هدى بركات : سيدي وحبيبي (1) كن أول من يقيّم
النص مأخوذ من رواية للكاتبة اللبنانية هدى بركات بعنوان : " سيدي وحبيبي " صدرت عن دار النهار للنشر في العام 2004 : المال .... المال ، أي هراء هذا . من ذا الذي سيعلمني درساً حفظته عن ظهر قلب . قضيت حياتي أتلقنه ، أشربه شرباً . من عذَّبه المال ونقصان المال في كل يوم من أيام عمره أكثر مني ؟ لكن سره انكشف الآن لي . لم أعد ذلك الرومنطيقي . أعرف كيف يفسد المال البشر ، كيف يمنحهم شعوراً كاذباً بالقوة والقدرة ، أعرف ذلك جيداً لأن الحصول على المال ، على الكثير منه ، على المزيد منه ، أمر سهل . أمره سهل وطريقه مفتوحة مضاءة سالكة ، كل الأصابع تشير إليها . الخارطة بسيطة واضحة والخط إلى المال ملوَّن على حدة . خارطة توزع مجاناً ، على الجميع . القوي القادر والنذل الجبان يستطيعان أن يغرفا من عدول الذهب الأصفر . أنا و" الروديو " نغرف أيضاً . يعرف " الروديو " أن بإمكاننا غرف المزيد ، بإمكاننا بلورة الخطط وتوسيع النشاط ، ولا يبدو أنه يفهم لماذا لا أفعل . يعرف أنه لا تنقصني الشجاعة لأقدم على أخطار أو رهانات محسوبة . يعرف أن بإمكاني أن أكون زعيماً حقيقياً ، لأكثر من شخص واحد ، لأكثر من مئة ... بإمكاني أن أفتح حزباً أو ميليشيا أو ... عصابة . و" الروديو " ينتظر . يعتقد أنها مسألة وقت وأني أتحضر وأتجهز لذلك اليوم الآتي لا بد . ويراني في أحلامه وزيراً وصاحب شركة كبيرة .... وهو نائب أو مدير الشركة . يحتار " الروديو " الرومنطيقي في رهانه عليّ .... وأتركه يحتار ... وينتظر . سيأتي ذلك اليوم ، وسأدخل حلم " الروديو " لكن من مكان آخر ، وبتعديلات طفيفة . تعديلات طفيفة على شكل تدرّج وارتقاء ، كما يحصل لمن يصعد سلالم المعرفة ، في الاطلاع والتدرب والدرس . كما يفعل أصحاب الاختصاصات العلمية . لن أدخل كالمتسلل . لن أدخل قبل أن أكون جاهزاً متمكناً عالماً . لن أعبر عبوراً سريعاً أو أقيم كضيف ثقيل دخيل ، فيخرجني أصحاب البيت ويلقون بي في تراب الأزقة . أريد أن أجلس إلى المائدة . لن أبقى ذلك اليتيم الفرحان الممتن للفتات . أريد أن أكون لئيماً محترفاً بين اللئام دون أن أفقد روحي . بل وأريد في نهاية المطاف ، أن أكون على رأس الطاولة وأن أكسر أنا نفسي الخبز وأوزعه عليهم . لست بعيداً عن ذلك ، لقد بدأت صعودي .... وملكوت أبي ليس بعيداً ... غريب ... لا أطمئن إلا لنفسي . حين أحادث نفسي هكذا وأخطط في رأسي يصبح كل شيء قابلاً للتحقق . لست حالماً أو طموحاً أرعن . لكن بي أشواقاً ورغبات كبيرة لا أعتقد أنها مستحيلة . ليست مستحيلة . وأنا لا أخلط بين الواقع والخيال . أعرف تماماً حدود الفاصلة بين الحلم واليقظة ، لكني لا أستسلم لبؤس العالم . لا يمكن أن يكون العالم كامداً هكذا ، أن تكون الحياة على هذه الضآلة ، على هذا الفقر في الخيال . إنها تبدو أحياناً ضيقة ، تبطىء النَّفَس ، وتضغط على الرئتين . تبدو مشروطة بسخافات كثيرة كأن من خارجها ، مثقلة بقوانين مختلفة يستسلم لها الجميع دون تفحص ، دون امتحان ودون مساءلة ... غير معقول . أجمل من هذا هي الحياة ، لا بدَ . وأكبر . أكثر اتساعاً وليناً وطواعية وخفة . أم تراها تبدو كذلك حين أكثر من تدخين الحشيش ؟ |