البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات ضياء العلي

 48  49  50  51  52 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
غربة النخبة    كن أول من يقيّم

العروبة في أنابوليس
 
الفضل شلق
لم يبق من العرب من يعرِّف نفسه عربياً سوى العامة ، وهؤلاء يشكلون 99,99٪ من السكان العرب . اما النخبة الثقافية ـ السياسية التي تشكل أقلية عددية ضئيلة ، ربما اقل من 1٪ من السكان ، فهي تتشكل ممن يجدون صعوبة في تبني الانتماء العربي . هؤلاء يتحدثون كثيراً لا عن عروبتهم ، ومن حقهم أن يختاروا أي انتماء شاؤوا ، بل يتحدثون على العولمة والحداثة أو عن الدولة القطرية وما تعانيه من فقدان الشرعية ، بالأحرى فقدان مقومات الوجود كدولة . العروبة لم يعد يمثلها إلا الجامعة العربية التي أفرغت من كل فاعلية ، مما يؤدي الى نشر الاعتقاد بأن العروبة تساوي فقدان الفاعلية . ينسحب الحاضر على التاريخ ، فتصير العروبة ذات معنى فقدان الفاعلية في مختلف مراحل التاريخ . يتشبّت الإسلاميون الأصوليون بمقتضيات الفاعلية فيتمسكون بسيرة السلف الصالح ، أي المرحلة الأولى للتاريخ العربي ، أما غيرهم فيركزون أنظارهم على المراحل اللاحقة التي فقد فيها العرب فاعليتهم ويطلقون عليها تسمية مرحلة الانحطاط لأكثر من ألف عام . هكذا نصبح أمة دون تاريخ : السلف الصالح مرحلة أولية يصعب الرجوع إليها واستعادتها ، والتاريخ اللاحق مرحلة انحطاط لا تستحق الاعتبار . اما الراهن فهو سلسلة هزائم متواصلة وتراجعات على جميع الأصعدة الاقتصادية والعسكرية والسياسية والاجتماعية . وإذا ظهرت مجموعات مناضلة «طليعية» فهي تبدو خارج السياق ، إذاً لا عقلانية . هكذا يبدو الوعي العربي السائد . وما يقرّر سلوك النخب السياسية هو الوعي الثقافي . صنعت هذا الوعي أحداث . الأحداث قرّرتها القوى المسيطرة على العالم . ليس هناك تطور اجتماعي «طبيعي». هناك تطور يُصنع . ما يصنع تتنازعه القوى العالمية والمحلية . تكون النتيجة حسب ميزان القوى . يساعدنا على الفهم استعراض مئتي عام من التطور العربي .

لم يكن صدفة أن الحرب العالمية الأولى كانت مناسبة لعقد اتفاق سايكس بيكو وإنتاج التجزئة العربية ، وكانت أيضاً مناسبة لإعلان وعد بلفور بإعطاء فلسطين (أو جزء منها؟) لليهود الصهاينة . في مؤتمر فرساي للصلح بين الدول الأوروبية كان لويد جورج الصهيوني ، رئيس وزراء بريطانيا ، على استعداد للتخلي عن مناطق أخرى كثيرة وغنية لقاء الاحتفاظ بفلسطين (من اجل تنفيذ الوعد؟) .

ولم يكن صدفة، أيضاً ، ان الحرب العالمية الثانية كانت مناسبة لاقامة دولة اسرائيل في حين كانت الدول العربية القريبة والبعيدة ، لم تستقل بعد ، أو أنها بالكاد استقلت ، او مستقلة شكلياً مع بقاء الجيوش الاوروبية على اراضيها . بعضها كان يقودها ضباط اوروبيون . لم يستسلم العرب .

كانت ردة الفعل سريعة شاملة ، توّجَها عبد الناصر . لكن الغرب عاجله بحرب ,1956 التي شاركت فيها بريطانيا العظمى وفرنسا وإسرائيل . خرج منها عبد الناصر مهزوماً عسكرياً ، وقيل منتصراً سياسياً . معنى عدوان 1956 ان الغرب تعلم من تجربة محمد علي في القرن التاسع عشر .
 
في بداية القرن التاسع عشر جاءت الحملة النابليونية . انتصروا على الجيش المملوكي ـ العثماني بسهولة . نهض محمد على باشا أحدث ثورة صناعية وزراعية . بنى جيشاً من الفلاحين المصريين . صنع تجربة تعلّم منها اليابانيون لاحقاً . تغلب على الدولة العثمانية ، اجتمعت ضده القوى الاوروبية في الأناضول . هزمته ، وأبقت عليه لقاء معاهدة جمركية فرضت 12٪ على الصادرات و3٪ على الواردات وفتحت طرق العبور للاسواق الداخلية مما أدى إلى انهيار الاقتصاد المحلي . لقد رُفِضَ النهوض على طريقة محمد علي باشا (وعلى طريقة عبد الناصر لاحقاً) . فُرِض بالقوة العسكرية ، بدل النهوض ، إصلاح اقتصادي أدى الى استباحة الموارد المحلية وتراكم الدين العام (مصر، تونس، الدولة العثمانية، إيران، الخ....) .

الاصلاح المفروض من الخارج كان في كل المراحل ، وما زال ، هو من اجل تلبية حاجات الرأسمال العالمي وليس من اجل تلبية حاجات الناس «المحليين» . برامج اعادة الهيكلة التي يفرضها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ليست جديدة .

لم يتغيّر خطاب الغرب الرأسمالي منذ الحملة النابوليونية . الخطاب الذي وزعه نابليون ، لا يختلف عن خطاب العرش للملكة فيكتوريا في سبيعنات القرن التاسع عشر ، ولا عن خطاب ستانلي مود الذي قاد الغزو البريطاني للعراق عام ,1917 ولا عن خطاب بوش عند غزو العراق في عام .2003 هو في كل مرة خطاب الحرب بحجة نشر التحديث والحضارة (مع مصطلحات الديموقراطية وحقوق الانسان وحقوق المرأة والمجتمع الاهلي، الخ.....) . لغة التمدين هي دائماً الحرب .

