البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات ياسين الشيخ سليمان أبو أحمد

 50  51  52  53  54 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
-4-    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

 
يقود تردد الفقهاء في استخلاص حكم صريح أو تأكيد عقوبة السرقة المعروفة على منتحلي الأفكار والمال المكتوب إلى إهمال الأولين لهذا النوع من السرقة، لكن عذر أولئك أنهم عاشوا عهوداً أخرى، حصروا الأمانة فيها على النص الديني، ونظروا إلى الأدب والفن كنشاط ثانوي على هامش الحياة، فالرواية الأدبية بمفهوم بعض الفقهاء كذب واختلاق والبحث في النظريات الفلسفية والعلمية زندقة، لذا أظهروا أحكاماُ رادعة لمن يحاول أن يشوه النصوص الدينية بزيادة أو نقصان ولم يهتموا بأصالة سواها من النشاط الذهني، ومن أصول النقل والرواية ما ورد في كتاب الخطيب البغدادي (ت463هـ) «الكفاية في علم الرواية»، الذي حث على حفظ جهد الرواة وسلامة السند، والعبرة أن الخلل في نسبة النص يؤدي بالتالي إلى إمكانية تزويره، وهذا ما ترمي له جهود فضح السرقة الأدبية، لكي لا يشاع أدب مشوه وتشتهر بين الناس أسماء أدعياء.
ومع التساهل القديم في أمر السرقة الأدبية إلا أن الأولين احتفظوا بأصول التأليف، وإن كانوا لم يفقهوا استخدام أرقام الصفحات في تصانيفهم إلا أنهم كانوا يذكرون اسم المؤلف المتفضل عليهم، فأكثرَ الجاحظ من ذكر أرسطو وكتابه «الحيوان» وأكثر المؤرخون من ذكر الطبري ومحمد بن حبيب، وأكثر أصحاب السير من ذكر محمد بن إسحاق وابن هشام، بينما أمتنع آخرون من الاعتراف بفضل غيرهم، لأن الأمر يتعلق بنهب الكتاب كاملاً، وهذا ما فعله سعد الأشعري (القرن الثالث والرابع الهجريين)، إذ أدخل كتاب «فرق الشيعة» للنوبختي (القرن الثالث الهجري) كاملاً في كتابه «المقالات والفرق» بعد أن غيب اسم مصنفه، ومع ذلك وجد المعاصرون حيلة لستر هذه السرقة فأخذوا يذكرون كلمات وحروف ميزت ما بين المصنفين، وهي بالغالب حروف جر وعطف وعبارات استدراك.
يتبع

30 - يونيو - 2010
اخترتُ لك ، وأنتظرُ اختيارك.
-5-    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

 
كان خلو أحكام الفقه من حكم يحمي المال الفكري مقلقاً لكُتاب ومؤرخين، فهذا أبو الحسن المسعودي (ت346هـ) أضطر إلى استهلال وختم كتابه «مروج الذهب ومعادن الجوهر»، بالتحذير الآتي: «من حرف شيئاً من معناه، أو أزال ركناً من مبناه، أو طمس واضحةً من معالمهِ، أو لّبس شاهدةً من تراجمه، أو غيّره أو بدله، أو أنتخبه أو أختصره، أو نسبه إلى غيرنا، أو أضافه إلى سوانا، فوافاه من غضب الله، وسرعة نقمته وفوادح بلاياه، ما يعجز عن صبره، ويحار له فكره، وجعله مثلةً للعالمين، وعبرة للمعتبرين، وآية للمتوسّمين، وسلبه الله ما أعطاه، وحال بينه وبين ما أنعم به عليه من قوّة ونعمة مبدع السموات والأرض، من أي الملل كان والآراء، إنه على كل شيء قدير، وقد جعلت هذا التخويف في أول كتابي هذا وآخره» (مروج الذهب: 1ص19و5ص301).
وإن اكتفى المسعودي تضمين مروجه التخويف الآنف، فآخرون دفعهم قلقهم إلى دفن أو إحراق كتبهم أو رميها بالماء، وقد أعتبر ابن الجوزي (ت597هـ) هذا العمل من تلبيس إبليس (الكتاب). وقال أبو حيان التوحيدي، وهو يهم بإحراق كتبه: «فلي في إحراق كتبي أسوة بأئمة يُقتدى بهم، ويؤخذ بهديهم، ويُعشى إلى نارهم، منهم: أبو عمرو بن العلاء، وكان من كبار العلماء مع زهد في ظاهر، وورع معروف، دفن كتبه في بطن الأرض»(الكيلاني، رسائل التوحيدي). ولكن ليس كل مَنْ أتلف كتبه كان خشية من تحريفها أو سرقتها، فمنهم من اكتفى بعلمه منها، أو خاف من الملامة وسوء الفهم، أو لم يجد من يعتبر بها.
ظل الفقه متساهلاً مع السرقة الأدبية، حتى ظن بعض مقترفيها أنها ليست جنحة أو جناية، مع أن أدب السرقات ظهر مبكراً، بداية من القرن الثالث الهجري، وإن كانت بوادر هذا النوع من الأدب معروفة منذ العصر الجاهلي، مثلما أتضح في قول طرفة بن العبد:
ولا أغير على الأشعار أسرقها عنها غنيت وشر الناس مَنْ سرقا وما قاله القاضي الجرجاني (ت366هـ): «السرق أيدك الله داء قديم، وعيب عتيق، وما زال الشاعر يستعين بخاطر الآخر، ويستمد منه قريحته، ويعتمد على معناه ولفظه، وكان أكثر ظاهراً كالتوارد» (الوساطة بين المتنبي وخصومه)، وعدَّ أبو الفرج النديم (ت375هـ) من كتب أدب السرقات: «سرقات البحتري من أبي تمام» و«سرقات الشعراء» لابن طيفور(ت280هـ)، و«السرقات» لابن المعتز (ت 296هـ) وغيرها. وشغلت سرقات المتنبي (354هـ) كُتاب القرن الرابع الهجري. فصنف محمد بن الحسن الكاتب (ت388هـ) «الرسالة الموضحة في ذكر سرقات أبي الطيب المتنبي»، والحسن بن علي بن وكيع (ت393هـ) «المنصف في نقد الشعر وبيان سرقات المتنبي».
ولم يتوقف التأليف في سرقات المتنبي عند ذلك القرن، فألف أبو سعد العميدي (ت433هـ) «الإبانة عن سرقات المتنبي»، وأعتبر أشعاره منسوخة كافة، وعاب على أنصاره فتنتهم بمعانٍ مسلوخة، على حد زعمه، أما ابن بسام النحوي (ت542هـ) صاحب «سرقات المتنبي ومشكل معانيه»، فعده سارقاً من خمسين شاعراً. هذا في الشعر، الذي تنتشر عيونه سريعاً في الآفاق، ويجوز له ما لا يجوز لغيره من فنون الأدب، فليس هناك من بلوى تبريرية مثل بلوى «الضرورة الشعرية». أما النثر فانتشاره كان محدوداً، ونصوصه مقيدة، ويمكن للسارق أن يختفي وراء الألفاظ بسهولة، لذا قلت التهم الموجهة للناثرين. مع أن سرقات النثر تفوق سرقات الشعر بكثير، ومَنْ أعترف بفضل الآخرين ولو بإشارة عابرة لم يعد آنذاك سارقاً، وأحياناً قد يعذر المستفيد من عدم الاعتراف بصاحب الفضل عليه. فعبد الرحمن بن خلدون (ت808هـ) شيد فصول من مقدمته على هيكل رسائل إخوان الصفا، وكان ذنبه كبيراً لعدم إشارته إليهم بفضل أو سابقة، مثلما أعترف بفضل آخرين، أخذ عنهم الفكرة أو الرواية. وفي عصر الفضائح الأدبية أيضاً يُنقل عن المرزباني (ت384هـ) أنه أتهم المؤرخ محمد بن حبيب (ت245هـ) بقوله: كان «يغير على كتب الناس، فيدعيها ويسقط أسمائهم» (معجم الأدباء). بعد هذا، هل هناك ما يفعله الفقهاء والمشرعون لحماية المال الفكري، فيقفوا أمام ظاهرة السرقة العلمية والأدبية، فماعدا ما أوردنا من آراء لا أحكام عدد من الفقهاء لا نجد رأياً للفقه والمشرع في سارق الحروف، ولا قياس لهذه القضية ذات الآثار السلبية على العقول بمقاس سرقة الدرهم والدينار ومواد الكتابة، مثل الحبر والقلم، فإذا كانت هذه المواد محروسة بقطع اليد أو الحبس فلماذا لا يرقى الفقه، سانداً قوانين العقوبات، إلى حماية نواحي الإبداع الفكري والفني المختلفة؟
 
 انتهى

30 - يونيو - 2010
اخترتُ لك ، وأنتظرُ اختيارك.
موعظة بالغة    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم

تحياتي إلى جميع الإخوة الأحباب،
مقالة وعظية مؤثرة، نقلتها لحضراتكم من هذا الموقع المفيد. فاللهم احسن بفضلك ورحمتك خاتمتنا جميعنا. وكاتب المقالة، وفقه الله، من المفكرين الأتراك البارزين، وهذا موقعه:
http://harunyahya.com/arabic/index.php    
 
