البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات abdelhafid akouh

 43  44  45  46  47 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
صورة المرأة الأمازيغية في شعرالمقاومة الريفية..    كن أول من يقيّم

 
  سعيد بلغربي *
 
منذ بداية القرن العشرين نظمت ملاحم شعرية، تشيد بالبطولة الخارقة للمقاوم الريفي لاسيما خلال حرب الريف، ومن بين الملاحم الخالدة التي سجلها التاريخ بميداد الفخر والشجاعة، والتي حافظ عنها الشاعر عبر الذاكرة الشعبية الجماعية ملحمة “دهار ؤبران” التي تصور الإنتصار العظيم الذي حققه الريفيون، هذه القصيدة تزف إلينا ـ يقول محمد الشامي ـ بشرى الإنتصار على المستعمر الإسباني (1).
وتظل هذه الفترة، مرتبطة بملحمة المقاومة الريفية في العقد الثاني من القرن العشرين، فكما هو معروف، دشن محمد عبد الكريم الخطابي إبتداءا من صيف 1921 عهدا جديدا في تاريخ المقاومة المغربية في شمال البلاد وذلك في ظروف إتصفت بهيمنة الحماية الأجنبية التي جزأت الوطن إلى ثلاثة مناطق نفوذ فرنسية، إسبانية ثم طنجة دولية. وكانت ظروف الإحتلال في المنطقة الشمالية تستدعي من رجال المقاومة المسلحة إيجاد أداة فعالة متكيفة مع ذلك الظرف الدقيق وتستجيب لمتطلبات الدفاع والمواجهة لخدمة أغراض وطنية نبيلة (2). ولاشك، بأن المرأة الريفية جندت نفسها لخدمة هذه الأهداف النبيلة وسجلت حضورها القوي وشجاعتها وعزيمتها الخالصة في الدفاع عن هويتها وشرفها وكرامتها.
ولقد إستطاعت المرأة الريفية أن تجعل من الشعر الأمازيغي الذي نظمته أو الذي قيل عنها خلال سنوات الجمر وثيقة حية تصور لنا جميع الجوانب التي تفيد الباحث في دراسة هذه الحقبة من تاريخنا المنسي، وتعد هذه الأشعار النوع الأدبي الوحيد الذي إستطاع أن يعبر عن البطولات الجهادية في شكل ملاحم كملحمة “دهار ؤبران” التي إستمرت متوارثة من جيل لآخر رغم عدم تدوينها (3).
وتحمل ملحمة “دهار ؤبران” (4) في أبيات متفرقة الدور البطولي للمرأة الريفية خلال الحرب التحريرية بمنطقة الريف، فنسمع الشاعر الأمازيغي يقول:
رقارب ن سكوار، إزوقن سوفيرو
“فاضما” ثاواييغتش، شنا مرا ثورو (فاطمة الورياغلية )
شنا مرا ثابيس، أبياس ن ـ أبعا دورو
شنّا مرا ثكاس، إمحند هلارالو (5
)
الشاعر هنا يرفع من مكانة الأم الريفية التي لها الشأن السامي في أن تحزم حزاما ثمين القيمة انذاك، وكأنه وسام الشجاعة لأنها ولدت أبطالا سيهزمون المستعمر.
ولم تستسلم المرأة الريفية لمعاملة جنود الإستعمار القذرة، وما كانو يستعملونه من أساليب القمع والترهيب والضغط النفسي والجسدي على الأسر الريفية، فيرغمهن على الإمتناع من تقديم وإعداد وجبات غدائية للمجاهدين الذين هم ضيوف كل المنازل الريفية، وفي هذا المعنى يقول الشاعر(ة) الأمازيغي:
كنيو آيت ثمسمان، ذيمجاهذن زي رابدا
تجاهذم سوفوس نوام، تجاهذانت را تينيبا
رمونث خـ ـ وعرور نسنت،
هكوانت إيكذ إيصوضار (6
)
كانت الفتاة الأمازيغية في هذه الفترة تملك حسا نظاليا قويا، لم ينل منه الحصار الذي كانت تفرضه الميلشيات الإسبانية على تنقلات الأفراد في مناطق تواجدهم للحد من التواصل الذي كان يجري بينهم وبين المجاهدين، الاّ أن المرأة الريفية كانت بشجاعتها تأخد مؤن من الطعام والماء على ظهرها وتتسلل خفية بين الصخور والجبال الوعرة المسالك لتوصله إلى الخنادق السرية وأماكن تواجد المجاهدين، علاوة على ذلك كان للفتاة الريفية دورا مهما في إشعار المجاهدين بخطر ما يداهمهم من طرف العدو، فكانت تأخد أماكن إستراتيجية خطط لها المقاومون سابقا، فتوهم العدو بأنها ترعى الغنم أو أنها مشغولة بجمع الحطب والقش وغيرها من الوظائف النسوية الأخرى التى تقوم بها المرأة خارج المنزل، فنسمع إلى الشاعر الأمازيغي واصفا هذا المشهد قائلا:
يوريد ؤرومي، يارسا ذي روضا
شيّار أ “يامينا”، سرمجدور أزيزا (7
)
وخوفا من أن يباغت العدو المجاهدين القابعين بين الجبال والوديان، إستطاعت هذه الفتاة “أمينة” أن تنقد أو تشعرهم بالخطر القادم والإستعداد لمواجهة الإسبان الذين أبصرتهم يتقدمون نحو السهل وذلك للإستعداد للهجوم المحتمل، فحركت الفتاة للتو حزامها ( رمجدور) (8) كوسيلة للتنبيه والإتصال (9) ملوحة لهم كإشعار بخطورة الزحف القادم.
إلى جانب هذا لعبت المرأة الريفية دورا بطوليا مهما وموازيا إلى جانب الرجل في الدفاع وحماية المجال الجغرافي للقرية أو المنطقة التي تقطنها، يقول الشاعر الأمازيغي
:
حزنت أثيبويين، قسسنت را ذي بوياس
خ رحمّاماث نشنت، فارقن ذي قوذاس(10)
يتحدث الشاعر أو الشاعرة هنا عن الحمامات المائية التي تقع في منطقة “إيبويان” بنواحي مدينة أزغنغان، حيث كانت مصدرا مائيا مهما ترتوي منه الدواب والأغنام، ويستفيد منها سكان إيبويان والمداشر المجاورة للشرب والري، وكانت النساء الريفيات يغسلن ثيابهن ومستلزماتهن الصوفية هناك، والشاعر هنا يلتمس من الريفيات الحزن والحداد على هذه المياه التي نهبها المستعمر وإستغلها كما نهب الثروات الأخرى التي تزخر بها منطقة الريف (11) ، كمنجم الحديد بجبل ايسان والثروات البحرية بالمناطق الساحلية….
وفي نفس الصدد يقول “البوعياشي أحمد” متحدثا عن مشاركة المرأة إلى جانب الرجل في المعارك التي خاضها الريف: ( وقد شاركت نساء قبيلة تمسمان في معركة أبران حيث وقفن على القمم المطلة على المعركة وهن يولولن “يزغردن” تشجيعا للمجاهدين …)(12). وبهذا كانت المرأة الريفية صامدة أمام المحن والصعاب، معبرة عن الفرحة والإنتصار، مقاومة باسلة، وهناك طبعا معارك أخرى.. لعبت فيها المرأة دورا موازيا لدور الرجل (13).
إلى جانب ذلك كانت المرأة الريفية ممرضة كفأت في ضماد جراح المصابين من المقاومين وخاصة بإستعمال طرق الكي بالنار وترميم العظام بالقصب ومواد كانت لها فعالية قوية في إلتآم العظام المكسرة بسبب المعارك، إلى جانب خبرتها في التداوي بالأعشاب الطبيعية.
كما كانت النساء في زمن الحرب يضعن الرجل/ الأب، الأخ، الإبن، الزوج أو الحبيب.. في هرم التخيل بلحظة نهاية الحرب أو المعركة، والسؤال الذي كان يطرح حنئذ هو، هل يعود هذا الرجل فلان سالما أو مصابا أم يأتي نذير إعتقاله أم بشير إستشهاده؟. ومهما كانت مرتبة الإستشهاد فإن العيون تراقب بكل لهف عودة هذا المحارب إلى أحضان حياة الأسرة والمجتمع. وتظل هذه الصورة المؤثرة التي بينا أيدينا والتي صورها لنا الشاعر الأمازيغي العائد للتو من ساحة الوغى وعلى لسانه ينعي إستشهاد المجاهد الكبير وهو يتحسر ألما وحرقة على الكيفة التي يستطيع أن يخبر بها الإبنة بإستشهاد أبيها “مّوح” في المعركة، قائلا في صورة مؤثرة:
أيا مجاهد أمقران، خ سّارك إيوضا
مامّش غار كغ إثاربات أخمنّي دايي دغاثرقا
أخمي ني دايي غار ثيني موح ماني يدجا
مّوح دامجاهد ثنغيث حراقا
مامش غار كغ إموابر أبارشان
دإباهبان سومطا
أيا رلا يما فود إنو يوضا
(14
)
من خلال هذه الأبيات الشعرية نقرأ أن هذا الألم الذي إستطاعت الحرب أن تزرعه في الريف إقتسمته قلوب وعيون المرأة والرجل الريفيين معا، ولايستطيع المهتم بهذه الأشياء أن يتحدث عن مقاومة ناجحة بدون أن يذكر الدور الفعال والأساسي للمرأة الأمازيغية فيه.
نجزم القول بأن الشعر الأمازيغي الملحمي إستطاع أن يوصل إلينا جل التفاصيل النبيلة التي ضحت من أجلها المرأة الريفية، تلك المرأة التي صنعت المقاومة وعلى يدها تحقق النصر، ونكاد لا نجد في كتب التاريخ أو على لسان رواة تاريخ المقاومة الريفية بأسماء لخائنات كما هو الحال للرجال، فلا تكاد تخلو قبيلة في الريف من أسماء لرجال إستطاع الإستعمار الإسباني إستمالتهم إليه موفرا لهم إمتيازات طبقية وسلطوية لضبط قوة المقاومة المسلحة والعمل على إضعافها وتكسيرها من خلال ما كان يوفره هؤلاء الخونة العملاء للإستعمار من معلومات وخدمات مأجورة.
إلى اليوم، لم تجف ينابيع الإبداع عند المرأة الريفية ولاتزال تتذكر وشم الإستعمار في سلوك حياتها، وماقامت به من دور بطولي في المقاومة، فنجدهن… ـ عبر توارد الأجيال ـ يرددن الأناشيد والأغاني المشيدة بحرب الريف وخاصة عند قيامهن بأعمالهن الجماعية كالإحتطاب والطحن اليدوي أو في طريقهن إلى أو من العين (15) أو عند القيام بالحصاد وتنويم الأطفال وغيرها من الأعمال اليدوية الأخرى
.
ــــــــــ
هوامش:
1) جريدة صوت الريف، الشعر الأمازيغي بمنطقة الريف ومقاومة الشريف محمد أمزيان، د جميل الحمداوي، العدد 07 الصادر بتاريخ يناير 1995.
2) المجتمع الريفي قبل المقاومة (1897 – 1921) مقاربة تاريخية جديدة، الأستاذ محمد أونيا مجلة أمل العدد الثامن السنة الثالثة 1996.
3) أحمد لحميمي، قراءة تاريخية لملحمة دهار أبران، مجلة أمل عدد 8 .
4) “دهار ؤبارّان” جبل أبران الذي يقع في غرب قبيلة تمسمان، ومثل بالنسبة للزحف الإسباني سنة 1921 نقطة إستراتيجية في إطار التوغل والزحف نحو المعقل الأول لزعامة الجهاد من قبل محمد عبد الكريم الخطابي بقبيلة “آيت ورغايل” وقد إحتله الجنود الإسبان يوم 1 يونيو 1921 واخلاه في نفس اليوم بضغط من قبل المجاهدين. المصدر: أحمد لحميمي مجلة أمل العدد الثامن.
5) ترجمة البيت الشعري:
زينت الخيوط قالب السكر
“فاضمة” يا بنت بني وارغايل، لك الشأن إذا أنجبت
و لك الشأن إذا لبست، حزاما بقيمة مشرفة
ولك الشأن في تربيت أبنك.
6) ترجمة البيت الشعري:
أنتم يا أهل ” تامسامان ” مجاهدون باسلون
جاهدتم بأيديكم، حتى الفتيات جاهدن معكم
أثقال المؤن على ظهورهن، وهن متسلقات بين الصخور
7) ترجمة البيت الشعري:
أطل المستعمر، فإستقر في السهل
لوحي يا أمينة بحزامك الأخضر ( أو الأزرق)
8) حزام تقليدي الصنع، ويعتبر من ضروريات اللباس النسوي بالريف لما يكتسيه من دلالات رمزية ضلت متأصلة في ثقافة اللباس الأمازيغي بالريف.
9) يقول محمد عمر القاضي في سياق حديثه عن طريقة أخرى للإتصال والإشعار لدى الريفين في تلك الحقبة: (عندما يرى المجاهدون… العدو يتحرك و يجمع جيوشه لأجل الزحف عليهم.. يطلقون المشاعيل من النار في أول الليل على أعلى قمم الجبال فينتج على ذلك أن كل من رأى مشعال من هذه القبائل يطلق هو أيضا مشعلا.. وبهذه الكيفية كانت جميع القبائل الريفية تشعر بذلك بدون إستثناء أي فرد من أفرادها وذلك في أقل من ساعة أو ساعتين على أكثر التقدير، وكانت هذه الخطة المشار إليها هي التي تعرقل دائما تقجم الإسبانيين وتقضي على كل محاولة حاولوها للهجوم، كان الأعداء أنفسهم يشهدون بذلك و يصرحون بأن هذه الخطة.. أشد من مواصلاتهم التلفونية والتلغرافية). من كتاب: أسد الريف محمد عبد الكريم الخطابي، مذكرات عن حرب الريف، تطوان ط 1979 ص 51 ـ 52 . نود أن نشير هنا إلى أن المؤلف قد أغفل بشكل واضح دور المرأة الريفية في مذكراته هاته.
10) ترجمة البيت الشعري:
إحزنن يا فتيات “إبويان” و قطعن الأحزمة
على الحمّامات التي نهبت مجاريها

