البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات ضياء العلي

 43  44  45  46  47 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
كل الشكر للدكتور مواسي    كن أول من يقيّم

 
الأستاذ والشاعر القدير الدكتور فاروق مواسي :
 
يسعدني ويشرفني أن أرحب بكم في سراة الوراق ، ويبدو لي من خلال ردك اللطيف بأنك لم تطلع على قائمة السراة الموجودة في الصفحة الأولى للمجالس ، على يمين الشاشة . هناك عرفت بحضرتكم بشكل مختصر ، بالقدر الذي تسمح به المساحة المخصصة لهذه الغاية ، وهي النافذة التي يمكنكم الدخول منها للإطلاع على المعلومات الخاصة بالسراة ، كلٍّ على حدة ، ومطالعة كتاباته ، والوصول إلى آخر تعليق قد كتبه ، ويسعدني أن أكنى بجدي لأول مرة : محمد العلي ، فأنت لم تغلط بالأسم ، ويسعدني أيضاً أن تتابعوا كتاباتي وأن تفيدوني بتوجيهاتكم وملاحظاتكم عليها .
 

23 - سبتمبر - 2007
رحلة المعتمر 0000عبادة وشجون
تاليران وفوشيه ( 10 )    كن أول من يقيّم

بعد هزيمة نابليون في معركة " واترلو " عاد لويس الثامن عشر إلى باريس بمساندة تحالف القوات الأجنبية ومن تآمر معهم من الفرنسيين ، ومن هؤلاء : تاليران وفوشيه . وكان الملك قد توقف في ضاحية سان - دنيز ( Saint - Denis ) قبل الدخول إلى باريس وأقام مدة في كاتدرائيتها حيث يوجد قبر أخيه الملك لويس السادس عشر الذي أطاحت الثورة برأسه في العام 1793 . وكان على شاتوبريان أن يزوره في ذلك المكان فكان أن ترك لنا هذه الشهادة التاريخية الثمينة معززة بوصفه لما كان يعتمل في نفسه من مشاعر متناقضة :
 
    
                                                                           تاليران وفوشيه
 
في حوالي الساعة التاسعة مساء ، كنت قد توجهت لزيارة الملك لتقديم الطاعة . كان سعادته مقيماً في الأبرشية وحيث كان من الصعوبة بمكان منع بنات حراس جوقة الشرف الصغيرات من أن تهتفن : " عاش نابليون " . دخلت إلى الكنيسة أولاً ، جانب من الحائط الملاصق للدير كان قد تهاوى ولم يكن هناك سوى مصباح واحد مضاء في مقر راعي الأبرشية . صليت على مدخل المدفن الذي كنت قد رأيت فيه لويس السادس عشر وهو يوارى . كان الخوف من الآتي يستولي علي ، لا أدري إذا كنت في حياتي كلها قد شعرت بمثل هذا الخشوع والحزن العميق . بعدها ذهبت لمقابلة جلالته ، فأدخلت إلى إحدى الغرف الملاصقة للديوان وكانت خالية تماماً ، هناك جلست في ركن أنتظر . فجأة ، يفتح الباب ، وتدخل منه بصمت الرذيلة متكأة على ذراع الجريمة ، السيد تاليران (1) يمشي مستنداً إلى السيد فوشيه (2) . هذه الصورة الجهنمية كانت تمر من أمامي ببطء شديد قبل أن تدخل إلى ديوان الملك وتختفي . كان فوشيه قد جاء ليقسم يمين الطاعة أمام مليكه . قاتل الملك المطيع ، جاثياً على ركبتيه ، يداه المجرمتان اللتان قامتا بقطع رأس لويس السادس عشر بين يدي أخي الملك الشهيد . المطران الرسولي صادق على القسم .
 
قبل أن أغادر سان - دنيز استقبلني الملك وكان لي معه هذا الحوار :
 
ــ إذاً ? قال لي لويس الثامن عشر مفتتحاً الحوار بهذا التساؤل .
 
ــ إذاً سعادتكم سوف تعينون دوق أوترانت ( فوشيه ) .
 