موتُ الإنســــان
 هل أنت على وعي بأنّ كل يوم يمضي من عمرك يقرّبك إلى الموت أكثر فأكثر، أو يقرّب الموت إليك أكثر فأكثر، مثلما هو الأمر مع جميع الناس، أو ربّما يقرّبك أنت إليه أكثر من أي شخص آخر. وكما أخبر الله سبحانه وتعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةٌ المَوْت ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)، (سورة العنكبوت، الآية 57). فكلّ من على وجه هذه البسيطة، ومن سوف يعيش عليها في المستقبل سوف يواجهون الموت بدون استثناء. بيد أنه بالرّغم من هذه الحقيقة فإنّ الإنسان يرى نفسه لسبب من الأسباب، بمنأى عن هذا المصير. لو أمعنا التفكير في طفل يأتي إلى العالم ليأخذ أول نفس له فيه،ورجل على قيد لحظات من الموت يلفظ أنفاسه الأخيرة، فلا الذي ولد له دخل في ولادته ولا الذي يَموت كذلك اختار هذا المصير. فالأمر كله لله وبيده سبحانه، فهو المالك المتصرف وبيده القوة في نفخ الروح فيبعث فيها الحياة أو يقبضها فتنتهي بالموت. وقد صور الله تعالى حال بعض بني البشر تجاه الموت حين قال تعالى في سورة الجمعة في الآية 8: (قُلْ إِنَّ المَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ منه فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فينبئكم بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).  يتجنب أغلب الناس التفكير في الموت, وخلال أحداث اليوم المتلاحقة, يغرَقُ الشّخص في دائرة متشعّبة من المواضيع المختلفة: فبأي جامعة سيدرس, وفي أيّ شركة سيعمل, وما لون اللّباس الذي سيرتديه في الصباح التالي, وما الّذي سيأكله؟ هذه هي أهم المشاغل التي تملأ أذهاننا. فالإنسان يعتقد أن الحياة لا تعدو أن تكون هذه الأشياء. لقد اُعتبر الحديث عن الموت أمرًا ثانويًا، وأيّ محاولة للحديث عن الموت كثيرًا ما تتعرض للمقاطعة من قبل الأشخاص الذين لا ترتاح أنفسهم ولا تطمئن لمثل هذا الموضوع, فعادة ما يعتقد الإنسان أنه لن يموت إلاّ بعد أن يتجاوز الخمسين أو الستين من العمر، أما الشباب فلا يريدون أن يخوضوا في مثل هذه المواضيع "المنغّصة". والحال أن أحدًا لا يضمن لنفسه أن يعيش ولو ثانية. فكل يوم تطالعنا الصحف والقنوات التلفزيونية بشتّى الأخبار عن الموت. وكل إنسان عادة ما يكون شاهدا على أقرباء له ماتوا، لكنه لم يفكر أن الآخرين سوف يكونون يومًا ما شهودًا على موته هو نفسه.  ولكن عندما يأتي الموت نجد أن كل "حقائق" الحياة تتلاشى فجأة, لن يترك الموت منك أي أثر. فكر في حالك الآن؛ عيناك اللتان تُفتحان وتُغمضان، حركات جسمك، قدرتك على الكلام، قدرتك على الضحك، بمعنى فكر في جميع وظائفك الحيوية. ثم فكر مرة أخرى في حالك وقد خرجت روحك وأصبح جسمك جثة هامدة، استحضر هذا أمام عينيك. سوف تصبح جثة هامدة لا تعرف ماذا يحيط بك وما يدور حولك، هكذا سوف ترقد. سوف يُحمل جسمك من قبل أناس آخرين، وسوف يعتبرونك مجرد "قطعة لحم". وعند إعداد التابوت الذي سوف تحمل فيه إلى المقبرة يتولى أحد الأشخاص تغسيلك، ثم يلفّونك في قماش أبيض، ثم توضع في تابوت من الخشب. وعندما تنتهي المراسم في الجامع تُحمل ويُذهب بك إلى المقبرة، وبعد ذلك توضع على قبرك قطعة من الحجر كتب عليها تاريخ ميلادك وتاريخ وفاتك. وسوف يلقى بك مع الكفن داخل الحفرة التي أُعدت لك، وتوضع فوقك قطعة من الخشب ثم يُهال عليك التراب. وبعد أن يواروك بالتراب جيدًا، تنتهي مراسم الدفن على هذا النحو. في الأيام الأولى تكون الزيارات إلى قبرك كثيرة، ثم تتناقص لتصبح مرة كل عام، وبعد ذلك تُنسى ولا يَحتفل بك أحدٌ. وبالإضافة إلى كلّ هذا سوف لن يكون لديك علم حتى بهذه الزّيارات. غرفتك التي مكثت فيها لسنوات، وسرير نومك الذي نمت فيه سوف يفقدانك. وبعد أن تغادر جنازتك المنزل بمدة سوف توزع أشياؤك الخاصة وتعطى إلى من هم في حاجة إليها. وسوف يذهب أهلك إلى إدارة النفوس ويطلبون شطب اسمك من هذه الدنيا.ربما يَذكرك بعض النّاس في الفترات الأولى بعد موتك، وربما كان هناك مِنْ خلفك من يبكيك. بيد أنّ الزمن كفيل بأن يُذهب ذِكرك من بين الناس شيئًا فشيئًا. وبعد عقود قليلة من الزّمن لن يبقى في هذه الدّنيا التي عشت فيها "زمنا طويلا" من يتَذكرك.ومع ذلك، وحتى أقاربك ومعارفك الذين تركتهم خلفك بعد موتك لا يفيد شيئًا إذا تذكروك أو نسوك لأنهم هم أيضًا سوف ينْفضّون من هذه الحياة ويغادرونها واحدًا بعد آخر. وفي الوقت الذي تتالى فيه الأحداث على الأرض يبدأ جسمك الموجود تحت التراب في عملية تحلل سريعة. سوف تهبّ الحشرات والديدان لتنهش جسمك، وسوف ينتفخ بطنك بسبب الغازات التي تملؤه، وهذا الانتفاخ سوف يسري في كل جزء من بدنك، ويصبح جسمك على هيئة لا يَعرفها أحد. وعلى إثر ذلك يحدث ضغط من قبل هذه الغازات على الحجاب الحاجز فتبدأ رغوة ممزوجة بالدّماء تخرج من فمك وأنفك. ومع تهرؤ الجسم يتناثر الشعر وتنقلع الأظافر من أماكنها وتتمزق راحة اليد وظهرها.بالإضافة إلى هذه التغيرات الخارجية، سوف يدبّ الفساد كذلك في الأعضاء الداخلية. وفي الواقع فإن الموقف المخيف سوف يحدث هنا، فالغازات المتجمعة في أنحاء البطن سوف تفجر أضعف نقطة فيها، ثم تنتشر من الجسم روائح كريهة لا يمكن أبدًا تحمّلها. وفي هذه المرحلة تبدأ العضلات في الانفصال عن أماكنها بدأً من الرأس، ثم يتحلل الجلد والأجزاء الأخرى اللينة منه، ثم يبدأ الهيكل العظمي في البروز. وبعد ذلك، يتحلل الدماغ تمامًا ويتحول شكله إلى شكل طين. أما العظام فينفصل بعضها عن بعض، ثم يبدأ الهيكل العظمي في الانفراط ... وتتواصل هذه العملية على هذا النحو إلى أن يتحول جسمك إلى خليط من التراب والعظام. نعم، لن يكون من الممكن العودة ولو لثانية واحدة إلى الحياة التي كانت قبل الموت؛ التقاء مع الأسرة، ولقاء مع الأصدقاء ولهوٍ معهم، ولن يبقى أمل في الترقّي إلى أعلى المناصب. نعم، إن الجسد سوف يتناثر في القبرِ، ويُصبح عبارةً عن هيكل عظمي. وباختصار، فالجسم الذي يمنحك هويتك، وبه تقول "أنا" سوف ينتهي بنهاية كريهة جدًّا. وأنت، باعتبارك روحا في حقيقتك سوف تكون قد غادرت جسدك منذ زمن. أما الجسم الذي خلفته وراءك فإنه سوف ينتهي إلى مصير مُرعبٍ للغاية.حسنا، ما هو السبب في كل هذا؟  لو شاء الله تعالى ما أحال جسم الإنسان بعد الموت إلى هذه الحالة،بيد أن لهذا الأمر معنى كبيرًا.أولا، يتعين على الإنسان أن يفهم أن حقيقته ليست عبارة عن بدن، وأن هذا البدن لباسٌ أُلبسه لوقت محدّد، وعليه أن يفهم ذلك من هذه النهاية المُفزعة.وعليه كذلك أن يَشعر أنّ وراء هذا الجسم وجود آخر.ثانيا، على الإنسان أن ينتبه إلى فناء بدنه، وعليه أن يفكر في الأشياء التي يتمسك بها في هذه الدنيا الفانية وكأنه سيعيش فيها أبد الدهر، وعليه أن يتأمل في عاقبة هذا البدن الذي يدفعه لكي يَحني قامَتَه من أجل تلبية جميع رغباته. هذا الجسم، لابد وأن يتمزّق يومًا تحت التّراب، سوف يفسد ويصبح عبارة عن هيكل عظمي. قد لا يكون ذلك اليوم بعيدًا، ربما يكون على بعد قدم..لكن بالرغم من كل هذه الحقائق فإن في داخل الإنسان ميلٌ إلى ألا يفكر في الأشياء الكريهة التي تنفر منها نفسه، هناك رغبة في تجاهل مثل هذه الأمور واعتبارها غير موجودة. وهذا ما يتجلى جيدًا، وبشكل خاص عندما يتعلق الموضوع بالموتِ.ومثلما ذكرنا، فالموت لا يذكره الناس إلا عند فقدان أحد الأقارب أو في ذكرى موت أحدِِهم. فالجميع تقريبًا، يرون الموت بعيدًا عنهم. فهل الذين يموتون وهم يسيرون في الطرقات أو ينامون على فرشهم يختلفون عنه في شيء؟ أم لأنه "مازال شابًا"، وسوف يعيش"طويلا"؟ ولكن كم من الناس تعرضوا لحوادث وهم ذاهبون إلى مدارسهم أو كانوا يسرعون من أجل المشاركة في اجتماع مهم فهلكوا، وكم من الناس تلقّفهم مرض لم يكن يخطر على بالهم فماتوا في وقت لم يكن في حسبانهم على الإطلاق، وهؤلاء جميعًا قبل موتهم ربّما كانوا أيضًا يرون أنّ الموت بعيدٌ عنهم. فبينما كانوا يعيشون بين الناس، إذ بالصّحف في اليوم التالي تذيع خبر وفاتهم فيَبهتُ الناس لأن هذا الأمر لم يكن يخطر ببالهم.ومن الغريب أنكم أنتم أيضًا قد لا تضعون احتمال موتكم بعد تقرأوا هذه الأسطر بمدة قصيرة؛ فالأمور التي يَجب أن تُعمل والأعمال التي ينبغي أن تَتم تجعل الموتَ بالنّسبة إليكم أمرًا سابقًا لأوانه ولم يحنْ موعدُه بعد. والواقع أن كل هذا هُروب من الحقيقة، وقد أخبرنا الله تعالى أنه لنْ يجديَ صاحبه شيئا: (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمْ الفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَو القَتْلِ وَإِذًا لاَ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً) (سورة الأحزاب: 16).على الإنسان أن يدرك أنه جاء إلى هذه الدنيا "عاريًا"، وسوف يخرج منها "عاريًا". ولكنه بعد أن يولد بمدة قصيرة يبدأ في التمسك بالنعم التي تُمنح له-لسدّ حاجياته- تمسكًا مبالغًا فيه حتى يصبح الحصول على هذه النعم أكبر هدف في حياته.والحال أنّه لا أحد يمكن أن يحمل معه بعد موته لا ملكه ولا ماله الذي كان يملكه.كلّ ما في الأمر أنه سوف يُلف في خرقة بيضاء من بضعة أمتار ويُوارى فيها التراب. ويأتي الإنسان إلى هذه الدنيا "عاريًا" ويخرج منها كما دخلها"عاريًا"، ولن يرافقه إلى الآخرة سوى إيمانه بالله تعالى أو إنكاره له.
 
