البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات ياسين الشيخ سليمان أبو أحمد

 55  56  57  58  59 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
رأي في "بانت سعاد"    كن أول من يقيّم

 من وحي مشاركة أستاذنا أحمد عزو:
 
تحياتي لأساتذتنا مرة أخرى، وأشكرهم على ما يمتعوننا به من فوائد جمة،
من المعلوم أن ذكر المرأة في مطالع القصائد العربية من الجاهلية وحتى نهاية العصر العثماني كان أمرا محتوما في الكثير من القصائد.   والتعبير بـ "بانت سعاد" اشتهر لدى مجموعة من الشعراء الجاهليين والمخضرمين، وتبعهم على ذلك شعراء كثيرون  فضمنوه أشعارهم.  وقد مزج الشعراء بين الغزل والمدح في قصائد كثيرة بادئين بالغزل كما هو معلوم . ولما كان كعب بن زهير من المخضرمين، فلا عجب أن ينتهج نفس نهج سابقيه بذكر المرأة في مطلع قصيدته في مدح النبي الأكرم(ص) . والأبيات التي وصف فيها سعادا لم تخرج، عندي، عن الغزل بالمحبوبة غزلا خاليا من المجون . فقوله مثلا: هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة...الخ، ليس فيه ما يجعله مستهجنا في ذلك العصر إن لم يذكر الشاعر اسم امرأة بعينها؛ خاصة وأن قومه اعتادوا على التغني بجمال المرأة الجسماني ، واعتادوا على ذكر المواصفات التي يمكن أن تتمتع بها المرأة حتى تعد من ربات الجمال . ولو عقدنا مقارنة بين بانت سعاد وجميع قصائد الغزل الصريح، لتبين لنا أن "بانت سعاد" كالملاك بين الفساق؛ مقارنة بباقي القصائد المذكورة. وكلنا نعلم أبيات الإمام ابن القيم رحمه الله، وهو من مشاهير السلف الصالح، والتي تغزل فيها بجمال الحور العين تغزلا يقترب من المجون، فلنتأمل. أما النبي الأكرم (ص) فأظنه لم يكن متشددا مع الناس مثلنا. فقد كان يساير الناس في ما اعتادوا عليه إن لم يكن فيه إثم وإغضاب لله جل وعلا؛ لذا، فإن الذب عن" بانت سعاد"، أو حذف بعض أبياتها، ربما يشيع عنها تهمة المجون ، وهي منه براء.
ومع إعجابي بما ذكره أخي الأستاذ أحمد عن الدكتور وهبه الرومي من أن سعادا يمكن أن تكون هي الدنيا ، وأتمنى أن يكون ذلك صحيحا، ففي ذلك سبق لكعب بن زهير في مجال الاستعارة ،والكناية عن المحبوبة بالدنيا الخداعة، إلا أن ما أفهمه من تاريخ الشعر عند العرب الأقدمين، وما أتبينه من ثقافتهم لا يؤيد كثيرا ما ذهب إليه الدكتور وهبة . ولو كانت " بانت سعاد" قصيدة رمزية صوفية في مدح النبي الأكرم، كقصائد البرعي أو ابن الفارض، لكان ذلك المذهب ممكنا.
وبهذه المناسبة أقدم لحضراتكم هذه الأبيات من قصيدة بالغة الجمال والتأثير، وذات قافية رنتها مشجية، وفيها من أجناس البديع ما فيها، وموضوعها شدة اللوعة من النأي، والاشتياق إلى المحبوبة، والشكوى من طول الفراق، وفيها المدح أيضا، وهي من القصائد الفريدة في العصر العثماني، للشيخ فتح الله ابن النحاس الحلبي(ت 1050 تقريبا)، وقد تغنى مغنون عديدون* بأبيات من هذه القصيدة:
بـات  سـاجـي الـطـرف والـشـوق iiيُـلِـحُّ والـدجـى  إن يـمـض جـنـحٌ يـأتِ iiجـنـحُ
فــكــأن الــشــرقَ بــابٌ لــلـدجـى مــالـه خـوفَ هـجـوم الـصـبـح iiفـتـحُ
يــقــدح الــنــجـمُ لـعـيـنـي iiشـرراً ولــزَنــدِ  الـشـوق فـي الأحـشـاء iiقـدح
لا  تــســل عــن حـال أربـاب iiالـهـوى يــا ابــن وُدي مــا لـذاك الـحـال شـرح
