 | تعليقات | تاريخ النشر | مواضيع |
 | الزمخشري وكتابه أساس البلاغة7 كن أول من يقيّم
ونجد انتصاره لمذهبه حتى في "أساس البلاغة" جاء في مادة (ص ح ح) ما يلي: "وتقول: مذهب أهل العدل هو المذهب الصحيح، وهو الحق الصريح، وسائر المذاهب تُرّهاتٌ صَحاصِح، لا سدائد ولا صَحائح". ونشير بمناسبة ما ورد في "الأساس" من ذِكر المغاربة إلى ما تذكره بعض المصادر من أنّ الزمخشري رحل أول مرة من خوارزم إلى مكة لقراءة كتاب سيبويه على ابن طلحة اليابري(23)، وهو عالم مغربي أندلسي كان مجاورًا بمكة، وكان يدرّس النحو والكلام والتفسير، ويبدو من عقيدة له وصلت إلينا أنه كان كسائر المغاربة من أهل السنّة والجماعة، وكان له تلاميذ يبدو أنهم هم (أو تلاميذ أبي عبد الله المكناسي، إمام المالكية بالحرم الشريف)(24) الذين وقع بينهم وبين الزمخشري جدال فحماه الأمير الذي كان على مذهبه، وفي هذا يقول(25):
زأرتَ وراءَ دين الحق زأرًا= وقد نَبَحتْ كلابُ المغربِيّ ومَنْ يغضَبْ لدين الله يَجْمَعْ=مَراضِيَهُ إلى الأجر السَّنِيّ وليس الجبْرُ والتشبيهُ إلاّ =بقيّة إرثِ دِينٍ جاهِلِيّ فَقُمْ بالعـدل والتوحيدِ فيـه = تُقِمْ يا ابن النبيّ هدى النبيّ كما أشير إلى أنّ القاضي عياض السبتي استجاز الزمخشري فلم يجزه(26)، وكان هذا سببًا في حملة على الزمخشري نجدها مفصلة في "أزهار الرياض في أخبار عياض"(27).
| 17 - فبراير - 2008 | كناشة الفوائد و النكت |
 | الزمخشري وكتابه أساس البلاغة8 كن أول من يقيّم
أعود بعد هذا إلى استعراض بعض ما يوجد في "الأساس" من سماعات الزمخشري اللغوية خلال مجاورته بمكة وخروجه منها أحيانًا إلى بعض جهاتها، ومنها الطائف التي ذكرها أكثر من مرة، قال في مادة (ح م ط): "الطائف بلد النَّبِق والحَماط، وهو تينٌ صَغار مُسْتدير، ورأيتُ شجرَهُ هناك أدواحًا عِظامًا وكأيّن من حماطَةٍ قد استظلَلْتُ بها وقِلْتُ تحتها وأكلتُ من ثِمارِها". وقال في مادة (ب خ ن ق): "وتَبَخْنَقَت المرأةُ: تَبَرْقَعَتْ. وأمْلَتْ عليّ أمُّ هِبة أمّ مثوايَ بالطائف في كتاب استَكْتَبَتْنِيه إلى ابنتها بمكة: خَفِرة تقول لكم يا عمّتي: أشكو إليكِ حرّ العُرْي في وجهي فأرسلي إليّ مِن مخاضِب حِنّائِكُمْ ما أتبخْنَقُ به". ويستفاد من هذه الرسالة الطريفة ومن المادة قبلها أنَّ الزمخشري كان يقضي أيّامًا في الطائف. وقوله: "أمّ مثواي": يعني صاحبة المنـزل. وقوله: "فأرسلي إليّ من مخاضب حنائكم" يفسّره قوله في مادة (خ ض ب): "وأعطني من مخاضب حنائك، وهي خِرَق الخضاب". وقد تحدّث عن وجوده بالطائف مرة أخرى في مادة (ر خ د) فقال: "وحضرنا مِنْضَحة عَرَفَة بالطائف فأردنا أن نأخذَ شَيْئًا من قَضِّها، فقال عرَفَة: خُذوا من رَخَدِه، أراد من ضَعيفِهِ وناعمِهِ الذي هُو قريبُ عهد بالنجوم". والمنضحة: من نضح الرمان أو الزيتون، أي تفطّر. "وقريب عهد بالنجوم": أي بالطلوع والخروج والظهور. وتدل هذه الأخبار على معايشة الزمخشري ومخالطته أهل الطائف، ولعله كان يخرج إليهم في الصيف في صحبة الأمير أو تحت رعايته، وقد سجّل بعض عباراتهم، قال في مادة (أ ص ل): "وسمعتُ أهل الطائف يقولون: لفلان أصيلة، أي أرض تليدة يعيش بها".
