البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات عبدالرؤوف النويهى الحرية أولا وأخيرا

 55  56  57  58  59 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
الحاكمية فى ذمة التاريخ (5)    ( من قبل 7 أعضاء )    قيّم

 
 
لم يتوقف زعيم الحاكمية  وداعى التكفير أبو الأعلى المودودى  ، هذا  الداعية ذائع الصيت والناقم على العرب والعروبة،  والذى شن حملة ضارية على الخلفاء والفقهاء المسلمين  لامتناعهم  عن تطبيق الشريعة الإسلامية بدءا من خلافة معاوية حتى العصر الحديث ،ثابث ذلك فى كتابه (الخلافة والملك ،سابق الرجوع إليه )0
 
 ولم ين عن توجيه اللوم وإثبات خطأ سيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنه  الخليفة الثالث الراشد ،لإسناده أهم مناصب الدولة لأهل بيته الواحد تلو الآخر ، كان ذلك فى حد ذاته سببا كافيا للاعتراض  وضجر المسلمين منه وثورتهم عليه  ،بل يستطرد  مؤكدا"" أن هذا الجانب من سياسة سيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنه كان غلطا  والخطأ خطأ على أى حال أيا كان فاعله  أما محاولة اثبات صحته باصطناع الكلام لغوا وعبثا  فهو أمر لايقتضيه العقل ولا يرضاه الإنصاف  كما أن الدين لا يطالبنا بعدم الاعتراف بخطأ صحابى من الصحابة ""ص71
ومما يثير الاستغراب أن سيد قطب ، لم يكتف بالتقريظ والإشادة بأبى الأعلى المودوى بل اتخذه مرشدا ودليلا ومرجعا ، رغم موقفه الصارم والناقم على فقهاء السنة والحكام المسلمين 0
 
وهاهو سيد قطب ،، (قبل الحاكمية والتكفير ) وفى مقالة بكتابه (فى التاريخ 000فكرة ومنهاج ) الطبعة الثالثة 1979دار الشروق   ص7 يقول :
 
                      صحوة ليس بعدها سبات
 
لوكان مقدرا لهذا العالم الإسلامى أن يموت  لمات فى خلال القرون الطويلة التى مرت به، وهو مكبل بالقيود  وهو فى حالة إعياء عن الحركة ، بعد أن حمل عبءالحضارة  الانسانية طويلا ، وبعد أن تعب  فاسترخى  ونام ، والاستعمار الغربى إذ ذاك فتى  فتهيأت له الفرصة ، ودانت له معظم أطراف الأرض 0وكان ثقله كله على العالم الاسلامى النائم 0
لوكان مقدرا لهذا العالم الاسلامى أن يموت لمات خلال فترة الاسترخاء والاعياء 0وفى إبان فتوة الاستعمار وقوته 000ولكنه لم يمت 000بل انتفض حيا كالمارد الجبار ، يحطم أغلاله  وينقض أثقاله ، ويتحدى الاستعمار  الذى شاخ 0
وحيثما مد الانسان ببصره اليوم شعر بهذه الانتفاضة الحية بالحركة  والتوفر للنضال ،حتى الشعوب التى ما تزال فى أعقاب دور الاسترخاء ، والتى ماتزال مرهقة بأثقال الاحتلال 0حتى هذه الشعوب يدرك المتأمل فى أحوالها أن الحياة تدب فى أوصالها  ويرى خلال الرماد وميض نار ، توشك أن يكون لها ضرام 0
ما الذى احتفظ لهذه الشعوب بحيويتها الكامنة بعد قرون طويلة من النوم والاسترخاء ومن الضعف واخمود ،ومن الضغط والقسر ، ومن الاحتلال البغيض الذى بذ جهده لتقطيع أوصالها وإخماد أنفاسها 0
إنه عقيدتها القوية العميقة 0هذه العقيدة التى لم يسنطع الاستعمار قتلها على الرغم من جهودالاستعمار الفكرى والروحى والاجتماعى والسياسى 000هذه العقيدة التى تدعو معتنقيها إلى الاستعلاء لأن العزة لله ولرسوله والمؤمنين 0كما تدعوهم إلى المقاومة  والكفاح لتحقيق هذا الاستعلاء ، وعدم الخضوع للقاهرين ، أيا كانت قوتهم المادية ، لأن القوة المادية وحدها لاتخيف المؤمنين بالله ،جبار السموات والأرض ،القاهر فوق عباده أجمعين 0
هذه العقيدة الحية هى التى حفظت لهذه الشعوب المترامية الأطراف قوتها الكامنة ، وبعثتها بعثا جديدا 0 والذى يراجع جميع النهضات والانبعاثات التى قامت فى هذه الرقعة لمقاومة الاستعمار يجدها تستند أصلا إلى هذه العقيدة 0
هذه حقيقة كبيرة تستحق الالتفات لكى ندرك قيمة هذه العقيدة فى كفاحنا ، ولكى ندرك أن الاستعمار لم يكن عابثا ، وهو يحاول تحطيم هذه العقيدة وتحطيم دعاتها فى أنحاء العالم الإسلامى 0فالاستعمار كان يدرك خطر هذه العقيدة على وجوده حقا، والصيحات تأخذه من كل جانب ، وأصحاب العقيدة فى الله القهار الجبار  يقودون الصفوف ضد الاستعمار 0
لقد بذل الاستعمار أقصى ما كان مستطيعا أن يبذل ، وظن الناس فترة أن الاستعمار قد أفلح ، وأن هذه العقيدة قد نامت إلى غير يقظة 0فإذا بها تنتفض فى صحوة إلى غير سبات !
وإذا بالعالم الاسلامى من أقصاه إلى أقصاه يتجاوب بصيحة واحدة ضد الاستعمار 0ويمد يده إلى كل قضايا التحرير ومعاركه فى أطراف الأرض 0لأن قضية الحرية واحدة لاتتجزأ 0والعقيدة الاسلامية تتبنى كل قضايا التحرير فى الأرض ، وتشد أزرها فى كل مكان 0
وإن يوم الخلاص لقريب 0وإن الفجر ليبعث خيوطه 0وإن النور سيتشقق به الأفق 0ولن ينام العالم الاسلامى بعد صحوته ، ولن يموت هذا العالم الاسلامى بعد بعثه 0ولكان مقدرا له الموت لمات 0ولن تموت العقيدة الحية التى قادته فى كفاحه ،لأنها من روح الله ،والله حى لايموت 0 )))
 
وهاهو سيد قطب،، بعد(( الحاكمية والتكفير))
 
لقد أنكر سيد قطب ما سبق أن خطت يده  وتراجع عن هذه الحميةالعربية الاسلامية  وشن حملات التكفير والسخط على العالم الاسلامى والمسلمين والجهاد ضدهم  ،لأنهم كفرة ومشركون ومجتمعات جاهلية حتى وإن صلوا وصاموا وحجوا البيت الحرام 0
هذا هو زعيم التكفير وداعى الحاكمية فى العالم العربى والذى رفع راية الجهاد ضد المسلمين ،فى مشارق الأرض ومغاربها0
 
(إن المجتمع الجاهلى هو كل مجتمع غير المسلم ! وإذا أردنا التحديد الموضوعى قلنا :
إنه كل مجتمع لايخلص عبوديته لله وحده 000متمثلة هذه العبودية فى التصور الاعتقادى 0وفى الشعائر التعبدية 0وفى الشرائع القانونية 0
وبهذا التعريف تدخل فى إطار المجتمع الجاهلى  جميع المجتمعات القائمة اليوم فى الأرض فعلا    !!!0000
0000000000وأخيرا يدخل فى إطار المجتمع الجاهلى  تلك المجتمعات التى تزعم لنفسها أنها( مسلمة )!!
  معالم فى الطريق 0سابق ذكره ص 101،98

30 - أبريل - 2007
لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ?
الحاكمية فى ذمة التاريخ (6) والأخيرة    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

الاحترام والتقدير لجامعة الوراق 0
الاحترام والتقدير لكل صاحب رأى حر يطرحه على بساط البحث 0
الاحترام والتقدير لسراة الوراق الأجلاء 0
الاحترام والتقدير لأستاذنا /يحيى رفاعى  أخا وصديقا وفليسوفا  أعتز بوجوده بيننا وبأبحاثه القيمة ،وما أكثر طلبى له أن يفيض علينا بعلمه الغزير ، فما أنا إلا قارىء له وللآخرين ،أنا الجاهل أبدا والساعى نحو العلم والمعرفة ،لكن من منا يمتلك الحقيقة???  0
الاحترام والتقدير لأستاذنا / محمد هشام على نصائحه الغالية وتنبيهى إلى وجود الألغام التى لم أنتبه إليها واندفاعى للخوض فيها دون ترو  ودون فائدة تُذكر 0
شكرى وتقديرى لأستاذنا الرائع الحافظ عبدالحفيظ  0
 
الأخوة الأعزاء 000بداية القول المطروح على بساط البحث هو( الحاكمية والثورة على الدولة الكافرة) ، ومادمت أعشق الحرية ولا أقدر على تبعاتها  فلابد أن أترك ذلك للآخرين ، فهم الأقدر على الدفاع عنها وأصمت صمتا أبديا 0
 
حقيقة الأمر ياآساتذتى الكرام 000 للصبر حدود وأن حرية الرأى لاتعنى السقوط فى حمئة اللدد فى الخصومة والشطط فيه والسخرية والتطاول والغمز واللمز والتهكم  ،بل طرح الرأى بأسانيده وحججه ودلائله بما ينبغى أن يكون 0
لكن ما حدث ، يفوق التصور ويضيق به الصدر ،فلم يكن أمامى سوى الدفاع بكل الحجج والبراهين والأدلة المشروعة دون الخوض فى الألغام والدوائر وإنما طرح القضية من وجهة نظرى على أن الذى يطرحه أخونا وأستاذنا /يحيى رفاعى لم يكن جديدا على الساحة الفكرية والفلسفية وإنما قُتل بحثا ، وقلت فليكن العقل منهجا نرتكن عليه دون توجيه الاتهامات جُزافا والنيل من الأشخاص دون جريرة أو اقتراف إثم 0
 
أنا أحاول أن أتعلم ولم أصل بعد إلى التعالم والعالمية 0
 
أنا لم أنل من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين  ولم أدخل حقل الألغام ولم أندفع ،فصعبٌ علىَ وأنا فى الثالثة والخمسين  أن أفقد توازنى أو أنساق وراء الغضب دون ترو ٍ،وحياتى كلها أقضيها مع العقل وبالعقل وبالحجة والبرهان وأنا الواقف أمام المحاكم بأنواعها  منذ ثلاثين عاما0
لقد قدمت أسانيدى وحججى ولم أفتئت على الحق وأسعى فى الباطل 0
 
وليكن هذا الكلام  ،هو الحب ياصديقى والحب ياحبيبى ، ولتظل شجرة الحب ناضرة ومورقة ومثمرة0
 

30 - أبريل - 2007
لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ?
ظاهرة التصنيف الجنسى فى الأدب العربى0    كن أول من يقيّم

    

ظاهرة التصنيف الجنسي في الأدب العربي
GMT 15:30:00 2007 الإثنين 30 أبريل
حوراء النداوي
                
لقد صار الحديث عن المجتمع الذكوري حديثا سمجا مملاً فقد بريقه من كثرة التكرار، لا سيما و انه اتخذ مناح متفرقة شتت الفكرة الاساسية، فاجتمع هذان الامران ليضفيا في النهاية شيئا من عدم الالتفات من جهة المتلقي الذي بات يسخر من هذا المصطلح كلما اصطدم "بقضية المراة".. و ضاق النساء قبل الرجال من الكلام حول حقوق المراة، و قهر المراة، و المجتمع الابوي الخ.. و بما انني ساستخدم مثل هذه الاصطلاحات وجدت من الحكمة ان انبه القاريء لها و ان اختلف استخدامي لموضعها.. فاذا كان القاريء ممن ضاقوا بها فيمكنه الامساك عن القراءة من الان و ان كان مناصرا لقضية المراة فيمكنه ايضا الامساك من الان لاني لا اناصرها بمثل ذلك النهج السالف ذكره..
بين فترة و اخرى تطالعنا اعمال ثقافية نسوية يضج لها الشارع الثقافي العربي اما احتفاءا او استنكارا لها.. اما اسباب الاستنكار فهي عادة ما تكون معروفة، مثل الجراة و التمرد و تعدي الخطوط الحمراء المفروضة تقاليديا..الخ..
في الحقيقة ان ما يستوقفني هو الاحتفاء بالمراة المبدعة - او في بعض الاحايين "المبتدعة"-
هذا الاحتفاء المبالغ فيه في كثير من الاحيان، جعلنا كمتلقين ننظر الى ابداع المرأة كحالة طارئة على الحركة الثقافية و الابداعية.. هذه النظرة لا تصب في صالح المراة بالتاكيد، بل في صالح ما ينعته مناصروا قضيتها "بالمجتمع الذكوري"، الذي صنف بدوره الابداع الانساني العام على حسب الجنس وقلل من اهمية و جودة ابداع المراة على وجه الخصوص.. مما جعلنا كمتلقين ننبهر الى حد الانكار بكل امراة تخرج علينا بقصيدة شعرية او بعمل مسرحي مثلاً، لاننا منذ البداية مبرمجون على حكم مسبق و هو ان الابداع الثقافي الناتج عن الانثى طاريء..
بما ان الابداع الحقيقي هو ابداع صرف و غير قابل للتصنيف الجنسي اساسا، فان مثل هذا التصنيف القسري قد بدأ يشمل ابداعنا كله بمشكلة انعدام التطور الابداعي.. فاذا كنا كمتلقين قد سمحنا لرواية ركيكة لامرأة ان تنجح مثلا..ً فاننا بالتأكيد سياتي علينا يوم نقبل فيه برواية اقل من سابقتها ضعفاً، و يومها لن نعود نهتم ما اذا كان كاتبها امرأة او رجل.. هذا بالاضافة الى كوننا سنبقى نراوح في مكاننا في افضل الاحوال اما في اسوءها فاننا و للاسف سنكون في طريقنا نحو هبوط حاد..