Jun 11, 2009

3 - يوليو - 2010
اخترتُ لك ، وأنتظرُ اختيارك.
رحمه الله وغفر له    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

رأي الوراق :

 على هذا الرابط   http://www.alriyadh.com/2010/07/08/article541599.html توجد المقالة التالية:
 
 

نصر حامد ابو زيد.. أو في رثاء الغرفة 1201


نصر أبو زيد
علي سعيد
    لا يحضر نصر حامد أبو زيد في ذاكرتي بوصفه مفكرا عربيا لامعا وحسب وإنما إنسانا ومثقفا وشجاعا من طراز فريد.. هذا ما تكشف لي أثناء لقائي الصحفي معه ومن خلال مجموعة اتصالات ورسائل الكترونية كان آخرها قبل أشهر وتحديدا بعيد منعه من دخول الكويت. عندما أجاب على رسالة مني بالقول: لا تخشى أنا أكثر قوة وكل ما حدث لا يؤثر فيني.
كان العام 2005 دمويا على المستوى العربي، حيث العنف والأحداث الإرهابية استشرت من العراق وانتشرت إلى أكثر من بلد. في أواخر العام زار أبو زيد دمشق عابرا بعد أن جاء من حلب التي شارك فيها بندوة حول محمد عبده. كنت أتوق لأن أعرف أين يسكن كي التقيه، لم أفكر في هذا الأمر من منطلق صحفي أبدا، وإنما كنت أود الاقتراب والتعرف على هذا الذي شغل الدنيا والعقول بفكره ومواقفه وأعجبتني كتاباته ومقالاته.
بعد أن أجابني موظف الاستقبال في الفندق الدمشقي قائلا: نصر حامد أبو زيد في الغرفة (1201)، لم أتردد في أن أهاتفه من ذلك الجهاز الموضوع على طاولة البهو الصغير. لحظات حتى سمعت صوته: نعم أنا نصر أبو زيد. عرفته بنفسي ليس كصحفي شاب وإنما كتلميذ سعودي في كلية الإعلام بجامعة دمشق وكمتتبع لكتاباته وطلبت أن التقيه، ولأن الوقت كان في المساء، طلب مني أن أعود صباحا في الساعة الحادية عشرة.
رجعت إلى كتبه المتناثرة في حجرتي الدمشقية منذ أيام وأعدت تحضير الأسئلة والأفكار والبحث والخربشة على هذه الفكرة أو اقتباس تلك المقولة، إلى أن غفوت في ساعة متأخرة من الليل، لأصحو باكرا وأجدني متسمرا في بهو فندق (الفردوس تور) قبل الموعد بعشرين دقيقة، وقبل أن تصل الساعة الحادية عشرة؛ اتصلت بغرفته فلم يرد أحد. فقلت ربما نسي الموعد؛ مفكرٌ مثل نصر حامد ابو زيد كيف سيلتفت لشاب لا يعرفه، وربما لدوافع أمنية لن يقابل الغرباء وخاصة أنه مهدد بالقتل باستمرار ودمشق قريبة من سخونة بغداد. ثم تركت هواجسي قرب هاتف البهو وسألت موظف الاستقبال، فأجاب: إنه الآن يتناول الإفطار.
سلمت عليه وأخبرته بقدومي وجلست وحيدا في البهو أنتظره. عندما نزل ببطء عبر الدرج الحلزوني، ذهبت لأسلم عليه، ففوجئت بأن بضعة رجال وسيدة قد جاؤوا للقائه، فانهار أملي ثانية في أن يتفرغ للقائي؛ إلا أن الدكتور بعد أن رحب بهم، اعتذر منهم جميعا، لأنه مرتبط بموعد مع صديق من السعودية. وقتها ارتفعت معنوياتي وسط الحيرة وعدم التصديق. ثم انزوينا على أريكتين قريبتين وبدأنا نتحدث ليتطور الحديث إلى نقاشٍ بدأ يكتشف فيه مدى اهتمامي المعرفي فيه ويتعرف على شاب سعودي لم يأت إلا من أجل الفكر المستنير الذي بداخله وليس لالتقاط صورة تزين مباهاةً جدار حجرة الضيوف!.
وبعد أن مرت ربع ساعة تقريبا، صارحت أبو زيد بنيتي أن أبدأ حوارا صحفيا معه. لم يسألني كالبقية لأي صحيفة، فقط قال لي ما رأيك أن نصعد عندي في الغرفة (1201) حيث الوضع أكثر هدوءاً. لم أصدق طلبه، وإذا بالغرفة التي تعرفت برهبة على أزرار الاتصال بها، ستفتح ذراعيها لزائر وصديق جديد. كانت الغرفة الصغيرة مطلةٌ على جبل قاسيون وكان البلور الزجاجي باردا في ذلك الشتاء التشريني، إلا أن سخونة النقاش والجدال والأفكار عبرت بنا مختلف الفصول في حوارٍ مسجلٍ امتد ساعة ونصف الساعة، انطلقت فيه من تلك اللحظة الزمنية أي بعد عشرة أعوام في المنفى وعن جديده البحثي مبتعدا عن الحديث في قضيته والتي استهلكت صحفيا، فضلا عن أنه كان يشمئز من تكرارها، منتقلا إلى محاور كنت أرى أنها مهمة؛ لأني التقطت في فكر أبو زيد قدرة كبيرة على تحليل الظواهر والخطابات الحالية وليس التاريخية فقط، ليكشف لي في الحوار ولأول مرة، بأنه تلقى عبوة ناسفة وليس تهديدا بالقتل عبر طرد ملغوم أرسل خطأً إلى الجامعة التي لا يدرس فيها في مدينة اوترخت الهولندية، رافضا بشدة طلب الشرطة هناك أن توضع له حراسة بعد أن رفض ان يحمل أي جواز سوى الجواز المصري رغم غضبه على مصر كما قال لي في ذلك اليوم. كان حوارا مؤثرا، اكتشفت فيه أنني أمام معلم وإنسان لا مفكر وحسب، يعتني بالشباب ويراهن عليهم ويمنحهم الحب والوقت.
ثم التقيته في اليوم التالي وأوصلته المطار وحيدا ولم تنقطع الاتصالات وإن تباعدت زمنيا، حيث كان يرد علي ويزودني بدراسات له وكنت أرسل له مقالا أو حوارا أو تقريرا لي، فيرد مسجلا إعجابه أو تاركا بلطف ملاحظته السريعة والثاقبة.
عندما عرفت بدخوله المستشفى، خفت عليه فهو لم يكن في أحسن الأحوال الصحية، رغم تحدي روحه الشجاعة لجسده وألف جسد. إلا أن نبأ موته كان صاعقا.. وتساءلت لحظتها: أي فيروس طائشٍ سيقنعنا برحيلك.. كيف تذهب أيها المعلم في لحظة قاتمة ونحن لا نزال ننتظر منك الكثير.. الكثير. سوف تحضر أيها الراحل الباقي في ذاكرتي وأنت تسجل انحيازك المطلق للعقل بابتسامتك الحنونة وضحكتك المازحة والمدوية في الغرفة (1201). وأخيرا، أي حزنٍ سيكفي لرحيلك وأي رثاءٍ وأنت قد رحلت!.

10 - يوليو - 2010
ساعة الفجر الحزينة
عن موقع " العربية نت "    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

رأي الوراق :

 
الإثنين 23 رجب 1431هـ - 05 يوليو 2010م
صاحب أشهر قضية ردّة وتفريق عن الزوجة

نصر أبوزيد إلى مثواه الأخير.. وقصة تكفيره تعود للجدل

شاهين صاحب تقرير أدى لحكم بردّة أبوزيد (يمين)
شاهين صاحب تقرير أدى لحكم بردّة أبوزيد (يمين)
 
دبي - فراج إسماعيل، القاهرة - أميرة فودة
15 عاماً ما بين خروج الدكتور نصر حامد أبوزيد من مصر إثر الحكم بردته وتفريقه عن زوجته، ثم وفاته فيها بعد فترة مرض قصيرة لم تمهله طويلاً.

في هذه الفترة التي شهدت في بدايتها حالة جدل شديدة لم تقتصر على مصر فقط بل امتدت عربياً وعالمياً خصوصاً بعد خروجه اختياريا إلى هولندا مع زوجته وزميلته في جامعة القاهرة الدكتورة ابتهال يونس، كانت قصة التكفير أهم ما فيها، فهي أشهر قضايا تكفير الكتاب في القرن العشرين، إذ صدر فيها حكم قضائي نص على تفريقه عن زوجته بناء على دعوى حسبة اعتبرته مرتداً.

وتسبب هذا الحكم والجدل حوله في إلغاء قضايا الحسبة من هذا النوع في ما بعد. إلا أن المثير أن الدكتور عبدالصبور شاهين، صاحب التقرير الذي استندت إليه الدعوى القضائية، أنكر في ما بعد أنه قام بتكفيره، وهو ما يعني عودة الجدل حول هذه القضية حتى بعد وفاته.

ويشيّع الدكتور نصر حامد أبوزيد إلى مثواه الأخير في مسقط رأسه بقرية قحافة في مدينة طنطا، الاثنين 5 يوليو (تموز)، وتوفي صباح اليوم نفسه في أحد مستشفيات مدينة 6 أكتوبر غرب القاهرة.

وكان الدكتور نصر أبوزيد قد عاد إلى مصر منذ أسبوعين من الخارج بعد إصابته بفيروس غريب فشل الأطباء في تحديد طريقة علاجه، وقد دخل الراحل في غيبوبة استمرت عدة أيام حتى وافته المنية.

ورفضت زوجته ابتهال يونس قبل أيام الإشارة إلي أي تفاصيل تتعلق بطبيعة الفيروس الذي أصاب زوجها، لكنها أكدت أن حالته حرجة جداً، وأن زيارة الصحافيين أو غير الصحافيين ممنوعة عن المفكر المعروف في كل الأحوال.

وأبوزيد مولود في قحافة، وهي إحدى قرى طنطا في العاشر من تموز (يوليو) 1943، وأنهى دراسته في قسم اللاسلكي عام 1960، وعمل بضعة سنوات حتى استطاع أن يوفر لنفسه فرصة الدراسة الجامعية.

وحصل على الليسانس من قسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب جامعة القاهرة 1972 بتقدير ممتاز، ثم ماجستير في الدراسات الإسلامية عام 1976 بتقدير ممتاز، كما حصل على دكتوراه في الدراسات الإسلامية كذلك عام 1979 من الكلية ذاتها.
عودة للأعلى
يوسف القعيد
وكان أبوزيد أثار زوبعة في تسعينيات القرن الماضي بكتاباته في الفكر الإسلامي والديني ومعارضته سلطة النص المطلقة، أدت إلى صدور قرار من محكمة الأحوال الشخصية بتطليقه من زوجته الدكتورة ابتهال يونس، أستاذة الأدب الفرنسي في جامعة القاهرة، بعد أن اعتبر مرتداً عن الإسلام، فاضطر للجوء معها إلى هولندا إثر هذا الحكم.

وأصدر أبوزيد العديد من الكتب من أهمها "الاتجاه العقلي في التفسير دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة" و"فلسفة التأويل دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي" و"أنظمة العلامات فى اللغة والأدب والثقافة مدخل إلى السميو طيقا" و"مفهوم النص دراسة في علوم القرآن".

وعندما قدم أبو زيد أبحاثه بعنوان "نقد الخطاب الديني" للحصول على درجة الأستاذية تكونت لجنة من أساتذة جامعة القاهرة أبرزهم رئيسها د. عبدالصبور شاهين، الذي اتهم في تقريره أبوزيد بالكفر، وحدثت القضية المعروفة التي انتهت بمغادرته مصر إلى المنفى، منذ 1995 بعد حصوله على درجة أستاذ بأسابيع.

وانشغلت الأوساط العلمية والفكرية في مصر والعالم العربي بالقضية، خصوصاً أن د. عبدالصبور شاهين أرفق اتهامه بالردة لأبي زيد تقريراً تضمن "العداوة الشديدة لنصوص القرآن والسنة والدعوة لرفضهما. والهجوم على الصحابة، وإنكار المصدر الإلهي للقرآن الكريم، والدفاع عن الماركسية والعلمانية وعن سلمان رشدي وروايته (آيات شيطانية)".

وعلى إثر هذا التقرير نشأت معركة فكرية واسعة بين أنصار أبوزيد وبين المؤيدين لتقرير شاهين، وطالبته لجنة مكونة من 20 عالماً من الأزهر بإعلان التوبة عن بعض الأفكار التي وردت في كتابه "مفهوم النص" ورأوا أنها مخالفة لأحكام الدين الإسلامي.

