البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات abdelhafid akouh

 42  43  44  45  46 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
يا مـحـمـد..    كن أول من يقيّم

 
يا محمد.. صاحب شفاعة
والنور الهادي
أمحمد كن لي شفيع
ف يوم الميعاد
أمحمد بك كـنشهد
من بعد الله
داعين الرحمـه يا النبي
عظيم الشان.....
(هذا ما أسعفتني به ذاكرتي..وهومقطع من أغنية مغربية دينية )
 
Image hosted by allyoucanupload.com
وهذه بطاقة من إنجازي ، من وحي السنة الهجرية الجديدة .
وكل عام وأنتم بخير

11 - يناير - 2008
كناشة الفوائد و النكت
حوار مع هاوارد غاردنر Howard Gardner..    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

الذكاءات المتعددة:
من التأسيس العلمي إلى التطبيق البيداغوجي

حوار مع هاوارد غاردنر Howard Gardner
 ترجمة وتقديم: عبد الواحد أولاد الفقيهي
 
تقديم:
ثلاث سنوات تفصل بين وفاة جان بياجيه (1980) وظهور كتاب عالم النفس الأمريكي هاوارد غاردنر (1983) حول نظرية الذكاءات المتعددة[1]. إلا أن العلاقة بين الرجلين لا تتأسس فقط على أرضية التنظير للذكاء، بل تحققت قبل ذلك كحضور مباشر بينهما؛ كان ذلك في شهر أكتوبر 1975 بفرنسا خلال مناظرة علمية جمعت عالم اللسانيات نوام شومسكي وعالم النفس جان بياجيه وحضرها هاوارد غاردنر. في تقريره حول هذه المناظرة[2] ينتقد غاردنر تصور بياجيه للذكاء، بل وللعقل الإنساني عامة. ينصب هذا النقد على الجوانب الآتية:
ـ غلو في النزعة العقلانية الموحدة للعقل الإنساني.
ـ استبعاد عوامل الوسط والفوارق أو الاختلافات الفردية
ـ اعتبار التفكير الرياضي مثال ونموذج الفكر الإنساني.
ـ اعتبر الذكاء واحدا عاما يوجد بنفس الشكل لدى الجميع.
هذه الانتقادات التي طرحها غاردنر في حياة بياجيه سيطرحها أيضا بعد وفاته. فبياجيه - بحسب غاردنر- لم يركز في دراسته للنمو سوى على جانب واحد هو النمو العقلي معتبرا أن كل "الأطفال علميين" بالضرورة، وهذا معناه أن بياجيه، داخل هذا النموذج النمائي، لم يعط ما يكفي من الأهمية والاهتمام للسياقات الثقافية الأخرى غير الغربية ولم ينتبه إلى المجتمعات غير الكتابية، بل من المحتمل أن يكون هذا النموذج النمائي غير منطبق إلا على أقلية في المجتمع الغربي نفسه. أضف إلى ذلك أن بياجيه أهمل دراسة كفاءات ذهنية أخرى (غير الكفاءات العلمية: الرياضية – المنطقية) كتلك المتعلقة بالفن والمحاماة والرياضة والزعامة السياسية[3].
إن تأكيد هذه الانتقادات مرة أخرى معناه أن غاردنر يسعى إلى تفادي اختزالية نظرية بياجيه حول النمو المعرفي، بالرغم من عمقها وأهميتها، وبالتالي تجاوز تصوره حول الذكاء: "بالنسبة إلي - يقول غاردنر- توجد أدلة مقنعة على أن الإنسان يملك عدة كفاءات ذهنية مستقلة نسبيا، سوف أسميها فيما بعد، بكيفية مختصرة: الذكاءات الإنسانية"[4]. وفي سنة 1983 تحدث غاردنر عن سبعة ذكاءات: الذكاء اللغوي، الذكاء المنطقي الرياضي، الذكاء الجسمي الحركي، الذكاء الموسيقي، الذكاء الفضائي البصري، الذكاء التفاعلي، الذكاء الذاتي، ثم أضاف بعد ذلك ذكاءين: الذكاء الطبيعي والذكاء الوجودي. وأفق البحث ما زال مفتوحا أمام ذكاءات مرشحة أخرى.. على أساس أن كل ذكاء لا يعتبر كذلك إلا إذا توفرت فيه مجموعة من المؤشرات والمعايير البيولوجية والسيكولوجية والمنطقية، تشكل في مجموعها الأسس النظرية لنظرية الذكاءات المتعددة[5].
بعد تأسيسه العلمي للنظرية اشتغل جاردنر على مجالات إمكانية تطبيقها. ففي سنة 1984 أسس - مع فريقه العلمي- "مشروع الطيف" الذي يهدف إلى بناء مقاربة جديدة حول التقييم ووضع برنامج تعليمي يلائم السنوات المبكرة وفترة ما قبل المدرسة. ويقوم هذا المشروع على مبدأ أساسي مفاده أن كل طفل يظهر ويوظف مجموعة من الذكاءات، إن لم يكن من الممكن تحديد مدى قوتها فمن الممكن دعمها وتطويرها من خلال الأنشطة والمجالات التي يتفوق فيها الطفل وبواسطة برنامج تربوي مناسب ومتميز[6].
إذا كان "مشروع الطيف" يقدم برامج ما قبل مدرسية، فإن مشروع (Key School) يتعلق بالتعليم الأولي. وهناك مشروع PIFS (Practical Intelligence For School) الذي يقدم برامج للسلك الأول من التعليم الثانوي، ومشروع (Arts Propel) كبرنامج موجه لتلاميذ المستوى الثانوي.
علاوة على هذه المشاريع التي يشرف عليها غارندنر مع فريقه في مشروع الصفر Projet Zero التابع لجامعة هارفارد، هناك تجارب أخرى سابقة زمنيا على نظرية غاردنر ترسخ قوة هذه النظرية. من هذه التجارب طريقة معلم الموسيقى الياباني سوزوكي Shinichi Suzuki والتي ابتكرها قبل الحرب العالمية الثانية، وهي طريقة تقوم على تربية المهارات وتنمية الاستعدادات من خلال برامج وتقنيات حول التربية الموسيقية مبنية بشكل دقيق، ويشرع في تطبيقها منذ الولادة، وهدفها هو إعداد الأطفال ليصبحوا مؤدين موسيقيين في قمة العطاء.
هناك أيضا تجارب فردية استلهمت نظرية الذكاءات المتعددة في حقل الممارسة البيداغوجية (في وضع البرامج واستراتيجيات التعليم وفضاء التعلم وتسيير القسم والتقويم والدعم..)[7]. كما قامت عدة مؤسسات باستثمارات بحثية علمية حول النظرية، وساهمت عدة جمعيات في التعريف بها وإقرارها في برامجها وأنشطتها، وتم تقديمها عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة.. وظهرت عشرات المقالات في مجلات وجرائد وصفحات الإنترنت..
وفي المغرب، كان الفضل للدكتور أحمد أوزي في التعريف بهذه النظرية وتقديمها أمام طلبته بكلية علوم التربية- الرباط، ووضع استراتيجية لتجريبها وتطبيقها من خلال نماذج وتجارب ميدانية[8].
ولعل هذا الحوار الذي نقدمه للقارئ من شأنه أن يفتح منفذا في مسار البحث السيكولوجي والتربوي في المغرب، خاصة وأنه يقدم إشارات قوية حول الجوانب البيداغوجية لنظرية الذكاءات المتعددة وآفاق البحث فيها مستقبلا.
نص الحوار:
سؤال: أنتم مشهورون في الولايات المتحدة من خلال تأسيسكم لنظرية الذكاءات المتعددة. ما هي الوقائع التي قادتكم إلى هذه النظرية؟
غاردنر: إن العناصر الأكثر أهمية هي نتائج البحوث التي توصلت إليها مع الأطفال العاديين والموهوبين، وكذلك مع معالجين راشدين تعرضوا لتلف دماغي[9]. ونتيجة لذلك أدركت أن القوة أو الضعف في مجال عقلي معين لا يسمح بالتنبؤ بأن الشيء نفسه يحدث في مجال عقلي آخر. وخلصت حينئذ إلى أن التصور المعياري للذكاء (والذي وفقه لا يوجد سوى ذكاء واحد، هو الذكاء العام) خاطئ. وبذلك وضعت ثمانية معايير لتحديد مفهوم الذكاء، وقمت بفحص عدة ذكاءات "مرشحة" بهدف التأكد أي منها يمكن أن تنطبق عليه تلك الخاصية/المعيار. وفي سنة 1985 أبرزت سبعة ذكاءات، واليوم ارتفع عددها إلى ثمانية أو تسعة.
سؤال: لقد أسستم مشروع الطيف Projet Spectre[10] الخاص بالكشف عن المهارات التي يتميز بها طفل ما في هذا الذكاء أو ذاك. حول ماذا يتعلق هذا المشروع؟
غاردنر: إنه برنامج تربوي يقدم للأطفال الصغار (بين 3 و6 سنوات) بيئة غنية وخصبة من شأنها أن تثير عددا كبيرا من الذكاءات، بحيث يمكن لهؤلاء الأطفال استكشاف هذا الوسط الذي يعتبر بمثابة متحف لهم أكثر مما هو حجرة فصل عادي، ومن خلال ملاحظة الطريقة التي يستثمرون بها مختلف المواد والعناصر المحيطة بهم، يمكن استنباط جانبيتهم في الذكاء[11]. هناك طبعا "مهام الطيف" الأكثر شكلية والمخصصة لتحديد أصناف الذكاءات القوية والذكاءات الضعيفة لطفل ما، سواء في ارتباطها مع الذكاءات الأخرى لدى نفس الطفل، أو بمقارنتها مع ذكاءات الأطفال الآخرين. لقد تم تحويل نتائج هذا التقييم إلى "جانبية الطيف" والذي يتضمن اقتراحات عملية حول الأنشطة التي يجب مباشرتها مع الطفل حسب جاذبيته الخاصة من حيث مكامن القوة والضعف.
سؤال: أليس هناك خطر الإخلال بالتوازن حين يتعلق الأمر بتفضيل أو تشجيع مجال للذكاء يوجد مسبقا وبقوة لدى طفل ما؟
غاردنر: ليس هناك أبدا ارتباط مباشر بين نظرية علمية وبرنامج تعليمي، فكل نظرية علمية حول الذهن الإنساني تقترح العديد من التطبيقات التربوية الممكنة، والتجربة وحدها يمكن أن تدل على نوع التطبيقات التي يكون لها معنى أو تلك التي لا معنى لها. وحتى أجيب بشكل دقيق عن السؤال، لا أعتقد أنه ينبغي تركيز الاهتمام على مجال خاص من القوة لدى الطفل. في الواقع، إن مسعاي ليس على الإطلاق تحويل الأطفال إلى عباقرة في المجال الذي يتفوقون فيه، بل ينبغي فقط اكتشاف ما هي مجالات القوة والضعف لديهم. وبعد ذلك تبقى لكل واحد، انطلاقا من تقييمه الخاص، الحرية في أن يقرر ما إذا كان يفضل الاهتمام أكثر بجوانب القوة أو بجوانب الضعف للطفل، أو يفضل تجاهل النتائج. وبالمقابل ليس هناك أي مبرر للاعتقاد بأن الشخص الذي يبدو ضعيف الذكاء في لحظة ما لا يمكن أن يصبح متفوقا، بل إن ملاحظة قصور في ذكاء ما من شأنه أن يدفع هذا الشخص كي يتصرف بحماس من أجل تطوير ذلك الذكاء، فهناك العديد من الأشخاص عوضوا نواقصهم الظاهرية بالعمل الجاد، بل وأحرزوا أحيانا تفوقا في تلك المجالات. وأكثر من ذلك، يمكنني أن أقدم مثالا شخصيا: فأنا دالتوني [مصاب بعمى لوني يحول دون التمييز بين الأحمر والأخضر] ولدي رؤية مجسادية Stréoscopique ناقصة، وأحتاج إلى عدسات قوية مقومة، ومع ذلك اخترت أن أكرس أطروحتي للدكتوراه حول الفنون البصرية وقضيت وقتا طويلا في الكتابة عن العالم البصري.
