البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات ضياء العلي

 49  50  51  52  53 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
اللهجات العامية في لبنان وسورية (4)    كن أول من يقيّم

الزيادة:
وهي أن يزاد على الكلمة حرف أو أكثر وذلك من لهجات العرب أيضًا، مثل قول شاعرهم:
 
وإنني حيثما يثني الهوى بصري      من حيثما سلكوا أثني فأنظور
 
أي أنظر. ومنها قولهم " إيد " ليد، " وكارُّو " لكار أي سفن منحدرة لنقل الطعام ونحوه وهي أعجمية، " ودواية " لدواة وهي ما يكتب بها، وأما الدواية فهي ما يعلو اللبن من القشدة المعروفة عند العامة بالقشتة، وهي السمن أو الزبدة التي يسميها الأتراك قيماق، " والقرنبيط " للقُنَّبِيط ( نوع من الخضر )، وتقنطر عن فرسه لتقطَّر  أي وقع، ولعلهم زادوا النون للإلحاق مثل تجندل في تجدَّل، " والمخلاية " للمخلاة، وهي ما يوضع فيها الخلَى أي رطب النبات لإطعام الدواب وقد عيب على المتنبي  قوله في مرثية أم سيف الدولة الحمداني لما فيه من الهجنة:
لساحيه على الأجداث حشف      كأيدي الخيل أبصرت المخالي
 
"وفلحص" لفحص برجليه، أي بحث ونشر التراب، " والمراية " للمرآة، " والحرباية " للحرباء، " والمصفاية" للمصفاة، و" القشوية " للقشيَّة، وهي شيء يتخذ  من القش كإناء، " والمَجْعود" للمجعّد، " والمعَوْكَر " للمعكَّر، "والمقوفع" للمقفَّع،      "وتشنطط" لتشتَّت ، وفيه الإبدال فوق الزيادة. " والصدرية " للصدرة، " والجلابيَّة " للجلباب، " والقوبرة " للقبَّرة، وهي الطير المعروف، " ورجال " لرجل، " وطيلع  الشيء" لطلَّعه، " ونَيْزَلَهُ " إذا نَزَّله، " والمريُول " للمِرْيل، وهو ما يوضع على صدر الطفل ليقي ثيابه من رياله أي لعابه السائل من فمه، وأطلقوه الآن على ما يتخذه  الخادم لوقاية ثيابه من القذر، والبعض يسمونه بالمملوك من تسمية الشيء باسم متخذه؛ لأن المملوك الخادم وهو من ملابسه، " والباقية " للبيقة وهي حب يتخذ لعلف المواشي، " ومايق " في مَئِق، والبعض يبدلون بها قولهم مِرِق أي كريه ثقيل، ومنه المثل عند الفصحاء ( أنت  تئِق وأنا مَئِق فكيف نتفق ) وقولهم ( لو طربقت ) السماع الأرض. أي لو طبَّقت . و( شوشط ) الطعام على النار أي شاط وشوَّط، إذا كاد يحترق،" ورصرص الشيء" إذا وضع فيه الرصاص من رصَّصَه، " وزوزق الشيء" بمعنى لونه وزينه من زوَّقَه، "والمسقار" لنوع من السمك الأحمر الطويل المسنَّم الظهر من    (السَّقَّار ). " ودعبل الشيء " إذا كتَّله من دَبَله، " وتتعلس " إذا ساءت حاله من  مرض ونحوه، من تتعسَّ " والعَتْعِيت" للرجل العظيم القوي من العُتْعُت، " وكرنش جلده" إذا تغض فصار كالكرش، من كرش إذا كان كذلك، ويقولون عما يريدون تركه ( بَلاَه ) فهي من كلمة ( بَلْه ) أي اترك ودع، أو هي مركبة من ( لا ) النافية فتكون بمعنى ( بدونه ) " ومْبَلَى " في بَلَى حرف الجواب، " والعامود " للعمود، وجمع الأولى عواميد  وفصيحها أعمدة.

5 - ديسمبر - 2007
أحاديث الوطن والزمن المتحول
اللهجات العامية في لبنان وسورية (5)    كن أول من يقيّم

 النقصان:

        ومن نقصان الحروف قولهم " أُسْطَا " في أستاذ، ويقولون ( أستا ) أيضًا بدون إبدال و " ماظة " في لماظة، وهو ما يتنقل به على الشراب، و " سَنَم الجمل " أو ( صَنَمه ) بمعنى سنامه وهو ظهره المرتفع ففيه إبدال أيضًا، " بصَّة النار " أي بصوتها وهي جمرتها فأنقصوا وضعفوا، " بُبُّو العين " أي بؤبؤها وهو إنسانها أو سوادها، و " طبَّ على الصحن " ونحوه أي أكب فنقصوا وأبدلوا، و " عَطُوني " لأعطوني . و " هيك " أي هكذا، و " طار " لإطار المنخل والغربال ونحوهما، وربما عوضوا عن الهمزة المحذوفة تاء فقالوا طارة. و " ربَّص الأرض " إذا بربصها بمعنى سقاها رويًّا  لتجود ثم عزقها وزرعها، و " التَمَّ " لالتأَم بمعنى اجتمع، و " اللي " أي الذي، و " مَرْت فلان " أي امرأته، وهَون أي هنا و ( غِنية ) لأغنية و ( البندة أو البندية ) للبدنية وهي حجر كبير مربع مستطيل معد للبناء، و  ( تف ) أي اتفل بمعنى ابصق، وقولهم هذا مرّ مثل ( العَلَق ) أي العلقم. ونهار الحد للأحد، و ( طسه ) إذا ضربه شديدًا من رطسه، و (الفصَّة) نبات يتخذ لعلف الحيوانات من الفصفصة و( النِّزْغَلَّة ) للحمامة البرية من أُطْرُغَلَّة، و (طلّ) عليه إذا أشرف من أَطلَّ، و ( شاف ) أي أشاف عليه، و ( فزَّ ) من قفز، و ( غفى ) إذا نام من أَغفى، و ( شعط ) إذا غضب من اشمعطَّ، و ( العطوس ) للعاطوس، و ( العِكِش ) الذي لا يهتم بالزينة والترتيب من العنكش و ( السَّبَل ) للسنبل من القمح ونحوه معروف. و ( الشوال ) للجوالق الفارسية الأصل، وتكتب عندهم چوال. و( طقسس ) عن الخبر أي فحص من تقَسَّس الخبر، أو من تقصَّاه، و (زحط) بمعنى زلق من انسخط، واتْهَمه بإسكان التاء عوض اتَّهمه بتشديدها، بمعنى نسب إليه ذنبًا ونحوه، و ( القُومانية ) ما يكفي الإنسان من القوت فصيحها القِوَام والقوميَّة فتصرفوا فيها بالزيادة.
        وقد تجتمع الزيادة والنقصان والقلب مع غيرها مثل ( الحنبلاس ) لحبِّ الآس الذي يؤكل و( الصُّوفَيْرة ) للصفَّارة، و( النوفيرة ) للنوفرة بمعنى الفوَّارة، و(الطنطلة) أي اللهاة التي في الفم من الطلاطلة.
 