11) جانب من هذه المعلومات للأستاذ محمد الشامي، مصدرها عرض تحت عنوان: “تاريخانيات الذاكرة الشفوية بمنطقة الريف” ألقي خلال ندوة ثقافية نظمتها إعدادية الفرابي بدار الكبداني تحت شعار ( قبيلة بني سعيد أعلام ومجال ) سنة 1996 . أشار من خلالها ذ محمد الشامي إلى أن دلالات قطع الأحزمة في البيت الشعري هو الإلقاء بالتمائم والأحجبة التي كانت تحملها النساء الريفيات…
12) البوعياشي أحمد، حرب الريف التحريرية ومراحل النظال، الجزء الثاني مطبعة دار الأمل طنجة 1975 ص78 / أوردهأحمد لحميمي بمجلة أمل العدد 08.
13) الثقافة الشعبية بين المحلي والوطني، الإطلالة على المرأة في بادية سوس من خلال شعرها وشعر الأخرين عليها، محمد المستاوي ص 188 ، منشورات عكاظ.
14) ترجمة البيت الشعري:
أيها المجاهد الكبير، المستشهد على الحدود
كيف أستطيع أن أخبر الفتاة عند قدومي إليها
و عندما تسألني، عن مآل أبيها
كيف لي أن أدمع عيونا مفحمة
تتلألأ فيها العبرات
يا أماه رجلاي . .لا تقويان على الوقوف .
 15) مجلة أمل “قراءة تاريخية لملحمة ـ دهار أبران ـ للأستاذ أحمد لحميمي العدد الثامن السنة الثالثة 1996 ص:29.

29 - يناير - 2008
أحاديث الوطن والزمن المتحول
ردود متقاطعة..    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

صباح الخيرات .
تحية وألف شكرعلى المجاملة ، أستاذة رودينا ، وأتمنى ألا تكون مشاركتك هذه هي الأولى والأخـيرة  .
وباقة ورد و ود لأستاذنا زهير، وموافق تماما على ما جاء في مداخلـته إلا صيغة المبالغة كوني " قديرا"
فأنا ما زلت  على العتبات ،  تلميذا يحاول جاهدا محاربة الأمية الثـقافية ..
وسلة فل وياسمين للأستاذة ضياء ، ومثمرة تلك الكآبات والغيمات التي أمطرت ذلك الحزن الجميل ،
كجمال الحزن الذي يشع من عيني الفنانة العظيمة السيدة فيروز ..
وأخيرا تحية تقدير وامتنان للأستاذ هشام ، وجوابا على تساؤله : لو كنت مسؤولا عن هذه المجالس ،
ماذا ستفعل ؟
 
- لا أحبذ أن أكون في موقع المسؤولية (القيادية تحديدا) فبالإضافة إلى الالتزام سأكون مجبرا على
 العمل تحت ضغوطات وإكراهات تفرضها طبيعة العمل نفسه وعوامل أخرى..أما البعيد عن هذا
الموقع الحساس فيكون أكثرحرية أمامه هامش أوسع من الخيارات .. أو على الأصح هكذا يعتقد
أنه في حل من  أي التزام أو مسؤولية .
 
- لو كنت مسؤولا ..لأعدت النظر في لائحة السراة ( خصوصا المنقطعين منذ مدة والرحل منهم .!)
-                    ..لفكرت في تقنية أخرى للتقييم أكثر مصداقية .
 
-                   .. لزودت السراة بأدوات أو برنامج يساعدهم علىتقديم مشاركاتهم بشكل أجمل
                      وأكثر جاذبية .
-                   .. لألغيت ركن - موضوع الأسبوع - واستبدلته بـ مسابقة الشهر- تخصص
                      للكتابات الإبداعية حول فكرة أو موضوع ما أو حدث أو صورة وقصة
                    كما في المثال التالي من موقع دروب ، أدرجه كهدية ومفاجأة للأستاذ هشام.
تحية طيبة،
ما إن طرحنا مبادرة مشروع “صورة وقصة” حتى غمرنا الأحبة من عشاق السرد بتشجيعهم ومباركتهم ولم يترددوا في الكتابة وإرسال النصوص رغم قصر المدة والتي لم تتجاوز الأسبوعين .
وكما وعدناكم ، ها نحن نضع بين أيديكم جميع المشاركات ، والمجال مفتوح للاطلاع والتعليق ، ولا مانع من أن تدرجها المواقع الشقيقة بيد أننا نحبذ أن يقتصر مجال التعليق والنقد على النصوص عبر “دروب” كي لا يتشتت المشارك في متابعة التعليقات والردود
.
41 نصاً متفاوتة الطول والتوجه ، استلمناها من مختلف أرجاء الوطن العربي والمهجر ، بعضها تقاطع مع الصورة وبعضها لا يمت لها بصلة ، إلا أن جميعها –في الغالب- اصطبغ بالطابع الإنساني الممزوج بالعاطفة والكفاح ، وإن تغايرت في احترافيتها لتفاوت خبرات المشاركين خاصة وأننا تعمدنا منذ البداية تعويم سن المشارك وجنسيته رغبة في اكتشاف أسماءٍ وارت إبداعها بالخجل لسنين وربما لعقود .
بقي أن نفي بالجزء الآخر من وعدنا وهو مناقشة النصوص المشاركة في منتدى سيهات القصصي وإتاحة المجال للجميع للتواصل المباشر مع هذا النقاش وطرح المداخلات ، ستعقد أولى هذه الأمسيات مساء الأحد 27 يناير 2008م ، وقد اخترنا برنامج Skype الذي يمكنكم تحميله مجاناً من خلال الموقع الرسمي للشركة skype.com لهذه المهمة ، كما يمكن الاستماع لاحقاً لتسجيل كامل للأمسيات عبر مجموعة podcast الخاصة بموقع “دروب” أيضاً .
وننوه هنا إلى أن النقاش في منتدى سيهات سيدور في الغالب حول تقاطع النص مع الصورة “موضوع المسابقة” لذا فالمشاركات التي لا يبدوا ان لها علاقة بالصورة سيكتفى بنشرها ومناقشتها هنا في دروب إلا أنها لن تجدول ضمن أمسيات المنتدى ، وسيدرج ضمن “الأجندة الثقافية” جدولة بالنصوص المزمع مناقشتها تباعاً حسب الإمكانية.
صورة المسابقة

1 - فبراير - 2008
أحاديث الوطن والزمن المتحول
فيا سان خورخو - الحسيمـة -    كن أول من يقيّم

الحسيمة في ذاكرة أحد أبنائها الإسبان


ولد "بلاسيذو روبيرو ألفارو" في فيا سان خورخو-الحسيمة بالمغرب سنة1944، حيث عاش بها إلى غاية مارس 1968، ويعتبر أحد أبناء الحسيمة البارين، وهو"الإسباني الريفي" كما يقول عن نفسه في العديد من اللقاءات، شاهد على نشوء وتطور المدينة. ومن خلال اعتزازه القوي بالاٍنتماء للمدينة-الأم و اهتماماته المتزايدة بفيا سان خورخو-الحسيمة فقد استمر في زياراته المتواصلة لمسقط رأسه ليحكي ذكرياته وتجاربه و يقدم أبحاثه المنجزة حول الحسيمة والريف. و يأتي كتاب "الحسيمة تاريخها في صور" كوثيقة تاريخية معززة بالصور لتسلط الأضواء على الجوانب المتحولة في تطور المدينة. صدر الكتاب عن مطبعة "كاربخال. ش. ق".-إسبانيا-.الطبعة الاْولى 2002. ترجمه إلى العربية الأستاد محمد أزيرار.
يستهل الباحث في تاريخ الحسيمة حديثه بوصفه للنقطة الجغرافية-الحسيمة حيث وقعت الأحداث التي كانت وراء ذكرياته.
...إلى حدود سنة1925، في المنطقة حيث تقع الآن مدينة الحسيمة "فيا سان خورخو حتى1956" لم يكن يوجد سوى سهوب و كثبان رملية هائلة، قد أتعبتها رياح الوحدة، لا شجر فيها و لا عشب إلا من بعض نبات الحلفاء الضعيف ونخيلات متفرقة، و لا حيوانات إلا من سرطانات البحر في محاجرها، والنوارس المعشعشة في جحور صخور الخليج.
على هذه الكثبان الرملية القاحلة، نشأت المدينة السعيدة فيا سان خورخو/الحسيمة. المدينة التي نشأت بالصدفة في هذا الموقع الجغرافي و من غير أن يكون ذلك متوقعا. لم يكن نشوء المدينة منتظرا ولا متوقعا، لقد نشأت بفضل مواظبة و مثابرة حفنة من الأسر التي بنت على هذه الأرض اليابسة الجدبة منازل وشوارع ومدارس وحدائق وأشجارا وورودا وكنائس ومساجد...، والأكثر من هذا، تمكنت هذه الأسر من التآخي والتعايش واحترام سكان وأهالي هذه الأرض، فوفروا لهم العمل والصداقة والثقافة واحترموا عاداتهم وعقائدهم.
الحسيمة هي المدينة الوحيدة التي أنشئت، حسب الشكل الجديد للحماية الإسبانية في المغرب، على غرار أي بلدة إسبانية في الأندلس، بدون "مدينة قديمة"، و لا "ملاح"-حي يهودي-، ولا "قصبة"، وساكنة متداخلة. هذه التي تختلف تماما عن باقي المدن المغربية، مما أضفى عليها طابعا مزدوجا لميلادها المزاوج بين الثقافة الإسبانية والثقافة المغربية.
نعم، بالطبع كل شيء بدأ إثر نزاع حربي، أدى إلى انشقاق وتمزق بين الشعبين في إطار حدث من أهم الأحداث التاريخية في القرن العشرين. و على الرغم من ذلك، فإن المدينة، خلال نشوئها ألفت بين سكانها وثقافتهم بغَضّ النظر عن أصولهم أو انتماءاتهم الاجتماعية. لا أحد ينسى مروره من هذه البلدة الواقعة في منتصف الطريق بين مليلية و سبتة، حيث تتشابك التقاليد والأديان والثقافات. إن البلدة التي أصبحت مدينة لم تكن تماما إسبانية ولا مغربية. كانت بلدة "متميزة" عالمية، وحديثة، وسعيدة، وكريمة، وأثرا حيا لا يمحى في قلوبنا لا يمحي.
نشأت المدينة تحقيقا للآمال الكبيرة للسكان المدنيين الأوائل، الذين فكروا منذ البداية، أنه في المستقبل القريب، حينما ستتوفر المدينة على الميناء والطرق، ستصبح المدينة البوابة الطبيعية لصناعات مدينة فاس وخشب كتامة، و حينئذ ستصبح المركز التجاري والفلاحي للريف.
بحلول عام 1930 أصبحت المدينة تتوفر على كل المرافق الأساسية، بحيث تتوفر على إدارة مستقلة، وخدمات اجتماعية مدنية. كما عاشت المدينة ما بين 1944 و1955 سنوات من الازدهار والرخاء أنستها، نسبيا، جروح الحرب الأهلية وآلامها، وعادت المدينة إلى حياتها العادية، وعاد السكان إلى عاداتهم التي افتقدوها خلال ثلاث سنوات تقريبا. ومن مظاهر هذا الازدهار والرخاء:
_توفر المدينة على تسعة معامل لتصبير الأسماك مع وفرة اليد العاملة.
_استمرار أأعمال البناء والإنشاء في الميناء.
_تدشين الملعب البلدي.
_مشاركة ألمع فناني تلك الفترة في الأنشطة التي عرضت في السينما الكبير، و من بين هؤلاء المغني المشهور أنطونيو مولينا، و المغني الإسباني الكوبي أنطونيو ماشين المغني.
في فيا سان خورخو وفي المغرب، في الحقيقة، كنا حينئذ، نحن سكان فيا سان خورخو، عبارة عن قطع منفصلة من إسبانيا. قطع وأجزاء من وطننا الأم في المغرب.
بالنسبة لمصارعة الثيران، جلبت الثيران من مزرعة مشهورة لتربية الماشية في إشبيلية، واستقدم إلى المدينة مصارعون من الدرجة الأولى آنذاك. وكذلك الأمر فيما يخص حفلات "الفاياس"، فقد اتسمت بخيال واسع فيما يخص صنع الدمى الممثلة لأهم الشخصيات بالمدينة التي، بعد عرضها لعدة أيام أمام السكان وآرائهم و انتقاداتهم، أحرقت كما كان محددا ليلة 19 من مارس على فرقعة الألعاب النارية الجميلة. كل ذلك، أصبح ذكرى، خاصة بالنسبة لأولئك الذين هم مثلي، كان لنا الحظ الكبير لمعايشتها و تذكرها و إيصالها إلى الآخرين.
كانت فيا سان خورخو مدينة عالمية و بهيجة، تزدحم بالسكان الذين قدموا من مختلف الأقاليم الإسبانية. و قد تكاملت و تمازجت عاداتنا القديمة في هذ الجزء الجميل من الأرض الإفريقية.
كانت الحفلات والأعياد الإسبانية أو المغربية مناسبات لتباهي وافتخار سكان المدينة. ومن الحفلات المشهورة، الأعياد الميلاد الدينية، وملوك الشرق السحرة، ووالقديس يوسف، و العذراء كارمين، و الاحتفالات الشعبية لنهاية السنة، و كرنفالات 18 يوليوز. و يشارك في هذه الحفلات المغاربة و الجالية اليهودية، كما يشركوننا نحن "إروميين"-المسيحيين- في حفلاتهم خلال شهر رمضان وغيرها من الحفلات الإسلامية و اليهودية..