هكذا يبدو أن نظرية الذكاءات المتعددة ليست هي القائمة على الحتمية، بل، بالأحرى، أن الأفراد، الذين يلاحظون قصورا عاديا لديهم، عوض أن يقوموا بتعويض ذلك القصور، يعتبرون ذلك علامة تدفعهم إلى التنازل عن مكامن تفوقهم وإهمالها.
سؤال: أين يتحدد موقعكم داخل النقاش حول مسألة الفطري والمكتسب؟
غاردنر: على غرار معظم الباحثين في البيولوجيا أرفض التعارض بين هذين المصطلحين، وأعتبر أن كل سلوك إنساني محكوم بالعنصر الوراثي، ولكن، من جانب آخر، لا شيء يمكن أن يتحقق بدون وسط مناسب يمارس تأثيره ليس فقط منذ الولادة بل مع بداية العمل. لنأخذ الموسيقى كمثال: فأنا مقتنع بأن مورثات موزار كانت أكثر ميلا إلى الموسيقى عما هو الأمر عند معظم الأشخاص الآخرين، ولكن يمكن لبيداغوجية ماهرة أن تمكن أي كان من العزف على آلة موسيقية في مستوى عال من الإنجاز. لما بلغنا، نحن الأمريكيين، لأول مرة وجود أطفال يابانيين يعزفون بشكل رائع على الكمان، اعتقدنا أن ذلك يرجع إلى موهبة خارقة لديهم. لكن بعد ذلك اكتشفنا طريقة معلم الموسيقى الياباني شينيشي سوزوكي Shinichi Suzuki المعروفة بـ"تربية القدرات"، فأدركنا حينئذ بأن الأمر لا يتعلق بعبقرية الأطفال، بل يعود إلى الطريقة البيداغوجية، ذلك أن نجاح سوزوكي يرجع إلى كونه قام بتحديد العوامل التي تمكن من تطوير وتنمية الكفاءات الموسيقية لدى الأطفال الصغار، ومن هذه العوامل مثلا: خفة تحريك الأصابع في العزف على الكمان - أصناف المواضيع التي يمكن للأطفال التعرف عليها وإنشادها بسهولة- الميل إلى تقمص شخصيات رفاق أكبر سنا. وهكذا تيقنت بأنه يمكن التعامل مع كل الذكاءات الأخرى بنفس الطريقة التي نجح بها سوزوكي في تعامله مع مجال الموسيقى.
سؤال: ما هي بالضبط القيمة العملية لنظرية الذكاءات المتعددة في الحقل البيداغوجي.
غاردنر: ليست نظرية الذكاءات المتعددة غاية في ذاتها، بل هي أداة للمدرسين المتبصرين الذين يسعون إلى تطوير قدرات معينة لدى تلامذتهم. مثلا: إذا كنا نبتغي أن يكون الأطفال متخلقين فيما بينهم، سنحتاج إلى تنمية ذكائهم الشخصي[12]. بالإضافة إلى ذلك، طبعا، تمكن هذه النظرية من تحسين تقديم المواد الدراسية، مثلا: إذا كان على كل تلميذ أن يتلقى مادة التاريخ أو الجغرافية، فليس هناك أي مبرر كي يتعلم كل واحد هذه المواد بنفس الطريقة أو يخضع لنفس التقييم.
لقد مكن مشروع الطيف من تعيين جوانب التفوق المتميزة لدى العديد من الأطفال، وكان من الممكن أن تبقى مجهولة بدون ذلك؛ فأثناء القيام بإحدى التحريات مع فريقي في البحث صادفنا طفلا في السادسة من عمره، ينحدر من أسرة مفككة ويواجه خطرا كبيرا ناتجا عن الفشل الدراسي، وبحكم أن نتائجه لم تتغير خلال حصص التحضيري فقد قررت مدرسته إجباره على التكرار بعد شهرين من حضوره داخل فصلها. ومع ذلك فقد كان الطفل ناجحا بشكل يفوق الآخرين في فك وإعادة تركيب مواد مستعملة. بعد تصويره وهو يقوم بأنشطة عرضت سلسلة اللقطات المصورة على معلمته، وكم كان ذهول هذه الأخيرة كبيرا جراء ما رأت إلى درجة أنها لم تذق راحة النوم لمدة ثلاث ليال. منذ تلك اللحظة غيرت بشكل جذري نظرتها حول الطفل، وبدأت النتائج المدرسية لهذا الأخير تتحسن بشكل ملموس.
سؤال: ما هي ردود الأفعال التي خلفتها نظرية الذكاءات المتعددة؟
غاردنر: معظم علماء النفس، خاصة المحسوبين على القياس النفسي، عارضوا هذه النظرية. ويمكن فهم موقفهم بسهولة ما دامت نظرية الذكاءات المتعددة تهدد موارد عيشهم بل ومبرر وجودهم. لكن مقابل ذلك هناك علماء متخصصون. كالبيولوجيون مثلا، وجدوا في النظرية ما يكفي من الأهمية. علاوة على ذلك، كانت لنظرية الذكاءات المتعددة أصداء قوية داخل الوسط التعليمي الأمريكي، فأثناء العقد الأخير لم يحتل سوى عدد محدود من الأفكار التربوية نفس قيمة هذه النظرية بالولايات المتحدة. ولكن ذلك لا يعني تأييدا لها بالضرورة، فهناك الكثير من التطبيقات تبقى سطحية، كما أن جزءا من هذا التأييد كان في الواقع مجرد تقليعة.
إن نظريتي (حول الذكاءات المتعددة) تؤثر بشكل كبير في الممارسة التربوية لأنها تتفق مع الملاحظة الجماعية للمدرسين والآباء والتي تكشف عن وجود اختلافات بين الأطفال على الصعيد المعرفي. فكلنا يتوفر على عناصر تفوق وجوانب قصور متفاوتة في مختلف المجالات العقلية، لكن معظم الجهود في مجال التربية لا تعترف بوجود تلك الفروقات، وتشجع نمط التفكير القائم على اللغة والمنطق، وتلك بالضبط هي حالة التفكير الديكارتي/المنهجي العقلاني في فرنسا. وعلى النقيض من ذلك تنطلق مقاربتي من الجانبيات العقلية المختلفة، لذلك أقترح أن تأخذ التربية بعين الاعتبار هذه الفروقات لإنجاز تعليم بأعلى مستوى من الفعالية. فإذا أردنا توجيه التعليم إلى كل الأطفال، وليس فقط حصره على أولئك الذين يتوفرون على استعدادات منطقية ولغوية، ينبغي الأخذ بعين الاعتبار الاكتشافات التي توصلت إليها نظرية الذكاءات المتعددة.
وأخيرا، لم يكن للباحثين في حقل التربية موقف نقدي خاص تجاه النظرية، بل إن بعضهم سعى فعلا إلى تطويرها. كان ذلك هو هدف مجموعة من طلبتي المرموقين، أمثال: Tom Hatch – Mara Krechevsky – Mindy Kornhaber – Bruce Torff  وغيرهم..
سؤال: تؤاخذون أحيانا أنكم لم تهتموا بما فيه الكفاية بصلاحية هذه النظرية، وبشكل خاص لم تحددوا مجموعة الاختبارات التي تمكن من تقييم هذا الذكاء أو ذاك.
غاردنر: إن مشروع الطيف هو مجهود لتقييم مختلف أصناف الذكاءات لدى الأطفال الصغار، ويمكن تكييفه ليتلاءم مع السنوات المبكرة. مبدئيا ليس لدي أي اعتراض لتقييم الذكاءات ما دام هذا التقييم يتم بطريقة عادلة ومنصفة، وليس بواسطة اختبار معياري من صنف اختبارات "الورقة والقلم". فإذا أردت مثلا تقييم الذكاء الفضائي لشخص ما فلا تقدم له اختبارا، بل علمه خط سير جديد ثم لاحظ بأية سرعة سيصل إلى التحكم في اتجاه السير وكيف سيقوم بتذكره.
هناك باحثون آخرون قاموا بتطوير اختبارات الذكاء، ولست من أنصار هذه الاختبارات، لكني أحكم عليها حسب حالة كل اختبار. وأعتقد أننا أمضينا وقتا طويلا في تقييم وتصنيف الأطفال، ولم نمنحهم سوى وقتا ضئيلا لمساعدتهم. لذلك، فالمبرر الوحيد، بالنسبة إلي، لتقييم الذكاءات هو مساعدة المتعلمين للتعلم بشكل جيد، وذلك بتوظيف الذكاءات الأكثر تفوقا وتقوية الذكاءات التي هي في حاجة إلى ذلك، في الوقت نفسه.
سؤال: كيف تنظرون إلى مستقبل البحث في الذكاءات المتعددة؟ ما هي المسالك التي يجب استكشافها والطرق المسدودة التي يجب تجنبها؟
غاردنر: أتمنى تطوير النظرية في اتجاهات مختلفة. لكن ما يهمني بشكل أساسي أن نفهم كيف يمكن لطفل استعمال ذكائه أو ذكاءاته بهدف التحكم الجيد في المواد الدراسية وأن يجد له مكانة داخل المجتمع وتطويرها.. علاوة على ذلك أتوخى مستقبلا اكتشاف ذكاءات أخرى وفهم الكيفية التي تشتغل بها. وأريد بطبيعة الحال أن أعرف بشكل جيد كيف يتم التعبير عن نفس الذكاء داخل مختلف الأوساط الثقافية. وأود كذلك معرفة كيف تتمكن الذكاءات المتعددة من الاشتغال بيسر وسهولة، وكيف يمكن تنميتها منفصلة عن بعضها وفي ارتباط بعضها البعض، وكذا استكشاف العلاقات الموجودة بين الذكاءات والابتكار والقيادة.
أما بالنسبة إلى الطرق المسدودة التي ينبغي تجنبها، أرى واحدة هي أهمها: لا ينبغي السعي من أجل المقارنة بين المجموعات بمصطلحات الذكاء (كالمقارنة بين الرجال والنساء أو بين المجموعات العرقية إلخ..) نظرا إلى المخاطر المترتبة على وقائع محرفة. وكمثال على ذلك، أنه في استراليا تم وضع لائحة لكل مجموعة عرقية، من خلال جزء من الأدوات المدرسية المعتمدة من طرف إحدى الولايات. وداخل كل لائحة تم تحديد الذكاءات التي تتفوق وتضعف فيها كل مجموعة بدون أي سند علمي. اعتبرت ذلك انزلاقا، وأعلنت موقفي في برنامج بالتلفزة الاسترالية. وفي اليوم التالي، مباشرة بعد تصريحي، قام الوزير الأول بإلغاء هذا "الخلط" التربوي الذي يتأسس على الوهم العلمي.
 