    

5 - ديسمبر - 2007
أحاديث الوطن والزمن المتحول
اللهجات العامية في لبنان وسورية (6)    كن أول من يقيّم

الدخيل:
        هو ما تسرَّب من الأعجمية إلى لهجات العرب باختلاطهم بالأعاجم فشاع بينهم وصار من ألفاظهم التي يتفاهمون بها، وذلك منذ القديم إلى يومنا وله أمثلة كثيرة لا يمكن الآن حصرها في هذه العجالة فنشير إلى بعضها، قال كسرى أنوشروان كما روى الثعالبي في ( من غاب عنه المطرب ): النبيذ صابون الهم. فاستعمله العرب بعده، والإصطَبل ذكر في فقه اللغة، وسأل على ( رضه ) شريحًا مسألة فأجاب بالصواب. فقال له ( قولون ) أي أصبت وهي رومية.
 
        فمما دخل في ألفاظ عاميتنا من تلك اللغات التي شاعت بيننا قولهم من  السريانية ( الصلاحيَّة ) بمعنى الصحن العميق القعر، و "الشَّوْب" للحَرّ، و( طرطش  ثيابه ) إذا لطخها بالماء ونحوه، و ( كَـرزَ ) إذا وعظ، و ( سَكَّر البـاب ) إذا أغلقه،     
و( السُّكَّرة ) القفل الخشبي الذي يثبت به الباب المغلق، و ( دَقَّرَه ) بمعناه .
 
        ومن الفارسية ( البالوظة ) للفالوذج وتسميه العرب الرجراجة والرِّعْديد، و ( السدَّان ) من السندان وهو ما يطرق الحداد عليه الحديد وفصيحه العَلاَة، و ( الزَّهْر ) لفصوص النرد ( طاولة اللعب المعروفة ) تعريب ( الزار ) بمعنى الحظ،و ( لداغ ) بمعنى الهيئة أو السمة الواحدة، و ( البَرْطاش ) لعتبة الباب السفلى بمعنى ( حجر واحد ) لأنها تكون كذلك. و( النربيج أو المربيج ) ما يدخَّن في الأركيلة والمصريون يسمونه اللَّيْ، و( الأركيلة ) من النارجيلة وهي هندية الأصل معروفة ويسميها الأتراك ( الشيشة ) بمعنى الزجاجة و( الجانبازي ) الذي يزيد في الثمن  وعربيته الناجش. و(الخشاف) نقيع الزبيب أو المشمش بالماء الحلو من ( خُوْش ) أي لذيذ و( آب ) بمعنى ماء. و( الخشكار ) الدقيق ( الطحين ) الخشن. و( الدشمان ) بمعنى الخصم والعدو، و( الجامكيَّة ) أي رواتب خدَّام الدولة تعريب (جامكي)، (والبازار) السوق، و( البارة ) بمعنى القطعة، و( البيكار ) من بركار، و( زمُّولة الإبريق ) تعريب بزول وهو الثدي، و ( المارستان ) من بيمارستان أي دار المرضى، وبيض برشت في ( نيم برشت ) أي نصف مشوي .
 
        ومن اليونانية ( المُخْل ) لآلة الهدم، وقيل سريانية، و (الاصطبل) لمربط الخيل،   و( الزنطاري ) تصحيف الدوسنطارية لمرضى السحج والدَّرَب.
        وفي اللاتينية ( الكابوس ) لمرض يصيب الراقد وفصيحها الجاثوم والجُثام، و ( السجلّ ) لكتاب الحكومة. و( البسكوت ) لقطع من الخبز معروفة، والبرنيطة للباس الرأس الشائع.
 
        ومن اللغة المصرية القديمة ( الهيروغليفية ) ( الحنطة والقمح ) للحبوب المتخذ منها الخبز. و ( المر ) للآلة التي يحفر بها تعرف بالمسحاة. و( العيش ) للخبز .
 
        ومن العبرانية ( القطاني ) للحبوب غير الحنطة والشعير، و ( الكرسنَّة ) لنوع  من القطاني لغذاء الحيوانات.
 
        ومن القبطية ( الحَلُّون ) لنوع من الجبن تحريف ( الحَلُوم ) و( الإردبّ ) للمكيال المعروف، و( التمساح ) لحيوان النيل، وقولهم في الغناء ( يا ليلي ) بمعنى يا طربي و( كاني وماني ) بمعنى السمن والعسل الممتزجين.
 
        ومن الحبشية ( المشكاة ) لطاقة غير نافذة يوضع فيها السراج، و( الممبر  أو  المنبر الكرسي ) لموقف الواعظ أو الخطيب، والمصحف للكتاب، والمنافق للخدَّاع.
 
        ومن الإيطالية ( الكَرُّوسة ) للعجلة التي تجرها الخيل، و( الأسكلة ) للميناء البحرية. و( ياما ) كثيرًا ما. و( الأفوكاتو ) للمحامي، و( البنديرة ) للعلم، و ( الفركاثة ) لسفينة بحرية، و( الكرنفال) لأيام المرفع قبل الصيام الكبير عند النصارى، و( القرصان ) للصوص البحر، و( النومرو ) بمعنى الرقم، ويقولون ( النمرة ) أيضًا، و ( البَنْدُورة ) تعريب (بومي دورا) أي تفاح الذهب، فقالوا أولاً (بوما دورا)  ثم أقروا عليها كما رأيت.
 
        ومن الأسبانية (الكَبُّوت) لما يلبس فوق الثياب، و(الباتنْته) للتذكرة أو الإجازة.
        ومن الفرنسية ( الصالون ) للردهة ، و( الكوردون ) للمحجر الصحي .
        ومن الإنجليزية ( الترامواي ) للحافلة و( الفنغراف ) للحاكي.
        ومن الألمانية (القرش) للنقد المعروف وقيمته أربعون بارة، وقيل إنه يوناني.
        ومن لغة مَلَقَّة ( ملعقة )، ( الكافور ) تحريف الكابور وهو معروف .
        ومن الهند الدُّرَّة للببغاء، الطائر المعروف ( والنارجيل ) لجوز الهند.
        والألفاظ التركية كثيرة عندنا، ولاسيما في سورية مثل ( جَبَا ) بمعنى مَجَّانًا،    و( المراق ) أي المَيْل و( الكوسة ) للذقن الخفيفة الشعر، و( العُرضى ) تحريف أوردي بمعنى الفيلق، و( التُّتُن ) للتبغ بمعنى الدخان، و ( البقجة ) لما تصر فيه الثياب، وسماها القاضي الفاضل ( الكـارة ) وفصيحها العِكمة، ذلك فضلاً عن ألفاظ أخرى أوروبية مثـل ( البردقان ) نسبة إلى البرتغال ولفظـة ( ساتينه للقماش ) المعـروف نقلت عن الأوروبيين نسبة إلى بلدة ( زيتون ) في الصين حيث كانت تنسج.
 