الكاتب هو أحد هؤلاء "الإسبان الريفيين" القلة، الذين شهدوا ثلاثة أجيال من عمر فيا سان خورخو-الحسيمة، فقد كان أجداده، من الأب والأم، من المدنيين الأوائل الذين وصلوا في أواسط ديسمبر1925 إلى هذه الأرض. و قد حملته خطوب الدهر، في مارس1968 إلى الضفة المقابلة حيث "مالقة" الموجودة جغرافيا على بعد بضع كيلومترات. وعلى الرغم من ذلك، فإن الكاتب لا تفصله عن الحسيمة، في الواقع، سوى حدوده النفسية.
كانت، تقريبا، ثلاث وأربعون سنة من التعايش المستمر، وثلاثة أجيال، و ثلاث ثقافات من الحب لأرضنا، ومدينتنا، وأهلنا.
جزء من هذه الروايات الملخصة لتاريخ مدينتي، وصلتني على لسان من هو أكبر مني، و أخرى لحسن الحظ، عشتها، و شاهدتها، و شاركت فيها،...لكي أتمكن من روايتها.

   عن موقع المرساة

2 - فبراير - 2008
المدية ، في مرآة التاريخ
هويات تخترق الحدود ولا تعترف بالجغرافيا..    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

 
خوان غويتيصولو - ترجمة : ابراهيم الخطيب
صدر مؤخرا عن الناشر (KrTU) كتاب «حوارات بدون حدود» الذي يضم محاضرة للكاتب الإسباني خوان غويتيصولو مترجمة إلى أربع لغات هي العربية والكاطالانية والإنجليزية والفرنسية. وكان الكاتب قد ألقى هذه المحاضرة بالإسبانية في خزانة الكتب (كاطالونيا) يوم 28 نونبر 2006. وندرج في ما يلي الترجمة العربية التي أنجزها الناقد والمترجم المغربي إبراهيم الخطيب.



نحن نعيش في عالم حدوده قاسية رُسمت غالبا بواسطة الدماء، وهوياته ثابتة تعتمد التهميش والإقصاء، حيث يصير الذين لا يقبلون بذلك هدفا للشك والنوايا الفاسدة الشريرة. فما معنى أن يقال «قشتالي في كطالونيا، مفرنس في إسبانيا، إسباني في فرنسا، «هسبانو» في أمريكا الشمالية، نصراني في المغرب، و«مورو» في كل مكان» كما وصفت نفسي، منذ عشرين سنة، على صفحات كتابي «الحِمى الممنوع»؟ إن الطروحات المتسلطة، أحادية المعنى، التي تـُرسم حدودها دوما بواسطة المسطرة والفرجار -سواء كانت طروحات قومية أو لسانية أو سوسيولوجية، إنما تقودنا، نحن الذين لا نندرج فيها، إلى أرض مشاع حيث يصير التعقيد نشازا والفضول إزاء الغرابة شذوذا ينبغي الحيلولة دون انتشاره. عليك أن تكون إسبانيا، أو فرنسيا، أو تشيكيا، أو هولنديا، أو كطلانيا، أو باسكيا، أو منتميا إلى قومية محددة دون غيرها، وإلا وجب عليك أن تنصب خيمتك خارج أسوار الحصن الهوياتي. ليست هذه الهويات الجماعية، التي «قاومت آلاف السنين»، حسب عبارة ( أميريكو كاسطرو)، إلا نتاج قراءات مبتسرة للماضي داخلتها تزييفات مغرضة وأساطير بالغة الغنى، مثل أسطورتي الرسول سانتياغو والأحد عشر ألف عذراء. فإذا كانت الثقافة المتقدمة محصلة المؤثرات الخارجية التي تلقتها وتمثلتها على امتداد تاريخها، فإن ما يدعى علامات الهوية الفردية لا تكون بدورها إلا مهجنة، متغايرة، متحولة، أي ثمرة تناقضات محايثة للشخصية الإنسانية ولتشاجرها المتعدد مع التاريخ والمجتمع.
تعود حساسيتي إزاء المدافعين عن هوية جماعية مفترضة تحدد، مسبقا، مصير الفرد منذ ولادته، ماحية بذلك كل حرية في الاختيار والتعبير، إلى ماض موغل في البعد. ففي طفولتي التي تلت الحرب الأهلية تمّ تلقيني أصول القومية الكاثوليكية باعتبار «الوطن وحدة مصير كونية». لم يكن بالإمكان حينئذ أن تكون إسبانيا دون أن تكون كاثوليكيا، لذا عندما لم أعد كاثوليكيا تحررتُ من السجن الهوياتي الوطني والقومي تبعا لذلك. هكذا، وبجدع الأنف، توالى انفتاحي على ثقافات ولغات أخرى، أي على تنوع العالم وعلى تناقضاته الاجتماعية والخلقية والجمالية المستحثة. تعلمتُ النظر إلى ثقافة شبه الجزيرة على ضوء ثقافات أخرى، والنظر إلى لغتي على ضوء لغات أخرى. ولقد كلفتني مهمة الانفلات من غراء القومية الكاثوليكية وأفقها التاريخي مشاقّ عانيتُ منها عدة سنين. لم يكن العرف الأدبي الرسمي، الذي لا زال مداه متواصلا إلى اليوم رغم بعض التعديلات والتنقيحات، ليلائم تماما ذلك العرف الذي وضعته لنفسي وحيدا، ودون عجلة، بفضل شراهة فضولي كقارئ. هكذا انضاف إلى تأثير كبار الروائيين والشعراء الأوروبيين، وإلى مُقامي طيلة عقود في حي «سانتيي» الباريسي متعدد الأعراق، وإلى تدريسي في عدة جامعات بأمريكا الشمالية، اقترابي، وقد ذرّفتُ على الثلاثين، من بلدان المغرب أولا ثم من تركيا عقب ذلك. إن حرصي على عبور الحدود الذي يعتبره الكثيرون شاذا ووخيما -أتذكر دوما ذلك السؤال «التفتيشي» الذي كان مستجوبيَّ يطرحونه علي: إلى ماذا يعود اهتمامك المفرط بالعالم العربي؟ وقد صيغ السؤال بطريقة تتغيا استنباط أسباب غير قابلة للبوح- لم يكن يلبي فقط ضرورة تخلصي من قهر علامات هويتي، وإنما يستجيب أيضا لإرادتي في أن أوفر لنفسي حياة غنية بالتجارب وأحيط قدر المستطاع بمكتبة بابل الكونية. هكذا دلني سربانطيس، الذي لا يزال موضع توجس من طرف بعض المتخصصين، على الطريق السوي: فقد كان بدوره شاذا في عالم عصره، حيث أطلق على نفسه صفة مبتكر نادر، مستبقا بذلك الذين استهدفوا فرادته غريبة الأطوار.