يــا نـدامـاي وأيـامَ الصبـا هـل  لـنـا رجـع وهـل لـلـعـمـر iiفـسح!
صــبّــحـتـكِ  الـمـزن يـا دار iiالـلـوى كــان  لـي فـيـك خَـلاعـات iiوشـطـح**
حــيـث لـي شـغـل بـأجـفـان iiالـظـبـا ولــقــلــبـي مـرهـم مـنـهـا iiوجـرح
كــل عـيـش يـنـقـضـي مـا لـم iiيـكـن مـع  مـلـيـحٍ مـا لـذاك الـعـيـش iiمـلـح
وبــذات  الــطــلــح لـي مـن iiعـالـجٍ وقــفــة أذكــرهـا مـا اخـضـلَّ طـلـح
يـومَ  مـنـا الـركـب بـالـركـب iiالـتـقـى وقــضــى حـاجـتـه الـشـوق iiالـمـلـحُّ
قــربــت  مــنــا  فــمـاً  نـحـو  فـم iiٍ واعـتـنـقـنـا فـالـتـقـى كـشـح iiوكـشح
وتزودتُ  الشذى  من  مرشفٍ بــفــمـي  مـنـه إلـى ذا الـيـوم iiنـفـح
يــا تـرى هـل عـنـد مـن قـد iiظـعـنـوا أن عــيــشــي بــعــدهـم كـد وكـدح
كــنـت  فـي قـرح الـنـوى iiفـأنـتـدبـت مــن مــشـيـبـي كـربـة أخـرى iiوقـرح
كــم أداوي الــقـلـب قـلـت iiحـيـلـتـي كــلــمــا  داويـت جـرحـا سـال جـرح
ولــكــم  أدعــو ومــا لــي iiســامـع فــكــأنــي  عــنــدمــا أدعـو iiأبَـحُّ
غُرْبةُ  الأوطان  أوْدتْ   كبدي                                       واعتراني ألَم منها وبَرح
حَسَّنوا  القولَ  وقالوا  غُربة                                        إنما الغُربةُ للأحْرار iiذبْح
ومنها في مدح محمد بيك بن فروخ، أمير الحاج الشامي، وكان يقطن بنابلس:
فـإذا قـيـل "ابـن فـروخ" iiأتى سـقـطوا  لو أن ذاك القول iiمزح***
بـطـل لـو شـاء تمزيق iiالدجى لأتـاه  مـن عـمود الصبح iiرمح
كـم  سـطـور بـالـقـنا iiيكتبها وسـطـور  بـلسان السيف iiيمحو
بــأبـي أفـدي أمـيـري iiإنـه صادق  الطعن، جرئ القلب، iiسمح
كـل  مـا قـد قـيل في iiترجيحه في الندى أو في الوغى فهو الأصح
وإلى لقاء قريب..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* لمن يحبون الاستماع إلى القصائد المغناة بالإيقاعات الخليجية المرقصة الساحرة، التي يصاحبها التصفيق الموقع، والتي تروح عن النفس فتنسيها الهموم ولو ساعة، عليهم بهذا الرابط. ففيه صوت:" بات ساجي الطرف" . ولنغفر للمغني عدم التزامه حركات الإعراب في القصيدة بشكل صحيح:
** خلال بحثي في الموسوعة الشعرية تبين لي أن شاعرا نجديا اسمه محمد بن عثيمين(ت1363هـ) ذكر في قصيدة له حنينه إلى شبابه وخلاعاته وأشطاحه حين قال: لا يُبعِدِ اللَهُ أَيّامَ الشَبابِ وَما       فيهِنَّ لي مِن خَلاعاتٍ وَأَشطاحِ
وقد جاء في ترجمته: " ...ويقال أنه أتلف شعره العاطفي قبل وفاته، مخافة أن يعاب عليه.".
أما ما لوناه باللون الأحمر من أبيات ابن النحاس، فيحتمل أنه من شطحات الشعراء الذين يهيمون في كل واد، ولا يشترط وقوع ما ذكر على وجه الحقيقة المؤكدة. وكم من مدع ادعى وادعى وشط به الخيال في مواقف العشق والغرام خاصة، أو في مواقف البطولة ؛ ولكنه لم يقل لنا : صدقوني. ومع ذلك، فلن اقسم على ان شيئا مما ذكره الشاعر لم يحصل.
*** ابن فروخ هذا ذكره المحبي وغيره من انه كان شجاعا وقد تمكن من إرهاب العربان الذين كانوا يغيرون على قوافل الحاج الشامي، وصار مجرد ذكر اسمه مثارا للرعب والجزع . وذكرت الكتب أن ابن فروخ قتل مملوك ابيه في بيت المقدس، الموكل بالسلطة في غيابه، ليستتب الأمر له . وكانت بينه وبين ابيه مشاحنات.
 