| 17 - فبراير - 2008 | كناشة الفوائد و النكت |
 | الزمخشري وكتابه أساس البلاغة9 كن أول من يقيّم
ويقول في مادة ش ب ب: "وتقول: كان عصرُ شَبابي أحْلى من العَسَل الشبابي، منسوبٌ إلى بني شبابة من أهل الطائف"(28). ومن الطائف خرج -فيما يبدو- إلى بلدة تُرَبَة التي ذكرها في مادة (ت ر ب). قال: "ووطِئْتُ كل تُرْبة في أرض العرب فوجدت تُرَبَة(29) أطيب التُّرَب وهي واد على مسيرة أربع ليال من الطائف، ورأيت أناسًا من أهلها، وكان عندنا بمكة التُّرَبِيُّ الْمُؤْتَى بعض مزامير آل داود". ويستفاد من هذا النص أنّ الزمخشري لطول مجاورته أصبح يعدّ نفسه من أهل مكة، ويدل على ذلك قوله: "وكان عندنا بمكة"(30). ويبدو أنّ التُّرَبي صاحب الصوت الحسن كان يقرأ القرآن أو يؤذّن في الحرم. وقول الزمخشري: "وطئت كل تُرْبة في أرض العرب" يتجلّى في بعض ما دوّنه من لغة عرب زمانه. فمما سمعه من أهل الحجاز قوله في مادة (ج ر م): "ويقول .rأهل الحجاز: أعطيتُه كذا جَريمًا من التمر، وهو مُدُّ النبي وقوله في مادة (ح ر س): "ومن المجاز: فُلانٌ حارِسٌ من الْحُرّاس، أي سارِقٌ.. وقد رأيته سائرًا على ألسِنَةِ العرب من الحجازيين وغيرهم، يتكلّم به كُلُّ واحدٍ منهم، يقول الرَّجل لصاحبه: يا حارس، ما أنت إلاّ حارِسٌ، وحَسِبناه أمينًا فإذا هو حارس".
| 17 - فبراير - 2008 | كناشة الفوائد و النكت |
 | الزمخشري وكتابه أساس البلاغة10 كن أول من يقيّم
وقوله في مادة (ع هـ د): "ويقول أهل الحجاز: أبيعك الْمَلَسَى لا عُهْدة". والملَسَى أن يبيعَ الرجلُ الشيءَ ولا يَضْمَن عُهْدَتَه. وقوله واصفًا سمن أهل الحجاز في مادة (س ل أ): "وما دام السَّمْن خالصًا طَرِيًّا فهو سِلاء. وهو عند أهل الحجاز سَمْنُ الغَنَم الصّافي الرّقيقُ الطيِّبُ الرِّيحِ الذي يُشْبِه ماءَ الورْد في القَوارِير لا يغيِّرُهُ مرور الْمُدَدِ الطِّوال". والزمخشريُّ يسجّل هنا سمة حضارية عند أهل مكة تتمثل في العناية الشديدة بحفظ مادة أساسية تستعمل في عدد من الأطعمة. ولقد رأينا الزمخشري -فيما سبق- يدوّن بعض ما سمعه من كلام صبيان مكة وغيرها، وها هو في مادة (ن هـ ر) يدوّن كلمة سمعها من بعض الشحاذين، قال: "وسمعت من بعض شحاحذة الحجاز يقول لأصحابه: ليس الرَّجُلُ مَن يَكْتَرِثُ لأول نَهْرَة ولا الثانية ولا الثالثة". وهو هنا يحذو حذو الجاحظ الذي هو من مصادره ويروي عنه في "الأساس" أحيانًا كقوله في مادة (ق و ر): "وحَكى الجاحظ في كلام بعض الشُّطّار: لا يكون الفتى مُقوِّرًا، وهو الذي يقوِّر الجُرادِق فَيَأْكل أوساطها ويَدَع حُروفَها". ومن سماعاته من أهل الحجاز