أنه فد تم حذف مقطع "يا فرنسا قد مضى وقت العتاب" من النشيد الوطني الجزائري في الكتاب المدرسي الموجه لتلاميذ الصف الخامس،
من المرحلة الأبتدائية .
يا فرنسا قد مضى وقت العتاب وطويناه كما يطوى الكتاب يا فرنسا إن ذا يوم الحساب فاستعدي وخذي منا الجواب إن في ثورتنا فصل الخطاب وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر فاشهدوا...
إن عمومية الثقافة تحمل بين طياتها طابع الخصوصية، كما أن خصوصيتها تتسم، ولابد، بشيء من العمومية. إن المطلق والنسبي يشكلان هنا حقيقة واحدة متكاملة. إن فلسفة أفلاطون مثلاً تعكس، من جهة، الوضعية الاجتماعية للشعب اليوناني في عصره، كما تعكس أيضاً مكان أفلاطون في هذه الوضعية. ولكنها مع ذلك تضم شيئاً يتعدى أفلاطون ويتجاوز معطيات مجتمعه، شيئاً يتعلق بتطلعات الإنسان وتساؤلاته، تطلعات وتساؤلات تخترق سياج الزمان والمكان. ومثل ذلك يقال بالنسبة لشعر هوميروس ومسرح سوفوكليس وفلسفة الفارابي وشعر المعري والمتنبي وقصص ألف ليلة وليلة ومسرحيات شكسبير، وغير ذلك من الآثار الثقافية الخالدة.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى يجب ألا نغفل الحقيقة التالية، وهي أن الثقافة ليست هذا الجانب التعبيري الانفعالي وحسب، بل إنها أيضاً قوة فاعلة وسلاح خطير يؤثر في الإنسان، فيساهم في تشكيل وعيه وتوجيه رؤاه وتحديد آفاقه، كما يؤثر في المجتمع فيعرقل مسيرته أو يدفع بها إلى الأمام، ويعمل في ذات الوقت على توجيه المصير البشري عامة نحو هذه الجهة أو تلك.
ومن هنا تلك الظاهرة المرتبطة بموضوعنا أشد الارتباط، ونعني بها تأثير الفكر العالمي في الفكر الفردي والفكر الوطني، خصوصاً في هذا العصر الذي أصبحت فيه وسائل الطبع متيسرة كثيرة، وأدوات الاتصال والتواصل سريعة متعددة، نتجت عنه هذه الظاهرة التي أطلقت عليها اليونسكو في الخمسينيات عبارة محايدة لا تحمل بطانة إيديولوجية، كما هو الحال اليوم في العبارة التي تستعمل بديلاً عنها، أعني بتلك "تداخل الثقافات" وبهذه "صراع الثقافات" أو "حوارها". وهنا قد يكون من المفيد أن نستطرد قليلاً لنبين إلى أي مدى غيَّـر (حتى لا نقول "شوَّه") خطاب العولمة اليوم من مفاهيم خطاب الخمسينيات. لنبدأ بمفهوم "تداخل الثقافات". لقد قلنا عنه إنه مفهوم محايد، لا يحمل أي بطانة إيديولوجية، ذلك لأنه يعبر من دون تحيُّز، ومن دون الانخراط في أي صراع مهما كان، عن واقع تاريخي جرى رصده كما هو من دون تمويه ولا تنويه. ذلك أنه كان هناك دوماً، وعلى مر العصور، نوع من الاتصال والتداخل بين الثقافات الموجودة في عصر معين، أو المترابطة بفعل الزمن، وكان هذا التداخل يحدث ببطء في الغالب. وغالباً ما كان لا يتعدى مستوى الخلط والمزج، ونادراً ما أدى إلى اندماج كلي، أو إلى مركب جديد. كان هذا التداخل يجري من دون تخطيط مسبق. كان يجري عبر الأسفار والتجارة والحروب التي لم تكن تكتسي طابع الغزو الثقافي.