 

5 - ديسمبر - 2007
أحاديث الوطن والزمن المتحول
اللهجات العامية في لبنان وسورية (7)    كن أول من يقيّم

  
 
  التصحيف:
 
        ومن التصحيف قولهم ( احدف الشيء ) أي احذفه، و(هدا) أي هذا و(خزنة الفأس) ونحوها أي خرتها وهي ثقبها الذي توضع فيه عصاها. و(شفشق) تكلم بحماقة من ثفثق، و( السريجة ) للجوالق من الشريجة، وكذلك سرَّج الثوب من شرَّجه و(النفناف) الثلج المتساقط ومعه مطر من الشفشاف، و(الفائظ) للفائض وهو أسلوب تركي، فكل الألفاظ التي هي بالضاد يلفظها الأتراك بالطاء مثل ( ضابط ومضبطة ) فيقولون ظابط ومظبطة و( غظ النظر ) لغضه. وعامتنا يصحفون الثاء المثلثة بالتاء المثناة فيقولون (اتْنَيْن) في اثْنَيْن و(تَمَر) في ثَمر، و(تِلم) في ثِلم و(التلاتة) في ثلاثة.
        وكذلك يصحفون الشين المثلثة بالسين المهملة مثل ( سجر ) في شجر،  ويفعلون مثل ذلك في الخاء الموحدة النقطة الفوقية والحاء المهملة مثل ( خَسَم ) المبلغ أي حَسَمه بمعنى قطعه .
       

5 - ديسمبر - 2007
أحاديث الوطن والزمن المتحول
اللهجات العامية في لبنان وسورية (8)    كن أول من يقيّم

 التحريف:

        يكون بتبديل الحركات والسكنات في الحروف وهو متفش عند العامة إذ يقولون ( له صلاحِيَّة بهذا الأمر ) أي صلاحيَة مثل ( كراهيَّة ) لكراهية، وتشديد المخفف في مثل هذه الصيغ وغيرها من لغة الدواوين، ويقولون ( لفلان طمَعِيَّة بفلان ) والأصل طماعِيَة فحذفوا وحرفوا، ويقولون أيضًا في أسنانه (حَفَر) أي حَفْر و( حَلَقَة الباب ) لِحَلْقَتِه، قال ابن قتيبة: وليس في كلام العرب حلقَة بفتح اللام إلا حَلَقة الشَّعَر جمع حالق نحو كَفَرة جمع كافر. و( الحَلَف ) للْحلف بمعنى القسم، و ( النَّتَّن ) للنَّتْن،  و ( الْحَوْر ) للحَوَر، وهو الشجر المعروف ... وَعَشرة على لغة تميم أي عَشْرة للعدد قال أبو هلال العسكري في كتابه ( الصناعتين ):
 
        " ونحن نفهم رطانة السوقي ومجمجة الأعجمي للعادة التي جرت لنا في    سماعها .. لا لأن تلك بلاغة، ألا ترى أن الأعرابي إن سمع ذلك لم يفهمه إذ لا عادة   له بسماعه.
        وأراد رجل أن يسأل بعض الأعراب عن أهله فقال: كيف أهلِك؟ ( بكسر اللام) فقال له الأعرابي: صَلْبًا. إذ لم يشك أنه إنما يسأله عن السبب الذي يهلِكُ به أي يموت اهـ ".

5 - ديسمبر - 2007
أحاديث الوطن والزمن المتحول
اللهجات العامية في لبنان وسورية (9)    كن أول من يقيّم

غرابة الاستعمال:
 
        ومن غرابة الاستعمال تغيير الكلام عن مواضعه فيقولون لكل حيوان ميت ( وقيسة ) والأصل ( وقيصة ) أي مكسورة العنق، ثم عم استعمالها لكل ميت. و( كلكلت يده من العمل ) كأنها من الكلكل لصدر البعير الذي يبرك عليه وفصيحها ( جسأَت يده ) أي خشنت من العمل، وقولهم للقائم ( اجلس ) وللنائم ( اقعد ) والصحيح العكس أي يقال للقائم ( اقعد ) وللنائم ( اجلس ). و ( جَرَد الثوب ) إذا ذهب بعض لونه مأخوذ من جَرَد اللحم إذا عرقه من العظم، والفصيح في تغيير اللون قولهم نفض الثوب وتقول العامة ( باخ ) أيضًا وهي كلمة مولدة. ويقولون فلان ( بقمة ) أي كثير البكاء قليل العقل وأصلها بُقَامَة. و( الصلاحية ) لكل قصعة وأصلها ( الصراحية ) لآنية الخمر. ويقولون ( هُسَّ ) أي اسكت مأخوذة من قولهم فلان يهسّ أي يحدث نفسه. ويسمون محل التبن ( تَبَّان وتَبَّانة ) وهما لبائع التبن وبائعته ولكن الصواب مَتْبَن ومنه يسمون المجرة ( طريق التبَّانة ). وكذلك ( البوابة ) للباب الكبير وهو اسم لمن يقف على الباب كالحارسة والحافظة. ( والخمَّارة ) لمحل بيع الخمر وهي اسم لبائعة الخمر كالعطارة والخبازة وصوابها المخمرة أو الحانة. ويسمون ( الساقية ) بالناعورة لدولاب السقي، مأخوذة من صوتها. والمخابرة بمعنى المفاوضة وهي بمعنى المزارعة على نصيب معين، ومثلها المبارحة ولم ترد عن العرب وصوابها المزايلة وتأنيث المذكر مثل الكرسي والوادي كما قال شاعر العرب قبلاً:
يأيها الراكب المزجي مطيته      سائل بني أسد ما هذه الصوت
 
        و( كوز الحداد ) لمنفخه وصحيحه ( كير )، أما الكور فهو موقدته الموضوعة أمام منفخه ليحمى فيها الحديد. قال الشاعر:
 
سبكناه ونحسبه لُجَينا     فأبدى الكِير عن خَبَث الحديد
 
        وقولهم ( طير جُوّي وبرِّي ) نسبة إلى جَوَّا وبَرَّا ويقولون ( جوَّاني وبرَّاني ) للمكان، ويستعمل لذلك مـن الفصيح قولهم الداجن والآبد للطيور وداخلاً وخارجًا للمكان ( وبصبوص العين ) أي إنسانها وبؤبؤهـا ولعله مأخـوذ مـن بصبص الجرو    وبصَّ إذا فتح عينيه أو من البصَّاصة أي العين.
        و ( كردسه ) أي جمعه من الكردوس وهو قطعة عظيمة من الخيل. ويقولون( جلف يده ونحوها ) إذا جرحها وأصل المعنى جلف الظفر إذا اقتلعه وأما جلف يده فيقولون فيها جرح يده.
 