ــ هذا لا بد منه : منذ عهد أخي ، وحتى ولاية كروسول ( Crussol ) كل شيء يشير على أننا لن نستطيع شيئاً غير هذا ، ما رأيكم ?
 
ــ سعادتكم ، بما أن الموضوع منته ، أرجو من فخامتكم أن تعفوني من الإجابة .
 
ــ لا ، لا تكلم : أنتم على علم كم قاومت من الضغوط عندما كنت في " غاند " .
 
ــ سعادتكم ، أنا لم أكن يوماً سوى خادمكم المطيع ، فاعذروا لي شدة إخلاصي : أظن بأن عهد الملكية قد انتهى !
 
لاذ الملك بالصمت ، وبدأت أنا أرتجف من الخوف على جسارتي تلك عندما استعاد جلالته طرف الحديث ليقول :
 
ــ في الحقيقة ، سيد شاتوبريان ، أنا رأيي من رأيك !
 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
1- تاليران :  ( 1754 - 1838 ) Talleyrandرجل سياسي وشخصية محيرة تميزت بالدهاء وعدم الالتزام بأي من المعايير الأخلاقية التي حكمت عصره سواء في السياسة أم في حياته الخاصة . ينتمي إلى عائلة ارستقراطية عريقة القدم وكان والده في السلك العسكري إلا أنه وبسبب تشوه في رجله وعدم صلاحيته للمهن العسكرية تم توجيهه نحو الدين رغم عدم وجود أية قناعات دينية لديه فأصبح أسقفاً لأوتان ، ثم انحاز إلى الثورة الفرنسية وتآمر مع رجالاتها ضد مصلحة الكنيسة ورجال الدين فأصبح وزيراً للخارجية ، ثم تآمر على الثورة لإيصال نابليون بونابرت الطموح إلى الحكم بإنقلاب عسكري ليصبح كبير الوزراء وأميراً على مقاطعة بانيفان ، ثم تأمر ضد نابليون وحاول اغتياله وكان ممن تسببوا بسقوطه وعودة الملكية إلى فرنسا وكانت له شبكة علاقات دولية مع رجال السياسة المؤثرين في عصره ، فعينه الملك لويس الثامن عشر وزيراً للخارجية .
 
2 - فوشيه : ( 1759- 1820 ) Fouché كان تلميذاً ثم أستاذاً لدى " جماعة المصلى " Oratoriens  ( فرقة دينية ) ثم أصبح نائباً في البرلمان لدى جماعة الثورة وكان ممن صوتوا على القرار بقطع رأس الملك لويس السادس عشر ، وغالباً ما تولى قيادة الأمن وشارك بمذابح أيام الثورة ، ثم أصبح مديراً للأمن في عهد نابليون وحصل بعدها على لقب سيناتور ثم أصبح دوقاً لأوترانت ليخون بعدها نابليون ويساعد على عودة الملكية إلى فرنسا ممثلة بلويس الثامن عشر .
 
 
 

23 - سبتمبر - 2007
أحاديث الوطن والزمن المتحول
رحلة وصيد    كن أول من يقيّم

 
صباح الخير أستاذنا الكريم الدكتور مواسي :
 
اطلعت على موقعكم الجميل الذي يفوح بعبق أجواء عائلية دافئة ، زرت بعض الأركان ، ولم تكن زيارتي طويلة هذه المرة ، تأملت في بعض القصائد المعلقة على الجدران واخترت منها هذه القصيدة التي جيشت في نفسي مشاعر أعرفها وأقرأ عنها شعراً لأول مرة :
 
تودعين
 
تودعين بيتــــك  الحبيــــبْ
شفيــــقةً رقيـــــقةً
وتذرفين دمعــــةً غريقـــــةً
 معِـــينُها صبيــــــبْ
لترتـــــقــــي  معارجــــًا كريــــمةَ الذُّرا
أقول : يا لَسحرِهــــا العجيــــبْ
مداعبًا  مُــمَسِّـــــدًا  وحانيـــــــا
مُكفْـــكِـــفــًا حتى الرِّضــــا :
 
