البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات ياسين الشيخ سليمان أبو أحمد

 42  43  44  45  46 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
الشعر الحر ميدان للشاعر الناضج    كن أول من يقيّم

 
 
ذلك لأن الحرية الموجودة في ذلك النسق تُيَسِّر عملية الإبداع، وتُوسِّع مساحة فن الشعر في دنيا الثقافة العربية المعاصرة والمستقبلية، وتُمَهِّد لأن يخوض هؤلاء فيما بعد الإبداع على النسق الشعري التراثي العتيق...
 
تحية طيبة لدكتور صبري أبو حسين على هذا الملف الشائق، الذي يدعو إلى التفكر والتأمل في حال الحداثة الشعرية المعاصرة، فوق أنه غزير الفائدة في مجال التعرف على طبيعة الشعر الحر( شعر التفعيلة ) الشكلية . وتحية طيبة إلى الأستاذ محمد هشام وإلى كل من يطالع هذا الملف المفيد ، وبعد:
إن القول بأن يبتدئ الشاعر الناشئ بممارسة الشعر الحر ثم ينتقل إلى ممارسة الشعر العمودي، لهو قول فيه نظر، بعد الاستئذان من أخي وأستاذي د.صبري  . فالمرحومة نازك الملائكة نفسها رأت خلاف ذلك . ففي رسالتها الإرشادية إلى شاعر ناشئ أكدت على أن ممارسة نظم الشعر العمودي يجب أن تسبق ممارسة الشعر الحر حين قالت :
" الشعر الحر ميدان الشاعر الناضج ، فحذار أن تبدأ به رسالتك الشعرية. إن المزالق تنتظرك في دروبه، فاحرص على أن تمتلك ناصية أسلوب الشطرين امتلاكا تاما قبل أن تجازف بنظم قصيدة حرة واحدة." *
ما قالته نازك الملائكة أومن به تماما. وإن من الأدلة الدالة على صحته هي أن كل شعراء التفعيلة الجيدون مارسوا نظم الشعر العمودي سنين طوالا وبرعوا فيه من قبل كتاباتهم الشعرية الحرة، ومنهم من ظل يمارس النوعين . فنازك الملائكة نفسها نظمت على وزن بحر الخفيف مئات الأبيات ، وعلى غيره من أوزان البحور ، وكذلك غيرها من رواد الشعر الحر كما يسمون .
ولكن ما معنى قول نازك الملائكة: "إن الشعر الحر ميدان الشاعر الناضج؟" .
وفقا لظني المتواضع يمكنني القول بأن الشعر الحر الجيد عليه أن يستعيض عن تخليه الجزئي عن الإيقاع الشعري العربي لأسباب منها حرية الانطلاق والاسترسال، بما يغفر له تخليه عن ذلك الإيقاع التي تستلذه الأذن العربية، بل والشرقية عموما وتتفاعل معه . وقبل أن أتطرق إلى نوع الاستعاضة وماهيتها ، والتي تتطلب النضوج، علي أن أفرق أولا بين الوزن والإيقاع . فلو وضعنا أثقالا مختلفة المقادير الوزنية في كفة ميزان من كفتين، ثم وضعنا في الكفة الأخرى ثقلا واحدا معادلا في وزنه لما في الكفة الأولى ، لاتزنت الكفتان تماما من جهة مقادير الأوزان ، ولصار ما في الكفة الأولى مساويا في المقدار لما في الكفة الأخرى ؛ ولكن التوافق بين الكفتين من جهة الصورة الجمالية لا يتحقق إلا إذا كانت الأثقال في كل كفة من كفتي الميزان مماثلة للأخرى في العدد والشكل . وهكذا الإيقاع في بيت الشعر العمودي كما هو معلوم . تفاعيل الشطر الأول تساوي في الوزن تفاعيل الشطر الثاني وتماثلها في الشكل وفي اللفظ والنبر ، ولا تساويها في الوزن فقط . هذا الإيقاع هو ما تستسيغه الأذن والذائقة العربيتين منذ أيام طفولتهما وحتى هذه الساعة على مستوى المثقفين وغير المثقفين . وهذا الإيقاع الشعري الموسيقي هو ما جعل بعض التفاعيل الشعرية المزاحفة أكثر جمالا من غير المزاحفة ، وهو نفسه ما يمج بعض أشكال الزحاف ، أو بعض علل الزيادة أو النقص ، أو يحرمها إذا كانت تخل بالإيقاع الموسيقي للبيت الشعري ذي الشطرين . وعلى هذا ، فإن الشعر الحر قد تلاعب بالإيقاع الشعري العربي بحجة التمكن من الاسترسال كما قلنا ؛ ولكن هذا التلاعب جاء متباينا في مقداره ، فكلما كان قريبا من الإيقاع العمودي، استساغته الذائقة العربية أكثر ، وتمكن الموسيقيون الملحنون من تلحين هذا الشعر الحر من أجل أن يُغنى ، مع العلم أن القليل جدا من الشعر الحر تمكن الملحنون من تلحينه . فالشاعر الناضج كيف يكون ناضجا وهو لم يمارس الإيقاعات الشعرية العربية ممارسة تامة، ثم ينوي أن ينظم شعرا تفعيليا حرا !  هل يكفيه مجرد الاطلاع على قوانين العروض وأشكال بحور الخليل دون أن يعانيها ويمارسها!كما ان للنضوج مراحل متعددة لا يمكن ان يكتسبها ويعيها ناظم الشعر الحر دون ان تكون ترسخت فيه مفاهيم تلك المراحل نتيجة التزامه عمود الشعر رسوخا تاما. فالشاعر الحرشاعر يفترض فيه ان يكون مجددا ، ولا يمكن لأي مجدد ان يجدد وهو لا يعرف ما الذي يقوم بتجديده .
يتبع إن شاء الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينظر في العدد 535 لشهر حزيران عام 2003من مجلة العربي، في باب : جمال العربية  