 
 

[1] - ظهر الكتاب في نسخته الأمريكية الأصلية سنة 1983 بعنوان: Frames of mind : the theorie of multiple intelligence. وترجم إلى الفرنسية سنة 1997 تحت عنوان: Les formes de l'intelligence.
[2] - انظر نص التقرير في: هاوارد غاردنر، "طبيعة الفكر واللغة، مواجهة بين شومسكي وبياجيه"، ترجمة أحمد أوزي، مجلة علوم التربية، عدد 14، فبراير 1998، ص103-109.
[3]  - Howard Gardner, Les formes de l’intelligence, Odile Jacob, Paris, 1997, p31.
[4] - المرجع نفسه، ص18.
[5] - لمزيد من التفصيل، انظر المرجع السابق، ص70- 74.
[6] - لمزيد من الاطلاع انظر:
H. Gardner, D, H. Feldman, M. Krechevsky (General Editors), Project Spectrum : Early Learning Activities, Teachers college, New York, 1998, p2-3.
[7] - من الكتب التطبيقية التي قدمت تجارب تعليمية بتطبيق نظرية الذكاءات المتعددة، نذكر على سبيل المثال لا الحصر:
Thomas Armstrong, les intelligences multiples dans votre classe, traduit de l’américain par : Jean Blaquière, Chenelière, Montréal, 1999.
Bruce Campbell, les intelligences multiples : Guide pratique, traduit par : Danièle Bellchumeur, Chenelière, Montréal, 1999.
[8] - أحمد أوزي، التعليم والتعلم بمقاربة الذكاءات المتعددة، منشورات مجلة علوم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، 1999، الدار البيضاء.
[9] - نشير إلى أن هاوارد غاردنر، المزداد سنة 1943 أستاذ علوم التربية وعلم النفس بجامعة هارفارد وأستاذ علم الأعصاب في كلية الطب ببوسطن حيث اشتغل على أشخاص تعرضوا لحوادث وأمراض أصابت مناطق معينة من دماغهم.
[10] - داخل نص التقديم ومتن الحوار ترجمنا (Projet Spectre) بـ(مشروع الطيف). ونميل إلى اختيار هذه العبارة لأن كلمة "طيف" تدل على الصورة التي تحدث عند مرور الضوء الأبيض عبر موشور، ثم تفككه إلى سبعة ألوان مضيئة: (الأحمر – الأخضر – الأزرق – الأصفر – البرتقالي – البنفسجي – النيلي). وهذه الألوان السبعة تماثل كميا الذكاءات السبعة التي أبرزها غاردنر سنة 1983، وعلى ضوئها أسس مشروع الطيف سنة 1984، كما يوجد تماثل كيفي يتمثل في الاستقلال النسبي بين مجموع الذكاءات/الألوان.
[11] - على غرار بعض الباحثين في الحقل التربوي اخترنا لفظ (جانبية) كترجمة للفظ الفرنسي (Profil) انظر مثلا: المكي المروني، البيداغوجية المعاصرة وقضايا التعليم النظامي، منشورات كلية الآداب، الرباط، شركة الهلال العربية للطباعة والنشر، الرباط، 1993، ص151-152.
[12] - داخل الذكاء الشخصي يميز غاردنر بين: الذكاء التفاعلي (القدرة على فهم الآخر)، والذكاء الذاتي (القدرة على فهم الذات). انظر: الفصل التاسع من: Les formes de l'intelligence
 