رِفـــقــًا   بنا   بُنيَّــــتي  ،
حنــــانــــُُك الذي رنـــــا لنــــــا
أوفيـــــهِ لابـنــــــنِـــا الذي ارتــــضاك
لبيـــتهِ – لبيتـــــِـــكِ الجديـــــدْ
منارةً تضـــــيء من سنـــــاك
 
الفرحةُ التي بـــــدا إشراقــــــُها أمـــــلْ
لا تجعليـــــها عَـــبْرةً تظلُّ في المُــــقـــلْ
جودي بها هُنــــيهةً
كيما تظـــلَُ البســــمةََ التي روتْ عذوبـــتَكْ
ترفُّ فوق وجهــــِكِ الرغيــــد
وتستقـــــي نداوتـــــَكْ
 
بنيتي !
مرتْ سنيـــــن
مرتْ سنيــــــــــنْ
وعشتــــِهـــا بحبِّــــنــــا وصفوِنــــــا
وسرِّنـــــا وجهرِنـــــــا
راضيــــةً هــنــيـــــَّه
في منبع ما ضنَّ بالعـــــطاءْ
في روضـــةٍ تشعُّ بالوفــــاءْ
فلتصحبي كليهما
عطيـــةً
وفيــــةً
بنيتــــي !
 
بنيتي
وداعــــةٌ ترافقُــــــك
دعاؤنـــــأ يعانقُـــــك :
يرعاكِ ربي يا جنـــــــى
وجازيًا طيبَ المـُــنــــى
ومسعدًا رفيقــــَكِ الرفيــــقْ
بدربِــــه ....حنوِّهِ
لترفُلا ببهجــــِة  الرِّفـــــاءْ !
 
                                  فاروق مواسي
 
وذكرتني هذه القصيدة بأبيات شعر بالعامية كنت قد كتبتها لابنتي فرح ذات يوم :
 
                      زهرة الليلك
عـيـنـي عليكي iiباردة بـنـتـي يا ليلك iiليلكي
خـوفـي  لنظرة iiشاردة
يـفـزع ملاكي ويشتكي
 
تـوقي  يا بنتي هالزمان عـهـد الـلنا مالو iiأمان
وانتي المتل لولو بصدف ربيتي على كتف iiالحنان
ضمك  لصدري iiوترتكي
 
بـاقـة عـطر أنتي iiلنا زهـر الـعمر كل iiالجنا
قضينا  العمر متل iiالنحل أيـامـنـا كـد وضـنا
وانـتـي  بقلب iiالمملكة
 
هـدي لـيـنبتلك iiجناح وجـنـاح ريشاته iiملاح
هـدي ليشرق فجر iiنور وتزقزق  طيور iiالصباح
وقـتـها العمر كله iiلكي
 
أما كيف كتبت التعليق ? ومن أين حصلت على المعلومات ? فهذا سر المهنة ، حتى ولو يعد هناك الكثير من الأسرار مع الأنترنت .
كل الشكر لك والتحية والتقدير .

25 - سبتمبر - 2007
رحلة المعتمر 0000عبادة وشجون
شاتوبريان وهزيمة نابليون (11 )    كن أول من يقيّم

 
                                                                        معركة " واترلو "
 