14 - ديسمبر - 2009
أهدى سبيل في صناعة الشعر الحر
شكر عميق    كن أول من يقيّم

شكري العميق لأخي د. صبري على هذا الدعاء العظيم ، وأرجو الله سبحانه أن يرضى عنا جميعا ، إنه سميع مجيب . ولقد فهمت من أخي، د.صبري ، بعيد مشاركته الأخيرة، التي جعلتني ادقق في مقالته ، ما يرمي إليه منها . فهو يوجهها إلى أولئك الناشئين، الذين يرون في أوزان الخليل صعوبة بالغة ، ففضل أن يعودهم على أن يروها سهلة ، وذلك بمطالعتهم تفاعيل البحور الصافية ، والتي لا يضع شعر التفعيلة قيودا صعبة الحل على استعمالها . وما دام النقاش في موضوع شعر التفعيلة قد جرى مجراه ، وبدا محبذا لدى أستاذي د.صبري مثلما هو محبذ لدي ، فلا مانع من أن نستمر فيه إن شاء الله تعالى . فإلى لقاء قريب..

16 - ديسمبر - 2009
أهدى سبيل في صناعة الشعر الحر
من أسباب الحد من انتشار الشعر الحر    كن أول من يقيّم

 
بعيد مطالعتي التحديات التي واجهها ويواجهها الشعر الحر ، والتي تفضل بها د.صبري ، أرغب في إضافة ما يلي :
هناك سبب أراه جوهريا كان له الأثر الجلي في الحد من انتشار الشعر الحر واستقراره في عقول وعواطف قارئيه مهما جرى تسويقه إعلاميا ، وهو أن العديد من رواد هذا الشعر اتهموا بالإلحاد ، واتهموا كذلك بالنقد المتمرد ( وليس النقد البناء ) على التراث الديني والأدبي والانتقاص من قيمتهما . ولن ينفع الشعر الحر أو غير الحر القول بأن الشعر لا علاقة له بالمبادئ الخلقية ، وان الشاعر لا يكون شاعرا إلا إذا كان حر الاعتقاد ويسير على هواه حتى يكون شعره صادقا ويؤدي وظيفته خير أداء . مثل هذا القول يبدو كالنفخ في قربة مثقوبة ، ولن يتفاعل الناس مع شعر شاعر يحاول أن يتفنن في تزيين أفكاره وعواطفه المنحرفة عن الصراط المستقيم الذي يؤمن باستقامته السواد الأعظم من الناس.
 
 

17 - ديسمبر - 2009
أهدى سبيل في صناعة الشعر الحر
نازك الملائكة وصلة الشعر بالأخلاق    كن أول من يقيّم

بعيد مشاركتي السابقة، طالعت حوارا كان قد أجري مع الشاعرة المرحومة نازك الملائكة ، وقد طالعته مكتوبا في كتاب حملته إلكترونيا اسمه : " قضايا الشعر الحديث " في طبعته الأولى ، 1984، لجهاد فاضل ، توضح فيه نازك الملائكة صلة الشعر بالأخلاق حين تجيب عن سؤال : " ما صلة الشعر بالأخلاق؟" ؛ قائلة :
" ــ دأب فلاسفة الفن مثل سبنسر وكروتشه وبرغسون على القول بأن الشعر منفصل عن الأخلاق انفصالا تاما. لا بل إن كروتشه تمادى وذهب إلى أن الأخلاق حين تكون دافعا وراء الشعر تقتله قتلا ؛ لأن الشعر منزه عن الغرض لا غاية له إلا الإمتاع، وهو ما يسميه سبنسر " اللعب " . وأنا أرى هذه الآراء غير مقبولة حتى مع كون برغسون وكروتشه يصوغانها أجمل صياغة؛ لأنهما يكتبان بلغة موهوبة رائعة الجمال. والأخلاق هي الجوهر الجمالي للشعر ، وما من شعر يستحق اسم الشعر من دونها. ذلك أن الشعر في صميمه تعبير عن الجمال، والجمال يقتله ويشوهه سوء الخلق. ولا يشف الشعر عن اللطف إلا عندما يغمس الشاعر قلمه في دواة الصفاء والنقاء ونبل المشاعر. الأخلاق وردة معطرة تنبثق من داخل نفس الشاعر، ويترقرق عطرها في خدود القصيدة.".
ــ  ماذا تقولين إذن في شعر نزار قباني وهو شاعر لا يهتم بالأخلاق مطلقا لا بل إنه يهاجمها ويسخر منها. ألا يعجبك شعره؟ إنك قد أثنيت عليه مرارا في كتبك ومقالاتك.
" ــ أثنيت مرارا ولا زلت أثني على الجانب الفني من شعره ؛ لأنه مليء بالصور المبتكرة والموسيقى الملونة. ونزار شاعر أصيل مبدع ؛ ولكني كنت أنفر دائما من الوشاح الجنسي الذي يلف كثيرا من قصائده. إن القصائد التي أحبها من شعر نزار هي دائما القصائد التي يرصها في الأقسام الأولى من مجموعاته الشعرية ويكون فيها جانب روحاني إلى حد ما. أما الأقسام الأخيرة من كتبه ففيها يلوح الشاعر وكأنه شرير قاس تمتلئ قصائده بالبثور المشوهة، وهذا الشعر لا فن فيه ولا يشف عن شيء. وتولد القصائد مقتولة.".