المجتمع الكطلاني

أجد نفسي هنا مضطرا إلى الدخول في مجال شخصي محض: هو مجال محيطي العائلي اللصيق.
في مجتمع مزدوج اللغة عمليا مثلما هو المجتمع الكطلاني أمس واليوم، تمّ تشطيب اللغة الكطلانية بواسطة مكنسة عقب انتصار فرانكو. ففي منزلي، وفي المدرسة، وبين أصدقاء الطفولة والمراهقة، كانت لغة (جول) ملغاة. كان جداي من جهة أمي يتواصلان باللغة الكطلانية على انفراد، لكنهما كانا يوجهان حديثهما إليّ وإلى إخوتي باللغة القشتالية. ولقد رافق ذلك الإخفاءَ المتعمدَ، الذي ورثناه، للغة الحديث، إضمارٌ آخر أكثر عمقا ودلالة: يتعلق الأمر بظروف مصرع أمي الذي كان ينسب إلى «الحُمر» بصورة غامضة، مع أن مسؤوليته ترجع إلى المذبحة الناتجة عن قصف الطيران الفرانكوي لبرشلونة يوم 17 مارس 1938. فإبان منفاي الفرنسي، وحينما كنتُ أتفحص صحبة (فريدريك روسيف) الوثائق المصورة التي كان سيستعملها في تركيب فيلمه «الموت في مدريد»، واجهت لأول مرة مشاهد ذلك الهجوم الجوي العنيف على مركز المدينة من خلال شريط أنباء مصورة أنجز لحساب الحكومة المحلية (جينراليتات)، وتأملت المدى الحقيقي لما حصل. في ذلك الوقت كنت أكتب في الصحافة اليسارية الفرنسية باسم مستعار، وأعمل «رفيق سفر» لحزب شيوعي قابع في سراديب السرية.
خلافا لفرع أبي، سليل دهاقنة السكر الباسكيين الكوبيين، كانت عائلة أمي تنتمي إلى برجوازية مثقفة، متعددة اللغات. لقد كتبتُ في مناسبات عدة عن شقيق جدتي من جهة أمي (رامون بيبيس باسطور) الذي أثرت ترجمته إلى اللغة الكطلانية لـ«رباعيات» عمر الخيام ولاشك على تحرري من القمع المذهبي الديني. ويبدو لي أن تلك الترجمة، التي أنجزت انطلاقا من الإنجليزية والفرنسية، كانت موفقة حيث نقلتها بدوري إلى اللغة الإسبانية ضمن ردودي على كراسة (أوريانا فلاتشي) «السعار والنخوة»، وذلك حينما قابلتْ، في هجومها على التعصب الإسلاموي، بين (دانتي) -وهو شاعر عبقري، دون ريب، لكن رؤيته للجحيم محدودة الشفقة، إذا شئنا التعبير بلباقة- والشاعر الفارسي الكبير الذي نتعرف فيه على نفوسنا، نحن العديد من قراء اليوم، بفضل ماديته البهيجة وارتيابه الديني. لقد كان (رامون بيبيس باسطور) معاديا للبرجوازية، متمردا، نصيرا للكيان الكطلاني، قضى نحبه بسبب داء السل سنوات قبل ميلادي، كما كان مؤلف دواوين شعرية ذم فيها مواطنيه.
لقد أعدت قراءة ذلك كله بعمق فيما بعد، أي في الفترة التي كنت أكتب فيها، وأنا بباريس، «علامات هوية»، محاولا في كتابي هذا إدراج ما ضاع من ميراث أمي، وذلك بواسطة قراءة مواظبة للغتها، وهي القراءة التي مكنتني من الوصول إلى شعراء من مستوى (فويكس) و(بالاو إي فابري) و(إسبريو)، والمساهمة في إنجاز الطبعة الفرنسية لروايات (جوان ساليس) و(ميرسي رودوريدا). بيد أني لم أكشف بعد لغزا آخر ظل محفوظا بعناية في الصوان الذي يحوي أسرار عائلتي.
لقد كانت ( كونسويلو غاي)، أخت أمي الصغرى التي لا زلنا نحافظ بخشوع على كمانها في صومعة شارع «باو ألكوفير»، شاعرة بدورها. لم أكن أعرف عنها الشيء الكثير ما عدا ولعها بالموسيقى، وقرانها الشقي، وترملها الباكر، ووفاتها بسبب سل الكلي في مصحة «بوين سلفادور دي سانت فيليو دي يو بريغات» سنة 1942. لم نرها قط أنا ولا إخوتي، إذ كانت منطوية على سرها الذي لا يقال: كآبة وجنون واعتلال. وبفضل مؤسسة لويس غويتيصولو، غدا بإمكاننا اليوم الاطلاع على أشعارها التي نـُشرت رفقة مدخل توضيحي كتبه أخي، ومقدمة رائعة وضعتها (إلفيرا ويلبيس). لقد كتبتْ (كونسويلو غاي) نصوصها المعدودة أواخر عشرينات القرن الماضي وهي في ريعان الشباب، حيث وقعتها أحيانا باسم مستعار هو (مالابار). تتميز تلك النصوص بحداثة مستحثة، معاصرة لأوائل مؤلفات ما يسمى «جيل السابع والعشرين»، وتتركز فرادتها في قدرتها على التعبير بثلاث لغات هي الكطلانية، والقشتالية، والفرنسية. لم تكن خالتي قد أكملت سنواتها العشرين، بيد أن زادها الثقافي كان ثلاثي اللغة، بحيث أشبهت في ذلك العديد من كتاب أوروبا الاتحادية في الوقت الراهن. لكن الحرب الأهلية والاستبداد الفرانكوي لم يلبثا أن قضيا على عالم حوار بدون حدود كانت تلك المرأة تجسيدا له قبل الأوان.

سفر الكلمات

أعود الآن إلى مجرى خطابي. إن امتلاك ثقافتين ولغتين أفضل من الاكتفاء بواحدة. وإتقان ثلاث لغات أفضل من إتقان اثنتين، وأربع أفضل من ثلاث، وهكذا دواليك إلى غاية الثماني وعشرين لغة التي كان المكتشف وعالم الأعراق (ريتشارد بورتن)، الذي لا أنفك أعجب به، يستعملها، فيما يبدو، شفويا أو كتابة. هكذا تقود الدعوة إلى رضى الاكتفاء الذاتي، والانغلاق داخل صَدَفةٍ واقية -ما عدا في حالة الثقافات واللغات المهددة بالاندثار- إلى جوهرانية عاطفية ووطنية حيث تـُعطى الحظوة ويُعلى من شأن السياق المحلي على حساب القيمة الفنية الكونية التي يستحقها كل مبدع أصيل -حسب تعبير (كونديرا) في كتابه «الستار». ذلك أن عافية ثقافة ما لا تقاس إلا بانفتاحها على الخارج، وحرصها على امتلاك وتمثل عناصرأجنبية تـُغنيها. يتموضع هذا الحوار الذي لا حدود له على طرف نقيض من كل نزعة إقليمية، ومن كل وثوقية دينية أو قومية، ومن كل إطلاقية هوياتية. إن المجتمعات والأفكار والرؤى الخلقية والجمالية تتطور على إيقاع تطور الكائن الإنساني، ولا يغدو ذلك ممكنا إلا بواسطة التبادل، والتناضح والهجنة. فليست لغاتنا الحية أحافير ولا قِطعاَ متحفية تحميها مؤسسات وأكاديميات. وتبرهن اللسانيات الدياكرونية على تواصل اقتراض لغات من غيرها، وعلى استمرار تحول معاني المفردات، وعلى تناوب فترات الانكماش والتوسع والانتشار.
لقد شكل سفر الكلمات، ومخرها عباب محيط اللغات المديد، موضوعا لفضولي وفتنتي على الدوام. هكذا فإن تعلمي الدارجة المغاربية لم يبين لي فقط أصول العديد الذي لا حصر له من المفردات القشتالية، والكطلانية، وإن في حدود أدنى، وإنما بيّن لي أيضا أمرا حميما ومحفزا: وهو ترجمتنا الحرفية لأصوات، وتعابير مناداة، وجُمل، وعبارات مأثورة -وبعض هذه يمكن العثور عليها في متن الأمثال الأندلسية الذي وضعه (ألونصو ديل كاستيو)- ووجود تطعيمات عربية في التركيب اللاتيني الجديد للغة الإسبانية. أضيف إلى ذلك أن التكييف اللهجي غدا يؤثر اليوم في الاتجاه المعاكس: فالعديد من الكلمات القشتالية تسربت إلى الدارجة المغربية، كما أن التنقل جيئة وذهابا بين العربية والكطلانية غدا يفعل فعله. لقد سمعت أكثر من مرة، أثناء زياراتي لمدينة وهران، كلمة capsa - وليس صندوق أو caisse أو caja - التي اعتبرها ثمرة الحضور الجماعي القديم لمهاجرين فالانسيين ومايورقيين من جالية الـ«pied noir» المتلاشية، وهي الجالية التي أدخلت بدورها مفردات عربية إلى لهجة patué الأليكانطية الحالية لدى عودتها إلى أرض أسلافها.
يتشكل الكائن الإنساني من هويات متباينة، لكنها متساوقة في ما بينها. لذا بإمكاني أن أكون برشلونيا وباريسيا ومراكشيا في نفس الوقت، مع ادعاء الجنسية السربانطيسية. أن أكتب باللغة القشتالية، مع إحساسي بأن بيتي كائن في برشلونة وليس في مدريد. أن أتجول في «الرمبلة» و«الريبيرا» و«الرافال» بنفس المباشرة العاطفية التي يوفرها لي المشهد الحضري والاجتماعي في طنجة وفي مدينة الأطلس وردية اللون التي أعيش فيها، أو توفرها ميولاتي كمشّاء فضولي ومنقب في الدائرة الثانية أو العاشرة أو الثامنة عشرة [من دوائر باريس]. أعيش أجواء المدينة العتيقة وأجواء «الرمبلة» وأنا أضيع في الممرات المسقوفة التي وصفها (بودلير) و( والتر بنجامان)، والتي يشغلها اليوم أتراك وهنود وباكستانيون. أصغي إلى تنوع لغات حيوي، وأستمتع بفضاء لا تتوقف حركته، وأعي وشوشات الزمن وتناقضات المجتمع. فالكتابة تعني القبول بوجود نزاعات في قرارة الفرد الكاتب. على المرء أن يكون ملتزما سياسيا في مجال المواطنة، وأنا أحاول أن أكون كذلك، بحيث أدافع عن مجمل القضايا التي تطابق العقل والأخلاق: كالنضال ضد الظلم والفاقة والتفرقة العنصرية والعرقية، وفي سبيل إحقاق المساواة بين الجنسين، والإجهاض المشروع، وقانون زيجات الأمر الواقع. أما في مضمار الأدب فلا يتسع الأمر لأي تصحيح أو إصلاح. ذلك أن الإبداع الشعري والروائي -شأنه في ذلك شأن الاستيهامات الجنسية لدى الفرد- لا يوجه بأي عصا خلقي أو اجتماعي، وإلا غدا مجرد إِرشادات وعلاجات مذهبية. فإذا كان البحث أو المقالة الصحفية يتطلبان معايير خلقية سياسية ووضوحا في الأفكار، فإن الرواية لا تستلزم ذلك البتة، لكونها نتاج إنسان متكامل، عقلي ولا عقلي، مؤلف من ذكاء وغرائز، والذي هو حصيلة هويات متعددة ونزاعات لا حل لها.
................................................................
عن جريدة المساء المغربية .

3 - فبراير - 2008
من دون القراءة تستحيل العلاقة بالعالم
أيت ورياغر، قبيلة من الريف المغربي (دافيد هارت ) /1    كن أول من يقيّم

 

دافيد هارت
 
أيت ورياغر، قبيلة من الريف المغربي
 
أسئلة الأنتروبولوجيا ومداخل الاثنوغرافيا
 
محمد زاهد
 
 
 
تمهيد
 
تناسلت العديد من الأعمال والدراسات التي ظهرت إلى الوجود مع نهاية القرن (19) وبداية القران(20)، وقد اعتمدت هذه الدراسات العديد من المناهج العملية والحقول المعرفية مثل: اللسانيات، الانتروبولوجيا، الاثنوغرافيا، السوسيولوجيا، والاثنولوجيا.... والكثير من العلوم المساعدة الأخرى التي ترتبط بالدراسات الاجتماعية والإنسانية.
 
وإذا كانت هذه الانتاجات والأبحاث التي قام بها العديد من الدارسين والباحثين الأجانب، شكلت مجموع ما يصطلح عليه ب"الأسطوغرافيا الاستعمارية" أو"الدراسات الكولونيالية" التي ظلت موسومة بطابع استعماري وتم توظيفها كتمهيد أولي نحو غزو العديد من المناطق، ومنها منطقة شمال إفريقيا، فإنها في مقابل ذلك، تعد مرجعا وتراكما مفصلا ومدققا يحمل قيمة علمية واضحة بحكم ما ارتبط بها من معطيات وحقائق هامة حول مختلف الجوانب التي تهم المجتمعات التي خضعت للسيطرة الاستعمارية، كما إن هذه الدراسات لا تزال تحتل موقع الصدارة على مستوى القيمة الموضوعية والعلمية التي تنفرد بها، وكذا طبيعة المناهج التي وظفتها والنتائج و الخلاصات التي انتهت إليها.
 
وتعتبرالابحاث والدراسات الفرانكفونية صاحبة السبق على مستوى تناول مختلف مظاهر الحياة العامة لدى المجتمعات المغاربية بصفة عامة، والمجتمع المغربي بصفة خاصة، لكن رغم ذلك فالدراسات الانجلوسا كسونية والاسبانية كان لها وقعها الخاص على واقع هذه الابحاث والكتابات، لاسيما بعدما خاض هذا المضمار العديد من الداريسين والباحثين المرموقين الذين شكلو اتجاها جديدا داخل حقل الدراسات الكولونيالية، من ابرز هؤلاء ، نجد جاك بيرك، روبير مونطاي، ارنست كيلنر، جون واتروبوي، رايمون جاموس، مولييراس، بول با سكون، ايميليو بلانكوايثاكا ودايفيد هارت...
 
حفل تقديم الترجمة الهولندية لكتاب " آيث ورياغل" بلاهاي
للأنتروبولجي الراحل دافيد هارت
والواقع، فان الدراسة والأطروحة التي قدمها دايفيد هارت" أيت ورياغل، قبيلة من الريف المغربي" ، تعتبر من ابرز الدراسات حول مختلف بينات المجتمع المغربي خلال القرن (20)، خاصة وأنها تمثل أهم مرجع مفصل ومدقق حول الريف الأوسط على مختلف المستويات، وكما جاء في التقديم الذي وضعته جمعية صوت الديمقراطيين المغاربة في هولاندا بمناسبة ترجمة هذا المؤلف الى العربية، فان أهمية هذا العمل تتجلى في كونه "أول دراسة ميدانية معمقة حول قبيلة ايت ورياغر بالريف الأوسط شملت معظم الظواهر الاجتماعية للقبيلة، كالممارسات الإسلامية، والتراتب الاجتماعي، وبنية القبيلة ونظامها السياسي، والأخلاق القبلية،والبنية الاقتصادية...الخ" ، ويضيف نفس التقديم:" ما قام به هارت يعتبر دراسة قيمة جدا وهو عمل يعد من الطراز الأكاديمي الرفيع والضخم".
 