كان هناك ما يشبه "التقليد"، الضعيف أو القوي، للعادات والثقافات والأمور الحضارية الأخرى، إما سلباً وإما إيجاباً. ولم يكن الغالب، المنتصر عسكرياً، هو الذي ينتهي إلى السيادة الثقافية دوماً، وكما لاحظ ابن خلدون بحق، فإذا كان الظاهر هو أن المغلوب يقتدي بالغالب، فقد يحدث العكس كما حصل بين العرب والفرس: لقد تغلب العرب زمن الفتوحات على الفرس عسكرياً وسياسياً ولكن الفرس لم يقلدوا العرب حضارياً، بل العكس هو الذي حصل، أي أن الغالب هو الذي قلد المغلوب. وعندما تنبه العرب إلى ذلك وصار المغلوب ينتفض ويحاول استرجاع السيادة السياسية عن طريق "الثقافة" (الحركة الشعوبية وحرب "الكتب"... الخ)، برز عنصر ثالث هو الثقافة اليونانية التي انفردت بحقلين ثقافيين مهمين: العلم والفلسفة، فحصل نوع من التداخل الثقافي، غني وقوي، بين ثلاثة أطراف: العرب، والفرس، والسريان (حاملو الثقافة اليونانية). كان هناك تنافس قوي بين هذه الأطراف الثلاثة، حتى إن كبار المثقفين والعلماء كانوا من جميع أقاليم الرقعة الجغرافية التي امتدت عليها الحضارية العربية الإسلامية. ومع اتساع هذه الرقعة وتعدد عرقياتها حصل تداخل سلمي واسع تبُودلت فيه المواقع في كثير من المجالات. وهكذا كان أول فيلسوف في الإسلام (الكندي من قبيلة كندة اليمنية)، وكان أكبر مفسر للقرآن من طبرستان (الطبري)، وأكبر مدوِّن للحديث من بخارى (البخاري)، وأكبر عالم في الفيزياء من البصرة (ابن الهيثم)، وأكبر طبيب من دمشق (ابن النفيس)، وأعظم مؤرخ إنثروبولوجي من المغرب العربي (ابن خلدون)، وأعظم فيلسوف من الأندلس (ابن رشد)... الخ.
ولم يكن هذا النوع من تلاقح الحضارات أو تداخلها يحتاج إلى دعوة، ولم يحدث بتخطيط مسبق بل كان عملية تاريخية تلقائية، عملية يحكمها طلب الأفضل. أما اليوم، فإن تداخل الثقافات أصبح يكتسي طابعاً آخر، هو طابع الغزو والسيطرة، طابع الصراع الحضاري -الذي ليس الصراع الأيديولوجي إلا الشكل الأعلى من أشكاله. وما يزيد في خطورة هذا الصراع انتشار المَطِيَّات الثقافية، وسرعتها وفعاليتها المفرطة. إن الثقافة أصبحت اليوم، مثلها مثل الهواء، تدخل كل بيت، وتغزو كل قلب، وتقتحم كل عقل مهما كان مستوى يقظته أو درجة غفوته. حصل هذا منذ الثمانينيات من القرن الماضي مع انتشار العولمة كواقع اقتصادي سياسي إعلامي فبدأ مشهد الإشكالية الثقافية في العالم العربي يتغير، وبدأ أثر ذلك يظهر بوضوح على مستوى المفاهيم والتصورات. لقد كانت مفردات الخطاب العربي منذ الخمسينيات محكومة إلى حد كبير بمفردات الفكر الوطني المعادي للاستعمار والفكر الاشتراكي المناهض للرأسمالية والإمبريالية، وهي مفردات متكاملة على الأقل في كونها منخرطة في الحرب الباردة إلى جانب الفكر الاشتراكي مع التأثر، بهذه الدرجة أو تلك، بمحاولات البحث عن طريق ثالثة خاصة بما كان يسمى بـ"العالم الثالث".
ومن أجل أن نلمس مدى التحول الذي طرأ على مفردات الخطاب العربي بتأثير مفردات العولمة وخطاب الإمبراطورية الأميركية الهادفة إلى السيطرة الثقافية على العالم، إلى جانب سيطرتها الاقتصادية والعسكرية، لابد من القيام بمقارنة ولو سريعة بين مفردات خطابنا اليوم وخطاب الأمس في الثقافة العربية.