19 - ديسمبر - 2009
أهدى سبيل في صناعة الشعر الحر
مضمون الشعر هو المهم وليس شكله الفني     ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

على أن الذين يرمون شعراء التفعيلة بالكفر يخوضون معركة خاسرة.. فمتى كان الشكل الفني يزيد في الإيمان أو يخرج من الملة؟ من يزعم أن شاعرًا كالسيّاب، مهما اختلفنا معه، كان ضحل الثقافة لارتكابه جريمة كتابة القصيدة التفعيلية؟
هذه أول مرة أطالع فيها ، أنا شخصيا ، أن هناك من رمى شعراء التفعيلة بالكفر بسبب الشكل الفني ، ولا ادري مصدر هذه المعلومة .
الاتهام بالكفر يمكن أن يلحق شاعرا أو أكثر ، أو كاتبا ، أو قاصا بسبب مضامين فكره وليس بسبب الشكل الفني لشعره أو أدبه . فرباعيات الخيام مثلا (إن صحت كلها أنها للخيام) تضمن بعضها ما يمكن أن يكون سببا لاتهام الخيام بالزيغ عن صحيح الاعتقاد على الرغم من إعجاب المتهمين (بخفض الهاء) من الناس بشكلها الفني إعجابا بينا . أما بدر شاكر السياب، فلا أظن أن هناك من زعم أن السياب كان ضحل الثقافة( أفهم الثقافة هنا بأنها المعرفة) . هناك من قال بأن السياب كان أصيلا أكثر من بعض شعراء التفعيلة الرواد بسبب انه لم يوظف اطلاعه على الثقافة الإنكليزية ( أعني هنا ما يخص الإنجليز من قيم) على حساب الثقافة العربية . أما الشكل الفني لشعر التفعيلة فقد هاجمه الكثيرون في الخمسينيات والستينيات بسبب خروجه على عمود الشعر، وكان من المهاجمين شعراء عموديون مشاهير، وكان الرأي العام في صف المهاجمين . أما وقد أصبح شعر التفعيلة شائعا( سبب الشيوع له أسباب متعددة ) لدرجة أن ركب موجته العدد الغفير من الشعراء ومنهم عموديون في الأصل ، فلم يبق لمعارض حجة يحتج بها . بل إن هواة نظم الشعر الحر من المتدينين ( المتدينون عادة يتمسكون بالتراث الأدبي أكثر من غيرهم) قصائدهم التفعيلية بدأت تنتشر في المنتديات على الشبكة انتشارا واسعا ، وفي الصحف والمجلات ، وغدا بعضهم يخشى من مهاجمة الشكل الفني لما يسمى بقصيدة النثر؛ خشية أن يأتي يوم تشيع فيه هذه القصيدة كما شاع شعر التفعيلة فيصعب عليهم عندها التراجع عن أقوالهم . على أن المتابع لأحوال الشعر الحر ليس من جهة تعدد أشكاله الفنية وحسب ، فهذا ليس بذي أهمية كبرى ؛ وإنما الأهمية لمقدار ونوعية الشاعرية التي في معظمه هذه الأيام ؛ وما فيه من تعمية مضحكة ، وما فيه من تقليد للشعر الأجنبي، لن يلام إذا نبذ معظمه وراء ظهره .
بقي أن أذكر أن الشعر العمودي لم يتراجع بسبب موت العمالقة . فالعمالقة من شعراء العمود مات منهم الآلاف  وجاء بعدهم مثلهم ثم ماتوا وجاء بعد أولئك الذين ماتوا غيرهم ، وسوف يظل الموت وتظل الحياة يتعاقبان إلى ما شاء الله . المهم عندي هو أن يتمكن الشاعر في هذا العصر ،عموديا كان أو تفعيليا أو من النوعين ، من إيجاد المضمون المناسب للشعور والإحساس الذي ينتابه ، هذ1، إذا انتابه شعور أو إحساس يستحق أن يصاغ شعرا. إن زماننا هذا لم تعد فيه للقيم الجميلة أمكنة تعشش فيها ثم تبيض وتفرخ جيلا بعد جيل حتى نحس بفيض العواطف الجياشة يسري في أوصالنا كما سرى في أوصال آبائنا وأجدادنا . لقد طغت المصالح المادية على المشاعر الأدبية طغيانا بات يهدد الأسرة نفسها ، وهي لبنة بناء المجتمع ، وبات الواحد منا يعاف نفسه قبل أن يعاف غيره .
أقول لحضرتك أيها القارئ الكريم : لو أن بدر شاكر السياب ، مثلا ، نشره الله الآن، ليفيق فيرى العراق صار دما مهراقا  ، ويرى ( وهو الذي مال إلى الشيوعية) الاتحاد السوفييتي صار رأسماليا أكثر من الغرب ، ويرى فلسطين ولم يبق منها إلا الاسم ، وقالوا له إن جدارا فولاذيا تبنيه مصر حول غزة ، ويرى الوفاء والصدق والإخلاص أسماء من دون مسمى ، ويرى أصدقاء إسرائيل من العرب أكثر من غير العرب ، ويرى ويرى...فهل يمكنه عندها أن يبتدع لنا مثلما ابتدع في الأول : عيناك غابتا نخيل... وغيرها؟! من جهتي لا أظن ذلك.
 