 

10 - أكتوبر - 2010
المجون ليس من الادب
نريد للشعر تعريفا يتفق والفطرة    كن أول من يقيّم

من وحي مشاركة أستاذنا زين الدين، التي بعنوان: إذا أجاد الشاعر لم يطالب بالاعتقاد:
ربما لم أستوف عرض أفكاري حول الشعر والشاعرية ومتى يكون الأديب أديبا حقا في مشاركاتي السابقة . ولما عرض لنا أستاذنا الأديب الأريب زين الدين أقوالا للجرجاني وغيره تفيد ما أفادته أقوال الثعالبي أيضا رأيت أن أفصل هذا الأمر من وجهة نظري، وأوضحه . فلم يكن يخطر ببالي أن أخرج شعراء الجاهلية ، أو أي شاعر من أي دين كان من دائرة الشعر . ولكني كنت أعيب شعر المجون والخلاعة، وانه لا يعد شعرا في نظر الأخلاق الحسنة والحياء العام. ولما قلت: إن قول الثعالبي فيه نظر، وقلت: " ولكن معنى ما قاله الثعالبي من أن الديانة وسوء الاعتقاد ليسا من عيار الشعر ولا حكما على شاعرية الشاعر لا يتلاءم مع معنى الفطرة التي فطر الله الناس عليها " لم أكن أقصد اختلاف المعتقدات والديانات نفسها بحيث يكون المسلم هو الشاعر ويكون غيره من غير المسلمين ليس بشاعر أبدا. فهذا لا يمكن لأحد الذهاب إليه ؛ وإنما قصدت التركيز على الفطرة مستوحيا معنى ما قالته الأستاذة صاحبة الموضوع: " الأدب هو صلة الإنسان بفطرته التي أنشاه الله تعالى عليها" ، وهذا القول الصائب هو ما جعلني أهتم بالحكم على الأدب كقيمة إنسانية رفيعة المستوى وذات أثر تربوي خطير في تنشئة الأفراد، وفي تصحيح  مسيرة الشعوب التي يهمها مصيرها في الدنيا والدين. وليس على الأدب كصنعة لها آليات معينة، ولم يخطر ببالي أن أعد الأخطلين، او أبا ماضي، أو طاغور، أو شكسبير، أو الألوف من أمثالهم خارجين عن صفات الأدب والأدباء .
يكون الأدب أدبا ما تماشى مع الفطرة بغض النظر عن المعتقد:
لقد فطر الله سبحانه الناس على الخير، فلا يتصور من يخالف فطرة الله أن يكون أديبا ولو كان محسوبا على الإسلام اسما لا جوهرا. وهناك فرق بين اتباع شهوات الغرائز، وبين مخالفة الفطرة . فأبو نواس مثلا اتبع ما اشتهته غرائزه وشهواته الحيوانية، وقال في هذا الاتباع الشعر الكثير، ولن يحكم على هذا الشعر أحد بأنه ليس من الشعر رغم أن مضمون بعضه مشين معيب  ولا يرغب الشخص الحييَ بمطالعته، بل إن من النقاد من حكم على شعر أبي نواس بعد توبته بأنه أقل قيمة شعرية من شعره الماجن. أما مخالفة الفطرة، فأعني بها ارتكاب الآثام التي تخرج الشخص من صفة الإنسانية . ومتى ما خرج من صفة الإنسانية، فكيف يكون من الشعراء؟! وما الفرق بينه وبين شر الدواب؟! فالقتل مثلا بغير حق وإنما لإشباع شهوة القتل، والظلم والعدوان وهضم الحقوق، والتسلط والقهر، والنفاق والغدر، والطمع والجشع، والكبر والتعالي على الناس، والافتخار والاعتزاز بالعرق والجنس، والكذب وشهادة الزور، وزرع الفساد بين الناس بأشكاله المتعددة، والحسد والحقد، إلى غير ذلك الكثير مما يخالف الفطر السليمة كل ذلك لا يمكن لمن يرتكبه أن يكون أديبا أو شاعرا حقيقيا أبدا؛ سواء كان على الإسلام أو اليهودية أو النصرانية أو على أي دين آخر، وسواء عاش في الجاهلية أو في الإسلام . فلا يتصور ممن هذه حاله أن يطرب لتغريد الطيور، ولا لسجع الحمام، ولا للشفقة على المساكين والاستجابة لأنات الموجعين، ولا للتألم من حال المظلومين، ولا يستجلي جمال الأخلاق الحميدة، ولا يحس بمحاسن الصداقة والود المتبادل بين الأكارم، ولا يأبه لجوع الفقراء، ولا لصرخات المعذبين المقهورين، ولا يعترف لأحد بفضل، ولا يفرج كربة عن مكروب....إلى العديد العديد من هذه الصفات المخالفة للفطرة كما قلنا . فصاحب هذه الصفات لو افترضنا جدلا أنه امتلك أدوات الشعر وآليته فكيف يكون شعره؟!
إن أقوال من قالوا بعزل الشعر عن المعتقد إن كانوا قصدوا بالمعتقد اختلاف ما يسمى بالأديان فقولهم صحيح ؛ سواء كانوا من القدماء او من المعاصرين . أما إن كانوا يعنون بعزل الشعر عن أي أمر آخر بما فيه اخلاق الفطرة، وقاموا باختراع آليات للشعر من اتبعها كان شاعرا ومن لم يتبعها لم يكن شاعرا، فإننا نجرؤ على نقدهم لغير صالحهم. فنقول: نحن نريد آليات جديدة للشعر غير التي ابتدعتموها.
للحديث بقية..

