خرائب أبي العلاء كن أول من يقيّم
كل الشكر لأستاذنا الكبير ياسين الشيخ سليمان على هذه المداخلات القيمة، والملاحظات النفيسة، وأعتذر أني لم انتبه أيضا إلى تعليقه الأسبق (اختيارات رائعة) حتى هذه اللحظة فشكرا لأستاذنا هنا وهناك، وأما ارتيابي بضوء السقط المنشور في الموسوعة فلأني وجدت فيه مفردات مشروحة في كتب أخرى لأبي العلاء شرحا مغايرا، ولأني رأيت بعض الكلمات أوردها الشارح إيراد المآخذ كقوله في شرح القصيدة التي قلنا أنها (يحتمل أن تكون في مدح صالح) إذ تثني عليك البلاد أنك لا تأخُذُ من رِفدِها وتَرْفِدُها
قال: أي: أنك لا تَسْتَرْفِد البلادَ، وإنما رفْدُك يأتيها، وهذه دعوى باطلة. لأن العالم إنما يرزقهم الله سبحانه من الأرض أما مفردات أبي العلاء في اللزوميات فلا تزال بحاجة إلى تحقيق وتدقيق، وأضرب لك مثالا القطعة التي يقول في آخرها:
غركم بالخلاف أصفر قيس |
|
بـرهـة ثم أصفر iiثعلبي |
فقد علق شارح اللزوميات نديم عدي (ص 1717) أن المراد بالأصفر الثعلبي يزيد بن المهلب بن أبي صفرة، لأن نسبه ينتهي إلى ثعلبة بن مازن بن الأزد.
وهذا خطأ بكل تأكيد لأن بني المهلب لم يشتهروا بهذه النسبة، وأنا أرجح هنا أن يكون قد وقع تصحيف في طبعة اللزوميات وأن الصواب (تغلبي) ولو أفردنا موضوعا مستقلا للتصحيف في هاتين النسبتين لرأينا العجب العجاب. وبما أن أبا العلاء تناول في لزومياته وقائع عصره ولاسيما ما طرأ على حلب والمعرة فأنا أرجح أن الأصفر التغلبي هو (أحمد بن الحسين الجزري) المعروف بالأصفر التغلبي وكان معاصرا لأبي العلاء وقد أوجز ابن العديم أخباره فقال:
(أحمد بن الحسين الجزري التغلبي: المعروف بالأصفر، كان مقدماً مذكوراً، ظهر في الجزيرة، وعبر إلى الشام مظهراً غزو الروم فتبعه خلق عظيم من المسلمين، وجرت له مع الروم وقعات، ودخل حلب في سنة خمس وتسعين وثلاثمائه، فقبض عليه لؤلؤ السيفي، وجعله في قلعة حلب.
وقرأت في تاريخ أبي غالب همام بن الفضل بن جعفر بن علي بن المهذب المعري قال: فحدثني من شاهد عسكره أنه كان يكون في اليوم ثلاثين ألفاً، ثم يصير في يوم آخر في عشرة آلاف وأكثر وأقل لأنهم كانوا عواماً وعرباً، ونزل على شيزر، وطال أمره فاشتكاه بسيل ملك الروم إلى الحاكم، فأنفذ إليه مفلحاً اللحياني في عسكر عظيم فطرده سنة خمس وتسعين.
وقبض عليه أبو محمد لؤلؤ السيفي بخديعة خدعه بها، وذلك أنه أنفذ إليه أن يدخل إليه إلى حلب، وأوهمه أنه يصير من قبله، فلما حصل عنده قبض عليه وجعله في القلعة مكرماً، لأنه كان يهول به على الروم.....
ونقلت من خط يحيى بن علي بن عبد اللطيف بن زريق المؤرخ: وفي سنة خمس وتسعين ظهر رجل غازي متزي بزي الفقراء، ومعه خلق كثير من العرب يسمى أحمد بن الحسين أصفر تغلب، ويعرف بالأصفر، وتبعه وصحبه رجل من العرب يعرف بالحملي، وأسرى في جماعة من العرب وغيرهم ممن اجتمع إليه، ولقي عسكر الروم فأخذه وكسره إلى أرتاح، وسار يريد أنطاكية نحو جسر الحديد، فلقيه بطريق من بطارقة السقلاروس في عسكر كان معه، فقتل الحملي وانهزم الأصفر إلى بلد سروج، فانتهى إلى الماخسطرس أن الأصفر ساكن في الجزيرة في ضيعة تعرف بكفر عزور من عمل سروج، وهي ضيعة كبيرة ولها سور، فقصده في عساكره وعبر الفرات، ونازل كفر عزور وكان قد اجتمع إليها أكثر أهل تلك الأعمال لحصانتها، وأقام ثمانية عشر يوماً وفتحها وأخذ منها اثني عشر ألف أسير وغنائم كثيرة، وحرم الأصفر، وهرب هو بالليل، وكانت عرب بني نمير وكلاب اجتمعت مع وثاب (1) في زهاء ستة آلاف فارس، فلقوا عسكر الروم وظفروا بهم، وهرب الروم إلى أنطاكية وجد الماخسطرس في طلب الأصفر والتمس من لؤلؤ أن يحمله إليه خوفاً من ارهاج المسلمين عليه، وتوسط الحال بينهما على أن يأتي إلى حلب على أن يكون الأصفر في القلعة بحلب معتقلاً أبداً، وحمله إليه في شعبان سنة سبع وتسعين، فقيده لؤلؤ واعتقله ولم يزل في القلعة إلى أن حصلت حلب للمغاربة في سنة ست وأربعمائة.
__________________
1- وثاب هذا ذكره أيضا أبو العلاء في اللزوميات فقال:
وَالـحَيُّ إِن يُعطَ iiالبَقاءَ |
|
فَـإِنَّـهُ يَـفـنى iiوَيَكبَر |
وَيَصيرُ ما قَضى مِنَ iiال |
|
أَيّـامِ أَحـلامـاً iiتُـعَبَّر |
مِـن قَبلِنا سَعَتِ iiالسُعاةُ |
|
لِـرَهطِ وَثّابِ بنِ iiجَعبَر |
جَـمَـعوا لَهُ مِن كُلِّ iiأَو |
|
بٍ وَاِجتَنى النَخلَ المُؤَبَّر |
وهو أحد أمراء بني نمير أصحاب الرقة والرافقة وهم أخوة بني هلال أبناء عامر بن صعصعة، وأعمام بني كلاب، وووثاب بن جعبر هذا غير وثاب بن محمود الذي يرد ذكره في حوادث سنة 468 و471هـ كما أن (جعبرا) والد وثاب غير جعبر القشيري الذي سميت قلعة جعبر باسمه
وقد خطب صالح بن مرداس الكلابي علوية بنت وثاب بن جعبر النميري لابنه نصر (شبل الدولة) وولدت له ابنه محمودا الذي كان من أشهر ملوك حلب |