف مع وسطه. والقناع شبيه بإبتسامة تعرضت للجمود، فهو يستر مشاعر الحزن و الغضب و الخوف ويطرح صورة أخرى: حامل القناع شخص (مقبول). إلا أن كل هذا يخص المظهر، ففي الداخل ثمة ضغط قاس على أجهزتنا ودفن عميق لمشاعرنا المؤلمة (أثبت الطب أن مثل هذا القمع يسبب أمراض القلب والسرطان...). وكل هذا لا يعني نفي حقيقة أن داخلي يحوي حالة من التوتر الذي لا يمكن إزاحته. ونحن مخلوقات تملك عوالما متنوعة في داخلنا، أو كما يفيد الطب النفساني هناك طبقات من الأنا تحقق إستقلالها مما يعني الإنتقال الى حالة اللاتكامل. والأساطير تتطرق أيضا الى هذه الإشكالية: في أسطورة أورفيوس يكون زيوس أب البشر. وكان قد خلقهم من رماد عمالقة أحرقتهم الصواعق إنتقاما على قتلهم إبنه ديونيزوس. وتقول الأسطورة إنهم لم يكتفوا بقتله بل أكلوه أيضا. بهذه الصورة إكتسبوا بعض صفاته. ومعروف هنا الإعتقاد بأن فينا نوعين من العناصر: الطيبة (الديونيزوسية والروحية) والشريرة (التيتانية والجسدية). أورفيوس نفسه كان ضحية جنون المشاركات في إحتفالات باخوس، ووفق مسرحية يوربيديس المكرسة لهن، وخلافا لما جاء به سقراط، يكون هذا العنصر الجسدي هو المسيطر على حياتنا. معلوم أن هذا التفكك الثنائي الأساسي تناوله أكثر من فيلسوف يوناني، وبعدها صار أساس أدبيات القديس بولص- العمود الفقري للمسيحية. فسوية معه تجذرت هذه الثنائية في الثقافة الأوربية الى درجة أن باسكال كتب بأن بعضهم على إعتقاد بإمتلاكنا نفسين. وقد يفسر هذا عذابه الديني الذي واصله في القرن التاسع عشر سورين كيركيغورد الذي إعترف بثنائية الطبيعة البشرية، الثنائية التي لا ُتهزم. وكما كان يقول الرومانسيون إن المقصود ماهو أرضي وماهو سماوي، وبعدهم جاء فرويد كي يذكرنا بتلك الصورة الدرامية بالنزاع الأبدي بين منطقتي الثقافي واللبيدو...
صارت معلومة الأسباب التي تدفع الوعي الى تجاهل اللاعقلاني في الشخصية. والأمثلة كثيرة في الطب والأدب، على النزاعات بين شتى شخصياتنا. ومعروفة هنا تجربة كارل يونغ مع قريبته التي كانت تتكلم عبرها شتى (الأرواح). روحان بالضبط: روح تلك القريبة الدميمة، الخجولة، قليلة الذكاء، وروح الثانية العاقلة وقوية الشكيمة.
هناك حالات كلينيكية كثيرة تكشف عن التأثيرات المتبادلة بين الحالات النفسية والجسمية. طبيبب من شيكاغو إكتشف14 شخصية لدى فتاة إسمها ساره. سارة كانت مصابة بالسكري إلا أن إحدى شخصياتها تخلصت من هذا المرض أثناء (تسلطها) على سالي. أكيد أن لهذه الحالات صلة وثيقة بظاهرة تناسخ الأرواح التي تنبع وليس فقط من عقائد البوذية. والطب النفساني أثبت بدوره أن الجسم محض اداة تسيطر عليه تلك الأحوال اللامادية والمستقلة عنه. معلوم أيضا أن مجتمعات بدائية معينة كانت تعرف آليات هذه الظواهر، وسحرتها برعوا في تقنيات الإيحاء المغناطيسي بالإستناد إلى معرفتهم العميقة بموضوع ظاهرة التعددية في الشخصية. السحرة / الكهنة هؤلاء يعرفون كيف هو تحرير الإنسان من هيمنة هاجس معيّن يحمل إسما آخر في كلينيكات الغرب: الشيزوفرينيا. وقد يكون مقنعا التفسير القائل بان أرواح الموتى تلتحم بالكائنات الحية وتفرض عليها ذكريات من حياتها الأرضية السابقة...
والآن أيّ صورة من صور هذه المرايا هي الحقيقية؟ من الصعب الوصول الى الجواب، فالغموض يلف كل شيء هناك، تماما كغبار القتال الذي يحول دون رؤية أطرافه والتمييز بين واحد وآخر...
