حب الوطن ما أجمله.. كن أول من يقيّم
بداية أستاذ زين أود لفت انتباهكم إلى أن كلمة (إنتماء) لا همزة لألفها الأولى، فهي (انتماء).. وشكراً لكلماتك الثرية، وبانتظار البقية.. خلق الله الإنسان على حب الأوطان، حب لا يُنتزع منه بأقوى الأسلحة، جبلَّة مجبول عليها من حمل الأمانة، ذلك الظلوم الجهول، وحتى بعد أن يخرج منها مرغماً أو غير مرغم فإنه يحن إليها حنين الأم لولدها، حنينٌ لا يحده حد، وليس منه بد.. وفي شعرنا العربي تغنَّى الشعراء كثيراً بحبهم لأوطانهم وانتمائهم إليها، وحبهم لمن سكن تلك الأوطان أو الديار، من الجاهلية إلى الإسلام إلى الآن، حتى إن لم يجد الشاعر قديماً ما يتغنى به من دياره وقف على أطلاله، ليراجع ذاكرته المتعبة المحملة بحكايات الأهل والأحباب، مع وجود بعض شواهد اللا انتماء، على قلتها. وهذا هو النبي صلى الله عليه وسلم يقر بحبه لمكة المكرمة حتى بعد أن خرج منها مرغماً على أيدي كفار قريش، فـ(لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة قال: أما والله لأخرج منك وإني لأعلم أنك أحب بلاد الله إليّ وأكرمها على الله ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت). أما أمير الشعراء فيروي لنا حبه على طريقته: وَطَني لَو شُغِلتُ بِالخُلدِ عَنهُ ** نازَعَتني إِلَيهِ في الخُلدِ نَفسي وَهَفا بِالفُـؤادِ في سَلسَـبيلٍ ** ظَمَأٌ لِلسَوادِ مِن عَينِ شَمسِ شَهِدَ اللَهُ لَم يَغِب عَن جُفوني ** شَخصُهُ ساعَةً وَلَم يَخلُ حِسّي أما اللا انتماء الذي يعترينا أو يعتري إنسان عصرنا بشكل أكبر وأوضح وأقوى، فمرده إلى ما نعيشه من تعقيدات وتطورات لا منطقية جعلت الأوطان تنشطر إلى أمكنة عشنا فيها ونشأنا، ولا مناص لنا من الحنين إليها ولا مفر، وتلك الظروف المتمثلة في بني البشر، ومعادلة (التحوُّل) في المناخات، التي لم نقدر على فهمها، كما لم نقدر على مجاراتها سابقاً، وما زلنا ندور حولها مستغربين ومكتفين بالمشاهدة؛ فهي معادلة صعبة مربكة، أو ربما تكون (مستحيلة الحل)، كما يقول أصحاب الرياضيات. |