قوله في مادة (أ هـ ل): "وقد اسْتَأْهَلَ لذلك، وهو مُسْتَأْهِلٌ له. سمعت أهل الحجاز يستعملونه استعمالاً". وذكر في مادة (ك ر م) أنه طلب مرة خدمة من مدني، فقال: "نَعَمْ وكُرْمتَيْن. وقال في مادة (ج ر ح): "وكان يقول حاكم المدينة للخصم إذا أراد أن يوجّه عليه القضاء: قد أقصصتُك الجُرْحَة، فإن كان عندك ما تجرح به الْحُجّة التي توجَّهَتْ عليك فَهَلُمَّها، أي أمكنْتُك من أن تقصّ ما تَجْرح به البَيّنة" | 17 - فبراير - 2008 | كناشة الفوائد و النكت |
 | الزمخشري وكتابه أساس البلاغة11 كن أول من يقيّم
وقد استشهد الزمخشري أيضًا بما سمعه من غير المكيين والمدنيين والحجازيين. قال في مادة (خ ص ص): "وسَدَدْت خَصاصَة فُلان: جَبَرْتُ فَقْرَه، وسمعت أهل السَّراة(31) يقولون: رفع الله خَصَّتَك". وقال في مادة (ف ض و): "وسمعت عَدْوانية(32) تقول: طَلَبْنا الماء في بعض مسائرنا فوقعنا على فَضْيَة، وهي الحِسْيُ". وقال في مادة (و هـ ب): "وسمعت خادمًا من اليمامة(33) يقول وقد وكَفَ(34) السَّقْفُ: يا سيّدي، هل أهَبُ عليه التُّراب، بمعنى: هل أجعله عليه، وهو من الهِبَة؛ لأنّ معنى وهب له الشيء جعله له". وقال في مادة (م و هـ): "سمعت بالبادية كوفيًّا يقول لأعرابي: كيف ماوان(35)؟ قال مَيِّهَة. قال: أَمْيَه مما كانت؟ قال: نعم، أَمْوَه(36) مما كانت". وقال في مادته (ب د د): "ومن الكناية سمعت مرشد بن معضاد الخفاجي(37) يقول: خرجت أبدّد، كنى بذلك عن البول". وقال في مادة (و س ط): "واكتريتُ من أعرابي فقال لي: أعطني من سِطَاتِهِنَّه؛ أراد من خيار الدَّنانير". والمقصود أنه استعمل كلمة سِطَة محلَّ وُسْطى. ويشير النص إلى حرص الأعرابي وحذره من أن يغبن. وهو يستعمل أحيانًا عبارة "وسمعت العرب" أو عبارة "وسمعتهم يقولون" | 17 - فبراير - 2008 | كناشة الفوائد و النكت |
 | الزمخشري وكتابه أساس البلاغة12 كن أول من يقيّم
وأسوق بعض ما ورد من ذلك فيما يلي: - "وسمعت العرب يقولون: فلانٌ فَرْخٌ من الفُروخ؛ يريدون ولد زنا"(38). (مادة ف ر خ). - "وسمعتهم يقولون: وقعت هوشة في السوق وجفلة؛ وهو أن ينفر الناس لخوف يلحقهم". (مادة هـ و ش). - "وسمعتهم يقولون لمن فيه جربزة(39): ما هو إلاّ عُوَيرِف". (مادة ع ر ف). - "وسمعتهم يقولون: افتضحنا فيك؛ أي فَرّطنا في زيارتك وتفقدك". (مادة ف ض ح). - "وسمعتهم يقولون: أورنيه؛ بمعنى أرنيه". (مادة و ر ى). _ "وسمعتهم يقولون: أدخله الله في الكَبْس ولأدخلنه في الكَبْس؛ إذا قهره وأذلّه". (مادة ك ب س). - "وسمعتهم يقولون: فلان فَلِسٌ من كل خير". (مادة ف ل س). - "وسمعتهم يقولون: أخذت كذا بكذا، وزنة بوزنة". (مادة و ز ن). - "وسمعتهم يقولون: فلان يستحيط في أمره وفي تجارته، أي يبالغ في الاحتياط". (مادة ح و ط). - "وسمعتهم يقولون: حيّا الله سَبَلَتَك، وحيّا الله هذه السَّبَلَة المباركة". (مادة س ب ل). - "وسمعتهم يقولون: لا تُعَكِّس، لمن تكلّم بغير صواب". (مادة ع ك س). - "وسمعتهم يقولون لأهل مكة: الْمُكُوك"، واستولى على مكة مرة ناجم من بلاد نجد فطردوه، فلمّا خرج قال: خذوا مُكَيَّكَتَكُمْ". (مادة م ك ك). - "وسمعت العرب يقولون في المحاجاة: تَحَكَّيْتك". (مادة ح ك ك). - "وسمعت من يقول لكلام استهجنه: هذا كلام يُذْرَقُ عليه". (مادة ذ رق). - "وسمعت بعضهم : سبقك إليها عُكاشة(40)، وهو عكاشة بنuيقول: عَكَشْتُك؛ بمعنى سبقتك، من قوله مِحْصَن الأنصاري، سُمِّي بالعكاشة، وهي العنكبوت. مادة (ع ك ش). وهذا الاستعمال صادر -فيما يبدو- عن بعض أهل العلم الذين يعرفون الحديث، | 17 - فبراير - 2008 | كناشة الفوائد و النكت |
 | الزمخشري وكتابه أساس البلاغة13 كن أول من يقيّم
ومثله في مادة (ر ب ذ): "وسمعت من يقول: لَمّا أسمَعَهم الحق نبذوه بالرَّبَذة(41) كما يَنْبِذ الهاني الربذة". الهاني: الجمل المهنوء، أي المطلي بالهِناء والربذة: خرقة تعلق في أعناق الإبل. الإشارة إلى أبي ذرّ وخروجه من المدينة المنوّرة إلى الربذة، وهي قرية تبعد عن المدينة بثلاثة أيام. يقول ياقوت الحموي: "وفي هذا الموضع قبر أبي ذرّ واسمه جندب بن جنادة، وكان قد خرج إليها مغاضبًا لعثمان بن عفّان فأقامtالغفاري بها إلى أن مات في سنة 32". وقوله في مادة (ب ث ت): "وسمعت من يقول: الروح في القلب على سبيل الركز، وفي غيره على سبيل الانبثاث"(42). وقوله في مادة (ج ر ل): "سمعت من يقول: اللبن دم سلبته الطبيعة جِرْيالَهُ، أي حمرته"(43). وثمة في "الأساس" ألفاظ واستعمالات نسبها الزمخشري إلى أهل اليمن وأهل الكوفة وأهل البصرة وأهل إفريقية"(44). وفي "الأساس" أيضًا ألفاظ لا نعرف أين سمعها، مثل كلمة السنبوق، قال في مادة (ق ر ب): "وركبت في القارب إلى الفلك، وهي سفينة صغيرة تكون مع الملاّحين تستخفّ لحوائجهم، وسمعت أنهم يسمّونه السنبوك". ولعله سمع هذا في البصرة أو في جدة، وقد ورد ذِكر هذا الاسم بالصاد مرارًا في "رحلة ابن بطوطة"(45)، ووصفه بأنه قارب صغير، وذكر أنه ركب في الصنبوق مرة من جدة إلى عيذاب، وركب فيه مرة أخرى من ساحل البصرة إلى الأُبُلَّة، وذكر أنه لما وصل إلى مقديشيو لاحظ أنّ أهلها متى وصل مركب إلى المرسى تصعد إليه الصنابق. ويكون في كل صنبوق شبّان يعرضون على تجار المركب النـزول عندهم.