11 - أكتوبر - 2010
المجون ليس من الادب
تعذيب القطط والشعر    كن أول من يقيّم

 
قبل بضعة أسابيع طالعت على الإنترنت خبرا مفاده أن شخصين أمريكيين حكم على احدهما بالسجن مع الأشغال مدة ثماني سنين، وذلك لقيامه بحرق قطة وهي حية، وعلى رفيقه الذي تستر عليه مدة ثلاث من السنين . وعجبت من حال ذلك الشخص الدابة، الذي حرق القطة لمجرد التسلي والتلهي بمنظرها وهي تشتعل، وقلت لنفسي: حقا إنه من شر الدواب عند الله! . وأتساءل الآن: هل يمكن لهذا المجرم أن ينظم شعرا يجد صدى عند احد من ذوي الإحساس المرهف من الناس؟! بالطبع لن يجد أحدا من بني الإنسان ينفعل من شعره إلا إذا كان ممن يتلذذون بتعذيب القطط . وهؤلاء لا شك أنهم قلة ، ولن يكون الحكم على الشعر معتمدا على أقوال معذبي القطط أبدا.
إن الشعر إذا خلا من القيم الوجدانية النبيلة لا يمكن عده شعرا ذا قيمة ؛ ولكنه إن حفل ببعض المجون النابع من الرغبة في إشباع الغرائز ، كرغبة الرجال بالنساء، والتغزل بما ذكره يخرق الحياء والعفة ، يبقى تحت مسمى الشعر ، ولا يخرج صاحبه من دائرة الشعراء مع انه يبقى في دائرة الشعر الماجن الخليع وحده .
إننا بإمكاننا أن نضرب أمثلة شعرية لبعض الشعراء من القدماء أو من المحدثين والمعاصرين تبين مدى ما وصل إليه بعضهم من انحطاط فكري وخلقي معا؛ ولكننا نعف كما يعف سراة الوراق الأكارم عن ذكره، فهو شعر لا يجوز أن نتناوله في المنتديات الأدبية..
ولقد فطن القدماء ممن ألفوا في تراجم الأعيان دون أن يتوكؤوا على العصا الأجنبية إلى أن هذا النوع من الشعر لا ينقص من قيمة الشاعرية لدى الشاعر أو الأديب المترجم له، بل إنهم غالبا ما يترحمون عليه، ويرجون له المغفرة، بينما لا نجدهم يترحمون على قاتل أو ظالم ؛ وإنما ينهون الترجمة له بقولهم مثلا: لا رحمه الله، أو أراح الله البلاد والعباد منه ، أو ما يشبه هذه المعاني.
ونحن عندما نستشهد بلسان العرب أو بأقوال الجاحظ، أو بكتب أخرى تراثية فإننا لا نستشهد بمؤلفيها أنفسهم؛ وإنما نستشهد بالثقافة السائدة في عصورهم ، ونستقريء أفهامهم وعقولهم وعواطفهم ونطالع خلافاتهم وحججهم، ولا يمنعنا هذا من أن نستشهد بثقافات إنسانية أخرى في عصور متعددة. فالثقافة الأجنبية المعاصرة لا بد من استيعابها لندرك أخطاءنا من جهة، ولندرك محاسن ثقافتنا من جهة أخرى . أما ما قاله الجرجاني، والثعالبي، وابن المعتز وغيرهم، فقد كان الإيمان به سائدا بين العديد من الكتاب القدماء، وعلى الأخص من كتبوا تراجم الأعيان كما قدمنا.
ويبقى القول في أن آراء كل ناقد ليست منزلة من السماء، فهي عرضة للأخذ والرد، وللقبول أو الرفض.
 

11 - أكتوبر - 2010
المجون ليس من الادب
رؤية شاعرية    كن أول من يقيّم

 
مما طالعته في السابق من اختلاف في معنى الشعر أذكر أن أديبا أو ناقدا أجنبيا قال ما معناه: ليس على الشعر والشاعر قيد على الإطلاق؛ لا ديني ولا أخلاقي ولا حتى عقلي، ولا أي أمر آخر. فالشعر الحقيقي، على حد قوله، هو ما يعبر به الشاعر عما في نفسه بصدق وبالطريقة التي يراها فنية أدبية مناسبة.  فعلى هذا، يكون الناس المجانين شعراء، وذوو النزوات التي لا تعترف بما فطرنا الله عليه شعراء، ويكون من الشعراء من يرى مخالفة الفطرة أمر واجب ولا يرى أن هناك فضائل وان هناك رذائل.. بل وتكون الحيوانات المفترسة من أجلة الشعراء والصدّيقين، فهي تعبر عن غرائزها بصدق تام.
إن ما نسميه بالأدب والشعر إذا لم تستجب له المشاعر الفياضة والقلوب الحانية وتنفعل منه ، ولا يثير فيها كوامن الأشجان، ولا يهزها ليروح بها إلى الاهتمام بمعنى الإنسانية في الإنسان ، فلن ينال من التقدير والاهتمام أكثر مما تناله سفاسف الأمور ، التي ليس لها أدنى مطمع في جواهر الأمور، وإنما محل طمعها القشور

11 - أكتوبر - 2010
المجون ليس من الادب
من الشعراء الحقيقيين من كان على دين الشيوعية    كن أول من يقيّم