*د. محمد عابد الجابري | المغربية . (مع بعض التصرف )
كاسترو يدخن آخر سيجار في منصة الأحلام الاشتراكية..كن أول من يقيّم
فيديل كاسترو
المتابع لحدث تنحي وتخلي زعيم الثورة الكوبية، فيديل كاسترو، عن مقاليد الحكم في آخر جزيرة مازالت تلبس ثوب الحرب الباردة، لا بد له أن يقف على مدلول ورمزية هذا القرار الذي اتخذه كاسترو بدافع الحالة الصحية التي وصل إليها منذ 20 أكتوبر 2005، يوم سقط أمام عدسات الكاميرات من منصة مهرجان خطابي في سانتا كلارا. فيديل كاسترو لم يكن يرغب، هو الذي بقي معاندا ومقاوما لأكبر وأشرس وأعتد قوة في العالم لا تبعد سوى ببضعة كيلومترات عن سواحله، في أن يُخرجه التاريخ بطريقة مذلة قد تشبه خروج صدام حسين أو درامية في صورة وفاة ياسر عرفات. كاسترو أراد، بإعلان تنحيه عن السلطة، أن يضمن لنفسه خروجا مشرفا ومدروسا سلفا لرجل بقي على السلطة في أحد أصغر الأماكن في العالم مقاوما لعشرة رؤساء أمريكيين تعاقبوا خلال فترة حكمه لكوبا، دون أن يستطيعوا الإطاحة به بالرغم من عشرات المحاولات لاغتياله. «كاسترو.. الزعيم يضع السلاح»، هكذا علقت صحيفة «ليبيراسيون» الفرنسية، فيما فضلت زميلتها «لوفيغارو» أن تعنون مقالها بـ«غروب فيديل كاسترو»، أما الصحف البريطانية فأجمعت كلها على تخصيص كل أغلفتها لصور الزعيم الكوبي ولحدث تنحيه عن السلطة، تماما كالصحف الأمريكية ووكالات الأنباء العالمية التي راجعت صفحات طويلة ومثيرة من نصف قرن من الأحلام الثورية الكوبية. في الجزائر، احتفلت الصحف هناك بطريقة خاصة بقرار اعتزال كاسترو الحكم، ونقلت صحيفة «الخبر» على لسان سفير جزائري سابق، (رغم انتهاء الحرب الباردة فقد فضل عدم الكشف عن هويته)، حكاية ما سماه بـ«المواقف الكبيرة التي اتخذها الزعيم الكوبي فيديل كاسترو حيال الجزائر، خاصة موقفه المناهض لحرب الرمال التي شنها المغرب أشهرا قليلة بعد الاستقلال، في محاولة للسيطرة على جزء من الأراضي الجزائرية». وأضاف ذات المتحدث في اتصال هاتفي مع صحيفة الخبر قائلا: «بالرغم من العلاقات التي كانت تربـــطه بالدولة الجارة (المغرب)، إلا أن فيديل كاسترو اتخذ مواقف شجاعة حيال الاعتداء الجائر الذي قاده الراحل الحسن الثاني ضد الجزائر التي لم تكــتمل، حينها، بعد فرحتها بالاســـتقلال». بعد سبعة عشر عاماً على سقوط جدار برلين وخمسة عشر عاماً على انهيار الاتحاد السوفياتي، بقي كاسترو، في سن الواحدة والثمانين، رمزا لحقبة تاريخية عايشتها أجيال القرن العشرين بكثير من الأحلام والآمال والانتصارات والانتكاسات الثورية والاشتراكية، حتى إن كاسترو، وهو في منعطف تخليه عن الحكم، لم يقبل بكلمة الفراق، وقال في رسالته التي خطها بقلمه بتاريخ 18 فبراير الجاري: «لا أقول الوداع لأنني أرغب في الكفاح كجندي مفكر، وسأواصل الكتابة تحت عنوان «أفكار الرفيق فيديل»، وسيكون ذلك سلاحاً من ترسانة يجب الاعتماد عليها، ربما سيسمع صوتي». ظل كاسترو حتى مطلع القرن الحالي آخر وجوه الحرب الباردة وآخر معاصر لجيل عبد الناصر وتشي غيفارا وماو تسي تونغ والمهدي بن بركة وكبار زعماء الحزب الشيوعي السوفياتي، حيث يحتفظ له التاريخ بكاريزما خاصة نسجها من تدخينه للسيجار ولبسه الزي العسكري الأنيق وخطاباته الجماهيرية الحاشدة، التي كانت تنطلق لكي لا تنتهي سوى بشعاره الخالد الذي ظل يحمله في قلبه ولسانه: «الاشتراكية أو الموت... حتى النصر».