| 17 - فبراير - 2008 | كناشة الفوائد و النكت |
 | الزمخشري وكتابه أساس البلاغة14 كن أول من يقيّم
ولعل ما قاله الزمخشري عن السنبوق والملاّحين يدعو إلى إيراد وصفه سمك القرش، قال: "هو دابة عظيمة من دواب البحر يعرفها البحّارون، وقد سمعت خبرها الهائل من غير واحد منهم". وفي "أساس البلاغة" كلمات أخرى مولدة أو معربة، ومنها كلمة الطشتخان، جاء في مادة (ف ث ر): "فلان واسع الفاثور، وهو الخوان من رخام، وقيل: من فضة أو ذهب، وهو عند العامة الطشتخان"، وهي معرب طشتخاناه تتألف من طشت، أي حوض، وخانة: أي دار، وتدل أيضًا على المكان الذي تحفظ فيه متعلقات السلطان وعلى ما تغسل فيه الثياب(46). ومنها كلمة الفرجار التي ذكرها الزمخشري في مادة (د و ر)، قال: "وسوى الدائرة بالدوّار، وهي الفِرْجار". ونجد هنا كلمتين إحداهما عربية مولدة، وهي الدوار، ومعناها الآلة التي يستعملها الفخّارون لإفراغ الآنية وإخراجها في الشكل المطلوب، وقد استعملت في مَثَل عامّي أندلسي قديم دوّن في القرن السابع الهجري وهو: حساب القُلل على الدوار(47)، واستعملها الكاتب الشاعر المعروف ابن الخطيب السلماني في بيتين من الرجز يمدح فخّارًا رآه في مدينة سلا قال(48): يا مَن يفيد الطين كُلَّ صورة والفلـك الـدوار من دواره عن مُثُلٍ في علمه محصوره والنار تمضي حكمه ضروره وأمّا الكلمة الثانية فهي الفرجار التي جعلها الزمخشري مرادفة للدوار، وفي المعجم الوسيط: "الفِرجار آلة ذات ساقين ترسم بها الأقواس والدوائر"(49). وكما استعملوا في الأندلس كلمة "الدوار" العربية بدلاً من "الفِرجار" المعربة استعملوا كلمة "الضابط" العربية بدلاً من "البيكار" المعربة المستعملة في المشرق، وجمع ضابط: ضوابط، ورَدَ في شعر الرمادي الشاعر الأندلسي المعروف من القرن الرابع قال(50): كان انتشار القطر فيه ضوابط تدار على الغدران منه دوائر | 17 - فبراير - 2008 | كناشة الفوائد و النكت |
 | الزمخشري وكتابه أساس البلاغة15 كن أول من يقيّم
قال ابن سعيد بعد هذا البيت: "اسم البِيكار عند أهل الأندلس الضابط"(51)، والكلمة العامية المسموعة في المغرب اليوم هي الدابد(52). ومن الكلمات المعربة التي ذكرها الزمخشري في "الأساس" أيضًا كلمة الطارمة، قال في مادة (ط ر م): "ورأيته قاعدًا في الطارمة، وهي بيت من خشب كالقبة". وفي "المعجم الوسيط" أنّ الطارمة تعريب طارم بالفارسية(53)، وقد وردت هذه الكلمة في "الأغاني" لأبي الفرج. وفي "تكملة المعاجم العربية" لدوزي(54) تتبع لبعض استعمالات هذه الكلمة، وهي مستعملة في عاميتنا المغربية، وتطلق على حجرة صغيرة توضع فيها الأشياء التي لا يُحتاج إليها أو يستغنى عنها. ومن الكلمات المولدة في "الأساس" كلمة ربعة المصحف، جاء في مادة (ر ب ع): "وفتح العطار ربعته، وهي جونة الطيب، وبها سمّيتْ ربعة المصحف". وربعة المصحف وردت في عدد المصادر الأندلسية والمغربية. ومن الكلمات المولدة أيضًا ما ذكره الزمخشري في مادة (أ ز ر) قال: "ويُسمِّي أهلُ الديوان ما يكتب في آخر الكتاب من نسخة عمل أو فصل في بعض المهمات الإزار". ولم أجد هذه الكلمة فيما رجعت