اذا كانت الحرب العالمية الاولى مناسبة لوعد بلفور ؛ والحرب العالمية الثانية مناسبة لإنشاء دولة اسرائيل ؛ ففي اطار الحرب الباردة ، أي الحرب العالمية الثالثة كان كامب دايفيد ؛ وفي اعقاب الحرب شبه العالمية على العراق عام 1991 كان مؤتمر مدريد ؛ وفي خضم الحرب على الارهاب ينعقد مؤتمر انابوليس . حتى كامب دايفيد، كان تكريماً ما كانت مصر قادرة على نيله لولا مقتضيات الحرب الباردة . وما تخلى التبشيريون الاميركيون والمحافظون الجدد عن كارتر الا بسبب دوره في كامب دايفيد .
 
جاء مؤتمر انابوليس في سياق الحرب العالمية على الارهاب كحلقة من حلقاتها . بعد سنوات من الإنكار ، يتعاطى الرئيس دبليو بوش ووزيرة خارجيته مع موضوع حاولا تجنبه على مدى السنوات السابقة . وهما ليسا حياديين في الوساطة . مؤتمر انابوليس ليس ارتداداً على سياسة سابقة بل هو الوجه الآخر لها . الثابت في هذه السياسة هو إنكار الموضوع وعدم الاعتراف الا بالافكار التي يملكها صاحب الإنكار . حرب الارهاب تنكر الموضوع الحقيقي لها ، ويتوهم اصحابها العدو في كل مكان ولا في مكان ؛ لكن العدو يتلقى الضربات في العراق وأفغانستان وفلسطين وبقية هذه المنطقة . ومؤتمر انابوليس ينكر الموضوع ، ويتوهم اصحابه والمدعوون إليه نهاية لمرحلة وبداية لأخرى ، بينما هو مجرد وعد بالتفاوض ، وعد بالتفاوض على امور يجري التفاوض عليها منذ سنوات عديدة .

موضوع انابوليس هو نفسه موضوع حرب الارهاب : هو شعوب هذه المنطقة التي تريد شيئاً ويراد لها شيء آخر . يراد لهذه الامة ان تتخلى عن مطالبها ، وعن وجدانها ومشاعرها ، يراد لها ان تتخلى عن نفسها (انابوليس) ، وإن رفضت التخلي فإنها تصير موضوعاً للحرب (على الارهاب) . والحرب على الارهاب يمكن ان تكون خارجية (جيوش احتلال) او داخلية (حروب اهلية وانفجارات داخلية) .

ينكر اصحاب انابوليس ان مقاومة الامة ليست ارهاباً ، وأن الامة لم تصبح عربية نتيجة لبضع افكار ، وأن الامة لم تكن ناصرية ، بل كان عبد الناصر عربياً ، وأن محمد علي صار عربياً ، وأن الامة التي مرت بمراحل نمو وتراجع، وتقدم وتأخر ، بقيت أمة كما يراها العرب الذين يعتبرون انفسهم عرباً . لا ترى النخب الثقافية والسياسية ذلك؛ تنكر على جمهور الامة أفكاره ووجدانه ؛ تفضل الاصطفاف مع حالة الإنكار التي تمارَسُ من خلال حرب الارهاب ومؤتمرات انابوليس او غيرها .

ليست العروبة فكرة تحتمل الخطأ والصواب، ليست فكرة يمكن التخلي عنها الا لدى من يكون في حالة إنكار . العروبة وجدان ومشاعر تحدد الهوية لجمهور يمتد من أقصى المغرب الى المحيط الهندي . العروبة حالة اعتراف بوجود هذا الجمهور الذي يرى نفسه كذلك والذي من حقه علينا ان نقر له بهذا الوجود ، وبحق المقاومة دفاعاً عن هذا الوجود والممانعة ضد من يسعى لإلغائه .

العروبة هي موضوع انابوليس الذي عُقد من أجل الحرب لا من أجل السلام .

العروبة كانت حاضرة في أنابوليس لأنها كانت هي الموضوع . العروبة غابت عن أنابوليس لأنها هي ما يُراد إلغاؤه .
* عن السفير اللبنانية هذه الصباح

30 - نوفمبر - 2007
في سبيل النهضة
كل الشكر لك أستاذي    كن أول من يقيّم

كل الشكر لك أستاذي حسن ظنك بي . كنت ولا أزال أعتقد بأنني أتعلم هنا منك ومن بقية الأساتذة الأفاضل . شعرت في هذا الصباح بأن عباراتك قد فاضت وزادت عني بكثير ثم فكرت قليلاً وقلت في نفسي بأن " الوعاء ينضح بما فيه " . شكري لك مجدداً .

30 - نوفمبر - 2007
الجاحظ يضع اسس المضاربة في الأسواق
حنان الشيخ : بريد بيروت     كن أول من يقيّم

 
" بيروت كأنها مدموغة في ذهني ، إبان الحرب فقط . عندها تأخذ حجماً ، شكلاً . أستطيع أن امسك به . بينما إبان السلم كانت الحياة مرآباً لا أستطيع أن أمد حتى أظافر أناملي إليه . تبدو لي بيروت الآن وكأنها حفرة كبيرة فيها الأخاديد والتجاويف الصغيرة والحفر الأصغر ، جرداء إلا من أعشاب صغيرة خضراء ثابتة على اطراف الحفرة . بدأت رسائلي بأني مخطوفة ، وانا الآن أحاول أن أرى هذه الأعشاب الصغيرة ، فهي كل ما تنتجه أرضي . هنا حياتي ولكل بلد حياته .
 
" بتعرفي ، أنتِ صرتِ مدمنة على الحرب " ......
 
حنان الشيخ : " بريد بيروت " ، دار الآداب ، بيروت 1996 .
 