كان فرناندو بيسوا مدركا تماما لوفرة ما في نفسه من شتى الشخوص. وقد وجد أنه بدون هذه الوفرة، بدون الإبتكار الذي لا ُيكبح جماحه، إبتكار الكينونة وبمعزل عن إختراع الوجود الخاص من جديد، لاتكون الحياة سوى إيماءة ضئيلة القدر في تواريخ عالم يملؤه الضجيج. ولربما أعظم أفكار البرتغالي هي: المطابق لنفسه وحدها لاوجود له على الإطلاق، والذي يحيا في الخارج وحده - في العالم، إنما يحيا حسب لكنه غير كائن أبدا. والذي لا يتطابق مع النفس يتعذب. إذن كيف السبيل الى الجمع بين متطلبين وجوديين، والحاجة الى أن تكون شخصا آخر غير أنت، والأخرى: الحاجة الى الحياة الداخلية؟ بيسوا يقترح الحل التالي: أن تكون كائنا حقا في العالم هناك سبل عدة في داخلك. هناك وضع واحد إذا أردت الصدق مع النفس وهو أن تنسى، أن تبطل، أن تخون. بإختصار: هذا الوضع ينشأ حين تخترع النفس...
يعكس التقليد الفرداني في أوربا الإيمان بأنه يعجز الكلام عما هو فردي. طيّب، أنا موافق، وكأن بيسوا هو القائل، لكن كي تعبّر عن النفس عليك أن تشطرها، أن تتخلى عن فرديتك بأطرها الصلبة وإندياحاتها الخصوصية، يجب الكف عن أن تكون ذاتك. وطالما أن الوجود هو (عقلاني) قائم على(بديهيات) مثل السبب والنتيجة، فعلى هذه الأنا البيسوائية أن تتشظى وتتضاعف وتنقسم كي يمكنها الجهر. وعن الشيء الذي هو ممتلك (بفتح اللام) تماما ينبغي السكوت ولأن لا أحد يفهم هذا الأمر. إذن ينبغي فلق الذات من الداخل وإخراج المصطلح الخاص بك ومنح وجودا خاصا به كي يمكن طرح كل شيء عن ذاته. وهي ليست مسألة من مسائل الشعرية إذا كانت أعمال بيسوا تنطق بمثل هذا العدد من الأصوات بل هي مسألة الكينونة. أليس هو القائل: „ ولأني شخص آخر أنا أشعر بالسعادة “، “ الشخوص المخترَعة/ بفتح الراء / هي أكثر حقيقية من تلك الفعلية “. أظن أن بيسوا مسَّ هنا الجوهر. فمن يريد أن يكون ذا كينونة ويستهلك كامل إمكانية الوجود هو بالتأكيد أكثر كمالا من الآخر الذي تجسّد في إمكانية واحدة لاغيرها. أكيد أن الكتاب الذي وضعه فرناندو بيسوا هو أفقر من الأعمال التي خلقها كاييرو وكامبوس ورييس و شواريس والبارون فون تايفه وكل أعضاء تلك العصبة التي لاوجود لها. وفي (هيروستراتيس) يكتب بيسوا:
(لا ينبغي على أي أحد أن يترك وراءه عشرين كتابا “...”، وإذا كان قادرا على الكتابة مثل عشرين من الأشخاص المختلفين فهم يكونوا عشرين من المختلفين). برأيه إذا أردت أن تشعر بشيء جديد عليك أن تخلق فيك نفسا جديدة، فنفسك القديمة التي أنت متعلق بها قد ربطتك بأسلوب قديم من الإدراك. طالما لا تنسى نفسك سوف لن تجرب أيّ شيء جديد، وإذا لم ترد أن تكون عبدا لنفسك عليك بتغييرها (من المفيد معرفة أن أحد معاني كلمة (بيسوا pessoa) بالبرتغالية هو: “ لا أحد “...). واضح ان الإنسان العادي وحده من يتصرف بشخصية واحدة، من يعيش حياة نباتية تكون هي هدفه الوحيد. وهنا الفارق بين البيسوات وبينه. فهؤلاء يمارسون الحياة، رغم أنهم لا يطيقونها عادة...
في الثامن من آذار عام 1914 كانت قد نشرت الأجزاء الأولى من (كتاب اللاطمأنينة) مما كان حدثا حاسما في حياة بيسوا. ويكتب حينها بتلك الصورة المحمومة، ثلاثين وبضعة أبيات من (راعي القطيع O Guardador dos Rabanhos ). شعر حينها بأن من كتب الأبيات ليس هو بل شخصية غامضة منحها على الفور الإسم. بهذه الصورة يظهرلنا ألبرتو كاييرو Alberto Caeiro . وبعدها بسنوات يكتب الى صديق له: „ المعذرة على عبثية هذه الجملة لكن أستاذي ظهر فيّ “. وكان قد كتب، من دون تردد، وهذه المرة بإسمه، ست قصائد بعنوان مشترك (مطر منحرف Chuva Obliqua). بدا الأمر كأنه رد فعل بيسوا على (لامجهوليته) إزاء كاييرو...