إلا أن الدكتور عبدالصبور شاهين نفى نفياً قاطعاً في عام 2010 في حوار أجرته معه جريدة "الدستور" المصرية أن يكون قد كفر أبوزيد وقال: "لا يمكن أن أورط نفسي في هذا الاتهام البشع، لأن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - يقول: (من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما)، وكلنا سنحاسب بين يدي الله تبارك وتعالى، وما كتبته في التقرير الذي أقرته اللجنة العلمية وأقره مجلس الجامعة كان تقييماً علمياً موضوعياً لأعمال الباحث، فنحن نفحص بحثاً لا باحثاً، ولم أتعرض في تقريري لعقيدة الباحث أو دينه، فهذا أمره إلى الله سبحانه وتعالى ولا شأن لي به".

وأضاف "الموضوع ببساطة أن نصر أبوزيد تقدم آنذاك بإنتاجه العلمي للترقية إلى درجة أستاذ، والطبيعي أن يقوم أعضاء اللجنة العلمية بفحص إنتاج الباحث وتقييمه، ويقرأ الأساتذة الفاحصون الإنتاج ثم يحكمون عليه كما يحكم القضاة بكل نزاهة وضمير القاضي، دون اعتبار لأي شيء إلا تحقيق العدالة وأن يصل الحق إلى مستحقيه، وقد قدمت تقريري عندما اجتمعت اللجنة، ثم أرسل هذا التقرير إلى الكلية ثم إلى مجلس الجامعة الذي اعتمد التقرير الجماعي، وكان ملخص التقرير أن الأعمال التي تقدم بها الدكتور نصر حامد أبوزيد تحتاج إلى إعادة نظر، والإنتاج المقدم لا يرقى إلى درجة أستاذ بقسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة القاهرة، إلى هنا والمسألة في غاية البساطة.. فسقوط طالب ترقية شيء طبيعي يحدث في كل زمان ومكان، وإذا جانبه التوفيق في جولة فقد يحالفه في جولة أخرى حين يجتهد ويتلافى أخطاءه التي أخطأها في المرة الأولى".
عودة للأعلى
جمال الغيطاني
واستطرد "إلى هنا انتهى دوري ودور اللجنة العلمية ودور الجامعة، والتقط طرف الخيط رحمة الله عليه المستشار صميدة عبدالصمد، وقرأ أبحاث أبوزيد واقتنع بأخطائه التي سجلها التقرير العلمي، وتوجه إلى القضاء ورفع دعوى حسبة، طالباً إدانته بتهمة الردة، فصدر حكم المحكمة باعتباره مرتداً وأن عليه أن يطلق امرأته، وكان الهدف الأساسي من وراء التقدم بدعوى الحسبة تلك إبعاد أبوزيد عن الجامعة ومنعه من التدريس فيها، وأيدت محكمتا الاستئناف والنقض الحكم نفسه على أبوزيد بتطليق زوجته منه على اعتبار أنه مرتد، ولم يكن لي أي دخل في رفع دعوى الحسبة ولم أحضر أياً من جلساتها ولم أعلم بقرار المحكمة الأول إلا بعد صدوره".

وعن أسباب رفض الدكتور عبدالصبور شاهين للأبحاث التي تقدم بها نصر حامد أبوزيد للحصول على الترقية قال في نفس الحوار: "أولاً: أبوزيد دعا إلى الثورة الفورية على القرآن والسنة، لأنها كما قال: نصوص دينية تكبل الإنسان وتلغي فعاليته وتهدد خبرته، ويدعو إلى التحرر من سلطة النصوص، بل من كل سلطة تعوق مسيرة التنمية في عالمنا.

ثانياً: يقول على القرآن إنه منتج ثقافي تشكل على مدى 23 عاماً، وإنه ينتمي إلى ثقافة البشر، وأن القرآن هو الذي سمى نفسه، وهو بهذا ينتسب إلى الثقافة التي تشكل منها.

ثالثاً: قرر أبوزيد بتفكيره الخاص أن الإسلام دين عربي، وأنه كدين ليس له مفهوم موضوعي محدد.

رابعاً: هاجم في أبحاثه علم الغيب، فجعل العقل المؤمن بالغيب هو عقل غارق بالخرافة والأسطورة، مع أن الغيب أساس الإيمان".

وأضاف شارحاً تقريره برفض الترقية "حفلت أبحاثه التي قدمها بكثير من الأخطاء التاريخية والعلمية، وقد كتبت في التقرير الذي أقرته اللجنة أن أبحاثه جدلية تضرب في جدلية لتخرج بجدلية تلد جدلية تحمل في أحشائها جنيناً جدلياً متجادلاً بذاته مع ذاته.. وليست هذه سخرية، ولكنها كانت النتيجة التي يخرج بها قارئ الكتاب إذا اعتبرناه كتاباً".

وتطور الأمر إلى رفع مجموعة من المحامين لدعوة حسبة تطالب بالتفريق بين نصر وزوجته الدكتورة ابتهال يونس، ودارت مساجلات قانونية وفقهية طويلة انتهت بهجرة نصر حامد وزوجته مصر والعمل بالتدريس في إحدى الجامعات الهولندية حتى الآن.
عودة للأعلى
وبعد مضي عدة سنوات أعلن عدد من المحامين المصريين تضامنهم مع الدكتور أبوزيد الذي حكم عليه بالردة عام 1997.

لكن نصر أبوزيد عاد مجدداً إلى الأضواء في مصر وبصورة علنية من خلال إلقائه أربع محاضرات في مكتبة الإسكندرية ديسمبر 2008 إحداها عن التأويل اللاهوتي للقرآن الكريم كما قدمه المعتزلة، وفيها قال "أريد أن أتوجه بالشكر إلى مكتبة الإسكندرية هذا لقاء مرتقب من ناحيتي ومن جهتي، أن أتحدث بالعربية مرة أخرى بعد أن طال بي الحديث باللغة الإنجليزية في بلاد الغرب، فكلما دُعيت إلى أي بلد عربي أرحب بالدعوة وألبي الدعوة وأغير كثيراً من برامجي، وأعتذر عن كثير من ارتباطاتي السابقة لكي ألبي الدعوة. فما بالكم إن كانت الدعوة من مصر، فهنا تأتي جهيزة فتُسقط كل خطيب إذا دعت مصر".

واستضافت لجنة الحريات بنقابة الصحافيين المصرية قبل عدة شهور نصر أبوزيد تضامناً معه بعد رفض الكويت دخوله بناء على دعوة وجهت إليه لإلقاء عدة محاضرات وإلغاء التأشيرة التي منحت له بعد احتجاجات من التيار الإسلامي في البرلمان الكويتي.

وعقد اللقاء في البهو الأرضي لنقابة الصحافيين التي رفض مجلسها قبل ذلك أن يلقي أبوزيد محاضرة في قاعتها الرئيسة عن الفن وخطاب التحريم، وهو ما رفضته أيضاً كل المؤسسات التابعة لوزارة الثقافة، فعقدها في الجامعة الأمريكية في قاعة صغيرة.
عودة للأعلى
بهاء طاهر
وقال الأديب يوسف القعيد لـ"العربية نت" إن الفكر العربي والإسلامي "وأصر على كلمة الإسلامي، فقد واحداً من أهم أصحاب الأسئلة الكبرى والاسئلة الشائكة في القضايا الإسلامية".

وأشار إلى أن "الدكتور أبوزيد تعرض لأزمة ومحنة صعبة لا مبرر لها على الإطلاق حيث أدت إلى غربته وانتقاله من منفاه داخل بلده إلى منفاه خارجها ليعيش بعيداً عن وطنه وأهله وناسه".

وتابع "كنت أتمنى أن يعود إلى مصر ويستقر فيها وأن يرفع من فوق رقبته سيف حكم تفريقه عن زوجته الذى كان يمثل ضغطاً رهيباً جداً عليه، قائلاً: "كنت أتمنى أن يحتكم الجميع إلى العقل الرشيد ولكن للأسف هذا لم يحدث".

وأشار القعيد إلى أنه التقى بـ"أبوزيد" عدة مرات داخل مصر وخارجها، وكان آخر لقاء جمعهما في إسبانيا قبل عامين قائلاً: "لقد فرح أبوزيد كثيراً بلقائنا في الغربة، وأنا كنت سعيداً أيضاً بلقائه، ولكن للأسف لم أره أثناء الزيارات التي قام بها إلى مصر بعدها، ولم أعرف بزيارته الأخيرة إلا عندما عرفت أنه في المستشفى في حاجة صحية متدهورة أدت إلى منع زيارته فتألمت كثيراً".

وقال القعيد "مثقفو وكتاب مصر يتساقطون يوماً بعد يوم، وأصبح من المؤسف أن ننعى واحداً منهم كل يوم، فليرحم الله أبوزيد ويرحم الجميع".

ومن جهته رفض رئيس تحرير جريدة "أخبار الأدب" الكاتب جمال الغيطاني التعليق على وفاة أبوزيد قائلاً لـ"لعربية.نت": أنا لا أقوى على الكلام وليس لدي ما أقوله. أنا مذهول وتعبان جداً".

وفي حديثه لـ"العربية.نت" قال المفكر الإسلامي الدكتور عبدالصبور شاهين، الأستاذ المتفرغ بكلية دار العلوم جامعة القاهرة: "إن أبوزيد توفي ولا يجوز عليه الآن غير الرحمة بل وأدعو له من كل قلبي أن يغفر الله له".

وكرر شاهين نفيه تكفير أبوزيد قائلاً: "لم أكفر أبوزيد إطلاقاً، وقد أعلنت ذلك سابقاً فلا يمكن أن أورط نفسي في هذا الاتهام البشع".

وأضاف: بالعكس فقد اتهمت بالإرهاب الفكري من العلمانيين والشيوعيين وتعرضت لحملة سيئة "رحم الله أبوزيد وغفر له وللمسلمين أجمعين، لقد مات الرجل ولا يصح أبداً أن نتكلم عن متوفى بين يدي الله".

فيما استقبل الكاتب الكبير بهاء طاهر خبر وفاة أبوزيد بقوله: "كارثة فظيعة، لقد مات قبل أن يتحقق حلمه بالاستقرار في بلده والرجوع إلى منصبه الأكاديمي".

وأضاف طاهر لـ"العربية.نت": لقد فقدت صديقاً ومفكراً مصرياً كبيراً افتقدناه جميعاً، وأعتقد أن العزاء الوحيد أن أعماله ستظل باقية وأعتقد أنها ستثير جدلاً بعد وفاته كالذي أثارته في حياته".

وتابع "كان أبوزيد صديقاً عزيزاً وكنت أراه دائماً أثناء زيارته إلى مصر، وكثيراً ما تمنى أن يسقط عنه الحكم القاسي الذي صدر ضده بتفريقه عن زوجته، ولكن مشيئة الله نفدت قبل أن يحقق حلمه فقد عاش منفياً ومات وحلمه معه".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أقول انا ناقل المقال:
لقد طالعت شيئا من كتب ابي زيد وطالعت بعضا من مقالاته ولم اخرج بفهم يدل على إنكاره نصوص القرءان الكريم  أو جحد لمصدرها ؛وإنما نقد تناول تاويل تلك النصوص . أما ان يكون فهمي لما قرأته قاصرا عن الحق في نظر البعض ، فهذا أمر آخر ، يبينه النقاش، ويظهره النقد البناء .