 
 
 

21 - ديسمبر - 2009
أهدى سبيل في صناعة الشعر الحر
براغيث محجوب    كن أول من يقيّم

تحية طيبة لأستاذنا زين الدين ، وللسراة والقراء الأكارم ، وشكرا له على المقال الطريف ،
وتعليقا على ما ورد في المقال من القول بأن أهل الشام قاطبة ينطقون القاف همزة ، أقول إنه قول غير دقيق . فأهل المدن الشامية الذين يبدلون الهمزة بالقاف آباؤهم لم يفعلوا ذلك كلهم . فقد نطقوا بالقاف القرءانية ، ونطق بعضهم بالهمزة بدلا من القاف  ، وما زال منهم من الصنف الأول من يعيش بيننا في هذه الأيام . أما إخواننا من العرب الدروز ، في سوريا وفلسطين ولبنان ، فقافهم العربية معروفة مشهورة . كما أن أهل القرى الفلسطينية  ينطقون القاف كافا أحيانا ولا ينطقونها همزة أبدا، وهم أيضا ينطقون القاف غينا مثل السودانيين في كلمتين : عند قولهم مثلا : " أنا مش غادر..."، يعنون بغادر: قادر  ، وعند قولهم مثلا " لا تزغزغ الولد " يريدون بها الزقزقة، وهي ان تضع أصابعك في خاصرة الصبي لإضحاكه . وعلى اية حال، فهناك من يقول بأن القاف ربما تنقلب إلى همزة او العكس ، ويوردون على ذلك شواهد لغوية أوردتها كتب اللغة .
ولقد ذكرني هذا المقال الطريف بقصيدة طريفة أخرى لأمير الشعراء قالها في براغيث  الدكتور محجوب صديقه ، وكنت قد طالعتها في عدد من أعداد مجلة الرسالة الزياتية ، تحت عنوان : مداعبة شوقية لم تنشر / براغيث محجوب . وها هي ، أنقلها لمن لم يطلع عليها :
براغيثُ محجوبَ لم أنسها  ولم أنس ما طعِمَت من دمي
تشقُّ خراطيمُها جوربي   وتنفذ في اللحم والأعظُم
وكنتُ إذا الصيف راح  احتجمـتُ  فجاء الخريف ولم أُحجم
ترحبُ بالضيف فوق الطريـق   فباب العيادة فالسلم
قد انتشرت جوقة "جوقة"   كما رُشّت الأرض بالسمسم
وترقص رقص المواسي الحدادِ  على الجلد والعَلق الأسحم
بواكير تطلع قبل الشتاء   وترفع ألوية الموسم
إذا ما ابن سينا رمى بلغما   رأيت البراغيث في البلغم
وتبصرها حول "بيبا" الرئيــس   وفي شاربيه وحول الفم
وبين حفائر أسنانه   مع السوس في طلب المطعم

21 - ديسمبر - 2009
أمـــة القـــاف
بيني وبين البراغيث ثأر    كن أول من يقيّم

 
 وكنت قبل مدة قد ورطت نفسي بتسميد أرض حديقة منزلي بسماد عضوي من بعر الشاة ، تبرع لي به صديق لي واحضر منه خمسة عشر كيسا، وأوصاني بتفريغها من محتواها وخلطه بتراب الأرض . ولما خشيت من انتشار رائحة السماد؛ فضلت أن ابقي على الأكياس مغلقة حتى يقترب موعد المطر . بعد أسبوع تقريبا انتشرت البراغيث حول المنزل وفي داخله انتشارا أوسع من انتشار الجراد ، مما أحال حياة أسرتي جحيما لم يذقه أولادي طوال حياتهم . أما الذي كان يقترب من الأكياس فيا ويله ويا سواد ليله . فهذه البراغيث تقفز بالجملة عليه كما تقفز السباع على فرائسها في مجاعة ، ثم تعلق به وبملابسه علوقا لا فكاك له منه إلا أن يستحم كل ساعة لتعود بعدها البراغيث تنهش في بدنه نهش الوحوش الضواري . قمت برش الأكياس بنوع من مبيدات البراغيث ولكن عبثا كان الرش وقد استفحل شرها استفحالا ، وباتت المبيدات غير ذات جدوى!
فكرت بالتخلص من الأكياس ؛ ولكن كيف وأنا لا أقبل بأن أسبب ضررا لأحد من الجيران ولو كان الجار الثلاثين؟! قام أبنائي بدفن ما في الأكياس في التراب دفنا ، ثم رشوا عليها من الماء الغزير المتدفق من خرطوم طويل رشّا ، فتقلص هجومها ، إلا أنه لم يتوقف تماما حتى انعم الله علينا بشتاء ماطر غزير المطر .
قصتي مع البراغيث جعلتني أعود إلى صورة مخطوطة كنت حملتها من الشبكة من زمان ولم أطالعها رغم أني دهشت يوم تحميلها من عنوانها الذي يوحي بأن للبراغيث فوائد لا أعلمها . والمخطوطة بعنوان : " الطرثوث في فوائد البرغوث" للإمام الجلال السيوطي . ولم أكن أعرف ما هو الطرثوث، فإذا به نوع من النبات يشبه الفطر ، ويبدو أن الناس في عصر السيوطي كانوا يستجيدونه ، وإلا لماذا سمى السيوطي رسالته بالطرثوث...؟!
المهم أني عرفت من فوائد البرغوث اثنتين رواهما السيوطي نظما على لسان ناظم :
لا تكره البرغوث إن اسمه بـرّ  وغوث لك لو iiتدري
فـبـره مـص دم iiفـاسد وغـوثـه  الإيقاظ iiللفجر
يمص ما فسد من الدم على زعمهم ، ويوقظ لصلاة الفجر ، وان أصل اسمه برّ وغوث .على أن المخطوطة ذكرت مضار البرغوث ذكرا كثيرا ؛ ولكنها جعلت فوائده عنوانا لها لما جاء في الأثر ، وذكره السيوطي ، من النهي عن سب البرغوث كما يبدو .
بقي القول : عجبا والله لقوة البرغوث ما اشدها! لقد شاهدته على شاشة التلفاز يجر عربة أثقل منه بمرات يصعب حصرها، فكان كالخيل او البغال أو اشد قوة منهما بالقياس إلى حجمه . وشاهدته وقد وضعوا عليه قطعة عملة معدنية يفوق وزنها وزنه ربما مئات المرات ، فإذا به يقفز من تحتها؛ فيقلبها ويتخلص منها ، فسبحان الله الخالق .
 