احيانا اقع في حيرة كبيرة عندما اجد كبار المبدعين و النقاد يحتفون بعمل الانثى الضعيف..
لكنني لدهشتي الاكبر استنتجت ان هؤلاء انما يهللون لذلك العمل خوفا من ان يتهموا بالعداء للمرأة و ابداعها.. في الواقع انا ليس لدي دليلاً ملموسا على هذا الاستنتاج لكنني لا يمكنني ابدا تفسير اقبال ادباء و نقاد كبار على اعمال ادبية ركيكة جداً.. لا يمكنني الا ان اخرج بذلك الاستنتاج.. هذا بالاضافة الى ان غالبية من ابدى عدم استحسانه هذه الاعمال اتهم بالعداء للجرأة القصصية اذا كان العمل رواية او لانثوية الكاتبة فاننا نجد ان الكثير من النقاد قد اشادوا بهذه الروايات فيما بعد كأنهم يريدون جب هذه التهم عن انفسهم..
نستخلص من هذا ان من يطبلون و يهللون لابداع المراة انما هم ينظرون اليها على اساس انها اقل مستوى من ان تطال ابداعا مميزا، فهم بذلك انما ينظرون اليها نظرة دونية.. ثم و كاننا بهذا نحدد للمراة مستوى معين من الابداع لا يسمح لها ان تتخطاه..
في الغرب تنعدم مثل هذه الثقافة الشاذة عندهم.. فنجد ان الكثير من التحف الادبية الخالدة كانت لنساء.. مثل ذهب مع الريح لمارجريت ميتشل، و الارض الطيبة لبيرل اس. باك و مرتفعات وذرينغ لايميلي برونتي ثم ما نتج عنها و اختيها من روايات اثرت الادب الناطق بالانكليزية.. اما بالنسبة للادب المعاصر فنجد الكتاب الاكثر مبيعا هاري بوتر و كاتبته كما هو معروف امراة.. و لا يمكننا ان نغفل كاتبة معاصرة بحجم ايزابيل الليندي التي تشكل ثالوثا رائعا للادب الجنوب اميريكي مع كل من باولو كويلو و غابريل غارثيا ماركيز و ان كانت في نظري لم تصل الى مستوييهما الا انها تعد ندا لهما و هذا يكفيها - ليس لانهما رجلان بل باعتبارهما قمما ادبية يحسب حسابها-.. اما اذا ما رجعنا قليلا الى الوراء، الى السبعينيات تحديدا فستقابلنا سوزان هينتون بروايتها الاشهر (اللا منتمون) التي صدرت لها و هي بعد لم تتعد السابعة عشرة، و احدثت من خلالها نقلة نوعية في عالم ادب الشباب..
كل هؤلاء النساء لم يشر الى اعمالهن على انها صادرة من اناث بل كابداعات انسانية شمولية.. في المقابل لا نحترم في عالمنا العربي ابداع نسائنا بل ذهبنا الى ما هو اكثر من هذا و صرنا نتهم المراة اذا ابدعت حقا بسرقة ذلك الابداع من رجل و نسبه لنفسها.. كما حدث مع الاديبة احلام مستغانمي و روايتها الشهيرة ذاكرة الجسد..
غير ان ما يعزز هذه الفكرة اساسا عن المرأة في عالمنا، هو عدم اقتناع المرأة ذاتها بنفسها و بقدراتها.. فالمرأة اذا كانت منهزمة فإن هزيمتها انما تنطلق من نفسها، لانها في اغلب الاحيان اقتنعت بان قدراتها و ابداعها يقلان عن قدرات و ابداع الرجل..
ببساطة لا يوجد شيء اسمه ابداع ذكوري و ابداع نسوي.. هناك ابداع فقط.. ابداع انساني عام.. لذلك لا يجب ان نعلّي من شأن المرأة التي توازي رجلا ما ابداعياً و نفضلها عليه لانها تختلف عنه بالجنس..
انها دعوة للنقد و التجرد..انتقدوا ابداعها اذا كان بحاجة لذلك فبالنقد يمكن للمبدعة ان ترتقي للافضل.. لا بكيل المديح غير المناسب لها..
                                              موقع إيلاف
 من أمتع وأعمق الدراسات التى قرأتها ،هذه الدراسة القيمة للباحثة الجليلة الأستاذة / خولة ، وأنضم إلى أخى الأعز /زهير ظاظا ،فى تدفق دراسات وأبحاث  الأستاذة / خولة ، لإزاحة عصور النسيان والتجاهل عن إبداع المرأة 0
ولم أجد مناسبا إلا هذه الصرخة التى تطلقها الأستاذة /حوراء ،لعلها تلقى أُذناً واعيةً وعقولاً صاغيةَ
                                         عبدالرؤوف النويهى

1 - مايو - 2007
نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0
شاعرات ثمانينات القرن العشرين (1)    كن أول من يقيّم

 
شاعرات ثمانينات القرن     العشرين
حضور مدهش وغياب مفاجئ
 
في سبعينات القرن العشرين، كانت دولة الإمارات العربية المتحدة تنمو بتجربتها الوحدوية الرائدة نحو بناء الفكر الإنساني ودعم الثقافة الوطنية عبر جهود أبنائها، الذين وجدوا أنفسهم بشكل تلقائي يسهمون في رفعة هذا البناء الوطني الجديد. ومنذ ذلك الوقت، بدأ المجتمع يتعرف إلى شريحة من الشعب حمل على عاتقها المسألة الثقافية محمل الجد، وفتحت قنواتها نحو ما يحقق هوية هذا الوطن، مستفيدة من الخبرات والتجارب العربية الإنسانية فكان لوجود الأديب ضرورة قصوى تكمل وجه النهضة، حيث شهدت السبعينات ظهور أسماء
محدودة العدد في فضاء الإبداع الشعري والقصصي، وازدادت التجربة عمقاً في الثمانينات التي أضافت أسماء شابة آنذاك متأثرة بمدارس أدبية مختلفة وخاصة مدرسة الحداثة. وقد وجدت هذه الأسماء اهتماماً إعلامياً وثقافياً طيبا، واحتفي بها بإقامة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات.. والذي كان وجوده ضرورة حتمية مع مضي الساحة في جذب التجارب المختلفة ودفعها إلى جرأة اقتحام الأدب (لا سيما الشعر) مكتسبة من الخبرات العربية ملامح تخصها.. وكان أكثرها تأثيراً تلك الخبرات التي أشرفت على الصفحات لثقافية في الصحف المحلية.
في خطوة مهمة للتوثيق أصدر الاتحاد كتابين وثق فيهما أسماء تلك الفترة، كتاب “كلنا نحب البحر” لمجموعة من كتاب القصص القصيرة الإماراتيين، وكتاب “قصائد من الإمارات” للشعراء منهم وما أن انتهت الثمانينات، حتى كان عددٌ كبيرٌ من الأدباء قد أكمل انسحابه عن الساحة الأدبية في الوقت الذي كانت فيه تؤسس كما يبدو لشعر إماراتي معاصر له خصوصيته وملامحه تساوى في ذلك كتاب الشعر وكتاب القصة، ذكوراً وإناثاً.
وبقي سؤال: هل هو انسحاب عن الكتابة? أم انسحاب عن النشر?! في ورقتي هذه لا أبحث في هذا السؤال، ولكنها محاولة في البحث عن أسباب الغياب، أسباب وجدتها في رؤى بعض الكتاب التي هي بلا شك غير كافية لتحليل مثل هذه الظاهرة، وأسباب أخذتها من الواقع، من أصحاب الحالة ومن عايشوهم في ذلك الوقت.
حضور الشعر
في الوقت الذي كان فيه جيل ما بعد الثمانينات بعيداً بمسافات متفاوتة عن الساحة الشعرية في الإمارات، كانت كوكبة من الأسماء تعيش الشعر إنتاجاً كتابياً غزيراً، وحضوراً في الفعاليات الأدبية خاصة عبر الصفحة الثقافية أو الملحق الثقافي في الخليج، الذي توالى على الإشراف فيها?مراجعة مستويات المنشور على صفحاتها شخصيات أدبية عربية معروفة ببعد فكرها وعمق ثقافتها، وأحاطت الأعمال الأدبية برؤى نقدية أسهمت في دعم التجربة الشعرية بأشكال من المعارف.
أيامها قرأنا لحبيب الصايغ وظبية خميس ونجوم الغانم وخالد بدر عبيد، كما قرأنا لمنى سيف وأمينة عبد العزيز ورؤى سالم وسارة حارب وابتسام سهيل وأحمد راشد سعيدان وعمر المرزوقي وهاشم الموسوي ومحمد شريف الشيباني وعبيد موسى وهالة حميد معتوق.
فقد مثل هؤلاء مرحلة تاريخية مهمة كانت جديرة بالتسجيل والرصد بالرغم من أن تجارب البعض كانت لا تزال في طور النمو والتشكل، بينما ينتظر المتابعون والنقاد بكثير من الأمل أن تتجذر هذه التجارب وتنمو لتصل إلى مستوى متميز في التعبير الفني.
لقد كانت الساحة تموج بجماليات التمازج الفكري والثقافي بين الإماراتيين والإخوة العرب، وهي جماليات مقدر لها أن تتوحد واقعياً وتاريخياً مروراً بكل مقومات الوحدة التي تجمع الأمة بغض النظر عن مستويات تطبيقها.
فالثقافة واحدة، وأجمل ما فيها هذا التشظي والتفرع، المبني على لغة البيئة ورموزها، جاءوا من العراق وسوريا ومصر والسودان ليشكلوا مع أبناء البلاد فوجاً يحمل على عاتقه تأسيساً لثقافة مغايرة، وآداب وفنون مختلفة مرسومة بملامح الإمارات، مكتنزة بخصوصية لا مثيل لها، تبدأ من زمن ما قبل النفط وتمر بلحظة الإعلان عن اتحاد الدولة لتتشرب وقود الرحلة القادمة والمهمة إيذاناً بالانطلاق نحو التأسيس الثقافي.
في تلك الآونة? والدنيا تتطلع إلينا، والشكوك ماضية في استمرارية نجاح هذا المشروع الوحدوي، مضت تلك الكوكبة الثقافية العربية الإماراتية في طريقها، شأنها شأن أية رحلة تنموية في تلك السنوات، مضت واثقة بأن الأيام آتية باكتمال البناء.
كانت المعارك الأدبية أكثر وضوحاً وصراحة ومواجهة.. بالرغم مما كانت تؤول إليه أحياناً من نتائج غير مرضية وكانت قصائد بعينها تأخذ حظها من القراءات النقدية والاهتمام الصحفي الواسع.
بل إن بعض المفاهيم الصادمة لثقافة المجتمع المحافظ والمبني على مجموعة القيم والعقيدة، وجدت من يتصدى لها ويحللها ويعيد قراءتها من مفهوم ثقافي يضع في اعتباره أول ما يضع القيم الثابتة التي تتعارض مع كتابات ترى أن في ذلك حرية يحتاجها الإبداع، وجرأة لا بد منها كي يحقق درجته الإبداعية، كقراءة إبراهيم بوملحة لبعض قصائد ظبية خميس.
تجارب وصراعات
كما كان هناك صراع ليس صاخباً صوته خافت بين الشاعرة والمجتمع الذي لا يريد أن تقرأ ابنته من خلال سطور ذات إيقاع وتفاعيل ولغة مشاغبة تتحدى الكلام المألوف لتصبح إعلاناً صارخاً يقرؤه الجميع، فكانت الحيلة التي لجأت إليها الشاعرة كي تعطي نفسها فرصة لبوح أكثر حرية أن توارت وراء أسماء مستعارة، سواء كاملة أو جزئية، لذلك لن نستغرب لو عرفنا أن الشاعرات رؤى سالم، وسارة حارب، ومنى سيف، وحصة طالب إضافة إلى شاعرات الشعر الشعبي مثل أنغام الخلود، وفتاة الشارقة، وفتاة دبي، قد حملن هذه الأسماء ليحافظن على حضورهن.
هذا الصراع لم يكن مشكلة لشاعرات أخريات ظبية أو نجوم أو ميسون.. كما أنه لم يشكل مشكلة من دون حل للشاعرات اللواتي بدأن بنحت أسمائهن الصريحة في عالم كتابة الشعر مع بدء التسعينات.
وهنا أتساءل:هل يمكن أن يكون الاسم المستعار سبباً للرحيل بعيداً عن ساحة الشعر?
هل يصبح خانقاً إلى حد عدم احتماله واحتمال رؤيته موقعاً به في آخر النص، كما حدث للكاتبة السعودية بنت يام التي اتخذت قراراً جريئاً للخروج من هذا المأزق بالإعلان عن اسمها نورة بنت مسلم والاستمرار فيما بدأته تحت اسمها الحقيقي?
وقد واكبت هذا الظهور مطبوعات أخرى ساندت جريدة “الخليج” في دعمها وتعريف المجتمع بها، وأهم هذه المطبوعات “الأزمنة العربية” التي لم تكن تكتفي بما يرسل إليها من نتاج أدبي، بل كانت تبحث عن هذا النتاج وترحب به على صفحاتها، أما التناوش بين طرفي الحداثة والتقليد، فقد ظل مثرياً للساحة وللرؤى الأدبية.. كما ظل كل طرف محتفظاً بأحقيته في الاختيار، في الوقت الذي ظهر فيه طرف ثالث في الشعر محايد هو طرف وسطي يمثله فريق التفعيلة، وهذا لم يكن يعني ألا يدخل كل طرف منطقة طرف آخر من باب التجربة ربما.. أو تحدي قدراته أو قدرات الطرف الآخر.
في ظل هذا الواقع تكرست أسماء عشقت الشعر، وأحبت أن يكون لها نصيب منه، فجعلته الهوية الإبداعية الأساسية في تجربتها. ولأنني معنية في ورقتي هذه بالشاعرات، ولأن الشاعرة المرأة تمثل دائماً إشكالية، وتطرح أسئلة، فإنني أود أن يكون الحديث عن غيابها هي بالذات، وإن كان الحديث يأخذني في هذه الورقة إلى مساحة تشمل الشعراء الذي انزووا هم أيضاً باعتبار أن هناك أسباباً للصمت تجمع الطرفين.
الشاعرات اللواتي نفتح صفحة فترة الثمانينات من القرن الماضي هن:
رؤى سالم، سارة حارب، ابتسام سهيل، أمينة عبد العزيز، حصة عبد الله، فرح مختار، ليلى أحمد (وهي قاصة أيضاً)، منى سيف، هالة حميد معتوق.
وبينما تابعت كل من ميسون صقر وظبية خميس ونجوم الغانم مشروعاتهن الشعرية بالرغم من انقطاعات زمنية يلجأن فيها إلى الصمت لأسباب مختلفة فإن صمت الأخريات طال إلى درجة أنه أصبح وكأنه إعلانٌ “غير معلن” لعدم العودة ثانية.
الغياب لماذا?
يحضرني هنا هذا الجزء من قصيدة للشاعرة سعاد الصباح،حيث تقول:
يقولون
إن الكلام امتياز الرجل
فلا تنطقي
ويقولون إن الكتابة إثم عظيم
فلا تكتبي
أعرف قصة واقعية لشاعرة عربية شابة ( غير خليجية ).. كانت شاعرة معروفة في بلادها في التسعينات، حيث حظيت باحتفاء نقدي لديوانها الذي لم تصدر غيره.. وأقيمت لها أمسيات عديدة وفي مواقع ثقافية مهمة في محيطها، وفجأة اختفت.
وبعد السؤال عنها لدى من كانوا يعرفونها، وعن سبب انقطاع اتصالاتها مع الصديقات والأصدقاء داخل وخارج القطر، قيل لي إنها تعرضت لقمع عشائري، حدد إقامتها تمهيداً لمحو اسمها من ذاكرة ثقافة وطنها.
وقد يكون السبب واضحاً من خلال هذين النموذجين: أحدهما نص لشاعرة، والآخر قصة حقيقية لشاعرة أخرى جسدت في الواقع نص سعاد الصباح. وحتى لا أتورط في موضوع الصراع الذي يُراد له ألا ينتهي بين الرجل والمرأة (باعتبار أن كلمة الرجل هي النافذة في العشيرة أو المجتمع).. فإنني أتحول إلى ما يمكن أن يكون أسباباً أخرى للصمت.
أقوال محبطة
كثيراً ما تحيط الشكوك بقدرات المرأة الشعرية، فتعطي درجة أدنى مما يكتبه الشاعر، فقد ورد عن أحد كتاب القرن العشرين العرب قوله: “إن الشعر نادر، ولدى النساء أندر”. وشاعر في قرننا هذا يقول: الشاعرة الحقيقية غائبة.
ويقول ناصر عراق “نستطيع أن نقرر من اليقين أن الشعر العربي كله الذي يمتد في التاريخ قرابة ألفي عام، لم يلتفت باهتمام لائق إلا إلى اثنتين من النساء “المبدعات” هما الخنساء في القرن السابع الميلادي، ونازك الملائكة في القرن العشرين”.
بينما تتساءل بهيجة مصري إدلبي في مقالتها، تساؤلات حول أدب المرأة إن كانت المرأة المثقفة تدرك هشاشة دورها خارج البيت?
أقوال محبطة قد تمر عليها الكثيرات من دون أن تترك أثراً سوى التحدِّي لأن يكن صاحبات الشعر النادر، وليزدن عدد الشاعرات في قائمة لا تضم سوى الخنساء ونازك الملائكة.
وفي المقابل، قد تحدث مثل هذه الأقاويل شرخاً في ثقة إحداهن بقدرتها الإبداعية وبنتاجها الشعري.. وليس في “الصمت” لهذا السبب مبالغة، فكل نفس إنسانية تنطوي على خواص واستعدادات خاصة قد تفاجئ صاحبها أحياناً.
ومع ذلك، فإن المرأة إن أدركت عن اقتناع هشاشة دورها أو موقعها في المجتمع، واتخاذها بناءً على ذلك نمطاً سلوكياً استسلامياً يتجاوب مع هذا الإدراك أمر يحسب عليها لا على المجتمع، فالمجتمعات المتطلعة إلى النمو لا تستسيغ المستسلمين والمتراجعين عن غايات هم وضعوها ثم تخلوا عنها.