1 - ديسمبر - 2007
نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0
عزيزتي جدتي : حنان الشيخ    كن أول من يقيّم

 
فقرات من رواية حنان الشيخ " بريد بيروت " الصادرة عن دار الآداب ببيروت العام 1996 . هذه الفقرات من رسالتها إلى جدتها التي تحمل عنوان : " عزيزتي جدتي " :
 
تنهضين متلذذة في الصباح ، فأسمعك تخاطبين الشمس أو الغيوم من نافذتك . ثم تحدقين في المرآة وتتمتمين لنفسك : " ربما لم أنم جيداً . اجفاني منتفخة " . تأتين بقنينة ماء الورد تصبين منها على شاشة نظيفة ثم تضعينها على كلتا عينيك وتتمددين وانت تبسملين : " اللهم صل على روح النبي وآل النبي ، ماء الورد كرائحة الجنات " . ثم تدورين في البيت كأنك تسيرين فوق البيض ، بل كأنك تتمايلين . تنصتين إلى الأخبار وإلى الأغاني التي تروق لك . تقرأين الكتب المترجمة أو الأحاديث الشيقة ، تتمشين بعد ظهر كل يوم في الحديقة . تستقبلين النساء الوافدات من القرية أو من اللواتي يسكن بيروت . بعد وقت تشعرين وكأنهن عطَّلن عليك خلوتك فانت بقدر ما تستمعين بكل إصغاء بقدر ما كنت تشعرين بالضجر . إذا كانت الأحاديث عادية .تفضلين حديثك وأحاديث الذين لم يزالوا يتلقون العلم أو من أنهوا تخصصهم من الشباب . تفضلين الأكل وحيدة معللة في كل مرة : " حاشا الذي يراني أمضغ الطعام كالبقرة " . تجلسين كأنك تترفعين عن الصحن . تمدين يدك بتأن حتى إلى أكلتك المفضلة . تمضغين بصمت وبشرود كأنك توهمين الذي يراك أنك لا تأكلين بل تفكرين بمسائل في غاية الأهمية . تختارين الوقت الذي ينشغل به الجميع لتدخلي إلى المرحاض إذا لم نكن نسمع حتى صوت السيفون . فقط عندما كنت تتوضئين كنت تتشهدين وتبسملين بصوت عال . تستعدين لليل . لفراشك المرتب من جديد ، فتقومين بقطف فلة أو غصن عوشيقة وتضعينها في فنجان قهوة فوق الطاولة الصغيرة قرب سريرك . تنادين زمزم لتغلي الشاي الأخضر . فترشفين منه كانه اكسير الحياة متمتمة : " رائحته فرح القلب " . ثم تبدلين فستانك الأبيض الطويل بقميص النوم ، وتجلسين في غرفتك تنصتين إلى المذياع بعد أن تتركي التلفزيون لزمزم في غرفة الجلوس . فضجيجه كان لا يتماشى مع ذبذبات هدوئك حتى وإن خفضت الصوت . كان شكل الناس لا ينال رضاك ، كنت تطلقين على المذيعة الكثيرة التبرج : " شو مفكرة حالها علاقة ثياب ؟ " .............
 
......... وكان الربيع قد أتى . وقلت للبرعم : " ما تاخذني يا صغير " ثم فتحت وريقاتها ، وقبل أن تصلي إلى الزر ، أشرتِ إلى لون البودرة ، الزهري والرماني والدراقي وحتى الأبيض . وأذكر أنك أريتني نبتة " المستحية " وقلت لي أن لا أدع أحداً يرى هذا السر وإلا قصفوا لها ظهرها كل لحظة ، وكانت " المستحية " خجولة ما أن تلمسها اليد حتى تنشل شروشها وتلتصق بالتراب ، تضربينها برفق وكأنك تداعبينها قائلة : " يلللا استحي " بعد قليل تنتصب كما كانت فتعلقين : " بأن المرأة عليها أن تخجل عند اللزوم " . ألم أقل لك إني لم أرك قط تخجلين بل رأيتك تخشعين وأنت تقرأين في كتاب الأدعية وتصلين وتبتهلين دائماً .
 

1 - ديسمبر - 2007
نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0
باب الساحة : سحر خليفة    كن أول من يقيّم

 
النص من رواية لسحر خليفة بعنوان : " باب الساحة " صادرة عن دار الآداب ببيروت العام 1990 .
 
امتلأ الزقاق بالمعزين والمتظاهرين حتى لم يبق فيه زاوية لم تتكدس . واتجهت نحو الدار حشود . الدار المشبوهة ما عادت تنأى عن الحي . انفتحت مصاريع الأبواب والشبابيك وامتلأت الحاكورة بالفتيات عن آخرها , وعلى داير ما يدور الدار ، وقف الشبيبة والشباب على حفف السور . أعلام ترفرف وسعف نخيل وورود وزنابق وأكاليل . وصور الشهداء الملصوقة انزرعت على كل الجدران .
 
وانطلقت أنغام واناشيد تحيي الصمود وأهل البلد ، وصفقات تعلو فوق الأذان .وخرج المصلون من الجامع متجهين نحو بيت العزاء . واصطف الشباب على الصفين بالكوفيات ولباس الضرب يشيرون لطريق المنزل بالإيماء .
 
وكأنما الساحة انخسفت ، خلت من الأنس والجن وما عاد يسمع فيها نأمة . حتى الجنود اختفوا فجأة وما عادوا يدورون الأزقة بحثاً عن صيد جديد . اجتمعوا فوق سطوح النقطة مباشرة فوق العلم يرقبون الجو بالمناظير .
 
وهبَّت أنسام الخريف في الزواريب محملة بعبير القهوة وما تبقى من روائح شتى ظلت تتكدس حتى الظهر ، حتى الإغلاق . فلافل وزلابية وتعمالق وخضار الموسم وتوابل وشومر وبصل ولحوم طرية لذبائح معلقة فوق الرؤوس على الأرصفة . وخلا أيضاً خان التجار من البسطات والكاسيتات وملابس ملونة ومناديل وأصوات الباعة وراغب علامة وام الخال وأناشيد الثورة وجبل النار وجبل النصر .
 
ولم يبق من العفش المستعمل في باب الساحة إلا كنبات مهترئة يخجل السارق الصاحي من سرقتها . وقبعت بجوار الحيطان أكوام زبالة وكرتونات وأسلاك مطعوجة وشرايط وبقايا خضار .
 
ومشت الحجة تتمايل نحو دار العزاء تحمل شنطتها وتبسمل وترى الأزقة وقد فرغت تمتلىء بخيالات الجنّ . ورن آذان العصر الصافي فارتجت أنحاء السوق ، ورفعت عينيها فتماوج بين الكوات والفوانيس شعشبون طويل غليظ قديم يشير إلى بدايات الزمن ، والعنكبوت بحجم الضفدع يتهادى في ثنيات السقف . نابلس القديمة ، قديمة قديمة بعمر الزمن والتاريخ . خافت ومشت على الحافة بعيدة عنه . وحين صعدت درج الساحة رأت العساكر والنقطة وأفراد الجيش والمناظير والعلم الأزرق يتدلى . والساحة فارغة إلا منها ، وكذا الأزقة والحارات . وهناك في فوهة الزقاق أطنان الصخر تسد الطريق إلى الحارة ، فدارت الدورة الملتوية لتصل الدار والمعزين .
 