وتجدر الإشارة الى أن الفريق العلمي الذي اشرف على ترجمة هذا العمل المهم، يتكون من الدكتور محمد أونيا، عبد المجيد عزوزي وعبد الحميد الرايس، كما ان هذا الفريق عمل على وضع تقديم وتعليق حول الجزء الأول من أطروحة دايفيد هارت التي قامت بنشرها جمعية صوت الديمقراطيين المغربة في هولندا.
 
وعودة إلى أهمية هذا العمل الأكاديمي الوزان، فإننا نجد أنه نال إعجاب واعتراف كبار الباحثين المرموقين، أمثال ارنست كلينر الذي اعتبر "هذا المؤلف بدون شك هو الوصف الأكثر شمولية ودقة المتوفر اليوم حول التنظيم الاجتماعي للريفيين وثقافتهم، ولا يستبعد أن يحافظ على مكانته هذه كمرجع أساسي في هذا المجال لأمد طويل جدا". أما بول رابينو، فاعتبر مؤلف هارت "مساهمة هامة في مجال الاثنوغرافيا المغربية ودراسية غنية معززة بالوثائق والمعطيات الميدانية. انه بحق من الكتب النادرة في عهدنا هذا ...". وحول هذا النقطة تحديدا، فقد جاء في تقديم فريق المترجمين بان أطروحة هارت "تعد أول دراسة مفصلة ومدققة حول قبيلة من قبائل الريف المغربي، ومن هنا يستمد هذا العمل قيمته العلمية، كما يساهم في كشف حقائق ومعطيات فريدة حول البنية الاقتصادية والسوسيو ثقافية التي غالبا ما تغفلها الكتابات التاريخية الإخبارية".
 
حفل تقديم ترجمة كتاب دايـﭭيد مونتكمري هارت
"أيث ورياغر الريف المغربي، دراسة إثنوغرافية و تاريخية"

 
واذا كان هارت قد عمل على معايشة أهل الريف والاطلاع عن حياتهم اليومية ونمط عيشهم واعتماد الملاحظة المباشرة والبحث الميداني الدقيق ومجالسة الأشخاص، وهو ما يسميه الدارسون الانتروبولوجيون ب "المدرسة التقليدية" التي تعمد "الوصف العام والشامل للمجتمع المدروس"، فان هذا المؤلف يندرج ضمن الدراسات التي أسست "للنظرية الانقسامية أو المنهج الانقسامي"، رغم إن هذه الأطروحة كانت في أحيان كثيرة تجانب واقع مجتمع الريف ولا تملك قدرة النفاذ إلى عمق البنيات الاجتماعية والثقافية والسياسية لكيان "القبيلة الديمقراطية" كما يسميها روبير مونطاي، الأمر الذي أدركه دايفيد هارت نفسه الذي أقر بعد مرور السنوات ان هذا المنهج غير شامل ودقيق في معاينه مختلف الظواهر المدروسة وهو ما جعل الباحث الاثنوغرافي هارت، يعدل عن بعض الأفكار ويعتبرها قابلة للتطور ومشروع مفتوح عن الحركية.
 
وفي مقدمة الطبعة العربية التي وضعها المؤلف دايفيدهارت، يقر هذا الأخير بخطأ تحليله السابق للبنية الاجتماعية للريف ، وهو نوع من النقد الذاتي الذي يرجع فيه الفضل الى الدارس مونسون (Henry Munson) الذي انتقد خلاصات هارت، خاصة ما يتعلق بالمنهج الانقسامي (أو النسق الانقسامي للسلالة)، لكون التحالفات بالريف تقوم على أساس مجالي وليس سلالي، وهوما يعبر عنه هارت بالقول انه انتقل من صاحب"أطروحة مؤيدة للبنية والنظرية الانقسامية للسلالة كما تقدمها الحالة الريفية، الى موقف معارض تماما، أي مضاد للانقسامية (Countrr Segmentary) الى درجة ان هارت اعتبر هذه النظرية بمثابة "سترة المجانين"، وهو ما يعبر عنه أيضا أستاذ دايفيد هارت، كارلتون س. كون، في تقديم هذا الكتاب، إذ يقول "إن نظام القرابة السائدة بالريف نظام لا يخضع بوضوح لأي نمط من الأنماط التصنيفية السائدة منذ "لويس هنري مورغان" حتى "جورج بيتر موردوك".
 
 
ورغم ذلك، فلا يمكن بحال من الأحوال أن ننفي أهمية ومكانة هذا العمل العلمي ، الذي أكد هارت انه يندرج ضمن إطار الدراسات التي تنتمي إلى حقل "الأنتروبولوجيا الاجتماعية والسياسية والتاريخ الاجتماعي-السياسي الذي اتخد له كموضوع، أهم تجمع قبلي شمال المغرب ألا وهو: "ايت ورياغر" كما انه عمل يتناول نمط العيش والبنية الاجتماعية والمؤسسات السياسية والدينية لمجتمع قبلي مسلم ناطق بالامازيغية، وهو ايت ورياغر، موطن هذه القبيلة يقع في المنطقة المرتفعة من الريف الأوسط شمال المغرب" ص3.
 

3 - فبراير - 2008
اقتباسات واستضافات لأصوات من العالم..
- 2 -    كن أول من يقيّم

خارطة الكتاب
 
يتضمن فهرس ومحتويات مؤلف "ايت ورياغر، قبيلة من الريف المغربي" تقديم صوت الديمقراطيين المغاربة في هولندا وتقديم فريق المترجمين، إضافة إلى نبذة عن المؤلف، كما يتضمن الترجمة العربية والطبعة الجديدة للكتاب، وفصل خاص معنون ب: امجاظ: نموذج لكيفية تكون سلالة ريفية ونشوء حالة انتقام، فضلا عن إهداء وتقديم بقلم كارلتون س. كون وكلمة شكر ودلالات وأهداف الدراسة وكذا ملاحظات حول منهج الدراسة الميدانية وملاحظات حول كتابة الألفاظ الأمازيغية بالحروف اللاتينية، علاوة على (9) فصول تتناول مختلف المواضيع والظواهر والقضايا موضوع الدراسة، مثل القبيلة المغربية، الأرض والزراعة بايت ورياغر، الأسواق وهجرة اليد العاملة، الملكية وامتلاك الأرض والإرث ونظام الري ، والطقوس الدورية أو دورة الحياة، السحر والشعوذة والمعتقدات والخرافات والغناء والرقص والموسيقى، الاسلام في ايت ورياغر، نظام القرابة، نماذج الزواج السائدة ومفهوم الاسرة، زيادة على لائحة الجداول والرسوم التوضيحية والخرائط والصور الواردة في هذا المؤلف الذي يقع في 364 صفحة.
 
الفصل الأول : القبيلة المغربية
 
يتناول الفصل الأول من كتاب "ايت ورياغر، قبيلة من الريف المغربي" لصاحبه الباحث الامريكي دايفيد هارت، التقسيم القبلي بمنطقة الريف والشمال المغربي عموما وبعض الخصائص التي تتميز بها هذه المنطقة من الناحية الطبيعية والبشرية الاقتصادية وكذا بعض مظاهر دينامية المجتمع الريفي.
 
علاوة على ذلك، يقف المؤلف عند ابرز مرحلة عاشها الريف في تلك الفترة التاريخية والتي تعرف بمرحلى"الريفوبليك" من حيث الظروف الاجتماعية والسياسية القائمة والتحديد الزمني لهذه المرحلة(1880-1921) .
 
من جانب اخر، وكمدخل منهجي اعتمده هارت، استهل الباحث هذا الفصل بوضع تعريف للقبيلة باعتبارها "مجموعة متماسكة و مستقلة سياسيا و اجتماعيا تعيش أو تطالب بمنطقة محددة خاصة بها"(ص6). كما يقف في نفس الوقت عند تعريف افانس ريتشارد الذي يرد مجموعة من المعايير التي تؤسس لمفهوم القبيلة لدى الانتروبرلوجيين الاجتماعيين.
 
ومن جملة القضايا التي عالجها هارت ضمن الفصل الاول، ما يتعلق بأسس علم الاجتماع السياسي المغربي،بجانب الدراسات التاريخية حول المغرب، كبلد "كان موحد ا نظريا" قبل مرحلة الحماية تحت قيادة السلطان، ومقسما في الواقع وفق ثلاثة محاور أساسية وهي. محور عربي – أمازيغي، محور حضري- قروي ومحورمخزني - سيبة أو حكومة- تمرد وانشقاق (ص10). بعد ذلك ينتقل هارت الى تقديم ملاحظات عامة حول البنيات القبلية المغربية من حيث الانقسام الذي يقول حوله هارت: "المبدأ الأول في الانقسام يفيد ان كل قبيلة سواء كانت تحمل اسما مزعوما لجد مشترك أو مكان مفترض لأصلها أو لأي نوع من الأسماء فهي تقسم أو تجزأ الى مجموعة من القسمات(sections) التي نادرا ما يتجاوز عددها خمس في المغرب مثلا. وتجزأ كل قسيمة الى قسمان صغرى(subsections) ثم تجزأ هذه الأخيرة الى سلالات كبرى ثم الى سلالات صغرى ثم أصغر منها الى أن نصل الى مستوى العائلة النووية المكونة من  الأب والأم والأبناء غير المتزوجين، وأهم نقطة بالنسبة للانساق الانقسامية للقبيلة المغربية هي أنها تشمل على كل هذه الوحدات، كل واحدة منها متضمنة في الثانية في المستوى الذي يليها، وكلما كبرت الوحدة الا وتعذر تتبع شجرة النسب بها إلى أن تصل إلى المستوى الأعلى الذي يكون فيه عامل النسب غير قابل للتطبيق وغير ذي أهمية" (ص14/15).
 
واضح أن دايفيد هارت يحاول هنا التطرق الى مجموعة من مظاهر ومعايير الأطروحة أو النظرية الانقسامية التي اعتمدها كمنهج لتحليل بنية قبلية ايت ورياغر على مستوى تكون وانقسام السلالات، أما من حيث الأنظمة الاقتصادية والسياسية للقبيلة، فيذكر هارت مايلي: لكل قبيلة اسم ومجال خاص بها، ولكل قسمة ضمن القبيلة حصتها من هذا المجال، هكذا يصبح النظام العام للملكية القبلية للأرض في الواقع هو النسق الانقسامي ذاته الذي يتجلى من خلال تطور شجرة النسب زمنيا ويتضح على الأرض مكانيا، ولهذا المبدأ أهمية كبيرة لفهم تعقيدات البنية الاجتماعية والمجالية لايت  ورياغر"(ص16).
 
ومن مميزات النظام الاقتصادي القائم لدى اغلب القبائل، كونها قبائل مستقرة تعتمد على الزراعة مقابل بعض القبائل الأخرى التي تعتمد على الانتاج(transhumance) او الترحال، اضافة الى خاصية اخرى يتميز بها النظام القبلي في جميع أنحاء المغرب وتتمثل في تواجد سوق أسبوعي، الذي يعد يوما للتبادل التجاري وفرصة للتواصل الاجتماعي ويوم سلم بامتياز.
 