1 - مايو - 2007
نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0
شاعرات ثمانينات القرن العشرين (2)    كن أول من يقيّم

 
   
الانشغال عن الشعر
هل يمكن أن تتعرض غوايات الشعر إلى فقد سحرها فيسهل الانشغال عنه بأشياء أخرى في الحياة?
لا شك أن حياتنا مكتنزة بهموم لا حاجة لتصنيفها إلى المجالات المعروفة سلفا، لأن الهموم اليومية التي تشغلنا تتعداها، تتعدى كونها اجتماعية أو اقتصادية أو حتى سياسية.. إنها هموم حياتية تسلب الإنسان منا وقته وجهده، والمرأة متأثرة بشكل كبير وعميق بكل ما يحيطنا من قضايا وإن كانت الأسرة (أو بمعنى آخر تكوين الأسرة) يشكل علامة فارقة في حياتهن الإبداعية، الأمر الذي يجعلهن أمام خيارين: إما الأسرة? وإما الشعر .
كما في عالم الإبداعات الأخرى: إما الأسرة وإما الفن، أو إما الأسرة وإما العمل، وهكذا. فالكثيرات يفضلن أن يعشن انتماءهن الأنثوي الأصيل إلى الأشياء والقرار ذاتي نابع من قناعتهن وإن كان لا يخفى عليهن ولا على الجميع أنه قرار حاصل على مباركة باطنة حينا وظاهرة أحياناً من مجتمعها الصغير الذي تنتمي إليه (الأسرة)، خاصة أن الشعر أو الإبداع عموماً يمثل مجداً شخصياً لها بعيداً عن أفراد الأسرة نسبياً .
وهنا تفضل المرأة تجنب الاصطدام معها بهدف أن تكمل مسيرة الحياة آمنة مطمئنة من دون كدر “الشعر” الذي يمكن أن يقلب موازين الاستقرار العائلي الذي تنشده، وهي في حالة كهذه غير ملامة..فحضورها الشعري لا يضمن لها ذلك الأمان خاصة أنها مشكوك في موهبتها كما ذكرنا في السبب السابق.
تقول بهيجة مصري الادلبي: “غالباً ما تنسى المرأة نفسها أمام عوالم أكبر من عالمها، ومشاكل أكبر من همومها، دائماً تنظر إلى العالم ككل متكامل بسبب مسؤولياتها الأسرية”.
وهي إذ تنسى نفسها فهي تنسى مواهبها وخصوصياتها وعلاقاتها في سبيل تلك المسؤوليات، والنسيان هنا متعمد، فقد قررت أن تنسى، بل إن هناك شاعرات استغرقتهن هموم خارج الأسرة خاصة إذا كان مجتمعها يعيش ظرفاً استثنائياً، فها هي نازك الملائكة كانت شاعرة عظيمة في بداياتها حتى مطلع السبعينات..ولكنها لم تواصل الرحلة وانقطعت عن الكتابة الشعرية. وبدأت تكتب في قضايا سياسية، ولو استمرت في التطور وارتياد آفاق جديدة لبلغت شأوا كبيراً للمرة الأولى في تاريخ الشعر العربي كامرأة “أو ليست تنسى نفسها أمام عوالم أكبر، ومشاكل أكثر”.
 
الاكتفاء بالتجلي
يقول د. عمر عبد العزيز في كتابه زمن الإبداع: إن أسباباً كثيرة تستدعي التوقف، بل التوقف إلى حد الإلغاء، بناءً على إحدى النظريات التي تقول: “ممنوع على الإنسان أن يترك أثراً على الأرض التي يعبر عليها”.
ويحضرني هنا موقف إحدى شاعرات الثمانينات حين تواصلت معها من أجل أن تعود إلى الساحة، فجاء ردها القاطع الذي يدل على أنه لو كان في مقدورها أن تلغي اسمها من الساحة ومن المرحلة التاريخية التي وثقت هذا الاسم لفعلت، إشارة إلى اكتفائها بذلك الحضور الذي استمر لأقل من عشر سنوات.
إنه ذلك الإلغاء الذي ورد في “زمن الإبداع” والذي يفوق الصمت والتوقف. أما لماذا?! فربما هو الاكتفاء الذي لو تجاوزته التجربة وأكملت مسيرتها لتسبب ذلك في التقليل من شأنها الذي بلغته.
سوء إدارة الخلاف والاختلاف
في عالمنا العربي، لم نرق بعد إلى مستوى النضج المطلوب عند معالجة الخلاف في وجهات النظر والاختلاف على رؤية معينة، ويرجح هذا الأمر بخصوص الإبداع والثقافة إلى ما أسماه ب “متاهة المرجعية” التي لم تصل إلى فن إدارة الخلاف والاختلاف على قاعدة الإقرار بالتنويع الشامل، والاعتقاد بضرورة التباين الذي يمكن أن يجد مصائره المثلى.
 
بدائل الزمن “غير الجميل
في زمن ما، كان الشعر والإعلام وجهين لعملة واحدة? فالشاعر كان لسان حال القبيلة، أما الآن فقد أصبح لكل وجه عملته الخاصة.
ومما يؤسف له أن ثورة الاتصالات والانفتاح الفضائي جاء في غير مصلحة الكلمة المعبرة.. والمجنحة كفراشات الربيع.
هذه الثورة وذلك الانفتاح بما تحويانه من ثقافة عجزت عن استيعاب معنى القيم الإنسانية بل ومفهوم الثقافة الإنسانية التي تنادي باحترام عقلية الآخر وكيانه ووجوده وثقافته ودينه، هما بدائل لكلمة الشعر، فأنت تكتب وما زلت تكتب، ولكن من يسمعك? أو كم واحداً يسمعك?! قياساً إلى مصادر أخرى مشوهة للاستماع.
 