في الثامن عشر من شهر حزيران 1815 وكنا قريب الظهر ، كنت تركت " غاند " مغادراً من باب " بروكسل " . كنت أسير وحدي متنزهاً على الطريق الكبير وقد اصطحبت معي كتاب " شروحات يوليوس قيصر " ( Les commentaires de César ) . كنت أتمشى ببطء مستغرقاً في القراءة وكنت قد ابتعدت مسافة بضعة فراسخ عن المدينة عندما تهيأ لي أنني أسمع هديراً أصمّ : توقفت ثم نظرت إلى السماء فوجدتها ملبدة بالغيوم ، صرت أسأل نفسي إذا ما كنت سأتابع التقدم في طريقي أم أتراجع باتجاه " غاند " .أصغت السمع جيداً لكني لم أعد أتميز سوى صوت دجاجة ماء بين القصب ، وصوت ساعة القرية . تابعت متقدماً : وقبل أن أتم ثلاثين خطوة كان ذلك الهدير قد عاد إلى مسمعي ، متقطعاً ولبرهة وجيزة أحياناً ، ثم لبرهة أطول ، وعلى فترات غير متساوية في المدة . أحياناً لم أكن أشعر به سوى عبر اهتزازات الهواء التي كانت تأتي من ارتجاج الأرض المتصلة بتلك السهول  الشاسعة لأنه كان شديد البعد . هذه الانفجارات الصغيرة ، القليلة المدى والتموجات الغير مترابطة فيما بينها كصوت الرعد ، جعلتني أفكر بأنها معركة . وجدت نفسي مقابل شجرة حور تقع على زاوية حقل جنجل (1) ، اجتزت الطريق لأستند إلى جذع الشجرة ملتفتاً بوجهي ناحية " بروكسل " . هبوب هواء الجنوب مكنني من أن أتميز صوت المدفعية بشكل أوضح . هذه المعركة الكبرى التي لم تكن تحمل إسماً بعد ، والتي كنت أسمع صداها من على كعب شجرة حور ، والتي دقت لها ساعة القرية لحناً جنائزياً غامضاً ، كانت معركة " واترلو " .
 
كنت المستمع الصامت والوحيد لخاتمة الأقدار الرهيبة هذه ، ولوكنت في غمار المعركة ، لكان انفعالي أقل مما كان عليه ، فالنار والخطر والخوف من الموت لم تكن لتترك لي الوقت للتأمل . إنما وحيد على جذع شجرة في ريف " غاند " كأنني راعي ، كانت الأفكار اللوامة تثقل كاهلي وترعى من حولى كأنها قطيع الماشية : ما هذه المعركة ? وهل ستكون الحاسمة ? وهل يحارب نابليون بنفسه فيها ? وهل تُرك هذا العالم لأقداره كما كان قد تُرك ثوب المسيح ? سواء كانت النتيجة الانتصار أو الهزيمة لهذه الفرقة أو تلك فماذا سيكون مصير الشعب : الحرية أم العبودية ? دم من هذا الذي يهرق ? وكل ضجة تطرق مسمعي الآن أليست هي حشرجة فرنسي آخر يطلق أنفاسه الأخيرة ? وهل هي " كريسي "(2 ) أخرى ، أم " بواتييه "(3) أخرى ، أم " أزنكور "(4) جديدة سيفرح لها قلب أشد أعداء فرنسا ضراوة ? لو انتصروا فيها أفليس هذا معناه بأن مجدنا قد زال ? ولو انتصر فيها نابليون أفليس معناه بأننا قد خسرنا حريتنا ? وبالرغم من أن انتصاراً لنابليون سوف يفتح من أمامي طريق المنفى وإلى الأبد ، لكن حب الوطن كان أقوى في قلبي في تلك اللحظة وكنت أتمنى انتصار الطاغية إذا كان لا بد منه لإنقاذ شرفنا وتخليصنا من سيطرة الغرباء .
 
هل سينتصر" ولنغتون "(5) ? وهل ستعود الشرعية ( الملكية ) إذاً إلى باريس وراء أصحاب البزات الحمر الذي صبغوا بدلاتهم من دماء الفرنسيين !  ستكون مراسم عودة الشرعية محمولة على نفس العربات التي امتلأت بجنودنا الذين شوهتهم الحرب ! وكيف ستكون هذه العودة التي تمت تحت الحماية الخارجية ?  هذا قليل من الأفكار التي كانت تعذبني ، ومع كل ضربة مدفع ، كنت أرتجف ويزداد خفقان قلبي . كنت على بعد بضعة فراسخ من كارثة عظيمة لم أكن أراها ، ولم أكن أستطيع لمس ذلك الجبل الهائل من الصرح الجنائزي الذي كان يتضخم من دقيقة لأخرى . في " واترلو " كما على شاطىء " بولاق "(6) ، على ضفاف النيل ، كنت ، بدون جدوى ، أمد بكلتا يدي نحو الهرم .
 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
1 ـ  الجنجل Houblon ويقال له دينار أيضاً وحشيشة القزاز
Crécy(1346)  -2 
3 ـ Poitiers ( 1356
4 ـ (1415 ) Azincourt 
ثلاث معارك كبرى هزمت فيها فرنسا أمام بريطانيا خلال الحرب التي تُعرف بحرب المئة عام
5 ـ Wellington قائد القوات البريطانية آنذاك وقائد المعركة ضد نابليون
6 ـ  بولاق بالقرب من القاهرة ، وكان شاتوبريان قد زارها وهو يرمز هنا إلى الأهرامات كصرح جنائزي هائل لأنها قبور الفراعنة .
 