إليه. ومن هذه الكلمات: الفزّاعة، جاء في مادة (ل ع ن): "ونصَب اللَّعينَ في مَزْرعته، وهو الفَزّاعة". وفي مادة (خ ي ل): "ونصَب خيالاً في مَزْرعته، وهو الفَزّاعة". ولم ترد كلمة "فزَّاعة" في "القاموس" و"المعجم الوسيط"، وإنما يوجد فيهما كلمة الخيال. وقد وردت في مثَل أندلسي: بَحَل خَيال ما يموت حتّى يُحْرَق(55). وسأختم هذه الأمثلة بعبارة وردت في مادة (ي د ي)، قال: "وخَرَجَ كُتّاب العِراق من تحت يد صالح بن عبد الرحمن(56)، وهو كاتب الْحَجّاج، أي خَرَّجهم في الكتابة وعَلَّمهم طُرُقَها". وعبارة "خرجوا من تحت يد" عبارة عربية قديمة تغني عن قولهم: خرج من عباءة فلان، أو ما أشبهها من العبارات المحدثة. ولعل الأمثلة التي اقتطفتها من "أساس البلاغة" تدل على ما يشتمل عليه هذا المعجم من استطرادات مفيدة، كما تدل على تنبّه الزمخشري إلى لغة عامّة الناس في عصره، أي في القرن السادس الهجري، وهو شيء لا نجده إلاّ نادرًا عند أصحاب المعاجم القديمة. | 17 - فبراير - 2008 | كناشة الفوائد و النكت |
 | الزمخشري وكتابه أساس البلاغة16 كن أول من يقيّم
. ومما انفرد به الأساس "تخيّر ما وقع في عبارات المبدعين"، وقد استخرجها الزمخشري من "بطون الكتب ومتون الدفاتر"، وهي منتشرة في الكتاب من أوله إلى آخره، وتتبعها ونسبتها إلى أصحابها يستدعي بحثًا طويلاً. ونقدِّر أنّ هؤلاء المبدعين الذين لم يسمّهم الزمخشري هم من كتّاب القرن الثالث والرابع الهجريين وما بعدهما، ويبدو أنّ الزمخشري كان يرى أنّ عبارات المبدعين التي ظهرت في مقامات ابن دريد، والبديع، والحريري، تعدّ من أقوى الأساليب في اكتساب اللغة العربية علاوة على قيمتها الأدبية، ومن المعروف أنه ألّف لهذا الغرض "المقامات" و"أطواق الذهب" و"نوابغ الكلم" الذي نقل عنه في "الأساس"، جاء في مادة (ج د ب) ما يلي: "وفي نوابغ الكلم: مَنْ كان آدب، كان رَحْله أجدب". أمّا الشواهد الشعرية فقد التزم فيها الزمخشري بالقاعدة المعمول بها عند المعجميين السابقين، ما عدا بعض أبيات له أو أخرى أنشدها سماعًا من بعض معاصريه، فمن ذلك ما ورد في مادة (ح ب ل) وهو: "أنشد الزمخشري لنفسه قال: أنشدتُهما بِزَرُود(57): زَرُودُ بِحَبْلَيْها الطّويلَينِ(58) قَصّرَتْ زَرُودُ زَرُودٌ(59) لِلْقُوَى ما مَشَتْ بها حِبالَ القُوَى من رَكْبِها ورِكابِها أولاتُ القُوَى إلاّ انثنَتْ لا قُوى بها وجاء في مادة (ف ق ر): "وأفقرتك ناقتي، أعرتكها للركوب. أنشد الأصمعي: لَمّا خشيتُ على الإسـلامِ آفَتَهُمْ أَفْقَرْتُهُمْ مِن مطايا الموتِ ما رَكِبوا ولجار الله، رحمه الله: أَلاَ أَفْقَرَ اللهُ عبدًا أبَتْ ومَن لا يُعيـرُ قرا(61) مَرْكَـبٍ عليهِ الدَّناءَةُ أن يُفْقِرا(60) فَقُلْ: كيف يَعْقِرُهُ لِلْقِرَى؟!؟ وعبارة الترحم لعلها إضافة من ناسخ الكتاب. ومما أنشده لبعض معاصريه ما ورد في مادة (أ ذ ن)، قال: "وأنشدني بعض الحجازيين: وبتنا بقرواحيّةٍ لا ذرا لها فلا الصبحُ يأتينا ولا الليل ينقضي من الرّيحِ إلاّ أن نلوذَ بِكُورِ ولا الريحُ مأذونٌ لها بسُكُورِ(62)" | 17 - فبراير - 2008 | كناشة الفوائد و النكت |