الشعر الوجداني القديم لن نوليه ظهورنا     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
ولقد عادت بعض أغراض الشعر العربي القديم كما نعلم كلنا أدراجها واستقرت في عصورها التي نشأت فيها ولم تعد متبعة في هذا العصر ، كأغراض الغزل الحسي الماجن الخليع ، والنسيب ، والتشبيب ، والمدح والهجاء الشخصيان، ومدح بنت الحان وكؤوسها ، وقبل ذلك، ولى الوقوف الجاهلي على الأطلال* ،على الرغم من روعته، منذ أيام وقوف النواسي على الخمارات . أما الشعر الوجداني القديم فلم يوله احد ظهره فارا منه ، بل ما زال ، وسيظل إلى ما شاء الله، يفعل فعله في نفوس قارئيه ، وما زالوا يستعيدون مطالعته مرات ومرات ، فهو شعر مضمونه يصلح لكل عصر ولكل مصر ، ولكل امة عربية كانت أو غير عربية تؤمن بالله ، فهو عالمي الانتماء لا شك في ذلك . وتحضرني الآن، كمثال عليه، قصيدة ابن الرومي الشاعر الفذ حين قال : | بات يدعو الواحد الصمدا | | فـي ظلام الليل iiمنفردا | | خـادم لـم تُـبْقِ iiخدمتُه | | مـنه لا رُوحاً ولا iiجَسدا | | قد جفتْ عيناه iiغمْضَهما | | والـخليُّ القلبِ قد iiرقدا | | فـي حـشاه من iiمخافته | | حُـرُقـاتٌ تـلْذع iiالكبِدا | | لـو تراه وهو iiمنتصب | | مُـشْـعِرٌ أجفانَه iiالسُّهُدا | | كـلـمـا مَرَّ الوعيدُ به | | سـحَّ دمعُ العين فاطَّردا | | ووهـت أركـانه iiجزعاً | | وارتـقت أنفاسه iiصُعُدا | | قـائـلٌ يا منتهى iiأملي | | نـجِّـني مما أخاف iiغدا | | أنـا عـبدٌ غرّني iiأملي | | وكـأنَّ الـموتَ قد iiوردا | إلى آخر هذه القصيدة المعبرة المؤثرة... وهي من قصائد الموسوعة الشعرية في إصدارها الثالث. ومن الشعر الوجداني المعاصر ، الذي يلتزم عمود الشعر ، وعلى إيقاع مجزوء الكامل المرفل على ما أعلم، ولا أظن بصاحبه أنه تأثرا كثيرا بغير الأدب العربي، أنقل الأبيات الشعرية التالية ، والتي ما عرفتها إلا لأني سمعتها مغناة . أما الأبيات المسبوقة بنجمة فهي التي ترنم بها عبد الوهاب على سلم موسيقي عربي أصيل ، أصيل في اسمه وأصيل في رسمه ، ألا وهو مقام " حجاز" : *يا ليل صمتك راحة للموجعين أسىً وكربا *خففتَ من آلامهم ووسعتـَهم رفقاً وحبا أوَ ما ترى حدَث الزمان أمضّهم عسفاً وغلبا يا ليل إن بسَم الخليُّ ُوسادرٌ لهواً ولعبا فبحينه يبكي الشجيُّ وربما لم يأت ذنبا هذا يـُنعَّمُ باله وأخوه يصلى النار غصبا *يا ليل فارو محدثاً أخبارنا غباً فغبا *فلنا بذلك حاجة إن تقضها فرجت كربا وابدأ حديثك بالألىعانوْا من الآلام وصبا فعسى بهم نأسو وعلَّ لنا بذلك منه طبا *يا ليل ما للبدر يمـرح في السما شرقا وغربا *يبدو فيضحك ساخرا منا وطورا قد تخبا *يعلو على متن السحاب يسوقها سربا فسربا *أتراه يعبث كالوليد فليس يخشى بعد عتبا *يا ليل حزنك دائم أدعوك للسلوى فتأبى يا ليل هل لك موطن مثلي قضى قتلا ونهبا يا ليل ما لك مطرق أبدا فقد أمضيت حقبا *يا ليل هل ذقت الغرام ولوْعه أو كنت صبّا! *سري وسرك غامض فدع الخلائق منك غضبى *يا ليل ما شأن الغزالة سيرها تيها وعجبا سكرى ترنح عِطفها دلاًّ فلا تسطيع خبا تخذت لها مهد السماء كمرقص فتدب دبا طردت إليك بناتها فضممتهن إليك ربا تلك النجوم المشرقات وجوهها بشراً وحبا *يا ليل لو أن الغزالة سرها قد كان غيبا *لم تفش من مكنونها أمراً ولو لم تأت عيبا *لغدت بنا الأمثال تـُضرب في الورى جمعاً وصحبا البيت الأخير تلفظ به عبد الوهاب هكذا : لغدت بنا الآمال تـَضرب في الورى جمعا وصحبا والقصيدة لشاعر الجزيرة العربية الراحل المجدد : محمد سرور الصبان . وهي قصيدة لا إبهام فيها ولا تعمية ؛ وإنما هو الغموض الشعري المستحب الذي تلقي بظلاله علينا صور القصيدة الشعرية . وبعد، فهل أدى الشعر التفعيلي المعاصر وظيفة الشعر التي من المفترض أن يكون أثرها واضحا بينا على أمتنا العربية والإسلامية كما أداها الشعر العربي الأصيل؟ أم فاق التفعيلي العمودي في الأداء، أم انحسر أداؤه وفعله وأثره في حفنة من ذوي المعرفة والثقافة الممتزجة لا غير؟ وهل كان شعر التفعيلة سببا في تراجع انتشار الشعر العمودي حتى المعاصر منه عن اشتهاره الذي كان قبل بضعة عقود، أم ان هناك سبب آخر؟ وهل انحطاط مستوى الشعر أو ارتفاعه وغيره من الفنون دليل على انحطاط حال الأمة أو على تقدمها؟ وما مسببات ذلك كله؟ تساؤلات تدور في وجداني المثقل ، مثلي في ذلك مثل الملايين من أبناء الأمة ، بالعديد من القضايا التي تمس حال الأمة عبر تاريخها الطويل . فالشعر عندي ليس ترفا ومتعة شخصية بمقدار ما يمكن أن يكون له الأثر البعيد الغور في تشكيل حال الفرد وحال نفسيته وعطائه وحال ثقافته، وبالتالي حال أمة من الأمم . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * الوقوف على الذكريات هو الوقوف على الأطلال بعينه ، وبهذا لم نفقد روعة الوقوف على الأطلال في الشعر العربي . |