25 - سبتمبر - 2007
أحاديث الوطن والزمن المتحول
الشمس ما علمتني ..... والقمر جاحد    كن أول من يقيّم

 
 النص لميرال الطحاوي منقول من رواية " الخباء " الصادرة عن دار الآداب ـ بيروت 1999
 
باهتة رغم كل الأساطير عنها ، لم أحبها ، ولم أكرهها ، فقط تعلقت بها لأنها كانت النافذة الوحيدة . منذ وقعت عيناها على العرف الأسود في البياض الصافي وهي تصيح بهذه الكلمة : " بيوتي فل " .
 
قال أبي :
 
ــ " إنها مهرة فاطم حبيبة أبيها .. لا .. لا أستطيع .. اختاري ما شئت دونها " ، فتشعلقت بعنق " خيرة " الذي انحنى علي وهي تمد عرفها وتتلحسني وأنا في الأرض أحبو ، قلت :
 
ــ " خيرة مهرتي " .
 
فابتسمت والتفتت إلى ساقي واللفائف ، اكتشفت وجودي أخيراً رغم أنها دخلت كل الغرف ، وجالت حول كل شيء بهاتين العبنين الزرقاوين الحادتين وأخرجت من حقيبتها عقدين من الؤلؤ الأبيض وضحكت وهي تلثغ : " للعروسة .. الحلوة .. " وبدت لكنتها مضحكة فأخفت " سردوب " وجهها. أغلقت " صافية " الباب على أمي ونظرت باتجاهها نظرة حازمة فلم تقترح أن تراها ، انحنت علي وكشفت بأصابع نحيلة وخشنة عن جرحي .. ثم تأوهت صارخة :
 
ــ لا لا يا شيخ العرب .. تحتاج علاجاً .. ساقها موجوعة .. موجوعة " .
 
قالت موجوعة بفصاحة غير متوقعة فضحكتُ ورنَّت ضحكتي في الفضاء ، وجذبت ضفيرتي قائلة :
 
ــ " أرسلها لي .. سأداويها " .
 
ثم التفتت إلي : " ها ..  يا صغيرة ألا تهدين لي مهرتك الجميلة لأدربها " !
 
ــ قلت بتحد : " لا .. إنها مهرتي " .
 
فأعجبه عنادي وضحك من قلبه وهو يكمل :
 
ــ " فاطم يا صغيرة أبيك أنا لا أستطيع أن أغضبك " .
 
والتفت لها وأكمل : " فاطم ستصبح أميرة .. أميرة مثل الجراكسة الحمر . إنها عدنانية أصيلة ، أليست أحق منهن وهي بنت الأجاود " .
 
هزت رأسها كناية عن فهمها لدواعي حماسه ، لإمارتي ، وربما لم تكن تفهم أكثر من أنها أرادت أن تحوز على شيء من نسل هذه السلالة " محجل " كما تقول .. " مهرة محجلة أصيلة " تمسك خياشيمها وتراقب فقرات ظهرها وتعدها وتتفقد ساقيها ثم تمسح عرقها بإعجاب فأرمقها بتحد ، وعناد أكثر " خيرة مهرتي " .
 