******************************************
عن مجلة فكر و نقد .

12 - يناير - 2008
هل الذكاء واحد أو متعدد?
" بين الفلسفة والديمقراطية "    كن أول من يقيّم

....إن العنصر الذي يقرب أكثر، بلا شك، بين الفلسفة والديمقراطية هو التالي: نفس القدرة على نقد الذات. تضع الفلسفة نفسها باستمرار محط اتهام، إنها تراهن على خصوبة الشك، وهذا ليس حال العقائد. أما الديمقراطية، فإنها تتساءل حول ذاتها، إنها لا تتردد في الإشارة إلى مكامن ضعفها الخاصة، وهذا ليس حال الديكتاتوريات والكليانيات. لا يوجد، إذن، الرابط بين الفلسفة والديمقراطية على السطح وفي لعبة الآراء وتعدد الأحاديث الشاذة، إنه يكمن في كونهما تشجعان النقد في إطار احترام كرامة الغير، إنهما تدفعان كل واحد إلى ممارسة قدرته على الحكم، أن يختار بنفسه أفضل نمط للتنظيم السياسي والاجتماعي، أن يجد قيمه الخاصة، وباختصار أن يصير ما هو عليه، كائن حر. في وسط المخاطر ليس لنا من أمل آخر.
*************
منقول مع بعض التصرف.

12 - يناير - 2008
المعارضة فى الفكر العربى
استعارات صينية..    كن أول من يقيّم

في سياق طي صفحة الماضي والمصالحة معه سيكون من الأهمية بمكان نفض الغبار عن الأدبيات السياسية اليسارية السرية التي واكبت «سنوات الرصاص» وكان كتابها ومتداولوها يعرفون أنهم يعرضون أنفسهم للاعتقال والتعذيب إذا عثر عليها بحوزتهم، ومع ذلك لم يتوقفوا عن كتابتها وطبعها، بالوسائل البدائية التي كانت متاحة لهم في ذلك الوقت (الستانسيل والرونيو)، وتداولها بشكل محدود، مع الحرص على أن تصل إلى أيدي جميع المناضلين والمتعاطفين واستكتاب من يملك القدرة على الكتابة منهم. من بين تلك الأدبيات، التي ستكون مفيدة إعادة قراءتها بشكل جديد انطلاقا من التحولات التي عرفها ويعرفها المغرب في السنوات الأخيرة، النشرات السرية التي كانت تصدر عن التنظيمات اليسارية السرية في مطلع سبعينيات القرن الماضي، إذ من المعلوم أنه كانت هناك نشرتان، على الأقل، صدرتا لفترة طويلة بشكل منتظم، هما «إلى الأمام» و«23 مارس»، تضاف إليهما نشرة محدودة التوزيع كانت تصدر عن تكتل شبه سري ضمن منظمة «23 مارس» (أي تنظيم سري داخل تنظيم سري أكبر منه) تحت عنوان «لنخدم الشعب»، وهو اسم ينبغي التوقف عنده مليا لأنه استطاع أن يعبر، بحدس مسبق وعبقرية لا حد لها، عما سيجري في بلادنا لاحقا، حيث تعاقب على «خدمة» الشعب العديد من الحكومات والتنظيمات السياسية وغيرها، وحيث صار الشعب «مخدوما» من جميع النواحي؛ وذلك وحده يكفي لإعادة الاعتبار إلى تلك الأدبيات وقراءة سطورها، وما بين سطورها، من جديد، على أساس أن فهم الماضي هو الكفيل بجعلنا نفهم ما يجري في الحاضر، ونبني أسسا متينة للمستقبل. لقد تميزت سبعينيات القرن الماضي، من ضمن ما تميزت به، في أوساط مناضلي ما كان يطلق عليه «اليسار الجديد»، بعشق الصين وكل ما كان يأتي منها، وذلك، بكل بساطة، لأن الخط السياسي للصين الشعبية في ذلك الوقت كان، في رأيهم، هو الخط الصائب في مواجهة «التحريفية» السوفياتية، لذلك انكبوا بنهم على قراءة الأدبيات الماركسية الصينية (ومنها الأعمال المختارة للزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ) التي كانت متوفرة تحت المعاطف في ترجمات فرنسية وعربية جيدة. ومن كثرة قراءة هؤلاء المناضلين للأعمال الصينية صاروا مغرمين بالمجازات والاستعارات والأمثال والحكم الصينية لا يرددون غيرها، وذلك إلى حد أن بعضهم صار لا يرى العالم إلا من خلال تلك الأمثال والحكم. من أكثر الحكم الصينية ترددا في الأدبيات اليسارية السرية في ذلك الوقت يمكننا أن نذكر نماذج عديدة، من بينها، مثلا: «أن تضيء شمعة صغيرة خير من أن تلعن الظلام»، «طريق الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة»، «لا تعطني سمكة ولكن علمني كيف أصطاد السمك»، «لتكن قوسك مهيأة، لكن أجّل إطلاق السهم»... كما أن هناك حكما صينية أخرى لم ترد في تلك الكتابات رغم أهميتها بدورها من قبيل: «من امتطى نمرا حار كيف ينزل عن ظهره»، «لا تستخدم الفأس لإزالة ذبابة عن رأس رفيقك»، «لا تبصق في البئر، ربما احتجت للشرب منه»، «من يذهب إلى المحكمة يكسب قطا ويخسر بقرة»... والجدير بالذكر أن التشبع بهذه الأمثال والحكم دفع ببعض المناضلين إلى النسج على منوالها، فقرأنا ذات يوم افتتاحية لإحدى تلك النشرات تحت عنوان «الذبابة التي هزمت أسدا»، تتحدث عن ذبابة ظلت تناوش أسدا وتقلق راحته دون أن تنجح مخالبه ولا صولته وقوته في القضاء عليها، إلى أن استسلم وأقر بهزيمته أمامها. وبطبيعة الحال، فإن الأمر لا يتعلق بأسد وذبابة حقيقيين وإنما بمجاز لشيء آخر، ولأن التقليد لا يمكنه، في كثير من الأحيان، أن يماثل الأصل، فإن الأخ الذي كتب تلك الافتتاحية لم ينتبه إلى أن الأسد يظل أسدا وأن اليسار المناوش يظل، حسب اجتهاده هو بالذات، مجرد «ذبابة». لذلك سيكون مفيدا أن يتجرأ أحد الناشرين ويضع بين أيدي القارئ نماذج من تلك الأدبيات، لعلها تساعدنا على فهم ما يستغلق علينا فهمه في الوقت الراهن، أو لعلها تحيي، فحسب، في وجداننا لغة وخيالا كانا بسعة الحلم، الحلم المشرق بغد مضيء، كما قد يقول مجاز آخر، لكن غير صيني هذه المرة.
 
* 
مصطفى المسناوي  //  جريدة المساء المغربية .

18 - يناير - 2008
المعارضة فى الفكر العربى
شكرا لك..    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

 
الأسـتاذة ضـياء  هذا النبض وهذا البوح ، وهذا الشعر المنثـور بلغة اللؤلؤ...
وهذا العبور (من الخارج إلى الداخل )
من أقصى الحنين ألى أقسى الأنين .
 
Image hosted by allyoucanupload.com
 
 

19 - يناير - 2008
البنت التي تبلبلت
تحية رياضية..    كن أول من يقيّم

تحية  رياضية طيبة الأستاذة ضياء والأستاذ جميل .
* بخصوص " موضوع الفنانة القديرة فيروز" أرى أنها صاحبة  القرار الأول والأخير ، وأنه من الغباء أن يتدخل بعض سياسيينا
- في العالم العربي - في شؤون شخصية فنية ثقافية كهذه !!! 
* كما أغتنم الفرصة في ضوء  هذه المشاركة لأقترح استحداث مجلس "الوراق الرياضي " يشرف عليه الأخ جميل .
و تحية خاصة (مني ومن زكرياء  ) لجواد ونشاطره تخمينه بخصوص أسود الأطلس خصوصا وأنهم سحقوا ناميمبيا
هذا اليوم بـ 5 -1 . وإذا أردنا أن نكون موضوعيين فيمكن القول أن حظوظ المنتخب المغربي قائمة إلى جانب غانا
الكاميرون وساحل العاج..(ربما )
 
**الدول المشاركة في نهائيات غانا 2008
**المجموعات الأربع :

 
*ملاحظة : سيتأهل في هذا الدور التمهيدي عن كل مجموعة منتخبان .
 