10 - يوليو - 2010
ساعة الفجر الحزينة
الأنساب والأحساب    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

رأي الوراق :

 
 
 
أحيي الأستاذ العايد صاجب القصيدة الجميلة، وأحيي كذلك شيخي أبا بشار؛ شاكرا له تعليقاته المفيدة على القصيدة ، التي تذكرنا بقصائد شعراء الغزل العذري الممتزج بشيء من الحكمة والعبرة من أشعار أجدادنا القدماء. ولكن الأميرة التي في خيال الشاعر لولا هذا البيت :
حسيبة من تميم طاب محتدها= من نسل قيس وما أصل يضاهيه
لقلت إنها حوراء عيناء من حور الجنة العين، وقد رسمها الشاعر في خياله ، وقام بتقريب صورتها لنا بمقدرته اللغوية وتمكنه من عرض الصورة الشعرية؛ ولكني لما عرفت أنها حسيبة نسيبة وأنها تميمية ، أدركت ساعتها أنها اميرة من بني البشر ربما كان للشاعر معها فيض من الذكريات. وسواء كانت الأميرة والذكريات حقيقة، أوكانت خيالا ، فالعبرة بجودة إيصال ما خطر ببال الشاعر بصورة يتفاعل معها المتلقي تفاعلا إيجابيا، وهذا ما تم بالفعل وفقا لظني؛خاصة من قِبل المتلقين الذين يعجبون بالإبقاء على هذا النوع من النهج الشعري الغزلي القديم ، الذي كان أصحابه يعنون بالجمال الحسي أكثر من عنايتهم بالأوصاف المعنوية لمن يتغزلون به ، ولا عجب في ذلك من شعراء كان الغزل بالجمال الأنثوي، بل والذكوري أيضا، يعتبر معلما بارزا من معالم ثقافتهم الشعرية عموما. على أن البيت المذكور دعاني معناه إلى التعليق على الافتخار بالأنساب في عصرنا هذا الحاضرلأقول إنه ينبو عن الصواب، ليس لأن دين الإسلام لا يلقي بالا للأنساب فحسب، فقيمة المرء في عرف الدين هي ما يحسنه من علم وتقوى، وإنما عصرنا هذا لا يحفل بالنسب والحسب من اهله الشعراء وقراء الشعر، من المسلمين أو من غير المسلمين أيضا. وعلى هذا، فإن المتلقي المعاصر مهما كان دينه، سوف يرى في هذا الافتخار امرا مذموما، وسوف يصف شعر الافتخار بالحسب والنسب هذا أنه ينتمي لعصر غير هذا العصر دون شك، اللهم إلا في بيئات معينة ما تزال تحسب للنسب حسابا في تعاملاتها الاجتماعية.
إن مسألة الحسب والنسب مسألة تعود في أصلها لدى العرب إلى الثقافة العربية في ما قبل الإسلام، وبقيت جذورها ممتدة لدى العرب إلى ما بعده كما هو معلوم ، ولكن الكثير من المسلمين في القديم لم يكونوا عربا أصلا، وهم، وإن كان بعضهم من ذوي الأنساب والأحساب في أقوامهم التي هي من غير الأرومة العربية، فإنهم تناسوها في مقابل اعتناقهم دين الإسلام الذي نبذ التعصب للأحساب والأنساب والأعراق؛ ولكنهم لما لمسوا من العرب تمسكهم بالتعصب لأنفسهم ولأصولهم القبلية وتمجيدها ، رأينا بعضهم وقد  أعلنوا ، وبجلاء، تعاليهم على العرب كجنس، وتمسكهم ، كمسلمين، بدين العرب باعتباره دينا لا يفرق بين عرق وعرق، وباعتباره أيضا دينا من لدن الله رب الخلائق كلها، وليس من لدن العرب أنفسهم. وقد ظهر ذلك بوضوح  لدى مهيار الديلمي ،كنموذج، في قصيدته الشهيرة  التي مطلعها:
أعجبت بي بين نادي قومها = أم سعد* فمضت تسأل بي
على ان فضل العرب عند المسلمين من غير العرب ينحصر في اصطفاء الله لنبيه النبي العربي ليكون مبلغا رسالته ، والله أعلم حيث يجعل رسالته وكفى. أما ان يتجاوز فضل العرب أفضال غيرهم إلى الافتخار بالأنساب لأعراض دنيوية زائلة، فهذا ما تأباه النفوس الحرة الكريمة من نفوس الناس من غير العرب، بل وتمقته النفوس العربية التي أصحابها ممن لم يسعدهم الحظ  ليتكلفوا اكتشاف أصولهم القبلية ليعلموا إن كانت من تميم أو من غير تميم.
ومن عجيب الاتفاق انني وانا أحدث نفسي بمضمون تعليقي هذا بداية كتابتي سطوره الأولى، وكنت أشاهد الأخبار على شاشة التلفاز، إذا بخبر يأتي من اليمن يقول: إن هناك منطقة يمنية ما زال اهلها يستعبدون فئة من الناس هناك ويصفونهم بالعبيد ويصفون انفسهم بالأسياد . وتفرست في صور وجوه اولئك العبيد ، فرأيت سحنتها سحنة يمنية تمتزج بسحنة اهالي شرق إفريقيا..وتالمت من هذا الخبر دون ان استغربه ، وما زدت على القول لنفسي: أين انت يا بلال بن رباح! أتراك كنت تنتمي إلى دين الإسلام لو كان النبي وصحبه من الأسياد؟!! وتلك الرواية (يا ابن السوداء)التي قيلت فيك وفي ابي ذر،صحت او لم تصح، ففيها لنا عبرة واية عبرة! لقد كان ابو ذر عربيا من غفار، وكنت من السودان الأحباش، ولكن كليكما لآدم وآدم من تراب. ثم فطنت إلى الشعوبية واسباب نشوئها وترقيها ، فما وجدت سببا لها اشد وقعا وابلغ اثرا على نفوس متبعيها من افتخار العرب حينذاك على غير العرب، ومن استئثار العرب بالحكم والسياسة ونبذ غير العرب من المسلمين بعيدا عنهما. وتمضي السنون على وتيرة التعصب للجنس حتى انقلبت الحال في عهد بني العباس من بعد عهدهم الأول، فصار الأسياد من غير العرب، وما بقي للعرب غير السيادة الاسمية، والتي لم يكن فيها ما يسمن او يغني من سؤدد أو فضل، بل كما قيل: " بوس الأيادي، ضحك على الذقون" ، وما الله بغافل عما يفتخر به المفتخرون. ثم تجدد افتخار العرب بأنفسهم في العصر الحديث وإن بصورة أخرى لم يكن الهدف الظاهر للعيان منها التفاضل بين قبيلة وأخرى في الحسب والنسب؛ وإنما الافتخار بالقومية العربية وحدها على حساب أية قومية أخرى بحجة وحدة اللغة والمصير المشترك ، مع تناسي القوميات الأخرى من المسلمين.. تلك القوميات التي نشأت أجيالها المتعاقبة على حب النبي صلوات الله عليه وحب دينه، وما نالها من قومية العرب إلا النكران. إضافة إلى ذلك، فإن دين الإسلام دين عالمي توجه للإنسانية جميعها.. وتمضي الأيام وإذا بالقومية المذكورة لا تحقق مكسبا يساوي مصاريف وسائل الإعلام التي بذلت من أجلها .. ولم يعقبها سوى النزاع والخصام والدمار والخراب بين العرب أنفسهم حين صارت لكل دولة من دول العرب قومية بذاتها بحجة المصلحة الوطنية ..وصار التعامل مع الأجنبي هو المصلحة الوطنية، ومقاطعة العربي لأخيه تحكمه تلك المصلحة الوطنية المزعومة.
أعود الآن إلى مهيار الديلمي:
شاعر كما تقول المصادر اسلم على يد الشريف الرضي، وتقول إنه كان مغاليا في التشيع.. ولنا ان نتساءل عن تلك المغالاة ما سببها؟ ولكننا من قبل الإجابة على التساؤل، علينا ان نطالع ما قاله مهيار في القصيدة التي ذكرنا مطلعها..
قال مهيار:
قوميَ استولوْا على الدهر فتى = ومضوا فوق رؤوس الحقب
عمموا بالشمس هاماتهمو = وبنوا أبياتهم بالشهب
وابي كسرى على إيوانه= أين في الناس أب مثل أبي!
قد قبست المجد من خير أب= وقبست الدين من خير نبي
فضممت الفخر من أطرافه= سؤدد الفرس ودين العرب
فإذا كان مهيار شعوبيا،وهذا ما بدا لي منه، فقد وجد لشعوبيته مكانا مناسبا لتفرخ فيه، بيد أنه لم يتنكر لدين الإسلام. فدين الإسلام لا يميز بين العرب والفرس بطبيعة الحال، أما الذين مارسوا التمييز فهم الذين انتسبوا لدين الإسلام من العرب.
ولو كان العرب قبل الإسلام قد بلغوا من الوحدة العربية مبلغا، وبلغوا من القوة ما يمكنهم من الانتصار على دولة الأكاسرة، وكانت المعاملة بالمثل مطلبا لهم، لحق لهم ان يتعالوا على الفرس، الذين كانوا يعدون العرب بدوا جهلة اجلافا، ويحتقرونهم احتقارا بالغا؛ ولكن العرب المسلمين، لا يجوز لهم ذلك بعد ان دخلوا في الإسلام أبدا، وما جعلهم يهدمون دولة الفرس ودين المجوسية إلا الإسلام.
إن مغالاة مهيار الديلمي في التشيع لا بد وكان من العوامل التي خلقتها عامل التمييز العنصري؛ وبما ان النبي صلوات الله عليه هو رمز دين الإسلام، فالتشيع لآله دون غيرهم يبدو منطقيا ، لا لأنهم عرب بالدرجة الأولى، ولاحتى الثانية ؛ وإنما لأنهم مسلمون أولا واخيرا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
·         لم ابحث عن أم سعد هذه لأعرف من هي؛ ولكن عبد الوهاب لما لحن هذه القصيدة وغناها استبدلها بـ (ذات حُسن) وخيرا فعل، ذلك أن زوجة اخيه الشيخ حسن عبد الوهاب كانت كنيتها ام سعد، هذا، غير أن (ذات حسن) أنسب من (أم سعد ) في المعنى واللحن والغناء.
 

17 - يوليو - 2010
أميرة في خيالي / من أشعاري
ولكن الله سلم    كن أول من يقيّم

أبدأ تعليقي هذا بكلام الله تعالى :
" ونفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون" قال ابن عباس : لا يفتخرون بالأنساب في الآخرة كما يفتخرون بها في الدنيا ، ولا يتساءلون فيها كما يتساءلون في الدنيا ؛ من أي قبيلة أنت ولا من أي نسب ، ولا يتعارفون لهول ما أذهلهم ( القرطبي) .
تحياتي لشيخي الفاضل ، د يحيى، أبي بشار، حفظه الله،
ها أنذا احترمك وأعرف لك قدرك، لعلمك ولخلقك الحسن، دون أن اعرف نسبك ، فهو لا يعنيني، ولست بحاجة إلى كتب الأنساب وثقافة مؤلفيها بعد أن من الله علي بدين الإسلام ، ولست بحاجة إلى الأحاديث الضعيفة لأحبذ الافتخار بالأنساب، والله ورسوله لا يحبانه . ولن أكون بحاجة إلى التنبيه لقول النبي صلوات الله عليه"... فاظفر بذات الدين..." ، ذلك أن الله كلامه فوق كل كلام، وأمره فوق كل أمر أو نهي. ولو كنت مكان الشيخ القرضاوي لما استشهدت ببيت من الشعر قديم، يمكن أن يفهم منه حسن التفاخر بالأعراق ...
ولو كان التفاخر بالأنساب محمودا لكان للناس يوم القيامة مطلبا ، ولجاز لهم ذلك . ولكنهم لا ينفعهم إلا ما قدموا من أعمال الخير بلا شك. وأعيد هنا الحديث الذي سبق لك وذكرته يا شيخي: " حسَبُ الرجل خُلُقُه وكرمه ودِينه".
أما أن يكون فلان من الناس ديوثا أو يلاط به، فهل ينفعه نسبه إن كان من قبيلة أو عشيرة ذات نسب و حسب يشار إليه بالبنان؟! أو ترانا ننكر أن يكون من نسل ذوي الأنساب والأحساب من صفاته رذيلة؟!
ومن المشركين في عهد النبي صلوات الله عليه من كانوا ذوي نسب يشتركون فيه مع النبي، فهل ينفعهم هذا؟! وقيل عن أبي جهل إنه كان مأبونا يعصفر إليته، فهل ينفعه بعد هذه العصفرة أن يكون من قريش، وما أدراك ما قريش عند العرب؟! ولو احتج علينا متعصب للأنساب والأحساب بأن ما قلناه كان في مشرك ، لقلنا له : وقد كان ذلك في بعض أبناء العرب المسلمين من ذوي النسب والحسب.
أما أن يتخير الواحد منا عند المصاهرة ، ويختار ذا الخلق والدين والتربية الحسنة، فهذا لا دخل له في نسب المختار من جهة أصله وأصل أجداده .
يا شيخي الفاضل يحيى،
دردشتك كادت أن تجعلني أفصح عن معايب من يدعون أنهم من أهل النسب والحسب، مما ورد في كتب التراث من المعايب ومما لم يرد في كتب التراث، ولكن الله سلم .
واختم تعليقي الموجز هذا بخير الكلام:
" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" .