        ويقولون ( خمِّس ) أي ضع أصابعك الخمس في أصابعي الخمس، وذلك كناية عن الاتحاد والارتباط. وافرك له أذنه من فركت الأذن إذا استرخت فكأن المراد  جذبها لتسترخي أو هي من الفرك بمعنى الحك.
        و ( فقر الشيء الأجوف ) إذا شقه؛ فهي إما مأخوذة من بقر بالإبدال لقرب المخرج إذ يقولون بقر بطنه أي شقه، وإما من فَقَره بمعنى كسر ظهره وعمم استعمالها.  و ( انخرع فلان ) أي تخنَّث وتدلل كأنها من الخرع وهو لين المفاصل. وفلان ( ينقّ وينقتق ) من النقنقة وهو صوت النعامة، و ( خَرْنق ) إذا تكور على نفسه كأنه من الخِرْنِق وهو ولد الأرنب لأنه يفعل مثل ذلك. ومديون عوض مدين وهذه لغة تميم ومصاغ عوض مَصُوغ. و ( لأّ ) في لا النافية على لغة تميم أيضًا.
        ويقولون للص ( الحَرَامي ) وهي مأخوذة من تعيير بني سعد لبني حرام وهما   من الأوس والخزرج كانا متعاديين مثل قيس ويمن، فكان السعديون يقولون (الحرامي) لمن يستحقرونه ويريدون به الخبيث واللص.
 

8 - ديسمبر - 2007
أحاديث الوطن والزمن المتحول
اللهجات العامية في لبنان وسورية (10)    كن أول من يقيّم

عكس المعنى:
        يقولون سأفعل هذا الشيء من كل بدّ أي وجوبًا فعكسوا المعنى؛ لأن المفهوم من قولهم ( بد) مانع. فكأنهم يقولون سأفعله من كل مانع والمراد العكس. فالصواب أن يقولوا من ( غير بد ) أي من غير مانع. ويستعملون كلمة ( الشاطر ) للحاذق  وهي بمعنى الخبيث .
        ارتجال الألفاظ:
        وهو النطق بألفاظ مرتجلة يصعب ردها إلى لغة أو توجيه معناها لما يفيد أصلها. وقد تكون محرفة بعيدة عن أصلها مثل ( صوص الدجاج ) للقُوب. و( نخت السماء ) أي أركَّت إذا أمطرت رذاذًا. و( الجَمْزِينَة ) للعُثْمرة وهو من العناقيد العنبية ما امُتصّ ماؤه وبقي قشره وثُفَالته، و( الجفِت ) لما يبقى من الزيتون والخرنوب ونحوهما بعد العصر، وأصل هذا المعنى قشر البلوط الداخلي. و(الشرانق) للفيالج وهي قشرة الحية.  و( الرجمة ) لكل حجارة منضَّدة وأصلها للحجارة التي تركم على القبور. 
 
        تغيير الألفاظ عن وضعها:
        وذلك بما يعرض عليها من تأثير الألسنة، أو البعد عن الأصل أو مزج كلمات وأخذ بعضها بزيادة أو نقصان، فيقولون ( جاب الشيء يجيبه ) إذا جاء به فتوهموا حرف الجر من أصل الكلمة وألحقوه بالفعل، و(لعلب الكلب لسانه) أي لعلع بلسانه إذا دلعه عطشًا. و( البحص ) للحصى، فكأنهم نقلوا الكلمة ومعها حرف الجر مثل ( رجمه بحصى ) مثلاً فأخذوها على لفظها أو هي مقلوب حصب.
        الألفاظ الفصيحة في اللغة العامية:
 
        كثيرًا ما نرى ألفاظًا عامية تطرق أسماعنا فنظنها بعيدة عن الفصحى وهي هي منها أهملت بالاستعمال وبقيت في العامية فقط.
        من ذلك قولهم ( هج ) فلان إذا تاه في البلاد، قال ابن تغري بردي في كتابه (النجوم الزاهرة) وهو المتوفى سنة (874هـ = 1469م) الجزء الثاني والصفحة 158  ( ثم أَمَّنهم فهج أهل قرطبة إلى البلاد). وكذلك كلمة كَعَّ أي عجز عن الشيء ويحرفونها ( كِعِى ) أيضًا، وقد وردت في كلام الفصحاء بهذا المعنى .
        ولو شئنا استقراءها لطال بنا نَفَس الكلام، وكلها تعرف من البداهة أو بالبحث ومراجعة المعجمات.
        الختام:
 
        هذه هي لمحة من ألفاظ اللهجة العامية وشؤونها، أوردت فيها أمثلة قليلة من كلام كثير شائع بيننا جمعته بمعجم مطول لا يزال مخطوطًا كما جمع غيري مثل ذلك أيضًا، وهذه الكتب عددتها في مقالتي بالجزأين الماضيين من مجلة المجمع([1]).
        كتبها : الأستاذ عيسى إسكندر المعلوف
 


([1]) انظر مجلة المجمع ج 1 ص 350، ج 3 ص 349.

8 - ديسمبر - 2007
أحاديث الوطن والزمن المتحول
أنا عندي حنين    كن أول من يقيّم

 
 
 
من أحب أغنيات فيروز إلى قلبي هذه الأغنية التي تحمل معاني لها دلالات عميقة في نفسي تشبه دلالات الغزل
الصوفي :
 
 
 
   أنا عندي حنين 
أنـا عـندي حنين
 
مـا بـعرف iiلمين
لـيـلية iiبيخطفني
 
من بين iiالسهرانين
بـيصير  iiيمشيني
 
لـبـعـيد iiيوديني
ت  أعـرف iiلمين ؟
 
ومـا  بعرف iiلمين
 
عـديـت iiالأسامي
 
ومـحيت iiالأسامي
ونـامي  يا iiعينيي
 
إذا رح فيكي تنامي
وبـعـده iiهالحنين
 
مـن خلف iiالحنين
بـالـدمع iiيغرقني
 
بأسامي  iiالمنسيين
ت  أعرف لمين ii؟
 
ومـا  بعرف iiلمين
 
أنـا خوفي يا حبي
 
لتكون  بعدك iiحبي
ومـتهيأ لي iiنسيتك
 
وأنت  مخبَّى بقلبي
وبتودي iiالحنيـن
 
لـيـلِّـيـة iiالحنيـن
يـشلحني  iiبالمنفى
 
وبـعيونك الحلوين
ت  أعـرف iiلمين ؟
 
ومـا  بعرف iiلمين
 
http://www.sawari.com/  بالإمكان الاستماع إلى أغنية فيروز على هذا الرابط ( موقع سواري )

9 - ديسمبر - 2007
أغانٍ لها ذكرى في حياتي
قصة تجربة في عالم النشر    كن أول من يقيّم

 
بعثيان أسسا داري نشر ابتدأتا قوميتين لكن الزمن حملهما إلى آفاق أخرى
نستفيد من الكتاب القومي والسياسي لكنه التزامنا قبل كل شيء
 
شادي علاء الدين

 
لكل دار نشر فاعلة قصص تؤرخ لسيرة الناس والثقافة والمجتمع والسياسة . الكثير من هذه القصص لا تظهر على السطح وغالبا ما توجه العناية إلى المنتوج في اللحظة التي يخرج فيها إلى النور كائنا مكتمل النمو . هذا التناول يجعل من الكتاب كائنا معزولا ومخلوقا بلا تاريخ لذلك تبدو ضرورة التأريخ لجهد بعض دور النشر بوصفه تأريخا للكتاب منذ لحظة انبثاقه بصيغة الحلم والرغبة والأمل والمسيرة الشاقة التي تتبعها هذه الصيغة قبل أن تتبلور في حيز الإنجاز .