Kopie.jpg
 
أما من جانب مميزات النظام السياسي القائم داخل بنية القبيلة المغربية، فيذكر المؤلف الأمريكي تواجد شرفاء يعيشون ضمن القبائل ويتمثل دورهم في التحكيم لحل النزاعات داخل وخارج القبيلة، وكذا وجود نظام للمجالس التمثيلية بالنسبة لأكبر المستويات الانقسامية بالمناطق الأمازيغية او ما يسميه هارت ب "أنظمة منظمة دون زعامة" خصوصا في السياق السياسي بالريف الأوسط، إضافة الى توزيع السلطة السياسية والعمل على لا تمركزها بكل المناطق التي تتواجد بها القبائل المستقرة وفق نظام "التناوب والانتخاب المتبادل" كما يسميه كيلنر، مع وجود قانون عرفي يؤطر العلاقات الاجتماعية وتشريع خاص بالقتل والسرقة...
ويختم دايفيد هارت هدا  الفصل بالحديث عن طبيعة المجتمع القبلي بالمغرب خلال مرحلة الحماية وكذا بعد  الاستقلال، لا سيما التغيرات التي طرأت على المجتمع  ونمط حياة وعيش السكان بفعل دخول المستعمر وإتباعه لسياسة استعمارية معنية، وايضا يشير هارت الى ما لحق بنية القبلية المغربية كنتيجة موضوعية للمخاضات التي عاشها المغرب ابان هذه الفترة والتي تميزت باندلاع انتفاضات وثورات بكل من الجنوب الشرقي(1957) ووسط الأطلس (1958) والريف 1958-1959).
 
ورغم ما سبق ، فان الباحث الامريكي يقر بكون "القبلية لازال لها تأثير  على الحكومية المركزية حتى في وقتنا هذا، وهذا ما ينطق على القبيلة الأمازيغية"(ص 22)، كما يناقش هارت ضمن خاتمة هذا الفصل ما يتعلق بعلاقة القبيلة والدولة والاسلام، هذا الأخير الذي يعتبر في الدول الاسلامية "القاسم الثقافي المشترك الأدنى وفي نفس الوقت الأكثر أهمية" على حد قول صاحب اطروحة" ايت ورياغل، قبيلة من الريف المغربي".
 
الفصل الثاني : الأرض والزراعة بأيث ورياغر
 
يستهل هارت هذا الفصل بالحديث عن معطيات و إحصائيات حول سكان الريف الأوسط التي ترسم فكرة واضحة عن المعطيات الديمغرافية لقبيلة ايت ورياغر، معززا ذلك بجداول وأرقام وإحصائيات تتعلق بالإحصاء الاسباني لسنة 1929و1938 والإحصاء الفرنسي لسنة 1939 والإحصاء المغربي لسنة 1960، وهي أرقام تعطي فكرة عن مستوى النمو الديمغرافي والكثافة السكانية الخاصة بقبائل ايث ورياغل وتمسمان وايت توزين وايت عمارت وابقوين، الأمر الذي جعل هارت يقول: "ان عدد سكان هذه القبيلة كبير جدا، إن لم  نقل انها أكبر قبيلة في الشمال المغربي اذا اخذنا بعين الاعتبار كونها كتلة قبلية واحدة، غير ان نسبة الكثافة السكانية بها تبقى خارقة، وما يجعلها مذهلة حقا ليس كونها الأعلى حاليا في العالم القروي بالمغرب فحسب، بل باستثناء القبايل بالجزائر- هي الأقوى على صعيد بوادي شمال إفريقيا كلها" (ص31).
 
ومن جملة الأمور الأخرى التي يتحدث عنها هارت ضمن هذا الفصل الثاني، مجموع السمات الجغرافية والطبوغرافية التي تتمثل في وجود سلسلة جبال الريف على شكل وحدة متكاملة حديثة التكوين تميزها التعرية ومعدل سنوي أكبر من حيث التساقطات المطرية.
 
أما من ناحية التعريف الوارد في هذا الكتاب حول الريف، فهو اعتباره الجزء الجبلي الشرقي الذي يقع غرب المنطقة المنبسطة والمفتوحة نسبيا بين ميضار ومليلية، اذ تحدها تركيست غربا وميضار شرقا والحسيمة والبحر الأبيض المتوسط شمالا وأكنول جنوبا"(ص32).
 
ومن جهة أخرى، قام الباحث ضمن الفصل بوصف وجيز للجبال وجرد للمعطيات الهيديروغرافية وكلها خصائص تجعل الريف مرتبط جغرافيا بالبحر المتوسط ويعرف سيادة مناخ متوسطي، كما تناول هارت أيضا ما يتعلق بالثروة المعدنية خاصة الحديد الذي كان يشكل نسبة 63%  من مجموع الموارد المعدنية في شمال المغرب خلال فترة الحماية الاسبانية، علاوة على الثروة النباتية الحيوانية والتي تتميز بالتنوع الكبير فيما يخص النباتات والغطاء الغابوي خاصة بالفسوح الشمالية في حين يتميز الوحش بالريف بسهولة الجرد والتصنيف.
 
بعد ذلك ينتقل هارت الى القاء نظرة عامة حول الزراعة بالريف بنوعيها المسقي والبوري، كأساس للمقومات الاقتصادية في الحياة الريفية الى جانب تربية المواشي.
 
اضافة الى ذلك، يتحدث هارت عن أنواع المنازل وطرق البناء من حيث أدوات الاستعمال واحجام المنازل ومكوناتها وبعض المرافق الخارجية وكذا الاثاث المنزلي والأواني وادوات فلاحية  كلاسيكية أخرى، علاوة النظام الغذائي لدى ايت ورياغر الموزع بين ثلاث وجبات فقيرة وهزيلة، وهي الفطور والغذاء والعشاء، بجانب ذلك يتحدث هارت عن تقسيم العمل حسب الجنس، كواقع اجتماعي ذي أهمية قصوى في منطقة الريف،
أما أهم عمل بارز قام به دايفيد هارت لتعزيز معطيات متن كتابه، هو تقديمه لصورة نادرة وجد معبرة عن واقع وحياة مجتمع الريف الاوسط، وهي صور تهم مختلف أنماط و مظاهر العيش.
و من جملة ما تتطرق اليه الباحث أمريكي ضمن هذا الفصل، ما يتعلق بالأرض والزراعة  بالريف والدورة الزراعية السنوية التي تخضع لتقسيم الفصول الأربعة وكذا العامل الرئيسي الذي يجدد طبيعة العمل وهو المطر( أنزار)، اضافة الى حديثه عن التقويم الزراعي السنوي وما يرتبط به من أنشطة مثل عملية الحرث وغرس الأشجار والحصاد وجني الخضروات واللوز والعنب...
 
كما يتوقف هارت عند العلاقات التعاقدية والتعاونية في مجال الزراعة وتربية الماشية، ومن نماذج هذه العلاقات التعاقدية نظام "أخماس" و"اذورن" و"ثاويزا" ونماذج أخرى من "المؤسسات الاقتصادية غير التعاقدية التي تؤكد على أهمية التعاون والتعاقد في الحياة اليومية لآيت ورياغر"(ص76). الى جانب أنشطة تكميلية ثانوية أخرى مثل القنص والصيد البري وبعض المهن والحروف التي كانت تتم مزاولتها مثل الصناعة التقليدية والخياطة والتجارة والبناء ، وهو ما يعززها هارت بجداول وأرقام تعكس هذه الوضعية.
 
rif.jpg
 
إضافة إلى ما سبق، يعالج الأنتروبولوجي هارت ما يتعلق بالدخل السنوي للفرد ونظام الدين ويتبين من مجموعة الاحصائيات التي تضمنها الكتاب "ان الورياغليين بشكل عام ليسوا فقراء فحسب، بل يعيشون أيضا بشكل تفوق فيه التكاليف مداخيلهم، مما يضطرهم الى الاقتراض باستمرار"(ص87).
 

3 - فبراير - 2008
اقتباسات واستضافات لأصوات من العالم..
- تتمة -    كن أول من يقيّم

الفصل الثالث : الأسواق وهجرة اليد العاملة :
يستهل هارت هذا الفصل بالحديث عن توفر كل القبائل المغربية تقريبا على أسواق أسبوعية تؤدي وظائف عديدة في الحياة القبلية باعتبارها مركزا لهذه القبائل على المستوى الاقتصادي والتواصلي والاجتماعي والسياسي.
 
 بعد ذلك ينتقل الكاتب الى الحديث عن الأسواق المحلية والقبلية في ايت ورياغر التي تعتبر أكبر مجموعة قبلية في شمال المغرب تتوفر على أسواق تفوق في عددها مثيلاتها من القبائل، كما يقف هارت عند ما يرتبط بهذه الاسواق من اختلافات وكذا نوعيتها وحجم روحها. واضافة الى مشاهد اخرى تطبع حياة السوق القبلي بمختلف مناطق ايت ورياغر.
 
ومن القضايا التي يقف عندها صاحب اطروحة "ايت ورياغل، قبيلة من الريف المغربي"، ظاهرة الأسواق النسائية كظاهرة خاصة موجودة ومؤسسة ينفرد بها الريف منذ القدم، وهي ظاهرة يعتبرها دايفيد هارت ترتبط بالقانون العرفي الريفي كعامل أساسي أدى الى ظهور هذه الاسواق.
 
 أما المحور الثاني من هذا الفصل فيخصصه هارت للهجرة العمالية  الموسمية الى غرب الجزائر التي يحدد تاريخ بدايتها في سنة 1880، أي بعد دخول فرنسا الى الجزائر. وقد استمرت هذه الهجرة الى غاية توقفها الفجائي سنة 1962. كما يقف عند الدوافع الاقتصادية التي أدت الى هذه الهجرة ومنها أساسا" الاكتظاظ السكاني بالريف ومانتج عنه من انعدام للتوازن بين السكان من جهة ونسبة الأراضي الصالحة للزراعة من جهة أخرى. أما ثاني عامل فهو تقلب الاقتصاد الفلاحي الريفي. وثالث هذه العوامل هو انعدام التوازن بين مجموعة قوة العمل الموجودة بالريف من جهة وفرص الشغل المتوفرة في هذه المنطقة"(114).
 
كما يقف هارت عند بعض الخصائص التي تميز هذه الهجرة والمناطق التي يقصدها العمال المهاجرون من أبناء الريف وكذا نظام الأجور ومداخل ومصاريف السنة للمهاجرين بالجزائر( نموذج موسم 1952-1953)و(1954-1955).
 
واذا كانت هذه الهجرة قد تأثر مسارها مع نهاية الخمسينات بعدة ظروف سياسية وعسكرية، فانها اتخذت منحى اخر مع بداية الستينات، وبالضبط نحو أوربا الغربية كوجهة جديدة للهجرة العالمية الريفية خاصة دول ألمانيا وفرنسا وهولندا... أمام الأجور الجيدة التي بدا يحصل عليها العمال وقد وصل عدد المهاجرون من اقليم الحسيمة سنة 1966 الى 2100 من مجموع الساكنة المحلية ، في حين وصل نفس العدد من اقليم الناظور خلال نفس السنة الى 20300 فرد.
 
وعموما فهذا الفصل يحمل اضاءات هامة حول حركة ومسار الهجرة العالمية الريفية كظاهرة اجتماعية وسمت تاريخ المنطقة خلال هذه المرحلة.
 
الفصل الرابع : الملكية وامتلاك الأراضي والارث ونظام الري
 
يتناول هذا الفصل أنواع وأنظمة الملكية وبعض المفاهيم المرتبطة بها وبامتلاك الأراضي على وجه الخصوص. ويتحدث هارت عن ذلك قائلا. "يصنف امتلاك الأراضي أوالعقار في منطقة ايت ورياغر، كما هو الأمر في باقي مناطق المغرب والعالم الاسلامي، الى ثلاثة أنواع أساسية تقليدية. وهذه الأنواع هي: أولا "رمرك" أي الأملاك والأراضي الخاصة، وثانيا "رمشوع" أي الأراضي الجماعية المستعملة عادة كمراعي وهي في ملكية الجماعة، ثالثا "رحبوس" أي أراضي الأحباس الموقوفة للمساجد كعمل خيري من طرف المحسنين"(ص127).
علاوة على نوع رابع وهو"رحورم" وهو مجموع الأراضي المحيطة بالمساجد ومقابر الأولياء والصلحاء.
 
ثم بعد ذلك يتحدث الكاتب عن الارث وانتقال ملكية الأراضي أو مايسمى ب "روارث". وسيتعرض هارت العديد من الأحكام المتعلقة بالتعامل مع الحالات العادية و الخاصة في الارث. و ينتقل بعد ذلك الى الحديث عن المبادئ الأساسية التي تتحكم في نظام السقي وعملية توزيع المياه في ايت ورياغر والتي حددها في أربعة مبادئ وهي : تقسيم المياه حسب تقسيم الأرض نفسها، تقسيم المياه حسب الأولويات، ملكية الأنهار جماعية، حق الأسبقية للساكنين بجوار المنابع الكبرى لمجاري المياه على القاطنين قرب الجهة السفلى لنفس المجاري. كما تطرق الكاتب الى مجموعة من القواعد المنطقة لملكية الأرض والمياه المرتبطة بها بين مجموعة من العائلات والسلالات، وكما يعزز ذلك برسوم توضيحية الرئيسية المتفرعة عن كل من واد عيس وواد النكور .
 