ومن الذين يعدون في الشعراء أيضا أناس لم يكونوا على دين من الأديان، ومنهم من لم يؤمن ببعث ولا نشور، وذلك راجع إلى عدم الاقتناع العقلي، فالهدى هدى الله؛ ولكن أشعارهم اهتمت لآلام الإنسان وأحزانه، وكرهت الظلم والجور والعدوان، وعافت القهر والتسلط، ونادت بالعدالة والمساواة ، فجاءت أشعارهم موافقة للفطرة من هذه الجهة دون شك. ومن هؤلاء الشعراء من انتمى للحزب الشيوعي من المسلمين أنفسهم؛ طمعا منه بتحقيق العدالة ولو على يد الشيوعية.
ولقد كان توفيق زياد من مدينة الناصرة بفلسطين أحد هؤلاء الشعراء، وكان منضما إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي،  وهذه إحدى قصائده المؤثرة:
عـذب  الجمّالُ iiقلبي عندما  اختار iiالرحيلْ
قلتُ:  يا جمالُ iiصبراً قال:  كل الصبر عيل
قلت: يا جمّالُ iiقصدُكْ قال: صحراءُ الجنوبْ
قلت:  ماذا ضم iiحملك قـال:  علكاً iiوطيوب
قلت:  ما داؤك قل لي قـال:  شوقاً iiللحبيبْ
قلت: هل زرت iiطبيباً قـال:  تسعين iiطبيب
قلت:  يا جمالُ iiخذني قـال: لا، حملي iiثقيلْ
قلت:  يا جمال iiأمشي قال: لا، دربي iiطويل
قلت:  أمشي ألف iiعام خـلف  عينيك iiأسافرْ
قـالَ: يا طير iiالحمام حنظلٌ عيش iiالمهاجر
عـذب  الجمال iiقلبي عندما  اختار iiالرحيل
كـلـمـا  خلف دمعاً فـوق  خـديّ iiيسيل
أبيات شعرية صادقة، تعبر عما في نفس ناظمها من معنى سام اصدق تعبير، وهي عندي في معناها أقرب إلى نفسي من كل معلقات الشعر العربي القديم.
 

11 - أكتوبر - 2010
المجون ليس من الادب
شعراء الجاهلية وشعراء الإسلام    كن أول من يقيّم