22 - يناير - 2008
دمشق بين الثقافة والسياسة (( أتركوا الثقافة والفنون لأهلها))
موقف بول بولز من أسطورة الخبز الحافي ... !!    كن أول من يقيّم

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
كانت الظروف في غالب الأحيان تجعلني أتقاسم الأزمات مع شكري، فيتحمل كل منا هموم الآخر فيحصل التفاهم لحل تلك الأزمات ونحن على أحسن ما نكون من الانبساط.... مرة كنا في جلسة حميمية نستمتع بفضاء سطح مقهى موح نتفرج على منظر الميناء الجميل حيث البواخر تحوم فوقها أسراب من الطيور في جو يسوده الهدوء التام... كان شكري قد  دعاني لهذه الجلسة خصيصا ليقدم لي أوراق الخبز الحافي لإبداء رأيي فيها ومدى صلاحيتها للنشر حتى يجعل منها                                                                                                                        كتابا لسيرته الذاتية.. فتعمدت أن أجعله متفائلا على أنها قابلة للتصحيح والتغيير لتصير كتابا... انبسط شكري ملاحظا تغير أحوالي في هذا اليوم، تبدو على ملامحي علامات الحيرة والقلق... فألح علي في السؤال عن سبب ما ينتابني من حزن، فأخبرته بأنني أعيش أزمة مادية خانقة لأجد نفسي مضطرا للقيام بحركة تجارية خاصة توفر لي ما أوضب به حياتي اليومية... فأعرب لي عن أسفه العميق عن عدم قدرته على مساعدتي... إلا أنه فجأة أخذ بيدي يجذبني لمصاحبته بعدما ظهرت على محياه ابتسامة تنم عن تفاؤله بإمكانية مساعدتي طالبا مني أن أصحبه للمكان الذي يمكن أن تتحقق فيه هذه الرغبة، مصرا أن لا يبوح بالمكان المقصود حتى يبقى هذا السر مفاجأة. قطعنا مسافة طويلة داخل المدينة مرورا بالسوق الداخلي وصولا إلى القنصلية الأمريكية حيث توجد بجانبها عمارة الربيع التي يقيم بها الكاتب الأمريكي بول بولز... استغربت لجرأة شكري إلا أنه جذبني ممسكا بيدي، مؤكدا أن بولز هذا هو من سيحل هذه الأزمة. صعدنا درج العمارة إلى غاية الطابق الرابع، اتجه شكري مباشرة للشقة رقم 20 حيث يوجد بولز... طرق شكري الباب مرارا دون أن يرد أحد، ثم صاح مناديا على المرابط وهو شاب أمي تغلب عليه طبيعة البيئة الجبلية اختاره بولز صديقا دائما يقضي له حاجاته الخاصة، يطلعه على جميع أسراره... بولز تستهويه اللهجة الجبلية ويروقه الاستمتاع ببعض السهرات الراقصة لفتيان من أصل جبلي تقذف بهم الهجرة إلى طنجة التي تحتضن كل من هب ودب... يظهر أن المرابط هذا غير موجود لأنه لم يرد على نداء شكري المتكرر. فجأة، أطل بولز بعين واحدة من ثقب وراء الباب، فلما رأى شكري فتح الباب على التو... هكذا هو يحب العزلة، دائم الصمت ولا يجالس إلا من يوافق مزاجه الغريب الأطوار، طبعا وسلوكا... عند دخولنا، تبين لنا أننا قطعنا عليه أفكاره إذ أنه كان منهمكا في الكتابة على الطاولة التي عاد إليها وقد وضعت فوقها العديد من الأوراق المبعثرة هنا وهناك ومجموعة من الأقلام وضعت في كوب خشبي قديم... اعتذر شكري عن الإزعاج... بولز هذا تربطني به علاقة المجالسة في مقهى الرقاصة الشعبية التي كان يتردد عليها مرارا ليلتقي ببعض المستشرقين الغربيين للتباحث حول المواضيع المتعلقة بالحياة الاجتماعية لأهالي المدينة العتيقة في ذلك العصر، يجعلون منها مقالات ومؤلفات يتفننون في صياغتها لتصبح مثيرة للتشويق ينشرونها خارج المغرب... بادر شكري لإخبار بولز بالمقصود من الزيارة كوني جئت راغبا في قرض مبلغ أجعل منه رأسمالا لتجارة من نوع خاص، وكعادة بولز دفعه فضوله ليسألني عن نوع التجارة التي أنوي ممارستها وقدر المبلغ المطلوب... فأخبرته بأنني استقيت الفكرة من بعض الشبان اليهود لاحظت حركاتهم بين الأحياء، كل واحد يحمل بيده حقيبة بداخلها نماذج من بعض السلع المختارة يتجولون بها بين متاجر أحياء المدينة وهي عبارة عن ساعات يدوية وأخرى تستعمل للجيب ومعجون وفرشاة للأسنان وآلات كهربائية للحلاقة وأنواع مختلفة من قنينات صغيرة لمختلف العطور ذات الروائح الزكية... هذا النوع من السلع مغر للبيع السريع وأرباحه تقدر بضعف الثمن... لذلك فإن رأس المال المطلوب لا يحتاج إلى أكثر من ألف بسيطة... ابتسم بولز مبديا إعجابه بذكائي، مضيفا أنه كان يرى بعض التجار الشبان يحترفون هذا النوع من التجارة المتجولة منذ أن كان طفلا في سن المراهقة بمسقط رأسه بمدينة نيويورك الأمريكية لذلك فهو يستحسن الفكرة إلا أنه بادرني بما لم يكن في الحسبان حيث قال : ليكن في علمك يا ولدي أنني لا أدفع إلا لمن يرد لي المقابل... فسألته : أي مقابل تعني ؟ أسأله وأنا في أشد ما يكون من القلق والتوتر والغضب... فأجابني : صديقك شكري يعلم... فبادرته بالقول وبلهجة مشوبة بالغضب : إذا كان شكري يدفع لك المقابل حينما تقدم له المساعدات فإن الشيء الوحيد الذي أكرهه هو السلوك الشاذ... هنا قام آتيا عندي حيث استوى في جلوسه بجانبي ليفهمني أنني أسأت الفهم، موضحا أن المقابل الذي يقصده هو تزويده بحكايات عن عادات وطقوس وتقاليد الطبقات الشعبية من السكان ليجعل منها مقالات للنشر... هنا تغيرت أحوالي بعدما شعرت بالذنب معتذرا له عما صدر مني، فوجدت الفرصة مواتية لأطلب من شكري أن يقدم أوراق الخبز الحافي التي عرضها علي لأبدي رأيي فيها مؤكدا أن بولز هو من سيقوم بعملية التصحيح والتغيير ليجعل منها كتابا بلغته حينها يمكن ترجمته للعربية فتتحقق الأمنية... بإخراج السيرة الذاتية لشكري إلى الفضاء الأدبي دخولا للتاريخ من بابه الواسع... ابتهج كل من شكري وبولز لهذه الفكرة... هنا تسلم بولز الأوراق من شكري فتسلمت أنا بدوري مبلغ الألف بسيطة التي كانت لبنة لتجارة رابحة بامتياز ساعدتني على إتمام دراستي إلى غاية التحاقي بسلك التعليم كموظف وهكذا ضربت عصفورين بحجر... مرت هذه الوقائع دون أن أتوقع أنه سيأتي اليوم الذي سيحضر فيه بولز ليقدم لشكري كتاب الخبز الحافي مؤلفا بالإنجليزية ... ومباشرة قام شكري بتحويل هذا الكتاب للكاتب المغربي الطاهر بنجلون فيصبح الكتاب مؤلفا بالعربية... وبعد اطلاعي عليه وجدت أنه قد أضيف إليه الكثير من الأحداث تعد من قبيل الخيال... وقد أصبت بالذهول حينما أحدث الخبز الحافي فيما بعد ضجة كبرى في الأدب العالمي ومترجما لعشرات اللغات... !! ومن هنا تبدأ العداوة الكبرى بين شكري وبولز الذي ظل يعاتبه عن احتكاره لمردودية الترجمة للعديد من اللغات ليحتفظ شكري بالشهرة وفتات المكافآت البسيطة لبعض الترجمات المحدودة.. فأدركت أنا شخصيا أن جل أحداث الخبز الحافي غير حقيقية. لقد وظفت تلك الأوراق لمضامين حكايات منسوجة تجمع بين سيرة شكري الصعلوك المتشرد وحكايات صعاليك آخرين من خيال بولز، فتأكدت وأنا أقرأ الخبز الحافي أن الكتابة ارتبطت في ذهن القراء بفضح المستور من أجل الإثارة حتى ينال الكتاب الإعجاب بجرأة الكاتب الأمي وجعل تلك الكتابة كفن روائي يحكي السيرة الذاتية لشكري وكما أرادها بول بولز... كل ذلك في غياب الضوابط التي يجب أن تفرض على الكتابة والتي يجب أن تحترم القارئ المهتم بالكتابة الأدبية الوطنية.. ناهيك عن الأسلوب الفاضح تجعلك وأنت تتمعن في مضمونها فكأنك تشاهد أفلاما للخلاعة بتعدد ذكر الأعضاء التناسلية والدعارة والشذوذ حيث الكاتب لا يرى إلا عالم التعفنات الجنسية بفقرات بشعة وحقيرة تنم عن عهد الانبطاح كل هذا مغلف بمظهر الكاتب الجريء المتحدي لعصره... ومما يجدر التركيز عليه هو سن شكري بتعلمه القراءة والكتابة وهو في سن العشرين... لكن الحقيقة غير ذلك طبقا للواقع الذي عايشته والذي يفرضه المنطق إذ أن تاريخ ازدياد الفرد ما قبل الاستقلال لم يكن مضبوطا إلا عند بعض العائلات ذات المستوى المعرفي وفي مذكراتها الخاصة لأن في عهد الاستعمار لم يكن هناك دفتر للحالة المدنية، فكيف يمكن ضبط سن شكري إذا كان هو نفسه لا يعرف تاريخ ازدياده خصوصا وأنه من عائلة جاهلة في تلك الفترة، والده من بادية الريف منغلق بالمرة... وأعود للكاتب الأمريكي بول بولز الذي وحده يعرف هذه الحقائق، وأذكر هنا أنني كنت وفي جلسة خاصة، وكنت قد عاتبته على قلب الحقائق في أوراق شكري للخبز الحافي فأجابني بأن الكتابة الأدبية في ذلك العصر تقتضي ذلك وأن هذا النوع من الكتابة يعتبر تحديا في الأدب المعاصر لذلك كان لزاما أن أجعل السيرة الذاتية لشكري على الطريقة التي تتطابق مع سيرة غيره من الصعاليك في قالب رومانسي يغري بالإثارة... ثم انطلق يحكي لي عن حياته منذ أن هاجر مدينة نيويورك الأمريكية مسقط رأسه وهو في سن العشرين قاصدا طنجة التي يعشقها لأصالتها وشعبية أهلها الطيبين بعد أن ربط علاقة صداقة بالعديد من كبار الكتاب الغربيين معظمهم من المستشرقين الإنجليز يكتبون عن الحكايات الاجتماعية للطبقات الشعبية من السكان وخاصة البدو الوافدين من المناطق المجاورة ذات الطرافة والإثارة والتشويق... كان بولز متزوجا بامرأة أحبها لتطابق طبعها مع طبيعته، فتألم ألما شديدا لوفاتها لتبقى طنجة أنيسته الوحيدة... كان في منتهى الذكاء يتقن اللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية ولغات أخرى... وكم عاتبت شكري على نعته بأسوأ الصفات في العديد من اللقاءات والتظاهرات... وقد ودع بولز الحياة على فراشه المتواضع وهو في سن التاسعة والثمانين قضى منها ما يقارب تسع وستين سنة في طنجة التي ترك فيها ذكريات ستظل ترددها الأجيال مع مرور الحقب والأزمان... !!
** منقول من جريدة "الاحداث المغربية" 23 يونيو 2007 م