 

21 - ديسمبر - 2009
أمـــة القـــاف
بين العقل والعاطفة    كن أول من يقيّم

بسم الله وعليه توكلنا
ولنبدأ التعقيب على المشاركات بالترتيب ،
وتحياتي لجميع الإخوة الأحباب 
الشعر ظاهرة موسيقية.. 
وبغير الموسيقى لن يكون الشعر شعراً.
تحية طيبة أستاذنا وحبيبنا الأمير عمر خلوف ، الذي كم أفدنا ، ولا زلنا نفيد ، من علمه الغزير بارك الله فيه.
 ولقد ورطت نفسي بين أمير ودكتور جامعة ، فكان الله في عوني . ورطة عقباها فوائد جمة لي قبل غيري إن شاء الله، وله الحمد والمنة. ولقد فهمت من مشاركة أمير عروضنا أنه لا يرى في الأشعار ذات الموسيقى غير الخليلية أشعارا تستحق أن تكون أشعارا حقيقية ، وهذا ما ذكرني ببعض من مطالعاتي السابقة في مواضيع تعريف الشعر والخلاف فيه على مر العصور .
 أستاذي،
في مسألة موسيقى الشعر العمودي والشعر التفعيلي ( بغض النظر عن دقة التسميات) تتنازعني عاطفة حبي للشعر العمودي الأصيل من جهة ، ويسيطر عقلي عليها من جهة أخرى، فيرى في التجديد الشعري أمرا طبيعيا لا غضاضة فيه ،  وسوف يبدو هذا من مشاركاتي التالية :
لا أظن أن خلافا يمكن أن يدور حول ما تفضلت به من أن الشعر ظاهرة موسيقية بارزة إضافة إلى مقومات الشعر العديدة التي تجعل منه شعرا، كما أن للنثر الفني موسيقاه أيضا ، ومن دونها لن يكون نثرا فنيا ؛ ولكن الشكل الموسيقي للشعر يختلف عنه الشكل الموسيقى للنثر كما توارثنا. والسؤال المتبادر: هل الشكل الموسيقي الشعري شكل واحد ووحيد لم يتغير من لدن أجدادنا القدماء وحتى قبيل ظهور شعر التفعيلة؟
 كما تعلم حضرتك ، فإن بعض الموشحات ذوات أوزان وإيقاعات لا تتماثل وأوزان وقوافي الشعر العربي الأصيل ، وقد تأكدت من هذا، ليس مما أطالعه على الشبكة وحسب ؛ وإنما ما طالعته منذ مدة في كتاب : " فلسفة الموسيقى " لميخائيل الله ويردي ، وهو موسيقي وعروضي غزير العلم كحضرتك على ما ظهر لي من كتابه . فقد قال فيه عن الموشحات : " هي أهم ما في الشعر العربي من جهة التفنن الإيقاعي والترصيع الموسيقي" . وقد استخرج مؤلف الكتاب من دوائر الخليل أوزانا عديدة ، ولم يقل إن الموشحات مستخرجة من دوائر الخليل . وفوق ذلك فلا بد انك تعلم أن البند عد لدى بعض الباحثين ، ومنهم نازك الملائكة ، إرهاصا من إرهاصات شعر التفعيلة المعاصر ولو من جهة الشكل وحده .
إن موشح ابن زهر : " ما للموله من سكره لا يفيقْ..." ، والذي ذكره ابن خلدون في مقدمته ، يتخذ منه بعض الباحثين دليلا على تشابهه مع شعر التفعيلة ، بل إنهم يرون في أوزان شعر التفعيلة قربا من أوزان الخليل أكبر من قرب بعض الموشحات منه . فإذا كان ذلك مؤكدا ، فليس في التجديد الوزني الشعري الخارج على الأوزان المتوارثة غرابة تدعو إلى رفض أو انتقاص ما استحسنه المغاربة والمشارقة من فن الموشحات ، وشاع لديهم شيوعا كثيرا كان الغناء سببا رئيسا فيه ، وهو لا يجري كله على أوزان الخليل . وهذا يمكن أن يدعونا إلى عدم الانتقاص من شعر التفعيلة الجيد إذا اخذنا بحسابنا أن الذائقة الموسيقية ربما تتغير ولو شيئا قليلا على مر العصور لأسباب شتى !
ولقد قمت بترتيب كتابة موشح " ما للموله " على الطريقة التفعيلية المعاصرة ، بعد أن نسخته من مقدمة ابن خلدون( نشرة دار الكتاب العربي ، بيروت ، الطبعة الخامسة) فإذا بي أجده أبعد في المسافة عن أوزان الشعر العربي وقوافيه من المسافة التي يبعدها شعر التفعيلة في بحوره المتماثلة التفاعيل عنه .  وقد ألفيت هذا الموشح مكتوباعلى الشبكة بنفس الطريقة التي كتبته بها، مع بعض التباين في النص، ثم وجدت مقالا تضمن ذكر هذا الموشح (المقال على الشبكة في صحيفة الجزيرة وعنوانه : " رأي في شعر التفعيلة ")* ، وكاتبه في حينه رئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية ، د. عبد القدوس أبو صالح . وهذا هو الموشح المقصود ، ويلاحظ فيه تقسيمه التفعيلي :
 