عندما تم خلق كاييرو سرعان ما قرر بيسوا، وكما قال: غرزيا ومن دون وعي، أن يخلق له تلامذة: ريكاردو رييس (هوراسي الذي يكتب بالبرتغالية)، ونقيضه ألفارو دي كامبوس. بهذه الصورة تنشأ (عصبة غير كائنة) لا يشعر بيسوا بصحبتها بأنه وحيد. بهذه الصورة تخرج الى الوجود الهيتيرونيموسات heteronymouses البيسوائية الشهيرة. أكيد أن واحدها ليس بإسم مستعار ولا شخصية وهمية ولا ندّا متخيلا (هكذا فسر بعض كتابنا الشخصيات البيسوائية)، واحدها ليس كينونة تجريدية إخترعت لإيهام الآخرين (وليس كما فعل فاليري حين خلق مسيو تيست Monsieur Teste) بل هناك إسم يختفي وراءه (شخص آخر) له سيرة ومظهر وعقائد أخرى (مثلا كامبوس كان يشكك بوجود بيسوا نفسه !). الإختصاصيون الذين نبشوا في صندوق بيسوا (وكانت فيه 27 ألفا و 543 من الوثائق التي لايزال الكثير منها غير منشور) عثروا على 72 من تلك الهيتيرونيموسات...
في تلك الرسالة المعروفة الى صديقة أدولفو كاسايس من الثالث عشر من كانون الثاني عام 1935 يكتب بيسوا: (منذ أن كنت طفلا صغيرا شعرت بجاذب يدعوني الى خلق عالم وهمي حواليّ وأن أحيط نفسي بالأصدقاء والمعارف الذين لم يكن لهم أيّ وجود إطلاقا). وكان أول هيتيرونيموس بيساوي هو شيفاليه دي با
Chevalier de Pas الذي كتب رسائلا بالفرنسية الى فرنداندو بيسوا البالغ من العمر ست سنوات ! بعده ظهر على ذاك المسرح الغريب تشارلز روبرت آنون
Charles Robert Anon مؤلف نصوص مكتوبة بالإنكليزية ثم ألكسندر سيرتش
Alexander Search الذي أحتفظ فرناندو الشاب ببطاقاته الشخصية... ثم جاء أ. أ. كروس A. A. Crosse المروّج للثقافة البرتغالية باللغة الإنكليزية، وبشكل خاص كان ينقل إليها أعمال ألبرتو كاييرو ويعلق عليها (كان دي كامبوس قد كتب تعليقا على أحد هذا الأعمال...)
ومن الشخصيات البيسوائية الأخرى هناك أنتونيو مورا António Mora مؤلف العديد من النصوص الفلسفية المكرسة لموضوع الوثنية، ورافائيل بالدايا Raphael Baldaya المنجّم، شأن بيسوا نفسه، والمأخوذ بالغيبيات، مؤلف (رسالة في النكران) حيث تكون فرضيته الأساسية أن الوجود وهم، والرب هو أكبر كذبة. هناك أيضا البارون دي تايفه Baron de Teive الذي عرف بمؤلفه الصغير(تعليم الرواقي) الذي عبر فيه، شأن بيسوا أيضا، عن إحباطاته بسبب عجزه عن إنهاء أي عمل، وفي النتيجة يفكر بالإنتحار. وبعده تأتي ماريا خوزيه Maria José العاشقة (الحدباء) كاتبة رسالة الى عامل تشاهده كل يوم من نافذتها، إلا أن الرسالة لم ترسل. في الأخير يأتي المخلوق البيسوائي الأخير برناردو شواريس مؤلف (كتاب اللاطمأنينة)...
لم يكن بيسوا من الصنف الضائع في عالم مشكوك في فعليته بل كان من صنف آخر لم يشك أبدا في لافعلية كل شيء لكنه رغم ذلك واصل البحث وليس في الخارج بل في الداخل، داخله. كان يعرف أيضا بأنه بحث يقارب الفعل السيزيفي لكنه لم يتراجع أبدا، ولربما من بين الأسباب أن في رحلة البحث رافقه مثل هذا العدد الكبير من رفاق الطريق.
وكان قد دوّن في (كتاب اللاطمأنينة): (إذا كان يوجد في الحياة شيء علينا أن ندين بالفضل عليه للأرباب - عدا الحياة نفسها –، فهو هبة أننا لا نعرف النفس: لا نعرف النفس ولايعرف أحدنا الآخر)...