 

24 - يناير - 2008
من دون القراءة تستحيل العلاقة بالعالم
بين بول بولز و محمد شكري..    كن أول من يقيّم

 
:
بول بولز نبيل في إخلاصه للأدب أما سلوكه الاخلاقي والمادي فآمر آخر
الطاهر بن جلون أسدى الي معروفا كبيرا.. وأعتقد أنه ندم علي ترجمته الخبز الحافي
حاوره:        يحيي بن الوليد  و الزبير بن بوشتي
في هذا المحور من سيرة/ لقاء الكاتب محمد شكري يتحدث عن هموم الترجمة وعلاقته بالناشرين الذين لا يجد كلمة جيدة في قاموسه ليقولها عنهم. ويشير الي علاقته ببول بولز الذي يري انه كان اديبا جيدا ولكنه مادي، ويحاول الكاتب هنا تسجيل عدد من النقاط حول علاقته ببول بولز. ومع ذلك يعتقد ان جان جينيه قدم له نصائح جيدة في مجال القراءة، ومقابل ذلك عرف شكري الكاتب الفرنسي علي الكتابات العربية. فجينيه كان قد انهي مرحلة عطائه الادبي، فيما كان شكري قد بدأها او يبحث عن خروج له عبر عمل كبير. وهنا يشير الي الحكاية المعروفة عن توقيعه عقدا لنشر مذكراته/ سيرته/ روايته الخبز الحافي مع الناشر الانكليزي وبحضور بول بولز ولم يكن قد كتب حرفا منها. وعن علاقته بالكاتب المغربي الفرنسي الطاهر بن جلون يعترف بأفضال الاخير الا انه يشير الي فتور العلاقة لأسباب كثيرة ويقول في بداية معرفتنا كنا نلتقي ونتعانق، مع المدة صرنا نتصافح برؤوس الاصابع ثم صار يلوح لي بيده من بعيد، وأخيرا صار كلانا يتحاشي رؤية الآخر. أنا شخصيا لم اختر هذه النهاية. للأسف... .

