ست قصص شعرية.. كن أول من يقيّم
أحسست أنني لم أشف غليل أخي الغالي هشام عندما تحدثت عن قصصه الشعرية الجميلة بشكل سريع، ربما هو مجرد شعور يجانب الحقيقة، لكنني صدَّقت شعوري وأنا الآن أحاول مرة أخرى قراءة ما كتبه قلبه من قصص شعرية بديعة بموسيقاها:
(1) سألني الطبيب: أي الآلام تُفضل؟.. أجبته: تلك التي يُحسها حبيبي.
يحكى عن قبيلة بني عذرة أن قومها كانوا إذا أحبوا ماتوا، منتهى الحب وذوبان الحبيب في حبيبه، لكننا هنا لا نريد لأحد أن يموت، ونتيجة هذا العشق والذوبان يتمنى الحبيب ما عند حبيبه حتى ولو كان ألماً.. ولإبراهيم اليازجي:
إَلَيكَ يا طَرفَها قَلباً يُذاب أَسىً وَمُهجةٌ أَصبَحَت رَسماً بَحِبّيها
عَقَدتُ فيها بُنودَ الحُبِّ ساميةً عَلى صَبابةِ عشقٍ لا أُعاصِيها
(2) أعلم أنها الليلة الأخيرة.. وجهها القريب بعيدٌ عن أصابعي.. صوتها العالي لا أسمعه.. لغتها غريبة لا أعرفها.. لكنني أسمع دقات قلبها.. وأفهم موسيقاها.
الفراق، كلنا عانينا منه، وكلنا كتب عنه، لكن هذه الصورة حلتها جديدة، حصلت معنا نعم، لكننا لم نقدر على التعبير عنها هكذا باختزال، وهو إبداع ما بعده إبداع، (الوجه والأصابع والصوت واللغة) أمور مادية محسوسة لكنه لم يحسها، (القلب والموسيقا) أمور غير مادية وغير محسوسة لكنه أحس بها، هذه الثنائية أعطت بعداً جمالياً إضافياً للكلمات الجميلة أصلاً، لكن ربما كان يجب أن يقول (موسيقاه) بدلاً من (موسيقاها).
(3) أعجبُ من حبيبي! كيف يتغزل بوجهي, وأنا مقطوع الرأس؟.
صورة جديدة لمعنى قديم، ربما هي نفسها قول عبدالله بن معاوية:
فَلَستُ بِراءٍ عَيبَ ذي الوُدِّ كُلَّهُ وَلا بَعضَ ما فيهِ إِذا كُنتُ راضِيا
فَعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ وَلَكِنَّ عَينَ السُخطِ تُبدي المُساوِيا
لكن الفرق هو اختزال الصورة ما بين تسع كلمات عند مبدعنا هشام، وما بين ست وعشرين كلمة عند ابن معاوية.
(4) قلتُ للطير: أحب الطيران!.. فهجرني صوته.. قلتُ للأرض: أتمنى العودة لترابك!.. فلملمتْ ترابها ورحلتْ.. ولن أندم بعد الآن لأني قطعتُ لساني!!.
حظك عاثر يا صديقي، هي الأقدار التي ترمينا في غير المكان الذي نحب، وربما الغربة هي التي انبثقت منها ليست هذه الصورة الجميلة فقط (لملمت ترابها)، وإنما أشياء لم نكن ندرك أننا نملكها أو نملك جزءاً منها.. وما أحلى هذا الكبرياء (قطعت لساني).
(5) تمنيتُ أن يفهمني الهواء.. لكنه طار بي بعيداً.. تمنيتُ أن تضمني كفاه.. لكنها أحاطتْ بعنقي تعصره.. آه ما أغرب جنوني.. لا يفهمه حتى المجانين!.
(تجري الرياح بما لا تشتهي السفن)، هذا لنا جميعاً فلا تبتئس.. أما الجنون فهي لوحة مرسومة بشكل صحيح.. وبعد أن اختلطت الأوراق لم نعد نميِّز المجنون من العاقل، وفي الغالب من يرى نفسه مجنوناً يكون من أشد العقلاء عقلاً. وهذه صورة مبدعة لإبراهيم الطباطبائي:
خليلي عليك العقل جنّ جنونه هل العقل إلا في هواك جنون
لكل امرئ فنٌّ إذا جنَّ عقلـه ولكن جنوني في الغرام فنون
(6) كُنا ثلاثة: هو يُحبها.. هي تُحبني.. أنا أحبه.. وعُدنا ثلاثةٌ: هو يُرتل.. هي تبكي.. وعُصفورٌ ميتٌ بين يديها.
المقطوعة السادسة، ولن أقول (الأخيرة)، لأن من يكتب بقلبه هكذا عليه ألا يتوقف، لأجل نفسه، ولأجلنا إن كان يريد أن يكون كريماً معنا.. وفي الغالب الحب يجعل من الأسد عصفوراً.. إنه يعمل بسلاح من أبسط ما يكون، لكنه يعطي نتائج من أقوى ما يكون، هكذا تحوَّل الحبيب إلى عصفور ميت بعد أن لاقى ما لاقاه مستسلماً دون مقاومة.. ولأبي حامد الغزالي:
أنا عصفور وهذا قفصي طرت منه وبقي مرتهنا |