عن إيلاف GMT 6:00:00 2008 الأحد 5 أكتوبر

12 - أكتوبر - 2008
اقتباسات واستضافات لأصوات من العالم..
كريمة الصقلي وأسمهان..    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

 أحمد السماحي من القاهرة: يبدو أن النجاح الكبير الذى حققه مسلسل " أسمهان " الذي عرض في شهر رمضان الماضي، ونال إعجاب غالبية الجمهور العربي ، شجع المسؤولين في دار الأوبرا المصرية على تقديم أوبريت غنائي عن الموسيقار الكبير فريد الأطرش في حفل افتتاح مهرجان الموسيقى العربية السابع عشر، الذي يقام فى الفترة من 1 إلى 10 نوفمبر /تشرين الثاني على المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية ، حيث يقوم ببطولة الأوبريت الفنان محمد ثروت الذي يؤدي دور فريد الأطرش، وتقوم الفنانة المغربية كريمة الصقلي بدور أسمهان، وتتولى مهمة إخراج الأوبريت جيهان مرسي التى سبق وأخرجت من قبل العديد من الأوبريتات التى تناولت رموز الغناء فى المهرجان مثل الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب ، ليلى مراد، محمد فوزي، وغيرهم .
من ناحية طارت كريمة إلى لوس انجليس، لتقوم بإجراء التمارين مع الأوركسترا العالمية "ميستو" بقيادة الفنان الفلسطيني نبيل عزام ، وتقدم حفلتها يوم السادس والعشرين من شهر اكتوبر (تشرين أول)، على مسرح "زيبر هول" في لوس انجليس وعنوانها "القاهرة في هوليوود" وفيها سوف تقدم روائع من الموسيقى المصرية، قام عزام بتوزيعها خصيصًا للاوركسترا العالمية.
وهذه هي المرة الأولى التي تغني فيها المطربة كريمة أغنية "لأ مش انا اللي ابكي" للموسيقار محمد عبد الوهاب وأغنية "يا جميل" للموسيقار فريد الأطرش إلى جانب أغنيتين لسيد درويش وأسمهان بالطبع .
جدير بالذكر أن المطربة كريمة الصقلي اشتهرت في أدائها المميز لأغاني أسمهان وقامت بالاشتراك في العديد من المهرجانات العالمية وتألقت موهبتها لكونها محافظة على التقاليد الموسيقية العربية وهي تحظى بتقدير أساتذة الموسيقى في العالم العربي.
وتأتي مشاركتها في افتتاح مهرجان الموسيقى العربية في القاهرة هذا العام لكون المهرجان سوف يسلط أضواء كاشفة على المطربة الراحلة الكبيرة أسمهان ولكون المطربة كريمة ، صاحبة صوت قدير واشتهرت بتقديم الأغاني الكبيرة والصعبة لأسمهان  على مسارح الأوبرا المصرية لعدة سنوات مما جعلها " أسمهانية " الهوى لدى الجمهور المصري والعربي.
 