سألها شاب :
 
ــ " يا ست زكية شفت الجيش ؟ "
 
هزت رأسها :
 
ــ " شفته ، شفته "
 
ــ " والنواضير ؟ "
 
ــ " والنواضير "
 
ــ " وحاملين سلاح ؟ "
 
ــ " متل دايماً "
 
ــ " عددهم كبير ؟ "
 
ــ " الله أعلم ، يمكن عشرين ، يمكن خمسين ، يمكن مية ، ما قدرتش أعد " .
 
واستدار الشاب وعاد لصحبه ورأتهم يصعدون السور .
 
رأت الشابات والشباب وأكاليل الورد والزنبق وسغف النخيل وصورة أحمد تتوسط كل الباقات . مشت الحاكورة وأرض الممر والدرج والردهة والبسطة المكتظة عن آخرها . دخلت الصالون وهذه المرة لم تسمع بلورات السقف . توجهت فوراً إلى صدر المكان ، وكانت النسوة يحطن بنزهة وقد غطى قامتها السواد . لم تكن نزهة طبيعية ، أو هكذا رأتها الحجة . لم تكن تبكي ، لم تكن تنظر إلى النسوة والناس . كانت عيناها معلقتين في أعلى نقطة في الحائط .
 
جلست الحجة وأكلت حبة ملبس ع لوز تيمناً بزفاف عريس جديد ، واستمعت لأناشيد الثورة والتحرير . وتذكرت عزاء آخر يوم جاء حسام وعاتبها ، يوم خافت عليه فنهرها : " خايفة على الدار والا علي ؟ " يوم تذكرت قصص النسوان والأراجيل وامرأة الوالد والتاريخ وطفولتها . سبحان الله ! حتى هي ، حتى زكية ، الحجة الكبيرة أم الشباب لها طفولة ولهل تاريخ ! خطر لها هذا الخاطر حين أطل الرأس الجديد على الدنيا صباح هذا اليوم ؟ كان يصيح بملء فمه وملأ الغرفة بالإزعاج . إهدأ يا ابني رعاك الله ، اليوم أسحبك من رحم الأم وغداً يسحبك رحم الأرض . اهدأ يا ابني ولا تصرخ ، بل اصرخ ولا تهدأ خوفاً مما يحمله الغد . أهناك أسوأ من هذا ؟ ومسحت وجهها بطرف اليانس واستدارت بنظرتها بعيداً : لو عرف الطفل ما ينتطره لارتدَّ فوراً للداخل ! لو عرف ، لو عرف ، من حسن الطالع لا يعرف !
 
 

3 - ديسمبر - 2007
نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0
شكر على باقة    كن أول من يقيّم

أشكر الأستاذ عبد الحفيظ على تلك الباقة من الشعر الخليجي والتي لم أجد الفرصة للإستماع إليها قبل اليوم . أعترف بأنني فهمت نصف الكلام ولم أفهم النصف الآخر وبهذا ظل المعنى غائباً عني ولم يصلني منها إلا حماسة الجو وحرارته . تذكرت فجأة أن شاباً من المغرب العربي كان قد قدم اطروحة دكتوراه في حوالي العام 1990 في السوربون الرابعة تعرض فيها لتاريخ ما أسماه " شاعر القبيلة " ودوره الإجتماعي . هذا شعر خاص وله دور محدد فالشاعر ، كما فهمت ، يحكي وجدان المجموعة ويتواصل معها من خلال الكلام والنبرة والصوت والحركة والموسيقى فيحدث هذا اللقاء الفطري الذي يوحِّد ويشد من لحمة المجموع . كل الجديد هو أن هذا الاحتفال صار يجري أمام شاشة التلفزيون .

3 - ديسمبر - 2007
أحاديث الوطن والزمن المتحول
اللهجات العامية في لبنان وسورية (1)    كن أول من يقيّم

استوقفتني في الفقرات التي نشرها الأستاذ زهير من كتاب " أخبار حلب " للمعلم " نعوم بخاش " الكثير من الألفاظ العامية الخاصة بمنطقتنا ، بعضها اندثر ، والبعض الآخر لا زال متداولاً حتى اليوم ، وبعضاً منها غيَّر من دلالته : كلفظة " داكش " مثلاً التي قصد بها " حارب " بينما نستخدمها اليوم بمعنى " بادل " أو " قايض " .
 
ولمحاولة التقرب من هذا الموضوع الشائك للغاية ، لندرة الدراسات حوله ، ولصعوبة تتبعه لمن لا يتكلم اللهجة نفسها ، ساحاول إدراج دراسة صدرت قديماً عن المجمع اللغوي الملكي ( مجمع اللغة العربية في القاهرة حالياً ) كتبها الأستاذ : عيسى إسكندر المعلوف ، عضو المجمع :
 
                                                         اللهجة العامية العربية في لبنان وسورية:
 
        شرحنا لك بالمقدمة السالف ذكرها حالة اللغة الحاضرة، وما هي عليه لعهدنا وحالة الناطقين بضادها، وما تقلّب عليهم وعليها من العوامل التي غيرتها وبدلتها في عصورها المختلفة، حتى وصلت إلى حالتها الحاضرة؛ فكانت لغة كل قطر العامية تختلف عن الأخرى بألفاظها وأساليبها والتلفظ بها وآدابها الباقية فيها آثارها من أدب ونثر وشعر، وما يندمج في ذلك من المقومات والتصرفات، فتحكم إذن بما يقودك إليه ذوقك السليم على أنني سأشبع الكلام على قدر الطاقة فيما يجب البحث عنه ومالا ندحه فيه عن التقصي في شؤون العامية بما لا يخرج عن حدود الموضوع، ناظرًا إلى معارضتها باللغة الفصحى واللغات التي استعارت منها ألفاظها بالملابسة والمشافهة مما أشار إليه كثير من علمائنا بجمعه، إما لاحتقارهم اللغات العامية وعدّها ميتة لا فائدة لها، وإما لإهمالهم إياها تقصيرًا وتوفيرًا لأوقاتهم التي صرفوها في أغراض أخرى كانت  في نظرهم أولى منها بالبحث والتعريف، مع أن العامية هي بقية اللهجات التي تغلبت على اللغة، فتركت آثار القبائل واللغات والعوامل فيها دالة على أصلها.
 