29 - سبتمبر - 2007
نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0
والله زمان .....    كن أول من يقيّم

 
النص لميرال الطحاوي منقول من رواية " الخباء " الصادرة عن دار الآداب ـ بيروت 1999
 
والله زمان ما قلت بوشان... ولا حام طير المنايا
ولا تقطعت روس فرسان .. قدام جَمَل الصبايا
 
في الصباح ليلة جديدة نترك فيها " فوز " و " صافية " يرتبان حوائجهما في الصناديق وتحزمان ما لهما من مطالب ، وتترك بابها الموارب يزداد نحيباً ، وشهيق نشيجها يعلو كأنه يؤنس صمت البيت الموحش رغم كل مظاهر العرس ، حتى ليلة الحناء ، لم تخرج ، دخلت " صافية " إليها وخرجت باكية ثم قالت للجدة :
 
ــ ليس لي في العرس ولا الخضاب ... اتركوني معها " فنخزتها الجدة في صدرها بالعصا وقالت : " صرت ملك رجلك يا خلفة السوء .. منذ متى صار لك لسان يا بعر المطايا ، مالك خيرة في شيء يا بغيضة " .
 
بكت " صافية " بمرارة ثم ابتلعت دموعها ومدت كفيها وساقيها للخضاب ، ولم تحوم " فوز " ناحية بابها الموارب ، حتى وهي تركب في " شبرية " عرسها .
 
رائحة الحناء كانت تتسرب في كل ركن ممزوجة بالمستكة والبان وخليط الدهون النفاذة على الجدائل ، والأثواب الزاهية تطوى مضمخة بالعطور .
 
ولمع البرق ورنت الأساور والخلاخيل والنبايل وكرادين الصدر . انكفأ ظهر " فوز " النحيل من كثرة ما حملت من مزاين تصلصل في صدرها ووسطها ، وبدت " صافية " جميلة وحزينة وكأنها كبرت دهراً ، وجاءت " آن " ترتدي فوق سروالها عباءة كعباءة الجدة مطرزة بالألوان المتداخلة ، وأرسلت شعرها المذهب ، وكان وجهها بلا ندوب مطلياً باللون الوردي ، كانت مشرقة وجميلة وخفتت عيون النسوة ، وتبادلن مصمصة الشفاه والهمس كلما قامت أو جلست ، عيناها تروحان وتجيئان بين كل التفاصيل كأنها تمتصها .
 
جاءت الجمال و" الشباري " منذ طلوع الشمس وجاء أبي فحمل جسد ابنة بعد أخرى ، ثم دخل غرفته وأغلقها عليه ، وتحرك ركب الفرسان بالخيول فالجمال والشباري ثم بقية الركائب وكان الحداء مبهجاً .
 
ــ " وإن زغردت لي لأغني .. واشرح قلوب الحزينة ، وأنا عارف اللي قتلني .. أبيض ورقيبته طويلة " .
 
خبط الأكف وصفير الشباب في المقدمة ، والزغاريد من وراء المطايا والعبيد يجرون خلف الموكب :
 
ــ " عقدك من التارة للتارة .. مزيكة في ايدين نصارى " .
 
يصفقون والخرطوش يهدر في السماء ، حتى نساء الفلاحين بصدورهن المفتوحة ووجوههن السمراء المكشوفة خرجن ومن خلفهن صغارهن ، يفتحون أفواههن بدهشة ور ينطقون ، والصوت كلما اقتربنا صار أكثر جلجلة .
 
ــ " يوم أن قلتم فَرَحنا .. لاجي والرِّجل حافية ، لفوا البكرج على اليمين .. وحيوا ضيوف وحَلِّية " .
 
يرمح الشباب يتسابقون بخيولهم ، يسبقون الموكب ويعودون ، والصبايا يرمقنهم من تحت البراقع ويتعالى الهمس المعتاد ، والصفير يعلو من كل جانب .
 
ــ " يا ستار النار كلتنا .. والعين السودة قتلتنا " والزغاريد تفلق سكون الأرض الرملية ونصل السور الطيني والبوابات المفتوحة التي تتلقاها بمزيد من الزغاريد والخرطوش ، معركة حامية في السماء والأرض .
 