20 - يوليو - 2010
أميرة في خيالي / من أشعاري
القرءان الكريم والواقع    كن أول من يقيّم

لا بد لي من الثناء على جميع السادة المشاركين، والاعتراف بما حصلته من مشاركاتهم من فوائد، بحيث لم يعد الكثير مما سأكتبه خارجا عن نطاق ما قالوه . واشكرهم على ما استمعت بما تضمنتها مشاركاتهم من أروع القصائد، وأعلن عن سروري بمقدم الأستاذ الكاتب الأديب الشاعر محمد جميل، وانضمامه إلى قافلة السراة الكرام.  وإلى حضراتكم تعليقي على بعض فقرات وردت  في بعض المشاركات في هذا الملف المفيد؛ بادئا من حيث انتهيت من مطالعتي إياها، فأذكر شيئا مما ورد في مشاركة الأستاذ الفاضل تركي، الذي أورد لنا مقالا للدكتور سعيد العفاني جاء فيه:
((يقول بنص عباراته التي لا تحتاج إلى تعليق:
"من الواقع تكون النص (القرآن)، ومن لغته وثقافته صيغت مفاهيمه، فالواقع هو الذي أنتج النص... الواقع أولاً والواقع ثانياً والواقع أخيراً.))
 
 من جهتي أرى أن العبارة السابقة تحتاج إلى تعليق ؛ بغية التوضيح والتوضيح المضاد:
لا شك عندي أن القرءان الكريم هو كلام الله، ثم صار قولا لجبريل عليه السلام ، وليس من إنشائه ( إنه لقول رسول كريم)، ثم صار قولا لمحمد صلوات الله عليه حين نطق به وبينه للناس وهو ليس من إنشائه أيضا، وأمر بحفظه والعمل بما ورد فيه وتدوينه. فالمصحف الذي بين أيدينا من هذه الناحية ترجمة لكلام الله إن جازت العبارة ( إنا جعلناه قرءانا عربيا). أما أن يكون النص أو الخطاب القرءاني مطابقا للواقع، ومن لغته( لسانه) وثقافته ، فهذا أمر طبيعي. ذلك أنه لو لم يكن الناس يعرفون الخمر والميسر والأنصاب والأزلام مثلا، لما نزل على الرسول:" إنما الخمر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان...الآية . ولو لم يكن من العرب وغير العرب ناس أجلاف لا ذوق لديهم، لما نزلت: " إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون" . ولو لم يكن النبي صلوات الله عليه في برهة من حياته يخشى الناس في بعض الأمور، لما نزلت : " ...وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه.." ، ولو لو لم يكن الناس يستبيحون نكاح زوجة الأب لما ذكره الله ونهاهم عنه.. والأمثلة من مثل ما ذكرنا كثيرة كثيرة. فواقع الناس إذن ، وهو واقع يعلمه الله تعالى الذي خلقهم، هو ما يجعل كلام الله يأتي مطابقا لذلك الواقع ، وإلا كان القرءان لا علاقة له بحياة الناس على الإطلاق، وهذا محال. ولقد ذكرت الروايات أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه اتفق رأيه مع شيء مما أنزل بعد ذلك من القرءان، ولا يدل هذا على صدق بصيرة عمر وحدها ، وانه كان يعمل فكره إعمالا ممتازا وحسب؛ وإنما لأن واقع مجتمع عمر المعاش هو ما نطق به القرءان.
إن ما ذكرته لتوي هو فهم فهمته من العبارة:" فالواقع هو الذي أنتج النص..." ولم أفهم عكسه، ذلك لأن نصر حامد أبا زيد لم يكن ساذجا ولا من البلهاء، ولا عضوا في نادي الملحدين، ليغرينا باعتقاد أن نصوص القرءان من تأليف محمد وصحبه ، وهو يعلم تماما أن لا أحد من المؤمنين بالإسلام يذهب إلى هذا الاتجاه . ولو كان أبو زيد ملحدا، لصرح بإلحاده علانية في بلاد تهب لساكنها حرية القول في الدين بما يحب القائل وبما يشتهي.
ربما كان أسلوب الخطاب يجعله يُفسر على غير قصد صاحبه:
لو كنت مكان المرحوم أبي زيد لخاطبت عامة الناس باللغة التي يفهمونها وبالواقع الذي نشئوا فيه مبينا لهم ما أراه من أخطائهم، وليس بلغة ذوي الاطلاع الأكاديمي من ذوي الفكر التنويري، كما يطلق عليهم أحيانا، وحدهم . بل إن من الأكاديميين ممن كانوا ضد فكر أبي زيد  من كان لديهم اطلاع واسع أيضا، و لكنهم لديهم قناعات نشئوا عليها ظنها معظمهم من المسلمات . ولو خوطبوا بأسلوب أكثر ملاءمة وتدرجا مع الواقع كما فعل القرءان، لكان من الممكن أن يتفهموا( بعضهم على الأقل) وفي حال خلوص النوايا من الشرور، وخلوصها من الخشية من الاتهامات، ما قصد إليه أبو زيد. أما الاتهامات المتبادلة بين الأطراف فإنها تزيد الأمر سوءا، وتروح بموضوع النقاش الفكري إلى النقاش العاطفي لا غير. فأساليب عرض الأفكار، وحسبان ثقافة المُخاطب ونوعها، من الأمور التي تقرب بين فكر صاحب الخطاب وفكر المتلقي . وعلى هذا افهم ما جاء في الخبر: " أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم" . وهذا يفسر أيضا لماذا اختلف الصاحبان: الشيخ يوسف البدري والشيخ عبد الصبور شاهين حول كتاب الأخير" أبي آدم" الذي ذكره الأستاذ النويهي في إحدى مشاركاته.. فعبد الصبور شاهين أتى في كتابه بما رآه صاحبه الشيخ يوسف من المضحكات بل من إنكار لثوابت الدين،  وفقا لفهمه، حين ذكر شاهين أن آدم عليه السلام ليس أول بشر على الأرض ، وكانت النتيجة أن قام الشيخ يوسف بالتوجه إلى القضاء... لقد كان خطاب نصر حامد أبي زيد بالنسبة لعبد الصبور شاهين كخطاب هذا الأخير بالنسبة للشيخ البدري . إن مخاطبة الناس على قدر عقولهم ليس معناه أنهم أغبياء؛ وإنما هي الثقافة والنشأة، وإنما هي أيضا صعوبة التخلص من سيطرة الموروث ولو كان باطلا.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتأويل النصوص:
لم يكن عمر بحاجة إلى من يفهمه أن سهم المؤلفة قلوبهم لم تعد الحاجة إليه في زمنه بعد أن أعز الله الإسلام ، فألغى هذا السهم. وكذلك لم يقطع يد سارق سرق في عام الرمادة . ففهم عمر لأسباب قطع يد السارق دون أن يذكرها القرءان صراحة ناتج عن فكر وبصيرة. وهنا يمكن أن يخطر ببالنا هذا التساؤل: هل تلاعب عمر بن الخطاب بنصوص القرءان كيفما أراد؟ الجواب : لو كان غير عمر فعل مثلما فعل عمر، وفي واقع غير الواقع الذي عاشه عمر، لوجدنا العديد منا يتهمه بتعطيل نصوص القرءان، وبالتالي نحكم عليه بالردة، وبأنه لا يعذر بجهله ما هو معلوم من الدين بالضرورة على حد قولهم. فواقعنا من جهة تأويل النصوص ورثناه من عصور سبقت لم يكن غالب أهلها ممن تعاملوا مع نصوص القرءان بالطريقة التي تعامل بها عمر بن الخطاب.
 
 

21 - يوليو - 2010
ساعة الفجر الحزينة
لا غناء في الأنساب، لا في دنيا ولا في آخرة    كن أول من يقيّم

وعافنا في من عافيت
وشكرا على تصحيح الآية..
خاصية تعديل المشاركة الجديدة لا تعمل لدي أيضا في أغلب الأحيان.
يوم القيامة لا تنفى حقيقة الأنساب ؛ وإنما لا تغني عنا الأنساب من الله شيئا ولو كنا من ذوي أرحام النبي صلوات الله عليه وقرابته، وهو القائل: " يا فاطمة بنت محمد، يا صفية بنت عبد المطلب، يا بني عبد المطلب... لا املك لكم من الله شيئا.". وقد تم هذا عندما نزلت " وانذر عشيرتك الأقربين" . هذا هو مدار مشاركاتي في موضوع الحسب والنسب. وفي الحياة الدنيا لا يجوز الاعتماد على الأنساب لتقرير صلاح شخص أو طلاحه ؛ سواء كان ذا نسب شريف عند الناس أو لم يكن. وليس من المروءة عندي أن افتخر بنسبي ولو كان آبائي من الأولياء؛ وإنما علي أن اشكر لله إن اجتهدت أنا في القرب منه جل وعلا.
إن بيت الشعر من القصيدة، والذي جلب انتباهي، لا أقول عن ناظمه إنه قصد التعالي على أحد بنسب أو حسب . فهو ربما وصف أميرته بالحسيبة النسيبة، وأنها من أصل لا يضاهيه أصل حسب قوله، ليقربها من الكمال في نظره ونظر بيئته الحقيقية أو الخيالية، لا أدري.