                                                              ما اللهجة العربية العامية؟
 
        هي لغة فصيحة موضوعة في عصور مختلفة للتعبير عن الأفكار بقوالب كثيرة، اصطلح عليها أبناؤها في كل قطر وبكل وقت، فلاكتها الألسن وتلاعبت بها التصرفات، فتغيرت أساليبها وتلوَّنت ألفاظها بين فصيحة محرّفة أو مصحفة وأجنبية دخيلة ومرتجلة غريبة، ولحن شائع، وتصرف شائن، حتى بعدت في بعض الوجوه والأساليب عن أصلها الفصيح ومؤداها البليغ، فكادت من هذه الوجوه تكون لغة  قائمة بذاتها.
        ولقد عرفت هذه التطورات من أوائل عهد اللغة فتنبه اللغويون إليها وذكروها في مؤلفاتهم، وفي حوادث الحجاج، والشعبي، والكسائي، وسيبويه، وابنة أبي الأسود الدؤلي، والأعرابي، والإمام عليّ بن أبي طالب، وغير ذلك من المناظرات والمناقشات   في عصور مختلفة ما يغني عن التفصيل، فارجع إلى ذلك في كتب اللغة والأدب المتداولة بيننا، وما عقب ذلك إلى يومنا من التطورات والتقلبات التي هي أكبر دليل على بدء ضعف الملكة الفصحى، والذهاب إلى فساد اللغة الصحيحة، وتعدي قوانينها وتجاوز حدود قواعدها، مما دار على الألسنة فأفسدها، وتفشى بين العامة بتوسع وتسرع،  حتى أدى إلى هذه الحالة، فوسم اللغة بميسم التقهقر، وكاد يقضي على بلاغتها،  ويودي بفصاحتها، ويزري بقدرها؛ فتضاربت الآراء بشأن اعتمادها أو إهمالها، فكان الناس فريقين في شأنها، فمنهم من أراد إبقاءها على علاتها واستعمالها وإهمال أمها الفصحى، ومنهم من خالف ذلك الرأي صادعًا بإماتتها لئلا تكون حجر عثرة في  سبيل الفصحى، مما سبقت الإشارة إليه(1).
        ولعل أول فساد دخل عليها : من مخالطة الأعاجم بطمطمانيتهم، ورطانتهم، ولُكْنَتهم، ولثغتهم، وفشا ذلك الفساد بين القبائل المتجاورة فكثرت لهجاتهم ولغيَّاتهم، واختلفت بعض قواعدهم وتلونت آراؤُهم مما دونته كتب العلوم اللسانية واللغات في المعجمات والأصول والتفاسير والنقد والمناظرات وما ساوق هذه من الفواعل.
        فكانت لتلك الأسباب تتباعد اللهجات عن أمها اللغة الفصحى، لكثرة ما يتنازعها من التصرف والتبدل، فتتغير قواعدها، وتختلف أساليبها، وتتشوه محاسنها باللحن الذي يعتورها والتصرف الذي يتغلب عليها.
ومَنْ عَرَفَ قولَ ابنة أبي الأسود الدؤلي له ذات يوم: ما أحسنُ السماءِ، وهي تريد التعجب من حسنها، فكانت القاعدة فتح النون والهمزة الأخيرة، وقول أحدهم للقاضي: مات أبانا وخلَّف بنون عوض مات أبونا وخلف بنين، أدرك أن الفساد   تفشى في تلك الآونة حتى طفح كيله بدليل قول أبي الأسود الدؤلي:
فلا أقول لقِدْر القوم قد غَلِيت      ولا أقول لباب الدار مغلوق
لكن أقول لبابي مغلق  وغلت      قدري وقابلها دن وإبريـق
ـــــــــــــ
 
([1]) في الجزء الأول من مجلة المجمع ( الصفحة 350 ).
        فوضع الدؤلي قواعد النحو بإشارة الإمام علي بن أبي طالب لتفشي اللحن، وكان حاتم الطائي قد قال قبل ذلك العهد:
إلههم ربي وربي إلههم     فأقسمت لا أرسو ولا أتمعَّد
        وأراد بالرسو والتمعّد إبدال الصاد زايًا كقولهم الزقر في الصَّقر، وقول عامتنا الزغير للصغير.
        وظهر في القرن الثامن للهجرة فن ( المواليا ) وهو الشعر باللغة العامية أو الأناشيد، فكان كل ذلك من الأسباب الداعية إلى إصلاح اللغة العامية التي كانت خطرًا على الفصحى لهذين العاملين الأولين وهما:
        (1) عدم وجود العلوم اللسانية لضبط اللغة واشتقاقها، وقلة المجتمعات التي  تعين على رفع شأن الفصحى، وعدم توافر المعجمات التي تقيد أوابدها وتضبطها فكثرت لهجاتها واستشرى فسادها.
        (2) اختلاط العرب بأمم متعددة ألسنتها مختلفة قواعدها، وتناول اللغة من السماع واللهجات التي تخالف الفصحى، فكثر الدخيل وفشت العجمة وعم اللحن، وهاك الآن بحوثا في الألفاظ العامية واشتقاقها وفي قواعدها وأساليبها:
 

5 - ديسمبر - 2007
أحاديث الوطن والزمن المتحول
اللهجات العامية في لبنان وسورية (2)    كن أول من يقيّم