ما للمولهْ
من سكره لا يفيقْ
ياله سكرانْ !
من غير خمر
ما للكئيب المشوقْ
يندب الأوطانْ!
هل تستعادْ
أيامنا بالخليجْ
 وليالينا!
أو يستفادْ
 من النسيم الأريجْ
مسك دارينا
وادٍ  يكادْ
حسن المكان البهيجْ
أن يحيينا!
نهر أظلهْ
 دوح عليه أنيقْ
مورق فينانْ
والماء يجري
وعائم وغريقْ
من جنى الريحانْ
هذا هو موشح ابن زهر ، الذي يقول عن موشحاته ابن خلدون إنها شرقت وغربت . ومن الواضح لي ، رغم أني لست خبيرا بعلم العروض ، أن وزن هذا الموشح وقوافيه لم تسر على النهج الذي سار عليه الشعر العربي الموزون المقفى ، ولا على موسيقيته وإيقاعاته كما بينت آنفا، ومع ذلك ذاع صيته وشاع أكثر من الأشعار المتداولة ، التي التزمت عمود الشعر تمام الالتزام. وهذا يقودني إلى التساؤل : لم أقبلت الذائقة العربية على الإعجاب  بالموشحات مع أنها، ولو في قسم منها، لا تسير على أوزان الخليل، والذين أعجبوا بها لسانهم الغالب هو اللسان العربي ، وثقافتهم في معظمها ثقافة عربية إسلامية!
والناظر في حال الشعر العربي الحر(شعر التفعيلة) يجده، عند رواده بشكله العربي، لم يبعد كثيرا بموسيقاه من موسيقى الشعر العمودي ذي البحور الشعرية الأصيلة ، وذات التفاعيل المتماثلة على وجه الخصوص ، بل إنه يظهر لي، كما ظهر لغيري، قرب شعر التفعيلة من بحور الشعر العربي أكثر من قرب موشح ابن زهر إليها . أما شعر التفعيلة التالي لشعر الرواد ، وما تلاه من أشعار تفعيلية في هذه الأيام ، فهي أبعد عن أوزان الخليل وقوافيها، كما يبدو . حاصل الأمر هو أن موسيقى الشعر يمكن أن تتبدل على مر العصور ، وان الذائقة الموسيقية العربية والعالمية لم تبق على حال واحدة . فالثقافات تتمازج لأسباب عديدة ، ولا يمكننا أن نعد ثقافة الجاحظ  الأدبية، مثلا ، ثقافة أدبية عربية خالصة كما كانت ثقافة أدباء عرب الجاهلية كامريء القيس والنابغة وغيرهما من ساكني شبه الجزيرة العربية ، فالجاحظ ربما يكون أخذ من ثقافات الشعوب التي كانت على اتصال وثيق بالدولة العربية الإسلامية ، من الفرس والترك والروم وغيرهم ، أكبر كما وأكثر تنويعا مما أخذ عرب الجاهلية، هذا غير مطالعتة الكتب المترجمة من كتب الروم  والأغارقة .
وللموضوع، بإذن الله ، بقية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

23 - ديسمبر - 2009
أهدى سبيل في صناعة الشعر الحر
موسيقى الشعر تتولد من انفعال المشاعر    كن أول من يقيّم