شعراء الجاهلية ليسوا أولى بالاستبعاد من بعض شعراء المسلمين
 لم يكن أهل الجاهلية قبل الإسلام كفارا حتى يكونوا أولى بالاستبعاد؛ وإنما كانوا أهل جاهلية لم يرسل الله إليهم بعد، ولا يمكن أن يحاسبوا على ثقافتهم كما يُحاسب عليها الذين ذاقوا نعمة الإسلام من الذين دخلوا في دين الله أفواجا ثم نبذوه وراء ظهورهم . ولي تعليق على الحكم على الجاهليين بعد قليل.
أما أن تعجبنا أشعار الجاهليين أو لا تعجبنا فأمر لا يعتمد على إجادة صنعة الشعر وحدها في شكلها الآلي؛ وإنما الأهم من الصنعة بكثير هو ما يصادف من معاني الشعر أو لا يصادف استحسانا في نفوسنا مما يطابق او لا يطابق الفطرة الإنسانية السليمة. فالجاهلي الذي تغنى بالعصبية الجاهلية المقيتة ونادى بنصرة أخيه الظالم لن يجد شعره في نفوسنا محلا للترحاب  والانفعال الإيجابي، ولو كان خبيرا باللفظ والوزن والقافية وصياغة الصور الشعرية خبرة ما بعدها خبرة، ذلك أن صوره الشعرية وإن برع في ميكانيكيتها فإنه لن يبرع في إدخال معانيها إلى قلوبنا، إلا أن نكون من الذين استحبوا العصبية الجاهلية على المساواة والأخوة الإنسانية بين الناس.  والجاهلي الذي هجا أخاه في العروبة، بل أخاه في الإنسانية، وقام بهتك عرضه بذلك الهجو مثلا، وجعل عيشه بين الناس عيشا مرا، لا يجد هجوه صدى في قلوبنا إلا صدى المقت والكراهية . فبعد هذا، هل تكون القيمة الشعرية وأثرها على ثقافة المتلقين للشعر تنبعث من مبنى الشعر وتشكيله الظاهري؟! ومثل الشعر في ذلك النثر المتفنن فيه باللفظ وبألوان البديع، ومضمونه الحث على معاداة الفطرة وارتكاب الآثام.
وفي شأن أهل الجاهلية خلاف بين فقهاء الأصول في حالهم يوم الدين . وأسلم ما طالعته في شأنهم ، عندي، هو ان الله تعالى يحاسبهم على ما فطروا عليه من صفات جميلة إن خالفوها إلى القبيحة؛ كحسن الصدق وقبح الكذب، ونبذ الخيانة أو استحبابها، ووجوب إغاثة الملهوف أو التخلي عنه، ورعاية الجوار أو الاعتداء عليه...الخ. أما أن يحاسبوا على ما أمرت به الشريعة الإسلامية من اجتناب الخمر، ونبذ المعاملات التجارية الضارة*، وإقام الصلاة المكتوبة، وصوم رمضان مثلا... فهذا مستبعد أيما استبعاد. ومن الجدير بالذكر أن تسمية أهل الجاهلية بالكفار تسمية ليست في محلها. فالكافر من عرف الحق واستيقنته نفسه ثم جحدته ، بينما الجاهليون قبل البعثة النبوية كانوا أميين ليس لديهم كتاب سماوي يطلعهم على أمر الشريعة الحقة حتى يمكننا وصفهم بالكفار في حالة لم يمتثلوا لأمر الله برغبة بالامتثال صادقة.
من الأولى بالاستبعاد إن جاز الاستبعاد في كل حال إذن؟ عنترة بن شداد أو زهير بن أبي سلمى الجاهليين ، أم أبو نواس، وابن حجاج، ومسلم ابن الوليد، والحسين بن الضحاك ، وغيرهم وغيرهم ممن كانوا يعدون في المسلمين؟!
إن مسألة الشعر ليست مسألة الدين بالمعنى المتعارف عليه بين الناس من تعدد الأديان . فأي شاعر من أي دين إذا تغنى بالمحامد والمكارم ، وتغنى بجمال ما أبدع الله في خلقه من جميل الصفات، وما في الطبيعة من الإبداعات، وما غرز في فطرتهم من عواطف التأثر بالأحزان، والشفقة على الفقراء والمساكين، وكراهية الظلم وحب العدل، والإعجاب بالشجاعة والكرم...إلى ما لا يحصى من الصفات الحميدة، فهو شاعر صادق في كل حال، ولا يهمنا دينه كيف يكون. بل إن من شعراء الإنسانية من كانوا على غير دين سماوي معروف، لكنهم فاقوا في شاعريتهم كثيرا من شعراء المسلمين. فالشعر إنساني المنشأ ولا يخص قوما دون قوم آخرين. ولا بد لنا من الأخذ بعين الاعتبار أن ابن الزبعري وكعب بن زهير قد بلغتهما دعوة الرسول(ص) فلا نحكم عليهما بما حكمنا على عنترة أو زهير لو لم يتوبا ويصلحا. أما أشعارهم في هجو النبي الأكرم صلوات الله عليه فلا أدري كيف عدها بعضهم شعرا، اللهم إلا من جهة الوزن والقافية!! وهل الشعر وزن وقافية فقط؟ كلا وسبعون كلا.
إن قول الجرجاني بأن الدين بمعزل عن الشعر قول صحيح إذا عنى به ما ذكرناه آنفا، ولن نقول له إن النصارى واليهود والهنادكة...الخ، ممن لم يختلفوا مع فطرهم... ليسوا شعراء أبدا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* بعض التجار عندنا ، بالرغم من كوننا مسلمين، يوقعون الزبائن بغبنهم بطريقة جهنمية. فنجد من هؤلاء قسما كبيرا من الباعة المتجولين ممن يبيعون السجاد مثلا.. يحمل الواحد منهم سجادة على كتفه ويدق عليك باب دارك ثم يقوم بنشر السجادة امامك ، وياخذ ببيان محاسنها( أعني مساوئها) ، فتساله عن الثمن، فيجيب : ألف شاقل( مئتا دينار اردني تقريبا) . وبما ان الناس اعتادوا على أن السجاد غالي الثمن في الأصل، ويجهلون ان منه في أيامنا ما خيوطه من البلاستيك، فإنهم يصدقون البائع؛ ولكنهم يحاولون تخفيض الثمن .فإذا تنازل البائع لهم عن عشرين دينارا او ثلاثين، فإنهم يشترون السجادة  مسرورين وكانهم  حصلوا على كنز ثمين، ولم يعلموا ان ذلك البائع ربما باع نفس السجادة لجيرانهم بعشرين دينارا او اقل قليلا. على ان ما ذكرته من امر بيع السجاد قد افتضح امره، وصار لدى الكثير من الناس عندنا علم بما فيه من غبن؛ فكسدت بضاعة أولئك الباعة، إلا أن يبيعوها بثمن بخس.
ومن الجدير بالذكر أن البائع من اولئك الذين ذكرتهم يلح على المشتري إلحاحا لا مزيد عليه، بل يمكن ان يستحلفه بالله ليشتري إذا رأى منه إعراضا عن الشراء، مما يوهم المشتري بانه إن لم يستجب للبائع يكون قد فرط في جنب الله تعالى. والشيء بالشيء يذكر..فأخي الأكبر رجل ، على معرفتي به،  صادق الدين، وذو نخوة ومروءة، ولا يرفض طلبا إلا أن يكون غير مرض لله تعالى . فلو قلت له: " جاه الله عليك أن تفعل كذا" ، لفعل، ولو تكلف مشقة كبيرة ؛ احتراما لجاه الله جل وعلا.
ومن الجدير بالذكر اكثر أنني ناقشت امر بيع السجاد مع بعض الأصدقاء ، ومنهم تجار، فحكموا بان بائع السجاد الذي يطلب الثمن العالي ثم يرضى بالثمن القليل لا يرتكب مخالفة شرعية. فالتجارة في عرفهم تجوز فيها المناورة . ولما سألتهم : أليس في ذلك إيهام بخلاف الواقع وفيه غبن للمشتري؟ أجاب احدهم: " التجارة شطارة"...
وبعد،
كيف لنا ان نلوم المرابين من اهل الجاهلية ، من الذين فعلوا في اموالهم كيف شاؤوا، ونحن المسلمين اليوم لدينا كتاب الله وسنة نبيه وفينا من يخالفهما إلى شهوته واطماعه؟!