من هنا اخترنا دراسة دارين هما دار الطليعة والمؤسسة العربية للدراسات والنشر . كان لهما تاريخ مميز وفاعل في تكوين الثقافة العربية وفي التأثير على مدارس واتجاهات فكرية وفي عملية تربية عدد كبير من المثقفين الذين لمعوا وذاع صيتهم فيما بعد .
 
دار الطليعة: براءة النشأة

تأسست دار الطليعة في شباط 1959 كشركة توصية بسيطة وكان رأسمالها آنذاك 21 ألف ليرة لبنانية وكان بشير الداعوق هو الشريك المفوض. تحولت الدار في كانون الثاني من عام 1965 إلى شركة مساهمة لبنانية رأسمالها المدفوع مائة وخمسون ألف ليرة لبنانية وقد ازداد الرأسمال عبر السنين حتى وصل إلى مائتي ألف ليرة عام 1997 تسلم بشير الداعوق مركز رئيس مجلس الإدارة في الدار منذ تأسيسها حتى وفاته مؤخرا. مجلس الإدارة كان يضم كلا من غادة السمان وعبد الحميد ناصر الذي كان يحتل مركز عضو منتدب حتى العام .1989 صمم شعار الدار الفنان اسماعيل شموط في كانون الأول .1959

يتحدث عبد الحميد ناصر عن الظروف التي رافقت انطلاقة الدار فيقول: «كان بشير يحمل هم إنشاء دار نشر وكان يحدثني بحماسة عن هذا الموضوع وفي الحقيقة أنا لم أكن على علاقة بهذا العالم ولكن بشير نجح في اقناعي بالدخول معه في هذه التجربة. بداية اتخذنا مركزا لنا في مبنى جريدة الصحافة التي تكرم أصحابها وأعطونا غرفة كنا نمارس عملية النشر انطلاقا منها. كان عمل النشر متمركزا في شارع سوريا حيث تنتشر معظم المكتبات وكان هناك دائرة أساسية لعمل النشر في مجموعة عمارات أبرزها البناية المركزية وبناية صمدي وصالحة وبناية اللعازارية فاتخذنا لنا مكاتب في البناية المركزية وكنا دوما نتمدد ونحصل على عدد جديد من الغرف مع مرور الوقت كون البناء كان جديدا في ذلك الوقت ولم يكن مأهولا بالكامل».

ضرورة التوازن بين الهموم الفكرية ومنطق السوق هو من المسائل التي لا تنجح أي دار نشر وتتقدم إذا لم تستطع تقديم حلول لها فكيف تعاطت دار الطليعة مع مثل هذه المشكلة وكيف عملت على خلق التوازن الذي قد يبدو صعبا إذا لم يكن مستحيلا بين هذين المعطيين المتنافرين أي السوق والفكر؟ عبد الحميد ناصر يجيب بصراحة عن هذا الموضوع فيعلن: «في الواقع كان للدار توجه سياسي واضح يقوم على دعم التوجهات القومية والدعاية لها. كان المد القومي طاغيا في مرحلة نشوء الدار واستمر هذا المد إلى السبعينيات ولذلك كان احتمال رواج الكتاب القومي كبيرا وقد عملنا على الاستفادة من هذا الواقع. كنا أول دار محلية تخترق حدود لبنان بشكل فاعل حيث كانت الدار تضم حشدا من المؤلفين الذين ينتمون إلى معظم بلدان العالم العربي. فقد نشرت الدار لمؤلفين وشعراء ومفكرين من كل الدول العربية.

فكرة إصدار السلاسل هي فكرة لازمت الدار منذ نشأتها الأولى إلى هذه اللحظة وإجمالا يمكن تقسيم مراحل عمل الدار إلى أربع مراحل.

المرحلة الأولى من عام 1959 إلى عام 1967: كان المد القومي بنسخته البعثية لازال فاعلا لذلك اتخذ قادة البعث من قبيل ميشال عفلق وصلاح الدين بيطار ومنيف الرزاز من الدار منبرا لنشر الفكر القومي بصيغته البعثية النقية قبل أن يصل الحزب إلى سدة السلطة. يعلن سامي الكعكي الموظف الإداري في دار الطليعة: «حضنت الدار في تلك المرحلة السجال الذي دار داخل الفكر القومي . ترافقت تلك المرحلة مع بدء عملية نشر وترجمة كلاسيكيات الفكرة القومية ونشر كتابات المبدعين العرب من روائيين وشعراء وبدأت عملية الترجمة. أبرز الكتب الإبداعية التي ميزت تلك المرحلة كان كتاب ثائر محترف لمطاع صفدي وكتابات عبد السلام العجيلي وابرز الإبداعات المترجمة كانت رواية صمت البحر لفيركور ورواية جوستين للورنس داريل.

المرحلة الثانية من عام 1968 إلى عام 1982: يرسم الكعكي ملامح هذه المرحلة فيقول: «بدأت التجربة البعثية بالتآكل بفعل وصول العسكر إلى السلطة كما تميزت بوجود المقاومة الفلسطينية في لبنان. شهدت تلك المرحلة انفتاح الدار على الفكر الماركسي بكلاسيكياته المشهورة فنشرت قسما كبيرا منها على الرغم من تناقض الفكر الماركسي مع التوجهات القومية للقيمين على الدار. عمل جورج طرابيشي في تلك الفترة على خطين متوازيين فترجم الكتب السياسية وترجم أعمال سيغموند فرويد. حضنت الدار تجارب شيوعية نقدية كتجربة العفيف الأخضر الفوضوية كما بدأت بنشر أدبيات المقاومة الفلسطينية».

يتحدث عبد الحميد ناصر عن نهج الدار في التعاطي مع الموضوع الفلسطيني في هذه المرحلة قائلا: «لقد نشرنا كتبا لكل فصائل المقاومة الفلسطينية وكان ناجي علوش من أبرز الكتاب الذين نشر لهم في تلك الفترة.

المرحلة الثالثة 1983 ـ 1999: كان الوضع الداخلي قد تفاقم في لبنان في هذه المرحلة بحيث أصبح الحصول على الموارد الضرورية اللازمة لعملية النشر صعبا ما أثر سلبا على إنتاجية الدار.

اجتياح الكويت كان ضربة قاصمة فيما يتعلق بوضع الآمال على أي نظام عربي. تميز عمل الدار في هذه المرحلة باللجوء الى تبني التجارب النقدية والتجريبية، فتبنت تجربة ناصيف نصار وتجربة عادل فاخوري كما اهتمت بالأعمال الفكرية الرصينة في شتى المجالات كالفلسفة وعلم النفس والعمارة والثورات العلمية والتاريخ والدراسات الأدبية والنقدية والدراسات الأبيستيمولوجية والاجتماعية. انفتحت الدار أيضا على تجارب مجموعة من الأساتذة الشباب في الجامعة اللبنانية واهتمت بالإسلاميات وبتحقيق الكتب التراثية وكان رضوان السيد أبرز من عمل في هذا المجال.
 
أخذ منطق منهجية إصدار السلاسل يطبع عمل الدار بشكل حاسم في هذه الفترة فصارت كل الكتب المنشورة تنتظم في إطار هذه السلاسل التي تشكل في مجموعها مكتبة متخصصة في كل مجال بعينه.