*عن موقع إيلاف .

14 - أكتوبر - 2008
أغانٍ لها ذكرى في حياتي
سوزان عليوان.. شاعرة المودات المفقودة..    كن أول من يقيّم

سوزان عليوان

تكتب سوزان عليوان بألق خاص وبرؤية غائرة في الانعزالية، أو في العزلة المفكر فيها، تلك العزلة التي يضربها الشعراء، عن عمد، حول أنفسهم، من أجل تأمل أكبر في الأشياء والوجود، تقول في حوار أجراه معها إسكندر حبش في سنة 2002 «تلاحق إصداراتي يأتي من إيماني بمشروعٍ شعري وليس بقصيدة أو بديوان. فسؤالي الشعري يُطرح من خلال هذه الإصدارات، إذ إنَّها النشاط الوحيد الذي أقوم به ثقافيا. فأنا لا أشارك في أمسيات أو ندوات، ولا أحضر مهرجانات شعرية، ونادرا ما أنشر قصائدي في الصحافة. أكتب في عزلة، وكلما اكتملت لديّ مجموعة، أخرج بها إلى النور. عموما، مجموعاتي تصدر في طبعات خاصة ومحدودة، أي إنّ المجموعة تخرج من عندي إلى المطبعة إلى الأصدقاء والصديقات. لا أنشرها أو أوزِّعها بالشكل التقليدي.
أما بالنسبة إلى المجموعات الثلاث الأولى، فأنا لا أنكرها. هي تحمل بذور تجربتي الشعرية. لكنني لست راضية عنها شعريا».
ورغم تأكيدها على أن المكان غائب في شعرها، إلا أنه حاضر كطقس يومي، أو كإحساس، لا يمكن الهروب منه، تقول «شعري متأثر بالشعر المصري، وذلك لتأثري بالقاهرة، مكانا وحالة. القاهرة مدينة تتسلل إلى الروح، عبر نورها وغبارها. هي مدينة ساحرة، مدينة لها سحرها الخاص. بحكم إقامتي فترة طويلة من حياتي في القاهرة، كنت أكثر اطلاعا على نصوص وتجارب الشعراء المصريين، وتلامست تجربتي في الشكل واللغة مع تجاربهم أحيانا. يسعدني ذلك، ولست مؤرقة بهويّتي اللبنانية على الإطلاق. أنا صوت إنساني، لا لبناني ولا مصري ولا ينتمي إلى جماعة معيّنة أو إلى مكان محدَّد.
عموما، لا يؤرقني المكان، حاضرا كان أم غائبا، وهو دائما في حياتي كما في شعري (الغائب). أؤمن بأن الروح هي الوطن، وليس الوطن مكانا جغرافيا رسم حدوده آخرون، وأسموه الوطن».
في ديوانها الأخير الذي يحمل عنوانا دالا « كل الطرق تؤدي إلى صلاح سالم»، يتقاطع مع المثل الشائع «كل الطرق تؤدي إلى روما»، نتعرف على الفضاء الشعري الذي تمتح منه الشاعرة، فضاء سوريالي، عامر بالكوابيس والأحلام، وفيه جاذبية خاصة:
كُلَّما ابتعدتُ
أعادتْني الكوابيسُ
كتبتُها
كما كان الوعدُ
البترُ لا يُجدي
حزنٌ بكثافةِ حاجبيْنِ مَعْقُودَيْنِ
عينانِ مُغْمَضَتانِ على غُصَّةٍ
نصفُ ابتسامةٍ
طَوْقُ ذراعٍ
أقواسٌ بأقطابِها أقاومُ
جاذبيَّةَ فوهةٍ سوداء
وتخلص سوزان إلى النتيجة الرياضية التالية، فللشعر رياضياته الخاصة:
انكسرتُ مرَّةً
انكسرتُ مرَّتيْن
كُلُّ موتٍ يتكرَّرُ
كُلُّ الطُرُق تؤدِّي إلى صلاح سالم
وفي مقام آخر من الديوان بنفس النبرة الفجائعية الحادة تكتب، وكأنها تهدد العالم:
لو كنتُ أعلمُ
إلى أيِّ خرابٍ ستقودُنا الطُّرُقُ
لما قَطَعْتُها