أمانة الكلمة
هي أمانة ثقيلة، وفي عقيدتنا اننا محاسبون على الكلمة، وفي القرآن الكريم: والشعراء يتبعهم الغاوون) ومن رحمه الله تعالى أنه استثنى منهم: إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ونرجو أن نكون ضمن هذا الاستثناء .
في داخلنا تأصيل لثقافتنا التي ترفض الخروج عن قيم الأمانة، والتي تمثل الكلمة إحدى صورها، ومغرور من قال إنه واثق من صفاء ونقاء كل الكلمات التي قالها شعراً.
فهل تثقل هذه الأمانة كاهل الشاعرات والشعراء على حد سواء.. فيعتزلون!?
وبعد، شهود ذلك الوقت يبدو مناقضاً لما ذكرته في بداية الورقة من تضافر جهود مثقفي العرب ومثقفي الإمارات، منهم يقولون:
لم يكن هناك احترام للمبدع المحلي، كان المبدعُ الإماراتي أقل شأناً من سواه حتى لو كان القادمون والذين نسميهم “خبراء” يقللون من أهمية الشاعر الإماراتي فيتجاوز النقد أحياناً أدواته المشروعة إلى ما هو قذف وطعن في التجربة وإفراغ لكل حروف الإبداع منها.
إذن وبكل بساطة، التشجيع لم يكن كافياً .. لا المعنوي ولا المادي.
والعين دائماً على المبدعين العرب أكثر منها على المحليين.
وشهود ذلك الوقت يقولون: إن المعتزلين والمعتزلات يكتبون، ولكنهم أداروا ظهورهم للساحة الأدبية كما أدارت لهم ظهرها، فرفضوا النشر، ورفضوا الحضور.
ولأن لكل تجربة حسناتها وسيئاتها، إيجابياتها وسلبياتها، فيبدو أنه وبالرغم من فوران الحركة الأدبية في الثمانينات وما تضمنت من اختلافات في الآراء تصل إلى حد الخلاف، إلا أن بعض نتائجها لم تكن لمصلحة الساحة..فأدت إلى صمت البعض، واستمرار البعض الآخر في حضور متقطع، تاركين للأسماء الجديدة مساحة لحضور آخر، حضور ينقصه وجود الخبرة الإماراتية التي يمثلها الرعيلُ الأول من شعراء الدولة (وأقصد شعراء الفصحى).
قد لا تنطبق كل هذه الأسباب في الغياب عن الساحة الشعرية الإماراتية على كل شاعرات الثمانينات، فهناك من استبدلن بالحضور في المجال الأكاديمي السياسي الحضور الشعري مثل الدكتورة ابتسام سهيل. وهناك من انغمست في هموم البيت والأمومة فتراجع الشعر درجة مثل الشاعرة هالة حميد معتوق التي كان حضورها مميزاً ومؤثراً في الوسط الأدبي، ولكن نسيت نفسها أمام عوالم أكبر من عالمها.
وهناك من اكتفت أن توجه كل حضورها للوظيفة مثل رؤى سالم، وهناك من تكتب ولا ترغب في النشر وهناك من رأت أن الاستمرار في المواجهة لا جدوى منه، مواجهة المجتمع بنشاط غير مرضي عنه بشكل كبير، فآثرت العزلة، وسارت أخرى إلى أبعد من ذلك، إلى إلغاء التجربة برمتها، وهنا المأساة.
على أن الحكم بندرة الشعر الجيد لدى النساء، وأن الشاعرات الحقيقيات ما زلن ضرباً من الحلم أو الخيال، وأن التاريخ العربي برمته لم يسجل سوى اسمين لشاعرتين حقيقيتين، وسواها من الأقوال، فهي آراء لا يحسن بها أن تكون عثرة في طريق تطوير التجربة.
لقد كتبت المرأة منذ عصور ما قبل الميلاد، وليست بحاجة اليوم لإثبات استطاعتها وقدرتها على الكتابة، فالمرأة كتبت منذ الأزل وسوف تبقى تكتب إلى النهاية.
 
شاعرات الصمت
رؤى سالم في مساء ثمانيني من القرن العشرين كتبت:
طيور المساء ستحملنا لضفاف الحنين
نحن الذين حملنا الحنين هوية
ونورسة في الفؤاد تعشش
ترسم قبلتها للمجيء الجديد
ابتسام سهيل في نهار ثمانيني من القرن العشرين وقبل أن تشغل في نشاطها الأكاديمي ورؤاها السياسية في أحداث تتصاعد كل يوم كتبت:
 
حينما أعلنت ولادة طفلي... الفرح
استنكر السلطان جرأتي
وحاربتني المدينة
المسورة بالحصون العالية
كالكفن.
 
                                            صالحة غابش - الخليج الثقافي

1 - مايو - 2007
نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0
هاملت 000مسرحية 00وليم شكسبير (11)    كن أول من يقيّم

شغفت بمسرحية (هاملت )صغيرا وكبيرا ،وقرأتها مترجمة لأكثر من مترجم ،وأخيرا للمرحوم الدكتور /محمدعوض محمد  ، ونشرتها دار المعارف المصرية ،الذى أبدع فى ترجمته ،وحافظ على لغة شكسبير وعبقريته الفنية ،والتساؤلات فى داخلى ،متوهجة  لم تنطفىء بعد ،عن شخصية هاملت القلقة ،وعن أوفيليا ونهايتها المؤسفة 0
 
أحيانا تتولانى الرغبة فى معرفة دقائق نفسية هاملت ،وأقرأ المسرحية من جديد ،وأتوقف عند كلمات هاملت الغامضة والمبهمة  وأتصوره هائما شريدا يبحث عن سبب  مُقنع  لما أقدمت عليه  أُمه وعمه ،فرغم أن  الأم كانت ملكة ،وبعد جريمة القتل وتزوجها من شقيق الملك المقتول ،وهى ملكة لم تزل ، فلماذا أقدمت على فعل القتل ???????
بالتأكيد هناك من الأسباب ،لديها، ما تبرر به فعلها الآثم 0
وكأنى بشكسبير يقول :الجزاء من جنس العمل ،وشربت السم من يد من ساعدته فى اقتراف جريمة القتل 0
 
سأكتفى بتقديم ثلاثة مناظر من الفصل الأول ،عساها تكون دافعا لقراءتها  وتبيان سر عبقريتها 0
 
 
الفصل الأول
المنظر الأول
لإفريز أمام القلعة
( فرانسيسكو في مرقبه، يدخل برناردو)


برناردو : من هنــاك ?
فرانسيسكو : بل أجبني أنت ، قف وأنبئ عن نفسك !
برناردو : عاش الملك !
فرانسيسكو : برناردو ?
برناردو : أجل .
فرانسيسكو : حضرت في موعدك بغية الدقة .
برناردو : دقت الساعة الثانية عشرة فانطلق إلى فراشك يا فرانسيسكو .
فرانسيسكو : لك الشكر على هذا الإخلاص . إن البرد قارس وقلبي متعب عليل .
برناردو : هل ساد الهدوء أثناء رقابتك ?
فرانسيسكو : لم تتحرك فأرة واحدة .
برناردو : إذن طاب ليلك . إذا قابلت هواشيو ومرسيلوس فقل لهما ان يسرعا . إنهما زميلاي في المراقبة .
فرانسيسكو : كأني أسمعهما قادمين . قفوا . من هنـــاك?

يدخل هوراشيو ومرسيلوس
هوراشيو : صديقان للوطن .
مرسيلوس : ومن رعايا ملك دانمركة .
فرانسيسكو : إذن طابت ليلكمـا .
مرسيلوس : وداعا أيها الجندي الأمين . من بديلك في المراقبة .
يخرج
فرانسيسكو : حل برناردو محلي .
مرسيلوس : مرحبا برناردو !
برناردو : قل : أهذا هو هوراشيو ?
هوراشيو : قطعة منه .
برناردو : مرحبا بهوراشيو ومرحبا بمرسيلوس .
مرسيلوس : ترى هل ظهر ذلك الشيء مرة أخرى في هذه الليلة ?
برناردو : لم أر شيئا قط .
مرسيلوس : يزعم هوراشيو أن هذا كله من تخيلاتنا .
ويأبى أن يصدق نبأ ذلك المنظر المخيف ، الذي شهدناه مرتين .
لهذا توسلت إليه أن يصحبني
لكي يرقب معنا دقائق هذا الليل
حتى إذا ما عاد الشبح للظهور
استطاع أن يؤمن بما رأته أعيننا
ولعله أن يتحدث إليه .
هوراشيو : دع هذا السخف فإن شيئا لن يظهر
برناردو : فلتجلس برهة ، ودهنا مرة أخرى نهاجم أذنيك
التين حصنتهما بحيث لا تنفد إليهما قصتنا
وما شهدناه كلانا ليلتين .
هوراشيو : حسنا ، فلنجلس ونستمع لما يحدثنا به برناردو .
برناردو : في الليلة الماضية قد مال ذلك النجم بعينه
إلى الغرب من القطب وهو يسري في فلكه
لكي يضيء ذلك الجزء من السماء الذي يتوهج فيه الآن
إذا بي و بمرسلوس ، حين دقت الساعة الواحدة ..
مرسيلوس : صه . اقطع حديثك !
انظر من أين يعود مرة أخرى !
يدخل الشبح
برناردو : إنه يتخذ نفس الصورة . صورة الملك الراحل .
مرسيلوس : إنك من أهل العلم . تحدث يا هوراشيو .
برناردو : أليس شديد الشبه بالملك . تأمل يا هوراشيو .
هوراشيو : يشبهه جدا : إن قلبي يخفق رعبا ودهشة .
برناردو : إنه يريد أن يتحدث إليه .
مرسيلوس : سائله يا هوراشيو .
هوراشيو : من انت يامن اغتصبت هذه الساعة من الليل ?
كما اغتصبت القوام والجميل والزي العسكري
الذي كان يرفل فيه من قبل جلالة ملك دانمركة الدقيق ?
أستحلفك بحق السماء أن تتكلم .
مرسيلوس : بدا عليه الاستياء
ربناردو : انظر كيف يتراجع مبتعدا .
هوراشيو : قف ! تكلم ، تكلم ! إني أدعوك أن تتكلم .
يخرج الشبح
مرسيلوس : لقد ولى ولم يرد أن يجيب .
برناردو :ما خطبك يا هوراشيو ? أراك ترتعد وقد علاك الشحوب
أليس هذا أكثر من مجرد وهم أو خيال
ما رأيك فيه الآن ?
هوراشيو : اقسم أمام الله أني ما كنت لأصدق هذا .
لولا ما شهدته عيناي في رؤية صادقة وحس سليم .
مرسيلوس : ألأا تراه شبيها بالملك ?
هوراشيو : كما تشبه أنت نفسك
إن ذلك الدرع هو بعينه الذي كان يرتديه
وهو يقاتل ملك النرويج الطموح
وقد أبدى مثل هذا العبوس مرة حين احتدم النضال .
وأخذ يصرع البولنديين الذي كانوا يركبون المزالق .
والقاهم فوق الجليد . إن هذا لأمر عجيب
مرسيلوس : وقد حدث هذا مرتين من قبل في نفس الساعة الكئيبة
رايناه يتجول بخطاه العسكرية
أثناء قيامنا بالمراقبة .
هوراشيو : لست أعرف لي رايا خاصا أسير بمقتضاه
ولكن يخيل إلي بوجه عام
أن هذا نذير بانفجار غريب في دولتنا
مرسيلوس : حسنا ، أجلي اذن وقل لي الآن
وأنت العليم بالامور : لم كل هذا السهر
والمراقبة الدقيقة البالغة منتهى الشدة
يضطلع بها كل ليلة رعية هذه البلاد ?
ولماذا تصب كل يوم مدافع من النحاس
وتجلب الاسلحة من السوق الاجنبية
ولماذا يسخر صناع السفن للعمل الشاق كل يوم
لا فرق بين الآحاد وغيرها من الايام ?
ما الخطر الداهم الذي استوجب هذه العجلة الحامية
التي تضطرنا لأن نصل عمل الليل بالنهار ?
من يستطيع أن يخبرني بسر هذا العمل ?
هوراشيو : أنا أستطيع . أو على الألقل سمعت أحاديث يهمس بها ،
إن ملكنا الراحل الذي ظهرت لنا صورته منذ قليل
تحداه للقتال فيما مضى فورتنبراس ملك نروج .
وقد دفعه إلى ذلك ما انطوى عليه من حسد وكبرياء .
فلم يلبث فورتنبراس هذا أن خر صريعا
بيد ملكنا الباسل هملت (1)
الذي يعرف بسالته جميع سكان المعمورة
وخسر القتسل بذلك حياته
وخسر معها تلك الأراضي التي كان يملكها
وقد آلت كلها للفائز المنتصر
طبقا لاتفاق قانوني مكتوب ومحتوم
كما ان ملكنا من ناحيته
كان قد جنب من أملاكه جزءا يعادل أملاك فورتنبراس
ليكون من نصيبه لو كتب له هو النصر
هكذا استولى ملكنا بمقتضى هذا الاتفاق على أراضيه
والآن ظهر فورتنبراس الصغير ، الجرئ المتهور
وأخذ يحشد على حدود نروج ، وفي غيرها من الجهات
عصابات من الافاقين والمتشردين
يسوقهم نظير القوت ، إلى مشروع
ينطوي على الجرأة والإقدام
وما هذا المشروع كما يبدو جليا لرجال حكومتنا
سوى أن يستردوا منا بالقوة القاهرة
وبشروط ملؤها البطش والجبروت
تلك الأراضي التي فقدها والده
على النحو الذي أشرت إليه
ذلك ما يبدو لي انه السبب الاكبر لهذه الاستعدادات .
وهو السر في تكليفنا هذه الرقابة الساهرة
والدافع الاكبر لكل ما يسود البلاد من حركة ونشاط.
لرناردو : يخيل إلي أن الأمر لا يعدو ما ذكرت
وهو ما يتفق مع ظهزر هذا الشبح الرهيب
مدججا بالسلاح أثناء سهرنا في صورة الملك الراحل
إنه أمر كان ولا يزال يسبب هذه الحروب .
هوراشيو : أمر صغير لكنه يقلق البال كالقذى في العين .
لقد حدثت في روما ابان مجدها وازدهارها أحداث
قبيل الساعة التي لقي فيها يوليوس قيصر مصرعه
إذا خلت المقابر من ساكنيها وانطلق الموتى في شوارع روما
وعليهم أكفانهم يصيحون ويهذون
وبدت في السماء أنجم بأذناب النار
وتساقط الندى دما قانيــا .
وانتابت الشمس كوارث وخسف القمر الكوكب الندي
الذي يعتمد عليه نبتون في عزه وسلطانه (2)
واعتراه الوهن مش شدة الخسوف حتى كاد ان يفني
وهكذا تسبق النذر قبل حلول الخطوب
كأنها طلائع تسبق الأقدار
وتمهد السبيل لما يليها من نوائب
كذلك تظهر الارض والسماء الخوارق
لسكان هذا الاقليم وللمواطنين جميعا
يعود الشبح
ولكن مهلا انظرا ، انظرا من أين يرجع مرة أخرى !
سأعترض طريقه وإن كان في ذلك حتفي . قف ايها الخيال !
إذا كان لك صوت وتستطيع النطق
فتحدث إلي
وإذا كان هنالك خير نعمله
فيه راحة لك وثواب لي
فتحدث إلي
وإذا كنت عليما بما قدر لوطنك من خطب
وامكننا أن نتفاداه إذا عرفناه
فتكلم
وإذا كنت في حياتك قد جمعت مالا ودفنت كنزا في بطن الثرى
بعد ان اغتصبته ظلما وبغيا
ومن أجل ذلك تهيم الأرواح قلقة بعد الموت كما يزعمون
فتكلم يصيح الديك .
قف ويحك وتكلم . أوقفه يا مرسيلوس!
مرسيلوس : هل أطعنه برمحي
هوراشيو افعل ، إذا ابى أن يقف
برناردو : إنه ها هنــا
هوراشيو ها هنـا .
يخرج الشبح
مرسيلوس : انصرف . لقد أسأنا إليه بأن أظهرنا له العنف
وهو يبدو في مثل هذا الجلال
إنه كالهواء لطفا فلا نستطيع امساكه
وما ضرباتنا إلا عبث يستحق السخرية
برناردو : كان يهم بالكلام عندما صاح الديك .
هوراشيو : ثم مضى سريعا كمن أتى ذنبا . تلبية لنداء رهيب
وقد سمعت أن الديك للصباح بمثابة البوق
فهو الذي يوقظ إله النهار
بحنجرته ذات الصوت العالي المديد
فلا تكاد الارواح تسمع صوت هذا النذير
حتى تعود مسرعة إلى مستقرها
سوااء أكان مسراها في البحار أم في النار
ام كانت تجول في الارض ام في الجو
ولا شك ان فيما رأيناه الساعة
شاهد بصدق هذا القول
مرسيلوس : لقد تلاشى عندما صاح الديك
ويزعمون أنه عندما يجيء الأوان
لإحياء ذكرى مولد سيدنا المسيح
لا ينقطع الديك عن الغناء طول الليل
ومن أجل ذلك لاتبرح الأرواح مستقرها
ويكون الليل كله أمنا وكواكبه لا تتصادم
والعفاريت لا تؤذي أحدا والساحرات يبطل سحرهن
لأن الزمان كله يمن وبركة .
هوراشيو : سمعت هذا أيضا وأصدقه بعض التصديق
لكن انظر الى مطلع الفجر مرتديا كساءه الأحمر
وهو يطل من فوق الندى المتساقط على ذلك الكثيب الشرقي
لقد آن لنا أن ننهي رقابتنا
ومن رأي أن ننقل إلى هملت الشاب ما شهدناه الليلة
فلعمري إن هذا الشبح الأبكم أمامنا . سيتحدث إليه
هل توافقان على أن نطلعه على هذا الأمر
لما نكنه له من الحب ولما يمليه علينا الواجب
مرسيلوس : أجل لعمري ، وإني لأعلم المكان الملائم
الذي نستطيع أن نلقاه فيه اليوم .