الترجمة

الزبير بن بوشتي: لقد دشنت حياتك بهجرة من الريف الي طنجة، ثم تهاجر كتاباتك عبر عشرين لغة ترجمت إليها حتي اليوم. هذه الهجرة الي لغات أخري نتذكر أنك دشنتها برحلة لغوية من البربرية (الريفية) الي العربية، فهل كانت الرحلة اللغــــوية شـــاقة مقارنة برحلتك من الريف الي طنجة إن صحت هذه المقارنة؟
محمد شكري: طبعا كانت شاقة بالنسبة لي ؛ فلقد كنت طفلا وكان لابد لي من أن أتعامل مع الاطفال. أما عالم الكبار فقد كانت مقتصرا علي أمي وأبي. كان هناك أطفال مغاربة لا يعرفون بتاتا اللغة الريفية (البربرية) وأطفال ريفيون الذين كنت أتواصل معهم. كان بينهم من يعرفون الدارجة المغربية لأنهم إما هاجروا قبلنا فتعلموا قليلا أو كثيرا الدارجة المغربية أو لأنهم ولدوا هنا وتعلموا اللهجتين. كان هناك شبه اضطهاد لغوي. هجرتنا الي طنجة كانت لعنة بالنسبة إليهم ولعنتنا لأننا كنا بينهم. يا اللعنتين ...!
الزبير بن بوشتي: هل كان تعلمك العربية ـ في هذه المرحلة ـ تعلما تلقائيا أو كان هناك من يلقنك الدارجة المغربية للتواصل بها مع محيط طنجة الجديد عليك ؟
محمد شكري: الدارجة المغربية تعلمتها بسرعة كبيرة كما تعلمها الاطفال الريفيون المهاجرون. كان لزاما علينا تعلمها حتي نكافح الاضطهاد اللغوي المسلط علينا، لكن اللكنة الريفية ظلت تلازم الكثيرين من الريفيين فتعذر عليهم إخفاء هويتهم. وأتذكر أنني عندما كنت أضطهد من طرف الاطفال المغاربة أطلب النجدة من أطفال الغجر الاسبان والاندلسيين الذين كانوا مضطهدين مثلنا فيغيثونني. كنا جميعا منبوذين ومتهمين بالسرقة والاحتيال والخداع ـ نحن الريفيين والغجر والاندلسيين. إن بعض الخصومات كانت تنتهي بالجروح الخفيفة أو البالغة الخطورة، لكن لا أحد مات في هذه المعارك الطفولية.
الزبير بن بوشتي: علي ذكر الغجر الاسبان، نعرف أن طنجة الدولية كانت تعرف وجودا مكثفا للجاليات الاوروبية والامريكية مما يفرض علي قاطنيها التواصل مع أفراد هذه الجاليات، كيف كنت تتواصل مع الاجانب؟
محمد شكري: عن أي سن تسألني ؟
الزبير بن بوشتي: أسألك عن سن الطفولة دائما.
محمد شكري: لم يكن لي تواصل حقيقي إلا مع الغجر والاندلسيين البائسين مثلي، أما تواصلي مع الاسبان (مع طبقة أرفع) والفرنسيين الذين كانت طبقتهم أرفع من الاسبان اجتماعيا واستعماريا فقد جاء فيما بعد. لقد اشتغلت في كثير من الحانات والمطاعم. كنت غسال صحون وكؤوس وأواني الطبخ. وكان مالكوها من جنسيات مختلفة. إذن كان لابد من أن يكون هناك نوع من التواصل بين هذه الجنسيات المتعددة ولو بالاشارات وبعض الكلمات.
الزبير بن بوشتي: وأول لغة تعلمتها.
محمد شكري: الاسبانية. وعندما ذهبت الي العرائش، لأدرس، كان رصيدي جيدا في هذه اللغة.
الزبير بن بوشتي: ألم يكن تعلمك الاسبانية في البداية يعود فضله الي أبيك؟
محمد شكري: أبدا لا. كان ابي أميا في هذه اللغة.
الزبير بن بوشتي: رغم أنه حارب في إسبانيا في صفوف جيش فرانكو.
محمد شكري: لم يكن يعرف من الاسبانية إلا كلمات. ولم يكن يعاشر إلا المغاربة مثله. كلهم تقريبا كانوا أميين.
الزبير بن بوشتي: والفرنسية والانكليزية كيف تعلمتها ؟
محمد شكري: كانت تتوافد علي طنجة وفود السياح من جنسيات مختلفة. هكذا صرت ألتقط الكلمات من هنا ومن هناك. كنت أيضا مرشدا سياحيا غير رسمي. في تلك الايام كانت كثير من الاشياء مباحة ومتسامحا معها.
الزبير بن بوشتي: أريد أن أتوقف معك عند نقطة تركز عليها كثيرا في حديثك وتتعلق بكراهية المغاربة في طنجة للريفيين الوافدين علي مدينتهم، ألا تعتقد أن لهذه النزعة أسبابا سياسية بحيث أن الاسبان حفزوا الريفيين للهجرة الي طنجة لتضييق الخناق علي الادارة الدولية بها أملا في أن تصبح طنجة منطقة خاضعة لسلطتهم ؟
محمد شكري: هذا سؤال وجيه. لكن أيضا هل كان كل المغاربة الطنجاويين يساندون بقاء الاستعمار الدولي في طنجة ؟
الزبير بن بوشتي: لكن يجب علينا أن نعرف أن في مثل الظروف السياسية التي كانت تعيشها طنجة ـ علي العهد الدولي ـ كان لكل دولة موجودة فيها عملاء من المغاربة، وهؤلاء كانوا يتكلفون بما يصطلح علي تسميته صناعة الرأي العام فكانوا يبثون بين المغاربة دعايات وإشاعات ضد المهاجرين الريفيين حتي يؤججوا كراهية المغاربة لهم ومطالبتهم بالعودة الي قراهم.
محمد شكري: الاستعمار يفرق دائما كي يسود. فبدءا من عام أربعين أصبحت طنجة تحت الحماية الاسبانية لأنها كانت في الحياد، أثناء الحرب العالمية الثانية، ولذلك فقد أصبح الريفيون تحت حمايتهم، لأن كثيرا منهم كانوا في جيشها الذين جندوا عنوة وليس مبدأ واختيارا، ولهذا فلم يكن الريفيون مضطهدين من طرف الاسبان بل كان هناك نوع من التعاطف في انتظار ما سيحدث. وطبعا لم يفِ الديكتاتور بوعده الذي وعد به المغاربة بإعطائهم استقلال المناطق التي كان يحتلها في المغرب بعد انتصاره في حربه مع الجمهوريين. إنها عادة الديكتاتوريين، متي وفي ديكتاتور بوعده ؟ وبعد استقلال المغرب اندثرت هذه الاضطهادات العنصرية أساسا، لكنها ما برحت قائمة شكليا ـ اجتماعا ولغويا.