لَقَطَعْتُ قبلَ أعناقِها شراييني
إنها شاعرة أدركتها الفلسفة مبكرا، أوارتطمت روحها في زمن التكون بحجر ما، لذلك تأتي جملتها الشعرية مليئة بإحساس قوي بالخواء وبفراغ العالم، في رؤية بيضاء قريبة من رؤى المتصوفة.
الأشياءُ أماكنُها
مرآةٌ مرتَّبةٌ
الروحُ أصْلٌ وصورة
لغتها الطفولية لم تتخل على أن تكون كذلك، ويخال لمن يقرأها أن العالم لم يكبر بين يديها أو لم يكبر بالأحرى في عينيها. إنها الطفلة الأبدية التي تكتب الشعر، كمن يلعب لعبته المفضلة.
طفلةٌ مبتلَّةُ الثوبِ
تركضُ
من ضفَّةِ النهرِ
إلى عينيَّ
في ديوانها «بيت من سكر» الذي صدر سنة 2007، تكتب الشاعرة سوزان عليوان كمن يرسم، كما أنها تحرص على أن تكون جملتها الشعرية صافية وفي غاية الأناقة، لكنها أناقة متوهمة أو خادعة، لأن الداخل مجروح ومشروخ. تكتب بديلها الكوني أو بديلها الشعري، سيان:
كانَ علينا أن نكونَ أكثرَ صلابةً وبياضًا
كأنَّنا الحوائطُ التي تُكَوِّنُ الزوايا
وتسندُ السقفَ والظلال
كانَ على أصابعِنا ألاَّ ترتعشْ
وعلى الوقتِ
أن يمهلْنا قليلاً
كي نمنحَ اللحظةَ ألوانَ لوحةٍ أخرى
غيرَ البغيضةِ
غيرَ قتامةِ ملابسِنا».
في نفس الديوان تكتب في جملة نثرية طويلة، وكأنها تلاحق مسافات طويلة:» شارعُ المطر بينَ نافذتِكَ وشبَّاكي. العصافيرُ ذاتُها على شرفتيْنا. الشمسُ نفسُها والنجوم. جارتُنا، تلكَ المدرسة. أطفالُها الجميلونَ كظلالِ الملائكة. الشجرةُ. الشرطيُّ. إشارةُ المرور. مقعدُكَ في المقهى. فنجانُك. نظَّارتُك. قميصُك. فضاءُ الفرحِ في ضحكتِك. الرسائلُ القليلةُ التي بيننا. محبَّتُنا بأبوابِها الكثيرة.
المدينةُ الأخرى.
مكانُنا».
هذا هو العالم الشعري لشاعرة شابة أنتجت في ظرف قياسي بالمقارنة مع عمرها الحيي 8 مجموعات شعرية، قاطعة بذلك شوطا مهما في اتجاه تكريس صوتها كشاعرة تنتمي إلى الهامش الشعري، وكأنها مقيمة لا تبارح مكانها في مدونة القلق الكوني الذي يكتبه اليوم شعراء التجربة الشعرية الجديدة، دون أن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هول ما يقع في عالم اليوم.
 
* حكيم عنكر ******** ج. المساء المغربية .
 
 

15 - أكتوبر - 2008
نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0
شيء من النقد..    كن أول من يقيّم

تحية طيبة الأستاذ ادريس ، وشكرا لك على هذا الموضوع وهذا الطرح القيم المتسم بالجدة والجودة ..
أنقل هنا لائحة بعناوين عشرة أفلام عربية ، هي الأفضل يرى الناقد المصري كمال رمزي في تاريخ
السينما العربية عبر مئويتها الأولى 1895 - 1995 :
 
img204/9339/aflamyb9.png  
 
* ترى ما رأي أستاذنا في هذا الاختيار ؟؟
مع كامل الشكر والمودة .

19 - أكتوبر - 2008
وسائل الإعلام الالكترونية: لغتها وتميزها عن اللغة الأبجدية. ثقافتها وتميزها عن الثقافة التجريدية.
 59  60  61  62  63