17 - أكتوبر - 2010
المجون ليس من الادب
سأظل افتقدك يا أستاذ أحمد    كن أول من يقيّم

مع شكري الجزيل للأستاذ الأديب البليغ والشاعر المتمكن محمود الدمنهوري على تعليقه باسم أصدقاء الوراق لا يسعني إلا وان أبدي محبتي وإخلاصي في مودتي للأستاذ الغالي، الأديب اللغوي أحمد عزو ، حفظه الله ورعاه، والذي سعدنا أيما سعادة بوجوده بيننا هنا في موقع الوراق، والذي أكن له معزة خاصة، وإكبارا وإجلالا لطيب نفسه وصدق مودته، وأرجو له ولأسرته الكريمة كل خير وتوفيق من الله تعالى. وسأظل أفتقد الأستاذ عزو وروحه المرحة على الدوام.

17 - أكتوبر - 2010
وداعاً يا جماعة
ما أقسى الوداع!    كن أول من يقيّم

20 - أكتوبر - 2010
وداعاً يا جماعة
ما أقسى الوداع!!    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

 
لم أتطرق في تعليقي السابق لما يؤلم مع أنني ألمت كثيرا لفراق أحمد، فأنا ممن يتناسون الآلام خشية ألا يتحملوها. وخجلت أن أحاول ثنيه عن عزمه بمغادرة الوراق؛ لأن هذا العزم من خصوصياته ومن عواطفه؛ ولكن أساتذتنا الأكارم : زين الدين، زهير ظاظا ، وصادق السعدي أبوا إلا أن يؤلمونا ، خصوصا أستاذنا زهير الذي أبكاني حين قال: " تعال أو خذني معك"، فهم شعراء حقيقيون؛ نثرا ونظما، لا شك عندي في ذلك. فالشعر الحقيقي كله ألم قبل أن يكون حكمة أو ثناء على خلق كريم . والحياة لا أصدق أن فيها فرحا من نوع ما، اللهم إلا المحبة الصادقة، وإلا الفرح المأمول  بلقيا الأحبة في ظل رحمة الله ورضوانه.
وأقول لأستاذنا عبد الحفيظ: لقد أحسنت حين مزجت الحزن بالأمل في اللوحة التي قدمتها، فشكرا لك.
أنا لن أنسى غدا = حين ألقى أحمدا
لا لا ، فبيت السعدي أقرب وأعذب…
وليعذرني أستاذنا السعدي بالسطو على بيته الشعري لأتخذه أساسا لعدة أبيات، وليعد سطوي مجازاة له على ما آلمني:




وداعـا  لا أقـول لـه وداعا فـإنـي لا أطـيق لها iiسماعا
وأشـعـر أنـه في كل iiخفق سـيلقى  قلب أحمد ما iiأضاعا
فـلا  يوم الشجون له iiانقطاع ولا يـوم الـفراق غدَا مطاعا
يـعـز عـليّ نأي أخٍ iiحبيبٍ تـوطن  خافقي وشرى iiوباعا
وإذ  تـهبِ الورود لنا iiشذاها وتذبل  بعد أن تطوي iiالشراعا
نـرجّـي عوْدها فتطيع iiشوقا وتـجـعل عَرفها مُلكا iiمشاعا
ونـعـجم  عُودَها فنحس iiليناً وإن  جلتِ الفصولُ لها القناعا
أخي  عزو، فدتك على iiالليالي قـلـوب وجدها صار iiالتياعا
عـلـى  الأيام ذكرك iiمستديم بنبض  الروح يأبى iiالانقطاعا
وفـي "الـوراق" أطيار تغنت ولم  تصنع ملاحنها iiاصطناعا
فإن عزت على الشعر iiالقوافي رأيـتَ شعورها ابتدع iiابتداعا
وقـد  أزجـت قوافيها ورفت بـأجـنـحـها للقياكم iiسراعا
وكـم  للشعر في نفس iiالمعنىّ إذا كـان الـحـنين له iiيراعا
أذعت على الأحبة بعض حبي وأحـبـب  بالمحبة أن iiتذاعا
أحـاول أن أجـيبكمو: iiوداعا فـتـأبـى أدمعي منكم iiوداعا
 