كان البيتان متواجهين ، غرف طينية مسقوفة بالخشب وعلى جانبيها الشرفات الواسعو والسلمات ، وبعيد تسكن غرف الخبيز والطبيخ بطينها الذي أكله الرماد ، والأحواش الواسعة بمرابطها وشجرة مستكة وحيدة تظلل فسحة البيت والبقية خلاء موحش منضود به خيمات متباعدة ، كل خيمة تعطي ظهرها للبيت وتواجه خلاء أكثر وحشة . قالت النسوة وهن يلتهمن اللحم المكدس فوق " أناجر " الخبز المفتوت :
 
ــ " سند وونس ، أختان في بيت واحد " .
 
ــ وقالت الأخرى " سترة البنت هم والله " .
 
وتطوعت الجدة بمواعظها : " والله جلبة شوم .. وقنايتهم حرام ، بضاعة تربيها لغيرك ، إن تركتها بارت وإن بعتها عليك الخسارة " .
 
ــ " صدقت يا خالة " حاكمة " نربي ونهنن ومسيرهن لحجر غيرك " .
 
ــ " يكفينا الله شر بلاياهن .. والله ما عاشت لي بنت ، قالوا يا " حاكمة " أين تذهب بناتك ? ! قلت الله يكفيني شرهن ، مصلية والله مصلية وداعية " .
 
ــ " صدقت يا جدة ، صدقت ، لكن بيموتوا كده .. قدر الله يا جدة ، قدر الله أم ? ! " .
 
ــ " قدر الله يا بنت ، داعية ومصلية ما يبقى لي منهن شيء ، مسافة ما البنية توأوأ يأتيها ستار الصبايا ، يحمل ويشيل ، لكن وليدي الله ابتلاه وهو صابر " .
 
يمصمصن شفاههن بتأثر ويتقاسمن قطع اللحم المسلوق ويتلمظن بالحكايا ، وحين ينفضن أيديهن من بقايا الوليمة يلملمن حوائجهن ويبدأ الركب في التفرق ، كل جماعة بواد ، ونعود ، أقل كثيراً مما ذهبنا ، ندلي رؤوسنا بحزن ، والجدة تتنفس بتأفف ، خلصت من نصف البضاعة وبقي هم النصف الآخر ، و" سردوب " تنهنه بالدموع والبقية كل في ملكوته ، والبيت ساكن وهي في غرفتها غارقة في دمعها .
 
 

29 - سبتمبر - 2007
نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0
أنتي القمر    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

وهذه هديتي لندى الغالية والأستاذين : عبد الحفيظ وزهير ، قصيدة باللغة العامية أرجو أن تعجبكم :
أنـتي  iiالقمر مـتل  iiالقمر
لـيلة  iiصحو لـيـلة iiمطر
يـوم  iiانجلى وجـه iiوظهر
يـوم iiانحبس
عـن iiهالبشر
 
صـوتك حلو مـتل  iiالسما
لـمـا السلام غـنَّى iiوعَبَر
صـوتك دني صوتك  iiبحر
تـحته iiأرض
وجَّـا  iiانغمر
 
لا  iiتـستحي كوني  iiصدى
كـوني  iiحلم كـوني  iiقَدَر
كـوني iiسلام ومـعـركة
هـيك iiانفطر
طـبع iiالبشر
 
قومي iiانفضي وراق  iiالشجر
وغطي بشالك والـنَّـظَـر
قومي iiازرعي يوم الهنا
جـاية iiالشتي
جـاية iiالمطر
 
قومي iiاغسلي بـقطر iiالندى
لـون iiالصبح لـون iiالعطر
وجـك  iiحلو يـوم iiالصحو
قـطر  الندى بـكَّى iiالحجر

30 - سبتمبر - 2007
رمضان كريم
يار ويارا    كن أول من يقيّم

تحية طيبة للدكتور فاروق :
 
الأرجح أستاذنا هو أن يكون الشاعر سعيد عقل قد قرأ الشاعر الإيراني " حافظ " الشيرازي وأخذ عنه هذه التسمية لأن حافظ كان يناجي " يار " ، والكلمة بالإيرانية تعني كما ذكرتم : صديق أو صاحب قريب أو رفيق حميم أو كل هذه المعاني مجتمعة . ومحبوب حافظ الذي كان يرمز له ب " يار " كان بين الآلهة والبشر ، هو ربما تمظهر للإلهي في الحسي الواقعي ، بل هو يشبه في هذه آلهة اليونان القديمة .