يخرجون
 

2 - مايو - 2007
فى أضواء المسرح العربى والعالمى0
هاملت 000مسرحية 00وليم شكسبير (12)    كن أول من يقيّم

المنظر الثاني

قاعة حجرة استقبال في القلعة
( يدخل الملك والملكة وهاملت ، و بولونيوس ولايرتس و فولتمند و كرنيلوس وبعض الأشراف والحاشية )


الملك : على الرغم من موت أخينا العزيز هاملت
ما برحت ذكراه ماثلة في خاطرنا
وإننا جديرون أن تمتلئ قلوبنا حزنا وكمدا
وأن تنقبض مملكتنا كلها
كأنها جبهة غضنتها الكآبة
فإن العقل لم يزل يكافح الطبع
حتى أصبحنا نفكر بحزن يخالطه الحزم
والشعور بالواجب الملقى علينا
لهذا اتخذنا زوجا تلك التي كانت من قبل لنا أختا
واليوم أصبحت ملكة تشاركنا السلطان والحكم
في هذه الدلوة المحاربة
فعلنا ذلك فرحين ، فرحا تشوبه الأحزان
وبعينين إحداهما ضاحكة . والأخرى باكية
فكان السرور وسط المأتم . والأسى يغشى العرس
وقد تساوى الفرح والكدر في كفتي الميزان
وفي هذا كله لم نقصر في استشارتكم
فكان رأيكم الراجح دائما مؤيدا لنا في هذا الأمر
وقد أدليتم بكل حرية فلكم جميعا شكرنا
أنتقل الآن إلى ما تعرفونه من أمر الفتى فورتنبراس
الذي صور له الوهم أن بنا ضعفا أو عجزا
أو أن دولتنا اعتراها الاضطراب والارتباك
بعد وفاة اخينا العزيز الراحل
وقد قوى هذا الوهم عنده ما يحلم به من غنم
فلم يلبث أن أخذ يضايقنا برسائله
ويطالبنا فيها بتسليم تلك الأراضي
التي نزل عنها أبوه . طبقا للحق والقانون
والتى آلت إلى أخينا الشهم الهمام ، هذا ما كان من أمره
أما نحن فحسبنا في هذا الاجتماع
أن نعرض لأمر واحد ، لدينا كتاب أعددناه
لكي نرسله إلى ملك نرويج ، عم الفتى فورتنبراس
وهو الآن من الضعف لا يفارق فراشه
ولا يكاد يعلم شيئا مما يضمره ابن أخيه
نطالبه في كتابنا أن يوقف تهور الفتى وعدوانه .
فإن الجنود الذي جندهم ، على اختلاف وحداتهم وأسلحتهم
هم جميعا من رعاياه ، فهلم يا كرنيلوس الطيب
وأنت أيضا يا فولتمند فإنى مرسلكما
فتحملا تحيتي هذه إلى ملك نرويج 0
ولا أخولكما أية سلطة شخصية اخرى للمفاوضة مع الملك فوق ما تسمح به النصوص الواضحة الوافية
الوداع إذن وليكن اسراعكما دليل اخلاكصما للواجب

كورليوس وفولتمند : سندي في هذا وفي غيره ما نحسه من واجب مقدس .
الملك : ليس لدينا شك . وداعا .
يخرجــان
والآن يا لايرتس ما خطبك ?
ذكرت أن لك مطلبا ، فما هو يا لايرتس
إنك لن تتقدم باي طلب معقول لملك دانمركة
ويذهب صوتك هباء . ما الذي تريده يا لايرتس
مما لا أتردد في منحك إياه دون أن تسألني ?
إن الرأس ليس أكثر اتصالا بالقلب
ولا الفم أشد حاجة إلى اليد
من حاجة عرش دانمركة واعتماده على أبيك .
ما الذي تبغيه يا لايرتس?

لايرتس : مولاي ذا الهيبة والجبروت .
أبغي عطف مولاي وإذنه بأن أعود إلى فرنسا
لقد عدت منها إلى دانمركة عن رغبة صادقة
في أن أؤدي واجبي في تتويجكم
ولكني أعترف أنني بعد أداء هذا الواجب
أخذ فكري ورغبتي يتجهان نحو العودة إلى فرنسا
فألتمس من جلالتكم العذر والمغفرة
الملك : هل نلت الإذن من ابيك ? ما قولك يا بولونيوس .
بولونيوس : لقد استطاع يا مولاي أن ينتزع مني الموافقة بمشقة
بعد أن أطال الرجاء والاحاح
فاضررت أخيرا إلى الموافقة كارها لرغبته .
فألتمس منك أن تمنحه الإذن بالرحيل .
الملك : لتنعم بساعات عمرك با لايرتس . أوقاتك كلها لك .
فأنفقها فيما توحي فاضررت أخيرا إلى الموافقة كارها لرغبته .
فألتمس منك أن تمنحه الإذن بالرحيل .
الملك : لتنعم بساعات عمرك با لايرتس . أوقاتك كلها لك .
فأنفقها فيما توحي إليك به شمائلك وميولك .
والآن يابن العم . يا ولدنا هملت
هاملت ( لنفسه ) ما أقربنا نسبا وابعدنا سببا
الملك : ما بال السحب لاتزال تغشى محياك ?
هملت : كلا يا مولاي بل تغمرني الشمس بأكثر مما أطيق
الملكة : أي هاملت انزع عنك ثياب الحداد المظلمة .
ودع عينيك تنظر إلى ملك دانمركة نظرة الصديق
لا تلبث إلى الأبد مطرقا بعينيك .
تبحث عن والدك الشريف في أديم القرى .
وإنك لتعلم أنه من المقرر المألوف .
أن كل حي مصيرة الموت
ولابد أن تسلمه الحياة الدنيا إلى الحياة الابدية
هملت : أجل يا مولاتي . إنه المألوف
الملكة : إذا كان الامر كذلك . فلماذا تظهر
أن له تأثيرا خاصا عندك
هاملت : لا تقولي يظهر يا مولاتي . فإنه الواقع
وانا لا أعرف التظاهر .
وليس الأمر مجرد ارتدائي العباءة السوداء ، أيتها الأم الطيبة
فلا الملابس المألوفة ذات اللون الأسود الحالك
ولا التنهدات المتصاعدة ولا الزفرات المتلاحقة
كلا ولا النهر المنهمل متدفقا من العين .
ولا الحزن الممض الذي يعلو المحيا .
ليس هذا كله ولا سواد الشارات الدالة على الحداد
بالامور التي تستطيع أن تصف حالي وصفا صادقا
إنها أشياء يجوز أن تنعت حقا بأنها " تظهر "
لأنها تنطوي على أعمال يصطنعها أي إنسان
ولكن لدي في أعماق نفسي شيء
تعجز المظاهر عن محاكاته
فما هي إلا  كساء وأردية تكسو الأحزان .