بول بولز

الزبير بن بوشتي: لنعد الي مرحلة الكتابة. معروف أن أول مترجم دخل حياتك الادبية هو بول بولز، بداية من سعي الي معرفة الآخر؟
محمد شكري: رأيت بولز للمرة الضائعة في العدّ كما أقول عادة. كان هو كاتبا مشهورا ولم أكن أنا قد كتبت بعد جملتي الادبية الجميلة التي كنت أكابد من أجل العثور علي منطلقها. كنت أراه يأتي الي السوق الداخلي . كان يجلس محاطا برفقائه، أجانب ومغاربة. أذكر منهم أحمد اليعقوبي، الحمري، التمسماني (سائقه)، العربي العياشي، التركيستي (طباخ براين جيسن) وآخرين كثيرين. كان لطنجة سحرها الذي نختزنه اليوم كإرث دون أن ان نبوح بكل سحره. ربما رافقنا بعض هذا السحر الي حيث سنستكين دون أن يزعجنا أحد في أسرار ذكرانا.
الزبير بن بوشتي: ألم تكن لك سابقة معرفة بالمغاربة المحيطين ببولز كأحمد اليعقوبي، الحمري والعربي العياشي، إدريس الشرادي مستعارا في كتابه (حياة مليئة بالثقوب)؟
محمد شكري: كان أول من قدمني الي بول بولز هو إدوار روديتي. كان شاعرا وكاتب مقالات عن الفن التشكيلي ومترجما فوريا في المؤتمرات السياسية والادبية الدولية. وكنت قد عرفت روديتي في نفس السنة التي عرفت فيها جان جينيه (عام 68). لم يكن روديتي يعرف العربية فكنت أحكي له مضامين قصصي بالاسبانية التي يتقنها. لم أعد أذكر كيف أعجب ببعضها. فقط أنه كان يتأملني طويلا ويبتسم. وذات يوم قال لي: إنك ستكون كاتبا. قل هذا فقط لنفسك. وإياك أن تغتر بأول عمل لك يشتهر. إن الغرور لا يقتل إلا صاحبه .
في بداية السبعينات أخذني معه الي منزل بولز و قال له: بول، إن هذا الشاب كاتب من عينة أخري، إنه لا يحكي فقط بل أيضا يكتب ما يحكي. ترجم لـه شيئا، لكن الفرق هو أنه يكتب باللغة العربية الكلاسيكية ومن ترجمت لهم من قبل كانوا يحكون لك بالدارجة المغربية .
رحب بولز بالاقتراح. وبعد يومين بدأنا نترجم بعض القصص التي كنت قد نشرت بعضها في الجرائد والمجلات المشرقية والمغربية. كنا نستعمل اللغة الاسبانية في ترجمتنا. ما ساءني هو أنه كان يأخذ خمسين في المئة من المستحقات التي كانت تدفعها المجلات التي كانت تنشر قصصي.
الزبير بن بوشتي: ولكن بولز لم يكن بالنسبة لك مجرد مترجم فقط.
محمد شكري: ماذا تقصد؟
الزبير بن بوشتي: أقصد أن بولز كان بمثابة وكيل أعمالك أيضا، فهو الذي يقوم بالاتصالات ويبحث عن الناشرين وأصحاب المجلات ويتفاوض علي المستحقات ثم بعد ذلك تأتي عملية الترجمة وإعداد النصوص.
محمد شكري: هذا كله صحيح، لكنه لم يكن في حاجة الي أن يأخذ خمسين في المئة من العائدات. كان غنيا وكنت في خصاصة ـ أحيان اـ الي شراء كتاب أو علبة سجائر أو دواء. هذا ليس تسولا وإنما حقوقي.
الزبير بن بوشتي: وأنت تتحدث عن المستحقات في علاقتها بالاشتغال الادبي، تبادر الي ذهني أن أسألك: هل كان سعي اقترابك من بولز هو طموح أدبي أو أنه حافز مادي يرضــي غرورك الجشع الي الشهرة؟
محمد شكري: أكيد أن الطموح الادبي كان مصحوبا بالطموح المادي، لكن الطموح الادبي كان أسمي. أنا أعتقد أن كل كاتب ـ مهما كانت درجة كتابته ـ لابد أن يسعي إلي الكسب المادي حتي ولو كان المردود ضئيلا من خلال ما يكتبه. إن ذلك يرضي غروره. إن الكبرياء هي عزاؤنا إن لم أقل كل وجودنا.
الزبير بن بوشتي: يعترف بولز في تقديمه للترجمة الفرنسية لكتاب cinq regards (خمس نظرات) بالصعوبات التي سببتها له وهو يشتغل معك علي ترجمة الخبز الحافي.
محمد شكري: (يضحك)، ربما لأن بولز لم يكن معتادا علي ترجمة أعمال شـــخص يكتب نصوصا ولا يروي حكايات عن عفو الخـــاطر: فالذيــــن حكوا لـه حكاياتهم وسيرهم الذاتية قبلي أنا، لم تكن لديهم جرأة مطــــالبته بأن يعيد عليهم ما يقوم بترجمته لي. وحظي أن لي إلماما بالانكليزية من غير أن أدعي معرفة أساليـــــبها. شيء أقل، لكنه مسعف لما هو ضروري. ولم يكن بولز متعتنا في إعــــادة عليّ ما صاغه بإنكليـــــزيته. كنا نصحح أسماء شـــوارع وأشخاص وبعض المعاني إن كانت تخلّ بالنص. إنه نبـــيل في إخلاصه للأدب أما سلوكه الاخلاقي والمادي فهذا موضوع آخر.
الزبير بن بوشتي: ألم يكن تدخلك فيه نوع من التوجس والتخوف من إضافات بولز وحشوه؟
محمد شكري: تقصد أنني كنت أشك في أنه قد غيّر؟
الزبير بن بوشتي: بالضبط.
محمد شكري: عندما كنت أعيد قراءة ما كان يترجمه لي لم أكن أجد إلا ما هـــو طفيف في التحوير.
الزبير بن بوشتي: لكن بولز يذكر عكس هذا، فهو يقول إنك كنت تضايقه كثيرا الي درجة طلب منك اتخاذ مكان بعيدا عنه في الجانب الآخر من الغرفة.
محمد شكري: إنها مبالغة وتهويمات. أحيانا كان يبالغ في تدخين الكيف أو تناول المعجون . إنها بانوراما المتعاطين الكيف و المعجون . وأنا أيضا يحدث لي هذا عندما أبالغ في تناول الكحول. إنها حالة بشرية مرضية ينبغي لنا أن نغفرها. ثم هناك افتراءات. وليس حجة أن يكون بولز شاهدا عليها وحده.
الزبير بن بوشتي: قبل أن تشتغل مع بولز ـ علي ترجمة الخبز الحافي ـ كان هناك من سبقك للتعامل معه من رواة صادقوه وعاشروه ومنهم من قاسمه السكن.
محمد شكري: (مقاطعا) عندما يتعاشر شخصان لا ينبغي لنا أن نكــــون فضوليين في معرفة مسيرة عيشهما. هذا ســــؤال أخلاقي بائد يجب أن نلغيه بين شخصين يعيشــان حياة حميمية.
الزبير بن بوشتي: قبل أن تتعرف الي بول بولز، كنت تسمع عنه وعن ترجماته لبعض الحكواتيين الشعبيين الذين نشر لهم في أمريكا وانكلترا، فهل كنت تحاول أن تخضع كتاباتك لنمطية ما يترجمه بولز حتي تغريه بترجمة أعمالك؟
محمد شكري: إن النصوص التي ترجمها لي بولز هي قصص مكتوبة ثم أمليتها عليه بالاسبانية التي يتقنها. لذلك لم أكن خاضعا لرغبته في كتابة قصص تحت الطلب. لكن هذا لا ينفي أنه كان السبب في كتابتي سيرتي الذاتية الخبز الحافي ومذكراتي مع جان جينيه وتينسي وليامز في طنجة. وطبعا كنت أدون مذكراتي معهما يوما فيوما.
الزبير بن بوشتي: متي عرفت تينسي؟
محمد شكري: عام 1973 وكان الخبز الحافي مترجما الي الانكليزية وفي طريقه الي النشر. أهديت لـه نسخة ما قبل السحب النهائي (أي البروفات)، وبعد قراءته للنص كتب: وثيقة حقيقية عن اليأس الانساني تستبد بالاعماق وتأخذ بالانفاس .
الزبير بن بوشتي: هل صحيح أنك وقعت عقد نشر سيرتك الذاتية مع بولز وناشره الانكليزي ولم تكن قد كتبت جملة واحدة منها ؟
محمد شكري: لم تكن لدي فكرة عن كتابة الخبز الحافي بالطريقة التي تمت به كتابته. كنت علي وعي بأن السيرة الذاتية لا يكتبها صاحبها إلا بعد مجد أدبي، وأنا كنت مازلت أتعثر في كتابة قصصي وبعض المقالات الأديبة. كتابتي الخبز الحافي جاءت صدفة. لقد حلّ في طنجة الناشر الانكليزي بيتر أوين الذي سبق له أن نشر حياة مليئة بالثقوب لإدريس الشرايبي و الحب ببضع شعيرات لمحمد المرابط وجاء باحثا عن ضحية أخري، لم يكن يدفع إلا تسبيقات هزيلة وتبريره هو أنه يسدي خدمات كبيرة للذين ينشر لهم لأنهم مغمورون. وأنا أجهل كم كان يأخذ منه بولز عن ترجماته. كان همــــي الكبــــير هو أن يصدر لي كتابي الاول فوقعت عقدا معهــــما. ادعيت أن سيرتي كانت مكتوبة ولم أكن قد كتبت منها الجملة الاولي. في ذلك المساء بالذات بدأت كتابة الفصل الاول في عِلّية مقهي روكسي . استمررت في كتابتها علي هذا المنوال الي أن تمت المخطوطة في أقل من شهرين في ظروف سيئة ماديا. حتي السجائر كانت تنقصني. وما أكثر أيام الجوع رغم أنني كنت موظفا. إنه التبذير في يوم واحد عندما تتقاضي أجرتك الشهرية وأنت مصاب بأكثر من بلية.
الزبير بن بوشــــتي: كــنت تأتيه كل صباح بفصل؟
محمد شكري: ((يقاطعني هامسا). ليس كل صباح بل كل مساء. لا تنس أنني كنت أشتغل في التعليم. لم نكن نترجم فصلا كاملا كل يوم. وعندما أنهينا الكتاب بحت لبولز بالحقيقة وهي أن الكتاب لم يكن مكتوبا عندما وقعنا العقد. سألني مندهشا: لماذا فعلت ذلك، هل كنت متيقنا من أنك ستنهي الكتاب ؟ أجبته: نعم. وهذا هو تحدي الريفيين ، فابتسم ابتسامته الغامضة المعهودة.
الزبير بن بوشتي: هل كانت الدارجة المغربية حاضرة عندما كنتما تشتغلان في الترجمة؟
محمد شكري: إن بولز لم يكن يعرف الدارجة المغربية جيدا حتي أملي عليه نصوصا بها، ثم لماذا الدارجة المغربية مادمت أستطيع التواصل معه بالاسبانية والفرنســــية اللتين يتقنهما جيدا ؟ ثم ان الدارجة المغربية لا تستوعب ما نريده منها عندما ننقل اليها نصا كتبناه بالفصحي العكس صحيح.
 
القدس العربي (اللندنية)، يوم 04/02/2002

24 - يناير - 2008
من دون القراءة تستحيل العلاقة بالعالم
أشرقت شجرة اللوز..    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

 
 
...............................
   سأحرص على مواعيدي مع إشراقات شجرة اللوز هنا وعلى ذرى الطبيعة الحية
وبين الإقامتين سأواصل استعادة جمال نوار اللوز كما غنّته شاعرات الريف وشعراء العالم


لا أجد ما أصمت به هنا غير هايكو للشاعر رانسيتسو الذي أستسمح روحه في استبدال كلمة"برقوق" ب "لوز":


دافئاً يتحوّل الطّقسُ
شيئا فشيئا، بينما زهرة لوز
بعد أخرى تتفتّح.
......................................
كاميرا جمال المحدالي
تعليق: منعم الأزرق
المرساة


26 - يناير - 2008
أحاديث الوطن والزمن المتحول
القصيدة / الملحمة : أدرهار أبران    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

 
 
*القصيدة تؤرخ لمعركة "ادهار أبران" التي سبقت بقليل معركة أنوال 1921 ..
 
Image hosted by allyoucanupload.com
 
لسماع القصيدة / الملحمة مغناة يرجى النقر على هذا الرابط : http://www.rifland.org/walid_mimoun/music/ch-dhar.htm 

28 - يناير - 2008
أحاديث الوطن والزمن المتحول
 42  43  44  45  46