المرحلة الرابعة 2000ـ 2007: إن شئنا البحث عما تختص به هذه المرحلة لوجدنا أنه يتمثل كما يعلن سامي الكعكي في «زيادة الإنفتاح على نشر الكتب التي تعنى بمجال الأديان المقارنة والكتب التي تعنى بالنقد الفكري للإسلام الممارس. آخر المشاريع التي نفذت هو مشروع يعنى بنشر سلسلة كتب تتعامل مع الإسلام بوصفه ثقافة أكثر منه عقيدة وقد أطلق على هذه السلسلة إسم الإسلام واحدا ومتعددا وقد نشرت تحت إشراف عبد المجيد الشرفي وبجهد مشترك مع رابطة العقلانيين العرب. وقد صدر منها حتى الآن 14 كتابا».

مجلة «دراسات عربية»:

تأسست هذه المجلة في عام 1964 وتوقفت عن الصدور في أوئل عام 2001 أي أن مسيرتها استمرت لحوالي37 سنة. نشرت المجلة في هذه الفترة عددا ضخما من المقالات في شتى الميادين الفكرية وخاصة ما كان منها مستجدا على الساحة العربية مثل علوم السيمياء والدراسات الأنتروبولوجية والدراسات النقدية التي تتعاطى مع أحدث المدارس والتوجهات التي انتجها الفكر الغربي مثل البنيوية والتفكيك. عملت المجلة على خلق ورشة عمل كان روادها المفكرون العرب من كل أنحاء الوطن العربي كما عملت على ضم أكبر قدر ممكن من أساتذة الجامعة اللبنانية بحيث كانت المجلة مختبرا تجريبيا ومصهرا تذوب فيه عناصر متنوعة ومتباينة لتخرج في النهاية بصيغة فكر مساجل ونقدي.
 
كانت مجلة دراسات عربية كما يجمع على ذلك عبد المجيد ناصر والموظف الإداري سامي الكعكي. تعتبر مجلة محكمة حيث كان النشر فيها يتطلب تحقيق شروط صارمة والتقيد بمنهجية دقيقة ورصينة. من هنا كانت عملية النشر فيها ذات فائدة كبرى للكتاب وخاصة للأكاديميين بحيث كان النشر فيها يمكن تقديمه للجامعات اللبنانية كدراسة منجزة يمكن الحصول من خلالها على ترقية أكاديمية. لم تحصر المجلة نفسها في مجال دراسي محدد بل فتحت الباب أمام كل أنواع الدراسات التي تتناول العلوم الإنسانية. هكذا يمكن القول إن المجلة تعتبر تأريخا أمينا للنشاط الفكري العربي منذ مرحلة ظهورها حتى توقفها.

مؤسسة الدراسات العربية

نشأت الدار في عام 1969 على يد عبد الوهاب الكيالي الذي كان عضوا قياديا في حزب البعث في المرحلة التي تلت النكسة مباشرة حيث كانت تسود مشاعر الإحباط واليأس. كان الكيالي يتولى مهمه التمويل ولم تعتمد الدار على أي دعم من جهة حزبية أو دولية. حيث هذه المرحلة الحرجة كانت تفرض على أي مشروع نشر جديد تعاطيا دقيقا ومبتكرا وإلا أصبح جزءا من منظومة سائدة لا مجال فيها لأي صوت مختلف.

يتحدث حسن فوعاني مدير المبيعات في المؤسسة عن طريقة العمل التي طبعت الدار في تلك المرحلة فيقول: «المنهج الذي عملت عليه الدار في فترة انطلاقتها الأولى يتمثل في إعادة نشر فكر النهضة كردة فعل على جو الإحباط الذي كان سائدا. نشرت الدار أعمال أعلام النهضة بتحقيق محمد عمارة فنشرت أعمال رفاعة الطهطاوي ونشرت أعمال جمال الدين الأفغاني وأعمال علي مبارك وأعمال الإمام محمد عبده، هذا في المرحلة الأولى ثم توسعت هذه المنهجية وتبلورت بالنزوع نحو إنشاء الموسوعات. وهذا الموضوع يحتاج إلى حديث منفرد».

عشق الموسوعات: يتحدث فوعاني عن موضوع الموسوعات بقدر كبير من الحماسة فيقول: «تميز عمل المؤسسة العربية بالسعي إلى إصدار أكبر قدر ممكن من الموسوعات فنجحت في إصدار موسوعات تعد فريدة من نوعها في اللغة العربية كالموسوعة السياسية التي كانت حلما من أحلام عبد الوهاب الكيالي التي لم يتح له تنفيذها في حياته إذ لم يصدر أثناء وجوده بيننا سوى الجزء الأول أما الأجزاء السبعة الباقية فصدرت بعد وفاته.
نشرت الدار أيضا موسوعة عسكرية في أربعة مجلدات وكان لها هيئة تحرير يرأسها المقدم هيثم الأيوبي. وقد شارك في تحريرها أكثر من سبعين كاتبا من ذوي الإختصاص او المهتمين بالشؤون العسكرية، موسوعة المستشرقين لعبد الرحمن بدوي وموسوعة الأدب الفلسطيني المعاصر بإعداد سلمى الخضراء الجيوسي وموسوعة الفلسفة لعبد الرحمن بدوي وموسوعة الحضارة الإسلامية التي صدرت في ثلاثة أجزاء يضم كل منها مجموعة محاور.

كتب الأطفال والفتيان: كان لكتب الأطفال والفتيان حصة كبيرة من جهود المؤسسة العربية فقد عملت جاهدة على إصدار مجموعات من كتب الأطفال العربية والمترجمة وأقامت من أجل ذلك مجموعة ورش عمل يعمل فيها الرسامون والكتاب والمخرجون جنبا إلى جنب من أجل إخراج أفضل كتاب ممكن للطفل والفتى.

مكتبة الأطفال والفتيان عند المؤسسة العربية هي مكتبة كبيرة تضم أكثر من 200 عنوان وقائمة المشتغلين في هذا المشروع طويلة تضم العديد من الأسماء البارزة في هذا المجال. نشرت المؤسسة أكثر من عشرين سلسلة من كتب الأطفال.

تعتبر المؤسسة من أكثر دور النشر انتاجا للكتب الروائية والقصص أذ أنها أنتجت أكثر من 400 كتاب روائي وقصصي عربي ومترجم الا أن هذا الأمر ليس هو ما يميز عمل الدار بل إن ما يميز عمل الدار هو الاهتمام بحضن التجارب الشابة والتقاط تجارب مميزة ورعايتها حتى تلمع فيما بعد وتصبح من الأعلام في مجالها. يصر حسن فوعاني على الحديث عن تجربتين مهمتين هما تجربة عبد الرحمن منيف وتجربة ابراهيم الكوني فيقول: «تجربة عبد الرحمن منيف وابراهيم الكوني هي من التجارب المميزة والمستمرة فحين حضنت الدار عمل عبد الرحمن منيف لم يكن قد أصبح بعد كاتبا مشهورا وكان قد صدر له كتاب أو كتابان فقط فعملت الدار على إصدار كتبه تباعا وتبنت تجربته وأخرجت كتبه كاملة وأعادت إخراج كتبه القديمة فوصل عدد كتبه التي أخرجتها الدار إلى أكثر من عشرين كتابا.» أما تجربة ابراهيم الكوني فتختلف عن تجربة منيف. أصدرت الدار له أكثر من ثلاثين كتابا للكوني وقد عرف انتشارا كبيرا في فترة عمله مع الدار .