الملك : إن واجبات الحداد التي تفي بها لوالدك يا هملت
لتنم عن روح كريمة وطبع حميد
ولكنك تعلم في غير شك ان أباك فقد اباه
وذلك الأب فقد والده ايضا
ولابد للخلف أن يقيم مراسم الحداد فترة من الزمن
وفاء بحق الاباء على البنين
غير ان الإصرار على الحزن والإمعان فيه
خطة تنطوي على العناء البعيد عن الإيمان
إنه حزن لا يتسم بالشهامة والرجولة .
ويكشف عن إرادة عاصية لاحكام السماء
وقلب غير عامر بالإيمان وعقل ساخط ضجر .
وينم عن فهم ساذج لم يثقف .
لماذا تعترض بحماسة وتذهب نفسنا حسرات
على امر نعلم أنه لا مفر منه
وانه أكثر شيوعا وانتشارا من أي شيء نعرفه .
وان هذا المسلك لإثم في حق السماء
وإثم في حق الموتى ، وإثم في حق نظام الكون
وهو أمر بادي السخف في نظر العقل
الذي يقرر دائما ان موت الآباء أمر شائع
ولطالما نادى العقل منذ أول ميت إلى آخر من لقي حتفه اليوم :
" هــذا مــا لابد منه ..."
لهذا نرجوك ان تطرح هذه الاحزان التي لا تجدي
واعتبرنا لك بمثابة الوالد . وليعلم العالم كله
أنك أدنى الناس لوراثة عرشنا .,
وان ما نكنه لك من الحب المجيد
لا يقل عما يكنه صدر الوالد البر بولده
أما رغبتك في أن تعود إلى الدراسة في وتنبرج
فإنه مخالف أشد المخالفة لإرادتنا
وإنا لنرجوك أن تغير رأيك وتظل هنا
وتنعم وتسهد برعايتنا وعنايتنا
وأنت أسمى حاشيتنا مقاما ، وقريبنا وابننا

الملكة : لا تضيع توسلات أمك يا هاملت
أرجوك أن تبقى معنا ، ولا تذهب إلى ويتنبرج .
هاملت : سأفعل كل ما في وسعي لإطاعتك يا مولاتي .
الملك : حبذا هذا من رد ينطوي على المحبة والحسن .
فلتكن كمثلنا في دانمركة (1) هلمي بنا يا سيدتي
إن هذا القبول الرقيق الذي أبداه هاملت عن رضا
ليملأ قلبي ابتساما ، فما أجدر ملك دانمركة اليوم أن يحتفل به .
لا يتناول أقداح الراح في خفة ومرح .
بل تندفع معها المدافع الضخمة حتى تبلغ السحاب .
فتردد السماء صدى احتفال الملك وشكره .
بصوت عال كأن الرعد القاصف . هلموا بنـــا .
يخرج الجميع ما عدا هاملت
هاملت : ليت هذا الجسد الصلب الشدي التجلد ، يذوب .
ويتحلل حتى يستحيل ندى !
أو ليت الإله الأبدي لم يقض قضاءه الصارم
بتحريم الإقدام على قتل المرء نفسه
رحماك اللهم . لشد ما تبدو وتقاليد هذا العالم
بالية عتيقة ، لا تستساغ ولا تجدي نفعا
فما أحقر الدنيا ! وإن هي إلا حديقة
لم تستأصل حشائشها الضارة فنمت واستكملت بذورها
فانتشر فيها كل ما في الطبيعة من نبات وحشي غليظ
حتى استولى عليها واستأثر بهـــا
أيمكن ان يصل الأمر إلى هذا الحد . ولما يمض شهران على موته
بل اقل من شهرين وكان ملكــا .. أي ملك
لو قورن بهذا لكان مثل هيبريون إذا قورن بالتيس (2)
لشد ما كان يحب أمي حتى يأبى على نسيم السماء
أن يلامس وجهها بخشونة . فيا للسماء ويا للأرض .
هل أظل ذاكرا كل هذا ? لقد كانت تتشبث به هي تعانقه
وكان غرامها ينمو ويزداد
بما يتغذى به من حبه ووفائه
ومع ذلك لم يكد بمضي الشهر – ليتني أكف عن التفكير في هذا الأمر .
ايها الضعف ، إنك خليق أن تسمى امرأة (3)
بعد شهر صغير وقبل ان يبلى النعلان
اللذان سارت بهما وراء نعش والدي المسكين
وهي تسكب الدمع مدرارا . كما فعلت نيوبي (4)
ثم هي بعد ذلك – حتى هي !- تبركت اللهم
إن الحيوان الذي يعوزه العقل والتفكير
لخليق أن يكون حداؤه اطول – ثم تتزوج عمي .
عمي . شقيق أبي . وليس بينه وبين أبي من الشبه
أكثر مما بيني وبين هرقل (5) تزوجته في غضون الشهر .
تزوجت قبل أن يشفى محاجرها الملتهبة
من الدمع الكاذب الذي ذرفته
فيالها من سرعة تنطوي على الإثم
إذ تمضي بمثل تلك العجلة إلى فراش دنس خبيث
إن هذا الشر لا يمكن أن يؤدي إلى خير
لكن تحطم ايها القلب فلابد ان ألزم الصمت .
يدخل هوراشيو وبرناردو ومرسيلوس

هوراشيو : حييت ايها المولى !
هاملت : يسرني أن أراكم في صحة وعافية .
أهذا هوراشيو أم تخدعني الذاكرة .
هوراشيو : بل هو بعينه وخادمك الخاضع دائما !
هاملت : بل انت صديقي الكريم / وحبذا لو تبادلنا هذا الاسم (6)
وماذا تفعل بعيدا عن جامعة ويتنبرج ?
اهذا مرسيلوس ?
مرسيلوس : مولاي الكريم .
هاملت : إن سروري لرؤيتك كبير .. (لبرناردو ) عم مساء!
ولكن ماذا تصنع بعيدا عن جامعة ويتنبرج ?
هوراشيو : نزعة على الهرب من المدرسة ، ايها المولى الكريم .
هاملت : إني لن أدع عدوك يقول هذا عنك .
كذلك لن أسمح أن تجشم أذني مالا تحتمل
إذ تطلب منها أن تصدق اتهامك لنفسك .
لست أنت الذي يهرب من المدرسة
فما الذي جاء بك إلى غلسيونر ?
سأعلمك كيف تشرب الكؤوس المترعة قبل أن تفارقنا

هوراشويو : حضرت يا مولاي لأحضر جنازة أبيك .
هاملت : أستحلفك بالله يا زميلي في الدراسة ألا تسخر مني
إنك ما جئت إلا لتشهد زواج أمي .
هوراشيو : حقا يا مولاي . لقد تلاه مباشرة .
هاملت : ذلك لأجل الاقتصاد يا هوراشيو
فإن اللحوم التي شويت لأجل المناحة
قدمت باردة على موائد العرس .
أهون علي أن ألقى ألد اعدائي في السماء
من ان اشهد ذلك اليوم يا هوراشيو
ابي .. لكأني أرى أبي الآن !
هوراشيو : أين يا مولاي ?!
هاملت : أراه بعين خيالي . مرتسما في ذهني .
هوراشيو : لقد رايته مرة من قبل ياله من ملك جليل !
هاملت : كان من جميع الوجوه مثال الرجولة الكاملة .
هيهات أن ارى له شبيها بعد اليوم
هوراشيو : إني رأيته مساء أمس يا مولاي ?
هاملت : رأيت من ?
هوراشيو : رأيت مولاي والدك الملك .
هاملت : والدي الملك ?
هوراشيو : اجعل دهشتك ممزوجة بالانتباه إلي
حتى اقص عليك نبأ هذه المعجزة
وهذان السيدان شاهدان علي
هاملت : أسمعني بربك .
هوراشيو : في ليلتين اثنتين كان هذان السيدان : مرسيلوس وبرناردو
يؤديان مهمة الرقابة وسط الليل البهيم المنتشر
فحدث ذلك اللقاء الرهيب إذ بدا لهما شبح يشبه أباك
مدججا بالسلاح من رأسه إلى أخمص قدمه
وجعل يسعى أمامهما في مظهر جده . وفي بطء ووقار
مشى ثلاث مرات أمام أعينهما الممتلئة دموعا ودهشة
لا يكاد يبعد عنهما بأكثر من طول مخصرته
فذاب كل منهما وجلا حتى صار كالعجين
وعقد الرعب لسانهما فلم ينبسا بكلمة
ثم قصا على هذه القصة في فرق وتكتم شديد
فصاحبتهما في الرقابة في الليلة الثالثة
وإذا بالشبح يعود للظهور وفق ما ذكراه
سواء من حيث الموعد أو صروة الشبح
كل ما شاهدته مصدقا لكل كلمة قيلت
إني أعرف أباك من قبل
وليست يداي هاتين اكثر تشابها وتماثلا منه بالشبح

هاملت : ولكن أين حدث هذا ?
مرسيلوس : فوق الافريز يا مولاي الذي كنا نراقب منه
هاملت : ألم تتحدثوا اليه?
هوراشيو : فعلت يا مولاي ولكنه لم يرد بكلمة !
ومع ذلك خيل إلي أني رايته يرفع راسه ويهم بتحريكه كأنما يريد أن يتكلم وفي نلك اللحظة صاح الديك الفجر بصوت عال
فلم يلبث أن تراجع مسرعا عند سماع صوته
هاملت : إن هذا لأمر عجيب
هوراسيو إنه الحق أيها المولى المبجل حق ثابت كوجودي الآن بين يديك
وقد رأينا من واجبنا المفروض عليك
أن ننبئك بما جرى
هاملت : صدقتم صدقتم يا سادة ، ولكن هذا الأمر يقلقني ، وهل تقومان بالرقابة الليلة

مرسيلوس وبرناردو : أجل يا مولاي .
هاملت : هل أنتما مسلحان
مرسيلوس وبرناردو : نعم يا مولاي
هاملت : كنتما في شكة تامة من السلاح .
مرسيلوس وبرناردو : من الرأس إلى أخمص القدم
هاملت : إذن لم تبصرا وجهه ?
مرسيلوس وبرناردو : بلى . فقد كان رافعا خوذته .
هاملت : هل كان يبدو عابسا ?
هوراشيو : كان منظره أدنى إلى الحزن  منه إلى الغضب
هاملت : أكان شاحبا أم ثائر أحمر الوجه .
هورتشيو : كان شديد الشحوب .
هاتملت : أكان يحدق فيكما بعينيه .
هوراشيو : أشد التحدق .
هاملت : وددت لو كنت حاضرا
هوراشيو : إذن لدهشت اشد الدهشة .
هاملت : هذا هو الارجح . وهل مكث طويلا .
هوراشيو : بمقدر ما يعد المرء مائة بسرعة معتدلة
مرسيلوس وبرناردو : بل أطول من ذلك .
هوراشيو : في الليلة التي شهدتها لم يمكث طويلا .
هاملت : وهل طغا الشيب على لحيته .
هوراشيو : كانت كما عهدتها سوداء تخللها شعيرا فضية
هاملت : سأتولى الرقابة الليلة لعله يدلج مرة أخرى
هوراشيو : أؤكد أنه سيفعل
هاملت : لئن بدا الشبح في صورة والدي الكريم لاكلمنه
ولو فغرت جهنم فاها
لتأمرني بالصمت
ورجائي منكم جميعا
إذا كنتم كتمتم سر المنظر إلى هذه الساعة
أن تستمروا في الكتمان وعليكم أن تتناولوا بأذهانكم لا بالسنتكم
كل ما عساه أن يجري هذه الليلة
سأوفيكم جزاء إخلاصكم . طابت ليلتكم .
سأزوركم ما بين الحادية والثانية عشرة على الإفريز .
الجميع : كلنا طوع أمر ك يا مولاي
هاملت :أبادلكم المحبة والود 0
يخرجون إلا هاملت :
روح أبي . مدججا بالسلاح . هذا لا ينذر بخير
واكبر ظني أن خيانة قد ارتكبت . ليت الليل يقبل
فاهدئي يا نفس حتى يجن الليل . ولا بد للشرور أن تظهره
وتتكشف للعيون . وإن أطبقت عليها الأرض .

2 - مايو - 2007
فى أضواء المسرح العربى والعالمى0
هاملت 000مسرحية 00وليم شكبير (13)    كن أول من يقيّم