20 - أكتوبر - 2010
وداعاً يا جماعة
الدين والشعر غايتهما واحدة    كن أول من يقيّم

أحيي الأستاذة الفلسطينية المباركة شيماء، وأشكر لها اهتمامها بهذا الموضوع الهام، وأرجو لها كل توفيق في صدق نظرتها وصائب فكرتها، وأتقدم بمشاركتي الأخيرة في هذا الملف الهام:
أعود إلى معنى ما سبق مما كتبته من مشاركات فأقول:
أشد الكلام تأثيرا في نفس السامع ما ينبع من معين قلب المتكلم لا من شهواته وغرائزه غير المهذبة، وهذا المعين مصدر الشعر بطبيعة الحال. فالماجن الخليع من الأدب والعفة من الشعراء ممن خالف الفطرة، والذي همه إشباع غرائزه وشهواته بالطرق المشينة؛ ضاربا بفطرة الخير والنقاء والصفاء عرض الحائط، ومستوحشا من كل القيم النبيلة والشيم الكريمة؛ متبعا شيطان نفسه الأمارة بالسوء، لن يكون شعره  ذا غاية إنسانية شريفه ترقى بصاحبها أو بمن يستمع إليه إلى فكر سام ونهج في الحياة نبيل . فالشعر الحقيقي لا بد أن يهدف إلى التشبث بالقيم الخلقية ، ويأرب إلى إذكاء العواطف الإنسانية، كالحب ، والحنان ، والحزن ، والإيثار، والعطف هذا من وجهة نظر أهل الأخلاق الفطرية، ولا يعنينا من وجهة نظر أخرى مخالفة، ما دمنا نحسب الشعر ذا علاقة وثيقة بفطرة الله التي فطرنا عليها.
I
لقد ركزت في مشاركاتي السابقة على الفطرة ؛ فاصلا إياها عن مسمى الأديان المتعارف عليه عند الناس حتى لا يظن أحد أنني أدعو إلى أسلمة الأدب وقصر صفة الأديب على من كان من المسلمين وحسب. فالفطرة، عندي، أساس لكل دين، مع أني أعتقد أن دين الإسلام في الأصل يجب أن يُتخذ  مسماه اسما للأديان السماوية كلها من ناحية جوهرها وهو التوحيد، لا من ناحية تباين شرائعها. فالله سبحانه قد جعل لكل امة شرعة ومنهاجا.
ولحسن حظي وجدت من الأدباء العرب الكبار من ذهب إلى الإيمان بالعلاقة الوثيقة بين الدين والشعر . فعبد القادر المازني، الأديب الكبير والمفكر المعروف، قال في كتابه: " الشعر غاياته ووسائطه" :
" ليس أظهرُ في تاريخ الشعر ولا ألفتُ للنظر من علاقته بالدين. ولقد كان عماد الشعر القديم وقوامه الأناشيد الدينية والأساطير المقدسة والآمال الحارة. قال الدكتور أورليكي في كلامه عن شاكسبير: الأصل في الدين وفي الشعر واحد ــ وفي هذا دلالة على انه إلهي، وانه إلهام ثان. أهـ" . وأنهما لكذلك في جوهرهما أيضا، وليس جنوح الشعر في عصور المدنية عن وظيفته المقدسة إلا في الظاهر، لأن غاية الدين وغاية الشعر كانتا ولا تزالان واحدة. وغاية الدين فيما نعلم ليست العقيدة النظرية؛ بل النتيجة العملية، أي السمو بالناس إلى منزلة لا تبلغهم إياها غرائزهم الساذجة وعواطفهم الطليقة. وتلك لعمري غاية الشعر أيضا ولكن من طريق الجمال . فالفرق بينهما ليس في الغاية ولكن في الوسيلة، لأن الشعر يطهر الروح من طريق العواطف والإحساسات لا بالصوم والصلاة وغيرهما من مراسم العبادة. وقد يستعين الدين بالعواطف ولكنه أبدا يستعين بالعقل ويخاطبه أكثر مما يخاطب العواطف." انتهى ما نقلته.
يتبين لك أيها القاريء الكريم بعد قراءتك ما كتب  المازني أن الدين والشعر غايتهما واحدة وإن اختلفت الوسيلة. وما دامت الغاية واحدة، وان الدين همه السمو بالإنسان إلى أقصى مراتب الإنسانية الحقة، وأن للشعر نفس الغاية ، يمكنك أن تحكم على الشعر والشعراء حكما دقيقا بأن تهمل الشكل الخارجي للشعر وتركز على جوهره وغايته. ويكون الشعراء عندك قسمين: قسم لا يحمل من الشعر إلا آليته، وقسم آخر يحمل من الشعر آليته وجوهره وغايته ، وهذا القسم الآخر أصحابه هم الشعراء الحقيقيون.
ولعل متسائلا يتساءل: لقد سمى القرآن الكريم الشعراء بالشعراء كما درج الناس على هذه التسمية. فهل هذا اعتراف منه بأن كل شاعر شاعر، وأن كل شعر شعر؟ وأجيب على هذا التساؤل بالقول: لقد سمى القرءان الكريم الخنزير خنزيرا، والأنعام أنعاما وشتان ما هما  من جهة الجوهر! فالخنزير من الحيوان، والأنعام كذلك ؛ ولكنهما متبانيان كل التباين.
تلخيصا لما سبق وهدفت إليه من مشاركاتي في هذا الملف أقول:
الحكم على قشور الشعر بعد فصلها عن لبابه لا يلزمنا الأخذ به . فهو لا يوصلنا إلى الغاية التي يهدف الشعر لتحقيقها في نفوسنا.
تمت المشاركات.
 

21 - أكتوبر - 2010
المجون ليس من الادب
 55  56  57  58  59