الفصل الخامس : الطقوس الدورية في ايت ورياغر أو دورة الحياة
 
 يتناول هذا الفصل العديد من الطقوس الدورية في الريف الأوسط، مثل طقوس الولادة والعقيقة والختان والزواج والوفاة وكذا أنواع الألعاب السائدة بهذه المنطقة. وكذا التمييز بين الرجل والمراة وموقف الورياغليين من الجنس كأهم المواضيع الثقافية في منطقة الريف التي تثير العديد من التساؤلات. علاوة على الطقوس المصاحبة للزواج وتربية الأطفال وأمور الطلاق والترمل والزواج ثانية وعملية الدفن وكل ما يربط بدورة الحياة لدى مجتمع ايت ورياغر الذي تتميز داخله الحياة الاجتماعية بالقوة وشدة الارتباط، وتأخذ فيه كل هذه الطقوس المصاحبة لمختلف مظاهر دورة الحياة عدة دلالات ثقافية وحضارات، خصوصية وكونية.
 
الفصل السادس : السحر والشعوذة، المعتقدات والخرافات
 
يعرض هارت في هذا الفصل لبعض الأمثلة عن الممارسات السحرية وحالات استعمال التعاويذ والحجاب والاصابة بالجن والكائنات الروحية الأخرى، مثل (ذامز)-(ذاسارذ ون امطران)-(ادوجار).. وكذا لتفسير الأحلام في ايث ورياغر( ذيرجا) ثم الحديث عن الانتروبولوجيا الطبية التي تشمل مجموعة كبيرة من الأمراض وطرق علاجها.
 
ومن جملة ما يتناوله دايفيد هارت ضمن هذا الفصل، الخرافات والأساطير والحكايات الشعبية التي صنفها هارت الى ثلاثة أنواع، وهي: أولا تلك المرتبطة بشخصيات من العهد القديم، ثانيا الحكايات التي تروى على لسان الحيوانات، أما الثالثة فتتعلق بأشخاص افتراضيين متخيلين عموما.
 
ومن الأمور الأخرى التي يتضمنها هذا الفصل، ما يرتبط بالدور الثقافي ل "رالابويا" والشعر والموسيقى والرقص، وتعتبر"رالابويا" هذه اللازمة المشهورة والأبيات المقفاة المرافقة لها ( ازران)، احدى أكثر القيم الريفية استمرارية. انها أكثر من مجرد سمة ثقافية ، فهي تقليد اجتماعي يحمل طابعا مؤسسيا. ويمكن القول دون مغالاة ان أية قبيلة لا تغني بها "رالابويا" لا تعتبر ريفية حقا"(ص247).
 
الفصل السابع : الاسلام في منطقة ايت ورياغر
 
يستهل هارت هذا الفصل بالحديث عن أركان الاسلام الخمس والأعياد والاحتفالات الدينية وغير الدينية بآيت ورياغل، ( فوس أوسكاس) و( أرعنصات) ومايرافقها من طقوس. كما يتحدث في هذا الفصل عن المساجد والتعليم  التقليدي  ومختلف مراحل التعليم واكتساب العلوم الدينية والشرعية. كما يتطرق الانتروبولوجي هارت الى الشرفاء وظاهرة تبجيل الأولياء بايث ورياغر( امرابظن) وكذا وقدرات الصلحاء المحليين وأضرحة الأولياء الموجودين بقبيلة ايث ورياغل، اضافة الى الطرق الدينية حيث ركز عن الزاوية الطريقة الدرقاوية ويختم هارت هذا الفصل قائلا: "لقد انتشر الاسلام في الريف في مرحلة مبكرة جدا وسرعان ما انغرس في هذا المجتمع الأمازيغي وحظي بقبول كامل من طرف أعضائه الى درجة أصبح معها أي تلميح الى وثنية الأمازيغيين في هذه المنطقة، وربما أكثر من أي منطقة أخرى هو نسيج من وحي الخيال"(ص299).
 
الفصل الثامن : نظام القرابة في ايث ورياغر
 
 يشتمل هذا الفصل على العديد من العناصر التي تؤسس لنظام القرابة في قبيلة ايث ورياغر وذلك وفق تحليل تاريخي وبنيوي وظيفي قام به هارت. كما قدم هذا الأخير لائحة مصطلحات القرابة المستعملة مثل ( بابا- يما- أياو- يدجي...). كما تناول الكاتب أنماط السلوك والتصرف تجاه الأقارب،" أي الحديث عن النموذج المثالي الذي يفترض أن يطبع علاقة هؤلاء وماهو موجود بالفعل في الواقع وهذا على مستوى الفئات الثلاث أي الأقارب من ناحية الأب ومن ناحية الأم وعبر الزواج أكان ذلك تجاه بعضهم البعض أو ازاء غير الأقارب"(ص 318). كما يعزز الباحث الأمريكي دايفيد هارت هذا التحليل بخططات حول نظام ومصطلحات القرابة المتداولة والمستعملة بهذه المنطقة.
 
الفصل التاسع : نماذج الزواج السائدة ومفهوم الأسرة
 
يعتبر موضوع نماذج الزواج السائدة بالريف ومفهوم الأسرة ، من المواضيع الأساسية التي كانت موضوع دراسة العلامة دايفيد هارت من خلال كتابه "ايث ورياغر، قبيلة من الريف المغربي". ويستهل الكاتب هذا الفصل بتناول تنوع نماذج الزواج، حيث يؤكد هارت على أنه لا يوجد نموذج مثالي مفصل للزواج بأيث ورياغر، ومن ضمن القضايا التي يناقشها هارت ، وضعية المرأة المتزوجة خارج سلالتها واكتفاء الغالبية العظمى من الورياغليين بزوجة واحدة. كما يقدم هارت ضمن هذا الفصل ملاحظات حول نموذج الزواج الداخلي بين أعضاء السلالة الواحدة. ثم الزواج خارج السلالة الواحدة. ثم النموذج الثالث المتعلق بالزواج خارج السلالة وداخل القبيلة. ثم النوع الرابع أي الزواج خارج القبيلة كما يقدم هارت أرقاما وجداول في غاية الاهمية.
 
وينتقل بعد ذلك الكاتب الى الحديث عن النوبث والنسب التكميلي التي يعتبرها هارت تكتسي أهمية كبيرة من حيث دلالتها القاموسية عند ايث ورياغر وهي بمثابة الاسرة الأولية وأصغر وحدة اجتماعية لا تقبل الاختزال، كما يعالج الكتاب أنواع الأسر في ايث ورياغر والتي حددها في تسعة أنواع. ويختم هذا الفصل بخاتمة حول أصل ونسب الأفراد وأماكن اقامتهم والقواعد المنظمة لأماكن هذه الاقامة.
 
خاتمة :
 
اذا كانت اطروحة الباحث الأمريكي دايفيد هارت من أبرز الدراسات الاجتماعية والانسانية حول الريف ومختلف بنياته السياسية والاقتصادية والسوسيو ثقافية،  فهل استطاعت اذن، هذه الدراسة بمداخلها الانتروبولوجية والاثنوغرافية أن تنفذ الى عمق مجتمع الريف؟ وهل استطاع دايفيدهارت ان يلامس مختلف جوانب الحياة العامة للريفيين؟ و كيف يمكن أن نعتبر الخلاصات التي انتهى اليها صاحب أطروحة "ايث ورياغر، قبيلة من الريف المغربي"؟.
 
مهما يكن فان هذا العمل يعد مرجعا أساسيا وانجازا علميا وأكاديما لا يقل وزنه عن وزن صاحبه، لكن في نفس الوقت يبقى مشروعا مفتوحا على ما ينبغي أن تقدمه دراسات أخرى وجديدة من خلاصات ومضامين. فهل هو دور الدراسات السوسيولوجية؟.
 
لقد سبق للعلامة بول باسكون صاحب "دار ابليغ" ومؤسس علم الاجتماع  القروي وصاحب العديد من الأعمال الأخرى أن قال: "ينبغي اثبات كرامة السيوسيولوجيا" ، فهل هو قدر أن تقترن الدراسات والأطروحات الاجتماعية والانسانية بالأجانب؟ وهل من الضروري أن نظل دوما حبيسي النظرة الضيقة تجاه مايسمى بالدراسات الكولونيالية؟.
 
 
 
هذه قبيلتي / بني ورياغل /

3 - فبراير - 2008
اقتباسات واستضافات لأصوات من العالم..
مشاركة متواضعة..    كن أول من يقيّم

سلام تام أساتذتنا الكـرام .
في انتظارأن يدلي المتخصصون ،نقاد الشعرو دارسوه ، بآرائهم
في الاستفتاء الذي دعا إليه الأستاذ الدكتور سليمان..
أرى أن الطريقة التي اعتمدها الأستاذ القديرعمر خلوف ممتازة ، وهي
نفس المنهجية " الديداكتية " المتبعة -إلى حد ما - في تقديم الحروف
 الهجائية في المدرسة الابتدائية .(انظر الصورة )
* ويبقى حرف الميم  (البحر) ذلك المجهول الذي نبحث عنه ، قراءة : ؟؟ 
نقطة الانطلاق هي اللغة (جملة ..بيت شعري ) وليس الحروف ( الرموز
أوتفاعيل البحور) التي لا معنى لها .!!
 
Image hosted by allyoucanupload.com
مصدر الصورة : جريدة الاتحاد الاشتراكي المغربية .

4 - فبراير - 2008
فن التقطيع الشعري
.. حواء طالقة، إن كان ما زعموا ..    كن أول من يقيّم