المنظر الثالث
حجرة في منزل بولونيوس
يدخل لايرتس وأوفيليا


لايرتس : لقد حملت أمتعتي إلى السفينة . فوداعا !
وأستحلفك يا أختاه ألا تغفلي عن الكتابة
كلما كانت الريح مواتية والسفن تجري كعادتها
أوفيليا : وهل تشك في ذلك ?
لايرتس : أما هاملت وما أبداه نحوك من عطف قليل
فاعتبري ذلك عرضا زائلا ونزوة من نزوات الشباب
زهرة من البنفسج تنبت في أوائل الربيع
فهي يانعة لكنها زائلة
عطرة لكن ليس لها بقاء
أريجها وازدهارها لدقيقة واحدة لا اكثر
أوفيليا : أليست أكثر من ذلك ?
لايرتس : لو تعتبريها أكثر من ذلك ، فإن الطبيعة حين تنمو
لا يتمثل النمو في الجذع والعضلات وحدها
لأن الجسم إذا كبر نمت معه ملكات العقل والروح
ومن الجائز أنه الآن يضمر لك الحب !
ولا تدنس نواياه الطيبة وصمة أو خديعة .
ولكن لابد لك أن تحذري
فإنه في علو مكانه لا يملك إرادته
إنه هو نفسه عبد خاضم لكل ما يميله عليه كرم محتده
لا يستطيع أن يختار وفق هواه .
كما يفعل الناس
فعلى اختياره تتوقف سلامة الدولة وسعادتها
لذلك كان من الواجب أن يكون اختياره محدودا
بما تملي عليه التقاليد التي تفرضها دولة
مكانه منها مكان الرأس من الجسم
فإذا قال لك إنه يهواك
فخليق بعقلك الصادق أن يصدقه
بمقدار ما يتيح له مكانه ومركز الخاص أن يقرن قوله بالفعل .
وهذا لا يعدو ما يقرره الرأي العام في مملكة دانمركة
فعليك إذن أن تقدري ما يلحق شرفك من الأذى
إذا اسرفت في تصديق ما تسمعين من أناشيد غرامه
فإما أن يتعزى قلبك عن فقده
أو تفتحي كنوز حسنك الطاهر لرغباته الجامحة
احذري هذا الحب يا أوفيليا . احذريه يا أختاه
ولا تسلمي قيادك للحب يذهب بك كل مذهب
بل كوني دائما بنجوة من سهام الهوى ومن أخطاره
إن الفتاة الشديدة الضن بحسنها . لو كشفت عن جمالها للقمر
لكان ذلك منها غاية الاسراف
لأن الفضيلة نفسها لا تسلم من ألسنة السوء
والآفات كثيرا ما تصيب نبات الربيع الغض
قبل أن تزهر أغصانه وتتفتح براعمه
كذلك تتسلط الآفات السامة على الشباب
وهو في فجر الحياة وريعانها
احترسي إذن فإن السلامة في الحذر
والشباب كثيرا ما يثور بنفسه دون أن يتعرض له أحد
أوفيليا : سأعي هذا الدرس الطيب وألتزم مضمونه
وأجعله الرقيب على فؤادي . وأنت أيها الأخ
لا تكن مثل بعض القساوسة المنافقين
يريك الواحد منهم الطريق الوعر الشائك إلى الجنة
بينما هو يسلك مسلك المستهتر المغرور
ويمشي في طريق العبث وسط الورود والرياحين
دون ان يبالي بمواعظه او نصائحه
لايرتس : لا تخشي علي شيئا يا أختاه .
لقد تأخر موعد سفري ، وهذا أبي أقبل
يدخل بولونيوس
إن البركة المزدوجة . تجلب السعادة المزدوجة
وقد سمحت الفرصة بأن تباركني مرة أخرى
بولونيوس : أما زلت هنــا يا لايرتس ، هلم ويحك إلى السفينة
إن الرياح ملأت جوانح شراعك
إنهم في انتظارك وها أنذا أباركك
يضع رأسه على رأس لايرتس
وإليك هذه النصائح القلائل فانقشها في ذاكرتك (1)
لا تبح لسانك بمكنون صدرك
ولا تعجل بتنفيذ رأى لم يتم نضجه
كن متوددا إلى الناس ، ولكن إياك أن تكون مبتذلا
وإن كان لك أصدقاء وبلوتهم وخبرتهم
فضمهم إلى نفسك بأطواق الفولاذ
أما الرفيق الغر الذي لم تهذبه السنون
فلا تتعب كفك بمصاحبته والاحتفاء به
حاذر أن تشتبك في عراك ، ولكن قدر إن اشتبكت
فاحتمله ، حتى يتقيك الخصم ويخشاك
أعر سمعك لكل الناس ولكن لا تسمع صوتك إلا للقليل منهم .
أنصت إلى دعوى كل إنسان ولكن لا تتسرع في الحكم
لتكن ثيابك أغلى ما يحتمله جيبك
لكنها يجب أن تمتاز بذوق رزين . ثمينة ولكن بعيدة عن الفخفخة
فكثيرا ما ينبئ عن المرء مظهره .
ورجال فرنسا من ذوي المكانة والجاه
يمتازون بخاصة بحسن اختيارهم وسخائهم في هذا الأمر .
لا تكن مدينا ولا دائنا ولا متعلقا بالمال .
فكثيرا ما يسبب الدين فقد المال والصديق
والاستدانة تفل شبا الاقتصاد
ولكن قبل كل شيء كن صادقا مع نفسك
وسيتبع ذلك – كما يتبع الليل النهار-
أنك لن تستطيع أن تكذب أحدا من لناس
الوداع ! دع بركتي تثبت نصائحي في قلبك .
لايرتس : إني بكل خضوع ألتمس عذر مولاي
بولونيوس : حان وقت الرحيل فانطلق فإن خدمك في انتظارك .
لايرتس : وداعا يا أوفيليا . واذكري جديا ما قلته لك .
أوفيليا : أنه في ذاكرتي وعليه قفل متين
وسيظل مفتاحه معك .
لايرتس : الوداع
                         يخرج لايرتس

2 - مايو - 2007
فى أضواء المسرح العربى والعالمى0
فلسطين الملتقى والعناق 000فدوى طوقان (4)    كن أول من يقيّم

فدوى طوقان ورسالة اللحن الأخير  (2)
 
التقاط الفرصــة
ولأنه حب حقيقي، لا مجازي، فهو يتعرض كأي حب، للعواصف والصدمات، و يتطلب استحقاقات الأرق والحيرة والألم: "النوم عصي ـ والليل تطول مسافته ـ والصمت رفيق". ويأخذ الحب معادله الموضوعي من البحر، هذا الشاسع الذي ضاق بما رحب "ويا بحر فات أوان اتساعك" لأن الحب يقلص المسافات زماناً ومكاناً فيكون البحر هو "اللازمان" أما ماؤه فهو ملح الموت. لكن هذا ليس إلا أحد وجوه البحر بما هو معادل للحب. لأن ثمة وجوهاً تسفر عن الصخب والسكينة، بل عن المتناقضات جميعاً:
وأنت التوتر، أنت التمزق
أنت اختلاط العقول
وأنت الصراع وأنت الضياع
وحين تعبر الشاعرة عن خوفها من هذا المجهول "القوي العتي" المفعم باللا أمان واللا نهاية يهدهدها البحر ـ أو الحب ـ فهو "عبقر الشعراء، مبدع المعجزات" بل إنه يوشي نسيج الوجود بدر المحار وبمرجان القلب ومذاب اللازورد. البحر هو الماء، وجعلنا من الماء كل شيء حي، والماء ميعاد وردة الروح مع الحياة "أنا الماء محيي الموات" وإذ تطمئن الشاعرة لهذا المدى المائي، تستسلم لقوة جاذبيته.  فالبحر، كالحب، شيء كالقدر:
وأدخل في جسد الماء،
يا قوة الجذب أنت
فلبيك لبيك
وهي لا تكتفي بالذهاب إلى هذا البحر اختياراً نهائياً. بل تمنحه الصفة التي يستحق: أنه سيد الأرض. وأن يكون البحر معادلاً موضوعياً للحب، يعني أن الطبيعة شريكة في اختلاجات القلب واختلاط المشاعر. لقد كان البحر مفتاح الربيع، ولكن للشتاء دورته أيضاً" وأقبل ديسمبر الجهم نحوي يحث خطاه ـ يلفع بالثلج جسم المساء الكئيب". فمادام الحب بحراً، فهو مد وجزر. وينسحب هذان النقيضان على قوانين الطبيعة كلها بحيث يغدو القمر "على طرف الكون يزحف واهي الخطى نحو كهف المغيب". هكذا تأخذ مانوية الحياة بعديها المتضادين من نواميس الوجود. فإذا كان ربيع، فإن ثمة شتاء "وريح الشتاء تعري الوجود ـ وتفرغه من هبات الحياة" لكن المحبة لا تستسلم.  فهي الوردة المعجزة القادرة على استحضار بشاشة الربيع، بل وتغيير منطق دورة السنة:
وغيرت طقس الفصول
ولامست معجزة الخلق والمدهش المستحيل
وتحتفل اللغة في شفتيها ومع مداد قلمها  فثمة انتشاء وارتواء وجمال وثراء وكل ينابيع هذا الفرح، وكل ابتسامات قوس قزح.  فالشاعرة التي تدرك محدودية الحياة، تدرك أيضاً أننا نستطيع أن نوسع هذه الحياة، وأن نجعلها أكثر جمالاً، بالتقاط الفرصة حيث يغرق هذا العالم في الموسيقى ونغني أصفى أشعار الحب المتوهج: "ما أحلى الحب وما أبهاه ـ يحيا بين يديه رميم".
الصمت والصــوت
 تبدو حاسة السمع، التي لا بد وأن نشفعها بما يمكن أن نسميه السمع الحدسي، وكأنها بوابة الشاعرة لولوج العالم. وقد يصعب إحصاء المرات التي تتواتر فيها كلمتا الصمت والصوت. فالصوت هو رائحة الحبيب، وهو أيضاً أفق الخيال:
ما الذي يجعل من صوتك أفقاً
خارج الأرض إذا ارتاد
 
فضاءات القصيدة
وللصوت أيضاً بعده غير المحسوس، هذا الذي يلتقط سمع الشاعرة حدساً وتخميناً: "إنك إيقاع حياتي ـ والنغم الأحلى في عمري" ومادام كذلك، فإن لصوت الحبيب مستوى ميتافيزيقياً لا نعرف من أين تستقبله هذه المحبة السعيدة: "يأتيني صوتك من أقصى أقصى الدنيا" وليس هذا الصوت الحبيب آمراً ناهياً يترك الشاعرة في موقع المتلقي السلبي، فهي تتلقف هذا الصوت لتصبح إنسانة مختلفة بحس مختلف ورؤيا قادرة على الكشف وصولاً إلى لحظة الإبداع. إن صوت الحبيب "يعمق فيّ الحس ـ يوسع فيّ مجالات الرؤيا ـ يفتح لي آفاق الكشف ـ يشرع لي أبواب الشعر"، وعلى هذا فإن الصوت هو معراج باهر الضوء، يتحول إلى فرح دائم "يحتضن القلب كما فرح البنت بثوب العيد". وإذا كان شعر فدوى يرفل بالضوء عرساً بصرياً، والزهر فاكهة الرائحة، والنكهة طعماً وذوقاً، فإن الصوت يبقى الأهم. لأنه وسيلة عناق الروحين والعقلين معاً. والشاعرة لا تفسر الظاهرة، بل بها تحتفل، وفي فمها سؤال معروف الجواب:
ما الذي يجعل من صوتك نهرين
يفيضان بأعماقي حنيناً وشجن
والحنين يصلها بالماضي. أما الشجن فهو اللاحم بين الماضي و الحاضر. وحين نتذكر، في شعر فدوى أن الصوت يأتي من الأقاصي البعيدة، فهو أيضاً رباط المستقبل. وبهذا يكون صوت الحبيب سيداً لزمان شاعرة تعرف كيف ترد على الصوت بالصوت. والشعر صوت وكذلك الغناء. بل إن الكتابة بحد ذاتها هي صوت الروح. وحين تكتب صمتها فإنما تعيد إنتاج الصوت على طريقتها وبمقاسها الوجداني "في صمتي رؤيا تتسع وتكبر ـ والكلمات تضيق". لهذا فإن ذروة المعاناة هي في صمت الشعر. لقد أدارت حوارها مع العالم بالشعر، وحين يصمت الشعر فمعنى ذلك أنها تضرب عن الاتصال بالوجود، فيمحي الحب ويختفي الصوت: "صمت الشعر فلا  رجع صدى" والشعر عندها علامة حياة بل علامة الحياة، فإما الشعر وإما "أنني ما زلت أحيا خارج الموت البطيء".
بهذا لا يكون التعارض بين الصوت والصوت ترفاً مانوياً في عالم فدوى طوقان. بل هو جدل الكينونة في ارتقائها إلى لحظة الصيرورة: يأتي الصوت فيولد الصوت الآخر، وقد ينبئ صوت الشاعرة عن صمت شفاف، هو استمرار الجدل.  أما الصمت المطبق. صمت العدم، فهو انكسار التجربة الذي يعبر عنه موت الشعر.. ولن يموت الشعر في اللحن الأخير.
الطفلة وردة المرأة
لئن نجحت فدوى طوقان، من حيث لم تخطط، في إنشاء هذا الجدل الخلاق  بين الصمت والصوت، لقد نجحت كذلك في الجدل بين الطفلة التي تسكنها وبينها وهي في سن الحكمة والنضج والخبرة الكبيرة. ولهذا تلزمنا وقفة خاصة مع قصيدتها أنشودة الحب التي تستقصي رحلة العمر منذ أن:
كان وراء البنت الطفلة عشرة أعوام
حين دعته بصوت مخنوق بالدمع:
حنانك خذني
والطفلة التي لم يتشكل وعيها بعد. ولم تنضج مساحة شعورها، تظل مخطوفة إلى الغامض المجهول. إلى الآخر. وليكن أباً وأماً أو أهلاً لا على التعيين. لأن ما تحس به هو أنها "وحدي أنا ـ لا شيء أنا ـ أنا ظل". ومشروع الشاعرة المشروع، فيما تتحول الطفلة إلى أنثى، هو أن تخرج من لا شيئيتها، وتتحقق بكيانها، لا بكونها ظلاً للآخر. إلا أن السد الكتيم تمثل في انقطاع الحوار مع العالم. وكيف يكون حوار والكون مهجور "فيه الحب تجمد ـ فيه الحس تبلد" أما سهمها الصاعد باتجاه كينونتها، فهو بحجم وعيها الطفلي "وأنا الطفلة تصبو للحب وتهفو ـ للفرح الطفلي الساذج ـ للنط على الحبل ـ وللغوص بماء البركة ـ للهو مع الأطفال". ولأنها تكتب شعراً ولا تسرد حكاية، فهي لا تخبر أن ثقافة مجتمع الذكور كانت تمنع هذا الصعود التلقائي. لكنها تشير إلى ذلك بالتجريد والتعميم: "القمع يعذبني – والسطوة ترهبني" وإلى ذلك يبدو جسدها ضعيفاً أمام التحديات "والجسم سقيم منهار". من هنا كانت حاجتها إلى الآخر، هذا الغامض غير المحدد ، فتدعوه بما يشبه الصلاة:
أغثني
خذني من عشرة أعوامي
من ظلمة أيامي خذني
وها هي "لوليتا" تتهجى أبجدية الآخر فقد تسللت مفردات من نوع الحضن والصدر ولكنها محروسة باللغة العامة التي تبعد شبح الإحساس الغريزي ـ أنثى لرجل ـ فتحوم حول خلاص المطحونين والمنبوذين والمحرومين، مع الضرب على وتر: خذني، خذني.. إلى أن ننتقل إلى المقطع الثاني مع نهر الأيام، حيث "يمر العام وراء العام ـ الطفلة تكبر والأنثى ـ وردة بستان" وتتفتح الوردة، ويصبح للأطيار ـ بما هي رموز للذكر ـ معنى ملموس. فقد ابتسم الحب وفاض عليها "من كل جهات الدنيا ـ ليطوقها بتمائمه ـ ويباركها بشعائره ـ ويساقيها من كوثره" وهي لم تحصل إلى هذه اللحظة إلا بعد "تخبطها في ليل متاهة" ولكن القلب انتصر على العقل والفكر والأفهام. بتعبير آخر، على النواهي والزواجر. فهي إزاء "كون مكتمل ومعافى ـ تتماهى فيه أنا مع أنت"، ولها أن تندى الأرض. وتخضر حتى العظام، أما الزمن المسحور فيقاس "بدقات القلب المبهور". إنها قصيدة احتفالية. نشيد للحب والحياة. لكن مأساة فدوى، وبنات جنسها ووطنها، أن العالم ليس مغلقاً على قصيدة واحدة، فلا بد من انكسار يتلو هذا الفرح، ولن ننحو باللائمة دوماً على الظرف الموضوعي. فهذا الظرف الموضوعي أنتج كوابح وضغوطاً على الذات، حتى أصبح للذات مشكلاتها المركبة. وقد وعت الشاعرة هذه الحقيقة في وقت مبكر، فكتبت منذ عام 1959 في تقديم قصيدتها "لا مفر" تقول بوضوح:" لا أومن بجبرية تأتينا من الخارج، وإنما الجبرية تكمن في داخل الذات، هي جزء لا ينفصل عن النفس.. ومن هنا مأساة وجودنا الإنساني" وهكذا فإننا إذا فرحنا بإقبالها على الحياة، بعد أن تفتحت الطفلة وردة في بستان الأنثى، فلن نلبث أن نرى كم في هذا البستان من الجراح التي خلفتها الأشواك.

