مقال قى العبودية المختارة 00إتين دى لابويسيه (13) كن أول من يقيّم
ثم ماذا أقول عن مخرقة أخرى تلقفتها الشعوب القديمة كأنها نقد لازيف فيه ? لقد دخل فى اعتقادها أن إبهام بيروس ملك الإيبيريين كان يصنع المعجزات ويشفى مرض الطحال ، ثم جملوا القصة فأضافوا ان هذه الأصبع قد ظهرت سليمة وسط الرماد لم تصبها النار بأذى بعد أن احترق الجسد كله 0 هكذا يصنع الشعب نفسه الأكاذيب كيما يعود وليصدقها ، هذه الحكايات قد سجلها كثير من الناس ولكن على نمط لا يترك مجالا للشك فى أنهم لم يعدوا نقلها عما تردد فى جلبة المدن وعلى أفواه العامة 0منها أن فاسبا سيان رجع من آشور فمر بالأسكندرية متوجها إلى روما فصنع فى طريقه المعجزات : قوم العرج ورد البصر إلى الأعمى وأتى عجائب أخرى من هذا القبيل لا يغفل فى رأيى عن زيفها إلا من أصابه عمى يغلب عمى الذين ينسب إلى فاسباسيان شفاؤهم 0 إن الطغاة أنفسهم يعجبون لقدرة الناس على احتمال ما يصبه على رؤوسهم من الإساءة لإنسان مثلهم ، لهذا احتموا بالدين واستتروا وراءه ، ولو استطاعوا لاستعاروا نبذة من الألوهية سندا لحياتهم الباطلة 0 إليك بسالمونيوس الذى تروى العرافة فى ملحمة فرجيل أنه يرقد الآن فى قاع الجحيم عقابا له على هزئه بالناس إلى حد جعله يريد تقمص جوبيتر أمامهم 0 لحقه شديد العذاب إذا ابتغى 0 محاكاة جوبيتر رعده 0 فشد أربعة جياد صواهل إلى عربته الفانية 0 ثم علاها ممسكا بشعلة من النار الساطعة 0 وجرى فى سوق اليدا ناثرا الرعب بين سكانها 0 المجنون إدعى ملك السماء وإدعى بالصاج 0 محاكاة الرعد الذى يأبى دويه المحاكاة ؛ ولكن جوبيتر رماه بالصاعقة الحقة 0 فقلب عربته فى زوبعة من النار 0 غطتها هى وجيادها وبها وصاعقته 0 كان النصر قصيرا ولكن العذاب مقيم 0 فإذا كان هذا المأفون لا يزال يلقى هذا العقاب فى الدار الأخرى بينما هو لايعدو أن ركبته نزوة من الحمق فيقينى أن من تذرعوا بالدين تحقيقا لشروهم ينتظرهم كيل أعظم 0 أما طغاتنا نحن فقد نثروا فى فرنسا رموزا لا أدرى كنهها كالضفادع والزنابق والقارورة والشعلة الذهبية ، وكلها أشياء لا أريد أيا كانت ماهياتها أن أثير التشكك فيها ما دمنا ومادام أجدادنا لم نر مدعاة للارتداد عن تصديقها إذ وهبنا على الدوام ملوكا طيبين فى السلم شجعان فى الحرب حتى ليخال المرء أنهم وإن ولدوا ملوكا لم تسوهم الطبيعة على غرار الآخرين وإنما اختارهم الله القادر على كل شىء قبل أن يولدوا لحكم هذه المملكة والحفاظ عليها 0 وحتى لو لم يكن الأمر كذلك لما أردت الخوض فى الحديث عن صحة قصصنا ولانقدها نقدا دقيقا حتى لا أفسد جمالا قد يتبارى فيه شعراؤنا أمثال رونسار وباييف وبلاى الذين لا أقول أنهم حسنوا شعرنا بل خلقوه خلقا جديدا وبذا تقدموا بلغتنا تقدما يجعلنى أجرؤ على الأمل فى ألا تعود بعد ذلك لليونانية واللاتينية مزية عليها سوى حق الأقدم 0 فلا شك فى أنى سوف أسىء إلى نظمنا ( ولا أنكر أنى أستخدم هذه الكلمة طواعية لأنه إذا كان من الحق أن البعض قد جعل من النظم صنعة آلية فمن الحق أيضا أن هناك عددا كافيا من القادرين على استرجاع نبله ومقامه الأول )، أقول أنى أسىء إلى نظمنا لو أنى جردته من حكايات الملك كلوفيس الجميلة بعد أن رأيت بأى رشاقة وسهولة يسبح فيها وحى رونسار فى فرنسوياته 0 إنى أحس أثر الرجل فى المستقبل ، إنى أعرف توقد فكره وأعلم لطفه :لسوف يوفى الشعلة الذهبية حقها مثلما صنع الرومان بدورعهم : دروع السماء الملقاة على أرضنا كما يقول فرجيل ، ولسوف يرفق بقارورتنا رفق الأثينيين بسلة اريكتون ولسوف يجعل الناس تشيد بشعاراتنا مثلما شاد الأثينيون بغصن الزيتون الذى لا زلوا يحفظونه فى برج منيرفا 0لهذا كنت أتجاوز الحد يقينا لو أنى أردت تكذيب كتبنا وجريت فى مراتع شعرائنا 0 ولكنى أعود إلى موضوعى الذى لا أدرى كيف أفلت منى خيطه ألحظ أن الطغاة كانوا يسعون دائما كيما يستتب سلطانهم إلى تعويد الناس على أن يدينوا لهم لا بالطاعة والعبودية فحسب بل بالإخلاص كذلك 0 _فكل ماذكرت حتى الآن عن الوسائل التى يصطنعها الطغاة ليعلموا الناس كيف يخدمونهم طواعية إنما ينطبق على الكثرة الساذجة من الشعب 0 إنى أقترب من نقطة هى التى يكمن فيها على ما أعتقد زنبلك السيادة وسرها ويكمن أساس الطغيان وعماده 0 إن من يظن أن الرماحة والحرس وأبراج المراقبة تحمى الطغاة يخطىء فى رأيى خطا كبيرا 0 ففى يقينى أنهم إنما يعمدون إليها مظهرا وإثارة للفزع لا ارتكانا إليها 0فالقواسة تصد من لاحول لهم لاقوة على اقتحام القصر ولكنها لا تصد المسلحين القادرين على بعض العزم 0ثم أن من السهل أن تتحقق أن أباطرة الرومان الذين حماهم قواسوهم يقلون عددا عمن قتلهم حراسهم 0 فلا جموع الخيالة ولافرق المشاة ولا قوة السلاح تحمى الطغاة 0 |