2 - أكتوبر - 2007
يــارا - هذا الاسم الجديد على العربية
البعد الأسطوري للنص الشعري    كن أول من يقيّم

 
تستعمل لفظة يار في اللغة الفارسية لتسمية الأشخاص : كالزعيم الأفغاني قلب الدين حكمت يار مثلاً ، وكانت في القديم الغابر تستعمل كمرادف لكلمة " خدا " التي تعني الإله .  وأما تأنيث الاسم ليصبح يارا ، ( وتعني بالفارسية " مع يار " ) فهي ربما لتطابق هذه اللفظة مع " يارة " لو أضفنا تاء التأنيث إلى يار . وربما يكون سعيد عقل هو مبتكرها إلا في حال لو وجدنا من تسمى " يارا " أو " يارة " قبل كتابته لديوانه أي قبل تاريخ 1960 .
 
أما أن يكون قد كتب قصيدته عن يارا التي رآها ........ فهذا غير مؤكد ، فربما يكون قد تخيلها ، أو ربما يكون قد رأى مشهداً لصبية تعتني بأخيها الصغير ووجد في حنوها عليه ورقة عاطفتها نحوه ، وصبرها على مداراته والعناية به ، تجلياً لعاطفة سامية يتمظهر فيها الخير الكامن في النفس الإنسانية بأبهى صوره ، وهذا ما أثار إعجابه ودعاه للكتابة ، ودعاه إلى المقارنة بينها وبين يار " حافظ " فجعلها " يارا " التي ربما كان اسمها في الحقيقة دعد أو سهام أو حنة ...  ، إلا أن اسماً كهذا لا يمكنه أن يعطي للنص الشعري ذلك البعد الأسطوري الذي نجح في تصويره ... وهذا ليس بالغريب على فلسفة سعيد عقل وأسلوبه الشعري المغرق في الأسطورة ، والمؤمن بالمعاني الروحانية وتجلياتها في الطبيعة والإنسان . وكل التحية لك مجدداً أستاذنا الكريم .
 

3 - أكتوبر - 2007
يــارا - هذا الاسم الجديد على العربية
يارا سعيد عقل    كن أول من يقيّم

مساء الخير أستاذنا :
 
نعم بدون شك لا يوجد مؤنث ومذكر في الفارسية ، لكنني أقصد بأنه أنث اللفظة سمعياً بحسب بنية اللغة العربية ولم يكتبها حتى بتاء التأنيث لأنه كتبها باللغة المحكية .
 
أما من جهة معرفته بحافظ الشيرازي فهذا مرجح جداً لأن ديوان حافظ كان قد ترجم في مصر إلى العربية في العام 1944 من قبل الدكتور إبراهيم أمين الشواربي  تحت عنوان : " أغاني شيراز أو غزليات حافظ الشيرازي " وقدم له الدكتور طه حسين وأحدث ضجة كبرى بوقتها .
 
مع هذا ، صحيح ، معك حق ، فنحن لا نستطيع أن نجزم لا بمعرفته بحافظ ( رغم أن هناك تشابهاً كبيراً في الأسلوب ) ولا نستطيع أن ننفي وجود " يارا " حقيقية مع أننا لم نسمع بهذا الإسم قبل هذا التاريخ ، وكل ما أقوله هو افتراضات تحاول أن تفسر وليست أدلة ، غير أن حديث الرمزية والغزل الصوفي بحاجة لوقت أطول ليس بمقدوري اليوم ..
 

3 - أكتوبر - 2007
يــارا - هذا الاسم الجديد على العربية
 43  44  45  46  47