مقال فى العبودية المختارة 00إتين دى لابويسيه (14)     ( من قبل 2 أعضاء ) قيّم
الأمر يصعب على التصديق للوهلة الأولى ولكنه الحق عينه ؛ هم دوما أربعة أو خمسة يبقون الطاغية فى مكانه ،أربعة أو خمسة يشدون له البلد كله إلى مقود العبودية ،فى كل عهد كان ثمة أربعة أوخمسة تصيخ أليهم أذن الطاغية ، يتقربون منه أو بقربهم إليه ليكونوا شركاء جرائمه وخلان ملذاته وقواد شهواته ومقاسميه فيما نهب 0 هؤلاء الستة يدربون رئيسهم على القسوة نحو المجتمع لابشروره وحدها بل بشروره وشرورهم 0 هؤلاء الستة ينتفع فى كنفهم ستمائة يفسدهم الستة مثلما أفسدوا الطاغية ، ثم هؤلاء الستمائة يذيلهم ستة آلاف تابع ، يوكلون إليهم مناصب الدولة ويهبونهم إما حكم الأقاليم وإما التصرف فى الأموال ليشرفوا على بخلهم وقساوتهم وليطيحوا بهم متى شأوا تاركين إياهم يرتكبون من السيئات ما لايجعل لهم بقاء إلا فى ظلهم ولابعدا عن طائلة القوانين وعقوباتها إلا عن طريقهم 0 ما أطول سلسلة الأتباع بعد ذلك !إن من أراد التسلى بأن يتقصى هذه الشبكة وسعه أن يرى لا ستة آلاف ولا مائة ألف بل أن الملايين يربطهم بالطاغية هذا الجبل ، مثل جوبيتر إذ يجعله هوميروس يتفاخر بأنه لو شد سلسلته لجذب إليه الآلهة جميعا 0 من هنا جاء تضخم مجلس الشيوخ فى عهد يوليوس قيصر وجاء خلق المناصب الجديدة وفتح باب التعيينات والترقيات على مصراعيه ،كل هذا يقينا لا من أجل إصلاح العدالة بل أولا وأخيرا من أجل أن تزيد سواعد الطغاة 0 خلاصة القول إذن ،هى أن الطغاة تجنى من ورائهم حظوات وتجنى مكاسب ومغانم فإذا من ربحوا من الطغيان ،أو هكذا هيىء إليهم ،يعدلون فى النهاية من يؤثرون الحرية 0 فكما يقول الأطباء أن جسدنا لايفسد جزء منه إلا انجذبت أمزجته إلى هذا الجزء الفاسد دون غيره كذلك ما إن يعلن ملك عن استبداده بالحكم إلا التف حوله كل أسقاط المملكة وحثالتها ، وما أعنى بذلك حشد صغار اللصوص والموصومين الذين لايملكون لبلد نفعا ولاضرا بل أؤلئك الذين يدفعهم طموح حارق وبخل شديد 0يلتفون حوله ويعضدونه لينالوا نصيبهم من الغنيمة وليصيروا هم أنفسهم طغاة مصغرين فى ظل الطاغية الكبير 0 هكذا الشأن بين كبار اللصوص ومشاهير القراصنة ؛ فريق يستكشف البلد وفريق يلاحق المسافرين ، فريق يقف على مرقبة وفريق يختبىء ، فريق يقتل وفريق يسلب 0 ولكنهم وإن تعددت المراتب بينهم وكانوا بعضا توابع وبعضا رؤوساء إلا أنه من أحد منهم إلا خرج بكسب ما ، إن لم يكن بالغنيمة كلها فيما انتشل 0 ألا يحكى أن القراصنة الصقليين لم تبلغ فقط كثرة عددهم حدا لم يجعل بدا من ارسال بومبى أعظم قواد العصر لمهاجمتهم بل هم فوق ذلك قد جروا إلى التحالف معهم عددا كبيرا من المدن الجميلة والثغور العظيمة التى كانوا يلوذون بها بعد غزواتهم لقاء بعض الربح مكافأة على إخفاء أسلابهم ? هكذا يستعبد الطاغية رعاياه بعضهم ببعض ، يحرسه من كان أولى بهم احتراس منه لو كانوا يساوون شيئا ، وهكذا يصدق المثل : لايفل الخشب إلا مسمار من ذات الخشب 0 هاهو ذا يحيط به قواسته وحراسه وحاملو حرباته ، لا لأنهم يقاسون الأذى منه أحيانا بل لأن هؤلاء الضالين الذين تخلى الله عنهم وتخلت الناس يستمرئون احتمال الأذى حتى يردوه إلى من أنزل بهم بل إلى من قاسوه مثلهم دون أن يملكوا إلا الصبر 0 غير أنى إذ أنظر إلى هؤلاء الناس الذين يجرون وراء كرات الطاغية لتحقيق مآربهم من وراء طغيانه ومن وراء عبودية الشعب على حد سواء يتملكنى أحيانا كثيرة العجب لرداءتهم وأرثى أحيانا لحماقتهم : فهل يعنى القرب من الطاغية فى الحقيقة شيئا آخر سوى البعد عن الحرية واحتضانها بالذراعين ? إذا جاز التعبير ، ليتركوا ولو حينا مطامعهم ، وليتجردوا ولو قليلا من بخلهم ، ولينظروا بعد ئذ إلى أنفسهم وليقبلوا على معرفتها ؛لسوف يرون عند ئذ أن أهل القرى والفلاحين الذين يحلو لهم دوسهم بالأقدام طالما استطاعوا وتحلولهم معا ماتهم معاملة أشر من معاملة السخرة والعبيد ، سوف يرون أن هؤلاء المستضعفين هم مع ذلك أسعد حظا وأوفر حرية بالقياس إليهم 0 فالأجير والحرفى وإن استعبدا يفرغان مما ضرب عليهما بأداء ما يطلب إليهما 0 ولكن الطاغية يرى الآخرين يتزلفون إليه ويستجدون حظوته ، فعليهم لا العمل بما يقول وحسب بل عليهم أيضا التفكير فيما يريد وغالبا ما يحق عليهم أن يحدسوا ما يدور بخلده حتى يرضوه 0 فطاعتهم له ليست كل شىء بل تجب أيضا ممالأته والإنقطاع له ويجب أن يعذبوا أنفسهم وأن ينفقوا فى العمل تحقيقا لمراميه 0 ثم لما كانت نفوسهم لا تلذ لهم إلا إذا لذت له ،فليتركوا أذواقهم لذوقه وليتكلفوا ما ليس منهم وليتجردوا من سليقتهم ، عليهم الانتباه لكلماته وصوته ولما يبدو منه من العلامات ولنظراته ، لينزلوا عن أعينهم وعن أرجلهم وأيديهم وليكن وجودهم كله رصدا من أجل تجسس رغباته وتبين أفكاره 0 أهذه حياة سعيدة ? أتسمى هذه حياة ? هل فى الدنيا شىء أقسى احتمالا ، لا أقول على رجل ذى قلب ولاعلى إنسان حسن المولد وإنما على كائن حظى بقسط من الفهم العام أو له وجه إنسان لا أكثر ? أى وضع أشد تعسا من حياة على هذا النحو لايملك فيها المرء شيئا لنفسه،مستمدا من غيره راحته وحريته وجسده وحياته ?0 |