 
 الألفاظ العامية واشتقاقها
 
 
        قلنا فيما مضى إن اللغة الفصحى فاجأتها أمراض عضالة، وصدمات قاتلة فثبتت جهدها في ميدان العراك تقاوم تلك العوامل القوية بصبر وجلد، وحسن دفاع، ولكن ألفاظها كانت هدفًا للتقلبات ومرمى لسهام التصرف، فتركتها مُتَجدِّلةً تتنازعها مؤثرات النحت، والقلب، واللحن، والإبدال، والزيادة، والاختزال، والتصحيف، والتحريف، والدخيل، والتلاعب بحسب العصور التي مرت عليها([1]) فنستقري هذه اللهجات واحدة واحدة . فمن النحت قولهم ( إيش بَدَّك ) والأصل ( أي شيء بودّك ). و ( بَرْكَطَّر ) من فلان أي ( بركة تطير منه ) و ( عِمْلَوَّل ) أي ( العام   الأول ) و ( كفْتاتا عملت هيك ) أي ( كيف حتى عملت هكذا ) و ( مْسَانه ) أي   ( من سنة ) و ( لِسَّا ) أي ( للساعة ) و ( هَلَّق ) أي ( هذا الوقت ) و ( هَاوَنْكُوِّي ) أي ( هناك هو ) و ( حنْبْلاس ) أي ( حب الآس ) بزيادة مع النحت و ( أَيْوَه ) من   ( إي والله ) و ( هَنْقَدّ ) من ( هذا القدر ) و( مْنَيْن ) أي ( من أين ) ( ومَاعَلَيْشْ )  أي ( مَا عليه شيء ). و( ما بَدِّيش ) أي ( ما بودي شيء ) و ( بَلاَش ) أي ( بلا شيء ) و( هذى  بَنْشَة ) أي شيء صعب يعود منه طالبه ( بلا شيء ). و ( الرسمال )  ( رأس مـال ) وجمعها رسماميل. و( منُو ) فلان أي ( مَنْ هُوَ ) و(ها نَّحْنى) أي   ( بهذه الناحية هي ) وولد ( تَلْبيس ) أي كثير الحركات منحوتة من ( مثل إبليس )     ( وجابه ) من قولهم ( جاء به ).
 
        ويقولون في التهديد ( ولاكَ ) كأنها من ( ويل لك ) أو من ( أولى لك ) وكلتاهما بهذا المعنى. والأتراك يقولون ( وَلان ) وتستعملها بعض عامتنا أحيانًا.
        ويقول الحلبيون والدمشقيون عند التقاء أحدهم بالآخر ليحييه ( شْلَونَك ) ويريد أن يقول ( أي شيء لونك )، وعبارات التحيات عند الأمم تختلف بحسب  الزمان والمكان والبيئة، ويقول اللبنانيون ( كيفك ) أي كيف أنت كما يقول  المصريون ( إزَّيَّك ).
        القلب:
        وهو تقديم حروف أو تأخيرها في كلمة للتسهيل أو للثغة، فيقول البيروتيون ( فَحَر البير ) واللبنانيون يقولون ( حفرها )، والسوريون واللبنانيون يقولون (ناَحَطَه)  ( لناطحه ) بمعنى خاصمه. وباط ( لإبط ) و ( تحشر ) لتحرش به بمعنى تعرض له، أو من حشر نفسه في المضايق، و ( الزحالف للزلاحف ) أي السلاحف جمع سلحفاة فيها القلب والإبدال معًا. و ( الجوز ) للزوج. ( والحرج ) للحجر وهو ما بين يدك من ثوب، و ( المرغفة ) للمغرفة والمعلقة للملعقة، و ( عافه ) بمعنى عفاه من الشيء         ( وطماقات ) لقماطات و ( الكعازيل ) للعكازيل لعلها من عكازل الأسد مفردها عكزولة ويستعملونها لكل شيء مستدير كروي. و ( العياري ) للعارية بمعنى الاستعارة، و ( جزره ) لزجره. و ( كدش ) الشيء إذا قطعه بأسنانه كقطع الجزر والقثاء فهي مقلوبة من كشد التي تفيد هذا المعنى بأطرافه، لأن كدش تفيد معنى القطع فقط. و( رفخ ) العجين إذا استرخى لرخف، و( شطح ) بمعنى بعد لشحط، و(دعق) يده في الشيء أدخلها لعدق، والرَّعبون وهو دفع شيء من الثمن عند المشتري ليكون ما اشتراه له عندما ينقد ثمنه كله وفصيحها العُربون، وقال الأصمعي: إنها أعجمية.

 

5 - ديسمبر - 2007
أحاديث الوطن والزمن المتحول
عناية جابر : يدي العمياء    كن أول من يقيّم

هذا النص هو للأديبة والصحافية اللبنانية عناية جابر نشرته في جريد السفير ( هذا الصباح ) ، الصفحة الثقافية ، وضمن سلسلة مقالات تنشرها هناك تحت عنوان : أشكال .
 
يدي العمياء
عناية جابر
وقعت وكسرت يدي. خمسون كيلو من اللحم والعظم وخلافه ـ المشاعر لا تُقاس بالكيلوات ـ رَبَخَت كلها على يدي الصغيرة وطحنتها طحناً أو هذا ما خُيّل لي . كان كل ما يتعلّق بسقطتي خارجا عن السيطرة . قشرة موز ضخمة موز صـــومالي كبير) رمتـــني أرضاً. طارت حقيبتي، وطار الســيلولـير وحـــّل الألم الرهيب الــذي لا يعــادله سوى ألم الولادة، وأنا خبرته جيداً . شحب جوفي كلّه ، وتقلصت معدتي وتشنجت، فيما تقاطرت حبّات العرق البارد على وجهي ، جبيني ، صدري وظهري .

لم يسبق لي أن شهدت سقطة على هذا النحو . امرأة مُمدّدة على كامل طولها أو قصرها لا فرق ، بشكل جانبي ، ومُرتكز ثقلها على كف واحدة كلاعبي السيرك .

لم يرَ سقطتي أحد . خفت من أحد يرى سقطتي في صباح المدينة الباكر، في وضعية الخفة والشطارة والبهلوانية لجسد نحيل مسكينبلا طول سيرة، تصّرف جسمي وهو ينهض، على نحو ما فعل وهويسقط. يعني قمت قومة جانبية، لملمت أغراضي، ولوحت بيديالسليمة للرجل الوحيد الموجود في حيّنا صباحاً ـ عامل سوكلين ـ أعانني في الوصول إلى باب الأسانسير، متعاطفاً مع أنيني الخافت، لاعناً الناس الوسخين والزبالة وقشر الموز. 

في قسم طوارئ مستشفى الجامعة الأميركية، أخذت راحتي في النواح والعويل، ظناً منّي أنه مكانهما الطبيعي، فالكلّ يولول هنا. السيدة الجالسة تنتظر أمراً ما، قالت لي حين سمعتني أصرخ: آخ يا أمي، بأننا لا نعرف أمهاتنا إلاً وقت الشدَة. لعل السيدة تعاني عقوقاً في خلفتها، لكن ما ذنبي أنا؟ وما الذي تعرفه عن علاقتي بأميّ. رغبت في أن «أدبّ خناقة» معها، غير أنني عدلت، وتلهيت بوجعي .