21 - يوليو - 2010
أميرة في خيالي / من أشعاري
مقاصد الشريعة    كن أول من يقيّم

 تحياتي لأساتذتنا الفاضل،
كنت في سني التسعينات أطالع المقالات الفكرية التي كانت تنشرها مجلة العربي، ومنها مقالات للراحل نصر أبي زيد، وها انا أعيد قراءتها وأنشرها في " ساعة الفجر الحزينة " ؛ آملا ان يجد فيها القراء الكرام ما يقربهم أكثر من فكر الراحل في تلك البرهة الزمنية .
حدد علماء أصول الفقه مقاصد كلية للشريعة وجعلوها خمسة مقاصد، وهي الحفاظ على:
الدين، والنفس، والعقل، والعِرض(النسل)، والمال.
في المقالة التالية أعاد المفكر نصر حامد أبو زيد قراءة المقاصد المذكورة بطريقة جديدة ؛ اقترح فيها أن تكون المقاصد الكلية للشريعة ثلاثة : العقل، والحرية، والعدل، باعتبارها تتضمن المقاصد الخمسة وتزيد عليها . وقد ناقشه المفكر محمد عمارة في المقالة التي تليها . والمقالتان منقولتان عن مجلة العربي ، وقد قمت فقط بتصحيح بعض أخطاء الطباعة. ومن الجدير بالذكر أن محمد عمارة يعد من العقلانيين الإسلاميين، أو ممن يسمون أحيانا بالمعتزلة الجدد، والذين يسعون لنقد التراث الإسلامي نقدا يجعلهم في نظر التيار السلفي من دعاة البدعة*. ويتبين لقاريء المقالتين الفرق الدقيق بين تفكير المفكرين المذكورين، وله أن يحكم بنفسه أيهما أكثر إقناعا له.
 
المقاصد الكلية للشريعة.. قراءة جديدة
  
 
من أهم إنجازات العلماء المسلمين في مجال قراءة النصوص الدينية ما أنجزه علماء أصول الفقه من تحديد للمقاصد الكلية للشريعة، وهي المقاصد التي صاغها الإمام الشاطبي في خمسة مبادئ كلية عامة، هي: الحفاظ على النفس والعرض والدين والعقل والمال.
     لقد  تم التوصل إلى هذه المقاصد الكلية من خلال القراءة التفصيلية المتأنية والعميقة للنصوص الدينية ذات الطابع التشريعي من خلال علاقاتها التركيبية ببعضها البعض من جهة، ومن خلال علاقاتها بنصوص العقيدة والأخلاق من جهة أخرى، والمقصود بالعلاقات التركيبية للنصوص التشريعية:
علاقات الإجمال والبيان، والعموم والخصوص، والنسخ.. وغير ذلك. وهي علاقات إنتاج الدلالة الشرعية، فما أجمل من نص من النصوص يكون مبينا ومفصلا في نصوص أخرى، وكذلك ما كانت دلالته عامة قد يكون هناك نص آخر يحوله من العموم إلى الخصوص، ثم هناك أخيرا ظاهرة نسخ بعض التشريعات واستبدال تشريعات أخرى بها للتخفيف أو التدرج مراعاة لتبدل الأحوال وتغير الظروف.
    هذه القراءة المتأنية العميقة للنصوص ينتج عنها فهم الأحكام التفصيلية الشرعية، ومن هذه الأحكام التفصيلية أمكن لعلماء المسلمين استنباط المقاصد الكلية التي توجه تلك الأحكام، ولا تنتهي القراءة عند استنباط الكليات من الجزئيات بالمعنى الذي شرحناه، أي بالمنهج الصاعد من الجزئي إلى الكلي، وإنما يتم في قراءة أخرى تستخدم المنهج الهابط تنزيل الكليات على الجزئيات في محاولة لإعادة فهم الجزئيات - وربما تعديلها - في ضوء الكليات المستنبطة منها، كأن علماء الأصول خاصة وعلماء الإسلام بصفة عامة يدركون أن العلاقة بين الكلي والجزئي علاقة تفاعلية وأكثر تعقيدا من أن تكون مجرد علاقة تراكم أو "جمع" بالمعنى الرياضي.
 
منهج علماء الأصول
 
       هذا الإنجاز المهم جدا والخطير يؤصل منهجا في قراءة النصوص ناجزا، ولا أعني أنه ناجز في مجال قراءة النصوص الدينية فقط، لأن ذلك أمر تحقق بالفعل، لكنه منهج ناجز كذلك في قراءة كل أنماط النصوص القانونية والفلسفية والأدبية.. وككل منهج ناجز يظل منهج علماء الأصول في استنباط الكليات من الجزئيات، ثم إعادة تنزيل الكليات لفهم الجزئيات - فهما مجددا - منهجا مفتوحا قابلا للإضافة مع تجدد الوعي وتطور أساليب المعرفة وأدوات البحث، خاصة في مجال "قراءة النصوص" ولعل هذا هو الدافع الذي يدفعنا اليوم لاقتراح مشروع قراءة جديدة للمقاصد الكلية للشريعة.
       هذه القراءة الجديدة تسترشد بمنهج علماء الأصول، ولكن في إطار هموم العصر الذي نعيش فيه، ولمواجهة المشكلات التي تمثل عقبة أمام تحقيق وعي إسلامي جديد.
       وككل قراءة جديدة من حق المشروع المقترح لقراءتنا أن يضيف إلى منهجيات القراءة السابقة ما أحدثته المنهجيات الحديثة من انشغال بمستويات الدلالة التي تتجاوز حدود الدلالة اللغوية، لقد شغلت القراءة السابقة بفحص الدلالة اللغوية أساسا، ولذلك تركز اهتمامها في الكشف عن آليات هذه الدلالة في حدود علوم اللغة والبلاغة التقليديين، وكان انشغالها منصبا أساسا على الكليات المستنبطة من الجزئيات، دون أن تقف على الدلالات الكلية الناشئة عن طبيعة الحركة المعرفية لنصوص الإسلام في كليتها، والمقصود بهذه الدلالات الكلية علاقة النص الإسلامي - معرفيا - بالنصوص التي كانت قائمة ومؤثرة وفاعلة في سياق اللحظة التاريخية للوحي، هذه الدلالات تمثل محور الحركة التي سببت الصراع  والمقاومة التي واجهت النص الإسلامي خلال السنوات العشرين التي تمثل مرحلة الوحي، بل والتي استمرت بعد ذلك فيما عرف بحروب الردة، وما سبقها واقترن بها من ظاهرة "النبوات الكاذبة" التي استشرت في محاولة لمنازعة "النص الإسلامي" مشروعيته السماوية.
 
كلية النص الإسلامي
 
       من الطبيعي إذن أن تحاول القراءة الجديدة تجاوز ثنائية الجزئي والكلي دون إغفالها تماما، وذلك للبحث عن الدلالة أو الدلالات الكلية التي لا تفصل بين التشريعي والعقيدي من ناحية، وبين الدلالات المستنبطة من القصص القرآني ووصف الجنة والنار من جهة أخرى، بالإضافة إلى ذلك تدخل هذه القراءة في بؤرة اهتمامها الدلالة الكلية للنص الإسلامي في سياق تفاعله الجزئي والكلي مع الواقع الاجتماعي والتاريخي، وبعبارة أخرى تحاول القراءة الجديدة بمنهجياتها المعاصرة أن تتناول النص الإسلامي في كليته، ذلك النص الذي جزأته العلوم الدينية في التراث الإسلامي فانشغل "علم الأصول" بالأحكام والتشريعات، وانشغل "علم الكلام" بالعقيدة وانشغل "التصوف" بالأخلاق، وانشغلت باقي العلوم كل بجانب من الجوانب.
 
       والاقتراح الأولي لمشروع القراءة الجديدة يعتمد على إدراك ثلاثة مبادئ نرى أنها جوهرية وأساسية بحيث يمكن القول إنها تمثل "الكليات" التي تستوعب الجزئيات، إلى جانب أنها تستوعب "المقاصد الكلية" الخمسة التي استنبطها أسلافنا في قراءتهم العميقة المستوعبة بحسب الإطار المعرفي المتاح لهم، يتعلق المبدأ الكلي الأول بمفهوم "العقلانية" بوصفها صفة تضاد "الجاهلية" التي طرح المشروع الإسلامي نفسه بوصفه نقيضا لها في كثير من نصوصه المعروفة جدا. وعلى عكس ما أصبح شائعا أخيرا في بعض الكتابات من أن "الحاكمية"، هي نقيض "الجاهلية"، فإن نقيض الجاهلية يتحدد من خلال ملاحظة التداول الضدي بين لفظي "العقل" و"الجهل" في اللغة أولا وفي القرآن ثانيا، ونقول في اللغة أولا لأن اللغة العربية هي الإطار المرجعي لتحديد الدلالات المعجمية لألفاظ القرآن، وذلك قبل أن نرى ما أحدثه القرآن من تطوير أو تغيير في هذه الدلالات.
 
       والسياق اللغوي لتداول لفظ "الجهل" ومشتقاته يجعلـه نقيضا لـ "الحلم" بمعنى العقل، ولفظ "الجهل" ومشتقاته يعني "العصبية" التي يرتبط بها نمط من السلوك الهجومي العدائي غير المتعقل، يقول الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم في معلقته الشهيرة:
 
ألا لا يجهلن أحد علينا
 فنجهل فوق جهل الجاهلينا
       ولا يمكن أن يكون الشاعر مفتخرا بجهله "نقيض العلم والمعرفة"، وإنما يفتخر بعصبيته وقوة  قبيلته وقدرتها على مقابلة العدوان بالعدوان، هذه "الجاهلية" هي التي أتي الإسلام نقيضا لها على جميع المستويات والأصعدة ليؤسس العقلانية في السلوك والفهم والعلاقات الإنسانية، من هنا تركيز القرآن على "العقل" و"اللب" و"الفكر" و"الفؤاد"، ومخاطبته دائما للذين يعقلون ويتفكرون. ولأن "الجاهلية" نابعة من  عصبية العرق والدم والانتماء القبلي جاء غضب الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله للمتفاخرين: "دعوها فإنها منتنة"، أو في قوله "لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى".
      ومن الخطل استنتاج بعض الصبية من الجهال من أمثال هذه النصوص معارضة الإسلام لمفهوم "الوطن" أو مفهوم "القومية"، وإنما يعارض الإسلام "التعصب" و"الطائفية" و"العرقية" ليؤكد مفهوم الدعوة الإنساني، والذي يقوم علي المساواة والكفاءة والندية رغم كل الاختلافات الإثنية والعرقية، بل والدينية. إن ما يساوي بين البشر هو "العقل" الذي هو كما قال المعتزلة "أعدل الأشياء قسمة بين البشر". هكذا يمكن القول إن الإسلام يعتمد على مبدأ كلي أساسي هو "العقل" نقيضا للجهل، وبهذا يدين كل ممارسات "الجاهلية" في الفكر والسلوك داعيا إلى "الحلم" وتحكيم "العقل" والاحتكام إلى "اللب" و "الفؤاد".
 