التأريخ للشعر العربي المعاصر:

غالبا ما كان التأريخ لأي حركة شعرية ينتظر وفاة الشعراء حتى يتم نشر أعمالهم الكاملة فيبدو الأمر وكأنه نوع من تكريم فظ وقاس وفيه شبهة الرثاء والتخلص من الإرث وحالة تكاد تكون طمرا ودفنا وليست إحياء واحتفاء. من هنا مدى اختلاف وجدية العملية التي اطلقتها المؤسسة العربية منذ فترة والتي تعنى بجمع الأعمال الشعرية للشعراء في حياتهم وهم لا يزالون في عز عطائهم. وهكذا تكون عملية ضم الدواوين المتناثرة للشعراء في مجلدات عملية تسعى إلى خلق شبكة تفاعل واسعة مع الشعر وتسهيل المهمة أمام القراء والباحثين الذين غالبا ما يجدون صعوبة كبيرة في العثور على كامل دواوين الشاعر التي قد يكون تاريخ صدور طبعاتها قد مر عليه مجموعة من الأعوام ولم تعد متوفرة في الأسواق كما أن الكتب الشعرية لا تطبع بكميات كبيرة ونادرا ما يعاد طبعها لدرجة أن العثور عليها يتطلب البحث في الأرشيفات والمكتبات الخاصة. من هنا تظهر جدارة هذا العمل وأهميتة فأن تُضم كامل الأعمال المنجزة للشاعر حتى تاريخ جمعها هو عمل يتجاوز الأرشفة ليكون إعادة طرح للحضور الشعري من جديد أمام التناول النقدي والبحثي وخاصة أن كل مجموعة تصدر بمقدمة نقدية مكتوبة خصيصا لها، على الرغم من أن معظم الكتب قد تعرضت للتناول النقدي سابقا. لذا يبدو التقديم النقدي بمثابة دعوة إلى إعادة فتح ملف النقد من جديد ووضع التجربة الشعرية لكل شاعر في ضوئها من جديد.
كل هذا يقول إن العمل الشعري ليس كائنا متخفيا بل هو كائن حي ومتفاعل مع المجتمع الذي يعيش فيه. لقد جمعت الدار حتى الآن أعمال أكثر من عشرين شاعرا معاصرا من مختلف البلاد العربية نذكر منهم أمجد ناصر وخزعل الماجدي وقاسم حداد ومريد البرغوثي وشوقي بزيع وكان آخر أصداراتها في هذا المجال إصدار أعمال سليم بركات وأعمال عباس بيضون.

يعرض حسن فوعاني لهذه المشكلة فيقول: «في الفترة السابقة كن هناك ما يمكن أن نطلق عليه سوقا للكتاب فكانت الدول العربية تشتري الكتاب المنتج في لبنان، وكانت كل إصداراتنا تسوق في الدول العربية وبشكل خاص في الجزائر والعراق ثم سوريا. فكانت الجزائر على سبيل المثال تشتري من كل كتاب نصدره كمية لا تقل عن 300 نسخة وكان العراق وسوريا وغيرهما يشترون بكميات أقل ولكن هذا يعني ان الكتاب كان رائجا ولم يكن الامر مقتصرا على الدول بل كان للدار قراء أوفياء يواظبون على شراء منشوراتها.

لم يعد هناك ورشة طباعة كما كان الوضع في السابق وأخذت هذه الصناعة بعلاقاتها المتشعبة التي تربطها بتجارة الورق والتجليد وعمل المطابع والتصميم والإخراج تختنق شيئا فشيئا ويفضل أصحابها تصفيتها واللجوء إلى أعمال أخرى».

بعد عرض تاريخ كل من هذين الدارين والمفاصل التي طبعت عملهما لا بد لن أن نخلص في نهاية المطاف إلى الحديث عن أثرهما في بناء الثقافة العربية. يكفي للدلالة على أثر دار الطليعة أن نعرف أن هذه الدار نشرت 1134 كتابا جديدا لمؤلفين من جميع الأقطار العربية في كل ميادين العلوم الإنسانية وأن أحد كتبها الأولى الذي طبع في العام الذي شهد انطلاقة الدار وهو كتاب «في سبيل البعث» قد تزايدت طبعاته حتى وصلت إلى 21 طبعة كان آخرها عام 1980 أي بعد 21 عاما على تاريخ صدور الطبعة الأولى. قائمة الأسماء التي تعاطت معها الدار هي الأسماء التي شكلت ولا زالت الحضور الأبرز في مجال الثقافة العربية في شتى الميادين. المؤسسة العربية تملك دورا مماثلا لدور دار الطليعة وإن كان متمايزا عنها. فقد أصدرت المؤسسة خلال تاريخها أكثر من 3000 عنوان وكان لها الريادة في إخراج الموسوعات العسكرية والسياسية، وفي تشجيع التجارب الشعرية والروائية والمعرفية الشابة على بلورة تجاربها وصقل إنتاجها.

عبد الحميد ناصر يحدد أثر دار الطليعة في أنه: «كان جزءا من منظومة فكرية كبيرة وكان دوره فيها دورا تأسيسيا وفاعلا ولكنه أبدا لم يكن وحده فكل مسيرة ثقافية تحتاج كي تنجح إلى منطق الورشة». حسن فوعاني يكتفي بالقول: «لا نستطيع نحن أصحاب البيت الحكم على دور المؤسسة. المثقفون والقراء الذين يتصلون يوميا ليقولوا أن هذه التجربة قد أغنتهم هم من يحق له الحكم على نشاطنا وخاصة أن هذا الوضع لم يكن ردة فعل على كتاب «ضارب» بل كان ردة فعل عامة واستجابة ميزت طريقة التعاطي مع ما تنتجه الدار منذ فترة طويلة».
 
يمكن ختاما القول بأن وضعية الكتاب في هذه اللحظة التي يتعرض فيها لشتى أنواع الحصارات من المرئيات والمسموعات التي تحاول جاهدة القضاء عليه تبدو وضعية مقيمة في حيز اللذة إذا جاز التعبير نظرا لإقامة الكتاب الدائمة في حيز الخطر
 
* عن السفير اللبنانية ( الصفحة الثقافية ) هذا الصباح
 

10 - ديسمبر - 2007
للكتب حظوظ في الذيوع
قصة العامية في الشام (1)    كن أول من يقيّم

         وهذه مقالة أخرى ممتعة وغنية بالدلالة صدرت عن المجمع اللغوي الملكي ( مجمع اللغة العربية في القاهرة كما يسمى حالياً ) نهديها لملف الوطن والزمن المتحول :                                        
 
                                                      قصة العامية في الشام
 
 

للأستاذ سعيد الأفغاني

            عضو المجمع المراسل
 
        يعتري بعض الكلمات ما يعتري حياة الأحياء : ميلاد فترعرع فتقلبات في  أطوار بعد أطوار، ثم تضاؤل أحيانًا فممات، وهو ما يعبر عنه بـ ( حياة الألفاظ )، وما أرى أن كلمة ( حياة ) وافية؛ لأن الحياة تنقضي بممات، وقلما ماتت الكلمات على مدى الأزمان، إنها تهمل فتنسى فترقد في المعجمات أو الكتب ثم يجدّ من الحاجة ما يبعثها من مرقدها، وأوفى من كلمة ( حياة ) عندي أن نقول ( تاريخ الألفاظ )، فلكثير من الكلم سجل حافل لا يبدو للعيان، ويحظى المتتبع بصبر ودأب على اكتشاف أكثره.
 