بعد العملية والتجـــبير والجفصنة، مع أبر المـــورفين، يلوح لي وقــد مضت على الحادثة ستة أيام، أن جسمي كله لم يُستخدم منذ وقت طويل، بحيث أنني أتعلّم الحركات من جديد، وكل حركة هي عملية واعــــية يتمّ تفتيتها إلى تفاصيل مكوّنة لها، الأمر الذي نجــم عنه فقدان العفوية، تمـــاماً كما أفعل الآن عاكفة على الطـــباعة بإصــبع وحيدة من أصابع يدي اليسرى .

يدي معطّلة كما لو أصبحتُ عمياء ، فأنا لا أرى سوى من خلال الكتابة ، كتابة أيّ شيء .

5 - ديسمبر - 2007
نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0
اللهجات العامية في لبنان وسورية (3)    كن أول من يقيّم

الإبدال:
وهو وضع حرف أو أكثر عوض غيره مما يقرب مخرجه منه غالبًا، فمن ذلك قولهم: تَدَشَّا لتجشا. والشقبان للشكبان: وهي حبال مشتبكة يجمع فيها الحشيش  ويحمل على الظهر. وكمره لغمنه أي ألقى عليه ثيابه ليعرق. وركد لركض وهي  تقلب المعنى لأن الركود بمعنى الثبات. وجراعة لجراءة. وخط بنومه لغط إذا  صوت من أنفه. ونبَّ لنبأ أي ارتفع أو نبأ بمعنى نفر. وبطحه لبدحه بمعنى قلبه. ودس الكبش والنبض بمعنى جسه، والفصيح في جسَّ الكبش لمعرفة سمنه من هزاله فعل ( جَتَّ ). والنبط للنبض. وزنقر بعينه أي حدّد النظر فيها لزنهر، والبعض يقولون (زقر وجقر). والعجوة للعجمة أي نواة المشمش ونحوه. وثغر عليه بمعنى دغر أي ركض لمقاتلته بسرعة أو قحم عليه من غير تثبت. وفدغه لفضخه إذا شدخ رأسه. والسركة للسُّلَكة أي أنثى الحجل. والحنكليس للانكليس، ويعرف بالجرّى: وهو سمك نهري كالحيات يؤكل. وهذا مساقب ذاك أي مصاقبه، بمعنى مناوحه ومقابله. والسواد للسماد وهو سرقين الحيوانات الذي تصلح به الأرض للزراعة. وقمز لجمز .وخضرت رجله: بمعنى خدرت. ويلهط الطعام ليرهطه. وفرّم الولد أسنانه لثرم، وهي ليست بالمعنى المراد، وفصيحه ثُغِر أي ألقى أسنانه الأولى. و" اشترت " الدابة لاجترت. و" فَقُّوس " لبنقوس وهو من صغار البطيخ. " وقرمة " الشجرة بمعنى أرومتها . و"الهامج" للهامش، وهو حاشية الكتاب البيضاء ليزاد عليها الشرح ونحوه. و" الغَفَر " للخَفَر، بمعنى الدَّرَك للمحافظة. و" الصَّمْخ " للصمغ. و"الصَّلُّوب" للصُّلْبُوب وهو مزمار القصب. و"اللَّكَن" للإناء النحاسي المعروف بمعنى اللَّقَن ويسمى: المِركن. و" يَتَقَنَّف" ليتأنف أي يكره  طعم الشيء. و"رثا الثوب" لرفأه أي رقعه. و"جعر" الثور ونحوه لجأر أي خار وصوت. وقرا " كرجا " بمعنى درج وهو عكس التهجئة. و" المرجوحة " للأرجوحة وتعرف عندنا بالعنـزوقة أيضًا. و"الصِّمْد" للصّبْط وهو المحراث الطويل الذي يجره الثور للفلاحة. و"سنْسلة" لسلسلة بمعنى الزنجير ذي الحلقات المتصل بعضها ببعض. وفلان " أَرْفَى " أي أرفل وهو المسترخي الأذنين. و"رقد الشيء" بالماء أي ركد، و"سرج الثوب" أي شرجه بمعنى خاطه خياطة متباعدة، " وصَنَّجَتْ رقبته " أي تَشَنَّجَتْ بمعنى مالت لألم أصابها وفصيحها إِجْل وهو وجع العنق من الوسادة. و"وَنَّ الشيء" أي أَنَّ إذا صوت ولعلها مأخوذة من الوَنِّ وهو الصنج الذي يقرع بحركة الأصابع وتسميه العامة باسم ( الفِقِّيْشَة ). و"غَزَّه بالرمح" والإبرة أي شكه مبدلة من خَزَّه، والقِزَازَ للزُّجاج، و " الدِّمْس " لصف الحجارة في البناء عوض دِمْص وهو كل عَرَق من الحائط خلا العَرقِ الأسفل فإنه رِهْص، و"خِرْم الإبرة" لخربها أي ثقبها، و"قعقور" لقهقور  وهي حجارة تبنى وتنضد علامة لتخم ونحوه، و"الْمَحْدَلة " للمحالة وهي أسطوانة يعلق فيها قوس وتدحرج لرص التراب، ولعلهم توهموها بدون إعلال فقالوا ( مَحْوَلة ) ثم أبدلوا لقرب المخرج فصارت محدلة . و"القِلْد " لنقرة في الصخر يجتمع فيها ماء المطر للقَلْت. و"الدفدر" للدفتر، و"المجاز" للمزاج، و"أمجز الشيء وأجمزهُ" بمعنى أمزجه أي خلطه، و"تجوَّز" أي تزوج، و"أولاد زغار" أي صغار، " وتم " لفم. و"الجَرَزون" للزَّرجون. و"انداق فلان" أي انضاق، و"دِحِك " لضحك. و"وكَّد هذا الشيء " أي أكده بالنظر. و"الزعتر"للصعتر"، و"مهنتز ومهندز" لمهندس، " و" فلَّ فلان " أي فرَّ،  و"قلق المريض " بمعنى أرق أي لم  ينم. و"العفش" للعفج وهو المعي الذي ينتقل إليه الطعام بعد المعدة، ويستعملونه اليوم بمعنى أدوات المسافر وحاجاته التي ينقلها معه في سفراته، و"كَزَّت نفسه" أي قرَّت بمعنى أبت الشيء وعافته .