2 - مايو - 2007
نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0
فلسين الملتقى والعناق000فدوىطوقان (5)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

فدوى طوقان ورسالة اللحن الأخير (3)
 
مـوت الحب
لا أذكر اسم الشاعر الفرنسي الذي قال إن تراجيديا الحياة تتمثل في أنك إن مددت يديك على وسعهما لاحتضانها، فإن ظلك سيرسم على الأرض شكل الصليب. والصليب هو رمز العذاب. وها هي شاعرتنا الممتلئة بالحب، تكتشف أن الحب لم يكن إلا "ومضة وانطفأت في أفق العمر ولم تترك أثر ـ عبرت لمح البصر ـ وتلاشت في تلافيف الزمن" بل إن الزمن ميت لم يسفر إلا عن "زفرة أو عبرة أو بعض لوعة ـ خيط حزن، غصة، ظل شجن" وقد تنحني الشاعرة أمام التحدي فتعترف بالانكسار شيئاً، أمام "هجمة العمر ومن وطء السنين" فقد هنأها الحب بمساء الخير ومداعبة الأجفان إذا الصبح تنفس واحتل مساحة ليلها ونهارها "فلسفة لوجودي ظل، ونبعاً" لكن عطباً ألم بالتجربة.
وصحوت على
حلم كابوس جهم ذات صباح
ولأن الشاعرة إحدى ملكات الصمت والأسرار، فإنها لا تبوح، بل تكتفي بلوم القدر، هي التي تحدثت من قبل عن الجبرية الذاتية، ولن تخبر عن سبب هزيمتها الجديدة إلا بأن الحب اغتيل" طعنته سكين الأقدار ـ وسقته كأس الموت المرة" بل إنها تشيع هذا الحب كما نشيع ميتاً عزيزاً "أكذا تغتالك صاعقة القدر الهوجاء ـ أكذا تذروك رياح القدر المشؤوم ـ يا أجمل ما خلق الله ـ فليرحمك الله".  على أن الحب الميت لا يكتفي بما يورثه من حسرة ، بل إنه يترك مكانه بغضاً ومقتاً:
كل شيء عاد ، لا شيء سوى بغض عنيف
طلعت نبتتة السوداء من حب عنيف
هكذا يصبح الحبيب غريماً بعد أن ظللها بما يشبه شجر الجنة. ولا جنة الآن   بل "تقلبت على نار الجحيم". لقد تلاشى الوهج الذهبي، وانقشع الوهم ليكون الحصاد المر تعبيراً عن نهاية عمر. فالحب هو مسوغ العمر وحين يتلاشى فما جدوى العمر? بل إن الحب رحلة نوعية في تجربة تسفر عن اعتراف أليم: "رجعت بخفي حنين ـ بكفين فارغتين". ولا يبقى إلا أن تلوم القدر الذي يلوح من بين السطور أنه ليس الملوم الوحيد، فالمشكلة في الأرض بمعنى المكان، وفي الفراغ وفي المتاهة:
قدر رماك على فراغ
لا تقلك فيه أرض
لا تظلك في متاهته سماء
بل إنها حين مدت يدها لمصافحة الحياة التي عقدت معها ـ كما كنا  رأينا ـ صداقة، فإن الذي صافحها هو الهواء. فثمة خلل ما. خلل في المدى المحيط، حيث يمتد الفراغ: "هذا الفراغ هو الحقيقة ـ ما من أحد ـ ما من أحد".
 مواصلة الصراع
على أن الفراشة الفولاذية جديرة ببنية روحها.  فبقدر ما يبدو الجسد هشاً ويتجلى الجرح عميقاً، تظل الروح مشدودة إلى الأقاصي. عصية على الترويض و"يظل الشعر والحب قريبين من الجن لصيقين به لا يبرحانه" لأن طفل الحب لا ينثني عن عنفوانه. وحين تبرز المحبطات، يبرز، بموازاتها، بأس الأعماق والاستعداد للجولة الجديدة:
وراءك شوط طويل المدى
سفحت عليه سنين العمر
لقد عركت الحياة وفلسفتها، ذاقت حلوها ومرها، وصابرت على الوجه المكفهر. لكن ذلك الشيء الصلب، الداخلي، ظل عصياً على الهزيمة:
فحسبك أنك لم تهزمي
ولا حطمتك سهام القدر
وإلى أن تبرأ الجراح، ويتحامل الجسد للنهوض فالمسير فالوصول، ستظل تواسي قلبها الغوي ولا تتأسى على الحب، بل تخادع حزنها العصي بالضحك.  فبعد كل شيء، يظل هناك كوكب "لم يزل مجراه يجري باتجاهي". لقد افتتحت الشاعرة مجموعتها هذه بأغنية تختزل الأسى والخيبة والهزيمة لكنها تنتهي بصيحة الأمل الخفي. ربما كان أملاً في أرض غير موجودة. لكنه كائن:
يبقى الأمل المنشود
بعيداً جداً
يستوطن أرض اللاموجود
ولهذا فهي تستحث "أخا الروح" ألا يموت، وتراهن على الضوء والنكهة والمعنى. بل إن هذا الحب ـ لا إخفاقه ـ نوع من القدر، ولو حاولت أن تنأى عنه فسيظل في داخلها ما "يشدك قسراً إليه ـ بأي جناحين أنت تطيرين هاربة منه.."، وهي تستجيب لهذا القدر الجميل، فلا فرار من مواصلة الصراع مادامت محكومة بالشعر. والشعر، كالحب، علامة حياة، وله على قلبها "سطوة السيد والمولى الأمير" حتى لتتساءل أن تتساءل ونحن نعرف الجواب" ما الذي يمكن أن يفعله قلب يحب الحب للحب وللشعر وللمعنى الجميل". بهذا لا يفوت أوان اتساع البحر. وسيظل اللحن يعزف أخيراً لا آخراً. لتكون رسالة الشاعرة هي مواصلة الحضور في العالم. قد يكون هذا العالم بيتاً موحشاً. قد لا يكون أماً وليس فيه أهل. بل إن الحبيب يختفي صوته والصمت يسود، لكن للروح احتياطياتها الدفاعية الهجومية "فرحاً وموسيقى وأعياداً وأشعاراً وشمساً أشرقت في جنح ليل زمهريري طويل".. ولم ينتصر الزمهرير على شمس فدوى طوقان الدافئة، بل إن هذه الشمس من شأنها أن تحرس بدفئها تجارب الأجيال الراهنة والقادمة.
شجـون اللحن الأخير
حين دفعت شاعرة فلسطين الكبيرة فدوى طوقان، بمجموعتها هذه إلى النور، لم تكن تطلب تأكيد وجود هو مؤكد بألف علامة وإشارة. وكما قلت في البداية، لم تضع لحناً أخيراً لاختتام الرحلة، بل كانت في صميم سيرورتها التي أدت إلى هذه الخلاصة الشعرية. لقد ابتدأت حياتها الوجودية والشعرية بالقول: حياتي وعود، وحزن وديوان شعر وعود. وظل الحزن وديوان الشعر علامتيها المتجددتين باستمرار، حتى ليمكن للقارئ المجرب أن يعرف أن هذه القصيدة أو تلك، من شعر فدوى حتى لو لم يكن اسمها مطبوعاً، ولا يعني هذا أن في الأمر تكراراً، بل هو العمل على ثيمة فنية ذات خصائص مميزة. لكنها تحمل ثراءها في داخلها من خلال اتساع التجربة الوجودية والثقافية. على أن فدوى المرتبط اسمها بجملة التجديد في الشعر العربي المعاصر، تبدو في هذه المجموعة أحياناً، وقد خفت قبضتها التي لم تكن متسامحة مع العبارات التقليدية، فوقعنا على كلام من نوع "الأمل المنشود ـ وهزيم الرعود ـ المساء الكئيب ـ أخو الروح ـ النبراس المضيء ـ الغيث همى ـ حبي الطاهر ـ شغاف القلب ـ رجع الصدى ـ سهام القدر ـ كأس الموت المرة ـ انقشع الوهم" وقد يكون من حق الشاعر الحديث أن يستخدم أمثال هذه الكليشهات، لكن في إطار النص الغائب، حيث يستحضر المألوف شاهداً أو مفارقاً لغير المألوف. أما أن يتم استخدامها كما يستخدمها الذين ثار جيل فدوى عليهم، فهو نوع من التساهل الذي يحرج حساسية الحداثة. إلا أنه من حسن حظ الشعر أن مثل هذه العبارات كانت تمر لماماً في "اللحن الأخير"، ولم تتنازل الشاعرة عن أي انتصار جوهري مما أحرزه الشعر الحديث، فضلاً عن أنها أنجزت مجموعة شعرية متجانسة، حتى لتبدو قصيدة درامية يحكمها الصراع بين المد والجزر، والشد والجذب، والحزن والفرح، واليأس والأمل. وقليلة هي المجموعات الشعرية (مما نقرأ هذه الأيام) التي تنشغل بالوحدة العضوية لا داخل القصيدة،  فذلك من تحصيل الحاصل إذا كنا نطلب شعراً حقيقياً، ولكن من داخل المجموعة كلها. بل إن شعر فدوى كله، بهذا المعنى، هو قصيدة متصلة تتجوهر وتتأصل وتتجدد. إنها لا تركن للمناسبة، لكنها تستطيع أن تفجر من المناسبة فضاء شعرياً عابراً للزمن، كما فعلت في رثائها لأخويها إبراهيم ونمر، وفي قصائدها المرتبطة بفلسطين نكبة وسؤالاً وثورة وانتفاضة. وإذا لم تمر فلسطين بهذه المجموعة الأخيرة، فلأن السياق لم يقتض ذلك. ولكن: منذا الذي يزعم أن فلسطين لن تكون ساطعة الحضور لمجرد مرور اسم فدوى طوقان?
ثم ماذا? قد تفاجئنا فدوى، بعد غيابها، بأشعار كانت تخبئها ضمن ما وصفته بسر أسرارها. وقد لا نجد في أوراقها جديداً. وإن كنت أراهن شخصياً على "الكنوز" التي احتفظت بها من الأشعار "المحظورة" لشقيقها الشاعر الكبير ابراهيم طوقان. ومع ذلك تعالوا نعترف بأن هذه الثمانينية الرقيقة قد حرست الطفلة في روحها، وأبعدتها عن لواقط فضولنا. فهي التي قالت في واحدة من أجرأ ما كتبته النساء في الحب: حزني أعز وأقدس من أن يقال..
من حقها أن تأخذ حزنها معاً.. ولكن من ينكر أنها تركت لنا حزناً غير محسوب، لأن علينا منذ 12/12/2003 أن نواصل الحياة وليس فيها من فدوى طوقان إلا أشعارها التي توجتها باللحن الأخير.
------------
*شاعر فلسطيني
 

2 - مايو - 2007
نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0
 55  56  57  58  59