 الحرية نقيض العبودية
 
       المبدأ الكلي الثاني هو مبدأ "الحرية" نقيضا للعبودية، وهو مبدأ شديد الالتصاق من حيث دلالته بمبدأ "العقل"، ذلك أن الإنسان الحر هو الإنسان العاقل أساسا من حيث إن "العقل" هو مركز فعالية النشاط الإنساني. إن الإنسان المتعصب تحركه مبادئ خارجية في فكره وسلوكه، مبادئ تتحكم في عقله فتمنعه من ممارسة فعاليته الحرة، وهذا منشأ العبودية الحقيقي، لأن العبودية الاجتماعية منشؤها نسق اجتماعي إذا تغير انتفت تلك العبودية، أما عبودية "العقل" فهي أشد خطرا لسيطرتها على "جوهر" إنسانية الإنسان. إنها ترد الإنسان إلى مستوى البهيمة في حين تظل العبودية الاجتماعية عبودية خارجية. ليس هذا دفاعا عن النظام العبودي لكنه محاولة لكشف خطر عبودية "العقل" لتأكيد التواشج والاتصال الدلالي بين مفهوم "العقل" ومفهوم "الحرية".
      إن النصوص التي يمكن الاستشهاد بها لإثبات أن "الحرية" مبدأ كلي في المشروع الإسلامي لا تتسع لها ولا لتحليلها هذه المقالة. ويكفي هنا أن نشير إلى أن الإسلام قائم أساسا على مبدأ "حرية الاختيار" المطلقة، واختيار المسلم للإسلام دينا لا يمكن أن يكون نافيا لمفهوم الحرية الأصلي، ذلك أن الفرع لا يلغي الأصل أبدا كما يحاول البعض أن يوهموا الناس. إن دخول الإنسان الإسلام حرا طائعا مختارا راضيا لا يحوله إلى "عبد" مجرد من حريته واختياره الأصليين، واللذين هما مناط إنسانيته. إن الذين يوهمون الناس بذلك يخلطون بين مفهوم "العبودية" السابق على الإسلام، والمرتبط بالنسق الاجتماعي العبودي، وبين مفهوم "العبادية" الذي صاغه القرآن الكريم لعلاقة الإنسان بالله سبحانه وتعالى، ويتجاهل هؤلاء أن جمع كلمة "عبد" هو "عبيد"، وهو لم يستخدم في القرآن إلا في سياق محدد هو سياق نفي الظلم عن الله سبحانه وتعالى "آل عمران/ 182، الأنفال/ 51، الحج/ 10، فصلت/ 46، ق/ 29 ". والاستخدام القرآني المتواتر هو الصيغة "عباد" لا "عبيد"، وهو أمر يؤكد تغاير الدلالة رغم اتفاق صيغة "المفرد" للكلمتين، وهذا ينفي مفهوم علاقة "العبودية" بكل دلالاتها السلبية، تلك العلاقة التي يحاول البعض حصر العلاقة الأعمق بين الله سبحانه وتعالى والإنسان داخل أسوارها الضيقة الخانقة، ويتم ذلك كله في ظل تجاهل شبه تام للنصوص التي تتحدث عن بعد "الحب" المتبادل بين الله العظيم وبين عباده.
     ولا يمكن الاعتراض على كلية مبدأ "الحرية" في النص الإسلامي بالإعراض السقيم الذين فحواه أن الإسلام لم يلغ العبودية من حيز النظام الاجتماعي،، ومع ذلك فإن مناقشة هذا الاعتراض تكشف عن بعد احترام الإسلام لقوانين الواقع والتاريخ، وذلك بتجنبه عدم المجازفة بالوثب فوقها وتجاهلها. إن الدين الذي حرم الخمر على ثلاث مراحل تدرجا في التشريع، والذي نسخ بعض الأحكام واستبدل بها أحكاما أخرى في فترة الوحي لهو دين واقعي إنساني يؤكد أن الفعل الإلهي إذا تحقق في التاريخ يجري على سنن التاريخ، وهي السنن التي تمثل القوانين الكلية التي عبر عنها القرآن الكريم بـ "سنة الله" التي لن تجد لها تبديلا، ولعل هذا الشرح يرفع عن كلمة "التاريخ " الدلالات السقيمة التي يلصقها بها البعض حين ترد في مثل هذا التحليل مصاحبة لكلمة "الوحي".
      لكن احترام قوانين التاريخ والواقع لا يعني أن الإسلام وقف حيالها عاجزا، فمنهج الإسلام هو التغيير الجزئي الذي يؤدي في النهاية إلى "خلخلة" دعائم البنى الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية القائمة والمسيطرة، وكان هذا موقفه من النظام العبودي الاجتماعي حيث انبثت دعوة الإسلام إلى تحرير العبيد في كثير من النصوص بدءا من "المساواة" بين العبد والحر في الأحكام وفي معايير الثواب الأخروي، والتخفيف عن العبيد في أحكام العقاب الدنيوي - في مجال الحدود بصفة خاصة - مراعاة للضغوط الاجتماعية التي يتعرضون لها فتجعلهم أقرب إلى الوقوع في الخطأ. علاوة على ذلك فتح الإسلام في كثير من أحكامه باب التحرر بأن جعل "عتق الرقبة" وتحريرها واحدة من أهم الكفارات في حالات كثيرة وأحكام عديدة، والأهم من ذلك أنه جعل الزواج من العبد المسلم أفضل من الزواج من الحر المشرك، وكذلك جعل الزواج من الأمة المسلمة خيراً من الزواج من الحرة المشركة، ومعنى ذلك أن الإسلام جعل معيار "القيمة" معيارا مخالفا للسائد الاجتماعي.
 
إطلاق مبدأ الاختيار
 
      كل هذه التغييرات على مستوى الأحكام ارتبطت بتأكيد نسق للقيمة يفتح الباب للحرية والتحرر من العبودية كما من عصبية الدم والعرق تماما، لكن الأهم من ذلك والأخطر إطلاق الإسلام لمبدأ حرية العقائد وممارستها من جهة، وإطلاق مبدأ حرية الاختيار للإنسان الفرد من جهة أخرى، وفوق ذلك كله فقد دشن الإسلام مفهوما للإنسانية الحرة الطليقة بأن أعلن رسالته خاتمة الرسالات والكلمة الأخيرة من السماء إلى الأرض، وهذا معناه الإقرار بأن الإنسانية قد تعدت مرحلة ما قبل النضوج التي تتطلب الوصاية الدائمة إلى مرحلة "الرشد" الكاملة.
       هذه الحرية التي يحاول بعض المتعصبين أن ينال من اتساعها وعمقها تجد جذرها في الخطاب الإسلامي من حقيقة صفة "العدل" الإلهية وهي الصفة التي لا تقف دلالتها عند حدود نفي الظلم فقط، بل تمتد دلالتها إلى إقرار مبدأ "العدل" مبدأ كليا للوجود الإنساني. إن حرص المعتزلة على تأكيد صفة العدل الإلهي هو الذي أفضى بهم إلى تأصيل صفة "التوحيد" فكريا وفلسفيا. إن الله سبحانه وتعالى عادل لأنه ليس صاحب مصلحة ولا تلحقه الحاجة ولا المنفعة التي تدفع البشر إلى الظلم دفعا لضرر أو استجلابا لنفع، ولن يزيد ملكه طاعة الطائعين ولن ينقص ملكه سبحانه وتعالى عصيان العصاة ولا كفر الكافرين. هذا "الاستغناء" المطلق هو جوهر مفهوم "الوحدانية" التي تميز الوجود الإلهي عن الوجود الإنساني، وهو ذاته جوهر مفهوم "العدل" الإلهي، هل بالغ الفقهاء الذين قالوا: حيث يوجد "العدل" توجد شريعة الله؟! وهل بالغوا كذلك حين قالوا: الحاكم العادل خير وأفضل من الحاكم الظالم ولو كان الأول غير مسلم والثاني مسلما؟! لا أظن ذلك، فقد تعمقوا مفهوم "العدل" الإلهي الذي انسرب مبدأ كليا بالضرورة في المشروع الإسلامي.
 
مقاصد الشريعة
     إن هذه المبادئ الكلية المقترحة الثلاث - العقل والحرية والعدل - تمثل منظومة من المفاهيم المتماسكة المترابطة من جهة، وهي تستوعب المقاصد الكلية الخمس التي استنبطها علماء أصول الفقه من جهة أخرى. إن الحفاظ على النفس والعقل والدين والعرض والمال تبدو مبادئ جزئية بالنسبة للمبادئ الثلاث الكلية المقترحة، ويمكن بالتالي أن تندرج فيها، هذا إلى جانب أن تلك المبادئ الثلاث المقترحة تستوعب جميع القواعد الاجتهادية التي أنجزها الأصوليون مثل قاعدة "الاستحسان" و"المصالح المرسلة" و"استصحاب الأصل" و"إباحة الضرورات للمحظورات".. وغير ذلك.. وسيتم قبول هذه القواعد على أسس كلية ترفع الاختلاف المعروف بين المدارس الفقهية حول مشروعية بعض هذه المبادئ. قد تصيح هذه الخلافات موضوع تحليل ودراسة لاكتشاف الأسباب والعلل لفهم تاريخ المذاهب والأفكار، لكننا لن نكون ملزمين - في ضوء المبادئ الكلية المشار إليها - بالاختيار بين هذا أو ذاك.
    ومن المؤكد أن الانطلاق من هدي تلك المبادئ سيجعلنا نتوقف عند قاعدة "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح" وقفة نقدية فاحصة متأملة للسياق التاريخي الذي صيغت فيه وهو سياق حالة الضعف والتمزق والتشتت الذي أصاب بنية المجتمعات العربية الإسلامية، ونحن الآن بصدد محاولة تجاوز هذه الحالة المشار إليها، واللحاق بركب التقدم والمدنية، يصعب علينا تقبل مثل تلك القاعدة، هذا بالإضافة إلى أنها تتعارض مع مبادئ العقل والحرية والعدل، التي هي بمثابة المقاصد الكلية للشريعة. ولا شك أن كل تقدم اجتماعي وعمراني وتقني إنما يرتبط بتطور الوعي الإنساني وبتنامي قدرته على اكتشاف القوانين الطبيعية والاجتماعية، وبعبارة أخرى ليس التقدم إلا تقدما في نشاط "العقل" الذي يمثل مركز المشروع الإسلامي في تناقضه مع الجاهلية. لكن كل تقدم له بعض توابعه السلبية التي تترتب عليها بعض الأضرار، وهي بمثابة ضريبة تدفعها البشرية في سبيل التقدم، فلو أخذنا بقاعدة "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح" لناهضنا التقدم ووقفنا حجر عثرة في سبيله، أي لناهضنا تطور العقل وتقدمه، وبذلك ننتهك مبدأ كليا من مبادئ الإسلام.
     إن دراسة النصوص الدينية وفهمها وتأويلها من خلال تلك المبادئ الكلية الثلاث يمكن أن يكون هاديا لصقل مزيد من آليات الاجتهاد تضاف إلى آليات الاجتهاد التي وصلت إلينا من تراثنا الفكري، ومن الممكن بالطبع أن تتفرع عن تلك المبادئ الكلية فروع تنمو وتتزايد مع عملية القراءة المقترحة والتي تحتاج إلى جهود وجهود، جهود تتجاوز حدود إمكانات الفرد وتحتاج إلى إمكانات مؤسسات بحثية جديدة، تحتاج إلى مؤسسات بحثية علمية على صلة بمنهجيات العلوم الإنسانية المتطورة بصفة عامة، وما يتعلق من تلك المنهجيات بدراسة النصوص وفهمها وتأويلها بصفة خاصة. ولا خوف على عقائدنا وديننا من تلك المنهجيات وإجراءات تحليلها، وإنما الخوف من "الجمود" و"التقليد" اللذين يمثلان حصون الدفاع في المؤسسات التقليدية. لقد أرسل الله سبحانه وتعالى رسله للناس يحملون كلامه عز وجل لكي يفهمه الناس، وليست عملية الفهم حكرا على عصر من العصور مهما بلغ إخلاص أهله، بل هي عملية تتشارك فيها كل العصور سعيا لإتمام نور الله سبحانه وتعالى بإبراز الدلالات الكامنة في كلامه.
 
  نصر حامد أبوزيد  (مجلة العربي العدد 426 – 1/5/1994)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ينظر كتاب: " محمد عمارة في ميزان أهل السنة والجماعة " لسليمان بن صالح الخراشي، وهو موجود على الشبكة.

23 - يوليو - 2010
ساعة الفجر الحزينة
 50  51  52  53  54