"وانتلا الوعاء" أي امتلأ فأبدلوا وسهلوا الهمزة، ويقولون " تَلِّى وملِّى الإبريق" أي آملأه. " وشطف الحطب ونحوه " من شطبه أي شقَّه مستطيلاً، " وقشَّبَت يده " من قشفت إذا تشققت. وشرَّ الماء" أي خرَّ وتناثر، فإذا أرادوا المبالغة قالوا " شَرْشرَ " . و"فَجَّ الباب" إذا كسره من قولهم فَشَّ القفل إذا فتحه بغير مفتاح. " والطنطور " للطرطور، وهو أسطوانة هرمية معدنية فضية أو ذهبية أو نحاسية توضع على الرأس  ويرفع عليها النقاب، وكانت في القرون الأخيرة من ملابس الأميرات أو المثريات،   تغالين وتنافسن بلبسها وبالغن بزخرفتها وزركشتها وشاع استعمالها حتى قال المعلم بطرس كرامة الحمصي شاعر الأمير بشير الكبير حاكم لبنان:
ومطنطر فتكت لواحظه بنا       وأذاع فينا الفتك ثم  أشاعا
فكأن خلقته لدى طنطوره        بدر أقام لدى الجبين  ذراعا
" والسرنوك " للترنوك أي الحقير المهزول . " والمرتكوش " للمردقوش من الرياحين، " وودّى فلانًا إلى فلان " أي أدّه بمعنى أعطه، وعند العامة بمعنى أبعثه وأرسله، " وفرم اللحم " من هرمه أي قطَّعه. " والقِنّ " للكِنّ أي بيت الدجاج ولعله من الأقنة أيضًا وهي بيت يبنى من الحجر جمعه أُقَن. وفلانٌ "يقرم الخبز" إذا أكله أي يأرمه بمعنى يأكل ما على المائدة منه، ولكن العامة يستعملونه بمعنى قضمه فأكله، " والقعق " لطير القاق ( الغراب ) ولعلها من العقعق، " ونتش الشيء " إذا اختطفه مبدلة من متشه أي فرّقه بأصابعه، فاستعملوه للخطف بسرعة، و" ابزق " أي ابصق ومنه سموا الحلزونة ( بزاقة ) لأنها كثيرة البصاق. ويقولون فلان طبعه (قِزِح أو إِزح) بمعنى سريع الغضب والتأثر فهي إما من ( قزع ) بمعنى خف وأسرع، أو هي من قمز بمعنى وثب واضطرب فيكون فيها القلب، أو هي من ( الحُرُقَّة ) وهو الرجل السيئ الخلق، "وقمَّر الخبز ونحوه أو أمّره" مبدلة من جمَّره إذا وضعه على الجمر ليقدّده ويبالغ في شيه، وقد تكون من حمَّره بمعنى جعله يحمرّ على النار. " وتبشنق " إذا لف رأسه وعنقه بقماش وقاية من البرد أو للتزين أو التبرج مبدّلة من ( تبخنق ) إذا لبس البُخْنُق وهو البرقع والبرنس الصغير، أو هي من البشلوقة التركية لغطاء الرأس فتحرفها العامة وتقول بشنوقة بالإبدال فتكون من باب الدخيل. وفلان ( عايق ) أي لطيف الشكل والمشى واللبس أو ( عايئ ) وكأنها محرفة عن حايك أو عايك بمعنى المتبختر والمختال  في مشيه. ( وكرع ) لجرع. " وشعنوطة " لعقدة بالخيط معروفة وأصلها أنشوطة، ويقولون " غبى من الضحك " بدل أغمى عليه. و ( قرّق ) فلان على فلان إذا استهزأ به من ( هرّأ ) أي تكلم الهراء وهو الكلام الكثير الفاسد، " واندكس المريض " لانتكس. و"تدندل الشيء " إذا تدلى من تدلدل، "وطبش الرجل غيره" إذا ضربه من طبج، واشتقوا منها الطبشة التي يؤدب بها الأطفال وفصيحها المقفعة، وفلان " طِشٌّ " أي أحمق جامد كأنها من طبج بهذا المعنى. " وكَرَت الماء " إذا صبه من كلت ويقولون أيضًا كتَّ بالإدغام، " وجخَّ الرجل " بمعنى تأنق بملبوسه واختال كأنها من جفخ بمعنى افتخر ومن مقلوبها جخف بمعناها. " وتَحَلْفَص " إذا تحرّك للقيام كأنها من تحفَّزَ. " وشاشت نفسه " أي اضطربت من جاشت. ورجل (قِشلان) أي مفلس معدم كأنها من قولهم (أرلان) أي مجدب. و ( طنبرت ) اليد أو الجلد إذا بدا فيهما ورم كأنها من  ( انبَهرت ) أو من ( طمرت ). و ( دنكز ) إذا طأطأ رأسه ذلاًّ وخضوعًا ونظر بعين مكسورة مبدلة من (دنقس) بمعناها. " والضرف " للظرف بمعنى وعاء من جلد عندنا للبن. والغيض للغيظ.
ويعزى كل هذا إلى قرب مخارج الحروف وإلى لهجات القبائل وما يعرض من التصرف في اللفظ والسمع ونحو ذلك .
 
وكثيرًا ما يجتمع ( القلب ) و ( الإبدال ) أو ( ينفردان ) مثل قولهم " إجْر " لرجل ، فقدّموا اللام وأبدلوها همزة، "وشهَّل الثمن" إذا رفعه وهي من أشاله، " والقَلُّوسة" في القلنسوة المعروفة من أغطية الرأس لكهنة النصارى، ومثل " عَمْلوش العنب أو معلوشه " لما يبقى من العنقود بعد أكل حبه، والأصل عمْشُوش فقلبوا وأبدلوا. " وبيتنجان " للباذنجان الثمر المعروف دخيل وعربيته الأنب والمغد والوغد.
              

5 - ديسمبر - 2007
أحاديث الوطن والزمن المتحول
 48  49  50  51  52