وشاعر التفعيلة اليوم، خسر بهجرانه الإيقاعات المركبة، طاقة موسيقية هائلة تقدمها له بحور الشعر العربية المركبة
" عمرك أطول من عمري إن شاء الله" ، فهذا ما كنت أنوي قوله ؛ ولكن طبيعة الشعر الحر تبعد عن القيود ما أمكنها ، فهي طبيعة تجعل موسيقى الشعر تتولد من الانفعالات والأحاسيس التي يحتويها وجدان الشاعر، لا أن يكون التعبير عن هذا الوجدان مقيدا بقالب موسيقي إيقاعي معين سلفا. والأصل في ابتداع أوزان الشعر العربي وإيقاعاته منذ نشأتها أنها لا بد وكانت تعبيرا عما في نفوس الشعراء الذين ابتدعوها . هذا التعبير يتباين بين شاعر وشاعر ، وبين مضمون ومضمون ، وبين موقف وموقف ، وبين زمان وزمان ؛ فتتباين الأوزان وتتعدد حتى تصل إلى ستة عشر بحرا تناقلتها الشعراء حتى أصلتها عبقرية الخليل في زمنه دون أن يلزم الخليل أحدا بعدم الزيادة عليها أو عدم نقدها، ودون ان يجزم احد بأن هذه البحور وحدها هي ما ابتدعته الذائقة الشعرية العربية القديمة . ومما يروى في كتب التراث الأدبي عن تصرف أبي العتاهية في أوزان الشعر ، وما يروى عمن قبل أبي العتاهية من شعراء جاهليين ظن بعضنا  أنهم وقعوا في الإخلال بأوزان الشعر العربي ، يجعلنا نميل إلى صحة القول بأن الأوزان تنطلق من ذائقة وشاعرية الشاعر في الأصل ، وإلا من أين أتت بحور الشعر حتى يلتزمها الشعراء وينظموا عليها!  
إن شعر التفعيلة المعاصر هذا لم يتعد على أوزان الخليل تعديا ، ولا إنه انتقص من الحاجة إليها ، بل إنه جعل للمضامين الشعرية ما يناسبها من الشعر من كلا النوعين لدرجة أن بعض القصائد التفعيلية  احتوت على النوعين في القصيدة الواحدة ، مع أن ذلك كان على قلة . ومن خلال مطالعاتي السابقة أخبار المرحومة نازك الملائكة النقدية تبين لي أنها لم تكن تقلل من قيمة الشعر العمودي أبدا ، وقد نظمت عليه قصائد كثيرة ؛ ولكنها ، كما علمت ممن اطلعوا على دفاتر أسرتها ونشر بعض ما فيها على الشبكة ، كانت ترى في ما تنظمه من شعر عمودي أنه لا يعبر كله دائما عما في نفسها كما ترغب هي ، ووجدت في التصرف في عدد التفاعيل وأشكال القوافي متنفسا لها للتعبير الأصدق . على أن إعجابها بالشعراء الغربيين ، خاصة جون كيتس ، وبالموسيقيين من الأجانب ، خاصة تشايكوفسكي ، واللذين كتبت في كل واحد منهما قصيدة على الأقل ، هو ما جعلها وفقا لظني ترى في شعر التفعيلة مساحة اكبر للتعبير المعاصر مما في الشعر العمودي من مساحة ، والسبب هو اختلاف المضامين الشعرية الحديثة ما بين شرق وغرب . كانت نازك الملائكة من المعجبين كثيرا بالشعر الرومانسي الوجداني ، وكان إعجابها بمحمود حسن إسماعيل ، وعلي محمود طه ، ومن مثلهما، دافعا لها لتتبين مصدر ثقافة أولئك الشعراء الوجدانيين الأدبية ، تلك الثقافة التي امتزجت بثقافاتهم الأدبية العربية ، ليتولد من هذا الامتزاج شعر عربي مضمونه جديد وصوره الشعرية مستحدثة ، وتراكيبه اللغوية بعضها مستحدث أيضا ، وهذا ، وفقا لما أظن ، كان سببا في سعي نازك الملائكة إلى مطالعة الأدب الغربي ، وكان سببا بالتالي لتأثرها بهذا الأدب ، الذي إذا ترجم إلى العربية بأسلوب النثر الفني نتج عن هذه الترجمة شكل من الكتابة الأدبية تجعل كاتبها يفطن إلى أن الشاعرية فيه يمكن أن تصاغ بقالب وزني قريب من القالب العربي الأصيل، وأن فيه حرية للتعبير أكثر كما أثر عن نازك الملائكة . وقد تم هذا الشعر لمحمود حسن إسماعيل قبل أن يتم لنازك الملائكة بأكثر من عقدين من السنين ، حين كتب قصيدة بعنوان : " مأتم الطبيعة" نشرتها مجلة " أبوللو " عام 1933، جاء فيها :
أطرق الطير على هام الغصون
كذبيح نفرت فيه الكلام
ودجا الكون وسجّاه السكون
بدثار الموت، والموت ظلامْ
وذكا فيه لهابا للشجونْ
أخرس الشادي بشجو وغرام
أي خطب قد دهاه!
وأسى أطبق فاه!
ولقد عقد د.محمود الدغيم * ( الذي نقلنا القصيدة من موقعة على الشبكة) مقارنة بين قصيدة محمود حسن إسماعيل التي ذكرتها وقصيدة " الكوليرا" لنازك الملائكة ، و قمت بمطالعة هذه  المقارنة فوجدت فيها ضالتي التي انشدها لتؤيد ما ذهبت إليه آنفا من أن وجدان الشاعر هو الذي يبتدع القالب الوزني المناسب للتعبير عما في ذلك الوجدان من شاعرية . وهذا ما يبين الفرق بين شاعر التفعيلة الحقيقي والشاعر العمودي ، وهو أن شاعر التفعيلة يطوع الموسيقى لانفعالاته الوجدانية ، بينما الشاعر الملتزم بحور الشعر يطوع لغته وما في وجدانه لأوزانها تطويعا . ويشبه عمل من يطوع شعره لوزن محكوم سلفا، عمل الذي يضع لحنا لأغنية لم تكتب كلماتها بعد . ويقال إن هذا كان يحصل بالفعل عند بعض الملحنين ، خاصة عند تلحينهم أغاني الأفلام السينمائية . على أن الشعراء العرب، الذين أبدعوا في شعرهم أيما إبداع حين جروا على الأوزان الخليلية، ما أعانهم على هذا الإبداع المقيد بالوزن إلا التوافق بين ما يريدون التعبير عنه وبين الأوزان الشعرية الأصيلة ، فترى نظمهم ينساب مع الإيقاعات الشعرية المناسبة والحاضرة دوما في أذهانهم دون قصد ، وكان كل إيقاع منها يفي بإظهار شاعرية ذات مضمون معين ، وان هذه الإيقاعات نشأ الناس على حفظها وتكرارها آلاف المرات ، حتى انطبق عليهم قول الشاعر :
وينشأ ناشيء الفتيان منا = على ما كان عوده أبوه
يتبع إن شاء الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* http://dr-mahmoud.com/index.php?option=com_content&task=view&id=264&Itemid=56
 
 
 
 

23 - ديسمبر - 2009
أهدى سبيل في صناعة الشعر الحر
الشعر الوجداني القديم لن نوليه ظهورنا    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