        وما استمتع باحث لغوي استمتاعه ببحث وفق صاحبه إلى بعث ما خطت الأزمان في هذا السجل من تحولات.
 
        قدمت هذا لأقول إن ما صح في الكلمات يصح في اللهجات المحليات ألفاظًا وأصواتًا ومركبات، وإذا رجع أحدنا بذاكرته إلى عهد صباه يعرض لهجات الباعة  حينئذ من جزار وبقال وخضار وبزاز وخياط ونجار وحداد من مستقر في دكانه وجوال، ويقابلها بلهجات أمثالهم لعجب كيف تقلبت هذه اللهجات في السنين  القلائل على ألسنة الصغار والكبار.
 
        أذكر أني منذ ثلاثين عامًا كنت في زيارة الأستاذ الفقيد محب الدين الخطيب في مكتبة السلفية المعروفة، وكان فارق الشام(1) سنة 1920 محكومًا عليه غيابيًّا بالإعدام من المجلس الحربي الفرنسي لإسهامه في حرب ميسلون، ثم استوطن مصر وأنشأ مجلة الزهراء الشهرية، ومجلة الفتح الأسبوعية – زرناه فطفق يحدثنا عن بعض تاريخ القضية العربية ( وقد ذهب معه كثير من تاريخها الصحيح) ثم جره الحديث إلى ذكرياته في دمشق وإلى قصة جرت فيها قديمًا وهو صبي، فجرى على لسانه تعبير لم أفهمه،   وكان عنده ابن أخته الكاتب الأديب المعروف الأستاذ علي الطنطاوي، فسألته بعد خروجنا: ( هل سمعت هذا التعبير؟ وما معناه ؟ ) فقال: ( لقد سبقتني، أنا نويت أن أسألك).  وحاولنا التذكر فأخفقنا، ثم قلنا : هو مما مات من العامية الشامية لا يعرفه إلا المعمَّرون. واليوم نسيت أنا هذا التعبير ولما يمض عليه الثلاثون من الأعوام.
 
 
 
        إن بحثًا جرى بتحرٍّ وأناة أرشد إلى أنهم كانوا والنهضة في كل ميدان على قدر، لقد أوتوا من العزائم ما ألحقهم بأصحاب الرسالات في أممهم، ولم يكن يرضيهم في ميدان اللغة إلا أن تعم الفصحى الأصلية المدارس والدور والأسواق، أو كما يعبر بعض إخواننا في مصر: كانوا " حماميز فتح اللـه " في الشام والآستانة معًا، ألفوا الجمعيات وأقاموا النوادي ونشروا غرف القراءة في الأحياء مطلع هذا القرن، وحرموا في  مجالسهم الكلام بغير الفصحى، بل إن أحدهم وهو الأستاذ محب الدين الخطيب أراد للفصحى أن تحتل مقاهي الآستانة التي يرتادها العرب، فحث رفاقه الشبان على هجر المصطلحات التركية والفارسية حين يلعبون النرد، وأن يقولوا مثلاً: ( ستة خمسة )  بدل ( شيش بيش )، فاستجابوا له وصاروا ملفت الأنظار والأسماع في المقهي، بل إن بعضهم يأتيه السائل في مقهي بدمشق يستجدي فيعلمه ما يقابل جملته بالفصحى، فإن أداها سليمة أعطاه، فصار المستَجْدُون يلقن بعضهم بعضًا ماذا يقول لهؤلاء الأفندية  حتى يحظى بـ ( المتليك )([2]).
 
        حمل جو الشام طابع هؤلاء الرواد المتحمسين، وما أزال أذكر كيف كنا  ونحن أطفال في مدرسة أولية خاصة لا نتكلم في الفسح بين الدروس إلا بالفصحى التي نستطيعها، وأشد ما يحاذر أحدنا أن تنتهي الفسحة وخشبة الرصد ( السينال ) في حوزته فيسجل عليه الرقيب حينئذ درجة في سوء السلوك. وكان إشفاقنا بالغًا على الأطفال الذين نقلهم أولياؤهم من مدارس الحكومة البعيدة إلى مدرستنا الخاصة هذه، وذلك في سنة 1918م آخر العهد العثماني في الشام إنهم في أيامهم الأولى كثيرا ما تسبقهم ألسنتهم حين يُنَادَوْن في التفقد الصباحي فيجيبون بكلمة ( أفندم ) المألوفة في المدارس الرسمية، فيخرجون إلى وسط الباحة يتلقون على أكفهم المبسوطة الضربات المقررة من عصا الرقيب؛ إذ كلمة الجواب الواجبة في مدرستنا هي ( لبيك ) .
 
        وما ننسى لا ننسى التمثيليات التي تعدها المدرسة للاحتفالات السنوية يدعى إليها أولياء الطلاب وفريق من الوجهاء، وهي في جملتها تاريخية أو اجتماعية، وفيها دور قصير يؤدى بالعامية البلدية، هو مجلبة الترفيه والضحك من النظارة ولا سيما الأميين منهم لنشازه البارز .
               
        حتى الصحافة، غالى بعض أولئك الرعيل فأراد للغتها أن تكون مسجوعة من النمط العالي في رأيه يومئذ، فهذه جريدة ( لسان الحال ) الصادرة في بيروت، من ساحل الشام سنة 1877م، التزمت في افتتاحيتها الفصحى المسجعة، بدأها صاحبها خليل سركيس بقوله: " الحمد لله الذي يسبح بحمده في الغدو والآصال، وينطق مفصحًا بتعداد آلائه ( لسان الحال ) ... حمدًا يدوم آناء الليل وأطراف النهار، ما غرد قمري وترنم هزار ... "
 

 

([1]) الشام عند العرب يشمل الأجزاء الآتية ( طبقًا للتقسيمات الإدارية اليوم تقسيمات " سايكس بيكو " ) : لواء إسكندرونة، وسورية، ولبنان، والأردن، وفلسطين، أي من جبال طوروس شمالاً إلى سيناء والبحر الأحمر جنوبًا، ومن العراق شرقًا إلى البحر المتوسط غربًا.
 
2]) انظر كتاب ( من حاضر اللغة العربية ) ص 37 ( الطبعة الثانية 1971م ). والمتليك: نقد تركي معدني يعادل قرشين ونصف قرش

10 - ديسمبر - 2007
أحاديث الوطن والزمن المتحول
 49  50  51  52  53