 
تعليق على توظيف الشعر الأندلسي في سب الأمازيغ!
 بقلم: الدكتور مصطفى الغديري (أستاذ الأدب الأندلسي بكلية الآداب ـ وجدة)
قرأت تعليقا في أسبوعية "الصحيفة"، العدد 45 22/28 فبراير 2002 ص: 4 تعليقا بعنوان "مفارقة ثقافية وسياسية غريبة"، مفادها أن شخصية مغربية من العيار الثقيل ـ حسب سياق المقال ـ قرأتْ على مسامع  الملك الحسن الثاني بيتين من الشعر لشاعر أندلسي، هما (بعد تصحيح ما جاء في الرواية من أخطاء) :
رأيت آدم في نومي فقلت له = أبا البرية إن الناس قد حكموا
أن البرابر نسل منك قال: إذن = حواء طالقة إن كان ما زعموا
بدون ذكر لاسم الشاعر أو إشارة إلى مصدر الرواية أو السياق الذي وردت فيه هذه القراءة أمام المرحوم الحسن الثاني.
وقد كان في نيتي أن أكتب شيئا عن هذا التعليق، لكنني أرجأت ذلك إلى حين ظهور ردود أفعال عن ذلك بعد قراءة هذا المقال، وهو ما حصل بالفعل؛ إذ طلعت علينا شهرية "ثاويزا" الصادرة بسلوان (عدد  60أبريل 2002 ص: 2) بمقال تحت عنوان "آدم يطلق حواء لأنها أنجبت الأمازيغيين!"؛ وهي عبارة عن دراسة نصية من المنظور الأدبي انطلاقا من سياق رواية أسبوعية "الصحيفة"، ليصل صاحب الدراسة إلى ما وصل إليه من نتائج بناء عن الرواية السابقة وعن دلالة لغة الأبيات.
وما يهمني في هذا التعليق هو توثيق رواية هذين البيتين ثم التعليق عن مضمونهما .
 بالنسبة للبيتين فإن الدارسين المعاصرين الذين يروون هذين البيتين ويستشهدون بهما، في المشرق والمغرب، اعتمدوا كلهم على رواية المقري التلمساني (توفي سنة 1041هـ) في كتابه "نفح الطيب" :3/412 ، حيث وردا منسوبين للشاعر الأندلسي خلف بن فرج المعروف بالسّمَيْسِر (عاش في عصر ملوك الطوائف) المعروف بهجائه اللاذع لحكام الأندلس، العرب منهم وغير العرب، إلى حد يمكن أن يعتبر شعره نقدا اجتماعيا وسياسيا للحكام الذين فرطوا في الأندلس حتى وقع لها ما وقع!.
ونقده هذا هو الذي جعل المصادر الأدبية في وقته تعرض عن التفصيل في ترجمته ورواية أشعاره، وفي مقدمتهم ابن بسام الذي روى جملة من أشعاره في غير غرض الهجاء، ثم اكتفى بلمحة وجيزة على غير ما هو معهود في تراجمه للشعراء والأدباء (ينظر الذخيرة : 1/2/883). ورواية المقري لا تخلو من التذبذب، فهو تارة يروي البيتين للشاعر المذكور في هجاء المعتصم بن صمادح، صاحب ألمريه. وحسب كتب التراجم التي ترجمت لبني صمادح تفيد بأن هذه الأسرة هاجرت من المشرق إلى الأندلس منذ وقت مبكر، أي مع الطوالع الأولى من المهاجرين المشارقة على عهد عبد الرحمان الداخل، وهي من حرملة بن تميم من الجزيرة العربية (ينظر كتاب "الحلة السيراء" لابن الأبار البلنسي: 2/78 _ 96). والحال هذه لا أرى وجها في هذا السياق دليلا على صحة الرواية، إن صح البيتان للسميسر لأن المعتصم عربي، كما تقول المصادر.
والصيغة الثانية للرواية تقول بأن السميسر لما حصل في قبضة المعتصم صرح بأن هجاءه هذا موجه للأمير عبد الله بن بلقين، آخر أمراء بني زيري بغرناطة وهو من البرابرة الذين كان المنصور بن أبي عامر استقدمهم من شمال إفريقيا للمشاركة في الجهاد بالأندلس، وعبد الله هذا ممن أبعدهم الخليفة الصالح يوسف بن تاشفين عن الأندلس، وأتى به إلى المغرب ضمن مجموعة من حكام الأندلس الذين فرطوا في تدبير أمورها، وبقي في المغرب حيث أنجز مذكراته المعروفة بـ " كتاب التبيان " إلى أن وافاه الأجل فيها (ويعتبر الكتاب من خيرة المصادر التي برأت يوسف بن تاشفين مما يسند إليه من الافتراء في قضية سجنه المعتمد بن عباد بأغمات). فإن صحت هذه الرواية في عبد الله بن بلقين، وهو بربري (أمازيغي)، فإن هذا التذبذب ينقص من قيمتها. ثم علينا أن نتعرف طريقة المقري في كتابة كتابه الضخم "نفح الطيب" بالمشرق، وبالضبط بدمشق، وقد توقف عدة مرات عن كتابته، معتذرا ببعده عن مصادره التي تركها بفاس، فقد كان يعتمد على الذاكرة في كثير من الأحيان أو يسند رواية إلى بعض المصادر التي كانت معه، من أمثال "قلائد العقيان" و"مطمح الأنفس" للفتح بن خاقان، بينما في روايته بيتي السميسر لم يسند الخبر إلى أي مصدر من المصادرط . وعن "نفح الطيب" ـ حسب علمي ـ نقلت المراجع والدراسات البيتين في سياقات متعددة، تارة للإزراء، وتارة للتشفي، وطورا آخر للاستشهاد، كأن البيتين وثيقة تاريخية يحتج بها، كما هو الشأن في كتاب "الاستقصاء" للناصري.
ونعود الآن إلى مصدر آخر لرواية البيتين، وهو "زاد المسافر وغرة محيا السافر" للأديب أبي بحر صفوان بن إدريس … التجيبي المرسي الأندلسي. عاش في النصف الثاني من القرن القرنين السادس الهجري وتوفي سنة 598 هـ. بذلك لم يتعد الفرق الزمني بينه وبين السميسر أكثر من نصف قرن، وهو ابن بلده. بينما الفرق الزمني بينه وبين المقري، وبين السميسر والمقري من جهة أخرى يفوق أربعة قرون. وكان صفوان بن إدريس هذا من شعراء الأندلس المرموقين في القرن السادس، عصر الموحدين بالأندلس، ومن بيت الأدب والشعر، ومن متذوقيه ورواته، كما يشهد على ذلك كتابه "زاد المسافر" الذي التقط درره الشعرية من أفواه كبار رواة الشعر من شيوخه وأصدقائه خلال رحلاته وجولاته بالأندلس والمغرب، كما يؤكد محقق كتابه الدكتور محمد ابن شريفة العالم بالتراث الأدبي الأندلسي (ينظر مقدمة المحقق للكتاب الصادر عن مطبعة النجاح الجديدة سنة1999 م ص.ص.9ـ90)، كما أن الكتاب نفسه سبق أن نشره العالم الجزائري عبد القادرمحداد سنة 1939 م.
ورواية صفوان بن إدريس في كتابه "زاد المسافر" (ط. عبد القادر محداد ص: 120رقم 37 ، ط. ابن شريفة 332 رقم : 37) أوردت البيتين ضمن أشعار أبي عبد الله بن سهل اليَكّي المتوفى في حدود ستين وخمس مائة. ومعنى ذلك أنه كان معاصرا لصفوان بن إدريس. وهو شاعر هجاء لم يسلم أحد من لسانه، حتى قال ابن سعيد في حقه : "هذا الرجل هو ابن رومي عصرنا، وحطيئة دهرنا، لا تجيد قريحته إلا في الهجاء ولا تنشط في غير ذلك من الأنحاء" (المغرب في حلى المغرب : 2/266).
ورواية صفوان بن إدريس البيتين جاءت كالآتي:
رأيت آدم في نومـي فقلت له:   أبا البرية إن الناس قد حكموا
أن الزَّراجينَ رهط منك قال إذاً  حواءُ طالقةُ إن كان ما زعموا
وعلق الدكتور محمد ابن شريفة على كلمة "الزراجين" في الهامش بقوله: أطلق الأندلسيون هذه الكلمة على المرابطين الملثمين، ولم يلتفت د. ابن شريفة إلى رواية النفح ولا قارنها، رغم أنني أعلم أنه وقف عليها وهو من قرأ النفح قراءات كثيرة إلى حد لا يغيب عنه كل ما ورد فيه، و"الزراجين" لا وجود لها في اللغة العربية إلا ما دل على صوت الخيل وجلبها من فعل "زرج"، لهذا قال الدكتور ابن شريفة: أطلق الأندلسيون هذه اللفظة على المرابطين الملثمين، أي حكام دولة المرابطين حين وضعوا حدا للتسيب الذي عرفته الأندلس، والذي كان سيعجل بسقوطها في القرن الخامس. وإذا كان الأندلسيون أطلقوها على حكام المرابطين، فهي تعني التخصيص من أبناء المغرب وليس التعميم، وحتى لو كانت تعني تعميم المغاربة فهي ليست تعني كافة الأمازيع البرابرة من كافة أنحاء شمال إفريقيا. وإن افترضنا جدلا أن المقصود بها كافة البرابرة فهل هذا يعني دستورا أو منطقا لا يناقش، أو كلاما سماويا يحتج به ولا يحتاج إلى تأويل؟  ثم هل الشعر، كل الشعر، يعبر عن وجدان كل أفراد الأمة في جميع الحالات؟  وهل الشعر الذاتي مثل هذا يحتج به كوثيقة تاريخية أم أنه انطباع ذاتي آني بحسب ظروف الشاعر الذي قد لا يلبث أن ينسخها بمثله في أية لحظة؟
أعتقد أن مثل هذا الشعر إن كان يجد فيه بعض قرائه متنفسا في لحظة من اللحظات، فإن قارئا آخر قد لا يستمع إليه ولو كان ذواقا للشعر!
ولا أدري ما هو السياق الذي جعل الشخص المشار إليه في أسبوعية "الصحيفة" يقرأ البيتين على مسامع المرحوم الحسن الثاني، ولو عرفنا السياق لكان هناك كلام آخر، وبما أننا لا نعرف الظروف المحيطة بقراءة البيتين، فلا داعي لمناقشة ذلك . 
ولما كان هذا الشاعر متكسبا ببضاعته الشعرية وجدناه يمدح المرابطين الملثمين بما ينسخ معنى بيتيه بقوله:
قوم لهم شرف العلا في حمير   وإذا انتموا لصنهاجة فَهُم همُ
لمّا حوَوْا إحْرازَ كلِّ فضيلةٍ    غلب الحياءُ عليهـمُ فَتَلَثّموا
( المغرب 2/269 ) .
وبالمقابل نجده قد هجا أهل فاس هجاء مقذعا فاق كل هجاء، ولولا مناسبة رواية البيتين السابقين ومناقشة حجة ذلك لما سمحتُ لنفسي بنقلها ونشرها، منها قوله :
يا أهل فاس لقد ساءت ضمائركم   فأصبحتْ فيكــم الآراء متّفِقَهْ
كلّ امرئ منكم قد حاز منقصـةً   بها أحاط كدَوْرِ العيـنِ بالحَدَقَهْ
وربما اجتمعت في بعض ساداتِكم  نقائصُُ أصبحنْ في الناسِ مفتَرِقَهْ
كالقرنِ والقَوَدِ المشهورِ والكذبِ الــمعروفِ والخَلّةِ الشّنْعاء والسرقَهْ
فلا تَهابَنَّ فاســياُ مررتَ بـهِ   وإنْ تَقُلْ فيه خَيْراً حــوِّلِ الدّرَقَهْ
والْعَنْهُ شيْخاً وكَهْلاً واجْفُهُ حدَثاً   ونِكْــهُ طِفْلاً ولَوْ أَلْفَيْتَهُ عَــلَقَهْ
فلا سقى اللهُ فاساً صوبَ عاديَةِ   نَعَمْ ولا اخْضَرَّ في أرجائها ورَقَـهْ
( "زاد المسافر" نفسه، وهناك من هجاء أقذع في أهل فاس في نفس الصفحات).
فهل قوله هذا في فاس وأهلها سنعتبره حجة يحتج بها ونعتبرها مزية سنرددها يوما على مسامع حكامنا في المحافل الرسمية!، أم أنه مجرد انطباع نعده رد فعل الشاعر وتصفية حسابات من شخص أو أشخاص في لحظة معينة كتلك اللحظة التي دفعته إلى قول البيتين فيمن سماهم بالزراجين؟ .
وما يصدق على هذه القطعة يصدق أيضا على البيتين السابقين اللذين أُسْمِعَا للمرحوم الملك المرحوم الحسن الثاني، إن صح ذلك حسب رواية تعليق "الصحيفة".
وذكرني سياق قراءة البيتين في الرواية السابقة بموقف مخزِ لأحد المتدخلين في إحدى الندوات العلمية بصدد مناقشة بحث قدمه أحد الأساتذة في موضوع يتعلق بالأمازيغية والأمازيع بشمال إفريقيا، ولما نهض إلى منصة المناقشة استفتح كلامه بقوله: سبق لي أن قرأت في كتاب مخطوط بالقاهرة  "البربري والفارلا تعلمه باب الدار"، كأنه اكتشف مجهولا في رحلته إلى القاهرة ليطلع على هذا المخطوط "النادر" و"الثمين"، ويستخرج من كنوزه هذه العبارة المبتذلة، علما أن هذا من أمثال العوام له صيغ متعددة داخل المغرب وفي الأندلس وفي المشرق، يدخل في باب المنافرة بين العدوتين: الأندلسية والمغربية، وتصفية الحسابات، لم تستثن البربري وغير البربري:
_ العربي والفار لا تْعلموا باب الدار !
_ البربري والفار لا تْعلموا باب الدار !
_ الفلالي والفار لا تعلموا باب الدار ! 
_ الشلح والفار لا تعلموا باب الدار !
_ لَعْروبي والفارْ لا تْعلموا باب الدار !
( ينظر ذلك بتفصيل في كتاب أمثال العوام للزجالي الأندلسي تحقيق د. محمد ابن شريفة ج/1 ص: 207 ، 2/45).
لعل من قرأ البيتين ـ بغض النظر عن سياق القراءة ـ لا يختلف عن موقف من استشهد بالمثل الذي قرأه بمخطوط بالقاهرة أثناء مناقشة موضوع يتعلق بالأمازيغية والأمازيغ بشمال إفريقيا!. ولله في خلقه شؤون!!
 
Copyright 2002 Tawiza. All rights reserved.

6 - فبراير - 2008
المغالطات العلمية والتاريخية حول الهوية الأمازيغية
مرحبا بأخت الـ ضـياء..    كن أول من يقيّم

Image hosted by allyoucanupload.com

7 - فبراير - 2008
مشاهدات في زمن العولمة
 43  44  45  46  47