ولقد عادت بعض أغراض الشعر العربي القديم كما نعلم كلنا أدراجها واستقرت في عصورها التي نشأت فيها ولم تعد متبعة في هذا العصر ، كأغراض الغزل الحسي الماجن الخليع ، والنسيب ، والتشبيب ، والمدح والهجاء الشخصيان، ومدح بنت الحان وكؤوسها ، وقبل ذلك، ولى الوقوف الجاهلي على الأطلال* ،على الرغم من روعته، منذ أيام وقوف النواسي على الخمارات . أما الشعر الوجداني القديم فلم يوله احد ظهره فارا منه ، بل ما زال ، وسيظل إلى ما شاء الله، يفعل فعله في نفوس قارئيه ، وما زالوا يستعيدون مطالعته مرات ومرات ، فهو شعر مضمونه يصلح لكل عصر ولكل مصر ، ولكل امة عربية كانت أو غير عربية تؤمن بالله ، فهو عالمي الانتماء لا شك في ذلك . وتحضرني الآن، كمثال عليه،  قصيدة ابن الرومي الشاعر الفذ حين قال :
بات يدعو الواحد الصمدا فـي  ظلام الليل iiمنفردا
خـادم لـم تُـبْقِ iiخدمتُه مـنه لا رُوحاً ولا iiجَسدا
قد  جفتْ عيناه iiغمْضَهما والـخليُّ  القلبِ قد iiرقدا
فـي حـشاه من iiمخافته حُـرُقـاتٌ تـلْذع iiالكبِدا
لـو  تراه وهو iiمنتصب مُـشْـعِرٌ  أجفانَه iiالسُّهُدا
كـلـمـا  مَرَّ الوعيدُ به سـحَّ  دمعُ العين فاطَّردا
ووهـت أركـانه iiجزعاً وارتـقت  أنفاسه iiصُعُدا
قـائـلٌ  يا منتهى iiأملي نـجِّـني مما أخاف iiغدا
أنـا  عـبدٌ غرّني iiأملي وكـأنَّ الـموتَ قد iiوردا
إلى آخر هذه القصيدة المعبرة المؤثرة... وهي من قصائد الموسوعة الشعرية في إصدارها الثالث.
ومن الشعر الوجداني المعاصر ، الذي يلتزم عمود الشعر ، وعلى إيقاع مجزوء الكامل المرفل على ما أعلم، ولا أظن بصاحبه أنه تأثرا كثيرا بغير الأدب العربي، أنقل الأبيات الشعرية التالية ، والتي ما عرفتها إلا لأني سمعتها مغناة . أما الأبيات المسبوقة بنجمة فهي التي ترنم بها عبد الوهاب على سلم موسيقي عربي أصيل ، أصيل في اسمه وأصيل في رسمه ، ألا وهو مقام " حجاز" :
*يا ليل صمتك راحة  للموجعين أسىً وكربا
*خففتَ من آلامهم  ووسعتـَهم رفقاً وحبا
أوَ ما ترى حدَث الزمان أمضّهم عسفاً وغلبا
يا ليل إن بسَم الخليُّ ُوسادرٌ لهواً ولعبا
فبحينه يبكي الشجيُّ وربما لم يأت ذنبا
هذا يـُنعَّمُ باله وأخوه يصلى النار غصبا
*يا ليل فارو محدثاً أخبارنا غباً فغبا
*فلنا بذلك حاجة إن تقضها فرجت كربا
وابدأ حديثك بالألىعانوْا من الآلام وصبا
فعسى بهم نأسو وعلَّ لنا بذلك منه طبا
*يا ليل ما للبدر يمـرح في السما شرقا وغربا
*يبدو فيضحك ساخرا منا وطورا قد تخبا
*يعلو على متن السحاب يسوقها سربا فسربا
*أتراه يعبث كالوليد فليس يخشى بعد عتبا
*يا ليل حزنك دائم أدعوك للسلوى فتأبى
يا ليل هل لك موطن مثلي قضى قتلا ونهبا
يا ليل ما لك مطرق أبدا فقد أمضيت حقبا
*يا ليل هل ذقت الغرام ولوْعه أو كنت صبّا!
*سري وسرك غامض فدع الخلائق منك غضبى
*يا ليل ما شأن الغزالة سيرها تيها وعجبا
سكرى ترنح عِطفها دلاًّ فلا تسطيع خبا
تخذت لها مهد السماء كمرقص فتدب دبا
طردت إليك بناتها فضممتهن إليك ربا
تلك النجوم المشرقات وجوهها بشراً وحبا
*يا ليل لو أن الغزالة سرها قد كان غيبا
*لم تفش من مكنونها أمراً ولو لم تأت عيبا
*لغدت بنا الأمثال تـُضرب في الورى جمعاً وصحبا
البيت الأخير تلفظ به عبد الوهاب هكذا :
لغدت بنا الآمال تـَضرب في الورى جمعا وصحبا
والقصيدة لشاعر الجزيرة العربية الراحل المجدد : محمد سرور الصبان . وهي قصيدة لا إبهام فيها ولا تعمية ؛ وإنما هو الغموض الشعري المستحب الذي تلقي بظلاله علينا صور القصيدة الشعرية .
وبعد،
فهل أدى الشعر التفعيلي المعاصر وظيفة الشعر التي من المفترض أن يكون أثرها واضحا بينا على أمتنا العربية والإسلامية كما أداها الشعر العربي الأصيل؟ أم فاق  التفعيلي العمودي في الأداء، أم انحسر أداؤه وفعله وأثره في حفنة من ذوي المعرفة والثقافة الممتزجة لا غير؟ وهل كان شعر التفعيلة سببا في تراجع انتشار الشعر العمودي حتى المعاصر منه عن اشتهاره الذي كان قبل بضعة عقود، أم ان هناك سبب آخر؟ وهل انحطاط مستوى الشعر أو ارتفاعه وغيره من الفنون دليل على انحطاط حال الأمة أو على تقدمها؟ وما مسببات ذلك كله؟ تساؤلات تدور في وجداني المثقل ، مثلي في ذلك مثل الملايين من أبناء الأمة ، بالعديد من القضايا التي تمس حال الأمة عبر تاريخها الطويل . فالشعر عندي ليس ترفا ومتعة شخصية بمقدار ما يمكن أن يكون له الأثر البعيد الغور في تشكيل حال الفرد وحال نفسيته وعطائه وحال ثقافته، وبالتالي حال أمة من الأمم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الوقوف على الذكريات هو الوقوف على الأطلال بعينه ، وبهذا لم نفقد روعة الوقوف على الأطلال في الشعر العربي .

24 - ديسمبر - 2009
أهدى سبيل في صناعة الشعر الحر
 42  43  44  45  46